|
ملتقى الحوارات والنقاشات العامة قسم يتناول النقاشات العامة الهادفة والبناءة ويعالج المشاكل الشبابية الأسرية والزوجية |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() هلموا إلى منهج السلف (1) كتبه/ إسلام صبري فيَتردَّد سؤال على أسماعنا بين الحين والحين: هل كل من خالفكم فهو قطبيٌّ سروريٌّ؟ ونحن إذا أردنا الجواب عن هذا السؤال، فلابدَّ من تحرير بعض المصطلحات المهمة أولًا؛ حتى لا يلتبس حقٌّ بباطل، ولئلا تضيع الأحكام الشرعية المهمة، والمعاني الإيمانيَّة الواجبة في خِضَم مناقشات عقيمة ومجادلات سطحية تفتقر إلى الدليل الشرعي، بل حتى إلى أبجديات الكلام المنطقي المقبول. فنقول: (1) أما مسائل الخلاف السائغ -وهي المسائل التي لا تخالف نصًّا صريحًا من كتاب أو سنة، ولا إجماعًا قديمًا، ولا قياسًا جليًّا-؛ فهذه مسائل يسعُ المسلمين فيها الاختلاف بإجماع العلماء، لم يخالف في ذلك عالمٌ واحد من علماء المسلمين عبر القرون. قال ابن تيمية -رحمه الله-: "وقد اتفق الصحابة في مسائل تنازعوا فيها على إقرار كل فريق للفريق الآخر على العمل باجتهادهم، كمسائل في العبادات والمناكح والمواريث والعطاء والسياسة وغير ذلك" (مجموع الفتاوى). فانظر رحمك الله إلى نقله اتفاق الصحابة الكرام رضي الله عنهم على عذر بعضهم بعضًا في مسائل الاجتهاد (الخلاف السائغ)، وأن ذلك لا يقتضي ذمًّا ولا قطيعةً، ولا اتهامًا لدين بعضهم بعضًا لأجل أنهم اختلفوا في مسائل يسع فيها الخلاف. وإن من مسائل الخلاف: مسائل السياسة الشرعية، بل حتى اختلف الصحابة الكرام -رضي الله عنهم- بعد مقتل عثمان بن عفان -رضي الله عنه- وأرضاه، وأدَّى اختلافهم السائغ إلى اقتتال بينهم، كلٌّ منهم يرجو برأيه الذي اختاره ديانةً لله -تعالى- بعد نظر واجتهاد؛ يريد به نصرةَ دين الله -عزَّ وجلَّ- ورفع راية الإسلام عاليةً خفاقة دون أن يخوِّن بعضهم بعضًا ولا أن يتهم بعضهم بعضًا في ديانتهم أو مروءتهم، حتى رُوي أنهم كانوا يتقاتلون بالنهار ويتزاورون بالليل، يتقاتلون ويتآخون؛ وذلك لأن اختلافهم اختلاف سائغ، وكلٌّ اجتهد واختار رأيًا ديانةً لله لا يسعه الخروج عنه وإلا كان تاركًا ما يجب عليه شرعًا. هذه النظرة العلمية المتأنِّية هي التي تفتح آفاق الحوار بين المسلمين مع اختلاف مذاهبهم وتوجهاتهم الفكرية، وتجعل المعيار في تقييم الاختلاف هو الدليل الشرعي والمناظرة أو المدارسة العلمية المبنيتان عليه -أي: الدليل الشرعي-، لا مجرد الانتماء لتلك الجماعة أو عدم الانتماء إليها كما هو فعل أهل العصبية الجاهلية -والعياذ بالله-. وأما وصلات الشتائم، وموائد الغيبة والنميمة، وأساليب الهمز واللمز، واستمراء إلقاء التهم المنحوتة، والتجرؤ على الطعن في دين ومروءة رجال قلَّ الزمان أن يجود بمثلهم؛ هذه أفعال المفلسين ولا تنتمي إلى منهج السلفيين -منهج الأنبياء والمرسلين- لا من قريب ولا من بعيد، وهي أقرب إلى البدعة منها إلى السنة، ولا تُوصف إلا بأنها من البغي والظلم والعدوان. فمن يختلف مع غيره في وجوب مسح بعض الرأس أو كلِّه، أو وجوب ترتيب أعضاء الوضوء من عدمه، أو في وضع اليدين على الصدر بعد الرفع من الركوع أو إرسالهما، أو النزول على الركبتين إلى السجود أم اليدين، أو في وجوب النقاب أم استحبابه، أو في جواز نقل الزكاة إلى بلد غير بلد المزكِّي من عدم جواز ذلك، أو تنزيل الأحكام الشرعية ممن هو أهل لذلك على الوقائع والأحداث، لا سيما الكبرى منها والتي تتعلق بعامة المسلمين في ناحية أو قطر، والذي اصطلح عليه أهل زماننا بـ(أمور السياسة)، أو صحة انتساب بعض أهل البدع -كالخوارج والشيعة الاثني عشرية- إلى الإسلام مع تغليظ بدعتهم من عدم صحة انتسابهم إلى الإسلام وخروجهم منه، ونحو ذلك من مسائل العلم الشرعي المبثوثة في كتب العلماء من أمور القتال في سبيل الله، والخلافة والإمامة، والسياسة الشرعية. وغير ذلك مما اختلف فيها العلماء اختلافًا سائغًا؛ من اختلف في كل هذا ونحوه مع غيره من المسلمين، فهذا اختلاف سائغ مقبول، يجب على كلٍّ من المختلفَين عذر صاحبه في ذلك ما دام وصل إلى اجتهاده هذا بطريق شرعي، إما باجتهاده إن كان عالمًا مجتهدًا، أو بترجيحه بين الآراء ما دام محصِّلًا لأدوات ذلك، أو بتقليده من يثق في دينه وعلمه وأمانته، ولا يجوز إنكار كلٍّ منهما على الآخر، فضلًا عن تخوينه أو اتهامه في دينه أو تكفيره؛ فهذا من الظلم المبين، والعدوان الكبير على المسلمين وعلى دين ربِّ العالمين. وفي المقال التالي نتناول بالكلام مسائل الخلاف غير السائع -بإذن الله-.
__________________
|
#2
|
||||
|
||||
![]() هلموا إلى منهج السلف (2) كتبه/ إسلام صبري (2) وأما مسائل الخلاف غير السائغ -وهي التي تخالف نصًّا من كتاب أو سنة، أو إجماعًا قديمًا، أو قياسًا جليًّا- فهذه المسائل يجب إنكارها وعدم السكوت عنها؛ لأنها مخالفة لدين الله تعالى، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (مَن رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرُه) (رواه مسلم). وهذه البدع من المنكرات، وكل ما خالف الدين وعارضه فهو ينقض شيئًا يقابله من الدين، فينقص الدين عند الناس شيئًا فشيئًا بالسكوت عن البدع المختلفة والانحرافات المتعددة، القديمة في أصلها المتجددة في زماننا بأثواب جديدة براقة خداعة، تخطف القلوب وتعمي الأبصار، فيضل قوم ويزل آخرون. وهذا ما تصدَّى له خليفة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بمقولته الشهيرة: "أينقص الدين وأنا حيٌّ"، وهكذا علماء المسلمين السلفيين في كل عصر ودهر، يقومون قومةً لله -تعالى- في نقض البدع والردِّ عليها، وهدمها في نفوس المسلمين حفاظًا على الدين من النقص والتغيير عند الناس، لا يخافون في ذلك لومة لائم، ولا يثنيهم عن ذلك تشنيع جاهل، ولا اعتداء باغٍ أو ظالم، فيحفظ الله بهم الملة والدين، ويكونون للناس جنَّة من الانحراف والانزلاق في مذاهب المبتدعين. وهذه المسائل مثل: إنكار المسح على الخفين المتواتر جوازه عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ومثل القول بعدم وجوب تطبيق شرع الله في الخصومات وفي حياة الناس، ومثل إنكار أسماء الله وصفاته الحسنى، وإنكار القضاء والقدر، ومثل تكفير المسلمين أو نزع اسم الإسلام عنهم ومعاملتهم معاملة الكفار أو جعلهم طبقة متميعة لا ينبغي الانشغال بالحكم عليهم، ومثل إنكار مراعاة المصالح والمفاسد في جهاد الدفع، ومثل الإمامة البدعية عند الشيعة الضالين وسبِّهم الصحابة الكرام رضي الله عنهم، وغير ذلك من أقوال البدع والضلال. فمن يختلف مع الدعوة السلفية في شيء من مسائل النوع الأول (الخلاف السائغ) -لا سيما (أمور السياسة)- ثم هو يريد أن يجعلها من مسائل النوع الثاني (الخلاف غير السائغ)، أي: يجعلها من مسائل الخلاف غير السائغ، فيشنِّع على الدعوة وأبنائها، ويصفهم بما سيُسأل عنه يوم القيامة، ويتهمهم بتهم هم منها براء؛ فهذا من الجهل بدين الله -تعالى-، ومن الجهل بطريقة الصحابة الكرام -رضي الله عنهم- أولًا، ثم بطريقة العلماء السلفيين ثانيًا، والذين ساروا على نهج الصحابة الكرام، ثم هو من الظلم والبغي والعدوان الذي حرَّمه الله -تعالى- فقال: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ) (النحل: 90)، وقال في الحديث القدسي: (فَلَا تَظَالَمُوا) (رواه مسلم). فمن يختلف مع الدعوة السلفية في مسألة غير قطعية من مسائل النوع الأول -ولو عظمت المسألة في نظره أو في حقيقتها-، فيجب عليه ألا يخرج عن إجماع الصحابة الكرام -رضي الله عنهم-، وإجماع العلماء من بعدهم على عذر المخالف وعدم الإنكار عليه؛ فضلًا عن البغي عليه وظلمه بتخوينه أو تبديعه أو تكفيره ما دام قد اجتهد المخالف، وبذل وسعه وجهده في الوصول إلى رأيه ومذهبه. ومن يخالف في مسألة من مسائل النوع الثاني، كتكفير المجتمع أو حكامه بغير حق أو نحو ذلك: فالواجب على العلماء من الدعوة السلفية وغيرها إنكار هذه المخالفات وإبطال هذه البدع والضلالات، فإذا فعلوا ذلك؛ فمن يستطيل عليهم سبًّا وتخوينًا، فهو المعتدي الظالم الذي يجهل ما يجب على العلماء تجاه هذه البدع والضلالات؛ قال -تعالى-: (وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ) (آل عمران: 187). قال ابن كثير -رحمه الله-: "وفي هذا تحذير للعلماء أن يسلكوا مسلكهم فيصيبهم ما أصابهم، ويُسْلَك بهم مسلكهم، فعلى العلماء أن يبذلوا ما بأيديهم من العلم النافع، الدالِّ على العمل الصالح، ولا يكتموا منه شيئًا" (تفسير ابن كثير). فالواجب على العلماء هو البيان لا السكوت والكتمان حسب ما يطلبه المستمعون والأتباع والجمهور، ولا حول ولا قوة إلا بالله. وللحديث بقية -إن شاء الله-.
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |