مكارم الأخلاق - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1130 - عددالزوار : 129895 )           »          الصلاة مع المنفرد جماعة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 17 )           »          الاكتفاء بقراءة سورة الإخلاص (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 14 )           »          أصول العقيدة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 11 )           »          الإسلام يبيح مؤاكلة أهل الكتاب ومصاهرتهم وحمايتهم من أي اعتداء (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 17 )           »          تحريم الاعتماد على الأسباب وحدها مع أمر الشرع بفعلها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 14 )           »          تفسير القرآن الكريم ***متجدد إن شاء الله (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 3097 - عددالزوار : 370012 )           »          وليس من الضروري كذلك! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 15 )           »          مساواة صحيح البخاري بالقرآن الكريم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 15 )           »          محرومون من خيرات الحرمين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 14 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى حراس الفضيلة
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى حراس الفضيلة قسم يهتم ببناء القيم والفضيلة بمجتمعنا الاسلامي بين الشباب المسلم , معاً لإزالة الصدأ عن القلوب ولننعم بعيشة هنية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 25-05-2025, 02:40 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,803
الدولة : Egypt
افتراضي مكارم الأخلاق

مكارم الأخلاق (1)


- حديث النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق» (السلسلة الصحيحة)، كأنما يحصر النبي -صلى الله عليه وسلم - بعثته في إكمال أفضل الأخلاق، وهذا المنطق يستغله بعض من لا يريد الالتزام بالعبادات، الصلاة والصيام والحج، يحتج بأن (الدين الأخلاق)!
كنت وصاحبي بانتظار الطائرة في رحلة قصيرة إلى لبنان بعد انقطاع استمر أكثر من خمس سنوات.
- هذا لا يريد أن يرى الحق، إنما يتبع هواه، ولا أضل ممن اتبع هواه، لا تنفع معه الحجة ولا المنطق ولا الواقع، وأظن أن الإعراض عن نقاشه خير.
- ولكن لنفرض أن أحدهم قالها عن جهل، ويريد معرفة الحق.
- نعم لقد بعث الله النبي - صلى الله عليه وسلم - لإتمام مكارم الأخلاق وفي رواية (صالح الأخلاق)، وذلك أن الأخلاق أساس عظيم من أسس الشريعة، وإذا أردنا التوسع في المعنى، يمكن أن نقول: إن الأخلاق هي الدين، بمعنى التخلق مع الله، ومع الأنبياء ومع أوامر الله، وهذا هو الدين، ولكن لنتحدث عن الأخلاق بمعناها المعروف.
(الخلق)، بضم (الخاء) و(اللام)، الطبع والسجية، (ابن منظور)، وقيل (السلوك السائد) للإنسان، وقيل (حال للنفس راسخة، تصدر منها الأفعال من خير أو شر من غير حاجة إلى فكر وروية)، ويقال في مدح الشخص: إنه (ذو خلق)، مما يدل على أن الغالب فيها هو (السلوك الحسن)! وقوله - صلى الله عليه وسلم -: «لأتمم»، إما أن يتمم ما جاء به من سبقه من الأنبياء والرسل -عليهم الصلاة والسلام-، أو ليتم ما كان عليه العرب فيثبت ما كان من أخلاق حسنة، ويزيل ما كان من سيئ الأخلاق.
انضم إلينا (أبو مساعد) ثالثنا في هذه الرحلة، تأخر لاضطراره أن يتأكد من حالة أحد مرضاه في المستشفى قبل السفر، أخذ حاجته من القهوة، واسترخى في مقعده.
- تابِعا الحديث:
- كنا نتحدث عن (مكارم الأخلاق).
- موضوع جميل يهمله كثير من الناس، حتى من يلتزم بالعبادات! هكذا كان تعليق صاحبنا لمجرد أن عرف موضوع حديثنا.
- نعم، يغفل كثير من الناس أهمية الأخلاق في دين الله، فكما أن العبد يدرك المنازل العليا في الجنة بحفظ كتاب الله، والجهاد في سبيل الله، والدعوة إلى الله، فإنه يستطيع أن يدرك الفردوس بحسن خلقه.
لم يخف صاحبي إعجابه بهذه العبارة.
- زدنا توضيحا:
- في الحديث عن أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم - قال: «إن المؤمن ليدرك بحسن خلقه درجة الصائم القائم» (صحيح أبي داود) وحديث أبي أمامة - رضي الله عنه - أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم -: «أنا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقا، وببيت في وسط الجنة لمن ترك الكذب وإن كان مازحا، وببيت في أعلى الجنة لمن حسن خلقه» (صحيح أبي داود)، وماذا في أعلى الجنة؟ الفردوس، كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم - عن درجات الجنة (والفردوس أعلى الجنة وأوسطها) (صحيح الترمذي).
علق (أبومساعد)، مستحسنا ما سمع:
- مع أني أعرف هذه الأحاديث إلا إنها المرة الأولى التي أنتبه إلى هذا المعنى، حسن الخلق، سبيل لنيل الفردوس!
- نعم هي كذلك، والحديث الآخر عن جابر بن عبدالله -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم -: «إن من أحبكم إلي وأقربكم مني مجلسا يوم القيامة، أحاسنكم أخلاقا، وإن من أبغضكم إلي وأبعدكم مني يوم القيامة الثرثارون والمتشدقون والمتفيهقون! قال: المتكبرون» (صحيح الترمذي).
- أحاديث جميلة.
- أشار صاحبي إلى الشاشة التي تظهر مواعيد الإقلاع مع البوابات.
- أمامنا ربع ساعة لبدء دخول البوابة.
- هذه الأحاديث وغيرها تبين أن العبد المؤمن ينبغي أن يبذل الجهد؛ ليحسن خلقه، مع الناس جميعا، فلئن كان حسن الخلق لا ينفع المشرك، وتارك الصلاة، كذلك سوء الخلق يحبط أجر الأعمال الصالحة، وإن عظمت، وتعرفون حديث المفلس.
- هلا بحثت لنا عن نصه وتخريجه؟
- لك ذلك، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لصحابته: «أتدرون ما المفلس؟ قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع، فقال - صلى الله عليه وسلم -: إن المفلس من أمتي يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، ويأتي وقد شتم هذا وقذف هذا وأكل مال هذا وسفك دم هذا وضرب هذا، فيعطي هذا من حسناته وهذا من حسناته فإن فنيت حسناته قبل أن يقضي ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه ثم طرح في النار» (مسلم).
- أعوذ بالله من محبطات الأعمال.
- نعم، هذا رجل سيئ الخلق، ولكنه يصلي ويصوم ويزكي، كثير العبادات، تفنى حسناته بسبب سوء خلقه.
- لقد كان لنا في رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أسوة حسنة في كل جانب من جوانب حياته - صلى الله عليه وسلم -، ومن أهمها أخلاقه - صلى الله عليه وسلم -؛ فهو كما قال عنه رب العزة: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} (القلم:4)، وكان - صلى الله عليه وسلم - (خلقه القرآن)، كما وصفته أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها وعن أبيها- (المسند)، حتى قبل بعثته، كان (الصادق الأمين)، وبعد بعثته، (أتم مكارم الأخلاق) - صلى الله عليه وسلم -.



اعداد: د. أمير الحداد





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 04-06-2025, 10:49 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,803
الدولة : Egypt
افتراضي رد: مكارم الأخلاق

مكارم الأخلاق (2)


في مطار بيروت، كانت الأمور طبيعية، أنهينا إجراءات الدخول، وأخذنا حقائبنا، أنهى صاحبنا إجراءات تأجير المركبة في طريقنا إلى المنزل في (عجلتون)، كنا نتابع مناظر البلد، بيوتها، إعلاناتها، شرفات المنازل، لم يتغير شيء، كأنما توقف الزمن عندهم، منذ عشر سنين، مع انتشار غطاء من الاكتئاب والحزن في سماء المدينة، رغم أن الطقس كان جميلا، مع زخات خفيفة من الأمطار.
في المساء اجتمعنا على عشاء خفيف في (زيت وزعتر). تابعنا حديثنا عن (مكارم الأخلاق).
  • لا شك أن حسن الخلق، ينفع العبد في دنياه وآخرته، فإن لم يكن مؤمنا بالله، بمعنى كان مشركا، ولكن ذا خلق حسن، من الكرم والصدق والشجاعة والأمانة والمروءة وحسن التعامل، فإنه ينال جزاءه في الدنيا (بحسن الذكر)، و(تخليد الاسم)، أما في الآخرة فإن حسن الخلق لا ينفع مع الشرك بالله، كما في حديث عدي بن حاتم الطائي (مضرب المثل في الكرم)، وكان صحابيا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أتى النبي -صلى الله عليه وسلم - فقال له: «يا رسول الله إن أبي كان ليصل القرابة ويحمل الكلّ ويطعم الطعام قال: هل أدرك الإسلام (هل أسلم؟) قال: لا، قال: إن أباك كان يحب الذكر (فناله)» وفي رواية الإمام أحمد «إن أباك طلب شيئا فأصابه» (حسنه الأرنؤوط).
  • وماذا عن حديث النبي -صلى الله عليه وسلم -: «إن خلق الإسلام الحياء»؟
  • نعم هذا الحديث يرويه عبدالله بن عباس - رضي الله عنه - قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم -: «إن لكل دين خلقا وإن خلق الإسلام الحياء» (صحيح الجامع).
فالحياء رأس كل خلق حسن، ولا يأتي الحياء إلا بخير، ويكفي في الحياء هذا الحديث، فهو خلق الإسلام؛ ولذلك من فقد (الحياء) لا يتورع عن ارتكاب كل ذنب، كما في الحديث عن عقبه بن عامر] قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى: إذا لم تستح فافعل ما شئت» (البخاري) ففيه تهديد ووعيد (افعل ما شئت)! ومعنى (من كلام النبوة الأولى)، من كلام الأنبياء وما أتوا به من شرائع لم تنسخ وتتفق مع ما جاءت به شريعة الإسلام، وأن ما من نبي إلا وقد حثّ على الحياء.
  • وحديث النبي - صلى الله عليه وسلم -: «ما من شيء في الميزان أثقل من حسن الخلق» (صحيح المسند)، وفي رواية: «إن الله يبغض الفاحش المتفحش البذيء»، وحديث النبي -صلى الله عليه وسلم -: «إن الله كريم يحب الكرم، ويحب معالي الأخلاق ويكره سفسافها» السلسلة الصحيحة يقول العلامة المناوي: أي: رديئها وحقيرها وفاسدها، فمن تخلق بمكارم الأخلاق أحبه الله ومن كانت أخلاقه رديئة أبغضه الله!
وضع الشاب المكلف بخدمتنا الطلب، مناقيش زعتر وطبق من الخيار والطماطم وصفيحة جبن مع الزعتر، وإبريق شاي!
  • إن مكارم الأخلاق لها مكانة عظيمة في دين الله، وهكذا ينبغي أن تكون عند كل مسلم، وعلى العبد أن يحافظ على ما وهبه الله من خلق حميد، ويكتسب ما ينقصه.
  • وهل الأخلاق فطرية أم مكتسبة؟
  • قد تكون فطرية، وقد تكون مكتسبة، ولكنها من التكاليف التي يثاب عليها العبد ويحاسب عليها يوم القيامة، في الحديث عن الوازع بن عامر] يقول: عندما قدمنا المدينة -وفد عبد القيس- مسلمين جعلنا نتبادر من رواحلنا (نستعجل بالذهاب إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) نسلم عليه ونقبل يده، إلا المنذر الأشج، أتى راحلته فلبس ثوبيه، ثم أتى النبي -صلى الله عليه وسلم - في ثياب حسنة، فقال له النبي -صلى الله عليه وسلم -: «إن فيك خلتين، أو خصلتين يحبهما الله: الحلم والأناة، قال: يا رسول الله، أنا أتخلق بهما أم الله جبلني عليهما؟ قال: بل الله جبلك عليهما، فقال: الحمدلله الذي جبلني على خلّتين يحبهما الله ورسوله» (صحيح أبي داود)؛ فالمسلم يبحث في أخلاقه، يثبت الحسن منها، ويتخلص من السيء، ويكتسب ما ينقصه، حتى يكون (أكمل ما يستطيع)، في الأخلاق الحسنة كما قال -صلى الله عليه وسلم -: «أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا».
والحديث الآخر: «خياركم أحاسنكم أخلاقا، الموطؤون أكنافا، وشراركم الثرثارون المتفيهقون المتشدقون» (صحيح الجامع).
سأل أبو مساعد:
  • (الموطؤون أكنافا)، ما معناها؟
  • لغة (الكنف) هو جانب البهيمة ودابة موطأة الكنف: أي سهلة الركوب، والمقصود أن المؤمن سهل لين سمح كما في حديث ابن مسعود قال - رضي الله عنه -: «ألا أخبركم بمن يحرم على النار، وبمن تحرم عليه النار؟ على كل قريب هيّن سهل» (صحيح الترمذي).
وفي رواية: «حرم على النار كل هين لين سهل قريب من الناس» (المسند - صحيح).
أكملنا الحديث ونحن نستمتع بأول وجبة لنا في لبنان!
  • وفي الحديث عن أسامة بن شريك رضي الله عنه : «قالوا: يا رسول الله ما خير ما أعطي العبد؟ قال: خلق حسن» (صحيح ابن ماجه.
وفي المقابل سوء الخلق يحبط العمل ويفسده، كما في حديث عبدالله بن عمر - رضي الله عنهما-قال -صلى الله عليه وسلم -: «وإن سوء الخلق يفسد العمل كما يفسد الخل العسل» (السلسلة الصحيحة)».



اعداد: د. أمير الحداد





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 04-06-2025, 10:50 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,803
الدولة : Egypt
افتراضي رد: مكارم الأخلاق

مكارم الأخلاق (3)


- لا شك أن مكارم الأخلاق تُبلِّغ صاحبها المنازل العلا من الجنة، فما شيء أثقل في الميزان من حسن الخلق، وأقرب المؤمنين منزلة من النبي - صلى الله عليه وسلم - أحسنهم أخلاقا؛ ولذلك وجب على العاقل أن يتعب نفسه لاكتساب مكارم الأخلاق ويتخلص من سيئها.
- وهل الأخلاق تكتسب؟
- دون شك؛ لذلك كانت سببا في الفوز بالحسنات أو خسارتها، ودخول الجنة أو الحرمان منها.
كنت وصاحبي في عيادة أخ لنا اضطُّر لدخول المستشفى ليلا لألم مفاجئ في بطنه، علمنا فيما بعد أنه التهاب (الزائدة)، وقد خضع لعملية لاستئصالها فورا.
- وهل يمكن أن نصنف الأخلاق كالعبادات، واجبات ونوافل؟
- ربما نستطيع أن نصنفها وفق الأحاديث، الأهم فما دونه، مثلا: أحاديث النبي -صلى الله عليه وسلم - التي تصف أخلاق المنافقين: «أربع من كن فيه كان منافقا خالصا، ومن كانت فيه خصله فيهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا خاصم فجر، وإذا عاهد غدر» (متفق عليه)، وفي الرواية الأخرى: «آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان» (متفق عليه).
فهذه أخلاق ينبغي على المسلم أن يتخلق بها، الصدق والوفاء وحفظ العهد وأداء الأمانة والعدل.
- قبل أن نخوض في الأمور الشرعية، دعنا نمهد لذلك بمفاهيم لغوية، كيف عرف أهل اللغة (الأخلاق)؟
- (الخلق) بضم الخاء، واللام أو سكونها، هو الطبع والسجية، وحقيقته أنه لصورة الإنسان الباطنة! وذلك أن الخَلْق (بالفتح) صورته الظاهرة و(الخُلق) بالضم، صورته الباطنة، وهي الأهم، قال الراغب الاصبهاني: «والخَلق والخُلق في الأصل واحد، كالشُّرب(تجرع الماء) والشِّرْب(النَّصِيبُ مِنَ المَاءِ)، ولكن خص الخلق (بالفتح) بالهيئات والأشكال والصور المدركة بالبصر، وخص الخلق (بالضم) بالقوى والسجايا المدركة بالبصيرة. (مفردات ألفاظ القرآن).
وحيث إن الصورة الظاهرة لا يملك المرء تغييرها؛ فهي ما خلقه الله عليها، لن يحاسب عليها، أما الباطنة، يستطيع المرء تغييرها إن كانت سيئة ويزيدها إن كانت حسنة، فكانت مناط الثواب والعقاب؛ فالعبد مأمور بأن يتخلق بالأخلاق الحسنة؛ فيثاب عليها، ومأمور أن يترك سيئ الأخلاق فلا يعاقب عليها، فأصبحت من التكاليف الشرعية التي بينها الله -عز وجل- في الكتاب والسنة.
في الحديث: «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق» (السلسلة الصحيحة)؛ فأصبحت الأخلاق الحسنة هي التي حسنها الشرع، والأخلاق السيئة هي التي قبحها الشرع؛ فلا ينبغي لعبد أن يجتهد في تحسين شيء أو تقبيحه.
وصلنا المكان الذي نريد، سألنا عن الجناح والغرفة، لم يكن صاحبنا قد تعافى من آلام العملية، كان نائما، وحمَّلنا ابنه سلامنا ودعاءنا له، وعدنا إلى مركبتنا.
- هل تذكر عدد الملائكة الذين يصحبون من يعود مريضا؟
- كلا، ولن أضمن، ذكرني به.
- الحديث عن علي - رضي الله عنه - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إذا عاد الرجل أخاه المسلم، مشى في خرفة الجنة حتى يجلس، فإذا جلس غمرته الرحمة، فإذا كان غدوه صلى عليه سبعون ألف ملك حتى يمسي، وإذا كان مساء صلى عليه سبعون ألف ملك حتى يصبح» (السلسلة الصحيحة) (خرفة الجنة - جناها وثمرها).
- أسأل الله أن ننال هذا الأجر العظيم! لنرجع إلى موضوعنا.
- نعم كنا نتكلم عن تعريف (الأخلاق) لغة، قال الطاهر بن عاشور: «خلق بضمتين، السجية المتمكنة في النفس باعثة على عمل يناسبها من خير أو شر، فيقال: خلق حسن، ويقال في ضده خلق ذميم، فإذا أطلق عن التقييد انصرف إلى الخلق الحسن والخلق في الاصطلاح: ملكة (بالفتح)، أي كيفية راسخة في النفس متمكنة في الفكر تصدر بها عن النفس أفعال صاحبها دون تأمل».
- أعتقد أن المهم في الموضوع: أن يعلم العبد أن الأخلاق تؤخذ من القرآن والسنة، ومن أسس شريعة الله، أن يحاسب العبد على تلك الأخلاق، فيثاب بالحسنات، أو يعاقب بالسيئات.
- نعم هي كذلك، وثوابها عظيم عند الله -عز وجل- كما أن سيفها عقابه شديد.
- وكيف نرتبها من حيث الواجب منها والنافلة؟
- كما قلنا سابقا، الواجب ترك الأسوأ منها، وهي أخلاق المنافقين، الكذب والغدر والخيانة وفي كتب الأخلاق يذكر العلماء مجموعها منها: دون ترتيب: «مكارم الأخلاق عشرة: صدق الحديث، وصدق البأس، وحفظ اللسان، وإعطاء السائل، والمكافأة بالصنائع، وأداء الأمانة، وصلة الرحم، والإحسان إلى الجار، وحسن الصحبة، وإقراء الضيف، ورأسهن الحياء».
وأظن أن تتبع الأحاديث يغني كل ترتيب، فكما قلنا: إن أسوأها هي أخلاق المنافقين، وأفضلها ما ورد في حديث أبي أمامة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: «أنا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقا، وببيت في وسط الجنة لمن ترك الكذب وإن كان مازحا، وبيت في أعلى الجنة لمن حسن خلقه» (صحيح أبي داود) و(حسّن) خلقه أي أتعب نفسه في نيل الأخلاق الحسنة، كأنه هو الذي (حسّن) خلقه.



اعداد: د. أمير الحداد





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 25-06-2025, 01:37 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,803
الدولة : Egypt
افتراضي رد: مكارم الأخلاق

مكارم الأخلاق (4) صدق الحديث


هل يمكن أن نصنف الأخلاق إلى: فرائض وواجبات وسنن؟
- لم أطلع على كتاب يصنفها بهذه الطريقة، ولكن لا شك بعضها أهم من بعض؛ فالصدق والأمانة أهم من التغافل وقبول الأعذار، وكلها مهم للمسلم.
والرسول - صلى الله عليه وسلم - ذكر لنا بعض أخلاق المنافقين، حتى نحرص أشد الحرص بألا نتخلق بها، كما في الحديث، «آية المنافق ثلاث، إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان»، وفي رواية: «وإن صام وصلى وزعم أنه مسلم» (متفق عليه).
وفي الحديث الآخر: «أَرْبَعٌ مَن كُنَّ فيه كانَ مُنَافِقًا خَالِصًا، ومَن كَانَتْ فيه خَصْلَةٌ منهنَّ كَانَتْ فيه خَصْلَةٌ مِنَ النِّفَاقِ حتَّى يَدَعَهَا: إذَا اؤْتُمِنَ خَانَ، وإذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وإذَا عَاهَدَ غَدَرَ، وإذَا خَاصَمَ فَجَرَ». (متفق عليه)؛ فهذه الأخلاق أول ما ينبغي على المسلم أن تكون فيه.
صاحبي كثير السفر إلى الشارقة، ابنه وابنته يدرسان هناك، البنت صيدلة والولد طب أسنان، استأجر لهما شقة في منطقة مميزة، يذهب كل شهر للاطمئنان عليهما وللراحة والاستجمام! يدعوني لمرافقته؛ لأنه اعتاد النزول في فندق مطل على (بحيرة خالد).
- إن اكتساب الأخلاق الحميدة والتخلص من الأخلاق الذميمة من أفضل العبادات التي ينبغي أن يحرص عليها المسلم؛ فهي أهم من نوافل العبادات كالصلاة والصيام والصدقة والعمرة، ومع ذلك لا ينتبه لها كثير من الناس.
- دعنا نفصل في خلق (صدق الحديث).
- ونحن نتكلم هنا عن صدق الحديث مع البشر، وإلا فصدق القلب ركن وأساس للدخول في الإسلام؛ فمن كان كاذبا في القلب فهو منافق نفاقا أكبر: {إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ (1) اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (المنافقون).
وهؤلاء -والعياذ بالله- في الدرج الأسفل من النار! صدق الحديث: هو أن يتحرى العبد ألا يقول إلا حقا، ولاسيما إذا ترتب على ذلك بيان حق وإثبات ملك أو ضياعه، كما في الشهادة عند القاضي؛ وذلك أن الكذب في الشهادة يسمى زورا، كما في حديث أبي بكرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟! قلنا بلى يا رسول الله، قال: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وكان متكئا فجلس؛ فقال: ألا وقول الزور وشهادة الزور، ألا وقول الزور وشهادة الزور! فما زال يقولها حتى قلت: لا يسكت» (البخاري)، وفي رواية: «حتى قلنا: ليته سكت»، من شدة ما حذر منها.
فالمؤمن يتحرى الصدق في كل حديثه، ولاسيما إذا كان ينقل حديثا عن غيره أو واقعة شهدها؛ حتى لا يترتب على ما يقول مفسدة. و«التحلي بالصدق» يُكتسب بالممارسة، والمران، كما في حديث ابن مسعود - رضي الله عنه - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «عليكم بالصدق؛ فإن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة، وما يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق، حتى يكتب عند الله صديقا، وإياكم والكذب! فإنه يهدي إلى الفجور، والفجور يهدي إلى النار، وما يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب، حتى يكتب عند الله كذابا» (متفق عليه واللفظ من صحيح الترمذي). المراد هنا (يتحرى الصدق) يجتهد أن يكون دقيقا صادقا في نقله للأحداث والأقوال، لا يزيد ولا ينقص، ومن لم يكن دقيقا فلا ينبغي أن ينقل كلام غيره! ففي ذلك مفسدة عظيمة.
قاطعني صاحبي.
- صدقت، لدي أخت -هداها الله- رغم صفاء نيتها، ونقاء سريرتها إلا أن نقلها للأحاديث غير دقيق؛ فتسبب مشكلات بين الإخوان، وأحيانا بين الأزواج، دون أن تقصد، حتى ثبت عندنا ألا نأخذ كلامها أنه حق إلا بعد التثبت!
- إن اكتساب الصدق لا يتحقق إلا بالممارسة، حتى يصبح الصدق سجية وخلقا، فلا يكذب وإن كان مازحا!
كنا بانتظار وصول المطعم العائم، قارب يقدم وجبة العشاء مع رحلة هادئة في البحيرة.
بحث صاحبي في هاتفه.
- اسمع هذا الحديث عن الحسن بن علي بن أبي طالب -رضي الله عنهما- قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «دع ما يريبك إلى ما لا يريبك؛ فان الصدق طمأنينة، وإن الكذب ريبة». (صحيح الترمذي).
- كم كان عمر الحسن بن علي، عندما توفي النبي -صلى الله عليه وسلم -؟
- كان في الثامنة، مما يدل على فطنته وحذقه وضبطه للحديث!
- نعم، ومن الأمور التي ينبغي أن يعود العبد نفسه عليها، ألا يتحدث بكل ما يسمع، فإنه عرضة أن يقع في الخطأ، في حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم -: «كفى بالمرء كذبا أن يحدث بكل ما يسمع» (مسلم)؛ وذلك أنه وإن كان صادقا فيما يحدث به، قد يكون مصدره كاذبا، أو غير دقيق في نقله، فلا عذر له في نقل كلام خطأ من أصله، كما في حديث أبي قلابة عبدالله بن زيد - رضي الله عنه - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «بئس مطية الرجل زعموا» (صحيح أبي داوود)، فهو شريك في هذه الكذبة لعدم تثبته فيما نقل!
- إن الحديث عن خلق (صدق اللسان) لا ينتهي، ولكنه خلق يجب على المؤمن اكتسابه، ذلك أن الكذب -وإن لم يكن عن قصد- خلق سيئ، يحبط العمل ويمحو الأجر.
دعني أنقل لك بعض ما جمعت عن الصدق.
قسم الله -سبحانه- الناس إلى صادق ومنافق؛ فقال: {لِّيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِن شَاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا} (الأحزاب:24)، والإيمان أساسه الصدق، والنفاق أساسه الكذب؛ فلا يجتمع كذب وإيمان إلا وأحدهما محارب للآخر، وأخبر -سبحانه- أنه في يوم القيامة لا ينفع العبد وينجيه من عذاب الله إلا صدقه، قال -تعالى-: {قَالَ اللَّهُ هَذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} (المائدة: 119).
وكان لأبي بكر الصديق -رضى الله عنه وأرضاه-: ذروة سنام الصديقية سمي الصديق على الإطلاق، والصديق أبلغ من الصدوق، والصدوق أبلغ من الصادق، فأعلى مراتب الصدق، مرتبة الصديقية، وهي كمال الانقياد للرسول مع كمال الإخلاص.
وقد أمر الله -تعالى- رسوله - صلى الله عليه وسلم -: أن يسأله أن يجعل مدخله ومخرجه على الصدق فقال: {وَقُل رَّبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَل لِّي مِن لَّدُنكَ سُلْطَانًا نَّصِيرًا} (الإسراء:80)، وأخبر عن خليله إبراهيم -عليه الصلاة والسلام- أنه سأله أنه يهب له لسان صدق في الآخرين فقال: {وَاجْعَل لِّي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ} (الشعراء:84)، وبشر عباده فقال -تعالى-: {وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِندَ رَبِّهِمْ} (يونس:2)، وقال: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ (54) فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ} (القمر)؛ فهذه خمسة أشياء: مدخل الصدق، ومخرج الصدق، ولسان الصدق، وقدم الصدق، ومقعد الصدق.



اعداد: د. أمير الحداد





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 08-07-2025, 02:27 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,803
الدولة : Egypt
افتراضي رد: مكارم الأخلاق

مكارم الأخلاق (5) أداء الأمانة

- إن مما ينبغي أن يكون المؤمن حريصا عليه -بعد أداء الواجبات- أن يتحلى بمكارم الأخلاق، وأولها ألا يتصف بأخلاق الكفار والمنافقين. - هل لنا بمزيد بيان لهذه العبارة الأخيرة؟ - نعم، في كتاب الله آيات تصف الكافرين، وآيات تصف المنافقين، وآيات تصف اليهود، يريد الله منا أن نتجنب هذه الصفات والأخلاق والتصرفات، مثلا يقول الله -تعالى-: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ إِذَا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ أَوْ كَانُوا غُزًّى لَّوْ كَانُوا عِندَنَا مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا لِيَجْعَلَ اللَّهُ ذَلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ} (آل عمران:156). ويقول -سبحانه-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِندَ اللَّهِ وَجِيهًا} (الأحزاب:69)، ويقول -تعالى-: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا} (النساء:142). وفي الحديث، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا أؤتمن خان» (متفق عليه)، وفي زيادة (مسلم): «وإن صام وصلى وزعم أنه مسلم». فالمؤمن يكره هذه الفئات من البشر، ولا يريد أن يصنف ضمنها، أو أن ينتمي لها بأي شكل من الأشكال؛ لذا يحرص ألا يخون الأمانة، تنفيذا لأمر الله -تعالى- للمؤمنين بأداء الأمانات، فهو بين اتباع أمر الله -عز وجل- ورسوله - صلى الله عليه وسلم -، وبين البعد عن صفات المنافقين، كل ذلك يدفعه إلى أداء الأمانة كما يحب ربنا ويرضى. كنت وصاحبي في جلسة هادئة بعد صلاة المغرب، وقد خلا المسجد من المصلين، جلسنا في المكتبة ننتظر صلاة العشاء. - هل تذكر حديث «رفع الأمانة؟». - لا أحفظه ولكن أستطيع أن أستخرجه في هاتفي، وبالفعل وجدت الحديث، عن حذيفة بن اليمان، قال: حدثنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حديثين، قد رأيت أحدهما، وأنا أنتظر الآخر، حدثنا أن الأمانة نزلت في جذر قلوب الرجال، ثم نزل القرآن، فعلموا من القرآن وعلموا من السنة، ثم حدثنا عن رفع الأمانة فقال: «إن الأمانة نزلت في جذر قلوب الرجال، ثم علموا من القرآن، ثم علموا من السنة، وحدثنا عن رفعها قال: ينام الرجل النومة فتقبض الأمانة من قلبه، فيظل أثرها مثل أثر الوَكْت، ثم ينام النومة فتقبض فيبقى فيها أثرها مثل أثر المَجْل، كجمر دحرجته على رجلك فنَفَط، فتراه منتبرا وليس فيه شيء»، ثم أخذ حصاة فدحَرجه على رجله «فيصبًح الناس يتبايعون، فلا يكاد أحد يؤدي الأمانة، فيقال: إن في بني فلان رجلا أمينا، ويقال للرجل: ما أعقله وما أظرفه وما أجلده! وما في قلبه مثقال حبة خردل من إيمان» (متفق عليه). - هذا الحديث يحتاج إلى شرح: - أتفق معك، دعنا نبحث في «المكتبة الشاملة» عن شرح هذا الحديث: قوله: «جذر» وهو أصل الشيء و«الوكت» الأثر اليسير و«المجل» تنفط في اليد ونحوها من أثر عمل وغيره. قوله: «منتبرا»: مرتفعا. يعني: أن الأمانة نزلت في القلوب بالفطرة، ثم نزل القرآن شفاء من الجهل، نور على نور ولا تقبض الأمانة إلا بسوء العمل. حين يضعف الدين وتغلب الشهوات وتسيطر المادية، فإن الأمانة ترتفع من النفوس، كما يرتفع النور من القلوب، ويحل محل هذا النور الإلهي الران والغشاوة، وينكت في القلب نكتة سوداء، وستقل الأمانة، حتى لا يكاد الأمين يوجد، وحتى تسري بذكره الركبان. قال صاحب التحرير معنى الحديث: أن الأمانة تزول عن القلوب شيئا فشيئا، فإذا زال أول جزء منها زال نورها، وخلفته ظلمة كـ(الوكت)، وهو اعتراض لون مخالف للون الذي قبله؛ فإذا زال شيء آخر صار كـ(المجل)، وهو أثر محكم لا يكاد يزول إلا بعد مدة، وهذه الظلمة فوق التي قبلها، ثم شبه زوال ذلك النور بعد وقوعه في القلب وخروجه بعد استقراره فيه واعتقاب الظلمة إياه بجمر، يدحرجه على رجله حتى يؤثر فيها، ثم يزول الجمر، ويبقى التنفط، وأخذه الحصى ودحرجته إياه، أراد به زيادة البيان وإيضاح المذكور. وهذا المعنى ذكره النووي في شرح صحيح مسلم. قال الله -تعالى-: {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا} (الأحزاب:72). قال صاحب التحرير الأمانة المذكورة في الحديث هي الأمانة المذكورة في الآية، وهي عين الإيمان، فإن استمكنت في القلب قام بأداء ما أمر به، واجتنب ما نهي عنه. وقال ابن التين: الأمانة كل ما يخفى ولا يعلمه إلا الله من المكلف، وعن ابن عباس: هي الفرائض التي أمروا بها ونهوا عنها، وقيل: هي الطاعة، وقيل: هي التكاليف. فالأمانة في قول جميعهم: الطاعة والفرائض التي يتعلق بأدائها الثواب وبتضييعها العقاب. وما الأمانة في الأموال إلا جزئية من جزئيات الأمانة في معناها الشرعي العام. ومن علامات الساعة رفع الأمانة بين الأفراد، وإهدارهم حقوق بعضهم بعضا، وقد ورد في هذا الصنف قوله - صلى الله عليه وسلم -: «إذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة قيل: كيف إضاعتها يا رسول الله؟ قال: إذا أسند الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة» (البخاري)، وفي حديث حذيفة يربط الأمانة بقوة الإيمان؛ فحيث نزل الإيمان في القلوب وثبت في النفوس، واستوثق بقراءة القرآن والتفقه فيه، ورسخ بالسنة والعمل بها تحققت الأمانة، وتمكنت، وأصبح الدين مانعا من الخيانة، وحائلا بين شهوات النفس والشيطان وبين حقوق الآخرين.



اعداد: د. أمير الحداد





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 16-07-2025, 08:23 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,803
الدولة : Egypt
افتراضي رد: مكارم الأخلاق

مكارم الأخلاق (6) الوفاء بالعهد

- ثالث صفة للمنافقين في الحديث: «إذا حدّث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان» (متفق عليه)، إخلاف الوعد، عن قصد وسبق نية! - ولماذا يعد، إذا كان ينوي ألاّ يفي؟ - لأنه منافق!، هذا الصنف من البشر الذي توعّده الله بالدرك الأسفل من النار: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَن تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا} (النساء:145).
وبالطبع هم المنافقون نفاقا اعتقاديا، آمنوا بأفواهم ولم تؤمن قلوبهم! هم أحقر خلق الله، وأشدهم على دين الله؛ لذا يحرص المؤمن الصادق ألا تكون فيه أي صفة من صفاتهم فضلا عن أخلاقهم وأعمالهم. صاحبي حساس جدا، عاطفي، يتأثر بسرعة، سلبًا وإيجابًا.
هاتفني على غير العادة قبل المغرب بساعة تقريبا، استأذن أن يزورني في مكاننا المعتاد (مكتبتي)، وافقت دون تردد فهو من خاصّة الإخوان.
وجدته مهموما، مكتئبا، حزينا. رحّبت به، كان يريد أن يتحدث وأسمع له. - تعرف فلان، لقد وعدني بكذا وكذا، منذ أكثر من عام، وهو يماطل واليوم صدمني بأنه لن يفي بما وعد! تركت صاحبي يقول كل ما عنده، فلما سكت اقتربت منه، وضعت يدي على منكبه.
وقلت: - يا أبا أحمد، لا تهتم كثيرا، الهمّ والحزن يُذهبان العافية، وكثير من الناس -أيامنا هذه- يُكثر الوعد ولا يفي بها، مع أن إخلاف الوعد من صفات المنافقين، والوفاء بالعهد من مكارم الأخلاق، هوّن عليك، ولا تتوقع من الناس كل ما تأمل فيهم. رفع رأسه وقال: - ألم يوصِنا الله -عز وجل-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} (المائدة:1)، ألم يقل -سبحانه-: {وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا} (الإسراء:34)، ألم يقل -سبحانه-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ (2) كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ} (الصف).
- بلى، كل ذلك معلوم والأحاديث في ذلك كثيرة، ولكن قليلاً من الناس من يعمل بها، فلا تجعل الهمّ يثقل كاهلك.
دعني أقرأ لك شيئا عن الوفاء بالعهد، في صحيح أبي داود عن سليم بن عامر (رجل من حِمْيَر) قال: كان بين معاوية وبين الروم عهد، وكان يسير نحو بلادهم، حتى إذا انقضى العهد غزاهم؛ فجاء رجل على فرس أو بِرْذَوْن وهو يقول: الله أكبر الله أكبر وفاء لا غدر؛ فنظروا فإذا هو عمرو بن عبسة؛ فأرسل إليه معاوية فسأله: فقال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «من كان بينه وبين قوم عهد، فلا يشدّ عقدة ولا يحلّها حتى ينقضي أمدها أو ينبذ إليهم على سواء»، بمعنى ألا ينقضي العهد ويفي به، أو يخبرهم بانتهاء العهد والاتفاق بينهما، وهل تعرف قصة (مواعيد عُرقوب)؟ ابتسم صاحبي، وقال: أخبرني ما قصتها؟ - كان عُرقوب رجلاً من العماليق، فأتاه أخ له يسأل شيئا فقال له عرقوب: إذا أَطْلَعَ نخلي، فلما أطلع أتاه، فقال إذا أبلح، فلما أبلح أتاه، فقال: إذا أرطب، فلما أرطب أتاه، فقال: إذا أتمر، فلما أتمر جَدّه ولم يعطه شيئا، فضرب به العرب المثل في خلف الوعد، وقيل: عرقوب جبل مكلل دائما بالسحاب ولا يمطر شيئا.. أراحتني ابتسامة صاحبي، تابعت الحديث: - وفي كتاب (الكبائر) ذكر (الكبيرة الثالثة والخمسون): عدم الوفاء بالعهد ولا شك أن المرء قد يعد بشيء ثم «يعجز» عن الوفاء به فهذا له عذر، فقد جاء في حديث زيد بن أرقم عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إذا وعد الرجل أخاه ومن نيته أن يفي له فلم يف ولم يجئ للميعاد فلا إثم عليه» (رواه أبو داود والترمذي وضعفه الألباني).
الشاهد أن صفة المنافق تبييت النية بإخلاف الوعد فهذا خلقه وديدنه، وهؤلاء تجنب التعامل معهم. - وماذا عن حديث: «ينصب لكل غادر لواء يوم القيامة»؟ - أحسنت يا أبا أحمد، هذا الحديث عن أنس - رضي الله عنه - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «لكل غادرٍ لواء يوم القيامة يعرف به» (متفق عليه)، وفي رواية الإمام أحمد: «لكل غادر لواء يوم القيامة يعرف به عند استه» وفي زيادة «بقدر غدرته»؛ فهذا يفتضح يوم القيامة أشنع فضيحة، ويعرف الناس جميعا أن كان يغدر العهد، وينقض المواثيق، ويخون المواعيد، وما أشدها من ذلك على رؤوس الأشهاد يوم القيامة! ولما أسرت قريش حذيفة بن اليمان وأباه -رضي الله عنهما- أطلقوهما وعاهدوهم ألا يقاتلاهم مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وكانوا خارجين إلى بدر فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «انصرفا نفي لهم بعهدهم ونستعين الله عليهم» ( الصحيحة )، وثبت عنه أنه قال لأبي رافع وقد أرسلته إليه قريش فأراد المقام عنده وأنه لا يرجع إليهم فقال: إني لا أخيس بالعهد ولا أحبس البرد، ولكن ارجع إلى قومك فإن كان في نفسك الذي فيها الآن فارجع.
وثبت عنه أنه ردّ إليهم أبا جندل للعهد الذي كان بينه وبينهم أن يرد إليهم من جاءه منهم مسلما، ولم يرد النساء، وجاءت سبيعة الأسلمية مسلمة فخرج زوجها في طلبها فأنزل الله -عز وجل-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ} (الممتحنة:11)، فاستحلفها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه لم يخرجها إلا الرغبة في الإسلام، وأنها لم تخرج لحدث أحدثته في قومها، ولا بغضا لزوجها؛ فحلفت فأعطى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زوجها مهرها ولم يردها عليه فهذا حكمه الموافق لحكم الله.



اعداد: د. أمير الحداد





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #7  
قديم يوم أمس, 05:32 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,803
الدولة : Egypt
افتراضي رد: مكارم الأخلاق

مكارم الأخلاق (7) الحياء

عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إن لكل دين خلقاً وإن خلق الإسلام الحياء» (صحيح ابن ماجه)، وفي زيادة عن ابن عبدالبر برواية معاذ بن جبل: «من لا حياء له لا دين له». - هذا الخلق العظيم الذي كاد أن ينعدم أيامنا هذه، مع اتخاذ وسائل التواصل الاجتماعي لجني الأموال وتحقيق الثروات، ولاسيما عند النساء، نسأل الله العافية. كان صاحبي يعبر عن استيائه من صعوبة السيطرة على الأحفاد وانجرافهم وراء ثقافة لا تمت إلى الإسلام بصلة. - تبقى ثوابت الدين هي الأصلح، وإن كثر الخبيث وانتشر، فإنه زبد: {فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ} (الرعد:17)، (الحياء) خلق هذا الدين الكامل الذي اختاره الله -تعالى- لنا وبعث به محمدا - صلى الله عليه وسلم -، و(الحياء) رأس الفضائل، من تركه ترك خيرا كثيرا، كما في حديث الصحيحين: «الحياء لا يأتي إلا بخير»، وعند مسلم «الحياء خير كله» في طريقنا لأداء صلاة العصر في المقبرة. - يقول ابن القيم -رحمه الله- في مدارج السالكين: «حياة القلوب يكون فيه قوة خلق الحياء، وقلة الحياء من موت القلب والروح؛ ولهذا كان خلق الحياء مشتقا من الحياة اسما وحقيقة؛ فأكمل الناس حياة أكملهم حياء، ونقصان حياء المرء من نقصان حياته؛ فإن الروح إذا ماتت لم تحس بما يؤلمها من القبائح فلا تستحيي منها...»، ويقول في (مفتاح دار السعادة): «ثم تأمل هذا الخلق الذي خص الله به الإنسان دون الحيوان، وهو خلق الحياء الذي هو أفضل الأخلاق وأجلها وأعظمها قدرا وأكثرها نفعا، بل هو خاصة الإنسانية! فمن لا حياء فيه ليس معه من الإنسانية إلا اللحم والدم وصورتهم الظاهرة، كما أنه ليس معه من الخير شيء». - صدق والله ابن القيم، وكما في الحديث عن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى: إن لم تستح فاصنع ما شئت» (البخاري)، والحياء من الإيمان، كما في الحديث: «الإيمان بضع وسبعون شعبة، أعلاها لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، الحياء شعبة من الإيمان» (صحيح الترغيب)؛ بل عند الإمام أحمد: «الحياء من الإيمان، والإيمان في الجنة». استدرك علي صاحبي: - الحديث عن ابن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مر على رجل من الأنصار يعظ أخاه في الحياء فقال له - صلى الله عليه وسلم -: «دعه فإن الحياء من الإيمان» (متفق عليه)، والحديث الآخر: «الحياء من الإيمان والإيمان في الجنة والبذاء من الجفاء والجفاء في النار» (السلسلة الصحيحة». كان الطقس حارا، جافا، ولكننا التزمنا بالذهاب لاتباع جنازة أحد رواد المسجد، وأداء أحد حقوقه علينا! - المشكلة أن العامة لا يفرقون بين الخجل والحياء؛ فالأول منقصة، والثاني منقبة، ذاك الخلق الذي يبعث صاحبه على اجتناب القبيح ويمنع التقصير في حق ذي الحق، وقيل الحياء ضد الوقاحة ولا شك أنه خلق يوجد مع الفطرة السليمة، من فقده يفقد المروءة، وعز النفس، والنخوة، بل ويفقد من دينه على قدر ما يفقد من الحياء! دعني أقرأ لك ما تيسر في الشبكة العنكبوتية العالمية عن الحياء: الحياء من صفات الرب -سبحانه-، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إن ربكم حيي كريم، يستحيي من عبده أن يرفع إليه يديه، فيردهما صفرا، أو خائبتين» (صحيح - رواه ابن ماجه). قال ابن القيم - رحمه الله-: «وأما حياء الرب -تعالى- من عبده فنوع آخر لا تدركه الأفهام، ولا تكيفه العقول؛ فإنه حياء كرم وبر وجود؛ فإنه -تبارك وتعالى- حيي كريم يستحيي من عبده إذا رفع إليه يديه أن يردهما صفرا، ويستحيي أن يعذب ذا شيبة شابت في الإسلام». والحياء من خلق الملائكة قال النبي - صلى الله عليه وسلم - في عثمان - رضي الله عنه -: «ألا أستحيي من رجل تستحيي منه الملائكة؟» (رواه مسلم). والحياء زينة الأخلاق لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «ما كان الفحش في شيء إلا شانه، وما كان الحياء في شيء إلا زانه» (صحيح - رواه الترمذي وابن ماجه) وفي بيان التطبيق العملي للحياء قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «استحيوا من الله حق الحياء». قالوا: إنا لنستحيي والحمد لله. قال: «ليس ذاك، ولكن الاستحياء من الله حق الحياء: أن تحفظ الرأس وما وعى، وتحفظ البطن وما حوى، وتتذكر الموت والبلى، ومن أراد الآخرة ترك زينة الدنيا، فمن فعل ذلك فقد استحيا من الله حق الحياء» (حسن - رواه الترمذي). وعن سعيد بن يزيد الأزدي؛ أنه قال للنبي - صلى الله عليه وسلم -: أوصني، قال: «أوصيك أن تستحيي من الله -عز وجل-؛ كما تستحيي من الرجل الصالح من قومك». (صحيح - رواه أحمد). ومن الحياء ستر العورات لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إن الله -عز وجل- حيي ستير، يحب الحياء والستر، فإذا اغتسل أحدكم فليستتر» (صحيح) استوقفني صاحبي: - هذه، هذه التي تخلى عنها الناس لأجل المال والشهرة، لا يسترون عورة، ولا خصوصية، ولا فاحش الكلام. وماذا عن شرح قوله - صلى الله عليه وسلم -: «أن تستحيي من الله كما تستحيي من الرجل الصالح...» (الحديث). إليك شرحه: قال ابن جرير: هذا أبلغ موعظة وأبين دلالة بأوجز إيجاز وأوضح بيان؛ إذ لا أحد من الفسقة إلا وهو يستحيي من عمل القبيح عن أعين أهل الصلاح وذوي الهيئات والفضل أن يراه وهو فاعله، والله مطلع على جميع أفعال خلقه؛ فالعبد إذا استحيا من ربه استحياءه من رجل صالح من قومه، تجنب جميع المعاصي الظاهرة والباطنة، فيا لها من وصية ما أبلغها وموعظة ما أجمعها!، ولذلك لا يستحيي من الحيوان ولا من الأطفال ولا من الذين لا يميزون، ويستحيي من العالِم أكثر مما يستحيي من الجاهل، ومن الجماعة أكثر ما يستحيي من الواحد، والذين يستحي منهم الإنسان ثلاثة: البشر ثم نفسه ثم الله -تعالى-، ومن استحيا من الناس ولم يستحي من نفسه، فنفسه عنده أخس من غيره، ومن استحيا منها ولم يستحي من الله؛ فلعدم معرفته بالله؛ ففي ضمن الحديث حث على معرفة الله -تعالى-.



اعداد: د. أمير الحداد






__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #8  
قديم يوم أمس, 05:39 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,803
الدولة : Egypt
افتراضي رد: مكارم الأخلاق

مكارم الأخلاق (7) الحياء

عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إن لكل دين خلقاً وإن خلق الإسلام الحياء» (صحيح ابن ماجه)، وفي زيادة عن ابن عبدالبر برواية معاذ بن جبل: «من لا حياء له لا دين له».

- هذا الخلق العظيم الذي كاد أن ينعدم أيامنا هذه، مع اتخاذ وسائل التواصل الاجتماعي لجني الأموال وتحقيق الثروات، ولاسيما عند النساء، نسأل الله العافية.
كان صاحبي يعبر عن استيائه من صعوبة السيطرة على الأحفاد وانجرافهم وراء ثقافة لا تمت إلى الإسلام بصلة.
- تبقى ثوابت الدين هي الأصلح، وإن كثر الخبيث وانتشر، فإنه زبد: {فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ} (الرعد:17)، (الحياء) خلق هذا الدين الكامل الذي اختاره الله -تعالى- لنا وبعث به محمدا - صلى الله عليه وسلم -، و(الحياء) رأس الفضائل، من تركه ترك خيرا كثيرا، كما في حديث الصحيحين: «الحياء لا يأتي إلا بخير»، وعند مسلم «الحياء خير كله» في طريقنا لأداء صلاة العصر في المقبرة.
- يقول ابن القيم -رحمه الله- في مدارج السالكين: «حياة القلوب يكون فيه قوة خلق الحياء، وقلة الحياء من موت القلب والروح؛ ولهذا كان خلق الحياء مشتقا من الحياة اسما وحقيقة؛ فأكمل الناس حياة أكملهم حياء، ونقصان حياء المرء من نقصان حياته؛ فإن الروح إذا ماتت لم تحس بما يؤلمها من القبائح فلا تستحيي منها...»، ويقول في (مفتاح دار السعادة): «ثم تأمل هذا الخلق الذي خص الله به الإنسان دون الحيوان، وهو خلق الحياء الذي هو أفضل الأخلاق وأجلها وأعظمها قدرا وأكثرها نفعا، بل هو خاصة الإنسانية! فمن لا حياء فيه ليس معه من الإنسانية إلا اللحم والدم وصورتهم الظاهرة، كما أنه ليس معه من الخير شيء».
- صدق والله ابن القيم، وكما في الحديث عن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى: إن لم تستح فاصنع ما شئت» (البخاري)، والحياء من الإيمان، كما في الحديث: «الإيمان بضع وسبعون شعبة، أعلاها لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، الحياء شعبة من الإيمان» (صحيح الترغيب)؛ بل عند الإمام أحمد: «الحياء من الإيمان، والإيمان في الجنة».
استدرك علي صاحبي: - الحديث عن ابن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مر على رجل من الأنصار يعظ أخاه في الحياء فقال له - صلى الله عليه وسلم -: «دعه فإن الحياء من الإيمان» (متفق عليه)، والحديث الآخر: «الحياء من الإيمان والإيمان في الجنة والبذاء من الجفاء والجفاء في النار» (السلسلة الصحيحة».
كان الطقس حارا، جافا، ولكننا التزمنا بالذهاب لاتباع جنازة أحد رواد المسجد، وأداء أحد حقوقه علينا! - المشكلة أن العامة لا يفرقون بين الخجل والحياء؛ فالأول منقصة، والثاني منقبة، ذاك الخلق الذي يبعث صاحبه على اجتناب القبيح ويمنع التقصير في حق ذي الحق، وقيل الحياء ضد الوقاحة ولا شك أنه خلق يوجد مع الفطرة السليمة، من فقده يفقد المروءة، وعز النفس، والنخوة، بل ويفقد من دينه على قدر ما يفقد من الحياء!
- الحديث عن ابن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مر على رجل من الأنصار يعظ أخاه في الحياء فقال له - صلى الله عليه وسلم -: «دعه فإن الحياء من الإيمان» (متفق عليه)، والحديث الآخر: «الحياء من الإيمان والإيمان في الجنة والبذاء من الجفاء والجفاء في النار» (السلسلة الصحيحة». كان الطقس حارا، جافا، ولكننا التزمنا بالذهاب لاتباع جنازة أحد رواد المسجد، وأداء أحد حقوقه علينا! - المشكلة أن العامة لا يفرقون بين الخجل والحياء؛ فالأول منقصة، والثاني منقبة، ذاك الخلق الذي يبعث صاحبه على اجتناب القبيح ويمنع التقصير في حق ذي الحق، وقيل الحياء ضد الوقاحة ولا شك أنه خلق يوجد مع الفطرة السليمة، من فقده يفقد المروءة، وعز النفس، والنخوة، بل ويفقد من دينه على قدر ما يفقد من الحياء! دعني أقرأ لك ما تيسر في الشبكة العنكبوتية العالمية عن الحياء: الحياء من صفات الرب -سبحانه-، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إن ربكم حيي كريم، يستحيي من عبده أن يرفع إليه يديه، فيردهما صفرا، أو خائبتين» (صحيح - رواه ابن ماجه). قال ابن القيم - رحمه الله-: «وأما حياء الرب -تعالى- من عبده فنوع آخر لا تدركه الأفهام، ولا تكيفه العقول؛ فإنه حياء كرم وبر وجود؛ فإنه -تبارك وتعالى- حيي كريم يستحيي من عبده إذا رفع إليه يديه أن يردهما صفرا، ويستحيي أن يعذب ذا شيبة شابت في الإسلام». والحياء من خلق الملائكة قال النبي - صلى الله عليه وسلم - في عثمان - رضي الله عنه -: «ألا أستحيي من رجل تستحيي منه الملائكة؟» (رواه مسلم). والحياء زينة الأخلاق لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «ما كان الفحش في شيء إلا شانه، وما كان الحياء في شيء إلا زانه» (صحيح - رواه الترمذي وابن ماجه) وفي بيان التطبيق العملي للحياء قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «استحيوا من الله حق الحياء». قالوا: إنا لنستحيي والحمد لله. قال: «ليس ذاك، ولكن الاستحياء من الله حق الحياء: أن تحفظ الرأس وما وعى، وتحفظ البطن وما حوى، وتتذكر الموت والبلى، ومن أراد الآخرة ترك زينة الدنيا، فمن فعل ذلك فقد استحيا من الله حق الحياء» (حسن - رواه الترمذي).
وعن سعيد بن يزيد الأزدي؛ أنه قال للنبي - صلى الله عليه وسلم -: أوصني، قال: «أوصيك أن تستحيي من الله -عز وجل-؛ كما تستحيي من الرجل الصالح من قومك». (صحيح - رواه أحمد).
ومن الحياء ستر العورات لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إن الله -عز وجل- حيي ستير، يحب الحياء والستر، فإذا اغتسل أحدكم فليستتر» (صحيح) استوقفني صاحبي: - هذه، هذه التي تخلى عنها الناس لأجل المال والشهرة، لا يسترون عورة، ولا خصوصية، ولا فاحش الكلام.
وماذا عن شرح قوله - صلى الله عليه وسلم -: «أن تستحيي من الله كما تستحيي من الرجل الصالح...» (الحديث).
إليك شرحه: قال ابن جرير: هذا أبلغ موعظة وأبين دلالة بأوجز إيجاز وأوضح بيان؛ إذ لا أحد من الفسقة إلا وهو يستحيي من عمل القبيح عن أعين أهل الصلاح وذوي الهيئات والفضل أن يراه وهو فاعله، والله مطلع على جميع أفعال خلقه؛ فالعبد إذا استحيا من ربه استحياءه من رجل صالح من قومه، تجنب جميع المعاصي الظاهرة والباطنة، فيا لها من وصية ما أبلغها وموعظة ما أجمعها!، ولذلك لا يستحيي من الحيوان ولا من الأطفال ولا من الذين لا يميزون، ويستحيي من العالِم أكثر مما يستحيي من الجاهل، ومن الجماعة أكثر ما يستحيي من الواحد، والذين يستحي منهم الإنسان ثلاثة: البشر ثم نفسه ثم الله -تعالى-، ومن استحيا من الناس ولم يستحي من نفسه، فنفسه عنده أخس من غيره، ومن استحيا منها ولم يستحي من الله؛ فلعدم معرفته بالله؛ ففي ضمن الحديث حث على معرفة الله -تعالى-.



اعداد: د. أمير الحداد

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 10 ( الأعضاء 0 والزوار 10)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 127.95 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 123.02 كيلو بايت... تم توفير 4.93 كيلو بايت...بمعدل (3.86%)]