|
ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() "فتنة التكاثر" عبدالعزيز أبو يوسف الخطبة الأولى الْحَمْدُ لِلَّهِ، ذِي الطَّوْلِ وَالْإِنْعَامِ، الْمُحْسِنِ بِفَضْلِهِ إِلَى جَمِيعِ الْأَنَامِ، وصلى الله وسلم على نبينا مُحَمَّد عَبْد اللهِ وَرَسُوله، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ والتابعين أولي الفضل والمكرمات، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا، أمَّا بَعد:فَاتَّقُوا اللَّهَ عِبَادَ اللهِ، فَتَقْوَاه هِيَ الفلاح، وَالْمَنْجَاةُ يوم الفزع الأكبر، ﴿ وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفَازَتِهِمْ لَا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾ [الزمر: 61]. أيها المسلمون، من فضل الله تعالى على أمة محمد صلى الله عليه وسلم أن أنزل إليهم كتابه العظيم والحكمة، وهي السُّنَّة، فقال سبحانه: ﴿ وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ ﴾ [النساء: 113]، وقال صلى الله عليه وسلم: "ألا إني أُوتيت القرآن ومثله معه"؛ رواه أبو داود والترمذي، فلا ينطق عن الهوى إن هو إلا وَحْيٌ يُوحى كما ذكر ذلك الله عز وجل عنه، ومن الحكمة التي أُوتيها عليه الصلاة والسلام نُصحه لأُمَّته، وإرشاده لهم فيما يُصلح لهم أمر آخرتهم بأوجز العبارات، وأبلغ الكلمات، ومن دررها ما رواه الإمام مسلم في صحيحة عن عبدالله بن الشخير رضي الله عنه، قال: "أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقرأ: ﴿ أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ ﴾ [التكاثر: 1]، ثم قال: "يقول ابن آدم: ما لي، ما لي، وهل لك يا بن آدم من مالك إلا ما أكلت فأفنيت، أو لبست فأبليت، أو تصَدَّقْت فأمضيت". فهذا الحديث الشريف أيها المباركون غاية في الدقة والنفع في بيان حال المرء مع المال، فما الذي سيكون له من ماله الذي يسعى لجمعه وتحصيله بكَدِّه وجهده ويُفني عُمره لكسبه في حياته غير هذه الثلاثة الأمور، ما أكل فأفنى، أو لبس فأبلى، أو تصَدَّق فأمضاه ذُخرًا له في الآخرة، وما زاد عن ذلك فهو حارس وخادم له، يبقى قلبه مشغولًا به، وجوارحه مسخرةً له، لا يُفكر إلا في تنميته، ويقلقه نقصه، أو زيادة مال الآخرين عليه، فإذا لم تقنع النفس وترضى برزقها المكتوب لها، وأبت إلا مزيدًا من جمع المال والاستكثار منه مع غفلةٍ عن العمل للمعاد، بقيت مُعذَّبة لأجل تحصيل ما لا قدرة لها عليه، فصاحبها مهموم ومغموم لكل ما يفوته مما يُستكثر منه، فلا راحة وطمأنينة وفلاح إلا بالقناعة، قال صلى الله عليه وسلم: "قد أفلح من أسلم، ورُزق كفافًا، وقنعه الله بما آتاه"؛ رواه مسلم. ويقول عليه الصلاة والسلام مبينًا خطر شدة الحرص على جمع المال: "ما ذِئبانِ جائعانِ أُرْسِلا في غنَمٍ، بأفسدَ لَها من حِرصِ المَرءِ علَى المالِ والشَّرَفِ لدينِه"؛ رواه الإمام أحمد والترمذي،فهذا مَثَل ضربه النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيْه وسلَّم؛ لِيُوضِّحَ مَدى الفَسادِ للدين الَّذي يَنتُجُعن حِرصِ العبدِ على المالِ والشَّرفِ، وأن ذلك ليسبأقلَّ مِن إفسادِ ذِئبينِ أُطْلِقا على غنمٍ؛ فكما أن الذئبين سيُفسدان الغنم بالقتل والأكل والجرح، فكذا الحرص على المال والشرف مُفسدان للدين كما يُفسد الذئبان الغنم حين إرسالهما فيها، ومما يُنسب لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه من الشعر: دع الحرص على الدنيا ![]() وفي العيش لا تطمع ![]() ولا تجمع من المال ![]() فلا تدري لمن تجمع ![]() ولا تدري أفي أرضك ![]() أم في غيرها تُصرع ![]() فالرزق مقسوم ![]() وسوء الظن لا ينفع ![]() فقير كل من يطمع ![]() غنيٌّ كل من يقنع ![]() بارك الله لي ولكم في الكتاب والسُّنَّة، ونفعنا بما فيهما من الآيات والحكمة، أقوُلُ قَوْلِي هَذَا، وَأسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلكُم وَلسَائرِ المُسلِمينَ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ وَخطيئةٍ، فَاستَغْفِرُوهُ، إنَّهُ هَوَ الغفورُ الرَّحِيمُ. الخطبة الثانية الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:أيها الفضلاء: تأملوا قول الله تعالى: ﴿ هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ ﴾ [الملك: 15]، قال جل وعلا في طلب الرزق: ﴿ فَامْشُوا ﴾، ولم يقلْ: فاسعوا أو سارعوا؛ ليدرك المرء أنَّ همته في طلب مرضاة الرزاق يجب أن تفوق همَّتَه في طلب الرزق المقسوم له، وأنَّ سعيه للرزق يجب أن يكون في حدود المباح مجتنبًا للمشبوه والمحرم؛ حتى يسعدَ في الدنيا، ويُبعث يوم القيامة في عدادِ الأبرار؛ ولذا خُتِمت الآية بقوله سبحانه: ﴿ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ ﴾، لتُذكر المرء الذي يسعى لطلب الرزق أنه مسؤولٌ يوم القيامة عن كلِّ ما يحصل عليه من رزق أمن حلال اكتسبه وأنفقه؟ أم من حرام؟ كما ذكر ذلك محمد صلى الله عليه وسلم، فيكون طلبه للرزق في حدود مرضاته للرَّازق، ممتثلًا إرشاد نبينا صلى الله عليه وسلم حين قال: "أيها الناس، اتقوا الله، وأجملوا في الطلب، فإن نفسًا لن تموت حتى تستوفي رزقها، وإن أبطأ عنها، فاتقوا الله، وأجملوا في الطلب، خُذوا ما حل، ودعوا ما حرُم"؛ رواه ابن ماجه وابن حبان. وفي قوله سبحانه: ﴿ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ ﴾، تنبيه لطيف بأن البقاء على الأرض ليس إلا مؤقتًا، فلا يحسُن بنا أن نركن إليها، ونتعَلَّق بها، ويكون سعْيُنا فيها لطلب الرزق مشغلًا عن طلب ما نتزود به لدار القرار، فالتغابن الحق ليس فيما يُصيبه المرء من متاع الدنيا الفاني، وإنما فيما يُقدمه لأُخْراه من أعمالٍ صالحة يرجو ذُخْرها وبرها يوم الدين، ﴿ يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ ذَلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ ﴾ [التغابن: 9]، فمن شغله ماله من تجارة أو وظيفة أو زراعة أو غير ذلك من سُبُل جَمْع المال عن ذكر ربِّه من صلاة وتلاوة للكتاب العزيز ولهج اللسان بالأذكار المشروعة والاستقامة على أمر الله تعالى، فقد خسر خُسرانًا مبينًا، ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ ﴾ [المنافقون: 9]. فالعاقل والموفق من عباد الله من تدبَّر ذلك، واستحضر في كل حين أن المال وسيلة لا غاية، وقدم من ماله ما يسره أن يلقاه في الأخرى، وجعل المال خادمًا له، معينًا له على أسباب فلاحه وسعادته في الدارين، ونأى بنفسه أن يكلفها ما لا تطيق لكسب مزيد منه تكثرًا وفخرًا، وانشغالًا به عن طلب مرضاة ربه عز وجل وكثرة ذكره ومحافظةً على صلاته، وتزودًا بالصالح من الأعمال والأقوال التي تنفعه في معاده. اللهم لا تجعل الدنيا أكبر همنا، ولا مبلغ علمنا، ولا إلى النار مصيرنا، واجعل الجنة هي دارنا وقرارنا برحمتك يا أرحم الراحمين، اللهم هب لنا غنًى لا يُطغينا، وصحةً لا تُلهينا، واكفنا بحلالك عن حرامك، وبفضلك عمَّن سواك. عباد الله، صلوا وسلموا على من أمرنا المولى بالصلاة والسلام عليه، فقال عز من قائل عليمًا: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 56]، اللهم صلِّ وسلِّم وبارك على نبينا محمد صاحب الوجه الأنور، والجبين الأزهر، وارْضَ اللهم عن خلفائه الراشدين والأئمة المهديين: أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وعن سائر الصَّحْب والآل، ومَنْ تَبِعَهم بإحسان إلى يوم التناد، وعنا معهم بمَنِّك وكرمك يا أكرم الأكرمين. اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمِّر أعداءك أعداء الدين، وانصر عبادك الموحدين، اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا واجعل هذا البلد آمنًا مطمئنًّا سخاءً رخاءً، اللهم وفق ولي أمرنا خادم الحرمين الشريفين وولي عهده لما تحبه وترضاه من الأقوال والأعمال، ومُدَّهما بنصرك وإعانتك وتوفيقك وتسديدك، وأدم على هذه البلاد أمنها وإيمانها وقيادتها ورخاءها، ومن أراد بها سوءًا فأشغله في نفسه، واجعل كيده في نحره، اللهم فرِّج هَمَّ المهمومين من المسلمين، ونَفِّس كرب المكروبين، واقْضِ الدَّين عن المدينين، واشْفِ مرضانا ومرضى المسلمين، اللهم اغفر لنا ولوالدينا وللمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات، اللهم أصلح نيَّاتنا وذرياتنا، وبلغنا فيما يرضيك آمالنا، وحَرِّم على النار أجسادنا، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. عباد الله، ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴾ [النحل: 90]، فاذكروا الله يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ﴿ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ ﴾ [العنكبوت: 45].
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |