|
هيا بنا نحفظ القرآن ونرضى الرحمن قسم يختص بحفظ واستظهار كتاب الله عز وجل بالإضافة الى المسابقات القرآنية المنوعة |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#11
|
||||
|
||||
![]() ![]() تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن الإمام محمد بن جرير الطبري الجزء التاسع عشر تَفْسِيرِ سُّورَةِ المؤمنون الحلقة (1051) صــ 11 إلى صــ 20 *ذكر من قال ذلك: حدثنا محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إِلا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ) يقول: رضي الله لهم إتيانهم أزواجهم، وما ملكت أيمانهم. وقوله: (فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ) يقول: فمن التمس لفرجه مَنكَحًا سوى زوجته، وملك يمينه، (فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ) يقول: فهم العادون حدود الله، المجاوزون ما أحل الله لهم إلى ما حَرّم عليهم. وبنحو الذي قلنا في ذلك، قال أهل التأويل. *ذكر من قال ذلك: حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قال: نهاهم الله نهيا شديدا، فقال: (فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ) فسمى الزاني من العادين. حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: (فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ) قال: الذين يتعدّون الحلال إلى الحرام. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن عطاء، عن أبي عبد الرحمن، في قوله: (فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ) قال: من زنى فهو عاد. القول في تأويل قوله تعالى: {وَالَّذِينَ هُمْ لأمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ (8) وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ (9) أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ (10) } يقول تعالى ذكره: (وَالَّذِينَ هُمْ لأمَانَاتِهِمْ) التي ائتمنوا عليها (وَعَهْدِهِمْ) وهو عقودهم التي عاقدوا الناس (رَاعُونَ) يقول: حافظون لا يضيعون، ولكنهم يوفون بذلك كله. واختلفت القرّاء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قرّاء الأمصار إلا ابن كثير: (وَالَّذِينَ هُمْ لأمَانَاتِهِمْ) على الجمع. وقرأ ذلك ابن كثير: "لأمانَتِهِم" على الواحدة. والصواب من القراءة في ذلك عندنا: (لأمَانَاتِهِمْ) لإجماع الحجة من القراء عليها. وقوله: (وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ) يقول: والذين هم على أوقات صلاتهم يحافظون، فلا يضيعونها ولا يشتغلون عنها حتى تفوتهم، ولكنهم يراعونها حتى يؤدوها فيها. وبنحو الذي قلنا في ذلك، قال أهل التأويل. *ذكر من قال ذلك: حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن الأعمش، عن أبي الضحى، عن مسروق: (وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ) قال: على وقتها. حدثني أبو السائب، قال: ثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن مسلم، عن مسروق (وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ) على ميقاتها. حدثنا ابن عبد الرحمن البرقي، قال: ثنا ابن أبي مريم، قال: أخبرنا يحيى بن أيوب، قال: أخبرنا ابن زَحر، عن الأعمش، عن مسلم بن صبيح. قال: (وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ) قال: أقام الصلاة لوقتها. وقال آخرون: بل معنى ذلك: على صلواتهم دائمون. *ذكر من قال ذلك: حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن منصور، عن إبراهيم: (عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ) قال: دائمون، قال: يعني بها المكتوبة. وقوله: (أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ) يقول تعالى ذكره: هؤلاء الذين هذه صفتهم في الدنيا، هم الوارثون يوم القيامة منازل أهل النار من الجنة. وبنحو الذي قلنا في ذلك، روي الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتأوله أهل التأويل. *ذكر الرواية بذلك: حدثني أبو السائب، قال: ثنا أبو معاوية، عن الأعمش. عن أبي صالح، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إلا وَلَهُ مَنزلانِ: مَنزل فِي الجَنَّةِ، ومَنزلٌ فِي النَّارِ، وَإنْ ماتَ وَدَخَل النَّارَ وَرِثَ أهْلُ الجَنَّةِ مَنزلَهُ" فذلك قوله: (أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ) . حدثنا الحسن بن يحيى، قال: ثنا عبد الرّزاق، قال: أخبرنا معمر، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، في قوله، (أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ) قال: يرثون مساكنهم، ومساكن إخوانهم التي أعدّت لهم لو أطاعوا الله. حدثني ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر. عن الأعمش، عن أبي هريرة، (أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ) قال: يرثون مساكنهم، ومساكن إخوانهم الذين أعدت لهم لو أطاعوا الله. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جُرَيج، قال: الوارثون الجنة أورثتموها، والجنة التي نورث من عبادنا هن سواء، قال ابن جريج: قال مجاهد: يرث الذي من أهل الجنة أهله وأهل غيره، ومنزل الذين من أهل النار، هم يرثون أهل النار، فلهم منزلان في الجنة وأهلان، وذلك أنه منزل في الجنة، ومنزل في النار، فأما المؤمن فَيَبْنِي منزله الذي في الجنة، ويهدم منزله في النار. وأما الكافر فيهدم منزله الذي في الجنة. ويبني منزله الذي في النار. قال ابن جريج: عن ليث بن أبي سليم، عن مجاهد، أنه قال مثل ذلك. القول في تأويل قوله تعالى: {الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (11) } يقول تعالى ذكره: (الَّذِينَ يَرِثُونَ) البستان ذا الكرم، وهو الفردوس عند العرب. وكان مجاهد يقول: هو بالرومية. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جُرَيج، عن مجاهد، في قوله: (الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ) قال: الفردوس: بستان بالرومية. قال: ثني حجاج، عن ابن جُرَيج، عن مجاهد، قال: عدن حديقة في الجنة، قصرها فيها عدنها، خلقها بيده، تفتح كل فجر فينظر فيها، ثم يقول: (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ) ، قال: هي الفردوس أيضا تلك الحديقة، قال مجاهد: غرسها الله بيده، فلما بلغت قال: (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ) ثم أمر بها تغلق، فلا ينظر فيها خلق ولا ملك مقرب، ثم تفتح كل سحر، فينظر فيها فيقول: (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ) ثم تغلق إلى مثلها. حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، قال: قتل حارثة بن سُراقة يوم بدر، فقالت أمه: يا رسول الله، إن كان ابني من أهل الجنة؛ لم أبك عليه، وإن كان من أهل النار؛ بالغت في البكاء. قال: "يا أُمَّ حارِثَةَ، إنَّها جَنَّتان في جَنَّةٍ، وإنَّ ابْنَكِ قَدْ أصابَ الْفِردوْس الأعلى من الجَنَّةِ" . حدثنا الحسن، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة، مثله. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني أبو سفيان، عن معمر، عن قتادة، عن كعب قال: خلق الله بيده جنة الفردوس، غرسها بيده. ثم قال: تكلمي، قالت: (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ) . قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن حسام بن مصك، عن قتادة أيضا، مثله. غير أنه قال: تكلمي، قالت: طوبى للمتَّقين. قال: ثنا الحسين، قال: ثنا محمد بن يزيد، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن أبي داود نفيع، قال: لما خلقها الله، قال لها: تزيني؛ فتزينت، ثم قال لها: تكلمي؛ فقالت: طوبى لمن رضيتَ عنه. وقوله: (هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) يعني ماكثون فيها، يقول: هؤلاء الذين يرثون الفردوس خالدون، يعني ماكثون فيها أبدًا، لا يتحوّلون عنها. القول في تأويل قوله تعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإنْسَانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ (12) } يقول تعالى ذكره: (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإنْسَانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ) أسللناه منه، فالسلالة: هي المستلة من كلّ تربة، ولذلك كان آدم خلق من تربة أخذت من أديم الأرض. وبنحو الذي قلنا في ذلك، قال أهل التأويل على اختلاف منهم في المعني بالإنسان في هذا الموضع، فقال بعضهم: عنى به آدم. * ذكر من قال ذلك: حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قَتَادة: (مِنْ طِينٍ) قال: استلّ آدم من الطين. حدثنا الحسن، قال: أخبرنا عبد الرزاق، عن معمر، عن قتادة، في قوله: (مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ) قال: استلّ آدم من طين، وخُلقت ذرّيته من ماء مهين. وقال آخرون: بل معنى ذلك: ولقد خلقنا ولد آدم، وهو الإنسان الذي ذكر في هذا الموضع، من سلالة، وهي النطفة التي استلَّت من ظهر الفحل من طين، وهو آدم الذي خُلق من طين. *ذكر من قال ذلك: حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن المنهال بن عمرو، عن أبي يحيى، عن ابن عباس: (مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ) قال: صفوة الماء. حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله: (مِنْ سُلالَةٍ) من منيّ آدم. حدثنا القاسم. قال: ثنا الحسين. قال: ثني حجاج، عن ابن جُرَيج، عن مجاهد، مثله. وأولى القولين في ذلك بالصواب قول من قال: معناه: ولقد خلقنا ابن آدم من سُلالة آدم، وهي صفة مائه، وآدم هو الطين؛ لأنه خُلق منه. وإنما قلنا ذلك أولى التأويلين بالآية؛ لدلالة قوله: (ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ) على أن ذلك كذلك؛ لأنه معلوم أنه لم يصر في قرار مكين إلا بعد خلقه في صلب الفحل، ومن بعد تحوّله من صلبه صار في قرار مكين؛ والعرب تسمي ولد الرجل ونطفته: سليله وسلالته. لأنهما مسلولان منه، ومن السُّلالة قول بعضهم: حَمَلتْ بِهِ عَضْبَ الأدِيمِ غَضَنفرًا ... سُلالَةَ فَرجٍ كان غيرَ حَصِين (1) وقول الآخر: وَهَلْ كُنْتُ إلا مُهْرَةً عَرَبِيَّةً ... سُلالَةَ أفْراسٍ تجَللها بَغْلُ (2) فمن قال: سلالة جمعها سلالات، وربما جمعوها سلائل، وليس بالكثير. لأن السلائل جمع للسليل، ومنه قول بعضهم: إذا أُنْتِجَتْ مِنْها المَهارَى تَشابَهَتْ ... عَلى القَوْد إلا بالأنُوفِ سَلائلُهْ (3) (1) البيت لحسان بن ثابت (اللسان: سلل) وفيه: فجاءت في موضع حملت. وهو شاهد على أن السلالة بمعنى نطفة الإنسان، وسلالة الشيء: ما استل من. واستشهد به المؤلف على أن العرب تسمي ولد الرجل ونطفته: سلالة. وفي اللسان: وقال الفراء: السلالة الذي سل من كل تربة. وقال أبو الهيثم: السلالة: ما سل من صلب الرجل وترائب المرأة، كما يسل الشيء سلا. والسليل: الولد حين يخرج من بطن أمه، لأنه خلق من السلالة. وعن عكرمة أنه قال في السلالة: إنه الماء يسل من الظهر سلا. وعضب الأديم: غليظ الجلد، ولعله يريد وصفه بالشدة والقسوة. ولم أجد هذا التعبير في معاجم اللغة، ووجدته في حاشية جانبية على نسخة مصورة من مجاز القران محفوظة بمكتبة جامعة القاهرة، رقمها26059 عند تفسير قوله تعالى: {ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين} . (2) البيت لهند بنت النعمان (اللسان: سلل) . وروايته: "وما هند إلا مهرة" . وهو شاهد على أن السليل الولد، والأنثى سليلة، قال أبو عمرو: السليلة بنت الرجل من صلبه. وتجللها: علاها. والمراد بالبغل هنا: الرجل الشبيه بالبغل والبغل مذموم عند العرب. وفي اللسان: سلل: قال ابن بري: وذكر بعضهم أنها تصحيف، وأن صوابه "نغل" بالنون، وهو الخسيس من الناس والدواب، لأن البغل لا ينسل. وقال ابن شميل: يقال للإنسان أول ما تضعه أمه: سليل. والسليل والسليلة: المهر والمهرة. (3) لم أجد هذا البيت في معاني القرآن للفراء ولا في مجاز القرآن لأبي عبيدة، ولا في شواهد معاجم اللغة. وهو شاهد على أن السلائل جمع سلالة، وقد شرحنا معناها في الشاهدين السابقين بما أغنى عن تكراره هنا. وقول الراجز: يَقْذِفْنَ فِي أسْلابِها بالسَّلائِلِ (1) القول في تأويل قوله تعالى: {ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ (13) ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ (14) } يعني تعالى ذكره بقوله: (ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ) ثم جعلنا الإنسان الذي جعلناه من سلالة من طين نطفة في قرار مكين، وهو حيث استقرّت فيه نطفة الرجل من رحم المرأة، ووصفه بأنه مكين؛ لأنه مكن لذلك، وهيأ له ليستقرّ فيه إلى بلوغ أمره الذي جعله له قرارا. وقوله: (ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً) يقول: ثم صيرنا النطفة التي جعلناها في قرار مكين علقة، وهي القطعة من الدم، (فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً) يقول: فجعلنا ذلك الدم مضغة، وهي القطعة من اللحم. وقوله: (فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا) يقول: فجعلنا تلك المضغة اللحم عظاما. وقد اختلفت القرّاء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قرّاء الحجاز والعراق سوى عاصم: (فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا) على الجمع، وكان عاصم وعبد الله يقرآن ذلك: (عَظْما) في الحرفين على التوحيد جميعا. (1) كذا ورد هذا الشطر في الأصول محرفًا وحسبه المؤلف من الرجز، ويلوح لي أن هذا جزء من بيت للنابغة الذبياني نسخه بعض النساخ في بعض الكتب، ولم يفطن له المؤلف. وبيت النابغة من البحر الطويل، وهو من قصيدة له يصف الخيل في وقعة عمرو بن الحارث الأصغر الغساني ببني مرة بن عوف بن سعد بن ذبيان، قال فيها: وَقَدْ خِفْتُ حتى مَا تَزِيدُ مَخَافَتِي ... عَلى وَعِلٍ فِي ذِي المَطَارَةِ عَاقِلِ مَخَافَةَ عَمْرٍو أَنْ تَكُونَ جِيَادُهُ ... يُقَدْنَ إِلَيْنَا بَيْنَ حَافٍ وَنَاعِلِ إِذَا اسْتَعْجَلُوهَا عَنْ سَجِيَّةِ مَشْيِهَا ... تَتَلَّعُ فِي أَعْنَاقِهَا بِالجَحَافِلِ وَيَقْذِفْنَ بِالأَوْلادِ فِي كُلِّ مَنْزِلٍ ... تَشَحَّطُ فِي أسْلائِهَا كَالْوَصَائِلِ وهذا البيت الأخير هو محل الشاهد في بحثنا وليس فيه شاهد للمؤلف على السلائل جمع السلالة، لأنها لم تذكر في البيت ولا في القصيدة كلها. وأصل تشحط: تتشحط، أي تضطرب يريد أولاد الخيل. والسلى: الجلدة التي يكون فيها الولد من الإنسان أو الحيوان إذا ولد. الوصائل الثياب الحمر المخططة. والمراد أن الأسلاب كانت موشحة بالدم، وانظر البيت في (اللسان: شحط) وفي المخصص. لابن سيده (1: 17) ومختار الشعر الجاهلي بشرح مصطفى السقا (طبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده بالقاهرة ص 211) . والقراءة التي نختار في ذلك الجمع؛ لإجماع الحجة من القراء عليه. وقوله: (فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا) يقول: فألبسنا العظام لحما. وقد ذكر أن ذلك في قراءة عبد الله: (ثُمَّ خَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عَظْما) وعصبا، فكسوناه لحما. وقوله: (ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ) يقول: ثم أنشأنا هذا الإنسان خلقا آخر. وهذه الهاء التي في: (أَنْشَأْنَاهُ) عائدة على الإنسان في قوله: (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإنْسَانَ) قد يجوز أن تكون من ذكر العظم والنطفة والمضغة، جعل ذلك كله كالشيء الواحد. فقيل: ثم أنشأنا ذلك خلقا آخر. واختلف أهل التأويل في تأويل قوله: (ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ) فقال بعضهم: إنشاؤه إياه خلقا آخر: نفخه الروح فيه؛ فيصير حينئذ إنسانا، وكان قبل ذلك صورة. *ذكر من قال ذلك: حدثنا يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا هشيم، قال: أخبرنا حجاج، عن عطاء، عن ابن عباس في قوله: (ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ) قال: نفخ فيه الروح. حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا هشيم عن الحجاج بن أرطأة، عن عطاء، عن ابن عباس، بمثله. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جُرَيج، قال: قال ابن عباس: (ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ) قال: الروح. حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن عبد الرحمن بن الأصبهاني، عن عكرمة، في قوله: (ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ) قال: نفخ فيه الروح. حدثنا ابن بشار وابن المثنى، قالا ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سلمة، عن داود بن أبي هند، عن الشعبي: (ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ) قال: نفخ فيه الروح. قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن منصور، عن مجاهد، بمثله. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن أبي جعفر، عن الربيع، عن أبي العالية، في قوله: (ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ) قال: نفخ فيه الروح، فهو الخلق الآخر الذي ذكر. حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول، في قوله: (ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا) يعني الروح تنفخ فيه بعد الخلق. حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: (ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ) قال: الروح الذي جعله فيه. وقال آخرون: إنشاؤه خلقا آخر، تصريفه إياه في الأحوال بعد الولادة في الطفولة والكهولة، والاغتذاء، ونبات الشعر والسنّ، ونحو ذلك من أحوال الأحياء في الدنيا. *ذكر من قال ذلك: حدثني محمد بن سعد، قال: ثنا أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: (ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ) يقول: خرج من بطن أمه بعد ما خلق، فكان من بدء خلقه الآخر أن استهل، ثم كان من خلقه أن دُلّ على ثدي أمه، ثم كان من خلقه أن علم كيف يبسط رجليه إلى أن قعد، إلى أن حبا، إلى أن قام على رجليه، إلى أن مشى، إلى أن فطم، فعلم كيف يشرب ويأكل من الطعام، إلى أن بلغ الحلم، إلى أن بلغ أن يتقلب في البلاد. حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: (ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ) قال: يقول بعضهم: هو نبات الشعر، وبعضهم يقول: هو نفخ الروح. حدثنا الحسن، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة، مثله. حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك: (ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ) قال: يقال الخلق الآخر بعد خروجه من بطن أمه بسنه وشعره. وقال آخرون: بل عنى بإنشائه خلقا آخر: سوَّى شبابه. *ذكر من قال ذلك: حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: (ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ) قال: حين استوى شبابه. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جُرَيج، قال: قال مجاهد: حين استوى به الشباب. وأولى الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال: عنى بذلك نفخ الروح فيه، وذلك أنه بنفخ الروح فيه يتحول خلقا آخر إنسانا، وكان قبل ذلك بالأحوال التي وصفه الله أنه كان بها، من نطفة وعلقة ومضغة وعظم وبنفخ الروح فيه، يتحوّل عن تلك المعاني كلها إلى معنى الإنسانية، كما تحوّل أبوه آدم بنفخ الروح في الطينة التي خلق منها إنسانا، وخلقا آخر غير الطين الذي خلق منه. وقوله: (فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ) اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك، فقال بعضهم: معناه فتبارك الله أحسن الصانعين. *ذكر من قال ذلك: حدثنا ابن حميد، قال: ثنا حكام، عن عنبسة، عن ليث، عن مجاهد: (فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ) قال: يصنعون ويصنع الله، والله خير الصانعين. وقال آخرون: إنما قيل: (فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ) لأن عيسى ابن مريم كان يخلق، فأخبر جل ثناؤه عن نفسه أنه يخلق أحسن مما كان يخلق. *ذكر من قال ذلك: حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، قال: قال ابن جُرَيج، في قوله: (فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ) قال: عيسى ابن مريم يخلق. وأولى القولين في ذلك بالصواب قول مجاهد؛ لأن العرب تسمي كل صانع خالقا، ومنه قول زهير: وَلأنْتَ تَفْرِي ما خَلَقْتَ وَبَعْ ... ضُ القَوْمِ يخْلُقُ ثمَّ لا يَفْرِي (1) ويروى: ولأنْت تخْلُقُ ما فَريت وَبَعْ ... ضُ القَوْمِ يخْلُقُ ثُمَّ لا يَفْرِي القول في تأويل قوله تعالى: {ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ (15) ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ (16) } يقول تعالى ذكره: ثم إنكم أيها الناس من بعد إنشائكم خلقا آخر وتصييرناكم إنسانا سويا ميتون وعائدون ترابا كما كنتم، ثم إنكم بعد موتكم وعودكم رفاتا باليا، مبعوثون من التراب خلقا جديدا، كما بدأناكم أوّل مرّة. وإنما قيل: (ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ) ؛ لأنه خبر عن حال لهم يحدث لم يكن. وكذلك تقول العرب لمن لم يمت: هو مائت وميت عن قليل، ولا يقولون لمن قد مات مائت، وكذلك هو طمع فيما عندك إذا وصف (1) البيت لزهير بن أبي سلمى يمدح رجلا (اللسان: خلق) يقول: أنت إذا قدرت أمرا قطعته وأمضيته، وغيرك يقدر ما لا يقطعه، لأنه ليس بماض العزم وأنت مضاء على ما عزمت عليه. والخلق: التقدير، يقال: خلق الأديم يخلقه خلقًا: قدره لما يريد قبل القطع، وقاسه ليقطع منه مزادة أو قربة أو خفا. ولذلك سمت العرب كل صانع كالنجار والخياط ونحوهما خالقًا، لأنه يقيس الخشب ويقدره على ما يريده له. والفري: القطع بعد التقدير، وقد يكون قبله، بأن يقطع قطعة من جلد أو ثوب قطعًا مقاربًا، ثم يصلحها ويسويها بالحساب والتقدير، على ما يريده ولذلك جاءت رواية أخرى في البيت: ولأنت تخلق ما فريت ... إلخ. بالطمع، فإذا أخبر عنه أنه سيفعل ولم يفعل قيل: هو طامع فيما عندك غدا، وكذلك ذلك في كلّ ما كان نظيرا لما ذكرناه. القول في تأويل قوله تعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرَائِقَ وَمَا كُنَّا عَنِ الْخَلْقِ غَافِلِينَ (17) } يقول تعالى ذكره: ولقد خلقنا فوقكم أيها الناس سبع سموات، بعضهن فوق بعض، والعرب تسمي كل شيء فوق شيء طريقة. وإنما قيل للسموات السبع سبع طرائق؛ لأن بعضهنّ فوق بعض، فكلّ سماء منهنّ طريقة. وبنحو الذي قلنا في تأويل ذلك قال أهل التأويل. *ذكر من قال ذلك: حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قول الله: (وَلَقَدْ خَلَقْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرَائِقَ) قال: الطرائق: السموات. وقوله: (وَمَا كُنَّا عَنِ الْخَلْقِ غَافِلِينَ) يقول: وما كنا في خلقنا السموات السبع فوقكم، عن خلقنا الذي تحتها غافلين، بل كنا لهم حافظين من أن تسقط عليهم فتهلكهم. القول في تأويل قوله تعالى: {وَأَنزلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الأرْضِ وَإِنَّا عَلَى ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ (18) } يقول تعالى ذكره: وأنزلنا من السماء ما في الأرض من ماء فأسكناه فيها. كما: حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جُرَيج: (وَأَنزلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الأرْضِ) ماء هو من السماء. وقوله: (وَإِنَّا عَلَى ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ) يقول جل ثناؤه: وإنا على الماء الذي أسكناه في الأرض لقادرون أن نذهب به، فتهلكوا أيها الناس عطشا، وتخرب أرضوكم، فلا تنبت زرعا ولا غرسا، وتهلك مواشيكم، يقول: فمن نعمتي عليكم تركي ذلك لكم في الأرض جاريا. القول في تأويل قوله تعالى: {فَأَنْشَأْنَا لَكُمْ بِهِ جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ لَكُمْ فِيهَا فَوَاكِهُ كَثِيرَةٌ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ (19) } يقول تعالى ذكره: فأحدثنا لكم بالماء الذي أنزلناه من السماء بساتين من نخيل وأعناب ![]()
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 154 ( الأعضاء 0 والزوار 154) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |