|
الملتقى الاسلامي العام مواضيع تهتم بالقضايا الاسلامية على مذهب اهل السنة والجماعة |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() مما يروى في عدل الخليفة عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه بأن أحد ولاته أرسل إليه يشكو بأن كثرة الداخلين في الإسلام أدت إلى قلة أموال الجزية، واقترح فرض ضريبة على الناس بعد إسلامهم، فرفض الخليفة العادل وأرسل إليه قائلاً إن الله ابتعثنا هداةً لا جباة. الحاكم العادل صاحب مشروع إنساني خيري، بينما الحاكم الظالم صاحب مشروع نفعي استغلالي، الأول ينظر إلى الناس بأنهم إخوة له فيشفق عليهم ويسعى لإسعادهم وراحتهم، أما الثاني فينظر إليهم بأنهم أجراء عنده يمتطي ظهورهم من أجل بلوغ مآربه وأهدافه الضيقة فيستضعفهم ويستعبدهم ويهضم حقوقهم، ولا يلقي لهم إلا بالفتات. لكن عدالة الله لا تترك المشهد على عبثيته ليتمادى الظالم في طغيانه إلى الأبد، بل تتدخل تلك العدالة الإلهية فتنتصر للمظلوم وتنتقم من الظالم، ومن يدرس تاريخ اندلاع الثورات التي أدت إلى سقوط الدول قديمها وحديثها، يلاحظ أن هناك سبباً مشتركاً بينها وهو فرض الضرائب الباهظة، حتى لا تطيقها الشعوب فيبدأ التذمر ويزداد الضغط حتى يتولد الانفجار،"سنة الله في الذين خلوا من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلاً ولن تجد لسنة الله تحويلاً"، ولن يكون الآخِرون استثناءً من قانون الأولين وسيفعل بهم كما فعل بأشياعهم من قبل إن لم يسارعوا إلى التوبة ومراجعة أنفسهم. والعاقل يأخذ حذره حتى لا يصيبه ما أصاب الذين من قبله، لأنه لا يأمن مكر الله إلا القوم الفاسقون. حين نمشي بين الناس ونسمع تزايداً في التذمر والشكوى من فرض الضرائب ومضاعفة رسوم التعاملات الحكومية، فإننا لا نستطيع تجاهل هذه الحديث بالكلية أو نسبته إلى الإشاعات المغرضة ومحاولات التشويه، أو اتهام الناس بالجهل وعدم الاطلاع. بالتأكيد لن يخلو الحديث من مبالغات، ولا نجزم بأن كل ما يشاع هو دقيق تماماً لكن تصاعد الحديث في هذا الموضوع وانتشاره بين قطاعات واسعة من الناس بما في ذلك بين الأنصار والمؤيدين أنفسهم، يعطي مؤشراً خطيرة على حالة من عدم الرضا بين الناس وكما يقال في المثل الشعبي الصحيح نسبياً بأنه لا يوجد دخان بدون نار. ندرك أن ثمة أسباباً موضوعيةً أدت إلى ضيق ذات اليد وهي تشديد الحصار الظالم من قبل الأعداء والأشقاء معاً، ومنع الأموال من الوصول، وإذ نتفهم هذه الأسباب ونلعن المتسببين بها فإننا يجب ألا نغفل عن حقيقة مبدئية أخلاقية لا تخضع للحسابات السياسية، وهي أن عبء هذا التضييق يجب ألا نلقي به على ظهر المواطن المسكين الذي يحصل على لقمة عيشه بالكاد، فالبائع المتجول الذي يسابق خيوط الشمس من أجل توفير الحد الأدنى من مقومات الحياة لأسرته الفقيرة، والسائق الذي يجوب الشوارع مجيئاً وذهاباً من مطلع الفجر إلى غسق الليل من أجل تعليم أبنائه وحمايتهم من ذل السؤال، هؤلاء المكافحون في سبيل الحياة الكريمة وكثيرون أمثالهم هم بحاجة أن