تفسير (الجامع لأحكام القرآن) الشيخ الفقيه الامام القرطبى - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4485 - عددالزوار : 1012715 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4021 - عددالزوار : 530712 )           »          معارج البيان القرآني ـــــــــــــ متجدد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 13 - عددالزوار : 9464 )           »          ضبط أقل مدة الحمل بين حكم نكاح السر وإعلان الزواج (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 48 )           »          الأسس المفاهيمية والتقنية للذكاء الاصطناعي وتطوره (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 40 )           »          الوهن الذي أصاب الأمــة جعلهــا تخشى قوة الأعداء (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 55 )           »          التراجم: نماذج من المستشرقين المنصِّرين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 56 )           »          الاستشراق والتنصير مدى العلاقة بين ظاهرتين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1 - عددالزوار : 64 )           »          وسواس بسبب صدمة في الطفولة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 64 )           »          أريد التخلص من الأفكار السلبية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 51 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى القرآن الكريم والتفسير > هيا بنا نحفظ القرآن ونرضى الرحمن
التسجيل التعليمـــات التقويم

هيا بنا نحفظ القرآن ونرضى الرحمن قسم يختص بحفظ واستظهار كتاب الله عز وجل بالإضافة الى المسابقات القرآنية المنوعة

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
  #11  
قديم 10-05-2024, 10:45 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 136,637
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير (الجامع لأحكام القرآن) الشيخ الفقيه الامام القرطبى



تَّفْسِيرِ
(الْجَامِعِ لِأَحْكَامِ الْقُرْآنِ ، وَالْمُبَيِّنِ لِمَا تَضَمَّنَهُ مِنَ السُّنَّةِ وَآيِ الْفُرْقَانِ )
الشَّيْخُ الْفَقِيهُ الْإِمَامُ الْعَالِمُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْقُرْطُبِيُّ
المجلد (6)
سُورَةُ الْأَنْعَامِ
من صــ 307 الى صــ 313
الحلقة (301)



قوله تعالى : ليجمعنكم اللام لام القسم ، والنون نون التأكيد . وقال الفراء وغيره : يجوز أن يكون تمام الكلام عند قوله : الرحمة ويكون ما بعده مستأنفا على جهة التبيين ; فيكون معنى ليجمعنكم ليمهلنكم وليؤخرن جمعكم . وقيل : المعنى ليجمعنكم أي : في القبور إلى اليوم الذي أنكرتموه . وقيل : إلى بمعنى في ، أي : ليجمعنكم في يوم القيامة . [ ص: 307 ] وقيل : يجوز أن يكون موضع ليجمعنكم نصبا على البدل من الرحمة ; فتكون اللام بمعنى ( أن ) المعنى : كتب ربكم على نفسه ليجمعنكم ، أي : أن يجمعكم ; وكذلك قال كثير من النحويين في قوله تعالى : ثم بدا لهم من بعد ما رأوا الآيات ليسجننه أي : أن يسجنوه . وقيل : موضعه نصب ب كتب ; كما تكون ( أن ) في قوله عز وجل كتب ربكم على نفسه الرحمة أنه من عمل منكم سوءا بجهالة وذلك أنه مفسر للرحمة بالإمهال إلى يوم القيامة ; عن الزجاج . لا ريب فيه لا شك فيه . الذين خسروا أنفسهم فهم لا يؤمنون ابتداء وخبر ، قاله الزجاج ، وهو أجود ما قيل فيه ; تقول : الذي يكرمني فله درهم ، فالفاء تتضمن معنى الشرط والجزاء . وقال الأخفش : إن شئت كان الذين في موضع نصب على البدل من الكاف والميم في ليجمعنكم أي : ليجمعن المشركين الذين خسروا أنفسهم ; وأنكره المبرد وزعم أنه خطأ ; لأنه لا يبدل من المخاطب ولا من المخاطب ، لا يقال : مررت بك زيد ولا مررت بي زيد لأن هذا لا يشكل فيبين . قال القتبي : يجوز أن يكون الذين جزاء على البدل من المكذبين الذين تقدم ذكرهم . أو على النعت لهم . وقيل : الذين نداء مفرد .

قوله تعالى : وله ما سكن في الليل والنهار وهو السميع العليم قل أغير الله أتخذ وليا فاطر السماوات والأرض وهو يطعم ولا يطعم قل إني أمرت أن أكون أول من أسلم ولا تكونن من المشركين قل إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم من يصرف عنه يومئذ فقد رحمه وذلك الفوز المبين

قوله تعالى : وله ما سكن في الليل والنهار أي : ثبت ، وهذا احتجاج عليهم أيضا . وقيل : نزلت الآية لأنهم قالوا : علمنا أنه ما يحملك على ما تفعل إلا الحاجة ، فنحن نجمع لك من أموالنا حتى تصير أغنانا ; فقال الله تعالى : أخبرهم أن جميع الأشياء لله ، فهو قادر على أن يغنيني . و ( سكن ) معناه هدأ واستقر ; والمراد ما سكن وما تحرك ، فحذف لعلم السامع . وقيل : خص الساكن بالذكر لأن ما يعمه السكون أكثر مما تعمه الحركة . وقيل المعنى ما [ ص: 308 ] خلق ، فهو عام في جميع المخلوقات متحركها وساكنها ، فإنه يجري عليه الليل والنهار ; وعلى هذا فليس المراد بالسكون ضد الحركة بل المراد الخلق ، وهذا أحسن ما قيل ; لأنه يجمع شتات الأقوال . وهو السميع لأصواتهم العليم بأسرارهم .

قوله تعالى : قل أغير الله أتخذ وليا مفعولان ; لما دعوه إلى عبادة الأصنام دين آبائه أنزل الله تعالى قل يا محمد : أغير الله أتخذ وليا أي : ربا ومعبودا وناصرا دون الله . فاطر السماوات والأرض بالخفض على النعت لاسم الله ; وأجاز الأخفش الرفع على إضمار مبتدأ . وقال الزجاج : ويجوز النصب على المدح . أبو علي الفارسي : ويجوز نصبه على فعل مضمر كأنه قال : أترك فاطر السماوات والأرض ؟ لأن قوله : أغير الله أتخذ وليا يدل على ترك الولاية له ، وحسن إضماره لقوة هذه الدلالة . وهو يطعم ولا يطعم كذا قراءة العامة ، أي : يرزق ولا يرزق ; دليله على قوله تعالى : ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون وقرأ سعيد بن جبير ومجاهد والأعمش : وهو يطعم ولا يطعم ، وهي قراءة حسنة ; أي : أنه يرزق عباده ، وهو سبحانه غير محتاج إلى ما يحتاج إليه المخلوقون من الغذاء . وقرئ بضم الياء وكسر العين في الفعلين ، أي : إن الله يطعم عباده ويرزقهم والولي لا يطعم نفسه ولا من يتخذه . وقرئ بفتح الياء والعين في الأول أي : الولي ( ولا يطعم ) بضم الياء وكسر العين . وخص الإطعام بالذكر دون غيره من ضروب الإنعام ; لأن الحاجة إليه أمس لجميع الأنام . قل إني أمرت أن أكون أول من أسلم أي استسلم لأمر الله تعالى . وقيل : أول من أخلص أي : من قومي وأمتي ; عن الحسن وغيره . ولا تكونن من المشركين أي : وقيل لي : ولا تكونن من المشركين . قل إني أخاف إن عصيت ربي أي : بعبادة غيره أن يعذبني ، والخوف توقع المكروه . قال ابن عباس : أخاف هنا بمعنى أعلم . من يصرف عنه أي العذاب ( يومئذ ) يوم القيامة فقد رحمه أي : فاز ونجا ورحم .

وقرأ الكوفيون " من يصرف " بفتح الياء وكسر الراء ، وهو اختيار أبي حاتم وأبي عبيد ; لقوله : قل لمن ما في السماوات والأرض قل لله ولقوله : فقد رحمه ولم يقل رحم على المجهول ، ولقراءة أبي " من يصرفه الله عنه " واختار سيبويه القراءة الأولى - قراءة أهل المدينة وأبي عمرو - قال سيبويه : وكلما قل الإضمار في الكلام كان أولى ; فأما قراءة من قرأ " من يصرف " بفتح الياء فتقديره : من يصرف الله عنه العذاب ، وإذا قرئ ( من يصرف عنه ) فتقديره : من يصرف عنه العذاب . وذلك الفوز المبين أي النجاة البينة .

[ ص: 309 ] قوله تعالى : وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو وإن يمسسك بخير فهو على كل شيء قدير

قوله تعالى : وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو المس والكشف من صفات الأجسام ، وهو هنا مجاز وتوسع ; والمعنى : إن تنزل بك يا محمد شدة من فقر أو مرض فلا رافع وصارف له إلا هو ، وإن يصبك بعافية ورخاء ونعمة فهو على كل شيء قدير من الخير والضر روى ابن عباس قال : كنت رديف رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لي : يا غلام - أو يا بني - ألا أعلمك كلمات ينفعك الله بهن ؟ فقلت : بلى ; فقال : احفظ الله يحفظك احفظ الله تجده أمامك تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة إذا سألت فاسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله فقد جف القلم بما هو كائن فلو أن الخلق كلهم جميعا أرادوا أن يضروك بشيء لم يقضه الله لك لم يقدروا عليه واعمل لله بالشكر واليقين واعلم أن في الصبر على ما تكره خيرا كثيرا وأن النصر مع الصبر وأن الفرج مع الكرب وأن مع العسر يسرا أخرجه أبو بكر بن ثابت الخطيب في كتاب ( الفصل والوصل ) وهو حديث صحيح ; وقد خرجه الترمذي ، وهذا أتم .

قوله تعالى : وهو القاهر فوق عباده وهو الحكيم الخبير قل أي شيء أكبر شهادة قل الله شهيد بيني وبينكم وأوحي إلي هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ أئنكم لتشهدون أن مع الله آلهة أخرى قل لا أشهد قل إنما هو إله واحد وإنني بريء مما تشركون

قوله تعالى : وهو القاهر فوق عباده القهر الغلبة ، والقاهر الغالب ، وأقهر الرجل إذا صير بحال المقهور الذليل ; قال الشاعر :


تمنى حصين أن يسود جذاعه فأمسى حصين قد أذل وأقهرا
وقهر غلب . ومعنى فوق عباده فوقية الاستعلاء بالقهر والغلبة عليهم ; أي : هم تحت [ ص: 310 ] تسخيره لا فوقية مكان ; كما تقول : السلطان فوق رعيته أي : بالمنزلة والرفعة . وفي القهر معنى زائد ليس في القدرة ، وهو منع غيره عن بلوغ المراد . وهو الحكيم في أمره الخبير بأعمال عباده ، أي : من اتصف بهذه الصفات يجب ألا يشرك به .

قوله تعالى : قل أي شيء أكبر شهادة وذلك أن المشركين قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم : من يشهد لك بأنك رسول الله فنزلت الآية ; عن الحسن وغيره . ولفظ شيء هنا واقع موقع اسم الله تعالى ; المعنى الله أكبر شهادة أي انفراده بالربوبية ، وقيام البراهين على توحيده أكبر شهادة وأعظم ; فهو شهيد بيني وبينكم على أني قد بلغتكم وصدقت فيما قلته وادعيته من الرسالة . وأوحي إلي هذا القرآن أي : والقرآن شاهد بنبوتي . لأنذركم به يا أهل مكة . ومن بلغ أي : ومن بلغه القرآن . فحذف ( الهاء ) لطول الكلام . وقيل : ومن بلغ الحلم . ودل بهذا على أن من لم يبلغ الحلم ليس بمخاطب ولا متعبد . وتبليغ القرآن والسنة مأمور بهما ، كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بتبليغهما ; فقال : يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك . وفي صحيح البخاري ، عن عبد الله بن عمرو ، عن النبي صلى الله عليه وسلم : بلغوا عني ولو آية وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج ومن كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار . وفي الخبر أيضا ; من بلغته آية من كتاب الله فقد بلغه أمر الله أخذ به أو تركه . وقال مقاتل : من بلغه القرآن من الجن والإنس فهو نذير له . وقال القرظي : من بلغه القرآن فكأنما قد رأى محمدا صلى الله عليه وسلم وسمع منه . وقرأ أبو نهيك : ( وأوحي إلي هذا القرآن ) مسمى الفاعل ; وهو معنى قراءة الجماعة . أئنكم لتشهدون أن مع الله آلهة أخرى استفهام توبيخ وتقريع . وقرئ ( أئنكم ) بهمزتين على الأصل . وإن خففت الثانية قلت : ( أينكم ) . وروى الأصمعي عن أبي عمرو ونافع ( آئنكم ) ; وهذه لغة معروفة ، تجعل بين الهمزتين ألف ، كراهة لالتقائهما ; قال الشاعر ( ذو الرمة ) :
أيا ظبية الوعساء بين جلاجل وبين النقا آأنت أم أم سالم
ومن قرأ " إنكم " على الخبر فعلى أنه قد حقق عليهم شركهم . وقال : آلهة أخرى ولم يقل : ( أخر ) ; قال الفراء : لأن الآلهة جمع والجمع يقع عليه التأنيث ; ومنه قوله : [ ص: 311 ] ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها ، وقوله : فما بال القرون الأولى ولو قال : الأول والآخر صح أيضا . قل لا أشهد أي : فأنا لا أشهد معكم فحذف لدلالة الكلام عليه ، ونظيره فإن شهدوا فلا تشهد معهم .

قوله تعالى : الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم الذين خسروا أنفسهم فهم لا يؤمنون

قوله تعالى : الذين آتيناهم الكتاب . يريد اليهود والنصارى الذين عرفوا وعاندوا ، وقد تقدم معناه في البقرة ، و ( الذين ) في موضع رفع بالابتداء . يعرفونه في موضع الخبر ; أي : يعرفون النبي صلى الله عليه وسلم ; عن الحسن وقتادة ، وهو قول الزجاج . وقيل : يعود على الكتاب ، أي : يعرفونه على ما يدل عليه ، أي : على الصفة التي هو بها من دلالته على صحة أمر النبي صلى الله عليه وسلم وآله . الذين خسروا أنفسهم في موضع النعت ; ويجوز أن يكون مبتدأ وخبره فهم لا يؤمنون .

قوله تعالى : ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو كذب بآياته إنه لا يفلح الظالمون ويوم نحشرهم جميعا ثم نقول للذين أشركوا أين شركاؤكم الذين كنتم تزعمون

قوله تعالى : ومن أظلم ابتداء وخبر ، أي : لا أحد أظلم ممن افترى أي اختلق على الله كذبا أو كذب بآياته يريد القرآن والمعجزات . إنه لا يفلح الظالمون قيل : معناه في الدنيا . ويوم نحشرهم جميعا ثم استأنف فقال ويوم نحشرهم جميعا على معنى واذكر ( يوم نحشرهم ) وقيل : معناه أنه لا يفلح الظالمون في الدنيا ولا يوم نحشرهم ; فلا يوقف على هذا التقدير على قوله : الظالمون لأنه متصل . وقيل : هو متعلق بما بعده وهو ( انظر ) أي انظر كيف كذبوا يوم نحشرهم ; أي : كيف يكذبون يوم نحشرهم ؟ . ثم نقول للذين أشركوا أين شركاؤكم سؤال إفضاح لا إفصاح . الذين كنتم تزعمون أي : في أنهم شفعاء لكم عند الله [ ص: 312 ] بزعمكم ، وأنها تقربكم منه زلفى ; وهذا توبيخ لهم . قال ابن عباس : كل زعم في القرآن فهو كذب .

قوله تعالى : ثم لم تكن فتنتهم إلا أن قالوا والله ربنا ما كنا مشركين

قوله تعالى : ثم لم تكن فتنتهم الفتنة الاختبار أي : لم يكن جوابهم حين اختبروا بهذا السؤال ، ورأوا الحقائق ، وارتفعت الدواعي . إلا أن قالوا والله ربنا ما كنا مشركين تبرءوا من الشرك وانتفوا منه لما رأوا من تجاوزه ومغفرته للمؤمنين . قال ابن عباس : يغفر الله تعالى لأهل الإخلاص ذنوبهم ، ولا يتعاظم عليه ذنب أن يغفره ، فإذا رأى المشركون ذلك ; قالوا إن ربنا يغفر الذنوب ولا يغفر الشرك ، فتعالوا نقول إنا كنا أهل ذنوب ولم نكن مشركين ; فقال الله تعالى : أما إذ كتموا الشرك فاختموا على أفواههم ، فيختم على أفواههم ، فتنطق أيديهم وتشهد أرجلهم بما كانوا يكسبون ، فعند ذلك يعرف المشركون أن الله لا يكتم حديثا ; فذلك قوله : يومئذ يود الذين كفروا وعصوا الرسول لو تسوى بهم الأرض ولا يكتمون الله حديثا . وقال أبو إسحاق الزجاج : تأويل هذه الآية لطيف جدا ، أخبر الله عز وجل بقصص المشركين وافتتانهم بشركهم ، ثم أخبر أن فتنتهم لم تكن حين رأوا الحقائق إلا أن انتفوا من الشرك ، ونظير هذا في اللغة أن ترى إنسانا يحب غاويا فإذا وقع في هلكة تبرأ منه ، فيقال : ما كانت محبتك إياه إلا أن تبرأت منه . وقال الحسن : هذا خاص بالمنافقين جروا على عادتهم في الدنيا ، ومعنى ( فتنتهم ) عاقبة فتنتهم أي : كفرهم . وقال قتادة : معناه معذرتهم . وفي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة قال : ( فيلقى العبد فيقول أي : قل ألم أكرمك وأسودك ( وأزوجك ) وأسخر لك الخيل والإبل وأذرك ترأس وتربع فيقول بلى أي : رب : فيقول أفظننت أنك ملاقي فيقول لا ، فيقول إني أنساك كما نسيتني . ثم يلقى الثاني فيقول له ويقول هو مثل ذلك بعينه ، ثم يلقى الثالث فيقول له مثل ذلك فيقول يا رب آمنت بك وبكتابك وبرسولك وصليت وصمت وتصدقت ويثني بخير ما استطاع قال : فيقال هاهنا إذا ثم يقال له الآن نبعث شاهدا عليك ويتفكر في نفسه من ذا الذي يشهد علي فيختم على فيه ، ويقال لفخذه ولحمه وعظامه انطقي فتنطق فخذه ولحمه وعظامه بعمله وذلك ليعذر من نفسه وذلك المنافق وذلك الذي سخط الله عليه ) .

قوله تعالى : انظر كيف كذبوا على أنفسهم وضل عنهم ما كانوا يفترون

[ ص: 313 ] قوله تعالى : انظر كيف كذبوا على أنفسهم كذب المشركين قولهم : إن عبادة الأصنام تقربنا إلى الله زلفى ، بل ظنوا ذلك وظنهم الخطأ لا يعذرهم ولا يزيل اسم الكذب عنهم ، وكذب المنافقين باعتذارهم بالباطل ، وجحدهم نفاقهم . وضل عنهم ما كانوا يفترون أي : فانظر كيف ضل عنهم افتراؤهم أي : تلاشى وبطل ما كانوا يظنونه من شفاعة آلهتهم . وقيل : وضل عنهم ما كانوا يفترون أي : فارقهم ما كانوا يعبدون من دون الله فلم يغن عنهم شيئا ; عن الحسن . وقيل : المعنى عزب عنهم افتراؤهم لدهشهم ، وذهول عقولهم . والنظر في قوله : انظر يراد به نظر الاعتبار ; ثم قيل : كذبوا بمعنى يكذبون ، فعبر عن المستقبل بالماضي ; وجاز أن يكذبوا في الآخرة لأنه موضع دهش وحيرة وذهول عقل . وقيل : لا يجوز أن يقع منهم كذب في الآخرة ; لأنها دار جزاء على ما كان في الدنيا - وعلى ذلك أكثر أهل النظر - وإنما ذلك في الدنيا ; فمعنى والله ربنا ما كنا مشركين على هذا : ما كنا مشركين عند أنفسنا ; وعلى جواز أن يكذبوا في الآخرة يعارضه قوله : ولا يكتمون الله حديثا ; ولا معارضة ولا تناقض ; لا يكتمون الله حديثا في بعض المواطن إذا شهدت عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بعملهم ، ويكذبون على أنفسهم في بعض المواطن قبل شهادة الجوارح على ما تقدم . والله أعلم . وقال سعيد بن جبير في قوله تعالى : والله ربنا ما كنا مشركين قال : اعتذروا وحلفوا ; وكذلك قال ابن أبي نجيح وقتادة : وروي عن مجاهد أنه قال : لما رأوا أن الذنوب تغفر إلا الشرك بالله والناس يخرجون من النار قالوا : والله ربنا ما كنا مشركين وقيل : والله ربنا ما كنا مشركين أي : علمنا أن الأحجار لا تضر ولا تنفع ، وهذا وإن كان صحيحا من القول فقد صدقوا ولم يكتموا ، ولكن لا يعذرون بهذا ; فإن المعاند كافر غير معذور . ثم قيل في قوله : ثم لم تكن فتنتهم خمس قراءات : قرأ حمزة والكسائي " يكن " بالياء " فتنتهم " بالنصب خبر " يكن " إلا أن قالوا اسمها أي إلا قولهم ; فهذه قراءة بينة . وقرأ أهل المدينة وأبو عمرو " تكن " بالتاء " فتنتهم " بالنصب إلا أن قالوا أي إلا مقالتهم . وقرأ أبي وابن مسعود وما كان - بدل قوله ( ثم لم تكن - فتنتهم ) . إلا أن قالوا وقرأ ابن عامر وعاصم من رواية حفص ، والأعمش من رواية المفضل ، والحسن وقتادة وغيرهم ( ثم لم تكن ) بالتاء ( فتنتهم ) بالرفع اسم " تكن " والخبر إلا أن قالوا فهذه أربع قراءات . الخامسة : ( ثم لم يكن ) بالياء ( فتنتهم ) ; رفع ويذكر الفتنة لأنها [ ص: 314 ] بمعنى الفتون ، ومثله فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى . ( والله ) الواو واو القسم ( ربنا ) نعت لله عز وجل ، أو بدل . ومن نصب فعلى النداء أي : يا ربنا وهي قراءة حسنة ; لأن فيها معنى الاستكانة والتضرع ، إلا أنه فصل بين القسم وجوابه بالمنادى .




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 1,185.29 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 1,183.57 كيلو بايت... تم توفير 1.72 كيلو بايت...بمعدل (0.15%)]