العبودية في الإسلام حقيقتها وشمولها - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         سماحة النفس (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 16 )           »          حدث في الرابع والعشرين من شعبان 1143 وفاة إمام الشام الفقيه (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 23 )           »          الأمانة أمانة... حتى في الأشياء الصغيرة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 18 )           »          الأقدار الحزينة في حياة النبي صلى الله عليه وسلم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 3 - عددالزوار : 529 )           »          نظرات نفسية في الصيام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 3 - عددالزوار : 480 )           »          مفارقات بين الخلق والخالق (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 21 )           »          إنه ينادينا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 4 - عددالزوار : 23 )           »          نحن والوقت (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 19 )           »          صديقي رمضان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 19 )           »          موسى عليه السلام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 15 - عددالزوار : 3139 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > الملتقى الاسلامي العام
التسجيل التعليمـــات التقويم

الملتقى الاسلامي العام مواضيع تهتم بالقضايا الاسلامية على مذهب اهل السنة والجماعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 16-08-2023, 05:40 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 151,275
الدولة : Egypt
افتراضي العبودية في الإسلام حقيقتها وشمولها

العبودية في الإسلام حقيقتها وشمولها

الشيخ عبدالله بن جار الله آل جار الله

سُئل شيخ الإسلام ابن تيميَّة - رحمه الله - عن قوله - تعالى -: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ [البقرة: 21فما العبادة؟ وما فروعها؟ وهل مجموع الدِّين داخل فيها أو لا؟ وهل هي أعلى المقامات في الدُّنيا والآخرة أو فوقها شيء؟ وما حقيقة العبودية؟


فأجاب - رحمه الله -: الحمدُ لله رب العالمين، العبادة اسمٌ جامع لكل ما يُحبه الله ويرضاه، من الأقوال والأعمال، الظاهرة والباطنة، فالصلاة والزكاة، والصوم والحج، وصِدْق الحديث، وأداء الأمانة، وبر الوالدين، وصلة الأرحام، والوفاء بالعهود، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والجهاد للكفار والمنافقين، والإحسان للجار واليتيم والمسكين وابن السبيل والمملوك من الآدميين والبهائم، والدعاء والذكر والقراءة، وأمثال ذلك - من العبادة.


وكذلك حب الله ورسوله، وخشية الله والإنابة إليه، وإخلاص الدِّين له، والصبر لحكمه، والشكر لنعَمه، والرِّضا بقضائه، والتوكُّل عليه، والرجاء لرحمته، والخوف من عذابه، وأمثال ذلك - هي من العبادة.


وذلك أنَّ العبادة هي الغاية المحبوبة لله، والمرضيَّة له، وهي التي خلق الخلق لها؛ قال - تعالى -: ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات: 56]، وبها أرسل جميع الرسل، كما قال نوح لقومه: ﴿ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ [المؤمنون: 23]، وكذلك قال هود وصالح وشعيب وغيرهم لقومهم، وقال - تعالى -: ﴿ وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ [النحل: 36]، وقال - تعالى -: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ [الأنبياء: 25]، فالدِّين كلُّه داخل في العبادة، وقد ثبت في الصحيح: أن جبريل - عليه السلام - لما أتى النبيَّ صلى الله عليه وسلم في صورة أعرابي، فسأله عن الإسلام والإيمان والإحسان، فأخبره بذلك، ثم قال في آخر الحديث: ((هذا جبريل، أتاكم يعلمكم دينكم))[1]، فجعل هذا كله من الدِّين، والدين يتضمَّن معنى الخُضُوع والذُّل، يُقال: دنته فدان؛ أي: ذللته فذلَّ، ويُقال: ندين الله، وندين لله؛ أي: نعبده، ونطيعه، ونخضع له، والعبادة أصل معناها: الذل، أيضًا يُقال: طريق معبَّد؛ أي: مذلَّل قد وطئتْه الأقدام، لكن العبادة المأمور بها تَتَضَمَّن معنى الذل، ومعنى الحب، فهي تتضمَّن غاية الذُّل لله بغاية المحبة، ولهذا لا يكفي أحدهما في عبادة الله - تعالى - بل يجب أن يكون الله أحبَّ إلى العبد من كل شيء، وأن يكون الله أعظم عنده من كل شيء؛ بل لا يستحق المحبةَ والخضوع التام إلا اللهُ، وكل ما أحب لغير الله، فمحبته فاسدة، وما عظم لغير الله فتعظيمه باطل، فهو - سبحانه - رب العالمين، وخالقهم، ورازقهم، ومحييهم ومميتهم، ومقلِّب قلوبهم، ومصرِّف أمورهم، لا رب لهم غيره، ولا مالك لهم سواه، ولا خالق لكل شيء ومدبِّره ومسخِّره إلا هو، فإذا عرَف العبدُ أن الله ربه وخالقه، وأنه مُفتقر إليه ومحتاج إليه، عرف العبودية المتعلِّقة بربوبية الله، وهذه العبادة متعلِّقة بالألوهية لله - تعالى - ولهذا كان عنوان التوحيد: «لا إله إلا الله»، بخلاف مَن يُقرُّ بربوبية الله، ولا يعبده أو يعبد معه إلهًا آخر، فالإله هو الذي يألهه القلبُ بكمال الحب والتعظيم، والإجلال والإكرام، والخوف والرجاء، ونحو ذلك، وهذه العبادة هي التي يُحبها الله ويرضاها، وبها وصف المصطفَيْنَ من عباده، وبها بعث رسله، وأنزل كتبَه، ومن عبادته وطاعته الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكَر بحسب الإمكان، والجهاد في سبيله لأهل الكفر والنفاق، فيجتهدون في إقامة دينه، مستعينين به، رافعين مزيلين بذلك ما قدر من السيئات، دافعين بذلك ما قد يخاف من آثار ذلك، كما يزيل الإنسان الجوعَ الحاضر بالأكْل، ويدفع به الجوع المستقبل.


وكذلك إذا آن أوان البرد دفعه باللباس، وكذلك كل مطلوب يرفع به مكروهًا، فهذا حال المؤمنين بالله ورسوله، العابدين لله، وكل ذلك من العبادة، وكل ما أمر الله به عبادَه من الأسباب فهو عبادة، والعبادة والطاعة والاستقامة ولزوم الصِّراط المستقيم ونحو ذلك من الأسماء مقصودُها واحد، ولها أصلان:
أحدهما: ألا يعبد إلا الله.


الثاني: ألا يعبد إلا بما شرع وأمر، لا يعبد بغير ذلك من الأهواء والظنون والبدَع، إذا تبيَّن ذلك فكمال المخلوق في تحقيق عبوديته لله، وكلَّما ازداد العبدُ تحقيقًا للعبودية، ازداد كمالُه، وعلتْ درجتُه، وكلما ازداد القلبُ حبًّا لله، ازداد له عبودية، وكلما ازداد له عبودية ازداد له حبًّا وحرية مما سواه، والقلبُ فقير إلى الله من جهتَيْن؛ من جهة العبادة، وهي العلة الغائية، ومن جهة الاستعانة والتوكل، فهو دائمًا مفتَقر إلى حقيقة: ﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [الفاتحة: 5].


فالعبد مفتَقر إلى الله من حيث هو المطلوب المحبوب المراد المعبود، ومن حيث هو المسؤول المستعان به، المتوكل عليه، فهو الله الذي لا إله غيره، وهو ربه الذي لا رب له سواه، ولا تتم عبوديته لله إلا بهذَيْن: العبادة والاستعانة، فأكملُ الخلْق وأعلاهم وأفضلهم وأقربهم إلى الله أتمُّهم عبوديةً لله من هذا الوجه، وهذا هو حقيقة دين الإسلام، الذي أرسل الله به رسله، وأنزل به كتبه، وهو أن يستسلمَ العبدُ لله لا لغيره، فالمستسلم لله ولغيره مشرِك، والممتنع عن الاستسلام له مستكبر، وكل مَن استكبر عن عبادة الله، فلا بد أن يعبد غيره ويذل له، ولن يستغني العبد عن جميع المخلوقات، إلا بأن يكون الله هو مولاه، الذي لا يعبد إلا إياه، ولا يستعين إلا به، ولا يتوكَّل إلا عليه، ولا يفرح إلا بما يحبه ويرضاه، ولا يكره إلا ما يبغضه الرب ويكرهه، ولا يوالي إلا مَن والاه، ولا يُعادي إلا مَن عاداه، ولا يحب إلا الله، ولا يبغض شيئًا إلا لله، ولا يعطي إلا لله، ولا يمنع إلا لله.


فكلما قَوِيَ إخلاصُ حبِّه ودينه لله، كملتْ عبوديتُه لله، واستغناؤه عن المخلوقات، وبكمال عبوديته لله تكمل براءته من الكفر والشرْك والكِبر.


والدِّين الحق هو تحقيق العبودية لله بكلِّ وجه، وتحقيق محبة الله بكل درجة، وبقدْر تكميل العبودية تكمل محبة العبد لربه، وتكمل محبة الرب لعبدِه، وبقدر نقْص هذا يكون نقص هذا، وكلما كان في القلب حب لغير الله كانتْ فيه عبودية لغيره بحسب ذلك، وكل محبة لا تكون لله فهي باطلة، وكل عمل لا يُراد به وجه الله فهو باطل، فالدنيا ملعونٌ ما فيها إلا ما كان لله، ولا يكون لله إلا ما أحبه الله ورسوله، وهو المشروع، وهذا الأصل أصل الدين، وبحسب تحقيقه يكون تحقيقُ الدين، وبه أرسل الله الرسل، وأنزل الكتب، وإليه دعا الرسول صلى الله عليه وسلم وعليه جاهد، وبه أمر، وفيه رغَّب، وهو قطب الدِّين الذي تدور عليه رحاه، وجماع الدين أصلان: ألا نعبد إلا الله، وألا نعبده إلا بما شرع، لا نعبده بالبدَع، كما قال - تعالى -: ﴿ فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا [الكهف: 110]، وذلك تحقيق الشهادتين؛ شهادة أن لا إله إلا الله، وشهادة أن محمدًا رسول الله، ففي الأولى: ألا نعبد إلا إياه، والثانية: أن محمدًا هو رسولُه المبلغ عنه، فعلينا تصديق خبره، وطاعة أمره، وقد بَيَّنَ لنا الرسولُ صلى الله عليه وسلم ما نعبد اللهَ به، ونهانا عن مُحْدثات الأمور، وأخبر أنها ضلالة، فالحلالُ ما أحلَّهُ الله ورسوله، والحرامُ ما حرَّمه الله ورسوله، والدين ما شرعه الله ورسوله، وقد هدى الله المؤمنين المخلصين لله أهل الصراط المستقيم، الذين عرفوا الحق واتبعوه، فأخلصوا دينهم لله، وأنابوا إلى ربهم، وأحبوه ورجَوْه، وخافوه وسألوه، ورغبوا إليه، وفوضوا أمرهم إليه، وتوَكَّلوا عليه، وأطاعوا رسله، وعظَّموهم ووقروهم، وأحبوهم ووالَوْهم، واتبعوهم واقتفَوْا آثارهم، واهتدَوْا بهداهم، وذلك هو دين الإسلام، الذي بعث الله به الأولين والآخرين من الرسل، وهو الدين الذي لا يقبل الله من أحدٍ دينًا سواه، وهو حقيقةُ العبادة لله رب العالمين، فنسأل الله العظيم أن يثبتنا عليه، ويكمله لنا، ويميتَنا عليه، وسائر إخواننا المسلمين، والحمد لله وحده، وصلَّى الله على سيِّدنا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم[2].

"بهجة الناظرين فيما يصلح الدنيا والدين".

[1] رواه مسلم.

[2] انظر: "رسالة العبودية"، لشيخ الإسلام أحمد بن تيميَّة - رحمه الله تعالى.





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 53.69 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 51.99 كيلو بايت... تم توفير 1.71 كيلو بايت...بمعدل (3.18%)]