نقدم لهم يد العون والمدد بعد الثناء والتقدير لا أن نضاعف معاناتهم ونحملهم ما لا طاقة لهم به من الرسوم والضرائب. وإذا كان ولاة الأمر في شك من حقيقة المظالم التي يتحدث الناس عنها، وكانوا معنيين بإحقاق الحق والعدل فإنني أنصحهم بالنزول إلى الشارع والمشي في الأسواق إحياءً لسنة الأنبياء، وأن يتعرفوا مباشرةً من المواطن البسيط على همومه، دون وسائط ووساطات، فالبطانة يخشى من تزيينها للواقع وعدم الدقة في نقل الصورة، وإذا كانوا لا يريدون النزول إلى الشارع فعلى الأقل أن يستمعوا لأحد البرامج المتخصصة في الحديث عن هموم المواطن في الإذاعات المحلية، وذلك أضعف الإيمان. إننا حين نثقل ظهور الفقراء بالضرائب فإننا نسير في الطريق الخطأ حتى وإن زين لنا أننا نخرج من أزمة آنية، لكن الحقيقة هي أننا ندخل في أزمة أكبر كالمستجير من الرمضاء بالنار، وذلك بمفاقمة حالة التذمر والضيق، وقبل ذلك باستجلاب غضب الله والتعرض لسهام الأسحار من قبل المظلومين، وإذا كان العدو الخارجي يراهن في حصاره على خلق حالة من السخط الشعبي وفض الالتفاف الجماهيري فإننا من حيث لا نشعر نحقق بهذه الطريقة ما يريدونه بالضبط ونرسل إليهم رسالة تطمين بأن الأمور تسير وفق مخططهم المدروس، والناس لا تثيرها قسوة الحصار بقدر ما يغضبها غياب العدالة الاجتماعية. إن كان لا بد من وجود من يتحمل العبء فليكن كبار القوم ممن يتقاضون الرواتب العالية من الوزراء والوكلاء والمدراء والنواب ورؤساء البلديات وغيرهم ، أو التجار الحيتان الذين شبعوا من أموال الفقراء إلى حد التخمة، هؤلاء من ينبغي أن يتحملوا عبء المسئولية، وليكن لنا في سلطان العلماء العز بن عبد السلام أسوة حسنة حين حاول سلطان مصر فرض ضرائب جديدة على الناس لمواجهة خطر المغول وهم على أبواب البلاد، فاعترض "العز بن عبد السلام" على ذلك وقال له : قبل أن تفرض ضرائب على الناس عليك أنت والأمراء أن تقدموا ما تملكونه من أموال لبيت مال المسلمين، فإذا لم تكف هذه الأموال في الإعداد للمعركة، فرضت ضرائب على الناس، فما كان من السلطان إلا الموافقة والتنفيذ وبذلك كان النصر حليفهم. ومثل هذه القصص جميلة طالما تغنينا بها فهل تجد الآن طريقها في أرض الواقع، وقد استخلفكم الله على جزء من أرضه لينظر كيف تعملون. أعلم أن الحق مر المذاق، ولكن لا مفر من الصدع به، فالكلمة أمانة سنحاسب عليها، ومهمة الكاتب ليست كيل الثناء والمديح للذات الحزبية، ولا شيطنة الآخر الفصائلي، فهذه صناعة يتقنها كثيرون، إنما مهمة الكاتب الحقيقية هي النصح والصدق، وأن يكون مرآةً لإخوانه يبصرهم بأنفسهم، ورحم الله امرأً أهدى إلي عيوبي.. والله أعلى وأعلم...
__________________
![]() بكيت وهل بكاء القلب يجدي؟ *** فراق أحبتي وحنين وجدي!! فما معنى الحياة إذا افترقنا؟؟ *** وهل يجدي النحيب فلست أدري!! فلا التذكار يرحمني فأنسـى *** ولا الأشـواق تتـركني لنومي فراق أحبتي كم هزّ وجدي *** وحتى لقائهـم سأظـل ابـكي!!
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |