|
استراحة الشفاء , وملتقى الإخاء والترحيب والمناسبات هنا نلتقي بالأعضاء الجدد ونرحب بهم , وهنا يتواصل الأعضاء مع بعضهم لمعرفة أخبارهم وتقديم التهاني أو المواساة |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() الأضحية... معنى التضحية في زمن الماديات محمد أبو عطية في زمنٍ أصبح فيه كل شيء يُقاس بالمادة، وتُوزن فيه القيم بميزان الربح والخسارة، وتُقاس السعادة بكم تملِك لا كم تعطي، يُطل علينا عيد الأضحى المبارك حاملًا شعيرةً عظيمة، تختبر فينا معنى البذل والتقرب، والتجرد من حبِّ النفس. إنها شعيرة الأضحية... ذلك الفعل الرمزي العميق، الذي لا يُطلب لذاته، بل لِما يحمله من معانٍ إيمانية وتربوية خالدة. جوهر الأضحية: ليست الأضحية مجردَ ذبحٍ لحيوان يوزَّع لحمه، ولا مجرد عادة موسمية تتكرر كل عام، إنها تعبير عن الاستسلام الكامل لله تعالى، وتجديد لذكرى خالدة من قصة النبي إبراهيم وابنه إسماعيل عليهما السلام، حين بلغا معًا ذروة الامتثال لأمر الله: ﴿ فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ * وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ﴾ [الصافات: 103 - 105]. حينها علَّمنا إبراهيم عليه السلام أن القرب من الله يمر عبر طريق من التضحيات، لا التمنيات، وأنك حين تقدم شيئًا عزيزًا لأجل الله، فإن الله يعوِّضك بأفضلَ منه، كما عوَّض إسماعيل بالفداء العظيم. الأضحية في ميزان الماديات: اليوم، في عالم يقدِّس الكسب والاستهلاك، ويتعامل مع كل شيء من زاوية: ما العائد؟ تبدو الأضحية وكأنها عمل غير اقتصادي: • أنت تدفع المال من أجل ذبيحة. • وتوزع لحمها على غيرك. • ولا تعود لك مصلحة مادية واضحة. لكن في الحقيقة، هذا الفعل يحرِّر الإنسان من عبودية المادة، ويربِّيه على أن العطاء هو الأساس، وأن النية هي المعيار، وأنَّ ما عند الله خير وأبقى: ﴿ لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ ﴾ [الحج: 37]. فهل ندرك هذه المعانيَ حين نذبح أضحيتنا، أم أنها أصبحت عادةً اجتماعية فاقدة للروح؟ الأضحية تربية للنفس: إن المسلم حين يُقبل على الأضحية: • يقدِّم ماله طواعية. • يشارك الفقراء والمساكين مما يحب. • يذكِّر نفسه أن العطاء لله لا ينقص من المال، بل يباركه. هذا التمرين السنويُّ، في وقت نعيش فيه شحًّا نفسيًّا، وبخلًا روحيًّا، يعيد ترتيب أولويات الإنسان؛ عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((ما نقصت صدقة من مال، وما زاد الله عبدًا بعفوٍ إلا عزًّا، وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله عز وجل))؛ [رواه مسلم]. الأضحية – إذًا - ليست فقط اختبارًا للقدرة المالية، بل اختبار للنية، والنية محلها القلب، فرُبَّ من يضحي من فضل ماله، ويقبل الله أضحيته، وربَّ من يضحي رياءً أو عادةً، فلا يُكتب له منها إلا العناء. التضحية من أجل الآخرين: من أجمل ما في الأضحية أنها تُخرج الإنسان من دائرة الأنانية، ففي زمن الماديات، يُربَّى الإنسان على أن: • يحتفظ بما لديه. • يبحث عن الأفضل لنفسه. • ويقيس كل شيء بـ "ماذا سأكسب؟". لكن الأضحية تكسِر هذه الدائرة: • فتعلِّمك أن تعطي دون انتظار مقابل. • وأن تشارك لذةَ العيد مع المحتاجين. • وأن تفرح بإدخال السرور على غيرك. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((أحب الناس إلى الله أنفعهم للناس، وأحب الأعمال إلى الله عز وجل سرورٌ تُدخله على مسلم، تكشف عنه كربةً، أو تقضي عنه دَينًا، أو تطرد عنه جوعًا، ولأن أمشي مع أخٍ في حاجة، أحب إليَّ من أن أعتكف في هذا المسجد – يعني: مسجد المدينة - شهرًا، ومن كظم غيظه ولو شاء أن يُمضيه أمضاه، ملأ الله قلبه يوم القيامة رضًا، ومن مشى مع أخيه في حاجة حتى يقضيها له، ثبَّت الله قدميه يوم تزول الأقدام))؛ [رواه الطبراني]. فتوزيع لحم الأضحية ليس تفصيلًا، بل هو جزء من الرسالة الإنسانية للشعيرة: أن نحمل الخير، ونسعى لنشره، وأن يكون عيدنا عيدًا للجميع، لا حكرًا على القادرين فقط. الأضحية … معنى يتجاوز الذبح: في الحقيقة، الأضحية يجب أن تتجاوز كونها ذبحًا لحيوان، لتصبح مفهومًا يعيش في حياتنا كلها، فكم من مواقفَ تتطلب تضحية: • أن تتنازل عن رأيك لأجل وحدة الصف. • أن تُنفق من وقتك لأجل خدمة أهلك أو مجتمعك. • أن تتحمل لأجل أبنائك أو والديك. • أن تضحي بمكانتك أو رغبتك لأجل مبدأ أو قيمة. كلها صور من الأضحية الحقيقية، التي تنبع من قلب مؤمن، يرى في البذل قربًا من الله، لا خسارة دنيوية. ماذا بعد الأضحية؟ حين نذبح الأضحية، فلنذبح معها: • أنانيتنا. • تعلقنا الزائد بالمادة. • كسلنا عن الطاعة. • غفلتنا عن الفقراء. ولتكن لحظة الذبح إعلانًا رمزيًّا بأننا نذبح أهواءنا، لنحيي قلوبنا، ونجدد عهدنا مع الله على أن نكون من عباده المتقين. في مواجهة ثقافة الاستهلاك: تعد الأضحية واحدةً من أروع الشعائر التي تقف ضد طغيان الاستهلاك، ففي العيد الذي قد يتحول عند البعض إلى موسم تسوقٍ وتفاخر، تأتي الأضحية لتذكِّرنا أن: • القيمة ليست في الكمِّ، بل في النية. • وأن البركة لا تأتي من كثرة المال، بل من الصدق في العطاء. • وأن الفرح لا يُشترى، بل يُصنع بمشاركة الخير. إنها دعوة سنوية لكل مسلم بأن يعود إلى جذوره، ويتذكر أن الإسلام ليس طقوسًا فقط، بل منهجُ حياةٍ شامل. خاتمة: في زمن الماديات، تصبح الأضحية أكثر من شعيرة... إنها وقفة مع الذات، ومراجعة للنية، وتمرين على العطاء، هي دعوة لتجديد العلاقة مع الله، ومع الناس، ومع النفس. فلا تجعل أضحيتك مجردَ لحمٍ يُوزَّع، بل اجعلها رسالةً حية من الإيمان والتجرد والتضحية، واذبح مع الأضحية كل ما يمنعك من القرب من الله، وابدأ بعدها حياة جديدة، بقلب أطهرَ، وروح أصفى، ونفسٍ أكثرَ عطاءً. الأضحية ليست فقط عبادة … بل ثورة روحية ضد أنانية النفس وطغيان الدنيا.
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |