|
الملتقى الاسلامي العام مواضيع تهتم بالقضايا الاسلامية على مذهب اهل السنة والجماعة |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() العصمة علي محمد سلمان العبيدي العصمة في اللغة: العصمة وردت في اللغة لعدة معانٍ، منها: 1- المنع. 2- الحفظ. 3- القلادة. 4- الحبل. قال الصاحب بن عباد في المحيط: العصمة: المنع، وكل شيء اعتصمت به، واعتصم من الشر بكذا وأعصم جميعًا، واستعصم: التجأ، وأعصَمْته: هيَّأْت له ما يعتصم به، ودفعته إليه بعصمته: أي: برِبقتِه ورُمته. والعصمة: القلادة، وتجمع على الأعصام، والعصمة: بياض في الرُّسغ، وبه سُمِّي الوَعل: أعصم. وقال صاحب اللسان: العصمة في كلام العرب المنع، وعصمة اللهِ عبدَه أن يعصمه مما يوبقه، عصمه يعصمه عصمًا: منعه ووقاه، وفي التنزيل: ﴿ لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ ﴾ [هود: 43]؛ أي: لا معصومَ إلا المرحوم، وبهذا المعنى جاءت الكلمةُ في القرآن الكريم والسنَّة المطهَّرة. قال تعالى على لسان سيدنا نوح عليه السلام وابنه: ﴿ يَا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا وَلَا تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ * قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ قَالَ لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ ﴾ [هود: 42، 43]، وقال تعالى على لسان امرأة العزيز: ﴿ وَلَقَدْ رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ ﴾ [يوسف: 32]، وقال سبحانه في حقِّ سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم: ﴿ يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ﴾ [المائدة: 67]، وقال تعالى: ﴿ قُلْ مَنْ ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُمْ مِنَ اللَّهِ إِنْ أَرَادَ بِكُمْ سُوءًا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ رَحْمَةً ﴾ [الأحزاب: 17]، وفي الحديث قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: ((أُمرتُ أن أقاتل الناسَ حتى يشهدوا أن لا إله إلا اللهُ، ويؤمنوا بي وبما جئتُ به، فإذا فعَلوا ذلك، عصموا مني دماءَهم وأموالَهم إلا بحقها، وحسابُهم على الله)). والعصمة: القلادة، وفي اللسان أيضًا أصل العصمة: الحبل، وكل ما أمسك شيئًا فقد عصَمه. وبالإمعان في هذه المعاني جميعها ترى أنها ترجع إلى المعنى الأول، الذي هو (المنع)؛ فالحفظ: منعٌ للشيء من الوقوع في المكروه أو المحظور، والقلادة: تمنع سقوط الخرز منها، والحبل يمنع من السقوط والتردي. معنى العصمة في الشرع: ولعلَّ من أحسنِ التعريفات للعصمة وأسلمِها ما ذكره صاحب كتاب "نسيم الرياض في شرح الشفا للقاضي عياض" بأنها: (لطفٌ من الله تعالى يحمل النبيَّ على فعل الخير، ويزجره عن الشر، مع بقاء الاختيار؛ تحقيقًا للابتلاء)، ومن المستحسَن في تعريفها أيضًا قولُ من قال: (هي حفظ اللهِ - عز وجل - للأنبياء، بواطنِهم وظواهرِهم، من التلبُّسِ بمنهيٍّ عنه، ولو نهي كراهة، ولو في حال الصِّغر، مع بقاء الاختيار؛ تحقيقًا للابتلاء). إن العصمة تعني حفظ الله تعالى لأنبيائه عن مواقَعة الذنوب الظاهرة والباطنة، وأن العناية الإلهية لم تنفكَّ عنهم في كل أطوار حياتهم، قبل النبوة وبعدها، على ما هو المعتمد، كما سيأتي تحقيقه؛ فهي محيطةٌ بهم، تحرُسُهم من الوقوع في منهيٍّ عنه شرعًا أو عقلاً، وصدق القائل حين قال: وإذا العنايةُ لاحظَتْك عيونُها ** نَمْ؛ فالمخاوفُ كلُّهن أمانُ وهذا ثابت في حقهم، ولازم لهم، ولو أن نبيًّا من الأنبياء فقَدَ شيئًا من العصمة، فما أكثرَ المتربِّصين والمتحيِّنين الطاعنين من الملاحدة والكافرين! وتنقسم العِصمة إلى عدة أقسام، أهمُّها: 1- عصمة الأنبياء عمومًا. 2- عصمة الملائكة؛ فهم مجبولون عليها. 