عمارة المساجد (4) مساجد البيوت - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 5094 - عددالزوار : 2339658 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4679 - عددالزوار : 1636880 )           »          تفسير القرآن العظيم (تفسير ابن كثير) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 199 - عددالزوار : 4108 )           »          شرح كتاب الحج من صحيح مسلم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 75 - عددالزوار : 67169 )           »          برّ الوالدين بعد الوفاة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 39 )           »          حُكم التائب من التهاون في الصلاة والصيام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 32 )           »          كيفية التغلب على الغضب (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 29 )           »          لا يلزم مِن الزهد ترك البيع والشراء (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 29 )           »          النهي عن الفُحش في القول (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 26 )           »          زكاة أموال القُصّر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 33 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الصوتيات والمرئيات والبرامج > ملتقى الصوتيات والاناشيد الاسلامية > ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية
التسجيل التعليمـــات التقويم اجعل كافة الأقسام مقروءة

ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 26-03-2021, 01:02 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,805
الدولة : Egypt
افتراضي عمارة المساجد (4) مساجد البيوت

عمارة المساجد (4) مساجد البيوت
الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل








الْحَمْدُ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آلِ عِمْرَانَ: 102]، ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا [النِّسَاءِ: 1]، ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الْأَحْزَابِ: 70-71].



أَمَّا بَعْدُ:

فَإِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ تَعَالَى، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ.



أَيُّهَا النَّاسُ:

مِنْ تَوْفِيقِ اللَّهِ تَعَالَى لِلْعَبْدِ وَلِأَهْلِهِ وَوَلَدِهِ أَنْ يَعْمُرَ بَيْتَهُ بِذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى، وَأَنْ يُطَهِّرَهُ مِنَ الْمُحَرَّمَاتِ؛ لِتَغْشَاهُ الْمَلَائِكَةُ، وَتَفِرَّ مِنْهُ الشَّيَاطِينُ؛ فَإِنَّهَا تَفِرُّ مِنَ الْبُيُوتِ الَّتِي يَكْثُرُ فِيهَا ذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى.



وَمِنَ السُّنَنِ الْمَهْجُورَةِ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالْبُيُوتِ: بِنَاءُ الْمَسَاجِدِ فِيهَا، وَتُسَمَّى مَسَاجِدَ الْبُيُوتِ، فَيَتَّخِذُ غُرْفَةً مِنْ بَيْتِهِ، أَوْ زَاوِيَةً يُحَجِّرُهَا وَيَجْعَلُهَا مَسْجِدًا يُصَلِّي فِيهِ النَّوَافِلَ، وَيَقْرَأُ فِيهِ الْقُرْآنَ، وَيُصَلِّي فِيهِ نِسَاؤُهُ، وَيُصَلِّي فِيهِ مَنْ فَاتَتْهُمُ الْجَمَاعَةُ مِنْ أَوْلَادِهِ، وَهِيَ سُنَّةٌ مَشْهُورَةٌ فِي الْعَهْدِ النَّبَوِيِّ.



وَالْأَصْلُ فِي مَسَاجِدِ الدُّورِ: حَدِيثُ عِتْبَانَ الْأَنْصَارِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَمَّا أَنْكَرَ بَصَرَهُ قَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنِّي أَنْكَرْتُ بَصَرِي، وَإِنَّ السُّيُولَ تَحُولُ بَيْنِي وَبَيْنَ مَسْجِدِ قَوْمِي، فَلَوَدِدْتُ أَنَّكَ جِئْتَ فَصَلَّيْتَ فِي بَيْتِي مَكَانًا حَتَّى أَتَّخِذَهُ مَسْجِدًا، فَقَالَ: أَفْعَلُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ...» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ. وَقَدْ بَوَّبَ الْبُخَارِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ فَقَالَ: «بَابٌ: الْمَسَاجِدُ فِي الْبُيُوتِ». قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ رَجَبٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: «مَسَاجِدُ الْبُيُوتِ: هِيَ أَمَاكِنُ الصَّلَاةِ مِنْهَا، وَقَدْ كَانَ مِنْ عَادَةِ السَّلَفِ أَنْ يَتَّخِذُوا فِي بُيُوتِهِمْ أَمَاكِنَ مُعَدَّةً لِلصَّلَاةِ فِيهَا».



وَلَمَّا اشْتَدَّ الْأَذَى بِبَنِي إِسْرَائِيلَ أَمَرَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى أَنْ يَسْتَخْفُوا بِصَلَاتِهِمْ، وَيَتَّخِذُوا مَسَاجِدَ فِي بُيُوتِهِمْ: ﴿ وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّآ لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ [يُونُسَ: 87]. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: «أُمِرُوا أَنْ يَتَّخِذُوا فِي بُيُوتِهِمْ مَسَاجِدَ».



وَلَمَّا أَشَارَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أُمِّ حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنْ تُصَلِّيَ فِي بَيْتِهَا، وَأَنَّ صَلَاتَهَا فِي بَيْتِهَا خَيْرٌ لَهَا مِنْ صَلَاتِهَا فِي الْمَسْجِدِ «أَمَرَتْ فَبُنِيَ لَهَا مَسْجِدٌ فِي أَقْصَى شَيْءٍ مِنْ بَيْتِهَا وَأَظْلَمِهِ، فَكَانَتْ تُصَلِّي فِيهِ حَتَّى لَقِيَتِ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَصَحَّحَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ.



وَمَسَاجِدُ الْبُيُوتِ بُنِيَتْ فِيهَا فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ، وَقَبْلَ الْهِجْرَةِ النَّبَوِيَّةِ، وَأَوَّلُ مَنِ ابْتَنَى مَسْجِدًا فِي بَيْتِهِ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ وَعَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، فَأَمَّا أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَإِنَّ ابْنَ الدَّغِنَةِ لَمَّا أَجَارَهُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَالَ لَهُ الْمُشْرِكُونَ: «مُرْ أَبَا بَكْرٍ فَلْيَعْبُدْ رَبَّهُ فِي دَارِهِ، فَلْيُصَلِّ فِيهَا وَلْيَقْرَأْ مَا شَاءَ، وَلَا يُؤْذِينَا بِذَلِكَ وَلَا يَسْتَعْلِنْ بِهِ، فَإِنَّا نَخْشَى أَنْ يَفْتِنَ نِسَاءَنَا وَأَبْنَاءَنَا، فَقَالَ ذَلِكَ ابْنُ الدَّغِنَةِ لِأَبِي بَكْرٍ، فَلَبِثَ أَبُو بَكْرٍ بِذَلِكَ يَعْبُدُ رَبَّهُ فِي دَارِهِ، وَلَا يَسْتَعْلِنُ بِصَلَاتِهِ، وَلَا يَقْرَأُ فِي غَيْرِ دَارِهِ، ثُمَّ بَدَا لِأَبِي بَكْرٍ، فَابْتَنَى مَسْجِدًا بِفِنَاءِ دَارِهِ، وَكَانَ يُصَلِّي فِيهِ، وَيَقْرَأُ الْقُرْآنَ...» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.



وَأَمَّا عَمَّارٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَفِيهِ وَفِي جُمْلَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ نَزَلَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿ أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ [الزُّمَرِ: 9]، وَذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي فِي مَسْجِدِ بَيْتِهِ؛ كَمَا قَالَ سَعِيدُ بْنُ مَسْرُوقٍ الثَّوْرِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: «أَوَّلُ مَنِ اتَّخَذَ فِي بَيْتِهِ مَسْجِدًا يُصَلِّي فِيهِ عَمَّارٌ».



وَمَسَاجِدُ الْبُيُوتِ كَانَتْ مَشْهُورَةً عِنْدَ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، وَمِنْ ذَلِكَ مَا جَاءَ عَنْ جُوَيْرِيَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ مِنْ عِنْدِهَا بُكْرَةً حِينَ صَلَّى الصُّبْحَ، وَهِيَ فِي مَسْجِدِهَا، ثُمَّ رَجَعَ بَعْدَ أَنْ أَضْحَى، وَهِيَ جَالِسَةٌ... الْحَدِيثَ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ.



وَأَرْسَلَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِمَالٍ إِلَى عَامِلَيْهِ أَبِي عُبَيْدَةَ وَمُعَاذٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، فَجَاءَ الرَّسُولُ إِلَى أَبِي عُبَيْدَةَ وَهُوَ يُصَلِّي فِي مَسْجِدِ بَيْتِهِ، وَجَاءَ إِلَى مُعَاذٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَهُوَ أَيْضًا يُصَلِّي فِي مَسْجِدِ بَيْتِهِ.



وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لِأَصْحَابِهِ: «وَإِنِّي لَا أَحْسِبُ مِنْكُمْ أَحَدًا إِلَّا لَهُ مَسْجِدٌ يُصَلِّي فِيهِ فِي بَيْتِهِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ.



وَمَسَاجِدُ الْبُيُوتِ تُصَلِّي فِيهَا النِّسَاءُ فَرَائِضَهَا وَنَوَافِلَهَا، وَيُصَلِّي فِيهَا الرِّجَالُ النَّفْلَ الْمُطْلَقَ، وَصَلَاةَ الضُّحَى، وَالسُّنَنَ الرَّوَاتِبَ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّيهَا فِي بَيْتِهِ، وَكَذَلِكَ قِيَامُ اللَّيْلِ يَكُونُ فِيهَا؛ كَمَا كَانَ أَبُو بَكْرٍ وَعَمَّارٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يُصَلِّيَانِ اللَّيْلَ فِي مَسْجِدَيْ بَيْتَيْهِمَا، وَفِي صَلَاةِ اللَّيْلِ قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «عَلَيْكُمْ بِالصَّلَاةِ فِي بُيُوتِكُمْ، فَإِنَّ خَيْرَ صَلَاةِ الْمَرْءِ فِي بَيْتِهِ إِلَّا الصَّلَاةَ الْمَكْتُوبَةَ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ.



وَلَرُبَّمَا اقْتَدَى بِهِ أَحَدُ أَهْلِ بَيْتِهِ فَصَلَّى مَعَهُ اللَّيْلَ بِلَا تَرْتِيبٍ وَلَا اعْتِيَادٍ لِذَلِكَ؛ كَمَا ائْتَمَّ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّةً فِي قِيَامِ اللَّيْلِ، وَائْتَمَّ بِهِ كَذَلِكَ ابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَائْتَمَّ بِهِ كَذَلِكَ حُذَيْفَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَالْأَخْبَارُ فِي ذَلِكَ كَثِيرَةٌ. وَلَوْ لَمْ يَأْتَمَّ بِهِ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ فَإِنَّ صَلَاتَهُ فِي مَسْجِدِ بَيْتِهِ تُحَفِّزُ أَهْلَ بَيْتِهِ إِلَى قِيَامِ اللَّيْلِ وَالْوِتْرِ وَصَلَاةِ الضُّحَى وَالسُّنَنِ الرَّوَاتِبِ وَالنَّفْلِ الْمُطْلَقِ؛ فَإِنَّ الرَّجُلَ يَقْتَدِي بِهِ أَهْلُ بَيْتِهِ فِي الْغَالِبِ، وَلَا سِيَّمَا النِّسَاءُ وَالْأَطْفَالُ، وَهَذِهِ مِنْ بَرَكَاتِ مَسَاجِدِ الْبُيُوتِ، وَكَثْرَةِ الصَّلَاةِ فِيهَا. قَالَ مُطَهَّرُ بْنُ جُوَيْرِيَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: «رَأَيْتُ أَبَا مِجْلَزٍ وَلَهُ مَسْجِدٌ فِي دَارِهِ، فَرُبَّمَا جَمَعَ بِأَهْلِهِ وَغِلْمَانِهِ».



وَإِذَا نَابَ الْعَبْدَ شَيْءٌ يَحْتَاجُ إِلَى اسْتِخَارَةٍ صَلَّى الِاسْتِخَارَةَ فِي مَسْجِدِ بَيْتِهِ؛ كَمَا فِي حَدِيثِ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا لَمَّا خَطَبَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَرْسَلَ رَسُولَهُ إِلَيْهَا قَالَتْ: «مَا أَنَا بِصَانِعَةٍ شَيْئًا حَتَّى أُوَامِرَ رَبِّي، فَقَامَتْ إِلَى مَسْجِدِهَا» رَوَاهُ مُسْلِمٌ.



وَإِذَا وَقَعَ لِلْمَرْءِ مَا يُخِيفُهُ أَوْ يَغُمُّهُ أَوْ يُحْزِنُهُ هَرِعَ إِلَى مَسْجِدِ بَيْتِهِ لِيُصَلِّيَ فِيهِ، يَأْمَنُ بِالصَّلَاةِ مِنْ خَوْفِهِ، وَيَسْتَرْوِحُ بِهَا مِنْ غَمِّهِ، وَيُزِيلُ بِهَا مَا يُحْزِنُهُ؛ وَقَدْ نُقِلَ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: «أَنَّهَا لَمَّا بَلَغَهَا قَتْلُ وَلَدِهَا مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ بِمِصْرَ قَامَتْ إِلَى مَسْجِدِ بَيْتِهَا، وَكَظَمَتْ غَيْظَهَا». فَمَا أَطْيَبَ الْمَسَاجِدَ فِي الْبُيُوتِ، وَمَا أَحْوَجَ النَّاسَ إِلَيْهَا وَإِلَى عِمَارَتِهَا بِالصَّلَاةِ وَالْقُرْآنِ وَالذِّكْرِ، وَلَا سِيَّمَا فِي هَذَا الزَّمَنِ الَّذِي عُطِّلَتْ فِيهِ هَذِهِ السُّنَّةُ، وَكَثُرَتِ الْغَفْلَةُ عَنِ الصَّلَاةِ وَعَنْ ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى، وَتَعَدَّدَتِ الْمُلْهِيَاتُ الَّتِي تُلْهِي النَّاسَ عَنْهَا.



نَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى أَنْ يُعَلِّمَنَا مَا يَنْفَعُنَا، وَأَنْ يَرْزُقَنَا الْعَمَلَ بِمَا عَلَّمَنَا، وَأَنْ يَجْعَلَنَا مِنْ عِبَادِهِ الصَّالِحِينَ، إِنَّهُ سَمِيعٌ مُجِيبٌ.

وَأَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ...





الخطبة الثانية

الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا طَيِّبًا كَثِيرًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنِ اهْتَدَى بِهُدَاهُمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.



أَمَّا بَعْدُ:

فَاتَّقُوا اللَّهَ تَعَالَى وَأَطِيعُوهُ ﴿ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ [الْبَقَرَةِ: 43].



أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ:

مَسَاجِدُ الْبُيُوتِ لَا تَأْخُذُ أَحْكَامَ الْمَسَاجِدِ الْمَوْقُوفَةِ؛ فَهِيَ مِلْكٌ لِصَاحِبِ الدَّارِ وَلَيْسَتْ وَقْفًا، وَلَوْ شَاءَ بَاعَهَا مَعَ الْبَيْتِ، أَوْ هَدَمَهَا وَانْتَفَعَ بِمَكَانِهَا فِي شَيْءٍ آخَرَ، وَلَيْسَ لَهَا تَحِيَّةُ الْمَسْجِدِ، وَيَمْكُثُ فِيهَا الْجُنُبُ وَالْحَائِضُ، وَيَدْخُلُهَا مَنْ أَكَلَ ثُومًا أَوْ بَصَلًا، وَلَا يَصِحُّ الِاعْتِكَافُ فِيهَا.



وَمَنْ تَأَمَّلَ السُّنَّةَ النَّبَوِيَّةَ وَأَحْوَالَ السَّلَفِ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِمَسَاجِدِ بُيُوتِهِمْ يَجِدْ عَجَبًا فِي مُلَازَمَتِهَا، وَكَثْرَةِ الصَّلَاةِ فِيهَا، وَفِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادٍ قَالَ: سَمِعْتُ خَالَتِي مَيْمُونَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: «أَنَّهَا كَانَتْ تَكُونُ حَائِضًا لَا تُصَلِّي، وَهِيَ مُفْتَرِشَةٌ بِحِذَاءِ مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ يُصَلِّي عَلَى خُمْرَتِهِ إِذَا سَجَدَ أَصَابَنِي بَعْضُ ثَوْبِهِ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ رَجَبٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: «وَالظَّاهِرُ أَنَّ مُرَادَ مَيْمُونَةَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ: مَسْجِدُ بَيْتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي كَانَ يُصَلِّي فِيهِ مِنْ بَيْتِهِ؛ لِأَنَّ مَيْمُونَةَ لَا تَفْتَرِشُ إِلَّا بِحِذَاءِ هَذَا الْمَسْجِدِ».



وَكَانَ مُسْلِمُ بْنُ يَسَارٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى إِذَا دَخَلَ فِي صَلَاتِهِ فِي مَسْجِدِ بَيْتِهِ قَالَ لِأَهْلِهِ: «تَحَدَّثُوا فَإِنِّي لَسْتُ أَسْمَعُ حَدِيثَكُمْ». وَكَانَ عَطَاءٌ الْخُرَاسَانِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: «إِذَا دَخَلَ بَيْتَهُ لَمْ يَضَعْ ثِيَابَهُ حَتَّى يَأْتِيَ مَسْجِدَ بَيْتِهِ فَيُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ». وَكَانَتِ الْعَالِمَةُ الْفَقِيهَةُ مُعَاذَةُ الْعَدَوِيَّةُ رَحِمَهَا اللَّهُ تَعَالَى زَوْجَةً لِلْعَابِدِ الزَّاهِدِ صِلَةَ بْنِ أَشْيَمَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى، قَالَتْ عَنْهُ: «مَا كَانَ صِلَةُ يَجِيءُ مِنْ مَسْجِدِ بَيْتِهِ إِلَى فِرَاشِهِ إِلَّا حَبْوًا، يَقُومُ حَتَّى يَفْتُرَ، فَمَا يَجِيءُ إِلَى فِرَاشِهِ إِلَّا حَبْوًا». وَجَاءَ عَنِ الصَّحَابِيِّ الْجَلِيلِ أَبِي ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «أَنَّهُ لَمَّا أَحَسَّ بِالْمَوْتِ أَتَى مَسْجِدَ بَيْتِهِ فَخَرَّ سَاجِدًا فَمَاتَ وَهُوَ سَاجِدٌ».




فَحَرِيٌّ بِنَا -أَيُّهَا الْإِخْوَةُ- أَنْ نُحْيِيَ سُنَّةَ اتِّخَاذِ الْمَسَاجِدِ فِي الْبُيُوتِ؛ فَإِنَّ لَهَا أَثَرًا عَظِيمًا عَلَى الرَّجُلِ وَأَهْلِهِ وَوَلَدِهِ وَبَيْتِهِ. وَمَنْ جَرَّبُوا ذَلِكَ وَجَدُوهُ.

وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُمْ...


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 61.33 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 59.69 كيلو بايت... تم توفير 1.63 كيلو بايت...بمعدل (2.66%)]