|
الملتقى الاسلامي العام مواضيع تهتم بالقضايا الاسلامية على مذهب اهل السنة والجماعة |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() الفائزون في رمضان الشيخ إبراهيم الدويش شهر رمضان يَمُر، وكأنه يوم أو يومان، وهكذا العمر يَنْقَضي، فيَفْرح الفائزون بِرَمضان، سبق قوم ففازوا، وتَخَلَّفَ آخرون فخابوا، يفوز المحسنون، ويخسر المبطلون. غَدًا تُوَفَّى النُّفُوُسُ مَا كَسَبَتْ وَيَحْصُدُ الزَّارِعُونَ ما زَرَعُوا إِنْ أَحْسَنُوا فَقَدْ أَحْسَنُوا لِأَنْفُسِهِمْ وَإِنْ أَسَاؤُوا فَبِئْسَ مَا صَنَعُوا مَن هذا الفائز منا فَنُهنئه؟ ومن هذا الخاسر فنعزيه؟ أيها الفائز في رمضان... هنيئًا لك. أيها الخاسر... جَبر الله مصيبتكَ. وفي آخر رمضان تُعْلن أسماء الفائزين بِرَمضان في مُصليات الأعياد، يوم رجعوا إلى بُيوتهم كيوم ولدتهم أمهاتهم[1]. اللهم اجْعَلْنا منَ الفائزين برمضان. الفائزون في رمضان وبيان صفاتهم وأحوالهم مَن هم هؤلاء؟ وما صفاتهم؟ وما أعمالهم؟ تعالوا لنُحَلِّق وإياكم إلى عالَم الفائزين برمضان، إلى عالَم الحبِّ والإخاء، عالَم المجتهدين والمستغفرين، عالم الرِّقة والخشوع والذلة والخضوع، عالَم الحِرص والاستزادة، والتمرع بأنواع العبادة. وهذه الصِّفات عَرَفْناها في سَلَفِنا الصالح، فنِعْم العالَم عالمهم، ونِعْم الصفات صفاتهم، أما الذين سنتكلم عنهم ليسوا من ذلك الزمن؛ بل هم من عالَمِنا اليوم، فئة من أهل زماننا، بهم تفرح قلوبنا، وبالنَّظر إلى وجوههم تكتحل عيوننا، وبِمجالسهم تأنس نفوسنا، وبالحديثِ معهم تحلو ساعاتنا، إنهم من آبائنا وإخواننا، وهم من أمهاتنا وأخواتنا. إنهم التالون لكتاب الله، الراكعون الساجدون، المتأثرون الباكون، المتصدقون المنفقون، المتحدثون الناصحون، العاملون المخلصون، وفي ذلك فليتنافس المتنافسون. مَن قال: إن أعمال الخير وقف على السَّلَف فقط؟ مَن قال: إن الرقة والبكاء حِكْر على "بشر الحافي"، و"مالك بن دينار"، "رابعة العدوية" - رحمة الله عليهم أجمعين؟ مَن قال: إنَّ المتصدقين فقط هم: "أبو بكر"، و"عمر"، و"عائشة"، و"فاطمة" - رضي الله عنهم أجمعين؟ انظروا لبيوت الله وخاصَّة في رمضان، صلاة وقيام، وركوع وسجود، إطعام للطعام، بِرٌّ وإحسان، تذكيرٌ بأطيب الكلام، تدبُّر وترتيل، وأزيز وخنين، عندها تَذَكَّرْت حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أتى المقبرة، فقال: ((السلام عليكم دار قوم مؤمنين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، وددتُ أنا قد رأينا إخواننا))، فقالوا: أَوَلَسْنا إخوانك يا رسول الله؟ قال: ((أنتم أصحابي، وإخواننا الذين لم يأتوا بعدُ))، فقالوا: فكيف تعرف مَن لم يأتِ بعد من أمتك، يا رسول الله؟ فقال: ((أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ رَجُلاً لَهُ خَيْلٌ غُرٌّ مُحَجَّلَةٌ، بَيْنَ ظَهْرَيْ خَيْلٍ دُهْمٍ بُهْمٍ[2]، أَلاَ يَعْرِفُ خَيْلَهُ؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: ((فَإِنَّهُمْ يَأْتُونَ غُرًّا مُحَجَّلِينَ مِنَ الْوُضُوءِ، وَأَنَا فَرَطُهُمْ عَلَى الْحَوْضِ[3]، أَلاَ لَيُذَادَن رِجَالٌ عَنْ حَوْضِي كَمَا يُذَادُ الْبَعِيرُ الضَّالُّ أُنَادِيهِمْ، أَلاَ هَلُمَّ[4]؟ فيقال: إِنَّهُمْ قَدْ بَدَّلُوا بَعْدَكَ، فَأَقُولُ: سُحْقًا سُحْقًا[5]))[6]. إنَّ الذي دعاني لِمِثل هذا الحديث مواقف وصور شاهدتُها بأمِّ عيني - وما لم أشهد أكثر، وما لا نعلمه لا يحصر، أسوقها إليكم لأسباب. منها: تعطير الأسماع، ولتعلم أن لصالحي زماننا سير ومواقف. ومنها: تنبيه الأمَّة لعلو الهمَّة، وقوة الإرادة، وصدق العزيمة. ومنها: ذكر الفضل لأهل الفضل والإحسان، فحرامٌ أن يبخس حقهم، أو ينتقص قدرهم. ومنها: تنبيه وتذكير لإخواني، مُعَلِّمي الخير، وصنَّاع الحياة ألا يبخس حق المحسنينَ، فمنَ العدل أن نقولَ للمحسن: أحسنتَ، كما نقول للمُسيء: أسأتَ. ثم إنَّ مِن واجبنا أيضًا أن نتلمس الخير في صُفُوف الناس، فينشر ويشهر، فهو نسمة الصباح الذي ننتظره، وبريق الأمل الذي نرجوه، بمثل هذا تكسب النفوس، فالتعامل مع النفوس فن يجب أن نتعلَّمَه. لماذا ننسى خير الخيرين، وصلاة العابدين، وصدقة المنفقين، وبكاء المخبتين؟ لماذا نغفل عن جهد العاملين، وتضحية المصلحين، وصدق المخلصين، ودمعة التائبين؟ لِمَ لا نذكر صلاح المؤمنات، وقيام القَانِتات، وصِدق الصادقات، وصبر الصابرات؟ لماذا لا نتحدث عن عطاء المتصدقات، وعفاف الحافظات، ودعاء الذَّاكرات، وبُكاء الخاشِعات؟ لماذا ننسى الحديث عن هؤلاءِ، وما أعدَّ الله لهم منَ الأجر والثواب، وقد أعلن الرحيم الرحمن ذلك في القرآن، فقال - عز وجل - وهو الكريم المنان: {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا} [الأحزاب: 35]، نسأل الله - عَزَّ وجَلَّ - أن نكونَ منهم. هذه الصور وهذه المواقف، وقفتُ عليها بأمِّ عيني، فإلى هذه الصور: الصورة الأولى: في صلاة التَّراويح والقيام: كنتُ في طريقي لأحد المساجد لصلاة التراويح، وقبل الأذان بِدَقائق، مَرَرْت بمسجد آخر، ورأيت ذلك الرَّجل الكبير، يَتَّكِئُ على عكازتينِ، ويدب على الأرض بِمهل شديد، يسحب قدميه فتخط في الأرض خطًّا، وكان واضحًا أن المرض أنهكه، وأن التَّعَب بلغ منه مبلغه، ومع ذلك خرج، لماذا؟ خرج من أجل صلاة الجَمَاعة، ومِن أجل صلاة التراويح، فذكرتُ عندها قول ابن مسعود - رضي الله عنه - وفيه: "ولقد كان الرجل يؤتى بها يُهَادى بين الرَّجُلين[7]، حتى يُقَام في الصَّف" [8]، ولا أنسى تلك العجوز، محدوبة الظهر، متقاربة الخطا، مُتَسارعة الأنفاس، وهي تزحف إلى المسجد زحفًا، والعجب أنها صَلَّت واقفة، رفضتِ الجلوس. إيه، أيتها النفوس، أين أنت وهذه الصور، أليس ذلك معتبر؟ فما ملكت نفسي إلاَّ ودمعة تسيل على الخد، وأنا أُرَدِّد اللهُمَّ أَعِنْها، اللهُمَّ يَسِّر عليها، اللهم تَقَبل منها، اللهم إن لم يكن هؤلاءِ منَ الفائزين برمضان، فمَنْ؟ أهمُ الكُسَالى من أصحاب السواعد الفتيَّة؟ فأين أنتَ يا بن العشرين؟ أين أنت يا بن الثلاثين والأربعين من هؤلاءِ؟ هذه صور وما أكثر صور تلك الآباء والأمهات، الذين تعجب مِن حِرْصهم، رغم الأيدي المرتعشة، والعِظام الواهنة؟ واللهِ إنَّ الإنسان لَيَحْتَقِر نفسه وعمله، وهو يرى هؤلاءِ الكِبار مِن رجال ونساء، وكيف يتحامَلُون على أنفسهم على عجز، وثقل، ومرض، وَلأْوَاء، ومع ذلك قلوبُهم مُتَعَلِّقة بالمساجد، فهم - إن شاء الله - في ظِلِّ الله يوم لا ظِل إلاَّ ظِله، كما في حديث السَّبعة [9] - وربَّما أصاب الإنسان منا التَّعَب والإرهاق في صلاة التَّراويح والقِيام، فإذا شاهد هؤلاءِ الآباء ونشاطهم على ما هم فيه، كأنما نشط من عقال، أفلا تسجل مواقفهم، وتسطر لِيَعِيَها الأجيال؟ اللهُمَّ تقبَّل منهم، واجْعَلهم منَ الفائزين برمضان؟ يتبع
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |