نحو استيعاب هادف للذاكرة النحوية

[ابوالوليد المسلم]

نحو استيعاب هادف للذاكرة النحوية
د. معمر العاني








لا يمكن أن أغضَّ الطرف وأنا أروم أن أُبين فكرتي عن أمر عماده: قيمة المراجعات لتاريخ النحو العربي؛ منطلقًا غوته (Goethe): إنه يتعين من وقت إلى آخر إعادة كتابة التاريخ العام، لا لأننا نكتشف وقائع جديدة، ولكن لأننا ندرك جوانب مختلفة، ولأن التقدم يأتي بوجهات نظر تفسِح المجال أمام إدراك الماضي والحكم عليه من زوايا جديدة.



وأهجس - تأصيلًا لما سبق - أن إعادة مراجعة جهود النحاة يعطي صورة دقيقة ومتكاملة عن الفكر اللغوي عبر العصور، وتمثِّل حصيلة مركزة للجهود أفكارًا وتصنيفات، وصرف النظر عن الخلاف في الأشخاص، وأسبقية أحدهم على الآخر، وأيهم أحق بالجهد من غيره، ولقد اخترنا أن نمتحن علامات فارقة في تأريخ النحو يمكن إعادة قراءتها من الدارسين بأسئلة وتصورات وافدة، وتقديم رؤى نقدية في المجال اللغوي؛ لتستبين مكانة أوقع في المعارف الإنسانية.



وأرى أن استعادة الذاكرة النحوية وبيان طبيعة الفكر ثاوية في التبصر بالتقسيم القادم:

• الأعمال التي تنتمي إلى ما يُعرف بالنحو التعليمي، ويجهر فيها قوم بأنها تهدف إلى فكرة صيانة اللغة، ولا تنفك عن دراسة النحو في ضوء تجنُّب الخطأ اللغوي بمحددات للتقعيد لا يخرج عنها المتلقي، آخذين بالحسبان الجانب المعياري لضبط القواعد، والجانب التحليلي لتوضيح التراكيب.



• الأعمال التي تيمِّم وجهها تجاه المعاني النحوية للتراكيب وتنوُّع الجمل، ووصف الظواهر النحوية في ضوء المنطلقات العلمية، وليس ما يعرف بالنحو الوصفي عن ذلكم ببعيد.



وبهذا الذي قدَّمته ونحو مما أمسكت عنه من السرد التاريخي والنقل من مأثور اللغة، ورصد الأقوال المرسلة ممن سبق، أبث إطلالة على مشاهد نحوية فاعلة في فضاء الزمن، وأتحرى استقراءها عبر إيجاز عابر؛ لتكون منطلقًا للبحث والتحليل، والوقوف إلى ما يتجاذبها من عوامل القوة والضعف، وتوجيه النقد في السياقات الظاهرة والباطنة، مع العناية بالأدلة والحجج المقررة، وتتشكل بالتسلسل القادم:

• 100 هـ/ وعي التصنيف:

سيبويه (180)، والكسائي (188) شرقًا، والعبسي الموروري (198) غربًا.



• 200 هــ / التصنيف التطبيقي للغة البيان الأعلى: الفراء (207)، والأخفش (212).



• 300 هــ / إحياءٌ وجمعٌ نحوي ورصدٌ تعليمي من سيبويه إلى ابن جني (293): الرياحي ( 358)، وابن سيده (358)، والزبيدي ( 393).



• 400 هـ/ توظيف لتأريخ الأصول النحوية: الأعلم الشنتمري (476).



• 500 هـ/ النأي عن منطقية النحو والتزام كتاب سيبويه وجمل الزجاجي (337): ابن الطراوة ( 528)، والسهيلي( 581).



• 600 هـ/ براعة في تفسير الحدود النحوية: الجزولي ( 607)، ابن الضائع (614)، ابن مالك ( 672).



• 700 هـ/ أمة نحوية في عصر وأمة نحوية في رجل: الأولى العصر المريني كابن البقال ( 725) وغيره، والأخرى ابن هشام (761).



• 800 هــ / اختيار الشروح: الإسكندري (837) شارح المغني، والكافيجي (879) شارح قواعد الإعراب.



• 900 هــ / الصناعة الموسوعية: السيوطي (911) جامعًا للمصنفات والأشموني (929 ) جامعا للآراء.



• 1000 هـ/ زمن نحوي مشحون بالحواشي بمحاسنها ومساوئها: ياسين العلمي بحواشيه على مؤلفات: ابن مالك، والأزهري، وابن هشام، والتفتازاني، والأسفراييني، والفاكهي...




وبعد، هذا ما قادني إليه يسير اطلاع على مسار الجهد النحوي عبر العصور، وأظنها - والله أعلم - سيرورة في استشراف معالم في الدرس النحوي عبر علامات قائمة آثارها ووارفة ظلالها مُعينة دارسيها على استقراء حصيف منظم بزمن ومخصص بموضوع، وغير مقيد بالتجاذبات الحاصلة من بعض الدارسين في إثبات علو شخص على آخر، فنحن حضارة نص لا حضارة شخص.