|
ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() نحو وصيةٍ شرعية د. محمد بن عبدالله بن إبراهيم السحيم إن الحمد لله؛ نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. أما بعد: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ.... ﴾ [النساء: 1] ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ.... ﴾ [آل عمران: 102]، ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا... ﴾ [الأحزاب: 70]. أيها المؤمنون! الإسلام دين رحمة سابغة، تتجذر في تفاصيل التكليف، وتمتد حال الحياة إلى ما بعد الممات؛ فطوبى لمن فقه حكمه وعمل بهديه. ألا وإن من وجوه رحمة الإسلام بأهله دلالتَهم على الأعمال التي يدوم أجرها بعد وفاتهم، وإرشادَهم إلى الوسيلة التي بها يرعون براءة الذمم إنْ هم فارقوا الحياة؛ بياناً للحقوق، وحفظاً لها وأداءً. وذلك ما يشي به تشريع الوصية في الإسلام الذي من مقاصده: حفظ الحقوق وأداؤها، واستدامة الأجور. أيها المؤمنون! الوصية وسيلة شرعية للتبرع بالمال بعد الوفاة، ووثيقة تُثْبَت بها حقوق الغير، ويُعهد بأدائها. وقد لقيت من عناية الشرع المطهر فائق الأمر والرعاية؛ حثاً عليها، وترهيباً من تحريفها أو تضييعها. يقول الله – تعالى -: ﴿ كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ * فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَمَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾ [البقرة:179-180]، ويقول رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: "مَا حَقُّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ لَهُ شَيْءٌ يُوصِي فِيهِ، يَبِيتُ لَيْلَتَيْنِ إِلَّا وَوَصِيَّتُهُ مَكْتُوبَةٌ عِنْدَهُ" رواه البخاري ومسلم واللفظ للبخاري، ويقول: "إن الله أعطاكم ثلث أموالكم عند وفاتكم؛ زيادةً في أعمالكم" رواه الطبراني وحسنه الهيثمي والألباني؛ لذا كان فقهها مما ينبغي طلبه والسؤال عنه؛ لتقع على وجهها المشروع، وتسلم من أخطاء قد تقلبها إثماً أو تمنع تنفيذها. معشر المؤمنين! حكم الوصية يدور بين الوجوب والاستحباب والتحريم والكراهة والإباحة: فتجب الوصية حال وجود حق على المرء لم يكن عليه بيّنة موجودة موثوقة معلومة؛ لئلا يحرم صاحبُ الحق حقَّه. وهكذا تجب الوصية على الموسر لأقاربه الفقراء الذين لا حظَّ لهم في الميراث –على الراجح من أقوال أهل العلم. وتكره الوصية إن كان مال المرء قليلاً وورثته محتاجون؛ لقول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّكَ أَنْ تَذَرَ وَرَثَتَكَ أَغْنِيَاءَ، خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَذَرَهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاس" رواه البخاري ومسلم. وتحرم الوصية إن كانت لأحد الورثة؛ لقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَعْطَى كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ؛ فَلَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ " رواه أبو داود والترمذي وحسنه وحسنه ابن حجر، وهكذا تحرم الوصية إن زادت عن ثلث التركة؛ لقول رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لسعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - حين أراد أن يوصي: "الثُّلُثُ - يَا سَعْدُ -، وَالثُّلُثُ كَثِير" رواه البخاري ومسلم واللفظ للبخاري. وما عدا هذه الأحوال فالحكم فيها دائرٌ بين الاستحباب والإباحة. والأفضل أن تكون الوصية بأقل من الثلث؛ يقول ابن عباس - رضي الله عنهما -: "وددت لو أن الناس غضوا من الثلث؛ لقول النبى -صلى الله عليه وسلم-: "والثلث كثير". رواه البخاري ومسلم. أيها الإخوة في الله! والمتأمل لواقع الوصايا وكثرة النزاعات الناشئة منها في أروقة المحاكم، وما تفضي به كثير من تلك النزاعات إلى تعطيل الوصية أو تأخيرها أو تقليصها أو حصول قطيعة في الرحم بسببها؛ مما يعارض مقصد التشريع وغرض الموصي الموافق للشرع - لَيَتساءل عن الأسباب التي أدت لذلك، والضمانات التي يرجى بها سلامة الوصية من تلك الآفات. وبالنظر يتضح أن مخالفة هدي الشريعة في الوصية يُعدُّ السببَ الأبرزَ والأظهرَ أثراً. ومن أجلى صور المخالفة من جهة الموصي: عدم كتابة الوصية وتوثيقها، أو تضمّنُ وصيته الإضرارَ بالورثة، كالزيادة في الوصية على الثلث، أو الوصية لأحد الورثة ولو بطريق الحيلة، كالإقرار كذباً بدين لأحد الورثة عليه، أو وصيته لأولاد بناته قصداً لوصول ذلك لبناته، فإن لم يكن ذلك قصداً فلا حرج . ومن صور المخالفة: جعل نظر الوصية في غير الكفء الذي يضيع ولا يرعى، أو التضييق في مصارفها وحصرها في أعمال مفضولة، أو حصول اللبس في عباراتها؛ مما يمنع تنفيذها؛ لجهالتها. وأما صور مخالفة أولياء الموصي، فمن أجلاها: كتمان الوصية، أو تحريفها، أو تنقيصها، أو منعهم الأرباح لها إن كانت الوصية في شركة أو أسهم أو عقار ذي ربح، وقسمتُهم التركة قبل إخراجها، أو التعدي على غلتها، أو الكذبُ في ادعاء حق لهم على الموصي الميت، أو المنازعةُ في ثبوت الوصية مع علمهم بثبوتها، أو ممانعتُهم الموصيَ أثناء حياته من إنشاء وصيته التي لا تخالف الشرع، واتهامُهم له زوراً وبهتاناً بالقصور العقلي والسفه؛ خشية من نقص ميراثهم منه بهذه الوصية. وكل أولئك متوعدون بتحمل الإثم والوزر الجسيم، يقول الله - تعالى -: ﴿ فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَمَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾. أيها الأحبة! لذلك كان جديراً بالموصي إن أراد سلامة وصيته وبقاء نفعها أن يراعي الوصايا السبعة التالية: 1- الإخلاص لله في وصيته، ومتابعة هدي الرسول - صلى الله عليه وسلم - فيها؛ إذ ذاك شرط القبول. وسؤال الله دوامَ نفعها وبركتها. 2- كتابة الوصية بأسلوب واضح وخط حسن، وأن تُعرض على أهل العلم والرأي؛ لتنقيحها، وإزالة اللبس عنها. 3- أن يبادر الموصي بها حال نشاطه وقوته، وذلك لا يمنعه من تغييرها أو التعديل فيها أو إلغائها متى ما أراد إن رأى المصلحة في ذلك. والصدقة حال الحياة أفضل منها حال الوفاة، فقد جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّ الصَّدَقَةِ أَعْظَمُ أَجْرًا؟ قَالَ: "أَنْ تَصَدَّقَ وَأَنْتَ صَحِيحٌ شَحِيحٌ تَخْشَى الفَقْرَ وَتَأْمُلُ الغِنَى، وَلاَ تُمْهِلُ حَتَّى إِذَا بَلَغَتِ الحُلْقُومَ، قُلْتَ لِفُلاَنٍ كَذَا، وَلِفُلاَنٍ كَذَا وَقَدْ كَانَ لِفُلاَنٍ" رواه البخاري ومسلم. 4- الإشهاد عليها وتوثيقها لدى كاتب عدل، وأن يجعل الموصي نسخاً منها عند ثقات؛ لئلا تُجهل أو تُكتم. الخطبة الثانية الحمد لله حق حمده، والصلاة والسلام على رسوله وعبده. وبعد: فاعلموا أن أحسن الحديث... عباد الله! وخامس الوصايا: حسن تقسيم المصارف، وذلك بأن يستشرف الموصي مستقبل وصيته وما يرغب أن تكون عليه بعد تطاول السنين، ويستشيرَ أهل الخبرة والمجربين، وألا يحصرها في أعمال قد يكون غيرها أفضل منها؛ ولذا كان من المستحسن ترك عمومٍ في تحديد نوع المصارف أو تغييره وتقييد ذلك بالأنفع والأكثر أجراً حسب ما يقرره أهل العلم والنظر. ومن أمثلة المصارف العظيم نفعها: بناء دور تحفيظ القرآن ودعمها، وعمارة المساجد وصيانتها، وكفالة الدعاة وطلبة العلم واعتماد المنح الدراسية النوعية التي يحتاجها المسلمون، وإقامة الكليات والجامعات مما تمس حاجة الأمة إليه، وإنشاء القنوات الفضائية النافعة ودعمها، ومراكز الأبحاث، والمراكز الإسلامية، والمصحات الطبية، ومراكز كشف الأمراض والتثقيف بها، وعيادات معالجة إدمان المخدرات والتدخين، ومراكز الاستشارات الأسرية، والمبرات الخيرية. 6- تقديم مصلحة الوصية على غيرها، وذلك بأن يجعل أولوية غلة الوصية لصيانتها وتنميتها واستبدالها بالأصلح حال تعطلها أو نقص منفعتها. 7- حسن اختيار ناظر الوصية؛ وذلك بأن يكون مسلماً مكلفاً عدلاً رشيداً. ويصح تعدده بأن يكون اثنين أو أكثر. ولو كانت الوصية كبيرة فالأصلح إقامة مجلس نظارة لها يضم جمعاً متنوعين من الأكفاء، ويجعل لهم أجرة مقابل قيامهم بالوصية. ويدوَّن الناظرُ باسمه أو وصفه في الوصية، ومن تنتقل إليه النظارة حال موته أو فقده، وطريقة هذا الانتقال؛ لئلا يقع النزاع وتتعطل الوصية. اللهم...
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |