تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         كتاب الصيام والحج من الدر المختار وحاشية ابن عابدين (رد المحتار) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 9 - عددالزوار : 10 )           »          كتاب الصيام من الدر المختار وحاشية ابن عابدين (رد المحتار) يوميا فى رمضان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 32 - عددالزوار : 75 )           »          شرح كتاب الحج من صحيح مسلم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 65 - عددالزوار : 52225 )           »          تعجيل الزكاة قبل وجوبها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 18 )           »          نسيان تكبيرة الإحرام! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 15 )           »          حُكم من حَنَثَ في اليمين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 15 )           »          كيفية أداء صلاة الفجر بعد الشروق (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 12 )           »          المعينات على حفظ العلم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 13 )           »          إقامة الصلاة للمُنفرد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 12 )           »          حكم وضوء من دهنت رأسها ومسحت عليه (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 12 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى القرآن الكريم والتفسير > هيا بنا نحفظ القرآن ونرضى الرحمن
التسجيل التعليمـــات التقويم

هيا بنا نحفظ القرآن ونرضى الرحمن قسم يختص بحفظ واستظهار كتاب الله عز وجل بالإضافة الى المسابقات القرآنية المنوعة

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
  #11  
قديم 20-07-2025, 08:40 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 162,186
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد

تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء السابع عشر
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الإسراء
الحلقة (951)
صــ 351 إلى صــ 360





حَسِبْتُ بُغامَ رَاحِلَتِي عنَاقا ... ومَا هِيَ وَيْبَ غيرِكِ بالعْنَاقِ (1)
يعني: حسبت بغام راحلتي صوت عناق، فحذف الصوت واكتفى منه بالعناق، فإن العرب تفعل ذلك فيما كان مفهوما مراد المتكلم منهم به من الكلام. فأما فيما لا دلالة عليه إلا بظهوره، ولا يوصل إلى معرفة مراد المتكلِّم إلا ببيانه، فإنها لا تحذف ذلك؛ ولا دلالة تدلّ على أن مراد الله من قوله (أسْرَى بِعَبْدِهِ) أسرى بروح عبده، بل الأدلة الواضحة، والأخبار المتتابعة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الله أسرى به على دابة يُقال لها البراق؛ ولو كان الإسراء بروحه لم تكن الروح محمولة على البراق، إذ كانت الدوابّ لا تحمل إلا الأجسام. إلا أن يقول قائل: إن معنى قولنا: أسرى روحه: رأى في المنام أنه أسرى بجسده على البراق، فيكذب حينئذ بمعنى الأخبار التي رُويت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أن جبرائيل حمله على البراق، لأن ذلك إذا كان مناما على قول قائل هذا القول، ولم تكن الروح عنده مما تركب الدوابّ، ولم يحمل على البراق جسم النبيّ صلى الله عليه وسلم، لم يكن النبيّ صلى الله عليه وسلم على قوله حُمل على البراق لا جسمه، ولا شيء منه، وصار الأمر عنده كبعض أحلام النائمين، وذلك دفع لظاهر التنزيل، وما تتابعت به الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجاءت به الآثار عن الأئمة من الصحابة والتابعين.
وقوله (الَّذِي بارَكْنا حَوْلَهُ) يقول تعالى ذكره: الذي جعلنا حوله البركة لسكانه في معايشهم وأقواتهم وحروثهم وغروسهم. وقوله (لِنُرَيَهُ مِنْ آياتِنا) يقول تعالى ذكره: كي نري عبدنا محمدا من آياتنا، يقول: من عبرنا وأدلتنا وحججنا، وذلك هو ما قد ذكرت في الأخبار التي رويتها آنفا، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أريه في طريقه إلى بيت المقدس، وبعد مصيره إليه من عجائب العبر والمواعظ.
(1)
البيت تقدم الاستشهاد به في (4: 92) من هذا التفسير، واستشهد به الفراء (في معاني القرآن 179) ولكنه لم يبين موضع الشاهد فيه كما بينه المؤلف هنا، وهو أن العرب قد تحذف المضاف وتقيم المضاف إليه مقامه، كما في البيت، إذ إنه يريد: حسبت بغام راحلتي صوت عناق.

كما حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله (لِنُرِيَهُ مِنْ آياتِنا) ما أراه الله من الآيات والعبر في طريق بيت المقدس.
وقوله (إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) يقول تعالى ذكره: إن الذي أسرى بعبده هو السميع لما يقول هؤلاء المشركون من أهل مكة في مسرى محمد صلى الله عليه وسلم من مكة إلى بيت المقدس، ولغير ذلك من قولهم وقول غيرهم، البصير بما يعملون من الأعمال، لا يخفى عليه شيء من ذلك، ولا يعزب عنه علم شيء منه، بل هو محيط بجميعه علما، ومحصيه عددا، وهو لهم بالمرصاد، ليجزي جميعهم بما هم أهله.
وكان بعض البصريين يقول: كسرت "إن" من قوله (إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) لأن معنى الكلام: قل يا محمد: سبحان الذي أسرى بعبده، وقل: إنه هو السميع البصير.
القول في تأويل قوله تعالى: {وَآتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ أَلا تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِي وَكِيلا (2) }
يقول تعالى ذكره: سبحان الذي أسرى بعبده ليلا وآتى موسى الكتاب، وردّ الكلام إلى (وآتَيْنا) وقد ابتدأ بقوله أسرى لما قد ذكرنا قبل فيما مضى من فعل العرب في نظائر ذلك من ابتداء الخبر بالخبر عن الغائب، ثم الرجوع إلى الخطاب وأشباهه. وعنى بالكتاب الذي أوتي موسى: التوراة (وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِبَنِي إسْرائِيلَ) يقول: وجعلنا الكتاب الذي هو التوراة بيانا للحقّ، ودليلا لهم على محجة الصواب فيما افترض عليهم، وأمرهم به، ونهاهم عنه.
وقوله (ألا تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِي وَكِيلا)
اختلفت القرّاء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قرّاء المدينة والكوفة (ألا تَتَّخِذُوا) بالتاء بمعنى: وآتينا موسى الكتاب بأن لا تتخذوا يا بني إسرائيل (مِنْ دُونِي وَكِيلا) . وقرأ ذلك بعض قرّاء البصرة (ألا يَتَّخِذُوا) بالياء على الخبر عن بني إسرائيل، بمعنى: وجعلناه هدى لبني إسرائيل، ألا يتَّخذ بنو إسرائيل من دوني وكيلا وهما قراءتان صحيحتا المعنى، متفقتان غير مختلفتين، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب الصواب، غير أني أوثر القراءة بالتاء، لأنها أشهر في القراءة وأشد استفاضة فيهم من القراءة بالياء. ومعنى
الكلام: وآتينا موسى الكتاب وجعلناه هدى لبني إسرائيل ألا تتخذوا حفيظا لكم سواي. وقد بينا معنى الوكيل فيما مضى. وكان مجاهد يقول: معناه في هذا الموضع: الشريك.
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله (ألا تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِي وَكِيلا) قال: شريكا.
وكأن مجاهدا جعل إقامة من أقام شيئا سوى الله مقامه شريكا منه له، ووكيلا للذي أقامه مقام الله.
وبنحو الذي قلنا في تأويل هذه الآية، قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله (وآتَيْنَا مُوسَى الكِتَابَ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِبَنِي إسْرَائِيل) جعله الله لهم هدى، يخرجهم من الظلمات إلى النور، وجعله رحمة لهم.
القول في تأويل قوله تعالى: {ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا (3) }
يقول تعالى ذكره: سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، وآتينا موسى الكتاب وجعلناه هدى لبني إسرائيل ذرية من حملنا مع نوح. وعنى بالذرية: جميع من احتجّ عليه جلّ ثناؤه بهذا القرآن من أجناس الأمم، عربهم وعجمهم من بني إسرائيل وغيرهم، وذلك أنّ كلّ من على الأرض من بني آدم، فهم من ذرية من حمله الله مع نوح في السفينة.
وبنحو الذي قلنا في ذلك، قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ) والناس كلهم ذرّية من أنجى الله في تلك السفينة، وذُكر لنا أنه ما نجا فيها يومئذ غير نوح وثلاثة بنين له، وامرأته وثلاث نسوة، وهم: سام، وحام، ويافث؛ فأما سام: فأبو العرب؛ وأما حام: فأبو الحبش (1) ؛ وأما يافث: فأبو الروم.
(1)
الحبش: ليسوا حاميين، وإنما هم فرع من الساميين ولغة. وأولاد حام هم الزنوج.

حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة (ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ) قال: بنوه ثلاثة ونساؤهم، ونوح وامرأته.
حدثنا ابن عبد الأعلى، قالا ثنا محمد بن ثور، عن معمر، قال: قال مجاهد: بنوه ونساؤهم ونوح، ولم تكن امرأته.
وقد بيَّنا في غير هذا الموضع فيما مضى بما أغنى عن إعادته.
وقوله (إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا) يعني بقوله تعالى ذكره: "إنه" إن نوحا، والهاء من ذكر نوح كان عبدا شكورا لله على نعمه.
وقد اختلف أهل التأويل في السبب الذي سماه الله من أجله شكورا، فقال بعضهم: سماه الله بذلك لأنه كان يحمد الله على طعامه إذا طعمه.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا يحيى وعبد الرحمن بن مهدي، قالا ثنا سفيان، عن التيمي، عن أبي عثمان، عن سلمان، قال: كان نوح إذا لبس ثوبا أو أكل طعاما حمد الله، فسمِّي عبدا شكورا.
حدثنا ابن بشار، قال: ثنا يحيى وعبد الرحمن، قالا ثنا سفيان عن أبي حصين، عن عبد الله بن سنان، عن سعيد بن مسعود بمثله.
حدثنا أبو كريب، قال: ثنا أبو بكر، عن أبي حصين، عن عبد الله بن سنان، عن سعيد بن مسعود قال: ما لبس نوح جديدا قطّ، ولا أكل طعاما قطّ إلا حمد الله فلذلك قال الله (عَبْدًا شَكُورًا) .
حدثنا محمد بن عبد الأعلى، قال: ثنا المعتمر بن سليمان، قال: ثني سفيان الثوري، قال: ثني أيوب، عن أبي عثمان النهدي، عن سلمان، قال: إنما سمي نوح عبدا شكورا أنه كان إذا لبس ثوبا حمد الله، وإذا أكل طعاما حمد الله.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد (ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ) من بني إسرائيل وغيرهم (إِنَّهُ كانَ عَبْدًا شَكُورًا) قال: إنه لم يجدّد ثوبا قطّ إلا حمد الله، ولم يبل ثوبا قطّ إلا حمد الله، وإذا شرب شربة حمد الله، قال: الحمد لله الذي سقانيها على شهوة ولذّة وصحة، وليس في تفسيرها، وإذا شرب شربة قال هذا، ولكن بلغني ذا.
حدثني القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثنا أبو فضالة، عن النضر بن شفي، عن عمران بن سليم، قال: إنما سمي نوح عبدا شكورا أنه كان إذا أكل الطعام قال: الحمد لله الذي أطعمني، ولو شاء أجاعني وإذا شرب قال: الحمد لله الذي سقاني، ولو شاء أظمأني، وإذا لبس ثوبا قال: الحمد لله الذي كساني، ولو شاء أعراني، وإذا لبس نعلا قال: الحمد لله الذي حذاني، ولو شاء أحفاني، وإذا قضى حاجة قال: الحمد لله الذي أخرج عني أذاه، ولو شاء حبسه.
وقال آخرون في ذلك بما حدثني به يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: ثني عبد الجبار بن عمر أن ابن أبي مريم حدّثه، قال: إنما سمى الله نوحا عبدا شكورا، أنه كان إذا خرج البراز منه قال: الحمد لله الذي سوّغنيك طيبا، وأخرج عنى أذاك، وأبقى منفعتك.
وقال آخرون في ذلك بما حدثنا به بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قال الله لنوح (إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا) ذكر لنا أنه لم يستجد ثوبا قطّ إلا حمد الله، وكان يأمر إذا استجدّ الرجل ثوبا أن يقول: الحمد لله الذي كساني ما أتجمَّل به، وأواري به عورتي.
حدثنا محمد بن عبد الأعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة (إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا) قال: كان إذا لبس ثوبا قال: الحمد لله، وإذا أخلقه قال: الحمد لله.
القول في تأويل قوله تعالى: {وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إسْرائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الأرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا (4) فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَفْعُولا (5) }
وقد بيَّنا فيما مضى قبل أن معنى القضاء: الفراغ من الشيء، ثم يستعمل في كلّ مفروغ منه، فتأويل الكلام في هذا الموضع: وفرغ ربك إلى بني إسرائيل فيما أنزل من كتابه على موسى صلوات الله وسلامه عليه بإعلامه إياهم، وإخباره
لهم (لَتُفْسِدُنَّ فِي الأرْضِ مَرَّتَيْنِ) يقول: لتعصنّ الله يا معشر بني إسرائيل ولتخالفنّ أمره في بلاده مرّتين (وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا) يقول: ولتستكبرنّ على الله باجترائكم عليه استكبارا شديدا.
وبنحو الذي قلنا في ذلك، قال أهل التأويل.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قول الله (وَقَضَيْنَا إلى بَنِي إسْرَائِيلَ) قال: أعلمناهم.
حدثني عليّ بن داود، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، في قوله (وَقَضَيْنَا إلى بَنِي إسْرَائِيلَ) يقول: أعلمناهم.
وقال آخرون: معنى ذلك: وقضينا على بني إسرائيل في أمّ الكتاب، وسابق علمه.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، (وَقَضَيْنَا إلى بَنِي إسْرَائِيلَ) قال: هو قضاء مضى عليهم.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سيعد، عن قتادة، قوله (وَقَضَيْنَا إلى بَنِي إسْرَائِيلَ) قضاء قضاه على القوم كما تسمعون.
وقال آخرون: معنى ذلك: أخبرنا.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحرث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله (وَقَضَيْنَا إلى بَنِي إسْرَائِيلَ فِي الكِتَابِ) قال: أخبرنا بني إسرائيل.
وكلّ هذه الأقوال تعود معانيها إلى ما قلت في معنى قوله (وَقَضَيْنا) وإن كان الذي اخترنا من التأويل فيه أشبه بالصواب لإجماع القرّاء على قراءة قوله (لَتُفِسُدَّن) بالتاء دون الياء، ولو كان معنى الكلام: وقضينا عليهم في الكتاب، لكانت القراءة بالياء أولى منها بالتاء، ولكن معناه لما كان أعلمناهم وأخبرناهم، وقلنا لهم: كانت التاء أشبه وأولى للمخاطبة.
وكان فساد بني إسرائيل في الأرض المرةّ الأولى ما حدثني به هارون، قال: ثنا عمرو بن حماد، قال: ثنا أسباط، عن السديّ في خبر ذكره عن
أبي صالح، وعن أبي مالك، عن ابن عباس، وعن مرّة، عن عبد الله أن الله عهد إلى بني إسرائيل في التوراة (لَتُفْسِدُنَّ فِي الأرْضِ مَرَّتَيْنِ) فكان أوّل الفسادين: قتل زكريا، فبعث الله عليهم ملك النبط، وكان يُدعى صحابين (1) فبعث الجنود، وكان أساورته من أهل فارس، فهم أولو بأس شديد، فتحصنت بنو إسرائيل، وخرج فيهم بختنصر يتيما مسكينا، إنما خرج يستطعم، وتلطف حتى دخل المدينة فأتى مجالسهم، فسمعهم يقولون: لو يعلم عدونا ما قُذف في قلوبنا من الرعب بذنوبنا ما أرادوا قتالنا، فخرج بختنصر حين سمع ذلك منهم، واشتد القيام على الجيش، فرجعوا، وذلك قول الله (فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَفْعُولا) ثم إن بني إسرائيل تجهَّزوا، فغزوا النبط، فأصابوا مهم واستنقذوا ما في أيديهم، فذلك قول الله (ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا) يقول: عددا.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد: كان إفسادهم الذي يفسدون في الأرض مرتين: قتل زكريا ويحيى بن زكريا، سلط الله عليهم سابور ذا الأكتاف ملكا من ملوك فارس، من قتل زكريا، وسلَّط عليهم بختنصر من قتل يحيى.
حدثنا عصام بن رواد بن الجراح، قال: ثنا أبي، قال: ثنا سفيان بن سعيد الثوري، قال: ثنا منصور بن المعتمر، عن ربعي بن حراش، قال: سمعت حُذيفة بن اليمان يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ بنِي إسْرَائِيلَ لَمَّا اعْتَدَوْا وَعَلَوْا، وقَتَلُوا الأنْبِيَاءَ، بَعَثَ الله عَلَيْهِمْ مَلِكَ فَارِسَ بُخْتَنَصَّر، وكانَ الله مَلَّكَهُ سَبْعَ مِئَة سَنةٍ، فسارِ إِلَيْهمْ حتى دَخَلَ بَيْتَ المَقْدِسِ فَحاصَرَهَا وَفَتَحَها، وَقَتَلَ عَلى دَمِ زَكَرِيَّا سَبْعينَ ألْفا، ثُمَّ سَبَى أهْلَها وبَنِي الأنْبِياء، وَسَلَبَ حُليَّ بَيْتِ المَقْدِسِ، وَاسْتَخْرَجَ مِنْها سَبْعِينَ ألْفا وَمِئَةَ ألْفِ عَجَلَةٍ مِنْ حُلَيٍّ حتى أوْرَدَهُ بابِلَ، قال حُذيفة: فقلت: يا رسول الله لقد كان بيت المقدس"
(1)
في تاريخ الطبري (ج 2 قسم أول ص 657 طبعة أوربة) : صيحانين، وفي بعض النسخ في هامشه، صحائين، وصيحابين، وسنحاريب، وفي 656 منه: صيحون، وفي رواية بهامشه عدة صور للتكملة.

عظيما عند الله؟ قال: أجَلْ بَناهُ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ مِنْ ذَهَبٍ وَدُرّ وَياقُوتٍ وَزَبَرْجَدٍ، وكانَ بَلاطُه بَلاطَةً مِنْ ذَهَب وَبَلاطَةً منْ فِضَّةٍ، وعُمُدُهُ ذَهَبا، أعْطاهُ الله ذلك، وسَخَّرَ لَهُ الشَّياطينَ يأْتُونَهُ بِهذِهِ الأشْياءِ فِي طَرْفَةِ عَيْنٍ، فَسارَ بُخْتَنَصَّر بهذِه الأشْياءِ حتى نزلَ بِها بابِلَ، فَأقامَ بَنُوا إسْرَائِيلَ في يَدَيهِ مِئَةَ سَنَةٍ تُعَذّبُهُمُ المَجُوسُ وأبْناءُ المَجُوسِ، فيهمُ الأنْبِياءُ وأبْناءُ الأنْبِياء، ثُمَّ إِنَّ الله رَحمَهُمْ، فأوْحَى إلى مَلِك مِنْ مُلُوكِ فارِس يُقالُ لَهُ كُورَسُ، وكانَ مُؤْمِنا، أَنْ سِرْ إلى بَقايا بَنِي إِسْرَائِيلَ حتى تَسْتَنْقذَهُمْ، فَسارَ كُورَسُ بِبَنِي إسْرَائِيلَ وحُليِّ بَيْتِ المَقْدِسِ حتى رَدَّهُ إِلَيْهِ، فَأقامَ بَنُو إسْرَائِيلَ مُطِيعينَ لله مِئَةَ سَنَةٍ، ثُمَّ إِنَّهُمْ عادُوا في المعَاصِي، فَسَلَّطَ الله عَلَيْهِمْ ابْطيانْحُوسَ (1) فَغَزَا بأبْناءِ مَنْ غَزَا مَعَ بُخْتَنَصَّر، فَغَزَا بَنِي إسْرَائِيلَ حتى أتاهُمْ بَيْتَ المَقْدِسِ، فَسَبى أهْلَها، وأحْرَقَ بَيْتَ المَقْدِسِ، وَقَالَ لَهُمْ: يا بَنِي إسْرَائِيلَ إنْ عُدْتُمْ فِي المعَاصِي عُدْنا عَلَيْكُمْ بالسِّباءِ، فَعادُوا فِي المعَاصِي، فَسَيَّر الله عَلَيْهِمُ السِّباء الثَّالِثَ مَلِكَ رُوميَّةَ، يُقالُ لَهُ قاقِسُ بْنُ إسْبايُوس، فَغَزَاهُم فِي البَرّ والبَحْرِ، فَسَباهُمْ وَسَبى حُلِيّ بَيْتِ المَقْدِسِ، وأحْرَقَ بَيْتَ المَقْدِسِ بالنِّيرَانِ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هذَا مِنْ صَنْعَةِ حُلِيّ بَيْتِ المَقْدِسِ، ويَرُدُّهُ المَهْدِيُّ إِلَى بَيْتِ المَقْدِسِ، وَهُوَ ألْفُ سَفِينَةٍ وسَبْعُ مِئَةِ سَفِينَةٍ، يُرْسَى بِها عَلى يافا حتى تُنْقَلَ إلى بَيْتَ المَقْدِسِ، وبِها يَجْمَعُ الله الأوَّلِينَ والآخِرِينَ "."
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، قال: ثني ابن إسحاق، قال: كان مما أنزل الله على موسى في خبره عن بني إسرائيل، وفي أحداثهم ما هم فاعلون بعده، فقال (وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إسْرائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الأرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا) .... إلى قوله (وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيرًا) فكانت بنو إسرائيل، وفيهم الأحداث والذنوب، وكان الله في ذلك متجاوزا عنهم، متعطفا عليهم محسنا إليهم، فكان مما أُنزل بهم في ذنوبهم ما كان قدَّم إليهم في الخبر على لسان موسى مما أنزل بهم في ذنوبهم، فكان أول ما أنزل بهم من تلك الوقائع، أن ملكا منهم كان يُدعى صديقة، وكان الله إذا ملَّك الملِك عليهم، بعث نبيا
(1)
في الدر المنثور للسيوطي (4: 165) : أبطانحوس.

يسدّده ويرشده، ويكون فيما بينه وبين الله، ويحدث إليه في أمرهم، لا ينزل عليهم الكتب، إنما يؤمرون باتباع التوراة والأحكام التي فيها، وينهونهم عن المعصية، ويدعونهم إلى ما تركوا من الطاعة؛ فلما ملك ذلك الملك، بعث الله معه شعياء بن أمُصيا (1) وذلك قبل مبعث زكريا ويحيى وعيسى وشعياء الذي بشَّر بعيسى ومحمد، فملك ذلك الملك بني إسرائيل وبيت المقدس زمانا؛ فلما انقضى ملكه عظمت فيهم الأحداث، وشعياء معه، بعث الله عليهم سنحاريب ملك بابل، ومعه ستّ مئة ألف راية، فأقبل سائرا حتى نزل نحو بيت المقدس، والملك مريض في ساقه قرحة، فجاء النبي شعياء، فقال له: يا ملك بني إسرائيل إن سنحاريب ملك بابل، قد نزل بك هو وجنوده ستّ مئة ألف راية، وقد هابهم الناس وفرّقوا منهم، فكبر ذلك على الملك، فقال: يا نبيّ الله هل أتاك وحي من الله فيما حدث، فتخبرنا به كيف يفعل الله بنا وبسنحاريب وجنوده، فقال له النبيّ عليه السلام: لم يأتني وحي أحدث إليّ في شأنك، فبيناهم على ذلك، أوحى الله إلى شعياء النبيّ: أن ائت ملك بني إسرائيل، فمره أن يوصي وصيته، ويستخلف على ملكه من شاء من أهل بيته. فأتى النبيّ شيعاء ملك بني إسرائيل صديقة، فقال له: إن ربك قد أوحى إليّ أن آمرك أن توصي وصيتك، وتستخلف من شئت على مُلكك من أهل بيتك، فإنك ميت؛ فلما قال ذلك شعياء لصديقة، أقبل على القبلة، فصلى وسبح ودعا وبكى، فقال وهو يبكي ويتضرّع إلى الله بقلب مخلص وتوكل وصبر وصدق وظنّ صادق، اللهمّ ربّ الأرباب، وإله الآلهة، قدُّوس المتقدسين، يا رحمن يا رحيم، المترحم الرءوف الذي لا تأخذه سنة ولا نوم، اذكرني بعملي وفعلي وحُسن قضائي على بني إسرائيل وذلك كله كان منك، فأنت أعلم به من نفسي؛ سرّي وعلانيتي لك، وإن الرحمن استجاب له وكان عبدا صالحا، فأوحى الله إلى شعياء أن يخبر صديقة الملك أن ربه قد استجاب له وقبل منه ورحمه، وقد رأى بكاءه، وقد أخَّر أجله خمس عشرة سنة، وأنجاه من عدوّه سنحاريب ملك بابل وجنوده، فأتى شعياء النبيّ إلى ذلك الملك فأخبره بذلك، فلما قال له ذلك ذهب عنه الوجع، وانقطع عنه الشرّ والحزن وخرّ ساجدا وقال: يا إلهي وإله آبائي، لك سجدت وسبَّحت وكرمت وعظمت، أنت الذي تعطي المُلك من تشاء، وتنزعه ممن تشاء، وتعزّ من تشاء، وتذلّ من تشاء، عالم الغيب والشهادة، أنت الأوّل والآخر، والظاهر والباطن، وأنت ترحم وتستجيب دعوة المضطرّين، أنت الذي أحببت دعوتي ورحمت تضرّعي؛ فلما رفع رأسه، أوحى الله إلى شعياء أن قل للملك صديقة فيأمر عبدا من عبيده بالتينة، فيأتيه بماء التين فيجعله على قرحته فيشفى، ويصبح وقد برأ، ففعل ذلك فشفي، وقال الملك لشعياء النبيّ: سل ربك أن يجعل لنا علما بما هو صانع بعدوّنا هذا، قال: فقال الله لشعياء النبيّ: قل له: إني قد كفيتك عدوّك، وأنجيتك منه، وإنهم سيصبحون موتى كلهم إلا سنحاريب وخمسة من كتابه؛ فلما أصبحوا جاءهم صارخ ينبئهم، فصرخ على باب المدينة: يا ملك بني إسرائيل، إن الله قد كفاك عدوّك فاخرج، فإن سنحاريب ومن معه قد هلكوا؛ فلما خرج الملك التمس سنحاريب، فلم يُوجد في الموتى، فبعث الملك في طلبه، فأدركه الطلب في مغارة وخمسة من كتابه، أحدهم بختنصر، فجعلوهم في الجوامع، ثم أتوا بهم ملك بني إسرائيل؛ فلما رآهم خرّ ساجدا من حين طلعت الشمس حتى كانت العصر، ثم قال لسنحاريب: كيف ترى فعل ربنا بكم؟ ألم يقتلكم بحوله وقوّته، ونحن وأنتم غافلون؟ فقال سنحاريب له: قد أتاني خبر ربكم، ونصره إياكم، ورحمته التي رحمكم بها قبل أن أخرج من بلادي، فلم أطع مرشدا، ولم يلقني في الشقوة إلا قلة عقلي، ولو سمعت أو عقلت ما غزوتكم، ولكن الشقوة غلبت عليّ وعلى من معي، فقال ملك بني إسرائيل: الحمد لله رب العزّة الذي كفاناكم بما شاء، إن ربنا لم يُبقك ومن معك لكرامة بك عليه، ولكنه إنما أبقاك ومن معك لما هو شرّ لك، لتزدادوا شقوة في الدنيا، وعذابا في الآخرة، ولتخبروا من وراءكم بما لقيتم من فعل ربنا، ولتنذروا من بعدكم، ولولا ذلك ما أبقاكم، فلدمُك ودم من معك أهون على الله من دم قراد لو قتلته، ثم إن ملك بني إسرائيل أمر أمير حرسه، فقذف في رقابهم الجوامع، وطاف بهم سبعين يوما حول بيت المقدس إيليا، وكان يرزقهم في كلّ يوم خبزتين من شعير لكل رجل منهم، فقال سنحاريب لملك بني إسرائيل: القتل خير مما يفعل بنا، فافعل ما أمرت، فنقل بهم الملك إلى سجن القتل، فأوحى الله إلى شعياء النبيّ أن قل لملك بني إسرائيل يرسل سنحاريب ومن معه لينذروا من وراءهم، وليكرمهم ويحملهم حتى يبلغوا بلادهم؛ فبلَّغ النبيّ شعياء الملك ذلك، ففعل، فخرج سنحاريب ومن معه حتى قدموا بابل؛ فلما قدموا جمع الناس فأخبرهم كيف فعل الله بجنوده، فقال له كهَّانه وسحرته: يا ملك بابل قد كنا نقصّ عليك خبر ربهم وخبر نبيهم، ووحي الله إلى نبيهم، فلم تطعنا، وهي أمَّة لا يستطيعها أحد مع ربهم، فكان أمر سنحاريب مما خوّفوا، ثم كفاهم الله تذكرة وعبرة، ثم لبث سنحاريب بعد ذلك سبع سنين، ثم مات.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: لما مات سنحاريب استخلف بختنصر ابن ابنه على ما كان عليه جدّه يعمل بعمله، ويقضي بقضائه، فلبث سبع عشرة سنة. ثم قبض الله ملك بني إسرائيل صديقة؛ فمرج أمر بني إسرائيل وتنافسوا المُلك، حتى قتل بعضهم بعضا عليه، ونبيهم شعياء معهم لا يذعنون إليه، ولا يقبلون منه؛ فلما فعلوا ذلك، قال الله فيما بلغنا لشعياء: قم في قومك أوح على لسانك؛ فلما قام النبيّ أنطق الله لسانه بالوحي فقال: يا سماء استمعي، ويا أرض أنصتي، فإن الله يريد أن يقصّ شأن بني إسرائيل الذين رباهم بنعمته، واصطفاهم لنفسه، وخصَّهم بكرامته، وفضلهم على عباده، وفضَّلهم بالكرامة، وهم كالغنم الضائعة التي لا راعي لها، فآوى شاردتها، وجمع ضالتها، وجبر كسيرها، وداوى مريضها، وأسمن مهزولها، وحفظ سمينها؛ فلما فعل ذلك بطرت، فتناطحت كباشها فقتل بعضها بعضا، حتى لم يبق منها عظم صحيح يجبر إليه آخر كسير، فويل لهذه الأمة الخاطئة، وويل لهؤلاء القوم الخاطئين الذين لا يدرون أين جاءهم الحين. إن البعير ربما يذكر وطنه فينتابه، وإن الحمار ربما يذكر الآريّ الذي شبع عليه فيراجعه، وإن الثور ربما يذكر المرج الذي سمن فيه فينتابه، وإن هؤلاء القوم لا يدرون من حيث جاءهم الحين، وهم أولو الألباب والعقول، ليسوا ببقر ولا حمير، وإني ضارب لهم مثلا فليسمعوه: قل لهم: كيف ترون في أرض كانت خواء زمانا، خربة مواتا لا عمران فيها، وكان لها ربّ حكيم قويّ، فأقبل عليها بالعمارة، وكره أن تخرب أرضه وهو قويّ، أو يقال ضيع وهو حكيم، فأحاط عليها جدارا،
(1)
اسمه في الكتاب المقدس: إشعياء بن آموص. وانظر خبر النبي شعياء في تاريخ الطبري (2 قسم أول 639) طبعة أوربة.

وشيَّد فيها قصرا، وأنبط فيها نهرا، وصفّ فيها غراسا من الزيتون والرمان والنخيل والأعناب، وألوان الثمار كلها، وولى ذلك واستحفظه فيما ذا رأي وهمّة، حفيظا قويا أمينا، وتأنى طلعها وانتظرها؛ فلما أطلعت جاء طلعها خروبا، قالوا: بئست الأرض هذه، نرى أن يهدم جدرانها وقصرها، ويدفن نهرها، ويقبض قيمها، ويحرق غراسها حتى تصير كما كانت أوّل مرّة، خربة مواتا لا عمران فيها، قال الله لهم: فإن الجدار ذمتي، وإن القصر شريعتي، وإن النهر كتابي، وإن القِّيم نبيي، وإن الغراس هم، وإن الخروب الذي أطلع الغراس أعمالهم الخبيثة، وإني قد قضيت عليهم قضاءهم على أنفسهم، وإنه مثَلٌ ضربه الله لهم يتقرّبون إليّ بذبح البقر والغنم، وليس ينالني اللحم ولا آكله، ويدّعون أن يتقرّبوا بالتقوى والكفّ عن ذبح الأنفس التي حرمتها، فأيديهم مخضوبة منها، وثيابهم متزملة بدمائها، يشيدون لي البيوت مساجد، ويطهرون أجوافها، وينجسون قلوبهم وأجسامهم ويدنسونها، ويزوّقون لي البيوت والمساجد ويزينونها، ويخرّبون عقولهم وأحلامهم ويفسدونها، فأيّ حاجة لي إلى تشييد البيوت ولست أسكنها، وأيّ حاجة إلى تزويق المساجد ولست أدخلها، إنما أمرت برفعها لأذكر فيها وأسبح فيها، ولتكون معلما لمن أراد أن يصلي فيها، يقولون: لو كان الله يقدر على أن يجمع ألفتنا لجمعها، ولو كان الله يقدر على أن يفقِّه قلوبنا لأفقهها، فاعمد إلى عودين يابسين، ثم ائت بهما ناديهما في أجمع ما يكونون، فقل للعودين: إن الله يأمركما أن تكونا عودا واحدا، فلما قال لهما ذلك، اختلطا فصارا واحدا، فقال الله: قل لهم: إني قدرت على ألفة العيدان اليابسة وعلى أن أولِّف بينها، فكيف لا أقدر على أن أجمع ألفتهم إن شئت، أم كيف لا أقدر على أن أفقِّه قلوبهم، وأنا الذي صوّرتها؛ يقولون: صمنا فلم يرفع صيامنا، وصلَّينا فلم تنوّر صلاتنا، وتصدّقنا فلم تزكّ صدقاتنا، ودعونا بمثل حنين الحمام، وبكينا بمثل عواء الذئب، في كلّ ذلك لا نسمع، ولا يُستجاب لنا؛ قال الله: فسلهم ما الذي يمنعني أن أستجيب لهم، ألست أسمع السامعين، وأبصر الناظرين، وأقرب المجيبين، وأرحم الراحمين؟ ألأنّ ذات يدي قلت، كيف ويداي مبسوطتان بالخير، أنفق كيف أشاء، ومفاتيح الخزائن عندي لا يفتحها ولا يغلقها غيري، ألا وإن رحمتي وسعت كلّ شيء، إنما يتراحم المتراحمون بفضلها؛ أو لأن البخل يعتريني، أو لست أكرم الأكرمين والفتاح بالخيرات، أجود من أعطى، وأكرم من سُئل؛ لو أنّ هؤلاء القوم نظروا لأنفسهم بالحكمة التي نوّرت في قلوبهم فنبذوها، واشتروا بها الدنيا، إذن لأبصروا من حيث أتوا، وإذن لأيقنوا أن أنفسهم هي أعدى العداة لهم، فكيف أرفع صيامهم وهم يلبسونه بقول الزور، ويتقوّون عليه بطعمة الحرام، وكيف أنوّر صلاتهم، وقلوبهم صاغية إلى من يحاربني ويحادّني، وينتهك محارمي، أم كيف تزكو عندي صدقاتهم وهم يتصدّقون بأموال غيرهم، أو جر عليها أهلها المغصوبين، أم كيف أستجيب لهم دعاءهم وإنما هو قول بألسنتهم والفعل من ذلك بعيد، وإنما أستجيب للداعي اللين، وإنما أسمع من قول المستضعف المسكين، وإن من علامة رضاي رضا المساكين، فلو رحموا المساكين، وقرّبوا الضعفاء، وأنصفوا المظلوم، ونصروا المغصوب، وعدلوا للغائب، وأدّوا إلى الأرملة واليتيم والمسكين، وكلّ ذي حقّ حقه، ثم لو كان ينبغي أن أكلم البشر إذن لكلمتهم، وإذن لكنت نور أبصارهم، وسمع آذانهم، ومعقول قلوبهم، وإذن لدعمت أركانهم، فكنت قوّة أيديهم وأرجلهم، وإذن لثبَّت ألسنتهم وعقولهم، يقولون لمَّا سمعوا كلامي، وبلغتهم رسالاتي بأنها أقاويل منقولة، وأحاديث متوارثة، وتآليف مما تؤلف السحرة والكهنة، وزعموا أنهم لو شاءوا أن يأتوا بحديث مثله فعلوا، وأن يطلعوا على الغيب بما توحي إليهم الشياطين طلعوا، وكلهم يستخفي بالذي يقول ويسرّ، وهم يعلمون أني أعلم غيب السماوات والأرض، وأعلم ما يبدون وما يكتمون، وإني قد قضيت يوم خلقت السماوات والأرض قضاء أثبته على نفسي، وجعلت دونه أجلا مؤجلا لا بدّ أنه واقع، فإن صدقوا بما ينتحلون من علم الغيب، فليخبروك متى أنفذه، أو في أيّ زمان يكون





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 15 ( الأعضاء 0 والزوار 15)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 1,742.22 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 1,740.50 كيلو بايت... تم توفير 1.72 كيلو بايت...بمعدل (0.10%)]