في رحاب الثقة بالله - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         سماحة النفس (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 26 )           »          حدث في الرابع والعشرين من شعبان 1143 وفاة إمام الشام الفقيه (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 32 )           »          الأمانة أمانة... حتى في الأشياء الصغيرة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 30 )           »          الأقدار الحزينة في حياة النبي صلى الله عليه وسلم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 3 - عددالزوار : 594 )           »          نظرات نفسية في الصيام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 3 - عددالزوار : 534 )           »          مفارقات بين الخلق والخالق (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 31 )           »          إنه ينادينا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 4 - عددالزوار : 35 )           »          نحن والوقت (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 28 )           »          صديقي رمضان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 25 )           »          موسى عليه السلام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 15 - عددالزوار : 3145 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > الملتقى الاسلامي العام
التسجيل التعليمـــات التقويم

الملتقى الاسلامي العام مواضيع تهتم بالقضايا الاسلامية على مذهب اهل السنة والجماعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 02-02-2020, 01:57 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 151,275
الدولة : Egypt
افتراضي في رحاب الثقة بالله

في رحاب الثقة بالله



عبدالعزيز كحيل




ليست علاقة المؤمن بربه علاقة حسيَّةً كشأن اليهود، ولا نفعية كشأن التجّار؛ إنما هي صلة المخلوق المتصف بالجهل والفقر والعجز - رغم علمه وغناه وقوته - بخالقه الذي جمع لذاته العليَّة صفات الجمال والجلال والكمال، واختص بمنتهى العلم والغنى والقدرة، عنده منتهى الرحمة والعدل والمغفرة وهو - بالإضافة إلى كونه الخالقَ الرازق - صاحب الملك الواسع كما أنه صاحب التدبير لكل شيء:
﴿ فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴾ [يس: 83].

﴿ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ﴾ [السجدة: 5].

﴿ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ ﴾ [الأنعام: 59].

ومن شأن هذه الصفات أن تورث المؤمن الثقة الكاملة بربه، وهو على وعي تامٍّ بذاته ومُحيطه وظروف الزمان والمكان، يعلم أنه سيكون للصبر ثمرة، وأن الشر لن يمرَّ بلا رادع، وأن الجريمة لن تُفلت من العقاب، فله - سبحانه وتعالى - حكمة في كل شيء، حتى ما نراه بسبب حجاب المعاصرة مكروهًا وسوءًا، له حكمة في المرض والألم والمعاناة والقُبح - فضلاً عن الجمال - والفشل واستفحال الباطل ردحًا من الزمن؛ أي: إن الثقة بالله ليست تغييبًا لوعي الإنسان، ولا هي تحليق به في الخيال أو التاريخ الغابر، إنما هي شعور واعٍ بحجمٍ وقدراتٍ ضخمة يستمدُّه من إيمانه العميق البصير ليَبني الحياة في نفسه ومن حوله، وتشتمل هذه الثقة على عدة معانٍ إيمانية تزكي النفس وتَصقلُها وتمدها بأسباب القوة والتحمُّل والثبات؛ كالتفويض، والتسليم، والتوكُّل، والرضا، وكلها تدور حول اتجاه القلب والعقل إلى الله بالعبودية، وإلى الحياة بالعمل والإنجاز؛ لأنها تورث الطمأنينة والراحة النفسية لاقتناعها الواثق بشمول قدرة الله وعلمه وحكمته ورحمته، وذلك يعني الثقة بوعد الله الذي لا يخلف، ونصره المحتوم للمؤمنين ودفاعه عنهم، وأنه يُملي للظالمين ما شاء له أن يُملي ثم يأخذهم أخذ عزيز مقتدر في الدنيا قبل الآخرة فيخلِّص الناس مِن فراعنة كل زمان ويطوي صفحة المستبدِّين.

وتمتد هذه الثقة أيضًا إلى ما تكفَّل به الله من الرزق لخلقه وضمانه لهم:
﴿ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ ﴾ [الذاريات: 58].

﴿ وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا ﴾ [هود: 6]، وقد أكد الضمان بالقَسَم؛ ﴿ وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ * فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ ﴾ [الذاريات: 22، 23].

وهذه حقائق لا تُصلح الفرد فحسب، بل هي منهج إيماني فريد لإصلاح الأمة والبشرية لو أخذت به، فلو اقتنع الناس بهذه الثوابت واستمدوا منها تصوَّرهم للحياة، لتغيرت هذه الحياة، وإنما حجبهم عنها طغيان المادة واستواؤها على النفوس والرؤى والبرامج التعليمية والاجتماعية، فوثق الناس في المادة والأمور المحسوسة، وتغافَلَ أكثرُهم عن الإيمان والقيَم التي تصنع الثقة بالله، أما العارفون فيرون فيها صيدلية تستمد أدويتها المعروضة من كلمة التوحيد والإخلاص فلا يَستعصي عليها مرض، وهي تحرِّر الإنسان من الأغلال ومن جميع العبوديات الباطلة، كما أنها مفتاح للطاقة المكنوزة في داخله، يحس بفضل هذا أنه ليس وحده أمام واقعه الصعب، ولكن تحفُّه العناية الإلهية من كل جانب.

