|
الملتقى الاسلامي العام مواضيع تهتم بالقضايا الاسلامية على مذهب اهل السنة والجماعة |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
|||
|
|||
![]() بالعدل قامت السماوات والأرض، وللعدل أُنزلت الكتب، وأُرسلتِ الرسل، ووُضِع الميزان، وعلى العدل مدار الشريعة ومبناها؛ كما قال جل جلاله: ( وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ). وما من إنسانٍ إلاّ وينشُدُ لنفسه العدل والإنصاف، ويكرهُ لها الظلمَ والبغي، ولكن كم هم أولئك الذين ينصفون غيرَهم من أنفسهم؛ كما ينصفونها من غيرهم؟ وكم هم أولئك الذين يكرهون من نفوسهم ظلمَها لغيرها؛ ككرههم لظلمِ غيرها لها؟! لو فقه المسلمون منـزلة العدل من الدين ومقاصده لكان قيامُهم به والتزامُهم بميزانه في أول ما يظهر من تدينهم وتوبتهم؛ فلا يُرَون إلاّ عادلين منصفين قوّامين بالقسط ولو على أنفسهم وأهليهم. ولو استحضروا مبلغ العدل من أصول الإسلام لكانوا في التوبة من الظلم أسرع منهم في التوبة مما هو دونه. ومن المؤسف أن ترى بعضهم قد غيّرت فيه توبته كل شيء إلاّ سلوكه مع الآخرين، فهو بعد توبته وتدينه لا يزال هو هو في سلوكه...في ظلمه...في بغيه وعدوانه... في استخفافه بحرمات الآخرين وحقوقهم.. ولا عجب؛ لأنه تصور الإسلام حقوقاً متمحّضة للخالق سبحانه، ونسى بعدها حقوق الخلق، فلم يقع صلاحه إلاّ فيما يتعلق بحقوق الله. وما البعث والنشور إلاّ صورتان من صور العدل الإلهي، يتجلّى فيهما كمال العدل الإلهي: بَدءاً من إقامة القصاص بين المخلوقات بعد حشرها ونشرها، وانتهاءً بسَوْقِها إلى مصيره العادل. فهل من العدل أن يدعهم ربُّهم يصلحون في الأرض أو يفسدون ثم يذهب مصلحُهم ومفسدُهم في التراب ضياعاً! ولذا كان الحشر والنشر مقتضى من مقتضيات العدل الإلهي. إن موقف القيامة ليس موقفَ حسابٍ للحسنةِ والسيئة حتى يكونَ مقصوراً على المكلفين وحدَهم، ولكنه موقفٌ لإقامة القصاص بين الخلائق كلِّها؛ حتى ليُقتصَّ للشاة الجلحاء من القرناء. إنه لا معنى للكرامة بلا حقوق، فإنسانٌ يعيش بلا حقوق هو في الحقيقة إنسانٌ يعيش بلا كرامة. والخالق الذي كرّم بني آدم لا يرضى لهم أن يُهانوا بالظلم وبمصادرة حقوقهم. والعدل أعظم الحقوق التي ينشدها الناس لأنفسهم، بل هو الضمانة للحقوق الأخرى، وكل الحقوق تظل مقيدة بضوابط إلاّ حق العدل فهو القيمة المطلقة التي لا مثنوية فيها ولا تقييد، انظر مثلاً حق الحرية..يظل حقاً مقيداً، فليس للإنسان مطلق الحرية أن يفعل ما يشاء؛ وليس الكافر فيه كالمسلم في أرض الإسلام؛ ولكن لم يَقُل أحدٌ إن العدلَ حقٌّ مقيدٌ تدخله الاستثناءاتُ، بل هو واجب بإطلاق.. مع العدو والصديق، والأقرب والأبعد، والغني والفقير، وفي حالة الحرب كما في حالة السِّلم. كما قال سبحانه: ( وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى )، ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا ). أي لا يحملنّكم فقر الفقير على أن تُشفِقوا عليه فلا تشهدوا عليه بالحق، أو تشهدوا له بالزور معاونةً لضعفه، وكذلك لا يحملنّكم غِنى الغني على أن تشهدوا عليه زوراً وانتقاماً من استعلائه وكِبره، بل ( إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا ). وليس موجِبُ العدل هو الحب؛ بحيث لا يعدلُ المرءُ إلاّ مع من يُحبّ؛ فالمحبُّ ليس بحاجة إلى أن يُؤمرَ بالعدل مع حبيبه؛ فهو مولعٌ بالإحسانِ إليه، بل حاجتُه في أن يُؤمرَ بالهَوْنِ في حُبِّه، وإلى منعه من محاباته على حساب الحق. إنما موجِب العدلِ هو الإنسانية وحسب، فنحن مأمورون بالعدل مع كل إنسان: أياً كان دينه أو جنسه أو نسبه. بعث النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ عبدَ الله بنَ رواحةَ إلى خيبر خارصًا لثمار خيبر ـ وكان النبي قد زارع اليهود عليها بنصف ثمرها ـ، فلما أتاهم جمعوا له حُليًا من حُلي نسائهم، فأهدوها إليه - على طريقة اليهود في شراء الذمم بالمال حينًا، وبالشهوات حينًا آخر ـ، فقال لهم ـ في إيمان القوي، وقوة المؤمن ـ: يا معشر يهود، والله لقد جئتكم من عند أحبِّ الخلقِ إليَّ، ولأَنتم ـ واللهِ ـ أبغضُ إليّ من أعدادكم من القردة والخنازير، وما يحملني حبيِّ إياه وبغضي لكم على ألاّ أعدلَ فيكم، أو أحيف عليكم قدر مثقال ذرَّة، وأنا أعلمها! فقالوا: بهذا قامتِ السماوات والأرض. إن أعظم ما يحفظ للإنسان كرامته وحقوقَه هو العدل وليس الحب أو عدم البغض، ولذا فالناس لا يسألونك سوى العدلِ في معاملتك لهم، فإذا ضمنتَ لهم هذا الحقَّ لم يعبَؤوا ـ بعد ذلك ـ أن تشنأَهم وتبرأ منهم. إن العدل ليس ميزاناً يوضع في مجالس القضاء؛ لتوزن به أحكام القضاة، ويُطالبون به وحدَهم، ولكنه ميزانٌ يجب أن يُسيَّر عليه نظامُ الحياة، وأن يكون أول ما يُربى عليه ناشئتنا من قيمنا الفاضلة، وأن يكون أول ما يدعو إليه دعاتنا ووُعّاظنا منها، وأن يخضع له الناس كلهم بلا استثناء، فليس أحدٌ فوق العدالة؛ لأنه ليس في العدالة مثنوية ولا تخصيص. ![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |