لين الكلام - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         الفرع الرابع: أحكام طارئة متعلقة بالعورة (من الشرط السابع من شروط الصلاة: ستر العورة) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 24 )           »          حديث: المطلقة ثلاثا: ليس لها سكنى ولا نفقة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 21 )           »          مختارات من كتاب الباعث الحثيث في مصطلح الحديث (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 19 )           »          بين "العلل الصغير" و"العلل الكبير" للإمام الترمذي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 18 )           »          حرص الصحابة رضي الله عنهم على اقتران العلم بالقرآن بالعمل به (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 2 - عددالزوار : 344 )           »          من مائدة التفسير (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 12 - عددالزوار : 3362 )           »          صفة الرحمة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 17 )           »          من أدلة صدقه عليه الصلاة والسلام: استحالة استمرار الكذب (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 21 )           »          سر الإلحاح في الدعاء (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 15 )           »          أقسام القلوب (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 19 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الصوتيات والمرئيات والبرامج > ملتقى الصوتيات والاناشيد الاسلامية > ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
  #1  
قديم 23-02-2021, 12:31 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,317
الدولة : Egypt
افتراضي لين الكلام

لين الكلام


الشيخ د. : صالح بن مقبل العصيمي






عناصر الخطبة

1/ فضل لين الكلام مع الناس 2/ ثمرات الكلمة الطيبة 3/ مفاسد الكلمة الجافة والقاسية 4/ الحث على غلق منافذ الشيطان بحسن مخاطبة الناس 5/ بسط الوجه ولين الكلام من علامة سلامة الرجل وفقهه.


اقتباس

فَعَلَيْنَا عِنْدَ مُـخَاطَبَةِ الآخَرِينَ أَنْ نَـجْتَنِبَ الْكَلِمَاتِ الْـجَافَّةَ الْـجَارِحَةَ فَكَمْ بِسُوءِ كَلِمَةٍ أُشْعِلَتْ حُرُوبٌ! وَتـخَاصَمَتْ دِوَلٌ! وَتَنَازَعَتْ قَبَائِلُ! وَتَشَرْذَمَتْ أُسَرُ! وَتَـهَاجَرَ أَقَارِبُ! وَتَـخَاصَمَ أَصْحَابٌ وَأَحْبَابٌ! وَأُسِيلَتْ دِمَاءٌ! فَلْنَتَأَدَّبْ بِآدَابِ الْقُرْآنِ وَلْنَتَأَسَّ بِـخَيْـرِ الأَنَامِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فِي اِنْتِقَاءِ الأَلْفَاظِ، وَلِـيـنِ الْكَلَامِ. فَكَمْ نَزَعَتْ الَعِبَارَاتُ الْـخَشِنَةُ الَّتِـي لَا لِيـنَ فِيهَا، وَلَا حُسْنَ؛ أَجْوَاءَ الْـحُبِّ وَالْوُدِّ، فَأَعْقَبَتِ الْمَحَبَّةَ بِالْبَغْضَاءِ، وَالْمَوَدَّةَ بِالْعَدَاءِ! فَالْكَلِمَةُ الطَّـيِّــبَةُ تُدَاوِي جِرَاحَ الْقُلُوبِ؛ بِعَكْسِ الْكَلِمَةِ السَّـيِّئَةِ؛ الَّتِـي يَزَغُ بِـهَا الشَّيْطَانُ بَيْنَ الْإِخْوَانِ،…










الخطبة الأولى:


إنَّ الحَمْدَ للهِ؛ نَحْمَدُهُ، ونستعينُهُ، ونستغفِرُهُ، ونعوذُ باللهِ مِنْ شرورِ أنفسِنَا وسيئاتِ أعمالِنَا، مَنْ يهدِ اللهُ فلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ.

وأشهدُ أنْ لا إلهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شريكَ لَهُ، تَعْظِيمًا لِشَأْنِهِ، وأشهدُ أنَّ مُحَمَّدًا عبدُهُ ورسُولُهُ، وَخَلِيلُهُ – صَلَّى اللهُ عليهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كثيرًا.

أمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ -عِبَادَ اللهِ- حقَّ التَّقْوَى؛ واعلَمُوا أنَّ أَجْسَادَكُمْ عَلَى النَّارِ لَا تَقْوَى. وَاعْلَمُوا بِأَنَّ خَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ-، وَأَنَّ شَرَّ ِالْأُمُورِ مُحْدَثُاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ. (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102].

عِبَادَ اللهِ: حَدِيثُنَا الْيَوْمَ عَنْ خُلُقٍ عَظِيمٍ تَخَلَّقَ بِهِ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ-، بَلْ وَهُوَ مِنَ الدَّرَجَاتِ الَّتِي اخْتَصَمَ فِيهَا الْمَلَأُ الأَعْلَى؛ أَلَا وَهُوَ: "لِينُ الْكَلَامِ"، وَفِي رِوَايَةٍ: "إِفْشَاءُ السَّلَامِ"، وَلَا خَلَافَ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ إِفْشَاءَ السَّلَامِ دَاخِلٌ فِي لِينِ الْكَلَامِ.

وَلَقْدْ حَثَّ الْمَوْلَى، -عَزَّ وَجَلَّ-، عَلَى الْكَلَامِ الطَّيِّبِ؛ فَقَالَ -سُبْحَانَهُ-: (وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً) [البقرة:83]، وَقَالَ -تَعَالَى-: (وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُواْ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) [الإسراء:53].

وَقَالَ -صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ-: "وَالْكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ صَدَقَةٌ" (رَوَاهُ مُسْلِمٌ)، وَقَالَ أَيْضًا: "إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِاللَّهِ مَنْ بَدَأَهُمْ بِالسَّلَامِ" (رَوَاهُ أَبُو دَاودَ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ).

وَيُرْوَى مِنْ حَدِيثِ اِبْنِ مَسْعُودٍ مَرْفُوعًا وَمَوْقُوفًا: "إِذَا مَرَّ الرَّجُلُ بِالْقَوْمِ، فَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ، فَرَدُّوا عَلَيْهِ؛ كَانَ لَهُ عَلَيْهِمْ فَضْلُ دَرَجَةٍ؛ لِأَنَّهُ ذَكَّرَهُمُ بالسَّلَامِ، وَإِنْ لَمْ يَرُدُّوا عَلَيْهِ؛ رَدَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ خَيْرٌ مِنْهُمْ وَأَطْيَبُ" (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الْأَدَبِ الْمُفْرَدِ، وَقَوَّى إِسْنَادُهُ الْحَافِظُ اِبْنُ حَجَرٍ).

وَجَمَعَ الرَّسُولُ -صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ- فِي هَذَا الْحَدِيثِ الْعَظِيمِ بَيْنَ: إِطْعَامِ الطَّعَامِ، وَلِينِ الْكَلَامِ؛ لِيُكْمِلَ بِذَلِكَ الْإِحْسَانَ إِلَى الْخَلْقِ، بِالْقَوْلِ وَالْفِعْلِ، فَلَا يَتِمُّ الإِحْسَانُ بِإِطْعَامِ الطَّعَامِ، إِلَّا بِلِينِ الْكَلَامِ، وَإِفْشَاءِ السَّلاَمِ؛ فَإِنْ أَسَاءَ بِالْقَوْلِ؛ بَطُلَ الإِحْسَانُ بِالْفِعْلِ مِنَ الإِطْعَامِ وَغَيْرِهِ؛ كَمَا قَالَ اللهُ تَعَالَى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى) [البقرة:264]، وَقَالَ -تَعَالَى-: (قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى) [البقرة:263].

وَمُعَامَلَةُ النَّاسِ بِالْقَوْلِ الْحَسَنِ أَحَبُّ إِلَيْهِمْ مِنْ إِطْعَامِ الطَّعَامِ، وَإِعْطَاءِ الْمَالِ. وَقَدْ كَانَ، -صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ-، يُلِينُ الْقَوْلَ؛ حَتَّى لِمَنْ عُرِفَ بِشَرِّهِ أَوْ فُحْشِهِ؛ لِيَتَّقِيَ بِذَلِكَ شَرَّهُ. فَقَالَ -صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ-: "إِنَّ شَرَّ النَّاسِ مَنْزِلَةً عِنْدَ اللهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، مَنْ وَدَعَهُ، أَوْ تَرَكَهُ النَّاسُ اتِّقَاءَ فُحْشِهِ" (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ).

وَلِينُ الْكَلَامِ يَدُلُّ عَلَى حُسْنِ الْخُلُقِ، وَبَذْلِ النَّدَى، وَكَفِّ الأَذَى وَاِحْتِمَالِهِ، وَبِهِ يَبْلُغُ الْعَبْدُ دَرَجَاتِ الْمُجْتَهِدِينَ فِي الْعِبَادَةِ، كَمَا قَالَ، -صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ-: "إِنَّ الرَّجُلَ لَيُدْرِكُ بِحُسْنِ خُلُقِهِ دَرَجَاتِ قَائِمِ اللَّيْلِ صَائِمِ النَّهَارِ" (رَوَاهُ أَحْمدُ وَالْحَاكِمُ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ).

وَكَانَ أَصْحَابُ اِبْنِ مَسْعُودٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- إِذَا رَأَوْا قَوْمًا عَلَى مَا يُكْرَهُ؛ يَقُولُونَ لَهُمْ: "مَهْلًا مَهْلًا، بَارَكَ اللهُ فِيكُمْ"! وَرَأَى بَعْضُ التَّابِعِينَ رَجُلًا وَاقِفًا مَعَ اِمْرَأَةٍ؛ فَقَالَ لَهُمَا: "إِنَّ اللهَ يَرَاكُمَا، سَتَرَنَا اللهُ وَإِيَّاكُمَا"!

وَقَالَ سُفْيَانُ: "لَا يَأْمُرُ بِالْمَعْرُوفِ، وَلَا يَنْهَى عَنِ الْمُنْكَرِ؛ إِلَّا مَنْ كَانَ فِيهِ خِصَالٌ ثَلَاثٌ: رَفِيقٌ بِمَا يَأْمُرُ، رَفِيقٌ بِمَا يَنْهَى، عَدْلٌ بِمَا يَأْمُرُ، عَدْلٌ بِمَا يَنْهَى، عَالِمٌ بِمَا يَأْمُرُ عَالِمٌ بِمَا يَنْهَى".

وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: "النَّاسُ يَحْتَاجُونَ إِلَى مُدَارَاةٍ وَرِفْقٍ فِي الأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ، بِلَا غِلْظَةٍ، إِلَّا رَجُلًا مُعْلِنًا بِالْفِسْقِ؛ فَإِنَّهُ لَا حُرْمَةَ لَهُ".

عِبَادَ اللهِ: اِعْلَمُوا أَنَّ مُقَابَلَةَ الأَذَى باللين مِنَ الْأُمُورِ الْحَسَنَةِ الطَّيِّبَةِ؛ قال تعالى: (ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) [المؤمنون:96].

فَعَلَى الْعِبَادِ أَنْ يَقُولَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ أَفْضَلَ الْعِبَارَاتِ وَأَحْسَنَهَا، فِي كُلِّ الأَوْقَاتِ، وَكُلِّ الأَزْمَانِ؛ وَيَنْتَقُوا أَطَايِبَ الْكَلَامِ؛ لِيَقُولُوهُ كَمَا يَنْتَقُونَ أَطَايِبَ الثَّمَرِ لِيَأْكُلُوهُ؛ فَلا يَتَفَوَّهُ الْمُسْلِمُ بِكَلِمَةٍ يُفْسِدُ بِهَا وُدَّ أَخِيهِ؛ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَزْرَعُ الْعَدَاوَةَ بَيْنَ الإِخُوَةِ بِالْكَلِمَةِ الْخَشِنَةِ، وَالْعِبَارَةِ السَّيِّئَةِ.

فَكَمْ نَزَعَتْ الَعِبَارَاتُ الْخَشِنَةُ -الَّتِي لَا لِينَ فِيهَا، وَلَا حُسْنَ- أَجْوَاءَ الْحُبِّ وَالْوُدِّ، فَأَعْقَبَتِ الْمَحَبَّةَ بِالْبَغْضَاءِ، وَالْمَوَدَّةَ بِالْعَدَاءِ! فَالْكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ تُدَاوِي جِرَاحَ الْقُلُوبِ؛ بِعَكْسِ الْكَلِمَةِ السَّيِّئَةِ؛ الَّتِي يَزَغُ بِهَا الشَّيْطَانُ بَيْنَ الْإِخْوَانِ، وَيَحُثُ عَلَيْهَا؛ فَيَلْتَمِسُ سَقَطَاتِ الإِنْسَانِ، وَعَثَرَاتِ اللِّسَانِ؛ لِيُحَرِّشَ بَينَ الْعِبَادِ.. فَسدُّوا عَلَيْهِ -عِبَادَ اللهِ- الثَّغَرَاتِ، وَأَغْلِقُوا أَمَامَهُ الأَبْوَابَ؛ بِلِينِ الْكَلَامِ؛ فَلِينُ الْكَلَامِ، وَدَرءُ الْسَّيِّئَاتِ بِالْحَسَنَاتِ؛ دَأْبُ الصَّالِحِينَ، وَمَنْهَجُ الْمُتَّقِينَ. لَا يَغُوصُ فِي أَعْمَاقِهِ إِلَّا نُجَبَاءُ الرِّجَالِ، نُبَهَاءُ الْعُقُولِ، الَّذِينَ اِصْطَفَاهُمُ اللهُ لِلْجِنَانِ. -قَالَ تَعَالَى-: (وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ) [الرعد:22].

قَالَ بَعْضُ السَّلَفِ: "هُوَ الرَّجُلُ يَسُبُّهُ الرَّجُلُ فَيَقُولُ لَهُ: إِنْ كُنْتَ صَادِقًا؛ فَغَفَرَ اللهُ لِي، وَإِنْ كُنْتَ كَاذِبًا؛ فَغَفَرَ اللهُ لَكَ". أَوْرَدَهُ الطَّبَرِيُّ وَغَيْرُهُ؛ عِنْدَ تَفْسِيرِهِمِ لِهَذِهِ الآيَةِ.

وَلِذَا قَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ: "الْكَلِمَةُ قَبْلَ أَنْ تُطْلِقَهَا مَلَكْتَهَا؛ فَإِذَا أَطْلَقْتَهَا مَلَكَتْكَ". فَلِينُوا مَعَ إِخْوَانِكُمْ؛ غَفَرَ اللهُ لِي وَلَكُمْ، وَلِجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ.

بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ فِي الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ، وَنَفَعَنِي وَإِيَّاكُمْ بِمَا فِيهِ مِنَ الآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ، أَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرُوهُ؛ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.



الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:


الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى إِحْسَانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى عِظَمِ نِعَمِهِ وَاِمْتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَحْدَهُ لَا شريكَ لَهُ، تَعْظِيمًا لِشَأْنِهِ، وَأَشَهَدُ أَنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدَهُ وَرَسُولُهُ، وَخَلِيلَهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمَاً كَثِيرَاً.

أمَّا بَعْدُ: فَاِتَّقُوا اللهَ – عِبَادَ اللهِ- حَقَّ التَّقْوَى، وَاِعْلَمُوا أَنَّ أَجْسَادَكُمْ عَلَى النَّارِ لَا تَقْوَى.

عِبَادَ اللهِ: إِنَّ الْمُتَدَبِّرَ فِي الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ يَجِدُهُ قَدْ حَثَّ عَلَى الْكَلِمَةِ الطَّيِّبَةِ، وَالْقَوْلِ الْحَسَنِ، وَالْقَوْلِ الْمَعْرُوفِ وَالسَّدِيدِ، وَحَضَّ عَلَى مَكَارِمِ الأَخْلَاقِ وَحَذَّرَ مِنْ الْكَلِمَاتِ وَالأَفْعَالِ الْخَبِيثَةِ؛ فَيَنْبِغِي للإِنْسَانِ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ للنَّاسِ لَيِّنًا، مَعَ اِنْبِسَاطِ وَجْهِهِ، مَعَ الْبَّرِّ وَالْفَاجِرِ، وَالسُّنِّيِّ وَالْمُبْتَدِعِ مِنْ غَيْرِ مُدَاهَنَةٍ، وَمِنْ غَيْرِ أَنْ يَتَكَلَّمَ مَعَهُ بِكَلَامٍ يُظَنُّ مِنْهُ أَنَّهُ يَرْضَى مَذْهَبَهُ.

فَحُسْنُ الْقَوْلِ، وَبَشَاشَةُ الْوَجِهِ؛ دَلِيلَانِ عَلَى حُسْنِ اِسْتِقَامَةِ الرَّجُلِ وَفِقْهِهِ؛ فَالْقُرْآنُ يَحُثُّ عَلَى حُسْنِ الْخُلُقِ مَعَ الأَهْلِ وَالأَوْلَادِ وَالأَيْتَامِ وَالْفُقَرَاءِ وَالأَغْنِيَاءِ وَالشُّرَفَاءِ وَالْوُضَعَاءِ، وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْكَافِرِينَ؛ حَتَّى مَعَ أَطْغَى طُغَاةِ الأَرْضِ فِرْعَونَ، قَالَ اللهُ تَعَالَى: (فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى) [طه:44].

وَحَثَّ الْقُرْآنُ عَلَى الْقَوْلِ الْمَيْسُورِ؛ فَقَالَ تَعَالَى: (فَقُلْ لَهُمْ قَوْلًا مَيْسُورًا) [الإسراء: 28]، وَهُوَ الْقَوْلُ السَّهْلُ اللَّيِّنُ، الَّذِي فِيهِ مَسَرَّةٌ لِلْمُخَاطَبِينَ، وَجَبْرٌ لِخَاطِرِهِمِ، وَتَيْسِيرٌ لِمُعْسِرِهِمْ.

فَلَيْسَتِ الأَلْفَاظُ عَلَى دَرَجَةٍ وَاحِدَةٍ؛ فَبَعْضُهَا يُؤَثِّرُ فِي الْمُخَاطَبِ سَلْبًا وَبَعْضُهَا إِيجَابًا؛ بَلْ حَتَّى الْكَلِمَاتُ الْحَسَنَةُ بَعْضُهاَ أَوْقَعُ عَلَى قَلْبِ السَّامِعِ مِنْ بَعْضٍ؛ فَكَمْ ضَلَّ بِسَبَبِ الْكَلِمَةِ أَقْوَامٌ، وَاِهْتَدَى بِهَا أَقْوَامٌ! فَبِلِينِ الْكَلَامِ يُحَبَّبُ النَّاسُ لِرَبِّهِمْ وَلِدِينِهِمْ، وَلِبَعْضِهِمِ بَعْضًا؛ فَكَمْ حُقِنَتْ بِلِينِ الْكَلَامِ دِمَاءٌ! وَفُكَّتْ رِقَابٌ! وَكَمْ بِلِينِ الْكَلَامِ فُرِّجَ عَنْ مَأْسُورٍ!

فَعَلَيْنَا عِنْدَ مُخَاطَبَةِ الآخَرِينَ أَنْ نَجْتَنِبَ الْكَلِمَاتِ الْجَافَّةَ الْجَارِحَةَ؛ فَكَمْ بِسُوءِ كَلِمَةٍ أُشْعِلَتْ حُرُوبٌ! وَتخَاصَمَتْ دِوَلٌ! وَتَنَازَعَتْ قَبَائِلُ! وَتَشَرْذَمَتْ أُسَرُ! وَتَهَاجَرَ أَقَارِبُ! وَتَخَاصَمَ أَصْحَابٌ وَأَحْبَابٌ! وَأُسِيلَتْ دِمَاءٌ! فَلْنَتَأَدَّبْ بِآدَابِ الْقُرْآنِ وَلْنَتَأَسَّ بِخَيْرِ الأَنَامِ -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- فِي اِنْتِقَاءِ الأَلْفَاظِ، وَلِينِ الْكَلَامِ.

رَزَقَنَا اللهُ حُسْنَ الأَخْلَاقِ، وَجَنَّبَنَا مَسَاوِئَهَا! وَوَقَانَا عَثَرَاتِ اللِّسَانِ.

اللَّهُمَّ رُدَّنَا إِلَيْكَ رَدًّا جَمِيلًا، وَلَا تَجْعَلْ فِينَا وَلَا بَيْنَنَا وَلَا حَوْلَنَا شَقِيًّا وَلَا مَحْرُومًا، الَّلهُمَّ أصْلِحْ لَنَا النِّيَّةَ وَالذُّرِيَّةَ وَالأَزْوَاجَ وَالأَوْلَادَ.

الَّلهُمَّ اِحْمِ بِلَادَنَا وَسَائِرَ بِلَادِ الإِسْلَامِ مِنَ الفِتَنِ وَالمِحَنِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَن، الَّلهُمَّ وَفِّقْ وَلِيَّ أَمْرِنَا، لِمَا تُحِبُ وَتَرْضَى، وَخُذْ بِنَاصِيَتِهِ لِلْبِرِّ وَالتَّقْوَى.

الَّلهُم ارْفَعْ رَايَةَ السُّنَّةِ، وَاِقْمَعْ رَايَةَ البِدْعَةِ، الَّلهُمَّ احْقِنْ دِمَاءَ أَهْلِ الإِسْلَامِ فِي كُلِّ مَكَانٍ، اللَّهُمَّ وَلِّ عَلَيْهِمْ خِيَارَهُمْ وَاِكْفِهِمْ شَرَّ شِرَارِهِمْ.

اللهُمَّ أَصْلِحْ لَنَا دِينَنَا الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِنَا، وَأَصْلِحْ لَنَا دُنْيَانَا الَّتِي فِيهَا مَعَاشُنَا، وَأَصْلِحْ لَنَا آخِرَتَنَا الَّتِي فِيهَا مَعَادُنَا، وَاجْعَلِ الْحَيَاةَ زِيَادَةً لَنَا فِي كُلِّ خَيْرٍ، وَاجْعَلِ الْمَوْتَ رَاحَةً لَنَا مِنْ كُلِّ شَرٍّ.

اللَّهُمَّ اُنْصُرِ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى حُدُودِ بِلَادِنَا، وَاِرْبِطْ عَلَى قُلُوبِهِمْ، وَثَبِّتْ أَقْدَامَهُمْ، وَانصُرْهُمْ عَلَى الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ وَاخْلُفْهُمْ فِي أَهْلِيهِمْ بِخَيْرٍ.

اللهُمَّ أَكْثِرْ أَمْوَالَ مَنْ حَضَرَ، وَأَوْلَادَهُمْ، وَأَطِلْ عَلَى الْخَيْرِ أَعْمَارَهُمْ، وَأَدْخِلْهُمُ الْجَنَّةَ.

رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ العزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ، وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ، وَالحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ.

وَقُومُوا إِلَى صَلَاتِكمْ يَرْحَمكُمُ اللهُ.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 88.55 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 86.83 كيلو بايت... تم توفير 1.72 كيلو بايت...بمعدل (1.94%)]