|
|||||||
| ملتقى الإنشاء ملتقى يختص بتلخيص الكتب الاسلامية للحث على القراءة بصورة محببة سهلة ومختصرة بالإضافة الى عرض سير واحداث تاريخية عربية وعالمية |
|
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
|
#1
|
||||
|
||||
|
المسؤولية الجماعية في الإسلام د. جمال عبدالعزيز أحمد المسؤولية الجماعية في الإسلام قراءة بلاغية في حديث السفينة الحديثُ النبويُّ الشريف يتَّسِمُ بالبلاغة، ويتَّصِفُ باللسانة، ويمتَلِئُ بالفَصاحة في كلِّ حرَكاته وسَكناته، وتراكيبه، وجمله وأساليبه، ولا غَرْوَ في ذلك؛ فهو حَتْفُ الكلمة الشَّرُودِ، وقَيْدُ الفَصاحة، ونبْع البَيان، ونتجاوَزُ القول إلى الفِعل والتطبيق، ففي حديث النُّعمان بن بشيرٍ - رضي الله عنهما - عن النبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((مَثَلُ القائِمِ على حُدُودِ الله والواقِعِ فيها كمَثَلِ قومٍ استهَمُوا على سفينةٍ، فأصابَ بعضُهم أعْلاها وبعضُهم أسفَلَها، فكان الذين في أسفَلِها إذا استَقَوْا من الماء، مَرُّوا على مَن فوقَهُم، فقالوا: لو أنَّنا خرَقْنا في نصيبِنا خرقًا ولم نُؤذِ مَن فوقَنا! فإنْ ترَكُوهم وما أرادوا هلَكُوا جميعًا، وإنْ أخَذُوا على أيدِيهم نجَوْا ونجَوْا جميعًا)). الحديثُ كلُّه جملةٌ اسميَّة، عناصِرُها الإسناديَّة مبتدأٌ مُركَّب تركيبًا إضافيًّا ((مَثَلُ القائِم))، وخبر شبه جملة ((كمَثَلِ قومٍ))، ثم تخلَّل هذا التركيب أشباهُ جُمَلٍ، وجمل وصفيَّة، وظُروف، وأساليب شَرْطٍ، ونحوه من رَوابِط الجُمَلِ التي أحدَثَتْ لَوْنًا من ألوان التماسُك النصيِّ الذي يَدخُل في إطارِ السَّبْكِ الدلالي المؤدِّي إلى الحبْك، وتَمتِين أَواصِر التراكيب؛ حتى أمسَى الحديثُ بتَراكِيبه بِمَثابَةِ الجملة الواحدة، وهو ما يُسمَّى بـ"نحو النص"، وسنَرَى من خِلال التناوُل الدلالي لألْفاظِ الحديث، وجُمَلِه صحَّةَ ذلك وسَلامتَه. كما أنَّ الحديث كلَّه عبارةٌ عن أسلوب تشبيهٍ تمثيليٍّ أو تركيبيٍّ انتزع فيه وجْه الشَّبه من مُتعدِّد؛ حيث شبَّه الرسولُ الكريمُ - صلَّى الله عليه وسلَّم - حالةَ المسلم المُحافِظ على حُدود الله؛ ومنها: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والآخَر الواقع في مَعاصِيه، الخائض في ذُنوبه، ولا يَأمُر بمعروفٍ، أو ينهى عن منكرٍ - بحالِ قومٍ اقتسَمُوا سفينةً (سكَنُوها بطريقة القُرعة)، فأصابَ بعضُهم أعلاها، وأصابَ بعضُهم أسفَلَها، فكان الأسفَلُون من سُكَّانها إذا أرادُوا ماءً مَرُّوا على مَن فوقَهُم، وملَؤُوا آنيتَهم، وأحدَثُوا جلبةً وترَكُوا وراءَهم مِياهًا، مَلأَتْ أرضَ السفينة ماءً، ورشاشًا ضايَق ساكِنِي العُلُوِّ، فتَأَذَّى الناسُ منهم ومن حرَكَتِهم وقتَ الراحة؛ فأحسَّ سُكَّان السُّفل بأذاهم لإخْوانهم، ورَغِبُوا صادِقين في تَفادِيه وإزالته، ولكنَّهم فكَّروا تفكيرًا عَيِيًّا سَقِيمًا؛ فكَّروا لو أنهم خرَقُوا السفينة من الأسفل؛ ليَتمَكَّنوا من الحُصول على الماء دُون أنْ يُلحِقوا ضَرَرًا بإخْوانهم في العُلُوِّ، ولكنَّه لم يَخْطُرْ ببَالِهم أنَّ هذا الخَرْقَ مهما ضاقَ وصغُر، جديرٌ بإغراق السَّفِينة ومن فيها، وما فيها، ثم راحوا ينفذون مشروعهم، ويخرجونه إلى الوجود، فشرعوا ينقرون خرقًا بِفُؤوسِهم وآلاتهم، فسمعهم الأعلَوْن، فنزَلُوا إليهم، فسألوهم: ما لكم؟ فقالوا: تأذَّيْتُم بنا في مُرُورِنا عليكم، ولا بُدَّ لنا من الاستِقاء بالماء، وهنا ظهَرَتْ مسؤوليَّة المجتمع، والضَّرْب بيدٍ من حديدٍ على اللاعبين بمصير المجتمع، ومصائر الأُمم، فإنْ ترَكُوهم يَخرقون هلَك الجميع (مَن بالأسفل قبل الذين هم بالأعلى)، وإنْ منَعُوهم وأخَذُوا على أيديهم وبصَّرُوهم ونبَّهُوهم، نجَوْا ونجَوْا جميعًا. فأسلوب التشبيه هنا يُمَثِّلُ حالَ مَن يفهَمُ رسالته، ويُحسن أداء مُهمَّته في الحياة، ومَن لا يدور بخلده دِينٌ، ولا قِيَمٌ، وهمُّه نفسُه ومصلحتُه ذاته، بمسلك هؤلاء المستَهِمين على السفينة عُلُوًّا وسُفْلاً، وهكذا مَن يقيمُ الحدود تحصل له النجاةُ ولغيره، وتحقيق السَّعادة والهناء، أمَّا مَن يُهمِل في حُدودَ الله، ولا يرعَوِي لقِيَمٍ، أو يَأْبَه لتَعالِيم - فله الهلاك، ويهلك كذلك مَن معَه ممَّن لا يَأخُذُون على يدَيْه، فالساكِتُ على المعصية كالمُرتَكِبِ لها، والساكت على الحقِّ شيطانٌ أخْرسُ، وفي الآية ﴿ وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً ﴾ [الأنفال: 25]، وفي الآية الأخرى التي تحكي عن سَبَبِ عِقاب بني إسرائيل، وأخْذهم بالعَذاب أنهم: ﴿ كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ ﴾ [المائدة: 79]. والمشبَّه هنا هو (القائم على حُدود الله والواقع فيها)، والمشبَّه به: (كمَثَلِ قومٍ استهَمُوا على سفينةٍ)، وأداة التشبيه (الكاف)، ووجْه الشبه هو؛ إمَّا النجاة في كلٍّ: (نجاة الآمِرين بالمعروف والطائعين عن عِقاب الله)، ونجاة سكَّان السفينة، وإمَّا الهلاك في كُلٍّ: (هلاك المسلم الذي لم يَأمُر بالمعروف، ويُقصِّر في ذلك، والمذنب بسبب ذَنبِه، ومَن في السفينة جميعًا)، والغرَض من سَوْقِ هذا التشبيه هنا هو استِنهَاضِ العَزائِم، واستِحثَاث الهِمَمِ على إنكار المنكر، والعمل على مَنْعِه قبل وُقوعِه، والسعي وَراء دفْعه بكلِّ قُوَّةٍ ممكنةٍ؛ وذلك لسَعادة الناس وصالحهم فُرادى وجماعات، وفيها كنايةٌ عن المسؤوليَّة الجماعيَّة في الإسلام، وأنَّ المجتمع مسؤولٌ عن ضَياع القِيَمِ، وإهمال الأخلاق بعدَم الضَّرْبِ على يد الفاسقين الخارجين عن حُدود الله، وقواعد الإسلام والسلوكيَّات الراشدة. و(أل) في (القائم) موصولةٌ: (الذي يقومُ على حُدود الله وهو ناوٍ فعل ذنبٍ)، وفيها كنايةٌ عن صفةٍ، هي يَقَظَةُ الضمير، وسُمُوُّ الإحساس، وحيويَّة القلب، وسلامة الاتِّصال، وفَهْم الهدَف، وإدراك الرسالة والوظيفة، والحرف (على) يُفِيدُ العلوَّ، فهو كأنَّه في مَكانٍ عالٍ يَقِفُ ليَحرس حُدود الله، ويَرقُبُ تنفيذها بكلِّ دِقَّةٍ، وفيها كنايةٌ عن السَّهَرِ على خِدمة الدِّين، وخِدمة تعاليم الإسلام، وصِدْق الانتماء، وقوله: ((القائِم على حُدُودِ الله)) فيه كنايةٌ عن موصوفٍ هو المسلم الناضج الفِكر، الراشد العقل، الفاهم لرسالته، كما أنَّ فيها كنايةً عن صفةٍ هي الصِّدق في الالتزام، والبصَر الدائم للدعوة وسُبُل نَشرِها، وجمع (حدود) يدلُّ على كَثْرَتِها، وتعدُّدها، وتبايُنها، تلك التي تتدخَّل في كلِّ شُؤون الحياة؛ حربًا وسلمًا، ومعاملاتٍ وأخلاقًا وعباداتٍ، وأخذًا وعطاءً، وسفرًا وإقامةً، وعداءً في الله وارتباطًا فيه، وحبًّا وبُغضًا، ونحو ذلك من حُدودٍ، والإضافة هنا (حدود الله) للتقديس والتشريف، فهم ساهِرون على تنفيذ حُدود الله، والإضافة للملكيَّة (على معنى اللام)، فهي حُدودٌ لله، ومن الله، وما كان نازِلاً من اللهِ واللهُ صاحِبُه ومُشَرِّعه ينبغي أنْ يَأخُذَه الناس بقوَّةٍ؛ قال - تعالى -: ﴿ يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ ﴾ [مريم: 12]، ويحفظ بعِنايةٍ، ويُؤتَى بصِدقٍ. وقوله: ((والواقع فيها)) فيه كنايةٌ عن موصوفٍ هو المهمِل للدِّين، المتجرِّئ على حُدودِه، الساقط من الناس، المترخِّص في الحياة، الذي يعيشُ لشَهوته، ويَحيا لمصلحته دُون نظرٍ لمجموع الأُمَّة، وسَلامة الأوطان، وحيوات الخَلْقِ، ونفْع البشَر، واستعمال ((فيها)) يدلُّ على الظرفيَّة، وكأنَّه غرق لشحمة أُذُنَيْهِ في المنكَرات، غَشِيها فظرفَتْه، وتَداخَل فيها تَداخُلاً بعيدًا، فقد أغْواه الشيطان حتى أبعَدَه عن الرحمن، فلا هو يتوبُ من قريبٍ، ولا يخشى من الله الرقيب، فهو في مَهوًى سَحِيقٍ، وسلوكه غير دقيقٍ؛ لخطأٍ واضح في الطريق. (كمثل قومٍ) يمكن للكاف أنْ تكون حرفَ جرٍّ أصليًّا، وأنْ تكون زائدةً؛ أي: مثل القائم.. مثل قومٍ، فالخبر يمكن أنْ يكون شبهَ جملةٍ، وأنْ يكون مفردًا، وعلى هذا فيكون التشبيه؛ إمَّا مرسلاً، وإمَّا مؤكدًا، وقوله (قوم) خاصٌّ بالرجال؛ ففيه كنايةٌ عن صفةٍ هي: أنَّ العمل والسعي والسفر ورُكوب البحر مَنُوطٌ بالرجال، وأنَّ المرأة الأصل فيها البَقاء في مملكتها في بيتها؛ قال - تعالى -: ﴿ وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ ﴾ [الأحزاب: 33]، أمَّا الضَّنى والتَّعَبُ والشَّقاء والسعي على الرِّزق، فخاصٌّ بالرجال؛ قال - تعالى -: ﴿ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى ﴾ [طه: 117]، واللفظ يحتمل دُخول النساء، ولكنَّ الأصل في القوم إطْلاقهم على الرِّجال دون النِّساء. وقوله: ((استهَمُوا على سفينةٍ)) الألف والسين والتاء للطلب؛ أي: طلَبُوا ذلك من طريق السِّهام أو الاقتراع، وفيه كنايةٌ عن صفةٍ هي التسليم والرِّضا، وأخْذ رأي كلِّ فردٍ، أو تعني: أنهم ضرَبُوا بسَهْمٍ في سُكَّناها، وتحمَّلوا مَغارِمَها، وما تحتاجُه للإبحار، واستعمال "على" هنا بمعنى الظرفيَّة (في)، وتنكير ((سفينة)) يُوحِي بكِبَرها وضَخامتها، كما يُوحِي الحرف ((على)) أنهم عند الاقتراع كانوا أعلاها أو على سَطْحِها؛ لأنَّ ((على)) تحمل العُلوَّ والتسنُّمَ. ((فأصاب بعضهم أعلاها)): الفاء للترتيب والتعقيب؛ أي: بمجرَّد الاستِهام قَبِلُوا نتيجته، ولم يتأفَّف أحدٌ، و((أصاب)) بمعنى: نال، مأخوذٌ من الصوب والإصابة، وهو بُلوغ الهدف؛ أي: مُكِّنَ من قُرعته، وبعضهم (بغير تحديد)، وفي ذلك تعليمٌ لنا؛ لئلا نتوقَّفَ عند ما لا يُتَوَقَّفُ عنده من بناء القصَّة، فمعرفة أسمائهم لا تُجدِي في الحبْك القصصي، ولا تُضِيف جديدًا في المعنى والغرَض، و((أعلاها)) أفعل تفضيل يدلُّ على المكان، وأُضِيفَ إلى الضمير الرابط للجملة بسابِقتها، ففيه إحالةٌ ظاهرةٌ وهو إحدى سُبل السَّبك المؤدِّي إلى الحبك والترابُط الدلالي، ثم هذا التضادُّ ((وبعضهم أسفلها)) الذي يُكمل الصورة بهذا التقابُل الدلالي الذي ارتسَمتْ معه صورةُ سكَّان السفينة، ولم يعد ((وأصاب))، ففيه إيجازٌ بالحذف؛ لعلم القارئ وحُضور ذِهنه، وعدم الوَهم والغُموض. ((فكان الذين في أسفَلِها)): الفاء عاطفةٌ لتَمتِين وتَآزُر الجمل، وربْط المفاهيم، واستِعمال (كان) الدال على الماضي لحكاية الحال، وهو من الأساليب القصصيَّة العربيَّة، (الذين) صفةٌ لموصوفٍ محذوفٍ؛ (أي: الأشخاص أو السُّكَّان الذين)، فحذف الموصوفَ وأَبقى الصفةَ؛ ففيه إيجاز بالحذف، وقوله: ((في أسفلها)) كنايةٌ عن صفةٍ، هي انغِمارُهم في السفينة وانظِرافهم في سَفحِها، وتحقَّق الرابط الدلالي بأمورٍ: بالفاء العاطفة، والموصول، والضمير الغائب، وجاءت الجملة الشرطيَّة لتشغل خبر (كان)، وصدرت بـ(إذا) التي تفيدُ التحقيقَ، واستِمرار حُصول الفِعل، وهو استِقاءُ الماء وطلَب الشرب ونحوه، والفعل بهذه البنية الصرفيَّة يفيدُ الطلب، ووزنه (افتعوا)، فحُذِفَتْ لامه لالتقاء الساكنين؛ لأنَّه من السَّقْيِ، وهو يتعدَّى إلى مفعولٍ واحدٍ هو ((الماء))، و((من)) تفيد التبعيض؛ أي: استقوا بعضَ الماء، وهو يُوحِي بوجود الماء أعلى السفينة، وأنَّه محدودٌ، وله مكانٌ معلومٌ؛ بدليل أنهم صَعِدوا إليه، أو أنَّه ماء البحر، يَأخُذونه بالدِّلاء والآلات والحِبال، ونحوها، ولكنَّ عهديَّة (أل) في (الماء) تفيدُ أنَّه ماء يصلُح للشَّراب والاستعمال الآدمي. يتبع
__________________
|
| الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |