كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 5011 - عددالزوار : 2136590 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4592 - عددالزوار : 1415451 )           »          الامتحانات الدنيوية وأثرها في امتحان الآخرة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 28 )           »          قناديل على الدرب (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 30 - عددالزوار : 8295 )           »          قراءة في كتاب:القصة الكاملة لخوارج عصرنا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 33 )           »          الاختـلاط فـي الجامعـات وصـراع الهويـة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 34 )           »          القواعد والضوابط الفقهية في الأعمال الخيرية والوقفية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 44 - عددالزوار : 14553 )           »          حقــوق السجـنـاء (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 21 )           »          سلوكيات غير صحيحة سائدة في حياتنا الأسرية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 11 - عددالزوار : 4827 )           »          كلمات نبوية لبناء الدولة الإسلامية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 27 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > الملتقى الاسلامي العام > فتاوى وأحكام منوعة
التسجيل التعليمـــات التقويم

فتاوى وأحكام منوعة قسم يعرض فتاوى وأحكام ومسائل فقهية منوعة لمجموعة من العلماء الكرام

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
  #11  
قديم 29-07-2022, 07:30 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,810
الدولة : Egypt
افتراضي رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله



كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الرابع

الحلقة (151)
صــــــــــ 50 الى صـــــــــــ56






( قال الشافعي ) أخبرني عمي محمد بن علي عن الثقة أحسبه محمد بن علي بن حسين ، أو غيره عن مولى لعثمان بن عفان رضي الله عنه قال : بينا أنا مع عثمان في ماله بالعالية في يوم صائف إذ رأى رجلا يسوق بكرين وعلى الأرض مثل الفراش من الحر فقال : ما على هذا لو أقام بالمدينة حتى يبرد ثم يروح ثم دنا الرجل فقال : انظر من هذا فقلت أنا رجلا معمما بردائه يسوق بكرين ثم دنا الرجل فقال : انظر فنظرت ، فإذا عمر بن الخطاب فقلت هذا أمير المؤمنين فقام عثمان فأخرج رأسه من الباب فأداه لفح السموم فأعاد رأسه حتى حاذاه فقال : ما أخرجك هذه الساعة ؟ [ ص: 50 ] فقال : بكران من إبل الصدقة تخلفا ، وقد مضى بإبل الصدقة فأردت أن ألحقهما بالحمى وخشيت أن يضيعا فيسألني الله عنهما فقال عثمان يا أمير المؤمنين هلم إلى السماء والظل وتكفيك فقال : عد إلى ظلك فقلت عندنا من يكفيك فقال : عد إلى ظلك فمضى فقال عثمان " من أحب أن ينظر إلى القوي الأمين فلينظر إلى هذا " فعاد إلينا فألقى نفسه .

( قال الشافعي ) في حكاية قول عمر لعثمان في البكرين اللذين تخلفا وقول عثمان " من أحب أن ينظر إلى القوي الأمين فلينظر إلى هذا " ( أخبرنا ) مالك عن ابن شهاب يعني بما حكاه عن عمر وعثمان .

( قال الشافعي ) وإن كان للخليفة مال يحمل عليه في سبيل الله من إبل وخيل فلا بأس أن يدخلها الحمى ، وإن كان منها مال لنفسه فلا يدخلها الحمى فإنه إن يفعل ظلم ; لأنه منع منه وأدخل لنفسه ، وهو من أهل القوة .

( قال الشافعي ) وهكذا من كان له مال يحمل عليه في سبيل الله دون الخليفة قال : ومن سأل الوالي أن يقطعه في الحمى موضعا يعمره فإن كان حمى النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن إلا منعه إياه وأن عمر أبطل عمارته وكان كمن عمر فيما ليس له أن يعمر فيه ، وإن كان حمى أحدث بعده فكان يرى الحمى حقا كان له منعه ذلك ، وإن أراد العمارة كان له منعه العمارة ، وإن سبق فعمر لم يبن لي أن تبطل عمارته والله تعالى أعلم . ويحتمل إذا جعل الحمى حقا وكان هو في معنى ما حمى رسول الله صلى الله عليه وسلم ; لأنه حمى لمثل ما حماه له أن يبطل عمارته ، وإن أذن له الوالي بعمارة لم يكن له إبطال عمارته ; لأن إذنه له إخراج له من الحمى ، وقد يجوز أن يخرج ما أحدث حماه من الحمى ويحمي غيره إذا كان غير ضرر على من حماه عليه ، وليس للوالي بحال أن يحمي من الأرض إلا أقلها ، وقد يوسع الحمى حتى يقع موقعا ويبين ضرره على من حمى عليه ، وما أحدث من حمى فرعاه أحد لم يكن عليه في رعيته شيء أكثر من أن يمنع رعيته ، فأما غرم ، أو عقوبة فلا أعلمه عليه .
تشديد أن لا يحمي أحد على أحد

( قال الشافعي ) أخبرنا مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " { من منع فضول الماء ليمنع به الكلأ منعه الله فضل رحمته يوم القيامة } .

( قال الشافعي ) ففي هذا الحديث ما دل على أنه ليس لأحد أن يمنع فضل مائه ، وإنما يمنع فضل رحمة الله بمعصية الله فلما كان منع فضل الماء معصية لم يكن لأحد منع فضل الماء ، وفي هذا الحديث دلالة على أن مالك الماء أولى أن يشرب به ويسقي وأنه إنما يعطي فضله عما يحتاج إليه ; لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { من منع فضل الماء ليمنع به الكلأ منعه الله فضل رحمته } وفضل الماء الفضل عن حاجة مالك الماء .

( قال الشافعي ) : وهذا أوضح حديث روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الماء ، وأشبه معنى ; لأن مالكا روى عن أبي الرجال محمد بن عبد الرحمن عن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال { لا يمنع نفع البئر } .

( قال الشافعي ) فكان هذا جملة ندب المسلمون إليها في الماء ، وحديث أبي هريرة رضي الله عنه أصحها وأبينها معنى .

( قال الشافعي ) وكل ماء ببادية يزيد في عين ، أو بئر ، أو غيل أو نهر بلغ مالكه منه حاجته لنفسه وماشيته وزرع إن كان له فليس له منع فضله عن حاجته من أحد يشرب ، أو يسقي ذا روح خاصة دون الزرع وليس لغيره أن يسقي منه زرعا ، ولا شجرا إلا أن يتطوع بذلك مالك الماء ، وإذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { من منع فضل الماء ليمنع به الكلأ منعه الله فضل رحمته } ففي هذا [ ص: 51 ] دلالة إذا كان الكلأ شيئا من رحمة الله أن رحمة الله رزقه خلقه عامة للمسلمين وليس لواحد منهم أن يمنعها من أحد إلا بمعنى ما وصفنا من السنة والأثر الذي في معنى السنة ، وفي منع الماء ليمنع به الكلأ الذي هو من رحمة الله عام يحتمل معنيين : أحدهما أن ما كان ذريعة إلى منع ما أحل الله لم يحل ، وكذلك ما كان ذريعة إلى إحلال ما حرم الله تعالى .

( قال الشافعي ) فإن كان هذا هكذا ففي هذا ما يثبت أن الذرائع إلى الحلال والحرام تشبه معاني الحلال والحرام ويحتمل أن يكون منع الماء إنما يحرم ; لأنه في معنى تلف على ما لا غنى به لذوي الأرواح والآدميين وغيرهم ، فإذا منعوا فضل الماء منعوا فضل الكلأ ، والمعنى الأول أشبه والله أعلم ، فلو أن جماعة كان لهم مياه ببادية فسقوا بها واستقوا ، وفضل منها شيء فجاء من لا ماء له يطلب أن يشرب أو يسقي إلى واحد منهم دون واحد لم يجز لمن معه فضل من الماء ، وإن قل منعه إياه إن كان في عين ، أو بئر ، أو نهر ، أو غيل ; لأنه فضل ماء يزيد ويستخلف ، وإن كان الماء في سقاء ، أو جرة ، أو وعاء ما كان ، فهو مختلف للماء الذي يستخلف فلصاحبه منعه ، وهو كطعامه إلا أن يضطر إليه مسلم والضرورة أن يكون لا يجد غيره بشراء ، أو يجد بشراء ، ولا يجد ثمنا فلا يسع عندي والله أعلم منعه ; لأن في منعه تلفا له ، وقد وجدت السنة توجب الضيافة بالبادية والماء أعز فقدا وأقرب من أن يتلف من منعه وأخف مؤنة على من أخذ منه من الطعام فلا أرى من منع الماء في هذه الحال إلا آثما إذا كان معه فضل من ماء في وعاء ، فأما من وجد غنى عن الماء بماء غير ماء صاحب الوعاء فأرجو أن لا يخرج من منعه .
إقطاع الوالي

( قال الشافعي ) رحمه الله : أخبرنا ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن يحيى بن جعدة قال : { لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة أقطع الناس الدور فقال حي من بني زهرة يقال لهم بنو عبد بن زهرة نكب عنا ابن أم عبد فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم ابتعثني الله إذا ؟ إن الله لا يقدس أمة لا يؤخذ للضعيف فيهم حقه } .

( قال الشافعي ) في هذا الحديث دلائل :

منها أن حقا على الوالي إقطاع من سأله القطيع من المسلمين ; لأن قول رسول الله صلى الله عليه وسلم { إن الله لا يقدس أمة لا يؤخذ للضعيف فيهم حقه } دلالة أن لمن سأله الإقطاع أن يؤخذ للضعيف فيهم حقه وغيره ودلالة على أن النبي صلى الله عليه وسلم أقطع الناس بالمدينة وذلك بين ظهراني عمارة الأنصار من المنازل والنخل فلم يكن لهم بالعامر منع غير العامر ، ولو كان لهم لم يقطعه الناس ، وفي هذا دلالة على أن ما قارب العامر وكان بين ظهرانيه وما لم يقارب من الموات سواء في أنه لا مالك له فعلى السلطان إقطاعه ممن سأله من المسلمين .

( قال الشافعي ) أخبرنا ابن عيينة عن هشام عن عروة عن أبيه { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقطع الزبير أرضا } وأن عمر بن الخطاب أقطع العقيق أجمع وقال أين المستقطعون ؟ .

( قال الشافعي ) والعقيق قريب من المدينة وقوله " أين المستقطعون نقطعهم " ، وإنما أقطع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم عمر ومن أقطع ما لا يملكه أحد يعرف من الموات ، وفي قول رسول الله صلى الله عليه وسلم { من أحيا مواتا فهو له } دليل على أن من أحيا مواتا كان له كما يكون له إن أقطعه واتباع في أن يملك [ ص: 52 ] من أحيا الموات ما أحيا كاتباع أمره في أن يقطع الموات من يحييه لا فرق بينهما ، ولا يجوز أن يقطع الموات من يحييه ولا مالك له ، وإذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { من أحيا مواتا فهو له } فعطية رسول الله صلى الله عليه وسلم عامة لمن أحيا الموات فمن أحيا الموات فبعطية رسول الله صلى الله عليه وسلم أحياه ، وعطيته في الجملة أثبت من عطية من بعده في النص والجملة ، وقد روي عن عمر مثل هذا المعنى لا يخالفه .
باب الركاز يوجد في بلاد المسلمين

( قال الشافعي ) رحمه الله : الركاز دفن الجاهلية أخبرنا ابن عيينة عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس عن الصعب بن جثامة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال { لا حمى إلا لله ورسوله } .

( قال الشافعي ) فلما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { لا حمى إلا لله ورسوله } لم يكن لأحد أن ينزل بلدا غير معمور فيمنع منه شيئا يرعاه دون غيره وذلك أن البلاد لله عز وجل لا مالك لها من الآدميين ، وإنما سلط الله الآدميين على منع مالهم خاصة لا منع ما ليس لأحد بعينه وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم { لا حمى إلا لله ولرسوله } أن لا حمى إلا حمى رسول الله صلى الله عليه وسلم في صلاح المسلمين الذين هم شركاء في بلاد الله ليس أنه حمى لنفسه دونهم ولولاة الأمر بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يحموا من الأرض شيئا لمن يحتاج إلى الحمى من المسلمين ، وليس لهم أن يحموا شيئا لأنفسهم دون غيرهم .

( قال الشافعي ) أخبرنا عبد العزيز بن محمد عن زيد بن أسلم عن أبيه أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه استعمل مولى له يقال له هني على الحمى .

( قال الشافعي ) وقول عمر إنهم ليرون أني قد ظلمتهم يقول يذهب رأيهم أني حميت بلادا غير معمورة لنعم الصدقة ولنعم الفيء وأمرت بإدخال أهل الحاجة الحمى دون أهل القوة على المرعى في غير الحمى إلى أني قد ظلمتهم .

( قال الشافعي ) ولم يظلمهم عمر رضي الله عنه وإن رأوا ذلك ، بل حمى على معنى ما حمى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل الحاجة دون أهل الغنى وجعل الحمى حوزا لهم خالصا كما يكون ما عمر الرجل له خالصا دون غيره ، وقد كان مباحا قبل عمارته فكذلك الحمى لمن حمى له من أهل الحاجة ، وقد كان مباحا قبل يحمى .

قال : وبيان ذلك في قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه لولا المال الذي أحمل عليه في سبيل الله ما حميت على المسلمين من بلادهم شبرا أنه لم يحم إلا لما يحمل عليه لمن يحتاج إلى الحمى من المسلمين أن يحموا ورأى إدخال الضعيف حقا له دون القوي فكل ما لم يعمر من الأرض فلا يحال بينه وبين المسلمين أن ينزلوا ويرعوا فيه حيث شاءوا إلا ما حمى الوالي لمصلحة عوام المسلمين فجعله لما يحمل عليه في سبيل الله من نعم الجزية وما يفضل من نعم الصدقة فيعده لمن يحتاج إليه من أهلها ، وما يصير إليه من ضوال المسلمين وماشية أهل الضعف دون أهل القوة .

( قال الشافعي ) وكل هذا عام المنفعة بوجوه ; لأن من حمل في سبيل الله فذلك لجماعة المسلمين ومن أرصد له أن يعطي من ماشية الصدقة فذلك لجماعة ضعفاء المسلمين ، وكذلك من ضعف من المسلمين فرعيت له ماشيته [ ص: 53 ] فذلك لجماعة ضعفاء المسلمين وأمر عمر رضي الله عنه أن لا يدخل نعم ابن عفان وابن عوف لقوتهما في أموالهما وإنهما لو هلكت ماشيتهما لم يكونا ممن يصير كلا على المسلمين فكذلك يصنع بمن له غنى غير الماشية .
الأحباس

أخبرنا الربيع بن سليمان قال أخبرنا الشافعي رحمه الله تعالى قال جميع ما يعطي الناس من أموالهم ثلاثة وجوه . ثم يتشعب كل وجه منها ، والعطايا منها في الحياة وجهان ، وبعد الوفاة واحد : فالوجهان من العطايا في الحياة مفترقا الأصل والفرع ، فأحدهما يتم بكلام المعطي والآخر يتم بأمرين ، بكلام المعطي وقبض المعطى أو قبض من يكون قبضه له قبضا .

( قال الشافعي ) والعطايا التي تتم بكلام المعطي دون أن يقبضها المعطى ما كان إذا خرج به الكلام من المعطى له جائرا على ما أعطى لم يكن للمعطي أن يملك ما خرج منه فيه الكلام بوجه أبدا وهذه العطية الصدقات المحرمات الموقوفات على قوم بأعيانهم ، أو قوم موصوفين وما كان في معنى هذه العطايا مما سبل محبوسا على قوم موصوفين ، وإن لم يسم ذلك محرما فهو محرم باسم الحبس .

( قال الشافعي ) : فإذا أشهد الرجل على نفسه بعطية من هذه فهي جائزة لمن أعطاها ، قبضها ، أو لم يقبضها ، ومتى قام عليه أخذها من يدي معطيها وليس لمعطيها حبسها عنه على حال بل يجبر على دفعها إليه ، وإن استهلك منها شيئا بعد إشهاده بإعطائها ضمن ما استهلك كما يضمنه أجنبي لو استهلكه ; لأنه إذا خرج من ملكه فهو والأجنبي فيما استهلك منه سواء ، ولو مات من جعلت هذه الصدقة عليه قبل قبضها ، وقد أغلت غلة أخذ وارثه حصته من غلتها ; لأن الميت قد كان مالكا لما أعطى ، وإن لم يقبضه كما يكون له غلة أرض لو غصبها ، أو كانت وديعة في يدي غيره فجحدها ثم أقر بها ، وإن لم يكن قبض ذلك ، ولو مات بها قبل أن يقبضها من تصدق بها عليه لم يكن لوارثه منها شيء وكانت لمن تصدق بها عليه ، ولا يجوز أن يقال ترجع موروثة والموروث إنما يورث ما كان ملكا للميت ، فإذا لم يكن للمتصدق الميت أن يملك شيئا في حياته ، ولا بحال أبدا لم يجز أن يملك الوارث عنه بعد وفاته ما لم يكن له أن يملك في حياته بحال أبدا .

قال : وفي هذا المعنى العتق ، إذا تكلم الرجل يعتق من يجوز له عتقه تم العتق ، ولم يحتج إلى أن يقبله المعتق ، ولم يكن للمعتق ملكه ، ولا لغيره ملك رق يكون له فيه بيع ، ولا هبة ، ولا ميراث بحال .

والوجه الثاني من العطايا في الحياة ما أخرجه المالك من يده ملكا تاما لغيره بهبته ، أو ببيعه ويورث عنه ، وهذا من العطايا يحل لمن أخرجه من يديه أن يملكه بوجوه ، وذلك أن يرث من أعطاه ، أو يرد عليه المعطى العطية ، أو يهبها له ، أو يبيعه إياها ، وهذا مثل النحل والهبة والصدقة غير المحرمة ، ولا التي في معناها بالتسبيل وغيره وهذه العطية تتم بأمرين :

إشهاد من أعطاها وقبضها بأمر من أعطاها والمحرمة والمسبلة تجوز بلا قبض . قيل : تقليد الهدي وإشعاره وسياقه وإيجابه بغير تقليد يكون على مالكه بلاغه البيت ونحوه والصدقة فيه بما صنع منه ، ولم يقبضه من جعل له وليس كذلك ما تصدق به بغير حبس مما لا يتم إلا بقبض من أعطيها لنفسه ، أو قبض غيره له ممن قبضه له قبض ، وهذا الوجه من العطايا لمعطيه أن يمنعه من أعطاه إياه ما لم يقبضه ، ومتى رجع في عطيته قبل قبض من أعطيه فذلك له ، وإن مات المعطى قبل يقبض العطية فالمعطي بالخيار إن أحب أن يعطيها ورثته عطاء مبتدأ لا عطاء موروثا عن المعطى ; لأن المعطى لم يملكها فعل وذلك أحب إلي له ، وإن شاء حبسها [ ص: 54 ] عنهم ، وإن مات المعطي قبل يقبضها المعطى فهي لورثة المعطي ; لأن ملكها لم يتم للمعطى . قال : والعطية بعد الموت هي الوصية لمن أوصى له في حياته فقال : إذا مت فلفلان كذا فله أن يرجع في الوصية ما لم يمت ، فإذا مات ملك أهل الوصايا وصاياهم بلا قبض كان من المعطى ، ولا بعده وليس للورثة أن يمنعوه الموصى لهم ، وهو لهم ملكا تاما - قال : وأصل ما ذهبنا إليه أن هذا موجود في السنة والآثار ، أو فيهما ففرقنا بينه اتباعا وقياسا .
الخلاف في الصدقات المحرمات

( قال الشافعي ) رحمه الله : فخالفنا بعض الناس في الصدقات المحرمات وقال من تصدق بصدقة محرمة وسبلها فالصدقة باطل وهي ملك للمتصدق في حياته ولوارثه بعد موته قبضها من تصدق بها عليه ، أو لم يقبضها وقال لي بعض من يحفظ قول قائل هذا : إنا رددنا الصدقات الموقوفات بأمور قلت له وما هي ؟ فقال قال شريح جاء محمد صلى الله عليه وسلم بإطلاق الحبس فقلت له وتعرف الحبس التي جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بإطلاقها ؟ قال لا أعرف حبسا إلا الحبس بالتحريم فهل تعرف شيئا يقع عليه اسم الحبس غيرها ؟

( قال الشافعي ) فقلت له أعرف الحبس التي جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بإطلاقها وهي غير ما ذهبت إليه وهي بينة في كتاب الله عز وجل قال اذكرها قلت : قال الله عز وجل { ما جعل الله من بحيرة ، ولا سائبة ، ولا وصيلة ، ولا حام } فهذه الحبس التي كان أهل الجاهلية يحبسونها فأبطل الله شروطهم فيها وأبطلها رسول الله صلى الله عليه وسلم بإبطال الله إياها وهي أن الرجل كان يقول : إذا نتج فحل إبله ثم ألقح فأنتج منه هو حام أي قد حمى ظهره فيحرم ركوبه ويجعل ذلك شبيها بالعتق له ويقول في البحيرة والوصيلة على معنى يوافق بعض هذا ويقول لعبده أنت حر سائبة لا يكون لي ، ولاؤك ، ولا علي عقلك قال : فهل قيل في السائبة غير هذا ؟ فقلت نعم قيل إنه أيضا في البهائم قد سيبتك ( قال الشافعي ) فلما كان العتق لا يقع على البهائم رد رسول الله صلى الله عليه وسلم ملك البحيرة والوصيلة والحام إلى مالكه وأثبت العتق وجعل الولاء لمن أعتق السائبة وحكم له بمثل حكم النسب ، ولم يحبس أهل الجاهلية علمته دارا ولا أرضا تبررا بحبسها ، وإنما حبس أهل الإسلام ( قال الشافعي ) فالصدقات يلزمها اسم الحبس وليس لك أن تخرج مما لزمه اسم الحبس شيئا إلا بخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يدل على ما قلت وقلت أخبرنا سفيان عن عبد الله بن عمر بن حفص العمري عن نافع عن عبد الله بن عمر { أن عمر بن الخطاب ملك مائة سهم من خيبر اشتراها فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إني أصبت مالا لم أصب مثله قط ، وقد أردت أن أتقرب به إلى الله عز وجل فقال حبس الأصل ، وسبل الثمرة } .

( قال الشافعي ) وأخبرني عمر بن حبيب القاضي عن عبد الله بن عون عن نافع عن ابن عمر { بأن عمر بن الخطاب قال يا رسول الله إني أصبت مالا من خيبر لم أصب مالا قط أعجب إلي أو أعظم عندي منه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن شئت حبست أصله وسبلت ثمره } فتصدق به عمر بن الخطاب رضي الله عنه ثم حكى صدقته به .

( قال الشافعي ) فقال : إن كان هذا ثابت فلا يجوز إلا أن يكون الحبس التي أطلق غير الحبس التي أمر بحبسها قلت هذا عندنا ، وعندك ثابت ، وعندنا أكثر من هذا ، وإن كانت الحجة تقوم عندنا ، وعندك بأقل [ ص: 55 ] منه قال فكيف أجزت الصدقات المحرمات ، وإن لم يقبضها من تصدق بها عليه ؟ فقلت اتباعا وقياسا فقال : وما الاتباع ؟ فقلت له لما سأل عمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ماله فأمره أن يحبس أصل ماله ويسبل ثمره دل ذلك على إجازة الحبس وعلى أن عمر كان يلي حبس صدقته ويسبل ثمرها بأمر النبي صلى الله عليه وسلم لا يليها غيره ، قال : فقال : أفيحتمل قول النبي صلى الله عليه وسلم حبس أصلها وسبل ثمرها اشترط ذلك ؟ قلت نعم والمعنى الأول أظهرهما وعليه من الخبر دلالة أخرى قال وما هي ؟ قلت إذا كان عمر لا يعرف وجه الحبس أفيعلمه حبس الأصل وسبل الثمر ويدع أن يعلمه أن يخرجها من يديه إلى من يليها عليه ولمن حبسها عليه ; لأنها لو كانت لا تتم إلا بأن يخرجها المحبس من يديه إلى من يليها دونه ، كان هذا أولى أن يعلمه ; لأن الحبس لا يتم إلا به ، ولكنه علمه ما يتم له ، ولم يكن في إخراجها من يديه شيء يزيد فيها ، ولا في إمساكها يليها هو شيء ينقص صدقته ، ولم يزل عمر بن الخطاب المتصدق بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم يلي فيما بلغنا صدقته حتى قبضه الله تبارك وتعالى ، ولم يزل علي بن أبي طالب رضي الله عنه يلي صدقته بينبع حتى لقي الله عز وجل ، ولم تزل فاطمة عليها السلام تلي صدقتها حتى لقيت الله تبارك وتعالى .

( قال الشافعي ) أخبرنا بذلك أهل العلم من ولد فاطمة وعلي وعمر ومواليهم ولقد حفظنا الصدقات عن عدد كثير من المهاجرين والأنصار لقد حكى لي عدد كثير من أولادهم وأهليهم أنهم لم يزالوا يلون صدقاتهم حتى ماتوا ينقل ذلك العامة منهم عن العامة لا يختلفون فيه ، وإن أكثر ما عندنا بالمدينة ومكة من الصدقات لكما وصفت لم يزل يتصدق بها المسلمون من السلف يلونها حتى ماتوا وأن نقل الحديث فيها كالتكلف ، وإن كنا قد ذكرنا بعضه قبل هذا .

فإذا كنا إنما أجزنا الصدقات ، وفيها العلل التي أبطلها صاحبك بها من قول شريح جاء محمد بإطلاق الحبس بأنه لا يجوز أن يكون مال مملوكا ثم يخرجه مالكه من ملكه إلى غير مالك له كله إلا بالسنة واتباع الآثار فكيف اتبعناهم في إجازتها وإجازتها أكثر ونترك اتباعهم في أن يحوزها كما حازوها ، ولم يولوها أحدا ؟ فقال : فما الحصة فيه من القياس ؟ قلت له لما { أجاز رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يحبس الأصل أصل المال وتسبل الثمرة } دل ذلك على أنه أجاز أن يخرجه مالك المال من ملكه بالشرط إلى أن يصير المال محبوسا لا يكن لمالكه بيعه ، ولا أن يرجع إليه بحال كما لا يكون لمن سبل ثمره عليه بيع الأصل ، ولا ميراثه فكان هذا مالا مخالفا لكل مال سواه ; لأن كل مال سواه يخرج من مالكه إلى مالك فالمالك يملك بيعه وهبته ويجوز للمالك الذي أخرجه من ملكه أن يملكه بعد خروجه من يديه ببيع وهبة وميراث وغير ذلك من وجوه الملك ويجامع المال المحبوس الموقوف العتق الذي أخرجه مالكه من ماله بشيء جعله الله إلى غير ملك نفسه ، ولكن ملكه منفعة نفسه بلا ملك لرقبته كما ملك المحبس من جعل منفعة المال له بغير ملك منه لرقبة المال وكان بإخراجه الملك من يديه محرما على نفسه أن يملك المال بوجه أبدا كما كان محرما أن يملك العبد بشيء أبدا فاجتمعا في معنيين ، وإن كان العبد مفارقه في أنه لا يملك منفعة نفسه غير نفسه كما يملك منفعة المال مالك ، وذلك أن المال لا يكون مالكا إنما يملك الآدميون ، فلو قال قائل لماله أنت حر لم يكن حرا ، ولو قال أنت موقوف لم يكن موقوفا ; لأنه لم يملك منفعته أحدا ، وهو إذا قال لعبده أنت حر ، فقد ملكه منفعة نفسه فقال قد قال فيها فقهاء المكيين وحكامهم قديما وحديثا ، وقد علمنا أنهم يقولون قولك ، وأبو يوسف حين أجاز الصدقات قال قولك في أنها تجوز ، وإن وليها صاحبها حتى يموت واحتج فيها بأنه إنما أجازها اتباعا وأن المتصدقين بها من السلف ولوها حتى ماتوا ، ولكنا قد ذهبنا فيها وبعض البصريين إلى أن الرجل إن لم يخرجها من [ ص: 56 ] ملكه إلى من يليها دونه في حياته لمن تصدق بها عليه كانت منتقضة وأنزلها منزلة الهبات ، وتابعنا بعض المدنيين فيها وخالفنا في الهبات .

( قال الشافعي ) فقلت له قد حفظنا عن سلفنا ما وصفت وما أعرف عن أحد من التابعين أنه أبطل صدقة بأن لم يدفعها المتصدق بها إلى وال في حياته وما هذا إلا شيء أحدثه منهم من لا يكون قوله حجة على أحد وما أدري لعله سمع قولكم ، أو قول بعض البصريين فيه فاتبعه فقال وأنا أقوم بهذا القول عليك قلت له هذا قول تخالفه فكيف تقوم به ؟ قال أقوم به لمن قاله من أصحابنا وأصحابك فأقول إن أبا بكر الصديق رضي الله عنه نحل عائشة جداد عشرين وسقا فمرض قبل أن تقبضه فقال لها : لو كنت خزنتيه وقبضتيه كان لك ، وإنما هو اليوم مال الوارث ، وإن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال ما بال رجال ينحلون أبناءهم نحلا ثم يمسكونها فإن مات أحدهم قال مال أبي نحلنيه ، وإن مات ابنه قال مالي وبيدي لا نحلة إلا نحلة يحوزها الولد دون الوالد حتى يكون إن مات أحق بها " وأنه شكا إلى عثمان بن عفان رضي الله عنه قول عمر فرأى أن الوالد يجوز لولده ما داموا صغارا ، فأقول إن الصدقات الموقوفات قياسا على هذا .
ولا أزعم ما زعمت من أنها مفترقة فقلت له أفرأيت لو اجتمعت هي والصدقات في معنى واختلفتا في معنيين ، أو أكثر الجمع بينهما أولى بتأويل ، أو التفريق ؟ قال بل التفريق فقلت له أفرأيت الهبات كلها والنحل والعطايا سوى الوقف لو تمت لمن أعطيها ثم ردها على الذي أعطاها ، أو لم يقبلها منه ، أو رجعت إليه بميراث ، أو شراء ، أو غير ذلك من وجوه الملك أيحل له أن يملكها ؟ قال نعم : قلت ، ولو تمت لمن أعطيها حل له بيعها وهبتها ؟ قال : نعم ، قلت : أفتجد الوقف إذا تم لمن وقف له يرجع إلى مالكه أبدا بوجه من الوجوه ، أو يملكه من وقف عليه ملكا يكون له فيه بيعه وهبته وأن يكون موروثا عنه ؟ قال : لا ، قلت والوقوف خارجه من ملك مالكها بكل حال ومملوكة المنفعة لمن وقفت عليه غير مملوكة الأصل ؟ قال نعم : قلت أفترى العطايا تشبه الوقوف في معنى واحد من معانيها ؟ قال في أنها لا تجوز إلا مقبوضة قلت : كذلك قلت أنت فأراك جعلت قولك أصلا قال : قسته على ما ذكرت إن خالف بعض أحكامه قلت : فكيف يجوز أن يقاس الشيء بخلافه وهي مخالفة لما ذكرت من العطايا غيرها ؟ أورأيت لو قال لك قائل : أراك تسلك بالعطايا كلها مسلكا واحدا فأزعم أن الرجل إذا أوجب الهدي على نفسه بكلام ، أو ساقه ، أو قلده أو أشعره كان له أن يبيعه ويهبه ويرجع ; لأنه لمساكين الحرم ، ولم يقبضوه أله ذلك ؟ قال : لا .

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 3 ( الأعضاء 0 والزوار 3)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 1,702.65 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 1,700.93 كيلو بايت... تم توفير 1.72 كيلو بايت...بمعدل (0.10%)]