|
ملتقى الحوارات والنقاشات العامة قسم يتناول النقاشات العامة الهادفة والبناءة ويعالج المشاكل الشبابية الأسرية والزوجية |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() حقيقة المنهج الإصلاحي في القرآن والسُنَّة
الإصلاح دعوة فطرية وحاجة إنسانية ملحة، فهو أساس استقامة الأفراد وصلاح المجتمعات، وقد جاء الإسلام بمنهج إصلاحي شامل ومتكامل، يستمد قوته من الوحي الإلهي في القرآن الكريم والسُنَّة النبويَّة المطهرة، هذا المنهج لا يقتصر على جانب دون آخر، بل يشمل إصلاح العقيدة والعبادة والأخلاق والمعاملات، ويستهدف تحقيق سعادة الإنسان في الدنيا والآخرة. أولاً: مفهوم الإصلاح
الإصلاح في القرآن الكريم وقد وردت كلمة «الإصلاح» ومشتقاتها في القرآن الكريم في مواضع عديدة، للدلالة على معانٍ متنوعة تصب في هذا الإطار الشامل، منها: إصلاح ذات البين، قال -تعالى-: {فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ} (الأنفال: 1)، وإصلاح العمل: قال -تعالى-: {فَمَنْ آمَنَ وَأَصْلَحَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} (الأنعام: 48)، وإصلاح حال المجتمعات، قال -تعالى عن شعيب عليه السلام-: {إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ} (هود: 88). الإصلاح في السُّنة النبويَّة وفي السُّنة النبويَّة، يتجلى مفهوم الإصلاح في أقوال النبي - صلى الله عليه وسلم - وأفعاله، وفي دعوته إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وفي بناء مجتمع المدينة المنورة على أسس العدل والإخاء والتعاون. ثانياً: أركان المنهج الإصلاحي يقوم المنهج الإصلاحي في الإسلام على أركان عدة متكاملة: (1) إصلاح العقيدة إصلاح العقيدة هو الأساس الذي يبنى عليه كل إصلاح، فصلاح الأفراد والمجتمعات يبدأ بتصحيح الاعتقاد في توحيد الله -تعالى-، ونبذ الشرك بمختلف أنواعه، قال -تعالى-: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} (النحل: 36)، قال -تعالى-: {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162)لَا شَرِيكَ لَهُ} (الأنعام)، وعن ابن عمر -رضي الله عنهما- أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت». (2) إصلاح العبادة إصلاح العبادة يكون بإقامة الشعائر الدينية على الوجه الذي يرضي الله -تعالى-، مع الإخلاص والمتابعة لسنة النبي - صلى الله عليه وسلم -، قال -تعالى-: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} (البينة:5)، عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد». (3) إصلاح الأخلاق والسلوك التحلي بمكارم الأخلاق من أهم الأسس التي يدعو إليها الإسلام، ونبذ الرذائل، وتزكية النفس، وتطبيق آداب الإسلام في التعاملات اليومية، قال -تعالى-: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا} (الشمس: 9-10)، وقال -تعالى-: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} (القلم: 4)، وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً». ![]() (4) إصلاح المعاملات وإصلاح المعاملات لا يتأتى إلا بتطبيق العدل والإنصاف في جوانب الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، ومحاربة الفساد، قال -تعالى-: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} (النحل: 90)، وقال -تعالى-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ} (النساء: 135)، وعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان» ثالثًا: ثمرات الإصلاح أهم ثمرات الإصلاح تتجسد في تحقيق مجتمع أكثر تماسكًا ووحدة؛ حيث يسود فيه الأمن والسلام، وتنتشر فيه المحبة والألفة بين أفراده، كما يؤدي الإصلاح المجتمعي إلى تحسين الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، وتعزيز قيم التعاون والتكافل؛ ما يساهم في تحقيق التنمية المستدامة ورفع مستوى معيشة الأفراد، ومن أهم ثمرات الإصلاح ما يلي: الإصلاح يمنع الفتن الإصلاح مانع لأسباب الفساد التي تقع في الأرض؛ فيختل بها نظام الأمن، ويقع فيها من الشرور والمفاسد ما الله به عليم، كما قال -جل وعلا-: {وَالصُّلْحُ خَيْرٌ} وقال -عز من قائل-: { فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ}، وفي ذلك دعوة إلى الخير ومنع الشر، وسيادة الأخلاق القويمة في المجتمع. الإصلاح يعين على مواجهة الأزمات الإصلاح المجتمعي يجعل المجتمعات أكثر قدرة على الصمود ومواجهة الأزمات، وتجعل استعداد المجتمع أفضل للتعامل مع الصدمات الخارجية، سواء كانت كوارث كونية، أو أزمات اقتصادية، أو تحديات عالمية، ويكون لديه قدرة على بناء خطط فاعلة للطوارئ لمواجهة تلك الأزمات. الإصلاح يرسخ قيم المسؤولية يساهم الإصلاح المجتمعي في ترسيخ قيم المواطنة المسؤولة بين الأفراد، عندما يشعر المواطنون بالملكية تجاه مجتمعهم، ويدركون حقوقهم وواجباتهم، فإنهم يصبحون أكثر حرصًا على المصلحة العامة، وهذا يشمل احترام القانون، والمشاركة في الحياة المدنية، وحماية البيئة، والمساهمة في العمل التطوعي؛ فالمواطنة المسؤولة هي أساس مجتمع حيوي ومزدهر؛ حيث يعمل الجميع لتحقيق الخير المشترك. الإصلاح يعزز العدالة والمساواة من أبرز ثمرات الإصلاح المجتمعي تحقيق العدالة والمساواة بين أفراد المجتمع، وهذا يشمل توفير فرص متساوية في التعليم، والصحة، والتوظيف، والوصول إلى الخدمات الأساسية؛ حيث يصبح المجتمع أكثر عدلاً واستقرارًا وتماسكًا، ويشعر كل فرد بأنه جزء لا يتجزأ من النسيج الاجتماعي. الإصلاح يحقق الاستقرار من أهم ثمرات الإصلاح المجتمعي تحقيق الاستقرار الاجتماعي والسياسي، فعند معالجة المظالم، وتوفير الفرص، وتعزيز العدالة، تقل التوترات والصراعات داخل المجتمع، فضلا عن فتح قنوات للحوار والتفاهم تسهم في بناء الثقة بين أطياف المجتمع المختلفة، وهذا الاستقرار يمثل الركيزة الأساسية لأي تقدم وتطور مستقبلي. الإصلاح يمنع الاختلاف من حقيقة الإصلاح منع الاختلاف والتنازع، فالله -جل وعلا- يقول: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ} (الحجرات:10)، وجاء في قصة الأنفال واختلاف الصحابة -رضوان الله عليهم- في شأنها في بدر في أول غزوة تكون لهم فيها تلك الغنائم عندما قالت كل طائفة قولاً، فجاء قوله -سبحانه وتعالى-: {فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ} (الأنفال:1) فجعل ذلك الإصلاح مانعًا للاختلاف، وذلك بالرد إلى كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم -. رابعًا: صفات المصلحين في القرآن إن القرآن الكريم مليء بالنماذج الحيّة التي تمثل أنموذج الشخصية الإصلاحية من الأنبياء والمصلحين، الذين جعلهم القران بمثابة مؤسسة علمية كبيرة، تنير كل ما يحتاجه المصلح في ميدان إصلاحه، كل في ميدانه، وهذه الصفات شروط في تحقيق الإصلاح العام، لمن أراده. ![]() (1) وضوح الرؤية وإخلاص النيّة لقد أخبر الله -تعالى- عن حال الأنبياء والرسل في كتابه الكريم مع أقوامهم، كما قال -تعالى-: {وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ} (الشعراء: 109)، وقال -تعالى-: {إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ} (الأعراف: 59)، فكانت نياتهم في تغيير الواقع لله -تعالى- فقط، كما قال -تعالى- { قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} (الأنعام)؛ لذا وقع أجرهم على الله -عز وجل-، قال -تعالى-: {وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ} (الأعراف: 170). (2) التوكل والثقة والصبر واليقين هذه المقومات الأربعة من أهم الأسس في بناء النفس والأمم، ولم يأت نبي ولا مصلح إلاّ زُود بهذه المقومات لأداء رسالته الإصلاحية، فإذا لم يتحل المصلح بهذه العناصر، فليس بإمكانه أن يجتاز أي مرحلة من مراحل الإصلاح، فلسان كل مصلح في القرآن (وما توفيقي إلا بالله فهو القادر على إنجاح مسعاي)، قال -تعالى-: {وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ} (هود: 88)، وجاء في وصف المصلحين أنهم غرباء يستغرب الناس فهمهم للإسلام، فعن جابر بن عبد الله - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إن الإسلام بدأ غريبًا، وسيعود غريبًا، فطوبى للغرباء، قال: ومن الغرباء يا رسول الله؟ قال: الذين يصلحون إذا فسد الناس» رواه الطبراني في مجمعه الأوسط. (3) علو الهمة من أبرز خصائص القدوة المؤثر، علو الهمة مع اللطف والخُلُق الرفيع، وهذه الخصائص من أهم سمات الصالحين فضلاً عن أن يكونوا مصلحين، ومن هنا فقد أكدت النصوص القرآنية والأحاديث النبوية على أهمية الالتزام بالسلوك المؤلِف، تجنب السلوك والتصرف المنفِّر، فجاء هذا التحذير الواضح في قوله -تعالى-: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ} (آل عمران: 159)، وقال -تعالى-: {وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ} (فصلت: 34). حقيقة التوحيد إن الإصلاح المجتمعي ليس خيارًا، بل ضرورة حتمية لأي مجتمع يطمح إلى التقدم والازدهار، فثماره لا تقتصر على جوانب محددة، بل هي شاملة ومتكاملة، وتمس كل فرد وكل جانب من جوانب الحياة، إنها عملية تتطلب الإرادة السياسية، والمشاركة المجتمعية، والرؤية الواضحة، ولكن نتائجها تستحق كل جهد مبذول. العوامل التي بها صلاح المجتمع اعداد: وائل رمضان
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |