|
ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() لا تختلفوا فتختلف قلوبكم الشيخ فؤاد بن يوسف أبو سعيد إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران:102]. ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً ﴾ [النساء: 1]. ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً ﴾ [الأحزاب:70، 71]. أما بعد، فإن أصدق الحديث كتابُ الله، وخيرَ الهديِ هديُ محمد صلى الله عليه وسلم، وشرَّ الأمورِ محدثاتُها، وكلَّ محدثةٍ بدعة، وكلَّ بدعة ضلالة، وكلَّ ضلالةٍ في النار. أعاذنا الله وإياكم من النار، ومن كل عمل يقرب إلى النار، اللهم آمين. عباد الله، الاختلافات والخصومات بين الناس، بين المسلمين والمسلمات، بين المؤمنين والمؤمنات أمر طبيعي، لكن العاقل يتدارك هذا الأمر، فيدع المشاكل في مكانها، ويئدها في مهدها، ولا يجري ورائها؛ لأنها تتفاقم، فإذا تفاقمت كبرت، وتعسرت حتى على العقلاء والحكماء، ويبدأ الأمر من مشاكل بين رجل وامرأة، شاب وفتاة، خاطب وخطيبته، وقد قال صلى الله عليه وسلم: «لاَ تَخْتَلِفُوا، فَإِنَّ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمُ اخْتَلَفُوا فَهَلَكُوا»، (خ) (2410). يفرح الشاب إذا وجد فتاةَ أحلامِه، وتفرح الفتاة إذا تقدم لخطبتها فارسُ أحلامها، الخاطبُ ومخطوبتُه، وهذه بداية الحياة الزوجية، وبعد الوفاق والاتفاق؛ يبدأ الاختلاف على أمور بسيطة يمكن تلافيها، والتغاضي عنها، مثل الاختلاف على قدر المهر المعجّل والمؤجّل، أو بدعةِ عفش البيت، أو صالةِ الأفراح، أو بطاقاتِ الدعوات، أو عددِ السيارات الناقلة ونوعِها، أو كيفيةِ إقامةِ الحفل، وعددِ (المعازيم) أي المدعوين من أهله أو أهلها، ونوعيةِ وقدرِ المطعومِ والمشروب الذي سيوزع... إلى غير ذلك من الأمور الثانوية الهامشية. لقد رفضت مخطوبةٌ خاطبَها، وعندما طلبوا مني الوساطةَ -وهي قصة واقعية- وجدتُ أن الخاطبَ عندما أراد أن يعلمَها تلاوةَ القرآن أثناء الخِطبة؛ اعترضَ على بعضِ مخارجِ الحروف عندها، كما أخبرتني هي بذلك، فحصلت النفرة والافتراق. ورفض خاطب مخطوبته؛ لأنه اشتُرِط عليه المداومة على الصلاة. ورفضوا خاطبَ أختهم؛ لأن شعرَه طويلٌ رفض قصَّة أو تقصيرَه... وهكذا. إنَّ المخطوبةَ إذا رفضت الخاطبَ وحصل الفراق، فلا شيء لها ولا عليها، وإن كان الرفض من الخاطب فطلَّقها؛ فلا له ولا عليه قبل تسمية المهر، ولكن! إن سُمِّيَ المهرُ وبُتَّ فيه؛ فلها النصفُ؛ إلاَّ إن كان هناك عفوٌ وصفح، قال سبحانه: ﴿ وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلاَّ أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ﴾ [البقرة: 237]. وإن طلقها بعد الدخول وكرهها هو؛ فلها المهر كاملا، ويكون الدخول بالخلوة وإرخاء الستور، هذا قبل الزواج والزفاف. أما النزاعات بعد الزواج؛ فحدِّث ولا حرج، قبل الزواج يكون الزوج منشرحا، مسرورا فرِحا، يُتعِب نفسَه بجمعِ المهر، وتجهيزِ البيت، وإقامة الوليمة، وغير ذلك مما يكلِّفُ الأزواجُ بها أنفسَهم، وما تطلبُه مخطوبته منه يُنَفِّذُه فورا، وكأنَّه حملٌ وديع، وزوجُ المستقبلِ المطيع، فعندما وصلت فتاةُ أحلامِه إليه، وأَمْسَتْ بين يديه، أصبحَ عليها أسدًا غضنفرا، وشجاعًا لا يشقُّ له غبار، ولإثباتِ رجولته، وتعريفِها مدى فحولتِه، يصفعُها ويلطمُها، وفي وجهها يلْكُمُها، ويرفسها وبرجله يركُلُها، ويعلوها بالدِّرَّةِ، ويمشُقُها بالسَّوْطِ، ويخْفِقُها بالنَّعْلِ والحذاء، ناهيك عن الألفاظ النابية؛ من سبِّها ولعنِها، وسبِّ أبيها وأهلِها، أو وصفِها وأهلِها بالحيوانات الدنيئة، والألقابِ القبيحة، والأوصاف الذميمة. شكت امرأةٌ زوجَها؛ الذي ضربها فجعلَ وجهَها مرتفعاتٍ ومنخفضاتٍ مختلفًا ألوانُها، فهي جُدَدٌ زرقٌ، وخضرٌ وغرابيبُ سودٌ، - إن صح التعبير - وكأنّ روحَ هذا الزوجِ ونفسَه وإنسانيتَه غاب عنها إيمانُها، وبخِلَت بعفوِها وصفحِها وإحسانِها، لم يجدْ عصًا مناسبة، أو هراوةً مواتية، فاقتلع رجلَ السرير وقائمتَه، فراغَ عَليها ضربًا بِاليمينِ، وكأنه ينفذ قوله تعالى: ﴿ وَاضْرِبُوهُنَّ ﴾ [النساء: 34]؛ بل كأنّه جلاّدٌ وسجَّان يؤدِّي وظيفته، ونسي قولَ رسولِه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "فَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ". مسلم (1218). وقولِه: «لاَ يَجْلِدُ أَحَدُكُمُ امْرَأَتَهُ جَلْدَ العَبْدِ، ثُمَّ يُجَامِعُهَا فِي آخِرِ اليَوْمِ». البخاري (5204). ونسي "... أَلَا وَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا، فَإِنَّمَا هُنَّ عَوَانٍ عِنْدَكُمْ.."، (ت) (3087). ونسي و "أَنْ تُطْعِمَهَا إِذَا طَعِمْتَ، وَتَكْسُوَهَا إِذَا اكْتَسَيْتَ، أَوِ اكْتَسَبْتَ، وَلَا تَضْرِبِ الْوَجْهَ، وَلَا تُقَبِّحْ، وَلَا تَهْجُرْ إِلَّا فِي الْبَيْتِ"، قَالَ أَبُو دَاوُدَ: "وَلَا تُقَبِّحْ" أَنْ تَقُولَ: قَبَّحَكِ اللَّهُ، (د) (2142)، (د) (2143)، (2144) (جة) (1850)، (حم) (20011). فضربها هذا الضربَ المبرِّحَ لأسباب تافهة؛ من قلة العقل والجهالة والسفاهة. عَنْ لَقِيطِ بْنِ صَبْرَةَ رضي الله عنه... قَالَ: قُلْتُ: (يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنَّ لِي امْرَأَةً وَإِنَّ فِي لِسَانِهَا شَيْئًا -يَعْنِي الْبَذَاءَ-). قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَطَلِّقْهَا إِذًا»، قَالَ: قُلْتُ: (يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنَّ لَهَا صُحْبَةً، وَلِي مِنْهَا وَلَدٌ)، قَالَ: فَمُرْهَا يَقُولُ: "عِظْهَا فَإِنْ يَكُ فِيهَا خَيْرٌ فَسَتَفْعَلْ، وَلَا تَضْرِبْ ظَعِينَتَكَ" -أي زوجتك- "كَضَرْبِكَ أُمَيَّتَكَ". الحديث في سنن أبي داود (142)، وعند ابن حبان: "وَلَا تَضْرِبْ ظَعِينَتَكَ كَضَرْبِكَ إِبِلَكَ". صحيح ابن حبان (4510)، أي لا يضربها كما يضرب العبد والحيوان، فالضرب المباح هو الضرب غير المبرِّح؛ الذي لا يكسر عظما، ولا يمزق لحما، ولا يسيل دما، هذا إن كانت المرأة من أهل الضرب وتستحقه، وهذا من جانب الزوج. أما من جانب الزوجات؛ فمنهن من تجلبُ المشاكلَ لزوجها، وتحوِّلُ البيتَ الهادئَ إلى بيتٍ يعجُّ بالنكد، والصراخِ والزعيق، وترفع صوتها على زوجها بما يشبه الشهيقَ والنهيق، وربما خرجت إلى بيت أبيها، تاركةً وراءَها أطفالَها ورضيعَها، لتضغط على زوجهِا وأهلِه، فإن تأخَّروا عن الجري وراءَها يوما أو يومين، ليطلبوا رضاها ورجوعَها؛ فلا تسألْ عن حزنها وندمِها، وبكائها على فراق أطفالها، فكيف لو علمت أن زوجها يسعى للخلاص منها، وحدَّد موعدًا عند المحكمة لفراقِها وطلاقِها؟! وكيف حالُها عند استلامها ورقةَ طلاقِها، ثم تعلم بعد ذلك هذه الزوجة؛ أن زوجَها الذي كان زوجَها قد خطب وتزوج غيرها؟ كيف حالُ أطفالِها وأولادِها عندما كانت هي سببًا للفراق والطلاق؟ وربما تبعث من طرفٍ خفيٍّ مَنْ يسعى لإرجاعها إلى أطفالها! عَنْ مَعْمَرٍ رضي الله عنه قَالَ: جَاءَتِ امْرَأَةٌ إِلَى الْحَسَنِ -البصري-، فَقَالَتْ: (يَا أَبَا سَعِيدٍ! لَا وَاللَّهِ مَا خَلَقَ اللَّهُ شَيْئًا أَبْغَضَ إِلَيَّ مِنْ زَوْجِي، وَإِنَّهُ لَيُخَيَّلُ إِلَيْهِ أَنَّهُ مَا فِي الْأَرْضِ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْهُ، فَهَلْ تَأْمُرُنِي أَنْ أَخْتَلِعَ؟) فَقَالَ الْحَسَنُ: (كُنَّا نَتَحَدَّثُ أَنَّ الْمُخْتَلِعَاتِ هُنَّ الْمُنَافِقَاتُ). قَالَ: فَضَرَبَتْ رَأْسَهَا بِيَدِهَا، فَقَالَتْ: (إِذًا أَصْبِرُ عَلَى بَرَكَةِ اللَّهِ تَعَالَى)، فَقَالَ الْحَسَنُ: (يَرْحَمُهَا اللَّهُ! مَا كُنْتُ أَرَى أَنْ تَفْعَلَ). مصنف عبد الرزاق الصنعاني (6/ 514، رقم 11890). أما المنازعات والاختلافات الغريبة، والمخاصمات العجيبة، أن تحصل بين الابن وأبيه، أو بين البنت وأمها، فالوالد الذي لا يعدل بين أولاده، خالف أمر رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الذي قال: «اعْدِلُوا بَيْنَ أَوْلادِكُمُ، اعْدِلُوا بَيْنَ أَبْنَائِكُمْ»، د (3544)، س (3687)، فبالظلم والجور أوغر صدورَ أولادِه، وأفسدَ قلوبهم، وأحدثَ بينهم العداوة والبغضاء: فهذه بنت تدعو على والدها؛ لأنه كتبَ كلَّ أموالِه لأبنائِه الذكور وحرم الإناث، ولم يبقِ لهنّ شيئا. وأخريات حرمهنّ آباؤهنّ وإخوانهنّ من الزواج حتى لا تذهب التركات والمواريث والأموال من بين أيديهم إلى الأغراب، مخالفين بذلك نداء الله وأمرَه جل جلاله: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ ﴾ [النساء: 19] - والعضل منع المرأة من الزواج - ﴿ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ... ﴾ [النساء: 19]. وهذا ولدٌ موظَّف يقهره والده، فيأخذ من وظيفته لابنه المتقاعس الكسول، لا لحاجة الوالد للنفقة فهي واجبة على الأولاد تجاه والديهم، فيعيش الولد المقهور في غصة من حياته، وحقد على أخيه، ويرحم والده الذي خالف أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالعدل بين الأولاد ذكورا وإناثا. وطاعة الوالدين وإن ظلموا فريضة على الأولاد، فريضة بعد طاعة الله سبحانه وتعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، قال سبحانه وتعالى: ﴿ وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلا كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا ﴾ [الإسراء: 23، 24]. فإن أمراك بما حرم الله سبحانه وتعالى فـ«لا طَاعَةَ فِي مَعْصِيَةِ اللهِ، إِنَّمَا الطَّاعَةُ فِي الْمَعْرُوفِ». م (1840)، وقال سبحانه: ﴿ وَوَصَّيْنَا الإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ [العنكبوت: 8]، وقال تعالى: ﴿ وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾. [لقمان: 15]. وكما جمع الطائع لله، والطائع لرسول الله صلى الله عليه وسلم، والطائعُ لوالديه مع أهل الصلاة وأهل الجهاد، فـ"الْوَالِدُ أَوْسَطُ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ". صحيح الترغيب (2486)، و"من سرَّه أن يُمَدَّ له في عُمُرِه، ويُزادَ في رزقه، فليبرَّ والديه، وليصل رحمه". حسنه لغيره في صحيح الترغيب (2488). وإن أردت رضا الله عليك بإرضائهما، كما قال عليه الصلاة والسلام: "رِضَى الرَّبِّ فِي رِضَى الْوَالِدِ، وَسَخَطُ الرَّبِّ فِي سَخَطِ الْوَالِدِ". (ت) (1899)، الصَّحِيحَة (516). إذا جمع هذا البارُّ مع الأبرار، فقد جُمِع العاقُّ لوالديه