وهذه الثقة بالله صفة ملازمة للمؤمنين في جميع أحوالهم، في حال السعة والضيق والرفاهية والشدة، وتظهر آثارها في واقع المؤمنين وحركتهم وتصرفاتهم في حال الأزمات الخانقة والمنعطفات المحيِّرة، وهي تتراءى في عدد من المواقف البارزة، ذكر القرآن شيئًا منها:
أم موسى عليه السلام: ﴿ وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ ﴾ [القصص: 7].

بادرت المرأة الربانية إلى تنفيذ ما خطر ببالها وأُلقيَ في رُوعها، رغم قسوة مفارقة ابنها الرضيع - من جهة - ورمْيه في البحر أو النهر - من جهة أخرى - وإنه لمن الصعب إقناع أي أمٍّ بمثْل هذا مهما صاحَبَه منِ وعود مستقبلية، لكن ثقتها بالله غلبت التردُّد.

موسى عليه السلام: ﴿ فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ * قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ ﴾ [الشعراء: 61، 62].

وهذا موقف آخر عصيب، فالبحر يحول بين الفارِّين من مصر والضفة المقابلة، وعدوهم الذي يطاردهم يوشك أن يلحق بهم، فلم يبقَ بحسب الموازين البشرية أمل في النجاة، لكن نبي الله أنطقته ثقته التامة في ربه، فتجاوز المعايير الأرضية إلى الاعتماد على المقاييس السماوية فلم يخبْ ظنه وجاء الفرَج من حيث لا ينتظر البشر، واستشعار موسى لمعيَّة الله دليل الثقة ومقصدها وعمادها.

ووردت في السنة النبوية وقائع وأخبار مماثِلة:
روى البخاري ومسلم قصة اختباء الرسول صلى الله عليه وسلم وأبي بكر رضي الله عنه في الغار وهما في طريق الهجرة ودنوِّ ملاحقيهم منهما بشكل ينذر بالخطر، وتضايقِ الصديق من ذلك وخوفِه على الرسول والرسالة، فطمأنه بقوله: ((ما ظنُّك باثنين الله ثالثُهما؟!)) وهي عبارة مفعمة بالثقة بالله مهما بدا الظرف بلا مخرج ولا أمل.

وروى البخاري قصة هاجر وقد ترَكها زوجها إبراهيم مع ابنها الرضيع بأرض قفار لا أثر فيها للحياة، وقفل راجعًا وهي تتبعه متعجبة من صنيعه الغريب؛ إذ كيف يُسلم إنسان امرأته وابنه المولود إلى الموت البطيء المحقَّق؟! وعندما التزم الصمت انتبهت إلى السر فسألته: آلله أمرك بهذا؟ فأشار أن نعم، فقالت: إذًا لا يُضيِّعَنا.

أي جرعة من الثقة بالله تشرَّبتها المرأة المؤمنة؟! وأي رصيد من الإيمان اكتسبته لتطمئنَّ إلى خيار يبدو في ميزان الناس عينَ المغامرة المهلكة؟ لكن هل الثقة بالله سوى المُخاطَرة والإقدام والمغامرة التي تقوِّي الذات ولا تدمّرها؛ لأنها تنقلها من التواكل إلى التوكل، وتُشعِرها أنها تستمد قدرتها من قدرة الله وفعلها من فعله، والله هو الفعّال لما يريد.

مثل هذه المعاني جعلت العارف بالله أبا حازم - رحمه الله - يجيب مَن سأله: ما مالُك؟ بقوله: ثقتي بالله، وإياسي مما في أيدي الناس.

والثقة بالله تمنَح الثقة بالنفس فتكون نفسًا رضيَّة إيجابية تتمتع بالحيوية ولا تستسلم أمام الصعاب والعراقيل، بل تحوِّل حتى الإخفاق إلى رصيد من التجربة يجعل صاحبه يصحِّح الأخطاء ويتلمَّس طرقًا أخرى، ولا يعبأ بالمُنتقِدين والمستهزئين، بل يستمر في البذل لإخراج أقصى وأحسن ما يَملكه من قدرات وكفاءات وإمكانات.

وليس هذا الخلُق الكريم من صفات الأفراد وحدهم؛ بل تتَّصف به الأمة - وبالأخص نخبتُها القيادية في مجالات الدعوة والفكر والسياسة والإصلاح - وبغيره لن تكون أهلاً لمهمَّة الشهود الحضاري، فهو يُمكِّنها من التمسُّك بدينها وقرآنها وسنّة نبيِّها وشخصيتها رغم حملات التشكيك والتغريب، وبه تُستسهَل الصعاب في طريق البعث الإيماني ولا تَسحقها التحديات الجسام، خاصة في أزمنة الفتن الداخلية والخارجية، واستفحال الكفْر المتبجِّح والنفاق الجماعي، وانتشار أفكار الهدم والتحريف باسم العقلية النقدية والمَنطق الديكارتي، والتضييق العالمي على التديُّن عامة، وعلى الإسلام وأهله بصفة خاصة، هنا يبرز للعِيان يقين المؤمنين وإيمان الموقنين لترجيح كفَّة الخير والأخلاق، وتحقيق المقاصد والغايات، فالثقة بالله تجعل الأحلام المستحيلة حقيقة، وتفتح لأفراح الغد مجالاً واسعًا لا يتصوَّره من هم أسرى الواقعية المفرطة المنقطعة عن الإيمان.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 53.75 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 52.04 كيلو بايت... تم توفير 1.71 كيلو بايت...بمعدل (3.18%)]