
31-10-2022, 04:21 PM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,269
الدولة :
|
|
كتاب البديع لابن المعتز: نظرات في قراءات معاصرة
كتاب البديع لابن المعتز: نظرات في قراءات معاصرة
د. شاذلي عبد الغني إسماعيل
مقدمة:
يعد كتاب البديع لابن المعتز من أهم الكتب في تراثنا البلاغي والنقدي، فقد اهتم فيه بجمع بعض الفنون البلاغية التي رآها تدخل تحت ظلال البديع، وأخذ شواهده لهذه الفنون من القرآن الكريم والحديث الشريف وأشعار العرب وأقوالهم، وقد كان كتاب البديع انطلاقة جديدة في عالم البلاغة والنقد الأدبي في ذلك الحين "فقد أخذ يبحث عن خصائص مذهب البديع وحاول أن يحصيها في الجزء الأول من كتابه (من 1 - 85) وكان هذا فيما يبدو من أكبر الأسباب التي مكنت للخصومة بين أنصار القديم وأنصار الحديث، إذ أصبحت مبادئ المذهب معروفة محددة. والناظر في موازنة الآمدي أو في "أخبار أبي تمام" للصولي أو في "وساطة " الجرجاني، أو في غيرها من كتب الأدب، يجد أن ابن المعتز قد أثر على هؤلاء جميعًا. ولو لم يكن له من فضل غير تحديد الاصطلاحات لكفاه ذلك ليتمتع في تاريخ النقد العربي بمكانة هامة"[1].
الدافع لتأليف الكتاب:
أما الدافع لتأليف هذا الكتاب فقد ذكره ابن المعتز في مقدمته فقال: "ليعلم أن بشارًا ومسلمًا وأبا نواس ومن تقيّلهم وسلك سبيلهم لم يسبقوا إلى هذا الفن؛ ولكنه كثر في أشعارهم فعرف في زمانهم حتى سُمي بهذا الاسم فأعرب عنه ودلّ عليه، ثم إن حبيب بن أوس الطائي من بعدهم شُغفَ به حتى غلب عليه وتفرع فيه وأكثر منه فأحسن في بعض ذلك وأساء في بعض، وتلك عقبى الإفراط وثمرة الإسراف، وإنما كان يقول الشاعر من هذا الفنّ البيت والبيتين في القصيدة، وربما قُرئت من شعر أحدهم قصائد من غير أن يوجد فيها بيت بديع، وكان يُستحسنُ ذلك منهم إذا أتى نادرًا ويزداد حظوة بين الكلام المرسل"[2] فابن المعتز ألف كتابه ليبين أن أساليب البديع المنتشرة في شعر المحدثين بكثرة ليست من ابتكارهم وإنما لها أصول في الأدب القديم شعره ونثره، وقد رأى بعض النقاد أن ابن المعتز في ذلك ينتصر للقديم أو على حد تعبير الدكتور إحسان عباس "ذهب ابن المعتز ينصف القديم، وعن هذه الطريق أكد أن البديع لم يكن بدعًا مستحدثًا، وإنما كان الفضل فيه للقدماء، فالبديع إذن جزء من الموروث الكبير، وهو بهذا ذو أصول راسخة، وليس العيب فيه وإنما العيب في الإفراط في استخدامه، والإفراط مذموم في كل الأمور"[3]، بل إن بعض النقاد نظر إلى أن الدافع إلى تأليف البديع ليس فقط تأكيدًا لانتصار الأدب القديم على المحدث ولكن توثيقاً لانتصار العرب على العجم، فأول من اهتموا في شعرهم بالبديع هم من الشعوبيين مثل أبي نواس وبشار ومسلم، ولعل البعض ظن أنهم أول من جاءت قصائدهم مشتملة على تلك الفنون أو لعلهم ادعوا بالفعل أنهم ابتكروا هذا الفنون وأن العرب لا علم لهم بها، وهنا يجيء كتاب البديع بشواهده من الأدب القديم، " وهكذا يقضي ابن المعتز على آمال المدعين والشعوبيين حتى لا يفتخر أحد منهم بابتكار فن عربي جديد، أو يفاخر أحدهم العرب باختراع فن في كلامهم لم يكونوا هم السباقين إليه. إن البديع فن قديم، وليس لأحد من المحدثين فيه أدنى فضل. يقول ابن المعتز بصراحة ووضوح: "وإنما غرضنا في هذا الكتاب تعريف الناس أن المحدثين لم يسبقوا المتقدمين إلى شيء من أبواب البديع"..."[4]، فينفي نفيا قاطعا استحداث هذا الفن ويأتي بالكثير من الشواهد دليلا على ذلك.
بينما رأى آخرون ما يناقض هذا القول تمامًا، فكتاب المعتز هو انتصار للشعر المحدث وتأييدًا له، وقد أتى بهذا الكتاب من ناحية تمكنه من إحراج المتعصبين للقديم، فما يلومونه على الشعر المحدث موجود في الأدب القديم شعره ونثره.
وكان يمكن أن يكون لهذا الرأي وجاهته لو لم يبين ابن المعتز رأيه في كثرة استخدام البديع في الشعر المحدث ولو لم ينع على شعرائه الإفراط في استخدامه، ويشيد بالطريقة التي انتهجها القدامى الذين لم يسرفوا في استخدام البديع فكانت ندرته سببًا في ازدياد تميزه وبقاء رونقه أو حظوته بين الكلام المرسل، على حد تعبيره، وقد وجه سهام نقده إلى أبي تمام إمام الصنعة الذي حمل لواءها، والذي رأى ابن المعتز أن البديع قد "غلب عليه وتفرع فيه وأكثر منه فأحسن في بعض ذلك وأساء في بعض، وتلك عقبى الإفراط وثمرة الإسراف، وإنما كان يقول الشاعر من هذا الفنّ البيت والبيتين في القصيدة، وربما قُرئت من شعر أحدهم قصائد من غير أن يوجد فيها بيت بديع، وكان يُستحسنُ ذلك منهم إذا أتى نادرًا ويزداد حظوة بين الكلام المرسل، وقد كان بعض العلماء يشبه الطائيّ في البديع بصالح بن عبد القدوس في الأمثال، ويقول: لو أن صالحًا نثر أمثاله في شعره وجعل بينها فصولاً من كلامه لسبق أهل زمانه، وغلب على مد ميدانه، وهذا أعدل كلام سمعته في هذا المعنى "[5]. فابن المعتز الناقد لا ينتصر للمحدث ولا يتعصب له كما أنه أيضًا لا يتعصب للقديم وإنما ينظر نظرة إنصاف، وفي كتابه يأتي بالأمثلة من القديم ومن المحدث، ولا يكتفي بذكر ما استحسنه من القديم أو من الحديث، وهذا ما لاحظه الدكتور شوقي ضيف حين وصفه بأنه "يسوي بين المحدثين والقدماء في الإحسان مع شيء من الاحتياط إزاءهم جميعًا، وهو احتياط جعله يعقب على شواهدهم الرائعة في فنون البديع بما يعاب من كلامهم وأشعارهم جميعًا. فهو يستحسن حين ينبغي الاستحسان ويستهجن حين ينبغي الاستهجان بغض النظر عن القدم والحداثة"[6]، ومن ثم برزت فيه صورة ابن المعتز الناقد الذي لا يضع في اعتباره سوى النص مع غض النظر عن قائله وزمنه.
كتاب البديع والثقافة اليونانية:
يقول الدكتور طه حسين في مقدمة كتاب نقد النثر "لقد ترجم حنين بن إسحاق "كتاب الخطابة" ومن المحتمل أن تكون هذه الترجمة قد ظهرت بعد وفاة الجاحظ، أي في النصف الثاني من القرن الثالث، لأن حنين بن إسحاق توفي سنة 298هـ. في هذه الفترة عينها، وضع أمير المؤمنين الشاعر التعس عبد الله بن المعتز كتاب "البديع". لم أطلع على كتاب "البديع" هذا ولكن الذين نقلوا عنه أكثروا من ذكره كثرة تمكننا من تصوره، فهو عبارة عن تعداد لأنواع البديع مع الاستشهاد لكل نوع بشواهد من كلام القدماء والمعاصرين لابن المعتز، ومع الموازنة بين هذه الشواهد بعضها وبعض. وهم يقولون إن ابن المعتز أحصى في كتابه ثمانية عشر نوعًا من أنواع البديع من يدرسها في كتاب معاصره قدامة بن جعفر وفي كتب الذين جاءوا بعده يلحظ فيها لا محالة أثرًا بينا للفصل الثالث من كتاب "الخطابة" وبعبارة أدق، للقسم الأول من الفصل الثالث وهو الذي يبحث في العبارة"[7]، فالدكتور طه حسين الذي لم يكن قد قرأ الكتاب بعد، يريد أن يصل من خلال وصف من قرأوه أن ابن المعتز تأثر لا محالة بكتاب "الخطابة" لأرسطو، وقد جاء بعد ذلك الدكتور محمد مندور تلميذ الدكتور طه حسين الذي قرأ كتاب ابن المعتز بعناية وقرأ كتاب الخطابة لأرسطو وقرأ بعد ذلك كتب قدامة وغيره ليوافق أستاذه في هذا الطرح، وليحاول جاهدًا أن يثبت صحة هذا الكلام في كتاب البديع؛ "فأرسطو في الجزء الثالث من كتابه يتحدث عن "العبارة"، وفيه يذكر الاستعارة والطباق والجناس ورد الأعجاز على ما تقدمها، وهذه الأربعة من الخمسة التي ميز بها ابن المعتز مذهب المحدثين"[8]، وابن المعتز يعرف الاستعارة بأنها "استعارة الكلمة لشيء يعرف بها من شيء قد عرف بها وهذا التعريف يكاد يكون تعريف أرسطو"[9]. وهكذا الطباق وأمثلته. لكن الحقيقة - التي لاحظها العديد من النقاد - أننا إذا نظرنا قبل أن نقرأ كتاب الخطابة إلى أرسطو - إلى كتاب أحد أساتذة ابن المعتز من الذين أخذ عنهم وهو كتاب "قواعد الشعر " لثعلب (291هـ) سنرى عمق تأثر ابن المعتز به وسنراه يعرف الاستعارة فيقول: "الاستعارة وهو أن يُستعار للشيء اسمُ غيره، أو معنى سواه؛ كقول امرئ القيس في صفة الليل، فاستعار وصف جملِ:
فقلتُ له لما تمطَّى بصلبِهِ ♦♦♦ وأردفَ أعجازاً وناء بكلكلِ "[10]
كما أن الجاحظ (255هـ) من قبله قد عرف الاستعارة فقال: "تبكي على عراصها عيناها، عيناها ها هنا للسحاب. وجعل المطر بكاء من السحاب على طريق الاستعارة، وتسمية الشيء باسم غيره إذا قام مقامه"[11]، فالاستعارة كانت معروفة عند العرب قبل أن يترجم كتاب "الخطابة" لأرسطو، كذلك نجد في كتاب قواعد الشعر لثعلب الطباق يحمل اسمًا آخر وهو مجاورة الأضداد، يقول: "مجاورة الأضداد وهو ذكر الشيء مع ما يعدم وجوده؛ كقوله تبارك وتعالى: "لا يموت فيها ولا يحيى".
وقال زهير في الفَزاريين:
هنيئاً لنعم السيدانِ وجدتما ♦♦♦ على كلِّ حالٍ من سحيلٍ ومبرمِ
السحيلُ ضد المبرم....."[12] كما أننا نجد الجناس يحمل اسمًا آخر وهو المطابق، يقول ثعلب: "المطابق وهو تكرير اللفظة بمعنيين مختلفين، نحو قوله تعالى: "ويأتيه الموتُ من كلِّ مكانٍ، وما هو بميتٍ "، "وترى الناس سكارى وما هم بسكارى". وقال طرفة:
كريمٌ يروي نفسه في حياته ♦♦♦ ستعلم إن متنا صدًى أينا الصدِي
الصدى: الهامة. والصَّدَى: العطش.
وقال آخر، هو حسان:
إنَّ التي ناولتني فرددتُها ♦♦♦ قتلتْ، قتلتَ، فهاتها لم تقتلِ
وقال جرير:
فما زال معقولاً عقالٌ عن النَّدى ♦♦♦ ومازال محبوساً عن الخير حابسُ
يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|