مع أهلِ الكبائر، والقتلةِ والحلاّفين أيمانَ الغموس، والفرَّارين من سبيل الله يوم الزحف، والذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات، ويجمع العاق مع السحرة، وأكلة الربا، وأكلة أموال اليتامى ظلما، ويجمع مع مدمني الخمر، والمنانين في عطائهم، ويجمع مع الثلاثة الذين "... لَا يَنْظُرُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: الْعَاقُّ لِوَالِدَيْهِ، وَالْمَرْأَةُ الْمُتَرَجِّلَةُ، وَالدَّيُّوثُ"، (س) (2562). ولقد وصل العقوق أوجَه عند عندما يعصي الولدُ أبويه اللذين يأمرانه بعبادة الله جل جلاله، ويكذِّب بيوم القيامة، كما قال سبحانه: ﴿ وَالَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُمَا أَتَعِدَانِنِي أَنْ أُخْرَجَ ﴾ [الأحقاف: 17] - يعني أعود يوم القيامة - ﴿ وَقَدْ خَلَتِ الْقُرُونُ مِنْ قَبْلِي وَهُمَا يَسْتَغِيثَانِ اللَّهَ وَيْلَكَ آمِنْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَيَقُولُ مَا هَذَا إِلاَّ أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ * أُولَئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ ﴾ [الأحقاف: 17، 18]. العقوق يا عباد الله! يمنع أهلَه ويمنع صاحبَه من مرافقة النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وإن صلى وصام وأدى الأركان، فعَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ الْجُهَنِيِّ رضي الله عنه، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: (يَا رَسُولَ اللَّهِ! شَهِدْتُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ، وَصَلَّيْتُ الْخَمْسَ، وَأَدَّيْتُ زَكَاةَ مَالِي، وَصُمْتُ شَهْرَ رَمَضَانَ). فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ مَاتَ عَلَى هَذَا، كَانَ مَعَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، هَكَذَا" - وَنَصَبَ إِصْبَعَيْهِ - صلى الله عليه وسلم-؛ "مَا لَمْ يُعَقَّ وَالِدَيْهِ». حم (24009)، انظر صحيح الترغيب (2515). عبد الله! "لَا تُشْرِكْ بِاللهِ شَيْئًا وَإِنْ قُتِلْتَ وَحُرِّقْتَ، وَلَا تَعُقَّنَّ وَالِدَيْكَ، وَإِنْ أَمَرَاكَ أَنْ تَخْرُجَ مِنْ أَهْلِكَ وَمَالِكَ"،.. الحديث. حم (22075)، صحيح الترغيب (2516). وينشأ التنازع بين الإخوة؛ بسبب الغيرة بين النساء، أو الأطفال والأولاد، ونحو ذلك، فتتفرق الأسرة وتتشتت العائلة؛ فهذا أخٌ يعتدي بسبب ذلك على أخيه، فيحصل رفع الأصوات، وتخريب الممتلكات، والضربُ ورفعُ السلاح، وقد يصل إلى القتل، ثم السجن ودفع التعويضات، ويكمن في النفوس المريضة الأخذ بالثأر ولو بعد حين. والتحصُّن من ذلك قبل وقوعه، فالوقاية خير من العلاج، إذا نقل إلينا نساؤنا وأولادُنا ما غاب عنا من أخبار الجيران، فنولي هذا الأمر باهتمام في الظاهر، حتى نمتصَّ غضبَهم، والعزم على الإصلاح في الباطن، دون تصديق كلِّ ما يقال من الولد والزوجة، فإن تعسَّر أمرُ الإصلاح داخليًّا؛ نتجه إلى أهل الحلِّ والعقد من أهل الخير والإصلاح، فيسود الحب والوئام، إن صلحت النوايا صلحت الأعمال. فهذه أخت ترفع القضية تلوَ القضية على إخوانها؛ الذين يريدون أكل ميراثها من والدها، فالمحاكم المدنِيَّة تغصُّ بملفاتٍ ومجلداتٍ من هذا النوع من القضايا، وأصحابُ الدواوين وأهلُ الإصلاح يسعونَ مواصلينَ ليلَهم بنهارهم، ليفضُّوا مثلَ هذه النزاعات، وأبناءُ الأخوات يطالبون بحقوق أمهاتِهم من