3- عصمة الرسولِ صلى الله عليه وسلم خصوصًا، وهذه تشمل عصمتَه مع الأنبياء عمومًا، يضاف إليها عصمتُه من القتل، والتي خصَّه اللهُ بها دون الأنبياء جميعًا؛ قال تعالى: ﴿ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ﴾ [المائدة: 67] الآية. 4- عصمة أمَّة محمد صلى الله عليه وسلم عامة، وهي بقولهم: لا إله إلا الله، وعصمتهم من الاجتماعِ على ضلالة؛ (أي: لا يجتمعون على أمرٍ خطأ مخالفٍ للسنَّة يقودُ الأمَّة إلى ضلالة). 5- عِصمة بقية الأُمَم من غير المسلمين، أهل الكتاب وغيرهم في دار الإسلام، وهي بالمُهادَنة وعدمِ حمل السلاح على المسلمين، أو التحريض أو التجسس عليهم أو الإعانة عليهم، ويجب عليهم دفعُ الجزية، فإذا فعَلوا ذلك، فهم آمِنونَ على أنفسهم وأعراضِهم وأموالهم في دار الإسلام. عصمة الرسول صلى الله عليه وسلم: وقد قال الأئمة: "كلٌّ أحد يؤخَذُ من قوله ويُترَك إلا رسولَ الله صلى الله عليه وسلم"؛ ولهذا اتفق الأئمةُ على أنه صلى الله عليه وسلم معصومٌ فيما يبلِّغه عن ربه، وقد اتفقوا على أنه لا يُقَر على الخطأ في ذلك، وكذلك لا يُقَر على الذنوب؛ لا صغائرها ولا كبائرها. وأما السلف وجمهورُ أهل الفقه والحديث والتفسير وجمهور متكلِّمي أهل الحديث من الأشعرية وغيرهم، فلم يمنَعوا وقوعَ الصغيرة إذا كان مع التوبةِ؛ كما دلت عليه النصوصُ من الكتاب والسنَّة؛ فإن الله يحب التَّوَّابين، وإذا ابتلى بعض الأكابر بما يتوب منه، فذاك لكمال النهاية، لا لنقص البداية، كما قال بعضهم: لو لم تكُنِ التوبةُ أحبَّ الأشياء إليه، لَمَا ابتلى بالذنب أكرَمَ الخَلْق عليه. فمَن فهِم ما تمحوه التوبةُ، وما ترفع صاحبَها إليه من الدرجات، وما يتفاوت الناسُ فيه من الحسنات والسيئات، زالت عنه الشُّبَه في هذا الباب، وأقر الكتابُ والسنَّة على ما فيها من الهدى والصواب، فإن الغلاةَ يتوهَّمون أن الذنب إذا صدر من العبد، كان نقصًا في حقه لا ينجبِرُ حتى يجعلوا مَن لم يسجد لصنم أفضلَ منه، وهذا جهل؛ فإن المهاجرين والأنصار الذين هم أفضلُ هذه الأمَّة هم أفضلُ مِن أولادهم وغير أولادهم ممَّن وُلِد على الإسلام؛ انتهى. وإن كان طائفة تدَّعي أن الوليَّ محفوظ، وهو نظير ما يثبت للأنبياء من العصمة، والحكيم الترمذي قد أشار إلى هذا - فهذا باطلٌ مخالِفُ للسنَّة والإجماع؛ ولهذا اتفق المسلِمون على أن كلَّ أحد من الناس: يؤخَذُ من قوله ويترك إلا رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، وإن كانوا متفاضلينَ في الهدى والنُّور والإصابة. وقال: لا يعتقدون أن كلَّ واحد من الصحابة معصومٌ عن كبائر الإثم وصغائره، بل تجوزُ عليهم الذنوبُ في الجملة، ولهم من السوابق والفضائل ما يوجب مغفرةَ ما يصدر منهم إن صدر، حتى إنه يغفر لهم من السيئات ما لا يغفر لمن بعدهم؛ لأن لهم من الحسنات التي تمحو السيئات ما ليس لِمَن بعدهم، وقد ثبت بقولِ رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم خيرُ القرون، وأن المُدَّ مِن أحدهم إذا تصدَّق به، كان أفضلَ من جبلِ أُحدٍ ذهبًا ممن بعدهم، ثم إذا كان قد صدر من أحدهم ذنبٌ، فيكون قد تاب منه، أو أتى بحسنات تمحوه، أو غُفِر له بفضلِ سابقته، أو بشفاعةِ محمد صلى الله عليه وسلم الذي هم أحقُّ الناس بشفاعته، أو ابتلي ببلاء في الدنيا كُفِّر به عنه، فإذا كان هذا في الذنوب المحققة، فكيف بالأمور التي كانوا فيها مجتهدين: إن أصابوا فلهم أجران، وإن أخطَؤوا فلهم أجر واحد، والخطأ مغفور لهم؟ ثم القَدْر الذي يُنكَر مِن فعل بعضهم قليلٌ نَزْرٌ مغمور في جَنْبِ فضائل القوم ومحاسنهم من الإيمان بالله ورسوله، والجهاد في سبيله، والهجرة، والنُّصرة، والعلم النافع، والعمل الصالح، ومَن نظَر في سيرة القوم بعِلم وبصيرة، وما منَّ الله به عليهم من الفضائل، علِم يقينًا أنهم خيرُ الخَلق بعد الأنبياء، لا كان ولا يكون مثلُهم، وأنهم هم الصفوة من قرون هذه الأمَّة التي هي خير الأُمَم وأكرمُها على الله تعالى. لكن النبيَّ صلى الله عليه وسلم معصومٌ، فلا يجوز أن يصدر عنه خبران متناقضان في الحقيقة، ولا أمرانِ متناقضان في الحقيقة إلا وأحدهما ناسخ والآخر منسوخ. وأما غير النبيِّ صلى الله عليه وسلم، فليس بمعصوم، فيجوز أن يكونَ قد قال خبرينِ متناقضين، وأمرين متناقضين، ولم يشعُرْ بالتناقض. وقال: ومما جاء به الرسول: إخبارُه بأنه تعالى قد أكمل الدِّين بقوله سبحانه: ﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ﴾ [المائدة: 3]، ومما جاء به الرسولُ أمرُ الله له بالبلاغ المبين؛ كما قال تعالى: ﴿ وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ ﴾ [النور: 54]، وقال تعالى: ﴿ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ ﴾ [النحل: 44]، وقال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ﴾ [المائدة: 67]. ومعلوم أنه قد بلغ الرسالة كما أُمِر ولم يكتُمْ منها شيئًا؛ فإن كتمانَ ما أنزله الله إليه يناقض موجبَ الرسالة، كما أن الكذبَ يناقض موجبَ الرسالة، ومن المعلوم مِن دين المسلمين أنه معصومٌ من الكتمان لشيء من الرسالة، كما أنه معصوم من الكذِبِ فيها، والأمَّة تشهد له بأنه بلَّغ الرسالةَ كما أمره الله، وبيَّن ما أُنزِل إليه من ربه، وقد أخبر اللهُ بأنه قد أكمَل الدين، وإنما كمل بما بلغه؛ إذ الدِّينُ لم يُعرَف إلا بتبليغه، فعُلِم أنه بلغ جميع الدِّين الذي شرعه الله لعباده؛ كما قال صلى الله عليه وسلم: ((تركتُكم على البيضاء، ليلُها كنهارها، لا يزيغ عنها بعدي إلا هالكٌ))، وقال: ((ما تركتُ من شيء يقرِّبُكم إلى الجنة إلا وقد حدثتُكم به، وما تركتُ من شيء يُبعِدكم عن النار إلا وقد حدثتُكم به)). وقال: وقد ذكَر الله - سبحانه وتعالى - الإيمانَ بما جاءت به الأنبياء في غير موضعٍ؛ كقوله تعالى: ﴿ قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ ﴾ [البقرة: 136]، وقال تعالى: ﴿ الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ * وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ * أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ [البقرة: 1 - 5]، وقال تعالى: ﴿ لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ ﴾ [البقرة: 177]. وهذا الذي ذكرتُه من أن أولياء الله يجبُ عليهم الاعتصامُ بالكتاب والسنَّة، وأنه ليس فيهم معصومٌ يسُوغ له أو لغيره اتباعُ ما يقع في قلبه من غير اعتبار بالكتاب والسنَّة - هو مما اتَّفَق عليه أولياءُ الله عز وجل، مَن خالف في هذا فليس من أولياء الله سبحانه الذين أمَر الله باتباعهم، بل إما أن يكون كافرًا، وإما أن يكون مفرِطًا في الجهل. ولهذا كان ما نقَله الصحابة عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم من القرآن والحديث يجب قَبولُه، لا سيما المتواتر؛ كالقرآنِ وكثيرٍ من السُّنن، وأما ما قالوه، فما أجمعوا عليه فإجماعُهم معصوم، وما تنازعوا فيه رُدَّ إلى اللهِ والرسول. يتبع
__________________
|
#2
|
||||
|
||||
![]() العصمة علي محمد سلمان العبيدي وقال شيخُ الإسلام ابن تيمية: الأنبياءُ صلوات الله وسلامُه عليهم معصومون من الإقرار على الذنوب كبارِها وصغارِها، وهم بما أخبر الله به عنهم من التوبة يرفع درجاتهم، ويُعظِم حسناتِهم؛ فإن اللهَ يحب التوابين، ويحب المتطهرين، وليست التوبة نقصًا، بل هي مِن أفضلِ الكمالات، وهي واجبةٌ على جميع الخَلْق؛ كما قال تعالى: ï´؟ وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا * لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ï´¾ [الأحزاب: 72، 73]، فغايةُ كلِّ مؤمن هي التوبة، ثم التوبةُ تتنوع، كما يقال: حسنات الأبرار سيئات المقربين. والله تعالى قد أخبر عن عامة الأنبياء بالتوبة والاستغفار: عن آدم ونوح وإبراهيم وموسى وغيرهم؛ فقال آدم: ï´؟ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ ï´¾ [الأعراف: 23]، وقال نوح: ï´؟ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخَاسِرِينَ ï´¾ [هود: 47]، وقال الخليل: ï´؟ رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ ï´¾ [إبراهيم: 41]، وقال هو وإسماعيل: ï´؟ رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ï´¾ [البقرة: 128]، وقال موسى: ï´؟ أَنْتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ * وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ ï´¾ [الأعراف: 155، 156]، وقال تعالى: ï´؟ فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ ï´¾ [الأعراف: 143]، وقد ذكَر الله سبحانه توبةَ داود وسليمان وغيرهما من الأنبياء، والله تعالى ï´؟ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ ï´¾ [البقرة: 222]، وفي أواخرِ ما أنزل اللهُ على نبيِّه: ï´؟ إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا ï´¾ [النصر: 1 - 3]. وفي الصحيحين عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول في افتتاح الصلاة: ((اللهم باعِدْ بيني وبين خطاياي كما باعدتَ بين المشرق والمغرب، اللهم نقِّني من الخطايا كما يُنقَّى الثوبُ الأبيض من الدَّنَس، اللهم اغسِلْني من خطاياي بالثلج والبَرَد والماء البارد)). وفي الصحيح أنه كان يقول في دعاءِ الاستفتاح: ((اللهم أنت الملِكُ، لا إلهَ إلا أنت، أنت ربي وأنا عبدُك، ظلمتُ نفسي، واعترفتُ بذَنْبي؛ فاغفِرْ لي ذنوبي جميعًا؛ إنه لا يغفِرُ الذنوبَ إلا أنت)). وفي الصحيح أيضًا عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول: ((اللهم اغفِرْ لي ذنبي كلَّه، دِقَّه وجِلَّه، علانيته وسرَّه، أوَّلَه وآخِرَه)). وفي الصحيحينِ عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول: ((اللهم اغفِرْ لي خطيئتي، وجهلي، وإسرافي في أمري، وما أنتَ أعلمُ به مني، اللهم اغفِرْ لي هَزْلي وجِدِّي، وخطَئي وعمدي، وكلُّ ذلك عندي، اللهم اغفر لي ما قدمتُ وما أخرتُ، وما أسررتُ وما أعلنتُ، وما أسرفتُ وما أنت أعلمُ به مني، أنت المقدِّمُ وأنت المؤخِّرُ، لا إله إلا أنت)). ومثلُ هذا كثيرٌ في الكتاب والسنَّة، وقد قال الله تعالى: ï´؟ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ï´¾ [محمد: 19]؛ فتوبةُ المؤمنين واستغفارُهم هو من أعظم حسناتهم، وأكبر طاعاتهم، وأجلِّ عباداتهم التي ينالون بها أجلَّ الثواب، ويندفع بها عنهم ما يدفعُه من العقاب. فإذا قال القائل: أي حاجة بالأنبياء إلى العبادات والطاعات؟ كان جاهلاً؛ لأنهم إنما نالوا ما نالوه بعبادتِهم وطاعتِهم، فكيف يقال: إنهم لا يحتاجون إليها؟ فهي أفضلُ عبادتهم وطاعتهم. وإذا قال القائل: فالتوبة لا تكون إلا عن ذنبٍ، والاستغفار كذلك، قيل له: الذنب الذي يضرُّ صاحبَه هو ما لم يحصل منه توبةٌ، فأما ما حصل منه توبة، فقد يكون صاحبه بعد التوبة أفضلَ منه قبل الخطيئة؛ كما قال بعض السلف: كان داود بعد التوبة أحسنَ منه حالاً قبل الخطيئة، ولو كانت التوبةُ من الكفر والكبائر؛ فإن السابقين الأوَّلين من المهاجرين والأنصار هم خيارُ الخليقة بعد الأنبياء، وإنما صاروا كذلك بتوبتهم مما كانوا عليه من الكفر والذنوب، ولم يكن ما تقدم قبل التوبة نقصًا ولا عيبًا، بل لَمَّا تابوا من ذلك وعمِلوا الصالحات، كانوا أعظمَ إيمانًا وأقوى عبادةً وطاعةً ممن جاء بعدهم فلم يعرفِ الجاهلية كما عرَفوها. إن الله - سبحانه وتعالى - لم يذكُرْ عن نبي من الأنبياء ذنبًا إلا ذكَر توبته منه؛ ولهذا كان الناس في عصمة الأنبياء على قولين: إما أن يقولوا بالعصمة من فعلها، وإما أن يقولوا بالعصمة من الإقرار عليها، لا سيما فيما يتعلَّقُ بتبليغ الرسالة؛ فإن الأمَّةَ متَّفقةٌ على أن ذلك معصومٌ أن يقرَّ فيه على خطأ؛ فإن ذلك يناقضُ مقصودَ الرسالة، ومدلولَ المعجزة. ولكن المقصود هنا أن الله لم يذكُرْ في كتابه عن نبي من الأنبياء ذنبًا إلا ذكر توبته منه، كما ذكر في قصة آدم وموسى وداود، وغيرهم من الأنبياء. وبهذا يُجيب مَن ينصر قول الجمهور الذين يقولون بالعصمة من الإقرار على مَن ينفي الذنوب مطلقًا؛ فإن هؤلاء من أعظمِ حُجَجهم ما اعتمده القاضي عياض وغيره؛ حيث قالوا: نحن مأمورون بالتأسِّي بهم في الأفعال، وتجويز ذلك يقدحُ في التأسي، فأجيبوا بأن التأسِّيَ إنما هو فيما أُقِرُّوا عليه، كما أن النسخ جائز فيما يبلِّغونه من الأمر والنهي، وليس تجويزُ ذلك مانعًا من وجوبِ الطاعة؛ لأن الطاعةَ تجبُ فيما لم يُنسَخ؛ فعدم النَّسخ يقرِّر الحُكم، وعدم الإنكار يقرِّر الفعل، والأصلُ عدمُ كل منهما. .... وهو معصوم في التبليغ بالاتفاق، والعصمة المتفق عليها أنه لا يُقَرُّ على خطأ في التبليغ بالإجماع؛ فإنه لا معصومَ إلا الأنبياء؛ ولهذا لم يجب الإيمانُ بكل ما يقوله بشر إلا أن يكون نبيًّا؛ فإن الإيمان واجبٌ بكل ما يأتي به النبي؛ قال تعالى: ï´؟ قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ ï´¾ [البقرة: 136]، وقال تعالى: ï´؟ لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ ï´¾ [البقرة: 177]، وإذا كان الأمر كذلك، فمعلوم بالتواتر أن محمدًا ذكر أنه رسول كإبراهيم وموسى وعيسى، بل أخبر أنه سيد ولد آدم، وأن آدمَ فمن دونه تحت لوائه يوم القيامة، وأنه لَمَّا أسري به وعرج إلى ربه، علا على الأنبياء كلِّهم؛ على إبراهيم وموسى وهارون ويحيى وعيسى وغيرهم، وأخبر أنه لا نبيَّ بعده، وأن أمتَه هم الآخِرون في الخَلق، السابقون يوم القيامة، وأن الكتابَ الذي أُنزل إليه أحسنُ الحديث، وأنه مهيمن على ما بين يديه من الكتب، مع تصديقِه لذلك، وحينئذٍ فإن كان عالِمًا بصِدق نفسه، فهو نبيٌّ رسول، ومَن قال هذا القول وهو يعلم أنه كاذب، فهو من أظلمِ الناس وأفجرِهم؛ ï´؟ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ ï´¾ [الأنعام: 93]، وإن كان يظنُّ صِدق نفسه وليس كذلك، فهو مخطئ غالط ملبوس عليه، وإذا كان كذلك فلا بد أن يخطئَ فيما يخبِرُ به من الغيوب، ويظلم فيما يأمر به من العدل، ولا يتصور استمرارُه على هذا، بل لا بد أن يتبينَ له ولغيره أنه صادقٌ أو كاذب؛ فإن مَن ظن صِدْق نفسه في مثل هذه الدعوى وليس بصادق، يكونُ مِن أجهل الناس وأظلمِهم وأبعدِهم عن التمييز بين الحق والباطل، والصدق والكذب، والخير والشر.
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |