حبوط العمل - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         الموسوعة التاريخية ___ متجدد إن شاء الله (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 259 - عددالزوار : 41935 )           »          كفى بالموت واعظا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 21 )           »          رحلة على مركب الأمنيات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 19 )           »          الجنة... النعيم الآخر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 17 )           »          شفاء الصدور بحرمة تعظيم القبور (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 19 )           »          سورة ق في خطبة الجمعة وأبرز سننها الكونية والشرعية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 15 )           »          خير الناس أنفعهم للناس (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 12 )           »          وقفات مع اسم الله الجبار (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 15 )           »          الصارم البتار من شجاعة النبي المختار صلى الله عليه وسلم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 18 )           »          الخشوع (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 18 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الصوتيات والمرئيات والبرامج > ملتقى الصوتيات والاناشيد الاسلامية > ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية
التسجيل التعليمـــات التقويم اجعل كافة الأقسام مقروءة

ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
  #1  
قديم 24-06-2023, 02:53 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 164,518
الدولة : Egypt
افتراضي حبوط العمل

حبوط العمل
الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل

﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ ﴾ [الْأَنْعَامِ: 1]، نَحْمَدُهُ حَمْدًا كَثِيرًا، وَنَشْكُرُهُ شُكْرًا مَزِيدًا، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ؛ خَلَقَ الْخَلْقَ لِعِبَادَتِهِ، وَأَمَرَهُمْ بِطَاعَتِهِ، وَحَذَّرَهُمْ مِنْ مَعْصِيَتِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ لَا خَيْرَ إِلَّا دَلَّنَا عَلَيْهِ، وَلَا شَرَّ إِلَّا حَذَّرَنَا مِنْهُ، تَرَكَنَا عَلَى بَيْضَاءَ لَيْلُهَا كَنَهَارِهَا لَا يَزِيغُ عَنْهَا إِلَّا هَالِكٌ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللَّهَ تَعَالَى وَأَطِيعُوهُ، وَحَاسِبُوا أَنْفُسَكُمْ قَبْلَ أَنْ تُحَاسَبُوا، وَزِنُوا أَعْمَالَكُمْ قَبْلَ أَنْ تُوزَنُوا، وَاعْلَمُوا أَنَّ الْمَوْعِدَ قَرِيبٌ، وَأَنَّ الْمَوْقِفَ عَظِيمٌ، وَأَنَّ النِّهَايَةَ خُلُودٌ فِي النَّعِيمِ أَوْ فِي الْجَحِيمِ؛ فَتَزَوَّدُوا مِنَ الْأَعْمَالِ مَا يُنْجِيكُمْ، وَاحْذَرُوا مَا يُوبِقُكُمْ وَيُرْدِيكُمْ؛ فَإِنَّهُ لَا يَهْلِكُ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى إِلَّا هَالِكٌ ﴿ وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ بِمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَظْلِمُونَ ﴾ [الْأَعْرَافِ: 8-9].

أَيُّهَا النَّاسُ: لَا خُسْرَانَ أَعْظَمُ مِنْ خُسْرَانِ الْآخِرَةِ، وَلَا أَحَدَ أَشَدُّ غَبْنًا مِمَّنْ عَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ حَبِطَ عَمَلُهُ، فَلَيْسَ لَهُ مِنْهُ شَيْءٌ؛ وَلِذَا كَانَ عَلَى الْمُؤْمِنِ أَنْ يَخَافَ حُبُوطَ عَمَلِهِ، بَلْ يَخَافُ بَخْسَهُ وَنَقْصَهُ وَرَدَّهُ، وَيَسْعَى جُهْدَهُ فِي كَمَالِهِ بِالْإِحْسَانِ وَالْإِخْلَاصِ وَالْمُتَابَعَةِ، ثُمَّ الْمُحَافَظَةِ عَلَيْهِ مِنَ الْحُبُوطِ. وَمُحْبِطَاتُ الْعَمَلِ الصَّالِحِ كَثِيرَةٌ، وَمِنْهَا مَا يُحْبِطُ كُلَّ مَا سَبَقَ مِنْ أَعْمَالِ الْعَامِلِ، وَمِنْهَا مَا يُحْبِطُ بَعْضَهُ؛ كَحُبُوطِ الْعَمَلِ بِمَا يَتَّصِلُ بِهِ مِنْ مُحْبِطَاتِ الْعَمَلِ وَمُفْسِدَاتِهِ.

وَحُبُوطُ الْعَمَلِ الصَّالِحِ كُلُّهِ يَعُودُ لِسَبَبَيْنِ رَئِيسَيْنِ، تَحْتَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صُوَرٌ كَثِيرَةٌ مِنْ حُبُوطِ الْعَمَلِ:
فَالسَّبَبُ الْأَوَّلُ لِحُبُوطِ الْعَمَلِ الصَّالِحِ: الشِّرْكُ بِاللَّهِ تَعَالَى؛ لِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: ﴿ وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [الْأَنْعَامِ: 88]، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾ [الزُّمَرِ: 65]، وَيَنْبَغِي لِلْمُؤْمِنِ أَنْ يَخَافَ عَلَى نَفْسِهِ الشِّرْكَ كَمَا خَافَهُ خَلِيلُ الرَّحْمَنِ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَدَعَا رَبَّهُ قَائِلًا: ﴿ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ ﴾ [إِبْرَاهِيمَ: 35]. قَالَ إِبْرَاهِيمُ التَّيْمِيُّ: «مَنْ يَأْمَنُ الْبَلَاءَ بَعْدَ قَوْلِ إِبْرَاهِيمَ: ﴿ وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ»، وَكُلُّ مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ تَعَالَى أَوْ أَشْرَكَ مَعَهُ غَيْرَهُ لَمْ يَنْفَعْهُ عَمَلُهُ فِي الْآخِرَةِ، وَلَوْ أَطْعَمَ أَهْلَ الْأَرْضِ جَمِيعًا، وَلَوْ كَفَلَ أَرَامِلَهُمْ وَأَيْتَامَهُمْ، وَلَوْ وَصَلَ نَفْعُهُ لِلنَّاسِ أَجْمَعِينَ؛ لِأَنَّ كُفْرَهُ يُحْبِطُ عَمَلَهُ كُلَّهُ ﴿ وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا ﴾ [الْفُرْقَانِ: 23]. وَقَدْ يَقَعُ الْمُصَلِّي فِي الشِّرْكِ وَهُوَ لَا يَدْرِي؛ كَمَنْ يَسْتَغِيثُ بِالْأَمْوَاتِ، أَوْ يَدْعُوهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ تَعَالَى، وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَهُوَ يَظُنُّ أَنَّهُ يَتَقَرَّبُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى بِمَا يَعْمَلُ، بَيْنَمَا هُوَ يَفْعَلُ مَا يُحْبِطُ عَمَلَهُ وَهُوَ لَا يَشْعُرُ، فَيَا لَهَا مِنْ خَسَارَةٍ فَادِحَةٍ.

وَالسَّبَبُ الثَّانِي لِحُبُوطِ الْعَمَلِ الصَّالِحِ: الرِّدَّةُ عَنِ الْإِسْلَامِ، بِالْوُقُوعِ فِيمَا يُبْطِلُ الْإِيمَانَ؛ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿ وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾ [الْبَقَرَةِ: 217].

وَتَكُونُ الرِّدَّةُ بِالْقَوْلِ كَشَتْمِ اللَّهِ تَعَالَى أَوِ الِاسْتِهْزَاءِ بِشَيْءٍ مِنْ دِينِهِ ﴿ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ ﴾ [التَّوْبَةِ: 65-66]. وَتَكُونُ الرِّدَّةُ بِالْفِعْلِ كَالتَّعَبُّدِ لِأَهْلِ الْقُبُورِ بِالطَّوَافِ حَوْلَهَا، أَوِ الذَّبْحِ لَهَا، وَاللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ: ﴿ قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ ﴾ [الْأَنْعَامِ: 162-163]، وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَعَنَ اللَّهُ مَنْ ذَبَحَ لِغَيْرِ اللَّهِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَتَكُونُ الرِّدَّةُ بِالْقَلْبِ كَمَنْ كَرِهَ شَرِيعَةَ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ شَيْئًا مِنْهَا، وَلَوْ كَانَ يَعْمَلُ بِهَا ﴿ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ ﴾ [مُحَمَّدٍ: 9]، أَوْ كَرِهَ الْأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيَ عَنِ الْمُنْكَرِ، أَوِ الْحُدُودَ الشَّرْعِيَّةَ، أَوْ أَيَّ حُكْمٍ مِنْ أَحْكَامِ الشَّرِيعَةِ، أَوْ كَرِهَتِ الْمَرْأَةُ بَعْضَ الْأَحْكَامِ الْمُخْتَصَّةِ بِهَا كَالْحِجَابِ، وَوُجُوبِ الْمَحْرَمِ لِلسَّفَرِ، وَوِلَايَةِ الرَّجُلِ عَلَى الْمَرْأَةِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ. فَلْيَحْذَرْ كُلُّ مُصَلٍّ وَمُصَلِّيَةٍ أَنْ يَقَعَا فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ؛ فَإِنَّ حُبُوطَ الْعَمَلِ أَفْدَحُ خَسَارَةٍ عَلَى الْإِطْلَاقِ.

وَتَكُونُ الرِّدَّةُ بِالْجُحُودِ؛ فَمَنْ جَحَدَ مَا هُوَ مَعْلُومٌ مِنَ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ ارْتَدَّ، كَمَنْ يَجْحَدُ فَرْضَ الصَّلَاةِ، أَوْ تَحْرِيمَ الزِّنَا أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ. وَتَكُونُ الرِّدَّةُ بِالشَّكِّ فِي شَيْءٍ مِنْ قَطْعِيَّاتِ الشَّرِيعَةِ كَالشَّكِّ فِي الْقُرْآنِ أَوْ فِي النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَوْ فِي الْفَرَائِضِ، أَوْ أَخْبَارِ الْبَعْثِ وَالنُّشُورِ، أَوْ بِالشَّكِّ فِي بُطْلَانِ أَدْيَانِ الْكُفَّارِ، أَوِ اعْتِقَادِ أَنَّهَا تُنَجِّيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَمَا أَكْثَرَ الْوَاقِعِينَ فِي ذَلِكَ، تَجِدُ أَحَدَهُمْ يَزْعُمُ أَنَّ الطُّرُقَ كُلَّهَا تُؤَدِّي إِلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَأَنَّ الْأَدْيَانَ كُلَّهَا سَوَاءٌ، وَاللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ: ﴿ وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾ [آلِ عِمْرَانَ: 85].

وَتَكُونُ الرِّدَّةُ عَنِ الْإِسْلَامِ بِالتَّرْكِ وَالِامْتِنَاعِ، كَمَنْ تَرَكَ الصَّلَاةَ بِالْكُلِّيَّةِ؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ بَيْنَ الرَّجُلِ وَبَيْنَ الشِّرْكِ وَالْكُفْرِ تَرْكَ الصَّلَاةِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْعَهْدُ الَّذِي بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمُ الصَّلَاةُ، فَمَنْ تَرَكَهَا فَقَدْ كَفَرَ» رَوَاهُ أَهْلُ السُّنَنِ إِلَّا أَبَا دَاوُدَ. وَأَجْمَعَ الصَّحَابَةُ عَلَى ذَلِكَ؛ كَمَا قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ شَقِيقٍ الْعُقَيْلِيُّ: «كَانَ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَرَوْنَ شَيْئًا مِنَ الْأَعْمَالِ تَرْكُهُ كُفْرٌ غَيْرَ الصَّلَاةِ».

وَقَدْ يُعْجَبُ الرَّجُلُ بِعَمَلِهِ، وَيَحْتَقِرُ غَيْرَهُ، فَيَتَأَلَّى عَلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَيُنَازِعُهُ سُبْحَانَهُ فِي خَصَائِصِ الرُّبُوبِيَّةِ، وَلَا يَدْرِي أَنَّ ذَلِكَ مُحْبِطٌ لِلْعَمَلِ، كَمَا فِي حَدِيثِ جُنْدُبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدَّثَ «أَنَّ رَجُلًا قَالَ: وَاللَّهِ لَا يَغْفِرُ اللَّهُ لِفُلَانٍ، وَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: مَنْ ذَا الَّذِي يَتَأَلَّى عَلَيَّ أَنْ لَا أَغْفِرَ لِفُلَانٍ، فَإِنِّي قَدْ غَفَرْتُ لِفُلَانٍ، وَأَحْبَطْتُ عَمَلَكَ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

نَعُوذُ بِاللَّهِ تَعَالَى مِنْ مُحْبِطَاتِ الْأَعْمَالِ، وَنَسْأَلُهُ اكْتِسَابَ الْحَسَنَاتِ، وَمُجَانَبَةَ السَّيِّئَاتِ، إِنَّهُ سَمِيعٌ مُجِيبٌ.

وَأَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ....

الخطبة الثانية
الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا طَيِّبًا كَثِيرًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنِ اهْتَدَى بِهُدَاهُمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللَّهَ تَعَالَى وَأَطِيعُوهُ، واذْكُرُوهُ كَثِيرًا فِي هَذِهِ الأَيَامِ المُبَارَكَةِ؛ فَإِنَّهَا أَيَامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ وَذِكْرٍ لِلَّهِ تَعَالَى، واحْرِصُوا عَلَى سَلَامَةِ أَعْمَالِكُمُ الصَّالِحَةِ مِمَّا يُبْطِلُهَا أَوْ يُنْقِصُهَا ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ[مُحَمَّدٍ: 33].

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: ثَمَّةَ أُمُورٌ تُحْبِطُ الْعَمَلَ الَّذِي تُدَاخِلُهُ؛ كَالْمَنِّ وَالْأَذَى فِي الصَّدَقَةِ؛ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى ﴾ [الْبَقَرَةِ: 264]، وَكَذَلِكَ الرِّيَاءُ إِذَا دَاخَلَ الْعَمَلَ أَحْبَطَهُ؛ كَمَا فِي الْحَدِيثِ الْقُدْسِيِّ: «قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: أَنَا أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنِ الشِّرْكِ، مَنْ عَمِلَ عَمَلًا أَشْرَكَ فِيهِ مَعِي غَيْرِي، تَرَكْتُهُ وَشِرْكَهُ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللَّهَ لَا يَقْبَلُ مِنَ الْعَمَلِ إِلَّا مَا كَانَ لَهُ خَالِصًا وَابْتُغِيَ بِهِ وَجْهُهُ» رَوَاهُ النَّسَائِيُّ. وَإِتْيَانُ الْكَهَنَةِ أَوِ الْعَرَّافِينَ يُحْبِطُ صَلَاةَ أَرْبَعِينَ يَوْمًا وَلَوْ لَمْ يُصَدِّقْهُمْ؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ أَتَى عَرَّافًا فَسَأَلَهُ عَنْ شَيْءٍ لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلَاةٌ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً» رَوَاهُ مُسْلِمٌ. فَإِنْ صَدَّقَهُمْ بِمَا يَقُولُونَ حَبِطَ عَمَلُهُ كُلُّهُ؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ أَتَى كَاهِنًا أَوْ عَرَّافًا فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ» رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَتَرْكُ صَلَاةِ الْعَصْرِ حَتَّى يَخْرُجَ وَقْتُهَا بِلَا عُذْرٍ يُحْبِطُ عَمَلَ ذَلِكَ الْيَوْمِ؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ تَرَكَ صَلَاةَ الْعَصْرِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

وَلْيَحْذَرِ الْمُؤْمِنُ ذُنُوبَ الْخَلَوَاتِ؛ فَإِنَّهَا مُذْهِبَةُ الْحَسَنَاتِ؛ لِحَدِيثِ ثَوْبَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «لَأَعْلَمَنَّ أَقْوَامًا مِنْ أُمَّتِي يَأْتُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِحَسَنَاتٍ أَمْثَالِ جِبَالِ تِهَامَةَ بِيضًا، فَيَجْعَلُهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَبَاءً مَنْثُورًا، قَالَ ثَوْبَانُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، صِفْهُمْ لَنَا، جَلِّهِمْ لَنَا، أَنْ لَا نَكُونَ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَا نَعْلَمُ، قَالَ: أَمَا إِنَّهُمْ إِخْوَانُكُمْ وَمِنْ جِلْدَتِكُمْ، وَيَأْخُذُونَ مِنَ اللَّيْلِ كَمَا تَأْخُذُونَ، وَلَكِنَّهُمْ أَقْوَامٌ إِذَا خَلَوْا بِمَحَارِمِ اللَّهِ انْتَهَكُوهَا» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ. وَلْيُجَانِبِ الْمُؤْمِنُ الْكَبَائِرَ وَالْمَعَاصِيَ فَإِنَّ السَّيِّئَةَ تُذْهِبُ الْحَسَنَةَ، كَمَا أَنَّ الْحَسَنَةَ تُذْهِبُ السَّيِّئَةَ ﴿ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ ﴾ [هُودٍ: 114].

وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُمْ...

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 75.23 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 73.55 كيلو بايت... تم توفير 1.68 كيلو بايت...بمعدل (2.24%)]