أخوالهم، فحصلَ التنافرُ والتقاطعُ والتدابر، بل وصلَ الأمرُ في بعض الأحيان إلى جرائم التزوير، أو الاعتداء بالضرب أو حتى القتل، عافانا الله وإياكم من كل ما يغضب ربنا سبحانه وتعالى. أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم. الخطبة الآخرة الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله المبعوث رحمة مهداة للعالمين كافة، أما بعد: هذه الاختلافات في الأسرة الواحدة، أما ما يجري تجاه الجيران فمراعاة حقوقهم وحفظ حرماتهم وإعانتهم ومساعدتهم هذه من حقوقهم، فتجد تبادل الزيارات الودية، والسهرات التي فيها الود والمحبة موجودة، فالخصومات والمنازعات التي تنشأ بين الحين والحين بين الجار وجاره، فحدث عنها ولا حرج، ومن أتفه الأسباب تحدث الخلاقات؛ فهذه دابة أو طير انطلق يخرب في زرع الجار، وهؤلاء أطفال الجيران يلعبون فيكسرون زجاج النوافذ، ومرايا السخّانات الشمسية، وهذه امرأة تؤذي بلسانها جيرانها... إن من فساد الجوار أن يُبتَلَى الإنسان بجار سيئ الأخلاق، ذميم الصفات، فقد شكا رجل من جاره فقال: (يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنَّ لِي جَارًا يُؤْذِينِي)، فَقَالَ: "انْطَلِقْ فَأَخْرِجْ مَتَاعَكَ إِلَى الطَّرِيقِ". فانطلقَ فأخرجَ مَتَاعَهُ، فَاجْتَمَعَ النَّاسُ عَلَيْهِ فَقَالُوا: (مَا شَأْنُكَ؟!) قَالَ: (لِي جَارٌ يُؤْذِينِي، فَذَكَرْتُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: "انْطَلِقْ فأخرِج مَتَاعَكَ إِلَى الطَّرِيقِ". فَجَعَلُوا يَقُولُونَ: (اللَّهُمَّ العَنْه، اللَّهُمَّ اخْزِه). فَبَلَغَهُ -أي فبلغ الجارَ السيء خبر سب الناس له- فَأَتَاهُ فَقَالَ: (ارجع الى منـزلك؛ فوالله لا أؤذيك). الأدب المفرد (124)، التعليق الرغيب (3/ 235). أيها الجار الجائر الظالم لجارك، تفقّد إيمانك، وتدبّر قسَم النبي صلى الله عليه وسلم ويمينَه ماذا أقسم؟ قال: «وَاللَّهِ لاَ يُؤْمِنُ، وَاللَّهِ لاَ يُؤْمِنُ، وَاللَّهِ لاَ يُؤْمِنُ»؛ قِيلَ: (وَمَنْ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟!) قَالَ: «الَّذِي لاَ يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَايِقَهُ»، خ (6016). أي بوائقه. فهل يكون مؤمنا الجارُ الذي يكيد لجاره، ويتربص به الدوائر، وجارُه منه على تخوُّف؟! والجواب في الحديث الشريف: «ليس بمؤمن من لا يأمنُ جارُه غوائله». صحيح الجامع (5387)، والصحيحة (2181). أيها الجار! لا تغلق بابك عن جارك إن جاءك محتاجا إليك، فقد قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «كَمْ مِن جارٍ مُتعلِّق بِجَارِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَقُولُ: يَا رَبِّ هَذَا أَغْلَقَ بابهُ دُوني فَمَنع مَعْرُوفَهُ». خد (111)، حسنه لغيره في الصحيحة (2646). فهل من الإيمان والإسلام أن يشبَعَ الجار ويُلقي ما زاد من طعامه إلى النفايات وجاره جائع؟! قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَيْسَ الْمُؤْمِنُ الَّذِي يَشْبَعُ وجارهُ جَائِع». خد (112)، الصحيحة (149). قِيلَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنَّ فُلانَةً تَقُومُ اللَّيْلَ، وَتَصُومُ النَّهَارَ، وَتَفْعَلُ وَتَصَّدَّقُ، وَتُؤْذِي جِيرَانَهَا بِلِسَانِهَا؟) فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لا خير فيها! هي من أهل النار"، (وَفُلانَةٌ تُصَلِّي الْمَكْتُوبَةَ وَتَصَّدَّقُ بِأَثْوَارٍ)، -يعني مجموعة من الأَقِط ونسميه الكِشك- (وَلا تُؤْذِي أَحَدًا). فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "هي من أهل الجنة"، خد (119)، الصحيحة (190). عباد الله! «تَعَوَّذُوا بِاللهِ مِنْ جَارِ السَّوْءِ فِي دَارِ الْمُقَامِ، فَإِنَّ الْجَارَ الْبَادِي مُحَوَّلٌ عَنْكَ». السنن الكبرى للنسائي (7886)، وانظر صحيح الجامع (2967) والصحيحة (1443). وكان من دعائه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "اللَّهُمَّ! إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ جَارِ السُّوءِ فِي دَارِ الْمُقَامِ، فَإِنَّ جَارَ الدُّنْيَا يتحوّل". صحيح الأدب المفرد (117). هل وصلنا إلى قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يقتُلَ الرَّجُلُ جَارَهُ، وأخاه وأباه"؟ خد (118)، والصحيحة (3185). نسأل الله السلامة. قَالَ أَبُو مُوسَى الأشعريُّ رضي الله تعالى عنه: حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ لَهَرْجًا»، قَالَ: قُلْتُ: (يَا رَسُولَ اللَّهِ! مَا الْهَرْجُ؟) قَالَ: «الْقَتْلُ»، فَقَالَ بَعْضُ الْمُسْلِمِينَ: (يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنَّا نَقْتُلُ الآنَ فِي الْعَامِ الْوَاحِدِ مِنَ الْمُشْرِكِينَ كَذَا وَكَذَا)، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَيْسَ بِقَتْلِ الْمُشْرِكِينَ، وَلَكِنْ يَقْتُلُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا، حَتَّى يَقْتُلَ الرَّجُلُ جَارَهُ، وَابْنَ عَمِّهِ وَذَا قَرَابَتِهِ»، فَقَالَ بَعْضُ الْقَوْمِ: (يَا رَسُولَ اللَّهِ! وَمَعَنَا عُقُولُنَا ذَلِكَ الْيَوْمَ؟) فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لا! تُنْزَعُ عُقُولُ أَكْثَرِ ذَلِكَ الزَّمَانِ، وَيَخْلُفُ لَهُ هَبَاءٌ مِنَ النَّاسِ لا عُقُولَ لَهُمْ». جة (3959)، انظر الصحيحة (1682). إن إكرام الجار ولو كان على غير ملة الإسلام واحترامه فيه تنفيذ لـوصية جبريل عليه السلام، وهو مِن هَدْيِ الصالحين، ثبت أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو بن العاص رضي الله تعالى عنهما ذُبِحَتْ لَهُ شَاةٌ فِي أَهْلِهِ، فَلَمَّا جَاءَ قَالَ: (أَهْدَيْتُمْ لِجَارِنَا اليَهُودِيِّ؟ أَهْدَيْتُمْ لِجَارِنَا اليَهُودِيِّ؟) سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَا زَالَ جِبْرِيلُ يُوصِينِي بِالجَارِ حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ سَيُوَرِّثُهُ». ت (1943). أخبرنا بذلك وأوصل لنا ذلك نبيُّنا محمد بن عبد الله، الذي صلى عليه الله في كتابه، فقال: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 56]. اللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين. اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات، إنك سميع قريب مجيب الدعوات يا رب العالمين. اللهم وفقنا لما تحبه وترضاه، اللهم كن معنا ولا تكن علينا، أيدنا يا رب العالمين ولا تخذلنا، اللهم إنك على كل شيء قدير وبالإجابة جدير، وفقنا لما تحبه ترضاه، وأصلح ذات بيننا يا الله يا رب العالمين. وأنت يا مؤذن أقم الصلاة؛ فإِنَّ ﴿ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللهِ أَكْبَرُ وَاللهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ ﴾ [العنكبوت: 45].
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |