|
الملتقى الاسلامي العام مواضيع تهتم بالقضايا الاسلامية على مذهب اهل السنة والجماعة |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#321
|
||||
|
||||
![]() ![]() منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية أبو العباس أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية الحنبلي الدمشقي المجلد الخامس الحلقة (321) صـ 195 إلى صـ 204 فقد أخبر أن هذا التذكير والوسواس من الشيطان، وأنه ينسيه حتى لا يدري كم صلى، وأمره بسجدتي السهو، ولم يؤثمه بذلك. والوسواس الخفيف لا يبطل الصلاة باتفاق العلماء. وأما إذا كان هو الأغلب، فقيل: عليه الإعادة، وهو اختيار أبي عبد الله بن حامد. والصحيح الذي عليه الجمهور، وهو المنصوص عن أحمد وغيره، أنه لا إعادة عليه. فإن حديث أبي هريرة عام مطلق في كل وسواس، ولم يأمر [1] بالإعادة، لكن ينقص أجره بقدر ذلك. قال ابن عباس: ليس لك من صلاتك إلا ما عقلت منها. وفي السنن عن عمار بن ياسر أنه صلى صلاة فخففها، فقيل له في ذلك، فقال: هل نقصت منها شيئا؟ قالوا: لا. قال: فإني بدرت الوسواس، وإن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "«إن الرجل لينصرف من صلاته ولم يكتب له منها إلا عشرها، إلا تسعها، إلا ثمنها، حتى قال: إلا نصفها»" [2] . وهذا الحديث حجة على ابن حامد ; فإن أدنى ما ذكر نصفها، وقد ذكر أنه يكتب له عشرها. وأداء الواجب له مقصودان: أحدهما: براءة الذمة، بحيث يندفع عنه الذم والعقاب المستحق بالترك، فهذا لا تجب معه الإعادة، فإن الإعادة يبقى مقصودها حصول ثواب مجرد، وهو شأن (1) ب فقط: ولم يؤمر. (2) الحديث عن عمار بن ياسر رضي الله عنه في: سنن أبي داود 1/294 كتاب الصلاة باب ما جاء في نقصان الصلاة، ولفظه: (إن الرجل لينصرف وما كتب له إلا عشر صلاته، تسعها، ثمنها، سبعها، سدسها، خمسها، ربعها، ثلثها، نصفها) وحسن الألباني الحديث في صحيح الجامع الصغير 2/65 التطوعات، لكن حصول الحسنات الماحية للسيئات [1] لا يكون إلا مع القبول الذي عليه الثواب، فبقدر ما يكتب له من الثواب يكفر عنه به [2] من السيئات الماضية، وما لا ثواب فيه لا يكفر وإن برئت به الذمة. كما في الحديث المأثور: "«رب صائم ليس حظه من صيامه إلا الجوع والعطش [3] ، ورب قائم حظه من قيامه السهر»" [4] يقول: إنه تعب ولم يحصل له منفعة، لكن برئت ذمته [5] ، فسلم من العقاب فكان على حاله لم يزدد بذلك خيرا. والصوم إنما شرع لتحصيل التقوى، كما قال تعالى: {ياأيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون أياما معدودات} [سورة البقرة: 183 - 184] . وقال النبي - صلى الله عليه وسلم: "«الصيام [6] جنة، فإذا كان أحدكم" (1) ن، م، أ: السيئات، و: بالسيئات. (2) به: ساقطة من (ن) ، (م) ، وفي (و) : به عنه. (3) إلا الجوع والعطش: كذا في (ب) فقط، وفي (و) : حظه من صيامه العطش، وفي سائر النسخ: إلا العطش. (4) الحديث: مع اختلاف في اللفظ، عن أبي هريرة رضي الله عنه في: سنن ابن ماجه 1/539 كتاب الصيام، باب ما جاء في الغيبة والرفث للصائم، وجاء الحديث فيه بلفظ (رب صائم ليس له من صيامه. . . إلخ، وهو في: سنن الدارمي 2/301 كتاب الرقاق باب في المحافظة على الصوم، ولفظه: كم من صائم وجاء الحديث في المسند ط. المعارف 17/35 وقال الشيخ أحمد شاكر رحمه الله: إسناده صحيح 18/204 وصححه أيضا، وصحح الألباني الحديث بروايتين له في صحيح الجامع الصغير 3/174) (5) ح، ب: لكن ذمته برئت وإن برئت ذمته. (6) ح، ب: الصوم. صائما فلا يرفث ولا يجهل، فإن امرؤ شاتمه أو قاتله فليقل: إني صائم» ". وفيها ثلاثة أقوال في مذهب أحمد وغيره. قيل: يقول [1] في نفسه فلا يرد عليه. وقيل: يقول [2] بلسانه. وقيل: يفرق بين الفرض فيقول [3] بلسانه والنفل يقول في نفسه ; فإن صوم الفرض مشترك، والنفل يخاف عليه من الرياء. والصحيح أنه يقول [4] بلسانه، كما دل عليه الحديث ; فإن القول المطلق لا يكون إلا باللسان، وأما ما [5] في النفس فمقيد، كقوله:" «عما حدثت به أنفسها» "ثم قال:" «ما لم تتكلم أو تعمل به» "فالكلام المطلق إنما هو الكلام المسموع. وإذا قال بلسانه: إني [6] صائم بين عذره في إمساكه عن الرد، وكان أزجر لمن بدأه بالعدوان." وفي الصحيحين عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "«من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه»" [7] . بين [8] (1) هذا جزء من حديث عن أبي هريرة رضي الله عنه في: البخاري 3/24 - 25 كتاب الصوم، باب فضل الصوم، 9/143 كتاب التوحيد، باب قول الله تعالى: يريدون أن يبدلوا كلام الله، مسلم 2/806 - 807 كتاب الصيام، باب فضل الصيام، سنن أبي داود 2/412 كتاب الصوم، باب الغيبة للصائم، وجاء الحديث مع اختلاف الألفاظ، في باقي كتب السنن الأربعة وسنن الدارمي والموطأ والمسند في مواضع كثيرة. (2) ح، ب: يقوله. (3) ح، ب، ر: فيقوله. (4) ح، ب: يقوله. (5) ما: ساقطة من (ن) ، (م) . (6) ن، م: أنا. (7) الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه في: البخاري 3/26 كتاب الصوم باب من لم يدع قول الزور، 8/17 - 18 كتاب الأدب، باب قول الله تعالى: (واجتنبوا قول الزور) سنن أبي داود 2/412 كتاب الصوم باب الغيبة للصائم، والحديث في سنن الترمذي وابن ماجه والمسند. (8) ح، ب، ر، ي: فبين. - صلى الله عليه وسلم - أن الله تعالى لم يحرم على الصائم الأكل لحاجته إلى ترك الطعام والشراب، كما يحرم السيد على عبيده بعض ماله، بل المقصود محبة الله تعالى، وهو حصول التقوى، فإذا لم يأت به فقد أتى بما ليس فيه محبة ورضا، فلا يثاب عليه، ولكن لا يعاقب [1] عقوبة التارك. والحسنات المقبولة تكفر السيئات، ولهذا قال - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الصحيح [2] : "«الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان، كفارة لما بينهن إذا اجتنبت الكبائر»" [3] ولو كفر الجميع بالخمس [4] لم يحتج إلى الجمعة، لكن التكفير بالحسنات المقبولة. وغالب الناس لا يكتب له من الصلاة إلا بعضها، فيكفر ذلك بقدره، والباقي يحتاج إلى تكفير. ولهذا جاء من غير وجه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "«أول ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة من أعماله الصلاة ; فإن أكملت وإلا قيل: انظروا هل له من تطوع؟ فإن كان له تطوع أكملت به [5] الفريضة، ثم يصنع في سائر الأعمال [6] كذلك»" [7] . (1) ب فقط: ولكن لا يعاقب عليه. (2) ن، م: في الصحيح. (3) الحديث مع اختلاف في الألفاظ، عن أبي هريرة رضي الله عنه في: مسلم 1/209 كتاب الطهارة، باب الصلوات الخمس، سنن الترمذي 1/138 كتاب الصلاة باب ما جاء في فضل الصلوات الخمس، وقال الترمذي: وفي الباب عن جابر وأنس وحنظلة الأسيدي، حديث أبي هريرة حديث حسن صحيح. (4) أ: بالجنس. (5) و: كملت به. (6) أ: الأفعال، ح، ب: أعماله. (7) الحديث مع اختلاف في الألفاظ، عن أبي هريرة رضي الله عنه في: سنن الترمذي 1/258 - 259 كتاب الصلاة، باب ما جاء أن أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة الصلاة، وأوله: إن أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة الحديث، وقال الترمذي: حديث أبي هريرة حديث حسن غريب من هذا الوجه، وقد روي هذا الحديث من غير هذا الوجه عن أبي هريرة، والحديث في سنن أبي داود 1/317 كتاب الصلاة، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: كل صلاة لا يتمها صاحبها، سنن النسائي 1/187 - 189 كتاب الصلاة، باب المحاسبة على الصلاة، سنن ابن ماجه 1/458 كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، باب ما جاء في أول ما يحاسب به العبد الصلاة، المسند ط. المعارف 15/19 - 26 وقال أحمد شاكر رحمه الله: وإسناده صحيح، وتكلم على الحديث، والحديث في المسند في مواضع أخرى كثيرة. وتكميل الفرائض [1] بالتطوع مطلق، فإنه يكون يوم القيامة يوم الجزاء، فإنه إذا ترك بعض الواجبات استحق العقوبة، فإذا كان له من جنسه [2] تطوع سد مسده فلا يعاقب، وإن [3] كان ثوابه ناقصا وله تطوع سد مسده فكمل ثوابه. وهو في الدنيا يؤمر بأن يعيد حيث تمكن إعادة ما فعله [4] ناقصا من الواجبات [5] ، أو يجبره بما ينجبر به، كسجدتي السهو في الصلاة، وكالدم الجابر لما تركه من واجبات الحج، ومثل صدقة الفطر التي فرضت طهرة للصائم من اللغو والرفث. وذلك لأنه إذا أمكنه [6] أن يأتي بالواجب كان ذلك عليه، ولم يكن قد برئ من عهدته، بل هو مطلوب به [7] . كما لو لم يفعله، بخلاف ما إذا تعذر فعله يوم [8] الجزاء ; فإنه لم يبق هناك إلا الحسنات. ولهذا كان جمهور العلماء على أن من ترك واجبا من واجبات الصلاة (1) ن، م: الفرض. (2) أ: من حسنة. (3) ن: فإن. (4) ر، ي: إلا ما فعله. (5) ن، م، و، ي، ر: ناقص الواجبات. (6) ر، ح، ي: إذا أمكن. (7) ن: مطلوب منه به. (8) و: ليوم. عمدا فعليه إعادة الصلاة ما دام يمكن فعلها، وهو إعادتها في الوقت. هذا مذهب مالك والشافعي وأحمد، لكن مالك وأحمد يقولان: قد يجب فيها ما يسقط بالسهو، ويكون سجود السهو عوضا عنه، وسجود السهو واجب عندهما. وأما الشافعي فيقول: كل ما وجب بطلت الصلاة بتركه عمدا أو سهوا. وسجود السهو عنده [1] ليس بواجب ; فإن ما صحت الصلاة مع السهو عنه [2] لم يكن واجبا ولا مبطلا. والأكثرون يوجبون سجود السهو، كمالك وأبي حنيفة وأحمد، ويقولون: قد أمر به النبي - صلى الله عليه وسلم - والأمر يقتضي الإيجاب، ويقولون: الزيادة في الصلاة لو فعلها عمدا بطلت الصلاة بالاتفاق، مثل أن يزيد ركعة خامسة عمدا، أو يسلم عمدا قبل إكمال الصلاة، ثم إذا فعله سهوا سجد للسهو بالسنة والإجماع. فهذا سجود لما تصح الصلاة مع سهوة دون عمده. وكذلك ما نقصه منها ; فإن السجود يكون للزيادة تارة وللنقص أخرى، كسجود النبي - صلى الله عليه وسلم - لما ترك التشهد الأول، ولو فعل ذلك أحد عمدا بطلت صلاته عند مالك وأحمد. وأما أبو حنيفة فيوجب (* في الصلاة ما لا تبطل بتركه [3] لا [4] عمدا ولا سهوا، ويقول: هو مسيء بتركه، كالطمأنينة وقراءة الفاتحة. (1) ن، م، ر، ح، و، ي: عندهم. (2) ن، م: عن السهو عنه، وهو تحريف. (3) و: ما لا يبطل تركه. (4) لا: ساقطة من (ن) ، (م) . وهذا مما نازعه فيه الأكثرون، وقالوا: من ترك الواجب عمدا فعليه الإعادة الممكنة، لأنه لم يفعل ما أمر به، وهو قادر على فعله، فلا يسقط عنه. وقد أخرجا [1] في الصحيحين حديث المسيء في صلاته، لما قال له النبي - صلى الله عليه وسلم *) [2] : "«ارجع فصل ; فإنك لم تصل»" وأمره بالصلاة التي فيها طمأنينة [3] ، فدل هذا الحديث الصحيح على أن من ترك الواجب لم يكن ما فعله صلاة، بل يؤمر بالصلاة. والشارع - صلى الله عليه وسلم - [4] لا ينفي الاسم إلا لانتفاء بعض واجباته، فقوله: "«فإنك [5] لم تصل»" لأنه ترك بعض واجباتها ولم تكن صلاته تامة مقامة الإقامة المأمور بها في قوله تعالى: {فإذا اطمأننتم فأقيموا الصلاة} [سورة النساء: 103] فقد أمر بإتمامها. ولهذا لما أمر بإتمام الحج والعمرة بقوله: {وأتموا الحج والعمرة لله} (1) ن، م، ر: وقد أخرجاه. (2) ما بين النجمتين ساقط من (أ) . (3) الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه، وهو حديث مطول أوله عبارة: ارجع فصل فإنك لم تصل. في البخاري 8/135 - 136 كتاب الأيمان والنذور، باب إذا حنث ناسيا في الأيمان، مسلم 1/298 كتاب الصلاة، باب وجوب قراءة الفاتحة في كل ركعة، سنن الترمذي 1/185 - 187 كتاب الصلاة، باب ما جاء في وصف الصلاة، والحديث فيها عن رفاعة بن رافع وعن أبي هريرة، سنن النسائي 2، 96 كتاب الافتتاح باب فرض التكبيرة الأولى، سنن ابن ماجه 1/336 - 337 كتاب إقامة الصلاة، باب إتمام الصلاة. (4) صلى الله عليه وسلم: زيادة في (ح) ، (ب) . (5) ر، ح، ب: إنك، ن: لأنك. [سورة البقرة: 196] ألزم [1] الشارع فيهما فعل جميع الواجبات، فإذا [2] ترك بعضها فلا بد من الجبران. فعلم أنه إن لم يأت [3] بالمأمور به تاما التمام الواجب [4] وإلا فعليه ما يمكن من إعادة أو جبران. وكذلك أمر الذي رآه يصلي خلف الصف وحده أن يعيد. وقال: "«لا صلاة لفذ خلف الصف»" [5] . وقد صححه أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه وابن حزم وغيرهم من علماء الحديث. فإن قيل: ففي حديث المسيء الذي رواه أهل السنن من حديث (1) ألزم: كذا في (ح) ، (ب) ، وفي سائر النسخ: لزم. (2) فإذا: كذا في (أ) ، (ب) ، وفي سائر النسخ: وإذا. (3) إن: ساقطة من (ن) ، (م) ، (أ) ، (ي) ، وفي (و) : من لم يأت. (4) ح، ب: المأمور به بإتمام الواجب. (5) لم أجد الحديث بهذا اللفظ ولكن جاء الحديث عن علي بن شيبان رضي الله عنه في سنن ابن ماجه 1/320 كتاب إقامة الصلاة، باب صلاة الرجل خلف الصف وحده ولفظه: خرجنا حتى قدمنا على النبي صلى الله عليه وسلم فبايعناه وصلينا خلفه، ثم صلينا وراءه صلاة أخرى، فقضى الصلاة، فرأى رجلا فردا يصلي خلف الصف، قال: فوقف عليه نبي الله صلى الله عليه وسلم حين انصرف، قال: استقبل صلاتك، لا صلاة للذي خلف الصف، وجاء في التعليق في الزوائد: إسناده صحيح ورجاله ثقات. والحديث في المسند ط. الحلبي 4/23 موارد الظمآن إلى زوائد ابن حبان، ص 116 حديث رقم 401، 402 ط. السلفية، وصحح الألباني الحديث في صحيح الجامع الصغير 1/322 وفي إرواء الغليل 2/328 - 329 وتكلم طويلا على صلاة المنفرد خلف الصف 2/323 - 330 وتكلم على حديث وابصة بن معبد أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلا يصلي خلف الصف فأمره أن يعيد، وهو في سنن أبي داود والترمذي والمسند. رفاعة بن رافع أنه جعل ما تركه [1] من ذلك يؤاخذ بتركه [2] فقط، ويحسب له ما فعل، ولا يكون كمن لم يصل. قيل: وكذلك نقول [3] : من فعلها وترك بعض واجباتها لم يكن بمنزلة من لم يأت بشيء منها، بل يثاب على ما فعل، ويعاقب على ما ترك، وإنما يؤمر بالإعادة لدفع عقوبة ما ترك، وترك الواجب سبب للعقاب، فإذا [4] كان يعاقب على ترك البعض لزمه أن يفعلها، فإن كان له جبران أو أمكن فعله وحده، وإلا فعله مع غيره، فإنه لا يمكن فعله مفردا. فإن قيل: فإذا [5] لم يكن فعله مفردا طاعة لم يثب عليه أولا. قيل: هو أولا فعله ولم يكن يعلم أنه لا يجوز، أو كان ساهيا، كالذي يصلي بلا وضوء، أو يسهو عن القراءة والسجود المفروض، فيثاب على ما فعل، ولا يعاقب بنسيانه وخطئه، لكن يؤمر بالإعادة، لأنه لم يفعل ما أمر به أولا، كالنائم إذا استيقظ في الوقت، فإنه يؤمر بالصلاة لأنها واجبة عليه في وقتها إذا أمكن، وإلا صلاها أي وقت (* استيقظ ; فإنه حينئذ يؤمر بها. وأما إذا أمر بالإعادة، فقد علم أنه لا يجوز فعل ذلك *) [6] مفردا [7] ، فلا يؤمر به مفردا [8] . (1) ن، م، ر، ي، و: ما ترك، ح: من ترك. (2) أ: بما يتركه، و: بما تركه. (3) ن، م، و، أ: يقول. (4) ب فقط: فإن. (5) ن، م: فإن. (6) ما بين النجمتين ساقط من أ. (7) ح، ب: منفردا. (8) ح، ب: منفردا. فإن قيل: فلو تعمد أن يفعلها مع ترك الواجبات التي يعلم وجوبها. قيل: هذا مستحق للعقاب ; فإنه عاص بهذا الفعل، وهذا قد يكون إثمه كإثم التارك. وإن قدر أن هذا قد [1] يثاب، فإنه لا يثاب عليه [2] ثواب من فعله مع غيره كما أمر به، بل أكثر ما يقال: إن له عليه ثوابا بحسبه [3] ، لكن الذي يعرف أنه إذا لم يكن يعرف أن هذا واجب أو منهي عنه فإنه يثاب على ما فعله. قال الله تعالى: {فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره} [سورة الزلزلة: 7 - 8] . والقرآن وذكر الله ودعاؤه خير. وإلا فالمسلم لا يصلي إلى غير قبلة، أو بغير وضوء أو ركوع أو سجود، ومن فعل ذلك كان مستحقا للذم والعقاب. ومع هذا فقد يمكن إذا فعل ذلك مع (* اعترافه بأنه مذنب لا على طريق [4] الاستهانة [5] والاستهزاء والاستخفاف، بل على طريق الكسل، أن يثاب على ما فعله، كمن ترك واجبات الحج المجبورة بدم، لكن لا يكون ثوابه كما إذا فعل ذلك مع *) [6] غيره على الوجه المأمور به. وبهذا يتبين الجواب عن شبهة أهل البدع من الخوارج والمرجئة وغيرهم، ممن يقول: إن الإيمان لا يتبعض ولا يتفاضل ولا ينقص. قالوا: لأنه إذا ذهب منه جزء ذهب كله، لأن الشيء المركب من أجزاء (1) قد: ساقطة من (ح) ، (ب) . (2) عليه: زيادة في (أ) ، (ب) . (3) ن، م، أ، ي: يحسبه. (4) طريق: ساقطة من (ن) ، (م) . (5) الاستهانة: ساقطة من (ن) . (6) : ما بين النجمتين ساقط من (أ)
__________________
|
#322
|
||||
|
||||
![]() ![]() منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية أبو العباس أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية الحنبلي الدمشقي المجلد الخامس الحلقة (322) صـ 205 إلى صـ 214 متى [1] ذهب منه جزء ذهب كله، كالصلاة إذا ترك منها واجبا بطلت. ومن هذا الأصل تشعبت بهم الطرق [2] . وأما الصحابة وأهل السنة والحديث فقالوا: إنه يزيد وينقص. كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم: "«يخرج من النار من كان في قلبه مثقال حبة [3] خردل من إيمان» [4] ." (1) ن، م: إذا. (2) يقول الأشعري في مقالات الإسلاميين 1/198 - 201 إن الجهمية من المرجئة يقولون: إن الإيمان لا يتبعض، ولا يتفاضل أهله فيه. والإيمان عند الصالحية من المرجئة لا يزيد ولا ينقص، ويقول الأشعري: إن السمرية أصحاب يونس السمري يزعمون أن الإيمان هو المعرفة بالله والخضوع له وهو ترك الاستكبار عليه والمحبة له، فمن اجتمعت فيه هذه الخصال فهو مؤمن وقد يكون كافرا لو ترك خصلة منها، وقول الشمرية أصحاب أبي شمر واليونسية أصحاب يونس قريب من هذا فهم يقولون إن الإيمان هو المعرفة بالله والخضوع له والمحبة له بالقلب، والإقرار بأنه واحد ليس كمثله شيء والإقرار بالأنبياء والتصديق بهم، ولا يسمون كل خصلة من هذه الخصال إيمانا ولا بعض إيمان حتى تجتمع هذه الخصال، مثل الفرس لا تسمى بلقاء حتى يجتمع فيها السواد والبياض، والشبيبة من مرجئة الخوارج يقولون: إن الإنسان لا يكون مؤمنا إلا بإصابة كل خصال الإيمان، وأن الخصلة من الإيمان قد تكون طاعة وبعض إيمان ولكن يكون صاحبها كافرا بترك بعض الإيمان. (3) أ، و: حبة من خردل. (4) الحديث عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه في: مسلم 1/93 كتاب الإيمان باب تحريم الكبر وبيانه، ولفظه: لا يدخل النار أحد في قلبه مثقال حبة خردل من إيمان، ولا يدخل الجنة أحد في قلبه مثقال حبة خردل من كبرياء، والحديث مع اختلاف يسير في الألفاظ، في سنن أبي داود 4/84 كتاب اللباس، باب ما جاء في الكبر، سنن ابن ماجه 1/22 - 23 المقدمة باب في الإيمان، كتاب صفة جهنم، باب ما جاء في أن للنار نفسين، ولفظه: يخرج من النار من كان في قلبه مثقال ذرة من الإيمان، قال أبو سعيد: فمن شك فليقرأ (إن الله لا يظلم مثقال ذرة) قال الترمذي هذا حديث حسن صحيح، وذكره السيوطي، وقال الألباني في صحيح الجامع الصغير: صحيح وهو في مسند أحمد وسنن النسائي. وعلى هذا فنقول: إذا نقص شيء من واجباته فقد ذهب ذلك الكمال والتمام، ويجوز نفي الاسم إذا أريد به نفي ذلك الكمال، وعليه أن يأتي بذلك الجزء: إن كان ترك واجبا فعله، أو كان ذنبا استغفر منه، وبذلك يصير من المؤمنين المستحقين لثواب الله المحض الخالص عن العقاب. وأما إذا ترك واجبا منه أو فعل محرما ; فإنه يستحق العقاب على ذلك، ويستحق الثواب على ما فعل. والمنفي إنما هو المجموع لا كل جزء من أجزائه، كما إذا ذهب واحد من العشرة، لم تبق العشرة عشرة، لكن بقي أكثر أجزائها. وكذلك جاءت السنة في سائر الأعمال كالصلاة وغيرها، أنه يثاب على ما فعله [1] منها ويعاقب على الباقي، حتى إنه [2] إن كان له تطوع جبر ما ترك بالتطوع، ولو كان ما فعل باطلا وجوده كعدمه لا يثاب عليه لم يجبر بالنوافل شيء. وعلى ذلك دل حديث المسيء الذي في السنن [3] : أنه إذا نقص منها شيئا أثيب على ما فعله. فإن قلت: فالفقهاء يطلقون أنه قد بطلت صلاته وصومه وحجه إذا ترك منه ركنا. قيل: لأن الباطل في عرفهم ضد الصحيح، والصحيح في عرفهم ما (1) ح، ب: على ما فعل. (2) إنه: ساقطة من (ح) ، (ب) . (3) و: حديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي في السنن في المسيء. حصل به مقصوده وترتب عليه حكمه، وهو براءة الذمة. ولهذا يقولون: الصحيح ما أسقط القضاء. فصار قولهم: بطلت، بمعنى: وجب القضاء، لا بمعنى: أنه لا يثاب عليها بشيء في الآخرة. وهكذا جاء النفي في كلام الله ورسوله، كقوله - صلى الله عليه وسلم: "«لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن»" [1] ، وقوله: "«لا إيمان لمن لا أمانة له، ولا دين لمن لا عهد له»" [2] . وقوله تعالى: {إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم} [سورة الأنفال: 2] ، وقوله: {إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله أولئك هم الصادقون} [سورة الحجرات: 15] ; فإن نفي الإيمان عمن ترك واجبا منه أو فعل محرما (1) هذا جزء من حديث عن أبي هريرة رضي الله عنه في البخاري 3/136 كتاب المظالم، باب النهي بغير إذن صاحبه، 7/104 كتاب الأشربة، باب إنما الخمر والميسر، 8/157 كتاب الحدود، باب لا يشرب الخمر، 8/164 كتاب الحدود، باب إثم الزناة، مسلم 1/76 - 77 كتاب الإيمان، باب بيان نقصان الإيمان بالمعاصي، سنن أبي داود 4/306 كتاب السنة، باب الدليل على زيادة الإيمان ونقصانه، سنن الترمذي 4/127 كتاب الإيمان، باب لا يزني الزاني وهو مؤمن، سنن ابن ماجه 2/1298 - 1299 كتاب الفتن، باب النهي عن النهبة، سنن الدارمي 2/115 كتاب الأشربة باب في التغليظ لمن شرب الخمر، المسند ط. المعارف 13/41 ونص الحديث في البخاري 3/136: (لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشرب وهو مؤمن، ولا يسرق حين يسرق وهو مؤمن، ولا ينتهب نهبة يرفع الناس إليه فيها أبصارهم حين ينتهبها وهو مؤمن.) (2) الحديث عن أنس بن مالك رضي الله عنه في المسند، ط. الحلبي 3/135 وأوله: عن أنس بن مالك قال: ما خاطبنا نبي الله صلى الله عليه وسلم إلا قال: لا إيمان لمن لا أمانة له. وهو أيضا فيه 3/154، 210، 251 فيه كنفي غيره، كقوله: "«لا صلاة إلا بأم القرآن»" [1] . وقوله للمسيء: "«ارجع فصل فإنك لم تصل»" [2] . وقوله للمنفرد خلف الصف لما أمره بالإعادة: "«لا صلاة لفذ خلف الصف»" [3] وقوله: "«من سمع النداء ثم لم يجب من غير عذر فلا صلاة له»" [4] . ومن قال من الفقهاء: إن هذا لنفي الكمال. قيل له: إن أردت الكمال المستحب ; فهذا باطل لوجهين: أحدهما: أن هذا لا يوجد قط في لفظ الشارع: أنه ينفي عملا فعله العبد على الوجه الذي وجب عليه، ثم ينفيه لترك بعض المستحبات. بل الشارع لا ينفي عملا إلا إذا لم يفعله العبد كما وجب عليه. (1) و: إلا بفاتحة الكتاب، وجاء الحديث بلفظ: (لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب) وبلفظ: لا صلاة لمن لم يقرأ بأم القرآن. عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه في: البخاري 1/147 - 148 كتاب الأذان، باب وجوب القراءة للإمام والمأموم، مسلم 1/295 كتاب الصلاة، باب وجوب قراءة الفاتحة في كل ركعة، سنن أبي داود 1/301 كتاب الصلاة، باب من ترك القراءة في صلاته بفاتحة الكتاب، ولفظه: ولا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب فصاعدا. والحديث في سنن الترمذي والنسائي وابن ماجه والدارمي والموطأ والمسند، وتكلم عليه الألباني كلاما مفصلا في إرواء الغليل 2/10 - 12 حديث رقم 302 (2) سبق الحديث قبل صفحات. (3) سبق الحديث قبل صفحات. (4) جاء الحديث بلفظ من سمع النداء فلم يأته فلا صلاة له إلا من عذر، عن ابن عباس رضي الله عنهما في: سنن ابن ماجه 1/260 كتاب المساجد والجماعات، باب التغليظ في التخلف عن الجماعة، وجاء الحديث بهذا اللفظ مرة وبلفظ: من سمع النداء فلم يجب فلا صلاة له، في المستدرك للحاكم 1/245 كتاب الصلاة، وقال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي، وصحح الألباني الحديث في إرواء الغليل 2/337 - 338 وتكلم عليه وعلى روايات أخرى له. الثاني: أنه لو نفي بترك مستحب، لكان عامة الناس لا صلاة لهم ولا صيام. فإن الكمال المستحب متفاوت، ولا أحد يصلي كصلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أفكل من لم يكملها كتكميل الرسول يقال: لا صلاة له. فإن قيل: فهؤلاء الذين يتركون فرضا من الصلاة أو غيرها يؤمرون بإعادة الصلاة، والإيمان إذا ترك بعض فرائضه لا يؤمر بإعادته؟ . قيل: ليس الأمر بالإعادة مطلقا، بل يؤمر بالممكن ; فإن أمكن الإعادة أعاد، وإن لم يمكن أمر أن يفعل حسنات غير ذلك، كما لو ترك الجمعة ; فإنه وإن أمر بالظهر فلا تسد مسد الجمعة، بل الإثم الحاصل بترك الجمعة يزول جميعه بالظهر. وكذلك من ترك واجبات الحج عمدا ; فإنه يؤمر بها ما دام يمكن فعلها في الوقت، فإذا فات الوقت أمر بالدم الجابر، ولم يكن ذلك مسقطا عنه إثم التفويت (* مطلقا، بل هذا الذي يمكنه من البدل، وعليه أن يتوب توبة تغسل إثم التفويت *) [1] ، كمن فعل محرما فعليه أن يتوب منه توبة تغسل إثمه، ومن ذلك أن يأتي بحسنات تمحوه. وكذلك من فوت واجبا لا [2] يمكنه استدراكه، وأما إذا أمكنه استدراكه فعله بنفسه. وهكذا نقول [3] فيمن ترك بعض واجبات الإيمان، بل كل مأمور تركه فقد ترك جزءا من إيمانه، فيستدركه بحسب الإمكان، فإن فات وقته تاب وفعل حسنات أخر غيره. (1) ما بين النجمتين ساقط من (ح) . (2) ح، ب: لم. (3) ن، م، و: يقول. ولهذا كان الذي اتفق عليه العلماء أنه يمكن إعادة الصلاة في الوقت الخاص والمشترك [1] ، كما يصلي الظهر بعد دخول العصر، ويؤخر [2] العصر إلى الاصفرار ; فهذا تصح صلاته وعليه إثم التأخير، وهو من المذمومين في قوله تعالى: {فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون} [سورة الماعون: 4 - 5] وقوله: {فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات} [سورة مريم: 59] ، فإن تأخيرها [3] عن الوقت الذي يجب فعلها فيه هو إضاعة لها وسهو عنها بلا نزاع أعلمه بين العلماء [4] . وقد جاءت الآثار بذلك عن الصحابة والتابعين. وقد ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال في الأمراء الذين يؤخرون الصلاة عن وقتها: "«صلوا الصلاة لوقتها، واجعلوا صلاتكم معهم نافلة»" [5] . وهم إنما كانوا يؤخرون الظهر إلى وقت العصر، والعصر (1) و: أو المشترك. (2) و: أو يؤخر. (3) فإن تأخيرها كذا في (ب) فقط، وفي سائر النسخ: فإن إضاعتها تأخيرها، وفي (ن) : فإن إضاعتها تأخرها. (4) بين العلماء: ساقطة من (ن) ، (م) . (5) الحديث في مسلم 14/449 كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب كراهية تأخير الصلاة، ونصه: عن أبي العالية البراء، قال: قلت لعبد الله بن الصامت: نصلي يوم الجمعة خلف أمراء، فيؤخرون الصلاة، قال: فضرب فخذي ضربة أوجعتني وقال: سألت أبا ذر عن ذلك، فضرب فخذي وقال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال: (صلوا الصلاة لوقتها، واجعلوا صلاتكم معهم نافلة) قال: وقال عبد الله: ذكر لي أن نبي الله صلى الله عليه وسلم ضرب فخذ أبي ذر والحديث عن أبي ذر رضي الله عنه أيضا في: سنن الدارمي 1/279 كتاب الصلاة باب الصلاة خلف من يؤخر الصلاة عن وقتها، المسند ط. الحلبي 5/159 وانظر: 4/338 إلى وقت الاصفرار. وذلك مما هم مذمومون عليه. ولكن ليسوا كمن تركها أو فوتها حتى غابت الشمس ; فإن هؤلاء أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بقتالهم، ونهى عن قتال أولئك. «فإنه لما ذكر أنه سيكون أمراء ويفعلون ويفعلون. قالوا: أفلا نقاتلهم؟ قال: "لا، ما صلوا»" [1] وقد أخبر عن هذه الصلاة التي يؤخرونها وأمر أن تصلى في الوقت، وتعاد معهم نافلة ; فدل على صحة صلاتهم، ولو كانوا لم يصلوا لأمر بقتالهم. وقد ثبت عنه في الصحيحين أنه قال: "«من أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر» [2]" مع قوله أيضا في الحديث الصحيح [3] : "«تلك صلاة المنافق، تلك صلاة المنافق، يرقب الشمس حتى إذا كانت بين قرني شيطان قام فنقر أربعا لا يذكر الله فيها إلا قليلا»" [4] . (1) سبق هذا الحديث فيما مضى 1/116 (2) العصر: في (و) ، (ب) فقط: والحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه بلفظ من أدرك من الصبح ركعة قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح، ومن أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر. في البخاري 1/116 كتاب مواقيت الصلاة وفضلها باب من أدرك من الفجر ركعة، مسلم 1/424 كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة، وجاء الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه بلفظ: (إذا أدرك أحدكم سجدة من صلاة العصر قبل أن تغرب الشمس فليتم صلاته الحديث) وهو في البخاري 1/112 كتاب مواقيت الصلاة، باب من أدرك ركعة من العصر قبل الغروب، مسلم 1/425 الموضع السابق وتكلم الألباني على الحديثين في إرواء الغليل، 1/272 - 275 رقم 252، 253. (3) ن، م: في الصحيح. (4) الحديث عن أنس بن مالك رضي الله عنه في: مسلم 1/434 كتاب المساجد، باب استحباب التبكير بالعصر، سنن الترمذي 1/107 كتاب مواقيت الصلاة، باب ما جاء في تعجيل العصر، سنن النسائي 1/203 كتاب المواقيت، باب التشديد في تأخير العصر، وقد سبق الحديث 4/31 وثبت عنه في الصحيحين [1] أنه قال: "«من فاتته صلاة العصر فكأنما وتر أهله وماله»" [2] . وثبت عنه في الصحيحين [3] أنه قال: "«من ترك صلاة العصر فقد حبط عمله»" [4] . وقال أيضا: "«إن هذه الصلاة عرضت على من كان قبلكم فضيعوها، فمن حافظ عليها كان له الأجر مرتين»" [5] . وقد اتفق العلماء على ما أمر به النبي - صلى الله عليه وسلم - من قوله: "«من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها فإن ذلك وقتها»" [6] . فاتفقوا (1) ن، م: وفي الصحيحين. (2) الحديث عن ابن عمر رضي الله عنهما بلفظ: الذي تفوته صلاة العصر إلخ في البخاري 1/111 كتاب المواقيت، باب إثم من فاتته العصر، مسلم 1/435 كتاب المساجد، باب التغليظ في تفويت صلاة العصر، 1/436 بلفظ: من فاتته، والحديث في مواضع أخرى في البخاري ومسلم وفي كتب السنن وفي الموطأ والمسند. (3) ن، م: وفي الصحيحين. (4) الحديث عن بريدة رضي الله عنه في: البخاري 1/111 كتاب مواقيت الصلاة، باب من ترك العصر، سنن النسائي 1/191، كتاب الصلاة، باب من ترك صلاة العصر. وتكلم الألباني على الحديث في إرواء الغليل رقم 255. (5) الحديث عن أبي بصرة الغفاري رضي الله عنه في مسلم 1/568 كتاب صلاة المسافرين، باب الأوقات التي نهي عن الصلاة فيها وأوله: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم العصر بالمخمص فقال: وآخره: كان له أجره مرتين، ولا صلاة بعدها حتى يطلع الشاهد والشاهد النجم، والحديث في سنن النسائي 1/208 كتاب المواقيت، باب تأخير المغرب، المسند ط. الحلبي 6/396 - 397. (6) الحديث عن أنس بن مالك رضي الله عنه مع اختلاف في الألفاظ في: البخاري 1/118 - 119 كتاب مواقيت الصلاة، باب من نسي صلاة فليصل إذا ذكرها، مسلم 1/477 كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب قضاء الصلاة الفائتة، والحديث في سنن أبي داود والنسائي والترمذي وابن ماجه والدارمي والمسند والموطأ، وانظر إرواء الغليل 1/291 - 293. على أن النائم يصلي إذا استيقظ، والناسي إذا ذكر، وعليه قضاء الفائتة على الفور عند جمهورهم، كمالك وأحمد بن حنبل وأبي حنيفة وغيرهم. وأما الشافعي فيجعل قضاء النائم والناسي على التراخي، ومن [1] نسي بعض واجباتها فهو كمن نسيها، فلو صلى ثم ذكر بعد خروج الوقت أنه كان على غير وضوء أعاد، كما أعاد عمر وعثمان وغيرهما لما صلوا بالناس، ثم ذكروا بعد الصلاة أنهم كانوا جنبا فأعادوا، ولم يأمروا المأمومين بالإعادة. وفي حديث عمر أنه لم يذكر إلا بعد طلوع الشمس [2] . وكذلك إذا أخرها تأخيرا يرى أنه جائز. كما أخرها النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم الأحزاب وصلاها بعد مغيب الشمس [3] فإن ذلك التأخير إما أن يكون لنسيان منه، أو لأنه كان جائزا إذا كانوا مشغولين بقتال العدو أن يؤخروا الصلاة. (1) ن، م: فمن. (2) لعل ابن تيمية يقصد بذلك حديث ابن مسعود رضي الله عنه، وهو في المسند ط. المعارف 5/240 رقم 3657 ولفظه، أقبل النبي صلى الله عليه وسلم من الحديبية ليلا فنزلنا دهاسا أي: سهلا من الأرض، فقال: من يكلؤنا؟ فقال بلال: أنا، قال: إذن تنام. قال: لا. فنام حتى طلعت الشمس، فاستيقظ فلان وفلان، فيهم عمر، فقال: اهضبوا فاستيقظ النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: افعلوا ما كنتم تفعلون، فلما فعلوا قال: هكذا فافعلوا، لمن نام منكم أو نسي. وصحح أحمد شاكر الحديث، وانظر إرواء الغليل، 1/293 وجاء الحديث مختصرا في سنن أبي داود 1/179 كتاب الصلاة باب من نام عن الصلاة أو نسيها. (3) سبق الحديث فيما مضى 3/411 والعلماء لهم في ذلك ثلاثة أقوال: قيل: يصلي حال القتال ولا يؤخر الصلاة [1] ، وتأخير الخندق منسوخ. وهذا مذهب مالك والشافعي والإمام أحمد في المشهور عنه. وقيل: يخير بين تقديمها وتأخيرها. لأن الصحابة لما أمرهم النبي - صلى الله عليه وسلم - أن لا يصلوا العصر إلا في بني قريظة، كانت طائفة منهم أخرت [2] الصلاة فصلوا بعد غروب الشمس، وكانت منهم طائفة قالوا: لم يرد منا إلا المبادرة إلى العدو لا تفويت [3] الصلاة. فصلوا في الطريق، فلم يعنف النبي - صلى الله عليه وسلم - أحدا من الطائفتين. والحديث في الصحيحين من حديث ابن عمر [4] . وهذا قول طائفة من الشاميين وغيرهم، وهو إحدى الروايتين عن أحمد. وقيل: بل يؤخرونها كما فعل يوم الخندق. وهو مذهب أبي حنيفة. ففي الجملة كل من أخرها تأخيرا يعذر به إما لنسيان أو لخطأ في الاجتهاد فإنه يصليها بعد الوقت، كمن ظن أن الشمس لم تطلع فأخرها حتى طلعت، أو ظن أن وقت العصر باق فأخرها حتى غربت فإن هذا يصلي. وعلى قول الأكثرين ما بقي تأخيرها جائزا حتى تغرب الشمس، ومن قال: إنه يجوز التأخير فإنه يصليها، ولو أخرها باجتهاده فإنه يصليها. وإن قيل: إنه أخطأ في اجتهاده [5] ، وليس هذا من أهل الوعيد (1) الصلاة: زيادة في (ح) ، (ب) . (2) ب فقط: أخروا. (3) أ: ولا تفوت، م: لا تفوت، ن: ولا تفويت. (4) وهو الحديث الذي أشرت إليه قبل قليل وسبق فيما مضى 3/411 (5) ح، ب: أخطأ باجتهاده.
__________________
|
#323
|
||||
|
||||
![]() ![]() منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية أبو العباس أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية الحنبلي الدمشقي المجلد الخامس الحلقة (323) صـ 215 إلى صـ 224 المذكور في قوله: "«من ترك صلاة العصر فقد [1] حبط عمله»" [2] فإن هذا مجتهد متأول مخطئ. وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم: "«إن الله تجاوز لي عن أمتي الخطأ والنسيان»" [3] . وهو حديث حسن، وقد دل عليه القرآن والحديث الصحيح [4] . وأما من فوتها عمدا عالما بوجوبها، أو فوت بعض واجباتها الذي يعلم وجوبه منها ; فهذا مما تنازع فيه العلماء. فقيل في الجميع: يصح أن يصليها بعد التفويت، ويجب ذلك عليه، ويثاب على ما فعل، ويعاقب على التفويت، كمن أخر الظهر إلى وقت العصر، والمغرب والعشاء إلى آخر الليل من غير عذر. وهذا قول أبي حنيفة والشافعي وأحمد يقولون [5] : هو [6] في كل صلاة وجب [7] إعادتها في الوقت فيجب إعادتها بعد الوقت، وأما مالك وغيره من أهل المدينة فيفرقون بين ما يعاد في الوقت وما يعاد بعد خروج الوقت، فما لم يكن فرضا بل واجبا - وهو الذي يسمونه سنة - أمروا بإعادة الصلاة إذا تركه في الوقت، كمن صلى بالنجاسة. وأما ما كان فرضا، كالركوع والسجود والطهارة، فإنه بمنزلة من لم يصل، فيعيد بعد الوقت. (1) فقد: ساقطة من (ن) ، (م) ، (أ) . (2) مضى الحديث قبل صفحات. (3) مضى هذا الحديث من قبل 4/458 (4) الصحيح: ساقطة من (ح) ، (ي) ، (ر) . (5) أ، ح، و، ر، ي: يقولونه. (6) هو: زيادة في (ن) ، (م) . (7) ب فقط: وجبت. وقد أنكر عليهم كثير من الناس التفريق بين الإعادة في الوقت وبعده. وصنف المزني مصنفا رد فيه على مالك ثلاثين مسألة منها هذه. وقد رد على المزني الشيخ أبو بكر الأبهري [1] وصاحبه القاضي عبد الوهاب. وعمدتهم أن الصلاة إن [2] فعلت كما أمر بها العبد فلا إعادة عليه في الوقت ولا بعده، وإن لم تفعل كما أمر بها العبد فهي في ذمته، فيعيدها في الوقت وبعده. وأهل المدينة يقولون: فعلها في الوقت واجب ليس لأحد قط أن يؤخرها عن الوقت، فإن كان الوقت أوكد مما ترك لم يعد بعد الوقت، لأنه ما بقي بعد الوقت يمكنه تلافيها ; فإن الصلاة مع النجاسة أو عريانا خير من الصلاة بلا نجاسة بعد الوقت، فلو أمرناه أن يعيدها بعد الوقت لكنا نأمره بأنقص مما صلى، وهذا لا يأمر به الشارع، وهذا بخلاف من ترك ركنا منها، فذاك بمنزلة من لم يصل فيعيد بعد الوقت. وهذا الفرق مبني على أن الصلاة من واجباتها [3] ما هو ركن لا تتم إلا به، ومنها ما هو واجب تتم بدونه [4] ، إما مع السهو وإما مطلقا. وهذا قول الجمهور، وأبو حنيفة يوجب فيها ما لا يجب بتركه الإعادة بحال. فإذا (1) ن، م: البهري، وهو تحريف، وهو أبو بكر محمد بن عبد الله بن محمد بن صالح التميمي الأبهري، ولد سنة 289 وتوفي سنة 375، له تصانيف في شرح مذهب مالك والرد على مخالفيه انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 5/462 - 463، الأعلام 7/98 (2) ن، م: إذا. (3) بعد عبارة من واجباتها، يوجد سقط طويل في نسخة (ي) ، يظهر أنه كان نتيجة ضياع أوراق من المخطوطة إذ أن الكلام في الصفحة التالية يبدأ بعبارة به الشرك بل أرادت التقي الذي لا يقدم على الفجور، ووجدت هذه العبارة في ص 3/73 (ب) . (4) ر، ح: تتم به. أوجب أهل المدينة فيها ما يجب بتركه الإعادة في الوقت، كان أقرب إلى الشرع. وأحمد مع مالك يوجبان فيها ما يسقط بالسهو ويجبر بالسجود، ثم ذلك الواجب إذا تركه عمدا أمره أحمد في ظاهر مذهبه بالإعادة كما لو ترك فرضا، وأما مالك ففي مذهبه قولان فيمن ترك ما يجب السجود لتركه سهوا، كترك التشهد الأول، وترك تكبيرتين فصاعدا، أو قراءة [1] السورة والجهر والمخافتة في موضعهما. وقد اتفق الجميع على أن واجبات الحج منها ما يجبر الحج مع تركه، ومنها ما يفوت الحج مع تركه فلا يجبر، كالوقوف بعرفة، فكذلك [2] الصلاة. وقالت طائفة ثالثة: ما أمر الله به في الوقت إذا ترك لغير عذر حتى فات وقته لم يمكن فعله بعد الوقت، كالجمعة، والوقوف بعرفة، ورمي الجمار ; فإن الفعل بعد الوقت عبادة لا تشرع إلا إذا شرعها الشارع، فلا تكون مشروعة إلا بشرعه، ولا واجبة إلا بأمره. وقد اتفق المسلمون على أن من فاته الوقوف بعرفة لعذر أو لغيره [3] لا يقف بعرفة بعد طلوع الفجر، وكذلك رمي الجمار لا ترمى بعد أيام منى، سواء فاتته [4] لعذر أو لغير عذر [5] . كذلك الجمعة لا يقضيها الإنسان سواء فاتته بعذر أو بغير (1) أو قراءة: كذا في (م) ، (ح) ، (ب) وفي سائر النسخ: وقراءة. (2) ن، م: وكذلك. (3) ن، م، و: أو غيره. (4) أ: فاته، ن، م: فاتت. (5) ن، م: لعذر أو غيره، ح: لعذر أو بغير عذر، و، ر: بعذر أو بغير عذر. عذر [1] ، وكذلك لو فوتها [2] أهل المصر كلهم لم يصلوها [3] يوم السبت. وأما الصلوات الخمس فقد ثبت أن المعذور يصليها إذا أمكنه، كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم: "«من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها، فإن ذلك وقتها لا كفارة لها إلا ذلك»" [4] . وكذلك صوم رمضان أمر الله المسافر والمريض والحائض أن يصوموا [5] نظيره في أيام أخر. والوقت المشترك بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء وقت [6] لجواز فعلهما [7] جميعا عند العذر، وإن فعلتا لغير عذر ففاعلهما آثم، لكن هذه قد فعلت في وقت هو وقتها في الجملة. وقد أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بالصلاة خلف الأمراء الذين يؤخرون الصلاة، ونهى عن قتالهم، مع ذمهم وظلمهم. وأولئك كانوا يؤخرون الظهر إلى العصر، فجاءت طائفة من الشيعة [8] فصاروا يجمعون بين الصلاتين في وقت الأولى دائما من غير عذر، فدخل في الوقت المشترك من جواز الجمع للعذر، من تأويل الولاة وتصحيح الصلاة مع إثم التفويت، ما لم يدخل في التفويت المطلق ; كمن يفطر شهر رمضان عمدا ويقول: أنا أصوم في شوال، أو يؤخر الظهر والعصر (1) ن: بعذر أو بغيره، م: بعذر ولا بغيره. (2) ح: لو سهى. (3) و: وكذلك لو فوت أهل المصر كلهم صلاة الجمعة يوم الجمعة لم يصلوها. (4) سبق الحديث قبل صفحات ص 212 (5) أ، و، ر: أن يصوم، ح، ب: أن تصوم. (6) وقت: ساقطة من (ن) ، (م) ، (و) . (7) ن، م: فعلها. (8) و: طائفة ثالثة من الشيعة. عمدا، ويقول: أصليهما بعد المغرب، ويؤخر [1] المغرب والعشاء ويقول: أصليهما بعد الفجر، أو يؤخر الفجر ويقول: أصليها بعد طلوع الشمس، فهذا تفويت محض بلا عذر. وقد ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم: "من «فاتته صلاة العصر فكأنما وتر أهله وماله»" ، وقال: "«من ترك صلاة العصر فقد حبط عمله»" [2] ، فلو كان يمكنه الاستدراك لم يحبط عمله. وقوله: "«وتر أهله وماله»" أي صار وترا لا أهل له ولا مال، ولو كان فعلها ممكنا بالليل لم يكن موتورا. وقال: "«من أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك»" [3] فلو كان فعلها بعد المغرب صحيحا مطلقا، لكان مدركا، سواء أدرك ركعة أو لم يدرك ; فإنه لم يرد أن من أدرك ركعة صحت صلاته بلا إثم، بل يأثم بتعمد ذلك، كما دلت عليه الأحاديث الصحيحة، فإنه أمر بأن تصلى الصلاة لوقتها الذي حده، وأن لا يؤخر العصر إلى ما بعد الاصفرار، ففعلها قبل الاصفرار واجب بأمره، وقوله: "«صلوا الصلاة لوقتها»" [4] . فعلم أن هذا الإدراك لا يرفع الإثم عن غير المعذور، بل يكون (1) ب فقط: أو يؤخر. (2) مضى هذان الحديثان قبل صفحات ص 212 (3) ب فقط: فقد أدرك العصر، وسبق الحديث قبل صفحات ص [0 - 9] 11 (4) سبق هذا الحديث مطولا قبل صفحات 5/209 وهذه العبارة جزء من عدة أحاديث وجاءت أحيانا بلفظ صل الصلاة لوقتها، وأحيانا بلفظ صلوا الصلاة لوقتها، وجمع مسلم هذه الأحاديث في صحيحه 1/448 - 449 كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب كراهية تأخير الصلاة عن وقتها المختار، وهي أحاديث عن أبي ذر رضي الله عنه جاء في أولها: قال لي رسول الله: كيف أنت إذا كانت عليك أمراء يؤخرون الصلاة عن وقتها، أو يميتون الصلاة عن وقتها؟ قال: قلت فما تأمرني؟ قال: (صل الصلاة لوقتها، فإن أدركتها معهم فصل، فإنها لك نافلة.) وفي آخر حديث رقم 244 قال النبي صلى الله عليه وسلم: صلوا الصلاة لوقتها واجعلوا صلاتكم معهم نافلة) وجاء الحديث عن أبي ذر بمعناه عن ابن مسعود وعبادة بن الصامت رضي الله عنهم في: سنن أبي داود 1/173 - 174 كتاب الصلاة، باب إذا أخر الإمام الصلاة عن الوقت، سنن الترمذي 1/113 - 114 كتاب مواقيت الصلاة، باب ما جاء في تعجيل الصلاة إذا أخرها الإمام، سنن ابن ماجه 1/398 - 399 كتاب إقامة الصلاة، باب ما جاء فيما إذا أخروا الصلاة عن وقتها. قد صلاها مع الإثم، فلو كانت أيضا تصلى بعد المغرب مع الإثم، لم يكن فرق بين من يصليها عند الاصفرار أو يصليها بعد الغروب، إلا أن يقال: ذاك أعظم إثما. ومعلوم أنه كلما أخرها كان أعظم إثما، فحيث جاز القضاء مع وجوب التقديم كلما أخر القضاء كان أعظم لإثمه. ومن نام عن صلاة أو نسيها فعليه أن يصليها إذا ذكرها ; [فإن ذلك وقتها] [1] . وإذا أخرها من غير عذر أثم، كما يأثم من أخر الواجب على الفور، ويصح فعلها بعد ذلك، فلو كانت العصر بعد المغرب بهذه المنزلة، لم يكن لتحديد وقتها بغروب الشمس، وقوله: "«من أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس»" [2] فائدة، بل كانت تكون كالواجب على الفور إذا أخره، أو كانت تكون كالمغرب إذا أخرها إلى وقت العشاء. ومعلوم أن هذا قد يجوز، بل يسن كما في ليلة المزدلفة، كما يسن تقديم العصر إلى وقت الظهر يوم عرفة بالسنة المتواترة واتفاق المسلمين. (1) ما بين المعقوفتين ساقط من (ن) ، (م) ، (و) . (2) سبق هذا الحديث قبل صفحات في هذا الجزء 5/12 وأما فعل العصر بعد المغرب [1] ، فلم يؤذن فيه قط لغير المعذور، كما لم يؤذن في صلاة المغرب قبل غروب الشمس. قال هؤلاء: والصلاة في الوقت واجبة على أي حال بترك جميع الواجبات لأجل الوقت، فإذا أمكنه أن يصلي في الوقت بالتيمم، أو بلا قراءة، أو بلا إتمام ركوع وسجود، أو إلى غير القبلة، أو يصلي عريانا، أو كيفما أمكن وجب ذلك عليه، ولم يكن له أن يصلي بعد الوقت مع تمام الأفعال. وهذا مما ثبت بالكتاب والسنة وعامته مجمع عليه. فعلم أن الوقت مقدم على جميع الواجبات. وحينئذ فمن صلى في الوقت بلا قراءة، أو عريانا متعمدا، ونحو ذلك، إذا أمر أن يصلي بعد الوقت بقراءة وسترة، كان ما أمر به دون ما فعله. ولهذا إذا لم يمكن إلا أحدهما، وجب أن يصلي في الوقت بلا قراءة ولا سترة، ولا يؤخرها ويصلي بعد الوقت بقراءة وسترة. فعلم أن ذلك التفويت [2] ما بقي استدراكه ممكنا، وأما المعذور فالله تعالى جعل الوقت في حقه متى أمكنه، فمن نسي الصلاة أو بعض واجباتها صلاها متى ذكرها [3] ، وكان ذلك هو الوقت في حقه وإذا قيل: صلاته في الوقت كانت أكمل. قيل: نعم، لكن تلك لم تجب عليه لعجزه بالنوم والنسيان، وإنما وجب عليه أن يصلي إذا استيقظ وذكر، كما نقول في الحائض إذا طهرت (1) ح، ب: بعد الغروب. (2) ح، ب: التوقيت. (3) ن، م، و: متى ذكر. في وقت العصر فهي حينئذ مأمورة بالظهر والعصر، وتكون مصلية للظهر في وقتها أداء، وكذلك إذا طهرت آخر الليل صلت المغرب والعشاء، وكانت المغرب في حقها أداء كما أمرها بذلك أصحاب رسول الله [1] - صلى الله عليه وسلم: عبد الرحمن بن عوف، وابن عباس، وأبو هريرة رضي الله عنهم، ولم ينقل عن صحابي خلافه. وهذا يدل على أن هذا من السنة التي كان الصحابة يعرفونها ; فإن مثل هذا يقع على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - وخلفائه، وقد دل على ذلك الكتاب والسنة، حيث جعل الله المواقيت ثلاثة في حق المعذور، وهذه معذورة. وهذا مذهب مالك والشافعي "وأحمد بن حنبل [2] ، وهو يدل على أن الوقت مشترك في حق المعذور، فلا يحتاج أن ينوي الجمع، كما هو قول الأكثرين: أبي حنيفة ومالك والإمام أحمد وقدماء أصحابه." لكن الشافعي، وطائفة من أصحاب أحمد، كالخرقي ومن وافقه، قالوا: تجب النية في القصر والجمع. وجمهور العلماء على أنه لا تجب النية لا لهذا ولا لهذا. وهذا مذهب مالك وأبي حنيفة وأحمد وقدماء أصحابه [3] ، وهو الصواب، كما بسط في غير هذا الموضع [4] . وقضية [5] الحائض مما يبين أن فعل الصلاة في غير وقتها الذي أمر بها (1) ح، ب: النبي. (2) بن حنبل: زيادة في (ح) ، (ب) . (3) عبارة وقدماء أصحابه، ساقطة من (ب) فقط. (4) ن، م: في موضعه. (5) وقضية: كذا في (أ) ، وفي سائر النسخ: قصة. فيه غير ممكن ; فإن ذلك لو كان ممكنا لكانت الحائض تؤمر بقضاء الصلاة أمر إيجاب أو أمر استحباب [1] . فإذا قيل: يسقط القضاء عنها تخفيفا. قيل: فلو أرادت أن تصلي قضاء لتحصل [2] ثواب الصلاة التي فاتتها، لم يكن هذا مشروعا باتفاق العلماء، وكان لها أن تصلى من النوافل ما ; شاءت فإن تلك الصلاة لم تكن مأمورة بها في وقتها. والصلاة المكتوبة لا يمكن فعلها إلا في الوقت الذي أمر به العبد، فلم يجز فعلها بعد ذلك. وكل من كان معذورا من نائم وناس ومخطئ، فهؤلاء مأمورون بها في الوقت الثاني، فلم يصلوا إلا في وقت الأمر، كما أمرت الحائض والمسافر والمريض بقضاء رمضان، وقيل في المتعمد لفطره: لا يجزيه صيام الدهر ولو صامه. قالوا: والناسي إنما أمر بالصلاة إذا ذكرها، لم يؤمر بها قبل ذلك. وذلك هو الوقت في حقه، فلم يصل إلا في وقتها، وكذلك النائم إذا استيقظ إنما صلى في الوقت. قالوا: ولم يجوز الله لأحد أن يصلي الصلاة لغير وقتها، ولا يقبلها منه في غير وقتها ألبتة. وكذلك شهر رمضان. وفي السنن عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "«من أفطر يوما من رمضان لم يقضه صيام الدهر وإن صامه»" [3] قالوا: وإنما يقبل الله صيامه في غير الشهر من المعذور، (1) ن، م، و، أ: إيجاب أو استحباب. (2) ن، م: لتحصيل. (3) الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه في: البخاري 3/32 كتاب الصوم، باب إذا جامع في رمضان، سنن أبي داود 2/422 - 423 كتاب الصوم باب التغليظ فيمن أفطر عمدا، سنن الترمذي 2/113 كتاب الصوم، باب ما جاء في الإفطار متعمدا. كالمريض والمسافر والحائض، ومن اشتبه عليه الشهر فتحرى فصام بعد ذلك، فإنه يجزيه الصيام، أما المعتمد للفطر فلا. قالوا: ولهذا لم يأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - الذي جامع أهله في رمضان بصوم، بل أمره بالكفارة فقط. وقد جاء ذكر أمره بالقضاء في حديث ضعيف ضعفه العلماء: أحمد بن حنبل وغيره [1] . وكذلك جاء في الذي يستقيء عمدا أنه يعيد، وهذا لم يثبت رفعه، وإنما ثبت أنه موقوف على أبي هريرة. وبتقدير صحته فيكون المراد به المعذور الذي اعتقد أنه يجوز له الاستقاء، أو المريض الذي احتاج إلى أن يستقيء فاستقاء ; فإن الاستقاءة لا تكون في العادة إلا لعذر، وإلا فلا يقصد العاقل أن يستقيء بلا حاجة [2] ، فيكون المستقيء متداويا بالاستقاءة، كما يتداوى (1) انظر كلام ابن قدامة في المغني 3/109 - 110 عن حكم من جامع أهله في رمضان، ورأي فقهاء المذاهب فيها، ورأي وجوب القضاء لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال للمجامع وصم يوما مكانه، رواه أبو داود بإسناده وابن ماجه والأثرم، وأما الكفارة فتلزمه للحديث المتفق عليه عن أبي هريرة قال: بينا نحن جلوس عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ جاءه رجل فقال: يا رسول الله، هلكت. قال: ما لك؟ قال: وقعت على امرأتي في رمضان وأنا صائم، الحديث، وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم أمره بالعتق أو بصيام شهرين متتابعين أو بإطعام ستين مسكينا فلم يستطع، فأعطاه عرق فيه تمر وأمره بالتصدق وقال له: أطعمه أهلك. وانظر ما ذكره الألباني في إرواء الغليل 4/88 - 93 وكلامه على الحديثين ومخالفته لابن تيمية في مسألة القضاء فإنه استشهد بكلام ابن حجر في الفتح 4/150 حيث قال: وبمجموع هذه الطرق تعرف أن لهذه الزيادة وهي قول النبي: وأمره أن يصوم يوما مكانه أصلا. (2) ن، م: لغير حاجة.
__________________
|
#324
|
||||
|
||||
![]() ![]() منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية أبو العباس أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية الحنبلي الدمشقي المجلد الخامس الحلقة (324) صـ 225 إلى صـ 234 بالأكل، وهذا يقبل منه القضاء ويؤمر به. وهذا الحديث ثابت عن أبي هريرة، وإنما اختلف في رفعه، وبكل حال هذا معناه [1] . فإن أبا هريرة هو الذي روى حديث الأعرابي، وحديث: "«من أفطر يوما من رمضان لم يقضه صيام الدهر»" فتحمل أحاديثه على الاتفاق لا على الاختلاف. وهذا قول طائفة من السلف والخلف، وهو قول أبي عبد الرحمن صاحب الشافعي، وهو قول [2] داود بن علي، وابن حزم [3] ، وغيرهم. قالوا: والمنازعون لنا ليس لهم قط حجة يرد إليها عند التنازع، وأكثرهم يقولون: لا يجب القضاء إلا بأمر ثان، وليس معهم هنا أمر. ونحن لا ننازع في وجوب القضاء فقط، بل ننازع في قبول القضاء منه وصحة الصلاة في غير وقتها، فنقول: الصلوات الخمس في غير وقتها المختص والمشترك، المضيق والموسع، كالجمعة في غير وقتها، وكالحج في غير وقته، وكرمي الجمار في غير وقتها. والوقت صفة للفعل، وهو من آكد واجباته، فكيف تقبل العبادة بدون صفاتها [4] الواجبة فيها؟ . (1) انظر كلام الألباني على هذا الحديث في إرواء الغليل 4/51 - 53 وقد صححه مرفوعا ونصه: عن أبي هريرة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من ذرعه القيء فليس عليه قضاء، ومن استقاء فليقض. على أن للحديث وجها آخر ضعيف، انظر 4/53 (2) ن، م: وقول. (3) انظر ما ذكره ابن حزم في وجوب القضاء على من استقاء وعدم وجوب القضاء على المتعمد للجماع في رمضان في المحلى 6/175 - 177، 180 - 185 (4) ح، ب: صفتها. وهو لو صلى إلى غير القبلة بغير عذر لم تكن صلاته إلا باطلة، وكذلك إذا صلى قبل الوقت المشترك لغير عذر، مثل أن يصلي الظهر قبل الزوال، والمغرب قبل المغيب، ولو فعل ذلك متأولا، مثل الأسير إذا ظن دخول شهر رمضان فصام، ومثل المسافر في يوم الغيم وغيرهما إذا اجتهدوا فصلوا الظهر: قبل الزوال أو المغرب قبل الغروب ; فهؤلاء في وجوب الإعادة عليهم قولان معروفان للعلماء. والنزاع في ذلك في مذهب مالك والشافعي. والمعروف من مذهب أحمد أنه لا يجزئهم، ولو فعلوا ذلك في الوقت المشترك، كصلاة العصر في وقت الظهر، والعشاء قبل مغيب الشفق، فقياس الصحيح من مذهب أحمد أن ذلك يجزئ، فإنه جمع لعذر وهو لا يشترط النية، وقد نص على أن المسافر إذا صلى العشاء قبل مغيب الشفق أجزأه لجواز الجمع له، وإن كان لم يصلها مع المغرب، ولهذا يستحب له مع أمثاله تأخير الظهر وتقديم العصر، وتأخير المغرب وتقديم العشاء، كما نقل عن السلف. فدل على أن الثانية إذا فعلت هنا قبل الوقت الخاص أجزأته. قالوا: فالنزاع في صحة مثل هذه الصلاة، كالنزاع في رمي الجمار [لا يفعل بعد الوقت] [1] . قال لهم الأولون: ما قستم عليه من الجمعة والحج ورمي الجمار لا يفعل بعد الوقت المحدود في الشرع بحال، لا لمعذور ولا لغير معذور [2] . فعلم أن هذه الأفعال مختصة بزمان كما هي مختصة بمكان. (1) ما بين المعقوفتين ساقط من (ن) ، (م) ، (و) . (2) ن، م، و: ولا لغيره. وأما الصلوات الخمس فيجوز فعلها للمعذور بعد انقضاء الأوقات، فعلم أنه يصح فعلها في غير الوقت، وأن الوقت ليس شرطا فيها، كما هو شرط في تلك العبادات. قال الآخرون: الجواب من وجهين: أحدهما: أن يقال: هب أنه يجوز فعل الصلاة بعد وقتها للمعذور، توسعة من الله ورحمة [1] ، وأما النائم والناسي فلا [2] ذنب لهما، فوسع الله لهما عند الذكر والانتباه، إذا كان لا يمكنهما الصلاة إلا حينئذ. فأي شيء في هذا مما يدل على جواز ذلك لمرتكب الكبيرة الذي لا عذر له في تفويتها؟ والحج إذا فاته في عام أمكنه أن يحج في عام قابل، ورمي الجمار إذا فاته جعل له بدل عنها وهو النسك. والجمعة إذا فاتت صلى الظهر. فكان [3] المعذور إذا فاتته هذه العبادات المؤقتة شرع له أن يأتي ببدلها، ولا إثم عليه، رحمة من الله في حقه. وأما غير المعذور فجعل له البدل أيضا في الحج، لأن الحج يقبل النيابة ; فإذا مات الإنسان جاز أن يحج عنه وإن كان مفرطا [4] فإذا جاز أن يحج عنه غيره فلأن يجوز أن يأتي هو بالبدل بطريق الأحرى والأولى ; فإن الدم الذي يخرجه هو أولى من فعل غيره عنه. وأما الجمعة إذا فاتته، فإنما يصلي الظهر، لأنها الفرض المعتاد في كل يوم، لا لأنها بدل عن الجمعة، بل الواجب على كل أحد: إما (1) ح، ر: ورحمة لهما. (2) أ، ب: لأن النائم والناسي لا. (3) ن، م، و: وكان. (4) ح: مفروضا. الجمعة وإما الظهر ; فإذا أمكنه [1] الجمعة وجبت عليه، وإن لم يمكن صلى الظهر، فإذا فاتت الجمعة أمكنه أن يصلي الظهر، فوجب عليه صلاة الظهر. ولهذا لا يجوز فعلها عند أكثر العلماء إلا إذا فاتت الجمعة. وأما الصلاة المكتوبة فلا تدخلها النيابة بحال، وكذلك صوم رمضان إن [2] كان قادرا عليه وإلا سقط عنه الصوم، وأطعم هو عن كل يوم مسكينا عند الأكثرين، وعند مالك لا شيء عليه. وأما ما وردت به السنة من صيام الإنسان عن وليه، فذاك في النذر، كما فسرته الصحابة الذين رووه بهذا، كما يدل عليه لفظه ; فإنه قال: "«من مات وعليه صيام صام عنه وليه»" [3] والنذر في ذمته وهو [4] عليه، وأما صوم رمضان فليس في ذمته ولا هو عليه، بل هو ساقط عن العاجز عنه. فلما كانت الصلوات الخمس وصيام رمضان لا يفعله أحد عن أحد أصلا، لم يكن لهما بدل، بخلاف الحج وغيره، فلهذا وسع الشارع في قضائهما للمعذور لحاجته به إلى ذلك توسعة منه ورحمة، وغيرهما لم يوسع في قضائه لأحد، لأنه لا حاجة به [5] إلى قضائه لما شرع من البدل، (1) ن، م: أمكنته، ح: أمكنت. (2) ح، ب: إذا. (3) الحديث عن عائشة رضي الله عنها في: البخاري 3/35 كتاب الصوم، باب من مات وعليه صوم مسلم 2/803 كتاب الصيام، باب قضاء الصيام عن الميت، سنن أبي داود 2/423 - 424 كتاب الصوم، باب فيمن مات وعليه صيام، وقال أبو داود: هذا في النذر، وهو قول أحمد بن حنبل. (4) ن، م، و: فهو. (5) به: ساقطة من (ن) ، (م) . إما عبادة أخرى كالظهر عن الجمعة، والدم عن واجبات الحج، وإما فعل الغير، كالحج عن المغصوب والميت. فهذا يبين الفرق بين الصلاة والصوم وغيرهما، وبين المعذور وغيره، ويبين أن من وسع فيهما لغير المعذور [1] كما يوسع للمعذور فقد أخطأ القياس. الجواب الثاني: أنا لم نقس قياسا استفدنا به حكم الفرع من الأصل ; فإن ما ذكرناه ثابت بالأدلة الشرعية التي لا تحتاج إلى القياس معها كما تقدم، لكن ذكرنا القياس ليتصور الإنسان ما جاء به الشرع في هذا، كما يضرب الله الأمثال للتفهيم والتصوير، لا لأن ذلك هو الدليل الشرعي. والمراد بهذا القياس أن يعرف أن فعل الصلاة بعد الوقت، حيث حرم الله ورسوله تأخيرها، بمنزلة فعل هذه العبادات. والمقصود تمثيل الحكم بالحكم، لا تمثيل الفعل بالفعل، فيعرف [2] أن المقصود أن الصلاة ما بقيت تقبل ولا تصح، كما لا تقبل هذه ولا تصح ; فإن من الجهال من يتوهم أن المراد بذلك تهوين [3] أمر الصلاة، وأن من فوتها سقط عنه القضاء، فيدعو ذلك السفهاء إلى تفويتها. وهذا لا يقوله مسلم، بل من قال: إن من فوتها فلا إثم عليه، فهو كافر مرتد يستتاب، فإن تاب وإلا قتل. ولكن تفويت الصلاة عمدا مثل تفويت شهر رمضان عمدا بإجماع المسلمين، فأجمع المسلمون كلهم من (1) ن، م: أن من وسع لغيره. (2) ن: فيعلم. (3) ح، ب: توهين. جميع الطوائف على أن من قال: لا أصلي صلاة النهار إلا بالليل، فهو كمن قال: لا أصوم رمضان [1] إلا في شوال، فإن كان يستجيز تأخيرها ويرى ذلك جائزا له، فهو كمن يرى تأخير رمضان جائزا. وهذا وهذا يجب [2] استتابتهما باتفاق العلماء، فإن تابا واعتقدا وجوب فعل الصلاة والصوم في وقتهما وإلا قتلا. وكثير من العامة والجهال يعتقدون جواز تأخيرها إلى الليل بأدنى شغل، ويرى أن صلاتها بالليل خير من أن يصليها بالنهار مع الشغل، وهذا باطل بإجماع المسلمين، بل هذا كفر [3] . وكثير منهم لا يرى جوازها في الوقت إلا مع كمال الأفعال، وأنه إذا صلاها بعد الوقت مع كمال الأفعال كان أحسن، وهذا باطل، بل كفر باتفاق العلماء. ومن أسباب هذه الاعتقادات الفاسدة تجويز القضاء لغير المعذور، وقول القائل: إنها تصح وتقبل وإن أثم بالتأخير، فجعلوا فعلها بعد الغروب كفعل العصر بعد الاصفرار، وذلك جمع بين ما فرق الله ورسوله بينه. فلو علمت العامة أن تفويت الصلاة كتفويت شهر رمضان باتفاق المسلمين، لاجتهدوا في فعلها في الوقت. ومن جملة أسباب ذلك أن رمضان يشترك في صومه جميع الناس، والوقت مطابق للعبادة لا يفصل [4] عنها، وليس له شروط كالصلاة. والصلاة وقتها موسع، فيصلي بعض الناس في أول الوقت وبعضهم في (1) ن: لا أصوم شهر رمضان. (2) ح: وهذا قد يجب، ر، م: وهذا يجب، ب: وهذان يجب. (3) ن، م: بل هو كفر. (4) ح، ب: لا ينفصل. آخره، وكلاهما جائز، وفيها واجبات يظن الجهال أنه لا يجوز فعلها إلا مع تلك الواجبات مطلقا، فيقولون: نفعلها بعد الوقت، فهو خير من فعلها في الوقت بدون تلك الواجبات. فهذا الجهل أوجب تفويت الصلاة التفويت [1] المحرم بالإجماع، ولا يجوز أن يقال لمن فوتها: لا شيء عليك، أو تسقط عنك الصلاة، وإن قال هذا فهو كافر، ولكن يبين له أنك بمنزلة من زنى وقتل النفس، وبمنزلة من أفطر رمضان عمدا، إذ أذنبت ذنبا ما بقي له جبران يقوم مقامه، فإنه من الكبائر. بل قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: الجمع بين الصلاتين من غير عذر من الكبائر. فإذا كان هذا في الجمع من غير عذر، فكيف بالتفويت من غير عذر؟ وحينئذ فعليك بالتوبة والاجتهاد في أعمال صالحة أكثر من قضائها، فصل صلوات كثيرة، لعله أن يكفر بها عنك ما فوته، وأنت مع ذلك على خطر، وتصدق فإن بعض الصحابة ألهاه بستانه عن صلاة المغرب فتصدق ببستانه. وسليمان بن داود لما فاتته صلاة العصر بسبب الخيل، طفق مسحا بالسوق والأعناق، فعقرها كفارة لما صنع. فمن فوت صلاة واحدة عمدا فقد أتى كبيرة عظيمة، فليستدرك بما أمكن من توبة وأعمال صالحة. ولو قضاها لم يكن مجرد [2] القضاء رافعا إثم ما فعل بإجماع المسلمين. والذين يقولون: لا يقبل منه القضاء، يقولون: نأمره بأضعاف القضاء، لعل الله أن يعفو عنه. وإذا قالوا: لا يجب القضاء إلا بأمر جديد، فلأن القضاء تخفيف ورحمة، كما في حق المريض والمسافر في رمضان. والرحمة والتخفيف تكون للمعذور والعاجز، لا تكون (1) التفويت: ساقطة من (ن) ، (م) . (2) مجرد: ساقطة من (ح) ، (ر) . لأصحاب الكبائر المتعمدين لها، المفرطين في عمود الإسلام. والصلاة عمود الإسلام، ألا ترى إلى ما ثبت في الصحيح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من غير وجه أنه لما سئل عمن وجب عليه الحج فعجز عنه، أو نذر صياما أو حجا فمات، هل يفعل عنه؟ فقال: "«أرأيت لو كان على أبيك أو أمك دين فقضيته، أما كان يجزي عنه؟" قال: بلى. قال: "فالله [1] أحق بالقضاء»" [2] . ومراده بذلك أن الله أحق بقبول القضاء عن المعذور من بني آدم ; فإن الله أرحم وأكرم، فإذا كان الآدميون يقبلون القضاء عمن مات، فالله أحق بقبوله أيضا، لم يرد بذلك أن الله يحب أن تقضى حقوقه التي كانت على الميت، وهي أوجب ما يقضى من الدين، فإن دين الميت لا يجب على الورثة قضاؤه، لكن يقضى من تركته، ولا يجب على أحد فعل ما وجب على الميت من نذر. والسائل إنما سأل عن الإجزاء والقبول، لم يسأل عن الوجوب، فلا بد أن يجاب عن سؤاله، فعلم أن الأمر بقضاء العبادات وقبول القضاء من باب الإحسان والرحمة [3] ، وذلك مناسب للمعذور [4] . وأما صاحب الكبيرة المفوت عمدا [5] فلا يستحق تخفيفا ولا رحمة، لكن إذا تاب فله (1) ح، ب: إن الله. (2) الحديث مع اختلاف في الألفاظ، عن ابن عباس رضي الله عنهما في: مسلم 2/804 كتاب الصيام باب قضاء الصيام عن الميت، سنن الترمذي 2/110 كتاب الصوم، باب ما جاء في الصوم عن الميت، قال الترمذي: وفي الباب عن بريدة وابن عمر وعائشة حديث ابن عباس حديث حسن صحيح. (3) والرحمة: ساقطة من (ح) (ر) . (4) ح، ر: للمعرفة. (5) ح، ب: الكبيرة المتعمد، وسقطت عبارة (المفوت عمدا) من (و) . أسوة بسائر التائبين من الكبائر، فيجتهد في طاعة [1] الله وعباداته بما أمكن، والذين أمروه بالقضاء من العلماء [2] لا يقولون: إنه بمجرد القضاء [يسقط عنه الإثم، بل يقولون: بالقضاء] [3] يخف عنه الإثم، وأما إثم التفويت وتأخير الصلاة عن وقتها فهو كسائر الذنوب التي تحتاج: إما إلى توبة، وإما إلى حسنات ماحية، وإما غير ذلك مما يسقط به العقاب. وهذه المسائل لبسطها موضع آخر. والمقصود هنا أن ما كان من الشيطان مما لا يدخل تحت الطاقة فهو معفو عنه، كالنوم والنسيان والخطأ في الاجتهاد ونحو ذلك، وأن كل من مدح من الأمة [4] أولهم وآخرهم على شيء أثابه الله عليه ورفع به قدره، فهو مما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، فالثواب على ما جاء به الرسول [5] ، والنصرة لمن نصره، والسعادة لمن اتبعه، وصلوات الله وملائكته [6] على المؤمنين به، والمعلمين للناس دينه، والحق يدور معه حيثما دار، وأعلم الخلق بالحق وأتبعهم له أعملهم بسنته وأتبعهم لها، وكل قول خالف قوله فهو إما دين منسوخ وإما دين مبدل لم يشرع قط. وقد قال علي رضي الله عنه في مفاوضة جرت بينه وبين عثمان رضي الله عنه: "خيرنا أتبعنا لهذا الدين" وعثمان يوافقه على ذلك، وسائر الصحابة [رضي الله عنهم أجمعين] [7] . (1) ح، ب: طاعات. (2) من العلماء: ساقطة من (ن) ، (م) . (3) ما بين المعقوفتين ساقط من (ن) ، (م) . (4) ر، ح: الأئمة. (5) الرسول: ساقطة من (ن) ، (م) ، (و) ، (أ) . (6) ن: وسلامه، أ: والملائكة. (7) ما بين المعقوفتين ساقط من (ن) ، (م) . [فصل الله أمر بالاستغفار لأصحاب محمد فسبهم الرافضة] فصل ولما قال السلف: إن الله أمر بالاستغفار لأصحاب محمد فسبهم الرافضة [1] ، كان هذا كلاما حقا. وكذلك قوله - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الصحيح: "«لا تسبوا أصحابي»" [2] يقتضي تحريم سبهم، مع أن الأمر بالاستغفار للمؤمنين والنهي عن سبهم عام. ففي الصحيحين عن ابن مسعود عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "«سباب المسلم فسوق وقتاله كفر»" [3] . وقد قال تعالى: {ياأيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرا منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيرا منهن ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالألقاب بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون} [سورة الحجرات: 11] فقد نهى عن السخرية واللمز والتنابز بالألقاب. واللمز: العيب والطعن، ومنه قوله تعالى: {ومنهم من يلمزك في الصدقات} [سورة التوبة: 58] أي يعيبك ويطعن عليك، وقوله: {الذين يلمزون المطوعين من المؤمنين في الصدقات} [سورة التوبة: 79] وقوله: {ولا تلمزوا أنفسكم} [سورة الحجرات: 49] أي لا يلمز بعضكم بعضا كقوله: {لولا إذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيرا} [سورة النور: 12] (1) و: أمرنا بالاستغفار لأصحاب محمد فسبوهم. (2) سبق الحديث فيما مضى 2/21 (3) سبق الحديث فيما مضى 4/499
__________________
|
#325
|
||||
|
||||
![]() ![]() منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية أبو العباس أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية الحنبلي الدمشقي المجلد الخامس الحلقة (325) صـ 235 إلى صـ 244 وقوله: {فتوبوا إلى بارئكم فاقتلوا أنفسكم} [سورة البقرة: 54] وقد قال تعالى: {ويل لكل همزة لمزة} الآية [سورة الهمزة: 1] والهمز: العيب [1] والطعن بشدة وعنف، ومنه همز الأرض بعقبه، ومنه الهمزة وهي نبرة من الصدر. وأما الاستغفار للمؤمنين عموما فقد قال تعالى: {واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات} [سورة محمد: 19] . وقد أمر الله بالصلاة على من يموت. وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يستغفر للمنافقين حتى نهي عن ذلك [2] . فكل مسلم لم يعلم أنه منافق جاز الاستغفار له والصلاة عليه، وإن كان فيه بدعة أو فسق، لكن لا يجب على كل أحد أن يصلي عليه. وإذا كان في ترك الصلاة على الداعي إلى البدعة والمظهر للفجور مصلحة من جهة انزجار الناس، فالكف عن الصلاة كان مشروعا لمن كان [3] يؤثر ترك صلاته في الزجر بأن لا يصلى عليه. كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - فيمن قتل نفسه: (1) ب فقط: لعيب. (2) في البخاري 2/96 - 97 كتاب الجنائز باب ما يكره من الصلاة على المنافقين، عن ابن عباس عن عمر بن الخطاب رضي الله عنهم أنه لما مات عبد الله بن أبي ابن سلول جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصلي عليه رجاه عمر ألا يفعل فقال له: أخر عني يا عمر. فلما أكثر عليه قال: (إني خيرت فاخترت لو أعلم أني زدت على السبعين فغفر له لزدت عليها.) قال: فصلى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم انصرف، فلم يمكث إلا يسيرا حتى نزلت الآيتان من براءة: (ولا تصل على أحد منهم مات أبدا) إلى (وهم فاسقون) [سورة التوبة: 84] الحديث وهو في سنن الترمذي النسائي وأحمد وانظر كلام الألباني عليه في سلسلة الأحاديث الصحيحة 3/123 - 124 (3) كان: زيادة في (ح) ، (ب) . "«صلوا على صاحبكم»" [1] وكذلك قال في الغال: "«صلوا على صاحبكم»" [2] وقد قيل لسمرة بن جندب: إن ابنك لم ينم البارحة. فقال: أبشما [3] ؟ قالوا: بشما. قال: لو مات لم أصل عليه. يعني: لأنه يكون قد قتل نفسه. وللعلماء هنا نزاع: هل يترك [4] الصلاة على مثل هذا الإمام [5] فقط، لقوله صلى الله عليه وسلم: "«صلوا على صاحبكم»" ؟ أم هذا الترك يختص بالنبي صلى الله عليه وسلم؟ أم مشروع لمن تطلب صلاته؟ وهل الإمام هو الخليفة أو الإمام الراتب؟ وهل هذا مختص بهذين أم هو ثابت لغيرهما؟ فهذه كلها مسائل تذكر في غير هذا الموضع. لكن بكل حال المسلمون المظهرون للإسلام قسمان: إما مؤمن، (1) الحديث عن جابر بن سمرة في سنن الترمذي 2/265، كتاب الجنائز باب ما جاء فيمن يقتل نفسه لم يصل عليه، ونصه: أن رجلا قتل نفسه، فلم يصل عليه النبي صلى الله عليه وسلم قال الترمذي هذا حديث حسن وذكر الترمذي اختلاف العلماء في هذا وأن أحمد قال: لا يصلي الإمام على قاتل النفس، ويصلي عليه غير الإمام، مع اختلاف في اللفظ، في سنن النسائي 4/53 كتاب الجنائز باب ترك الصلاة على من قتل نفسه. (2) الحديث عن زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه في سنن أبي داود 3/91 كتاب الجهاد باب في تعظيم الغلول، سنن النسائي 4/52 كتاب الجنائز، باب الصلاة على من غل، سنن ابن ماجه 2/950 كتاب الجهاد باب الغلول، والحديث في المسند ط. الحلبي 5/192 المستدرك 2/127 وقال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين، وضعف الألباني الحديث في إرواء الغليل 3/174 - 175 وتكلم عليه. (3) قال ابن الأثير في النهاية: البشم: التخمة من الدسم. (4) ن، م، و: ترك، أ: تترك. (5) الإمام: ساقطة من (ح) ، (ر) . وإما منافق. فمن علم نفاقه لم تجز الصلاة عليه والاستغفار له. ومن لم يعلم ذلك منه [1] صلي عليه. وإذا علم شخص نفاق شخص لم يصل هو عليه، وصلى [2] عليه من لم يعلم نفاقه. وكان عمر رضي الله عنه لا يصلي على من لم يصل عليه حذيفة، لأنه كان في غزوة تبوك قد عرف المنافقين، الذين عزموا على الفتك برسول الله - صلى الله عليه وسلم. واعلم أنه لا منافاة بين عقوبة الإنسان في الدنيا على ذنبه وبين الصلاة عليه والاستغفار له ; فإن الزاني والسارق والشارب وغيرهم من العصاة تقام عليهم الحدود، ومع هذا فيحسن إليهم [3] بالدعاء لهم في دينهم ودنياهم ; فإن العقوبات الشرعية إنما شرعت رحمة من الله بعباده، فهي صادرة عن رحمة الله [4] وإرادة الإحسان إليهم [5] . ولهذا ينبغي لمن يعاقب الناس على الذنوب أن يقصد بذلك الإحسان إليهم والرحمة لهم، كما يقصد الوالد تأديب ولده، وكما يقصد الطبيب معالجة المريض ; فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "«إنما أنا لكم بمنزلة الوالد»" [6] . . وقد قال تعالى: {النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم} [سورة الأحزاب: 6] (1) ح، ب: عنه. وسقطت الكلمة من (و) . (2) ب فقط: ويصلي. (3) ح، ب: عليهم. (4) عن رحمة الله: كذا في (أ) ، (ب) ، وفي سائر النسخ: عن رحمة الخلق. (5) ح، ب، ر، أ: لهم. (6) الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه: في سنن أبي داود 1 كتاب الطهارة باب كراهية استقبال القبلة عند قضاء الحاجة، ونصه: إنما أنا لكم بمنزلة الوالد أعلمكم، فإذا أتى أحدكم الغائط فلا يستقبل القبلة ولا يستدبرها ولا يستطب بيمينه، وكان يأمر بثلاثة أحجار، وينهى عن الروث والرمة، والحديث في: سنن النسائي، 1/36 - 37 كتاب الطهارة، باب النهي عن الاستطابة بالروث، وأوله فيه: إنما أنا لكم مثل الوالد، وهو أيضا في سنن ابن ماجه 1/114 كتاب الطهارة، باب الاستنجاء بالحجارة، المسند ط. المعارف 13/100، 139 وصحح أحمد شاكر الحديثين وفي قراءة أبي: وهو أب لهم [1] . والقراءة المشهورة تدل على ذلك: فإن نساءه إنما كن أمهات المؤمنين تبعا له، فلولا أنه كالأب لم يكن نساؤه كالأمهات. والأنبياء أطباء الدين، والقرآن أنزله الله شفاء لما في الصدور، فالذي يعاقب الناس عقوبة شرعية إنما هو نائب عنه [2] وخليفة له، فعليه أن يفعل كما يفعل على الوجه الذي فعل. ولهذا قال تعالى: {كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله} [سورة آل عمران: 110] قال أبو هريرة: كنتم خير الناس للناس [3] تأتون بهم في الأقياد والسلاسل تدخلونهم الجنة [4] . أخبر أن هذه الأمة خير الأمم لبني آدم: فإنهم يعاقبونهم بالقتل [5] والأسر، ومقصودهم بذلك الإحسان إليهم، وسوقهم إلى كرامة (1) أورد هذه القراءة الطبري في تفسيره 21/77 والقرطبي في تفسيره 14/123 وابن كثير 6/382. (2) ح، ب: نائب له. (3) أ، ب: كنتم خير أمة أخرجت للناس، ح: كنتم خيرا للناس. (4) ورد هذا الأثر في: البخاري 6/37 - 38 كتاب التفسير، سورة آل عمران، باب كنتم خير أمة أخرجت للناس ونصه فيه: عن أبي هريرة رضي الله عنه كنتم خير أمة أخرجت للناس، قال: خير الناس للناس، تأتون بهم في السلاسل في أعناقهم حتى يدخلوا في الإسلام. وانظر تفسير ابن كثير للآية 2/77 ط. دار الشعب. (5) ن، م، و، أ، ر: بالقتال. الله ورضوانه، وإلى دخول الجنة. وهكذا الرد على أهل البدع من الرافضة وغيرهم: إن لم يقصد فيه بيان الحق وهدى الخلق ورحمتهم والإحسان إليهم، لم يكن عمله صالحا. وإذا غلظ في ذم بدعة ومعصية [1] كان قصده بيان ما فيها من الفساد ليحذرها العباد، كما في نصوص الوعيد وغيرها. وقد يهجر الرجل عقوبة وتعزيرا، والمقصود بذلك ردعه وردع أمثاله، للرحمة والإحسان، لا للتشفي والانتقام. كما هجر النبي - صلى الله عليه وسلم - أصحابه الثلاثة الذي خلفوا لما جاء المتخلفون عن الغزاة يعتذرون ويحلفون وكانوا يكذبون. وهؤلاء الثلاثة صدقوا وعوقبوا بالهجر، ثم تاب الله عليهم ببركة الصدق [2] . وهذا مبني على مسألتين: إحداهما: أن الذنب لا يوجب كفر صاحبه، كما تقوله الخوارج، بل ولا تخليده في النار ومنع الشفاعة فيه، كما يقوله المعتزلة. الثاني أن المتأول الذي قصده متابعة الرسول لا يكفر، بل [3] ولا يفسق إذا اجتهد فأخطأ. وهذا مشهور عند الناس في المسائل العملية. وأما مسائل العقائد فكثير من الناس كفر [4] المخطئين فيها. وهذا القول لا يعرف عن أحد من الصحابة والتابعين لهم بإحسان، ولا عن [5] أحد من أئمة المسلمين، وإنما هو في الأصل من أقوال أهل (1) ن، م: وإذا غلظ ذم معصية. (2) انظر ذلك فيما سبق 1/65، 4/459 (3) ب: زيادة في (ر) ، (و) . (4) ح، ب: كفروا. (5) ح، ب: ولا يعرف عذر. البدع، الذين يبتدعون بدعة ويكفرون من خالفهم، كالخوارج والمعتزلة والجهمية، ووقع ذلك في كثير من أتباع الأئمة، كبعض أصحاب مالك والشافعي وأحمد وغيرهم. وقد يسلكون في التكفير ذلك ; فمنهم من يكفر أهل البدع مطلقا، ثم يجعل كل من خرج عما هو عليه من أهل البدع. وهذا بعينه قول الخوارج والمعتزلة الجهمية. وهذا القول أيضا يوجد [1] في طائفة من أصحاب الأئمة الأربعة، وليس هو قول الأئمة الأربعة [2] ولا غيرهم [3] ، وليس فيهم من كفر كل مبتدع، بل المنقولات الصريحة عنهم تناقض ذلك، ولكن قد ينقل عن أحدهم [4] أنه كفر من قال بعض الأقوال، ويكون مقصوده أن هذا القول كفر ليحذر، ولا يلزم إذا كان القول كفرا أن يكفر كل من قاله مع الجهل والتأويل ; فإن ثبوت الكفر في حق الشخص المعين، كثبوت الوعيد في الآخرة في حقه، وذلك له شروط وموانع، كما بسطناه في موضعه. وإذا لم يكونوا في نفس الأمر كفارا لم يكونوا منافقين، فيكونون من المؤمنين، فيستغفر لهم ويترحم عليهم. وإذا قال المؤمن [5] : {ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان} [سورة الحشر: 10] يقصد كل [6] من (1) ب فقط: لا يوجد وهو خطأ. (2) ساقط من (أ) ، (ب) . (3) و: وهذا القول يوجد في طائفة من أصحاب الأئمة: مالك والشافعي والإمام أحمد وليس هذا قول هؤلاء الأئمة ولا غيرهم. (4) ر: قد ينقل أحد عنهم. (5) ح، ب، ر، و: المسلم. (6) كل: ساقطة من (ر) ، (ح) . سبقه من قرون الأمة بالإيمان، وإن كان قد أخطأ في تأويل تأوله فخالف السنة، أو أذنب ذنبا، فإنه من إخوانه الذين سبقوه بالإيمان، فيدخل في العموم، وإن كان من الثنتين والسبعين فرقة، فإنه ما من فرقة إلا وفيها خلق كثير ليسوا كفارا، بل مؤمنين فيهم ضلال وذنب يستحقون به الوعيد، كما يستحقه عصاة المؤمنين. والنبي - صلى الله عليه وسلم - لم يخرجهم من الإسلام، بل جعلهم من أمته، ولم يقل: إنهم يخلدون في النار. فهذا أصل عظيم ينبغي مراعاته ; فإن كثيرا من المنتسبين إلى السنة فيهم بدعة، من جنس بدع الرافضة والخوارج. وأصحاب الرسول - صلى الله عليه وسلم - علي بن أبي طالب وغيره لم يكفروا الخوارج الذين قاتلوهم، بل أول ما خرجوا عليه وتحيزوا بحروراء، وخرجوا عن الطاعة والجماعة، قال لهم علي بن أبي طالب رضي الله عنه: إن لكم علينا أن لا نمنعكم مساجدنا [1] ولا حقكم من الفيء. ثم أرسل إليهم ابن عباس فناظرهم فرجع نحو نصفهم، ثم قاتل الباقي وغلبهم، ومع هذا لم يسب لهم ذرية، ولا غنم لهم مالا، ولا سار فيهم سيرة الصحابة في المرتدين، كمسيلمة الكذاب وأمثاله، بل كانت سيرة علي والصحابة في الخوارج مخالفة لسيرة الصحابة في أهل الردة، ولم ينكر أحد على علي ذلك، فعلم اتفاق الصحابة على أنهم لم يكونوا مرتدين عن دين الإسلام [2] . قال الإمام محمد بن نصر المروزي [3] : "وقد ولي علي رضي الله عنه" (1) أ، ب: من مساجدنا. (2) ن، م: عن الإسلام. (3) سبقت ترجمته فيما سبق 2/106 قتال أهل البغي، وروى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فيهم ما روى، وسماهم مؤمنين، وحكم فيهم بأحكام المؤمنين. وكذلك عمار بن ياسر "." وقال محمد بن نصر أيضا: "حدثنا إسحاق بن راهويه، حدثنا يحيى بن آدم، عن مفضل [1] بن مهلهل، عن الشيباني، عن قيس بن مسلم، عن طارق بن شهاب قال:" كنت عند علي حين فرغ من قتال أهل النهروان، فقيل له: أمشركون هم؟ قال: من الشرك فروا. فقيل: فمنافقون [2] ؟ قال: المنافقون لا يذكرون الله إلا قليلا. قيل: فما هم؟ قال: قوم بغوا علينا فقاتلناهم "." (* وقال محمد بن نصر أيضا: "حدثنا إسحاق حدثنا وكيع، عن مسعر، عن عامر بن سفيان [3] ، عن أبي وائل، قال: قال رجل: من دعي [4] إلى البغلة الشهباء يوم قتل المشركون؟ فقال علي: من الشرك فروا. قال: المنافقون؟ قال: إن المنافقين لا يذكرون الله إلا قليلا. قال: فما هم؟ قال: قوم بغوا علينا فقاتلناهم فنصرنا عليهم." قال: حدثنا [5] إسحاق، حدثنا وكيع عن أبي خالدة [6] ، عن (1) ن، م، و، أ: حدثنا مفضل. (2) ح، ب: أفمنافقون. (3) أ، ب: عن عامر بن شفيق. (4) أ، ر، و: من دعا. (5) حدثنا: زيادة في (و) فقط. (6) و: عن ابن أبي حلد. حكيم بن جابر، قال: قالوا لعلي حين قتل أهل النهروان: أمشركون هم؟ قال: من الشرك فروا. قيل: فمنافقون؟ قال: المنافقون لا يذكرون الله إلا قليلا. قيل: فما هم؟ قال: قوم حاربونا فحاربناهم وقاتلونا فقاتلناهم *) [1] . قلت: الحديث [2] الأول وهذا الحديث صريحان في أن عليا قال هذا القول في الخوارج الحرورية أهل النهروان، الذين استفاضت الأحاديث الصحيحة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في ذمهم والأمر بقتالهم، وهم يكفرون عثمان وعليا ومن تولاهما، فمن لم يكن معهم كان عندهم كافرا ودارهم دار كفر، فإنما دار الإسلام عندهم هي دارهم. قال الأشعري وغيره: "أجمعت الخوارج على تكفير علي بن أبي طالب رضي الله عنه [3]" . ومع هذا علي قاتلهم لما بدءوه بالقتال فقتلوا عبد الله بن خباب، وطلب علي منهم قاتله، فقالوا: كلنا قتله، وأغاروا على ماشية الناس [4] . ولهذا قال فيهم: "قوم قاتلونا فقاتلناهم، وحاربونا فحاربناهم" وقال: "قوم بغوا علينا فقاتلناهم" . وقد اتفق الصحابة والعلماء بعدهم على قتال هؤلاء ; فإنهم بغاة على جميع المسلمين، سوى من وافقهم على مذهبهم، وهم يبدءون المسلمين بالقتال، ولا يندفع شرهم إلا بالقتال ; فكانوا أضر على المسلمين من قطاع الطريق. فإن أولئك إنما مقصودهم المال، (* فلو (1) ما بين النجمتين ساقط من (م) . (2) ح، ر: وأما الحديث. (3) قال الأشعري في مقالات الإسلاميين 1/156 وأجمعت الخوارج على إكفار علي بن أبي طالب رضوان الله عليه أن حكم. . . . (4) ح، ب: على ماشية فقتلوا الناس. أعطوه لم يقاتلوا، وإنما يتعرضون لبعض الناس *) [1] وهؤلاء يقاتلون الناس على الدين حتى يرجعوا عما ثبت بالكتاب والسنة وإجماع الصحابة إلى ما ابتدعه هؤلاء بتأويلهم الباطل وفهمهم الفاسد للقرآن. ومع هذا فقد صرح علي رضي الله عنه بأنهم مؤمنون ليسوا كفارا ولا منافقين. وهذا بخلاف ما كان يقوله بعض الناس، كأبي إسحاق الإسفراييني ومن اتبعه، يقولون: "لا نكفر إلا من يكفر" [2] فإن الكفر ليس حقا لهم، بل هو حق لله [3] ، وليس للإنسان أن يكذب على من يكذب [4] عليه، ولا يفعل الفاحشة بأهل من فعل الفاحشة بأهله، بل ولو استكرهه رجل على اللواطة [5] ، لم يكن له أن يستكرهه على ذلك، ولو قتله بتجريع خمر أو تلوط به [6] لم يجز قتله بمثل ذلك [7] ، لأن هذا حرام لحق الله تعالى. ولو سب النصارى نبينا، لم يكن لنا أن نسب المسيح. والرافضة إذا كفروا أبا بكر وعمر، فليس لنا أن نكفر عليا. وحديث أبي وائل يوافق ذينك الحديثين. فالظاهر أنه كان يوم النهروان أيضا. وقد روي عنه في أهل الجمل وصفين قول أحسن من هذا. قال إسحاق بن راهويه: حدثنا أبو نعيم، حدثنا سفيان، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، قال: سمع علي يوم الجمل أو يوم [8] صفين رجلا يغلو في القول، فقال: (1) ما بين النجمتين ساقط من (أ) . (2) ح، ب، ر، و: إلا من يكفرنا. (3) ح: الله. (4) أ، و: كذب. (5) ن، م: ولو استكرهه على اللوطية، و، ر: ولو استكرهه رجل على اللوطية. (6) به: ساقطة من (أ) ، (ب) ، (ح) ، (ر) . (7) و: لم يكن له أن يقتله بمثل ذلك. (8) ح، ب: ويوم.
__________________
|
#326
|
||||
|
||||
![]() ![]() منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية أبو العباس أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية الحنبلي الدمشقي المجلد الخامس الحلقة (326) صـ 245 إلى صـ 254 لا تقولوا إلا خيرا، إنما هم قوم زعموا إنا بغينا عليهم، وزعمنا أنهم بغوا علينا فقاتلناهم. فذكر لأبي جعفر أنه أخذ منهم السلاح. فقال: ما كان أغناه عن ذلك. وقال محمد بن نصر: حدثنا محمد بن يحيى، حدثنا أحمد بن خالد، حدثنا محمد بن راشد، عن مكحول: أن أصحاب علي سألوه عمن قتل من أصحاب معاوية ما هم؟ قال: هم مؤمنون [1] . وبه قال أحمد بن خالد، حدثنا عبد العزيز بن أبي سلمة، عن عبد الواحد بن أبي عون، قال: مر علي وهو متكئ [2] على الأشتر على قتلى صفين، فإذا حابس اليماني مقتول، فقال الأشتر: إنا لله وإنا إليه راجعون، هذا حابس اليماني معهم يا أمير المؤمنين، عليه علامة معاوية، أما والله لقد عهدته [3] مؤمنا. قال علي: والآن هو مؤمن. قال: وكان حابس رجلا من أهل اليمن، من أهل العبادة والاجتهاد. قال محمد بن يحيى: حدثنا محمد بن عبيد، حدثنا مختار بن نافع، عن أبي مطر، قال: قال علي: متى ينبعث أشقاها؟ قيل: من أشقاها؟ قال: الذي يقتلني. فضربه ابن ملجم بالسيف فوقع برأس علي رضي الله عنه، وهم المسلمون بقتله. فقال: لا تقتلوا الرجل، فإن برئت فالجروح قصاص، وإن مت فاقتلوه. فقال: إنك ميت. قال: وما يدريك؟ قال: كان سيفي مسموما [4] . (1) مؤمنون كذا في (ن) ، وفي سائر النسخ المؤمنون. (2) ن، ح: وهو يبكي، وهو تحريف. (3) ن: علمته. (4) انظر خبر مقتل علي رضي الله عنه في: تاريخ الطبري 5/143 - 147 وبه قال محمد بن عبيد [1] ، حدثنا الحسن وهو ابن الحكم النخعي عن رباح [2] بن الحارث [3] ، قال: إنا لبواد، وإن ركبتي لتكاد تمس [4] ركبة عمار بن ياسر، إذ أقبل رجل فقال: كفر والله أهل الشام [5] . فقال عمار: لا تقل ذلك، فقبلتنا واحدة، ونبينا واحد، ولكنهم قوم مفتونون، فحق علينا قتالهم حتى يرجعوا إلى الحق. وبه قال ابن يحيى، حدثنا قبيصة، حدثنا سفيان، عن الحسن بن الحكم، عن رباح [6] بن الحارث، عن عمار بن ياسر، قال: ديننا واحد، وقبلتنا واحدة، ودعوتنا واحدة، ولكنهم قوم بغوا علينا فقاتلناهم. قال ابن يحيى: حدثنا يعلى، حدثنا مسعر عن عبد الله بن رباح، عن رباح بن الحارث، قال: قال عمار بن ياسر: لا تقولوا كفر أهل الشام، قولوا: فسقوا، قولوا: ظلموا. قال محمد بن نصر: "وهذا يدل على أن الخبر الذي روي عن عمار بن ياسر، أنه قال لعثمان بن عفان: هو كافر، خبر باطل لا يصح، لأنه إذا أنكر كفر أصحاب معاوية، وهم إنما كانوا يظهرون أنهم يقاتلون في دم عثمان، فهو لتكفير عثمان أشد إنكارا" . قلت: والمروي في حديث عمار أنه لما قال ذلك، أنكر عليه علي (1) و: وبه قال حدثنا محمد بن عبيد. (2) ح، ب: رياح. (3) و: بن الحرب. (4) ن، م، أ: لتمس. (5) ب فقط: الشأم. (6) ب فقط: رياح. رضي الله عنه. وقال: أتكفر برب آمن به عثمان؟ وحدثه بما يبين بطلان ذلك القول. فيكون عمار: إن كان قال ذلك متأولا فقد رجع عنه حين بين له علي رضي الله عنه أنه [1] قول باطل. ومما يدل على أن الصحابة لم يكفروا الخوارج أنهم كانوا يصلون خلفهم، وكان عبد الله بن عمر رضي الله عنه وغيره من الصحابة [2] يصلون [3] خلف نجدة الحروري، وكانوا أيضا يحدثونهم ويفتونهم ويخاطبونهم، كما يخاطب المسلم المسلم، كما كان عبد الله بن عباس يجيب نجدة الحروري لما أرسل إليه يسأله عن مسائل، وحديثه في البخاري [4] . وكما أجاب نافع بن الأزرق عن مسائل مشهورة [5] ، وكان نافع يناظره في أشياء بالقرآن، كما يتناظر المسلمان. وما زالت سيرة المسلمين على هذا، ما جعلوهم مرتدين كالذين (1) ر، ح، ب، ن، م: حين تبين له أنه. (2) من الصحابة ساقطة من (ن) ، (م) ، (أ) . (3) ح، ب: كانوا يصلون. (4) ذكر مسلم في صحيحه 3/1444 - 1445 كتاب الجهاد والسير، باب النساء الغازيات يرضخ لهن، عن يزيد بن هرمز، أن نجدة كتب إلى ابن عباس يسأله عن خمس خلال، فقال ابن عباس لولا أن أكتم علما ما كتبت إليه، الحديث، وذكره الإمام أحمد في مسنده ط. المعارف الأرقام: 1967، 2235، 685، 2812، 2943 وذكر أحمد شاكر رحمه الله أن الحديث في سنن أبي داود والنسائي والبيهقي والترمذي والشوكاني، ولم أعرف مكان الحديث في البخاري. (5) ذكر سزكين في موضعين م [0 - 9] ، جـ [0 - 9] ص [0 - 9] 30 م [0 - 9] ، ج [0 - 9] ص [0 - 9] : أن نجدة بن عامر الحروري المتوفى سنة 69 كتب إلى عبد الله بن عباس وسأله عن مسائل فقهية متنوعة أشار سزكين إلى أن هذه الواقعة ذكرت في الأنساب للبلاذري 1/715 ولسان الميزان لابن حجر 6/148 وإنه قد وصل إلينا قسم من هذه المراسلات في المدونة 3/6، كما كتب نافع بن الأزرق إليه يسأله عن أمور انظر العلل لابن أبي حاتم الرازي 1/307. قاتلهم الصديق رضي الله عنه. هذا مع أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقتالهم [1] في الأحاديث الصحيحة، وما روي من أنهم "«شر قتلى تحت أديم السماء، خير قتيل [2] من قتلوه»" في الحديث الذي رواه أبو أمامة، رواه الترمذي وغيره [3] . أي أنهم شر على المسلمين من غيرهم، فإنهم لم يكن أحد شرا على المسلمين منهم: لا اليهود ولا النصارى ; فإنهم كانوا مجتهدين في قتل كل مسلم لم يوافقهم، مستحلين لدماء المسلمين وأموالهم وقتل أولادهم، مكفرين لهم، وكانوا متدينين بذلك لعظم جهلهم وبدعتهم المضلة. ومع هذا فالصحابة رضي الله عنهم والتابعون لهم بإحسان لم يكفروهم، ولا جعلوهم مرتدين، ولا اعتدوا عليهم بقول ولا فعل، بل اتقوا الله فيهم، وساروا فيهم السيرة العادلة. وهكذا سائر فرق أهل البدع والأهواء من الشيعة والمعتزلة ; وغيرهم فمن كفر الثنتين والسبعين فرقة (1) مع أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتالهم: كذا في (ح) ، (ب) ، وفي سائر النسخ: مع أمر الله ورسوله بقتالهم. (2) ن، م، و، أ: قتلى. (3) الحديث عن أبي أمامة رضي الله عنه في: سنن الترمذي 4/294 كتاب التفسير من سورة آل عمران، ونصه: عن أبي غالب، قال: رأى أبو أمامة رءوسا منصوبة على درج دمشق فقال أبو أمامة: كلاب النار، شر قتلى تحت أديم السماء، خير قتلى من قتلوه، ثم قرأ (يوم تبيض وجوه وتسود وجوه) إلى آخر الآية. قلت لأبي أمامة: أنت سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: لو لم أسمعه إلا مرة أو مرتين أو ثلاثا أو أربعا حتى عد سبعا ما حدثتكموه، قال الترمذي: هذا حديث حسن، وجاء الحديث مختصرا في: سنن ابن ماجه 1/62 المقدمة، باب في ذكر الخوارج المسند ط. الحلبي 5/253، 256 مطولا. كلهم فقد خالف الكتاب والسنة وإجماع الصحابة والتابعين لهم بإحسان، مع أن حديث الثنتين والسبعين فرقة ليس في الصحيحين، وقد ضعفه ابن حزم وغيره لكن حسنه غيره أو صححه، كما صححه الحاكم وغيره، وقد رواه أهل السنن، وروي من طرق [1] . وليس قوله: "«ثنتان وسبعون في النار وواحدة في الجنة»" بأعظم من قوله تعالى: {إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا} [سورة النساء: 10] وقوله: {ومن يفعل ذلك عدوانا وظلما فسوف نصليه نارا وكان ذلك على الله يسيرا} [سورة النساء: 30] ، وأمثال ذلك من النصوص الصريحة بدخول من فعل ذلك النار. (1) تكلمت على هذا الحديث في مقدمة الجزء الأول ص [0 - 9] 2 من الطبعة الأولى، وجاء الحديث بلفظ: افترقت اليهود على إحدى أو اثنتين وسبعين فرقة، وتفرقت النصارى على إحدى أو اثنتين وسبعين فرقة، وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة، عن أبي هريرة رضي الله عنه، وتكلم عليه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة المجلد الأول حديث رقم 203 كلاما مفصلا، والحديث بهذا اللفظ في سنن أبي داود 4/276 كتاب السنة، باب شرح السنة، سنن الترمذي 4/134 - 135 كتاب الإيمان، باب افتراق هذه الأمة، وقال الترمذي: حديث أبي هريرة حديث حسن صحيح، سنن ابن ماجه 2/1321 كتاب الفتن، باب افتراق الأمم، المسند ط. المعارف 16/169 وصححه أحمد شاكر وأشار إلى تصحيح السيوطي له، المستدرك للحاكم 1/128 وقال الحاكم: صحيح على شرط مسلم، ووافقه الذهبي، وجاء الحديث بألفاظ أخرى عن معاوية بن أبي سفيان وأنس بن مالك وعوف بن مالك وعبد الله بن عمرو رضي الله عنهم، وانظر ما ذكره الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة المجلد الأول الحديث رقم 204 وانظر: سنن أبي داود 4/276 - 277 سنن الترمذي 4/135، سنن ابن ماجه 2/1322 سنن الدارمي 2/241، كتاب السير، باب في افتراق هذه الأمة، المستدرك، للحاكم 1/128 المسند ط. الحلبي 3/145، وانظر إلى ما ذكره ابن حزم عن الحديث في الفصل 3/292 ومع هذا فلا نشهد لمعين بالنار لإمكان أنه تاب، أو كانت له حسنات محت سيئاته، أو كفر الله عنه بمصائب أو غير ذلك كما تقدم، بل المؤمن بالله ورسوله باطنا وظاهرا، الذي قصد اتباع الحق وما جاء به الرسول، إذا أخطأ ولم يعرف الحق كان أولى أن يعذره الله في الآخرة من المتعمد العالم بالذنب ; فإن هذا عاص مستحق للعذاب بلا ريب، وأما ذلك فليس متعمدا للذنب بل هو مخطئ، والله قد تجاوز لهذه الأمة عن الخطأ والنسيان. والعقوبة في الدنيا تكون لدفع ضرره عن المسلمين، وإن كان في الآخرة خيرا ممن لم يعاقب، كما يعاقب المسلم المتعدي للحدود، ولا يعاقب أهل الذمة من اليهود والنصارى. والمسلم في الآخرة خير منهم. وأيضا فصاحب البدعة يبقى صاحب هوى يعمل لهواه لا ديانة، ويصدر عن الحق الذي يخالفه هواه، فهذا يعاقبه الله على هواه، ومثل هذا يستحق العقوبة في الدنيا والآخرة. ومن فسق من السلف الخوارج ونحوهم كما روي عن سعد بن أبي وقاص أنه قال فيهم قوله تعالى: {وما يضل به إلا الفاسقين - الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض أولئك هم الخاسرون} [سورة البقرة: 26 - 27] فقد يكون هذا قصده، لا سيما إذا تفرق الناس، فكان ممن يطلب [1] الرياسة له ولأصحابه. وإذا كان المسلم الذي يقاتل الكفار قد يقاتلهم شجاعة وحمية ورياء، وذلك ليس في سبيل الله، فكيف بأهل البدع الذين يخاصمون ويقاتلون (1) أ، ب: فكان منهم من يطلب. عليها؟ فإنهم يفعلون ذلك شجاعة وحمية، وربما يعاقبون لما اتبعوا أهواءهم بغير هدى من الله، لا لمجرد [1] الخطأ الذي اجتهدوا فيه. ولهذا قال الشافعي: "لأن أتكلم في علم يقال لي فيه: أخطأت، أحب إلي من أن أتكلم في علم يقال لي فيه: كفرت" . فمن عيوب أهل البدع تكفير بعضهم بعضا، ومن ممادح أهل العلم أنهم يخطئون ولا يكفرون. وسبب ذلك أن أحدهم قد يظن ما ليس بكفر كفرا، [وقد يكون كفرا] [2] لأنه تبين له أنه تكذيب للرسول وسب للخالق، والآخر لم يتبين له ذلك، فلا يلزم إذا كان هذا العالم بحاله يكفر إذا قاله، أن يكفر من لم يعلم بحاله. والناس لهم فيما يجعلونه [3] كفرا طرق متعددة [4] ; فمنهم من يقول: الكفر تكذيب ما علم بالاضطرار من دين الرسول، ثم الناس متفاوتون في العلم الضروري بذلك. ومنهم من يقول: الكفر هو الجهل بالله تعالى، ثم قد يجعل الجهل بالصفة كالجهل بالموصوف وقد لا يجعلها، وهم مختلفون في الصفات نفيا وإثباتا. ومنهم من لا يحده بحد، بل كل ما تبين أنه تكذيب لما جاء به الرسول من أمر الإيمان بالله واليوم الآخر جعله كفرا، إلى طرق أخر. ولا ريب أن الكفر متعلق بالرسالة، فتكذيب الرسول كفر، وبغضه (1) لمجرد: كذا في (أ) ، (و) ، (ب) ، وفي سائر النسخ بمجرد. (2) ما بين المعقوفتين ساقط من (ن) ، (م) . (3) ح، ر: يجعلون. (4) متعددة: ساقطة من (ن) ، (م) . وسبه وعداوته مع العلم بصدقه في الباطن كفر عند الصحابة والتابعين لهم بإحسان وأئمة العلم وسائر الطوائف، إلا الجهم ومن وافقه كالصالحي والأشعري وغيرهم ; فإنهم قالوا: هذا كفر في الظاهر، وأما في الباطن فلا يكون كفرا إلا إذا استلزم الجهل، بحيث [1] لا يبقى في القلب شيء من التصديق بالرب، وهذا بناء على أن الإيمان في القلب لا يتفاضل، ولا يكون في القلب بعض من الإيمان. وهو خلاف النصوص الصريحة، وخلاف الواقع، ولبسط هذا موضع آخر. والمقصود هنا أن كل من تاب من أهل البدع تاب الله عليه، وإذا كان الذنب متعلقا بالله ورسوله فهو حق محض لله، فيجب أن يكون الإنسان في هذا الباب [2] قاصدا لوجه الله، متبعا لرسوله، ليكون عمله خالصا صوابا. قال تعالى: {وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى تلك أمانيهم قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين - بلى من أسلم وجهه لله وهو محسن فله أجره عند ربه ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون} [سورة البقرة: 111 - 112] . وقال تعالى: {ومن أحسن دينا ممن أسلم وجهه لله وهو محسن واتبع ملة إبراهيم حنيفا واتخذ الله إبراهيم خليلا} [سورة النساء: 125] قال المفسرون وأهل اللغة: معنى الآية: أخلص دينه وعمله [3] لله وهو محسن في عمله. (1) ن: حتى. (2) ح، ب: فيجب على الإنسان أن يكون في هذا الباب. (3) وعمله: ساقطة من ن، فقط. وقال الفراء في قوله: {فقل أسلمت وجهي لله} [سورة آل عمران: 20] أخلصت عملي. وقال الزجاج: قصدت بعبادتي إلى الله. وهو كما قالوا، كما قد ذكر توجيهه في موضع آخر. وهذا المعنى يدور عليه القرآن ; فإن الله تعالى أمر أن لا يعبد إلا إياه، وعبادته فعل ما أمر، وترك ما حظر. والأول هو إخلاص الدين والعمل لله. والثاني هو الإحسان، وهو العمل الصالح. ولهذا كان عمر يقول في دعائه: "اللهم اجعل عملي كله صالحا، واجعله لوجهك خالصا، ولا تجعل لأحد فيه شيئا" . وهذا هو الخالص الصواب، كما قال الفضيل بن عياض في قوله: ليبلوكم أيكم أحسن عملا [سورة هود: 7] . قال أخلصه وأصوبه. قالوا: يا أبا علي ما أخلصه وأصوبه؟ قال: إن العمل إذا كان خالصا ولم يكن صوابا لم يقبل، وإذا كان صوابا ولم يكن خالصا لم يقبل: حتى يكون خالصا صوابا. والخالص أن يكون لله، والصواب أن يكون على السنة. والأمر بالسنة والنهي عن البدعة هو [1] أمر بمعروف ونهي عن منكر، وهو من أفضل الأعمال الصالحة، فيجب أن يبتغي به وجه الله، وأن يكون مطابقا للأمر. وفي الحديث: "«من أمر بالمعروف ونهى عن المنكر فينبغي أن يكون عليما [2] بما يأمر به ; عليما [3] بما ينهى عنه، رفيقا فيما يأمر به، [رفيقا فيما" (1) ح، ب: هما. (2) ح، ب: عالما. (3) ح، ب: عالما. ينهى عنه] [1] ، حليما فيما يأمر به، حليما فيما ينهى عنه» "[2] . فالعلم قبل الأمر، والرفق مع الأمر، والحلم بعد [3] الأمر ; فإن لم يكن عالما لم يكن له أن يقفو ما [4] ليس له به علم، وإن كان عالما ولم يكن رفيقا، كان كالطبيب الذي لا رفق فيه، فيغلظ على المريض فلا يقبل منه، وكالمؤدب الغليظ الذي لا يقبل منه الولد." وقد قال تعالى لموسى وهارون: {فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى} [سورة طه: 44] . ثم إذا أمر ونهى [5] فلا بد أن يؤذى في العادة، فعليه أن يصبر ويحلم. كما قال تعالى: {وأمر بالمعروف وانه عن المنكر واصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور} [سورة: لقمان 17] . وقد أمر الله نبيه بالصبر على أذى المشركين في غير موضع، وهو إمام الآمرين بالمعروف الناهين عن المنكر. فإن الإنسان عليه أولا أن يكون أمره لله، وقصده طاعة الله فيما أمره به [6] . وهو يحب صلاح المأمور، أو إقامة الحجة عليه فإن فعل ذلك لطلب الرياسة لنفسه ولطائفته، وتنقيص غيره كان ذلك حمية [7] لا يقبله الله، وكذلك إذا فعل ذلك لطلب السمعة والرياء كان عمله حابطا. ثم إذا رد عليه ذلك وأوذي [8] أو (1) ما بين المعقوفتين ساقط من (ن) فقط. (2) لم أجد هذا الحديث. (3) أ، ب: مع. (4) ح، ر: فيما. (5) ح، ر، ب: أو نهى. (6) به: ساقطة من (ن) ، (م) ، وفي (ح) ، (ب) ، (ر) : فيما أمر به. (7) ح، ب، ر: خطيئة. (8) ح، ب: أو أوذي.
__________________
|
#327
|
||||
|
||||
![]() ![]() منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية أبو العباس أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية الحنبلي الدمشقي المجلد الخامس الحلقة (327) صـ 255 إلى صـ 264 نسب إلى أنه مخطئ وغرضه فاسد، طلبت نفسه الانتصار لنفسه، وأتاه الشيطان، فكان مبدأ عمله لله، ثم صار له هوى يطلب به أن ينتصر على من آذاه، وربما اعتدى على ذلك المؤذي. وهكذا يصيب أصحاب المقالات المختلفة، إذا كان كل منهم يعتقد أن الحق معه، وأنه على السنة ; فإن أكثرهم قد صار لهم في ذلك هوى أن ينتصر جاههم أو رياستهم وما نسب إليهم، لا يقصدون أن تكون كلمة الله هي العليا، وأن يكون الدين كله لله، بل يغضبون على من خالفهم، وإن كان مجتهدا معذورا لا يغضب الله عليه، ويرضون عمن يوافقهم [1] ، وإن كان جاهلا سيئ القصد، ليس له علم ولا حسن قصد، فيفضي هذا إلى أن يحمدوا من لم يحمده الله ورسوله. ويذموا من لم يذمه الله ورسوله. وتصير موالاتهم ومعاداتهم على أهواء أنفسهم لا على دين الله ورسوله. وهذا حال الكفار الذين لا يطلبون إلا أهواءهم، ويقولون: هذا صديقنا وهذا عدونا، وبلغة المغل: هذا بال، هذا باغ، لا ينظرون إلى موالاة الله ورسوله، ومعاداة الله ورسوله. ومن هنا تنشأ الفتن بين الناس. قال الله تعالى: {وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله} [سورة الأنفال: 39] ، فإذا لم يكن الدين كله لله وكانت فتنة. وأصل الدين أن يكون الحب لله، والبغض لله، والموالاة لله، والمعاداة لله، والعبادة لله، والاستعانة بالله، والخوف من الله، والرجاء (1) ح، ب: عمن كان يوافقهم ; و: عمن وافقهم. لله، والإعطاء لله، والمنع لله. وهذا إنما يكون بمتابعة رسول الله، الذي أمره أمر الله، ونهيه نهي الله، ومعاداته معاداة الله، وطاعته طاعة الله، ومعصيته معصية الله. وصاحب الهوى يعميه الهوى ويصمه، فلا يستحضر ما لله ورسوله في ذلك، ولا يطلبه، ولا يرضى لرضا الله ورسوله، ولا يغضب لغضب الله ورسوله، بل يرضى إذا حصل ما يرضاه بهواه، ويغضب إذا حصل ما يغضب له بهواه، ويكون مع ذلك معه شبهة دين: أن الذي يرضى له ويغضب له أنه [1] السنة، وهو الحق، وهو الدين، فإذا قدر أن الذي معه هو الحق المحض دين الإسلام، ولم يكن قصده أن يكون الدين كله لله، وأن تكون كلمة الله هي العليا، بل قصد الحمية لنفسه وطائفته أو الرياء، ليعظم هو ويثنى عليه، أو فعل ذلك شجاعة وطبعا، أو لغرض من الدنيا لم يكن لله، ولم يكن مجاهدا في سبيل الله. فكيف إذا كان الذي يدعي الحق والسنة هو كنظيره، معه حق وباطل، وسنة وبدعة، ومع خصمه حق وباطل، وسنة وبدعة؟ . وهذا حال المختلفين الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا، وكفر بعضهم بعضا، وفسق بعضهم بعضا. ولهذا قال تعالى فيهم: {وما تفرق الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءتهم البينة - وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة} [سورة البينة: 4 - 5] . وقال تعالى: {كان الناس أمة واحدة} [سورة البقرة: 213] ، يعني: (1) ح، ب، و، ر، أ: هو. فاختلفوا، كما في سورة يونس، وكذلك في قراءة بعض الصحابة. وهذا على قراءة الجمهور من الصحابة والتابعين: أنهم كانوا على دين الإسلام. وفي تفسير ابن عطية عن ابن عباس: أنهم كانوا على الكفر [1] . وهذا ليس بشيء. وتفسير ابن عطية عن ابن عباس ليس بثابت عن ابن عباس، بل قد ثبت عنه أنه قال: كان بين آدم ونوح عشرة قرون كلهم على الإسلام. وقد قال في سورة يونس: {وما كان الناس إلا أمة واحدة فاختلفوا} [سورة يونس: 19] فذمهم على الاختلاف بعد أن كانوا على دين واحد، فعلم أنه كان حقا. والاختلاف في كتاب الله على وجهين: أحدهما: أن يكون كله مذموما، كقوله: {وإن الذين اختلفوا في الكتاب لفي شقاق بعيد} [سورة البقرة: 176] . والثاني: أن يكون بعضهم على الحق وبعضهم على الباطل، كقوله: {تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض منهم من كلم الله ورفع بعضهم درجات وآتينا عيسى ابن مريم البينات وأيدناه بروح القدس ولو شاء الله ما اقتتل الذين من بعدهم من بعد ما جاءتهم البينات ولكن اختلفوا فمنهم من آمن ومنهم من كفر ولو شاء الله ما اقتتلوا ولكن الله يفعل ما يريد} (1) انظر "تفسير ابن كثير" (ط. الشعب) للآية 1/364 - 365 وفيه: ". . عن قتادة في قوله (كان الناس أمة واحدة) ، قال: كانوا على الهدى جميعا، (فاختلفوا فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين) فكان أول نبي بعث نوحا، وهكذا قال مجاهد، كما قال ابن عباس أولا، وقال العوفي، عن ابن عباس: (كان الناس أمة واحدة) يقول: كانوا كفارا فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين، والقول الأول عن ابن عباس أصح سندا ومعنى، لأن الناس كانوا على ملة آدم - عليه السلام -، حتى عبدوا الأصنام، فبعث الله إليه نوحا - عليه السلام -، فكان أول رسول بعثه الله إلى أهل الأرض." [سورة البقرة: 253] . لكن إذا أطلق الاختلاف فالجميع مذموم كقوله: {ولا يزالون مختلفين - إلا من رحم ربك ولذلك} خلقهم [سورة هود: 118 - 119] . وقول النبي - صلى الله عليه وسلم: "«إنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم»" . [1] ولهذا فسروا الاختلاف في هذا الموضع بأنه كله مذموم. قال الفراء: في اختلافهم وجهان: أحدهما: كفر بعضهم بكتاب بعض، والثاني: تبديل ما بدلوا. وهو كما قال ; فإن المختلفين كل منهم يكون معه حق وباطل، فيكفر بالحق الذي مع الآخر، ويصدق بالباطل الذي معه، وهو تبديل ما بدل. فالاختلاف لا بد أن يجمع النوعين. ولهذا ذكر كل من السلف أنواعا [2] من هذا: أحدها: الاختلاف في اليوم الذي يكون فيه الاجتماع، فاليوم الذي أمروا به يوم [3] الجمعة، فعدلت عنه الطائفتان ; فهذه أخذت السبت، وهذه أخذت الأحد. وفي الصحيحين عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "«نحن الآخرون السابقون يوم القيامة، بيد أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا وأوتيناه من" (1) سبق هذا الحديث فيما مضى 4/534 (2) أنواعا: كذا في (ب) فقط، وفي سائر النسخ نوعا. (3) يوم: زيادة في (أ) ، (ب) . بعدهم، فهذا اليوم الذي اختلفوا فيه فهدانا الله له، الناس لنا فيه تبع، اليوم لنا، وغدا لليهود، وبعد غد للنصارى» "[1] ." وهذا الحديث يطابق قوله تعالى: {فهدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه} [سورة البقرة: 203] . وفي صحيح مسلم عن عائشة - رضي الله عنها - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - «كان إذا قام من الليل يصلي يقول: "اللهم رب جبريل وميكائيل وإسرافيل، فاطر السماوات والأرض، عالم الغيب والشهادة، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدني لما اختلفوا فيه من الحق بإذنك، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم»" [2] والحديث الأول يبين أن الله - تعالى - هدى المؤمنين لغير ما كان فيه المختلفون ; فلا كانوا مع هؤلاء ولا مع هؤلاء، وهو مما يبين أن الاختلاف كله مذموم. والنوع الثاني: القبلة. فمنهم من يصلي إلى المشرق، ومنهم من يصلي إلى المغرب. وكلاهما مذموم لم يشرعه الله. والثالث: إبراهيم. قالت اليهود كان يهوديا، وقالت النصارى كان (1) جاء هذا الحديث عن أبي هريرة - رضي الله عنه -، وفي بعض رواياته هذه الزيادة: "حق على كل مسلم أن يغتسل في كل سبعة أيام يوما يغسل فيه رأسه وجسده" الحديث وهو في: البخاري 2/2، 6 كتاب الجمعة، باب فرض الجمعة، باب هل على من لم يشهد الجمعة غسل من النساء والصبيان وغيرهم، 4/177 كتاب الأنبياء، باب حدثنا أبو اليمان، أخبرنا شعيب، مسلم 2/585 - 586 كتاب الجمعة، باب هداية هذه الأمة ليوم الجمعة، المسند ط. المعارف الأرقام 7213، 7308، 7395، 8484، 10537 وجاء الحديث في سنن النسائي أيضا. (2) سبق هذا الحديث فيما مضى 1/19 نصرانيا. وكلاهما كان من الاختلاف المذموم: {ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا ولكن كان حنيفا مسلما وما كان من المشركين} [سورة آل عمران: 67] . والرابع: عيسى. جعلته اليهود لغية [1] ، وجعلته النصارى إلها. والخامس: الكتب المنزلة. آمن هؤلاء ببعض، وهؤلاء ببعض. والسادس: الدين. أخذ هؤلاء بدين، وهؤلاء بدين. ومن هذا الباب قوله تعالى: {وقالت اليهود ليست النصارى على شيء وقالت النصارى ليست اليهود على شيء} [سورة البقرة: 113] . وقد روي عن ابن عباس - رضي الله عنهما - «أنه قال: اختصمت يهود المدينة ونصارى نجران عند النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالت اليهود: ليست النصارى على شيء، ولا يدخل الجنة إلا من كان يهوديا، وكفروا بالإنجيل وعيسى. وقالت النصارى: ليست اليهود على شيء، وكفروا بالتوراة وموسى، فأنزل الله هذه الآية والتي قبلها» [2] . واختلاف أهل البدع هو من هذا النمط ; فالخارجي يقول: ليس الشيعي على شيء. والشيعي يقول: ليس الخارجي على شيء. والقدري النافي يقول: ليس المثبت على شيء. والقدري الجبري المثبت يقول: ليس النافي على شيء. والوعيدية تقول: ليست المرجئة على شيء. والمرجئة تقول: ليست الوعيدية على شيء. بل ويوجد شيء من هذا بين أهل المذاهب الأصولية والفروعية (1) ح: ابن بغية، ر: بغية. (2) انظر تفسير الآية في تفسير ابن كثير 1/223 - 224؛ زاد المسير 1/133 المنتسبين إلى السنة. فالكلابي يقول: ليس الكرامي على شيء. والكرامي يقول: ليس الكلابي على شيء. والأشعري يقول: ليس السالمي على شيء. والسالمي يقول: ليس الأشعري على شيء. ويصنف [1] السالمي كأبي علي الأهوازي كتابا في مثالب الأشعري [2] ويصنف [3] الأشعري كابن عساكر كتابا يناقض ذلك من كل وجه، وذكر فيه مثالب السالمية [4] . وكذلك أهل المذاهب الأربعة وغيرها، لا سيما وكثير منهم قد تلبس ببعض المقالات الأصولية، وخلط هذا بهذا فالحنبلي والشافعي والمالكي يخلط بمذهب مالك والشافعي وأحمد شيئا من أصول الأشعرية والسالمية وغير ذلك. ويضيفه إلى مذهب مالك والشافعي وأحمد. وكذلك الحنفي يخلط بمذاهب أبي حنيفة شيئا من أصول المعتزلة والكرامية والكلابية، ويضيفه إلى مذهب أبي حنيفة. وهذا من جنس الرفض والتشيع، لكنه تشيع في تفضيل بعض الطوائف والعلماء، لا تشيع في تفضيل بعض الصحابة. والواجب على كل مسلم يشهد أن لا إله إلا الله (1) ح، ب: وصنف. (2) ذكر هذا الكتاب سزكين م [0 - 9] ج [0 - 9] ص [0 - 9] 6 ومؤلفه هو أبو علي الحسن بن علي بن إبراهيم الأهوازي المتوفى سنة 446، وذكر سزكين أنه توجد نسخة خطية منه في الظاهرية بدمشق. (3) ب فقط: وصنف. (4) وهو كتاب تبيين كذب المفتري فيما نسب إلى الإمام أبي الحسن الأشعري، لأبي القاسم علي بن الحسن بن هبة الله بن عساكر الدمشقي المتوفى سنة 571، وطبع الكتاب بدمشق عام 1347. وأن محمدا رسول الله أن يكون أصل قصده توحيد الله بعبادته وحده لا شريك له وطاعة رسوله، يدور على ذلك، ويتبعه أين وجده، ويعلم أن أفضل الخلق بعد الأنبياء هم الصحابة، فلا ينتصر لشخص انتصارا مطلقا عاما، إلا لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا لطائفة انتصارا مطلقا عاما، إلا للصحابة - رضي الله عنهم أجمعين. فإن الهدى يدور مع الرسول حيث دار، ويدور مع أصحابه دون أصحاب غيره حيث داروا ; فإذا أجمعوا لم يجمعوا [1] على خطأ قط، بخلاف أصحاب عالم من العلماء، فإنهم قد يجمعون [2] على خطأ، بل كل قول قالوه ولم يقله غيرهم من الأمة [3] لا يكون إلا خطأ ; فإن الدين الذي بعث الله به رسوله [4] ليس مسلما إلى عالم واحد وأصحابه، ولو كان كذلك لكان ذلك الشخص نظيرا لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو شبيه بقول الرافضة في الإمام المعصوم. ولا بد أن يكون الصحابة والتابعون يعرفون ذلك الحق الذي بعث الله [5] به الرسول، قبل وجود المتبوعين الذين تنسب إليهم المذاهب في الأصول والفروع، ويمتنع أن يكون هؤلاء جاءوا بحق يخالف ما جاء به الرسول، فإن كل ما خالف الرسول فهو باطل، ويمتنع أن يكون أحدهم علم من جهة الرسول ما يخالف الصحابة والتابعين لهم بإحسان، فإن أولئك لم يجتمعوا على ضلالة، فلابد أن يكون قوله - إن (1) ح، ب: اجتمعوا لم يجتمعوا، ر: أجمعوا لم يجتمعوا. (2) ح، ر، و، أ، ب: يجتمعون. (3) ب فقط: من الأئمة. (4) ن، م: رسله. (5) الله: في (ح) ، (ب) فقط كان حقا - مأخوذا عما جاء به الرسول، موجودا فيمن قبله، وكل قول قيل في دين الإسلام، مخالف لما مضى عليه الصحابة والتابعون، لم يقله أحد منهم بل قالوا خلافه، فإنه قول باطل. والمقصود هنا أن الله - تعالى - ذكر أن المختلفين جاءتهم البينة، وجاءهم العلم، وإنما اختلفوا بغيا. ولهذا ذمهم الله وعاقبهم ; فإنهم لم يكونوا مجتهدين مخطئين [1] ، بل كانوا قاصدين البغي، عالمين بالحق، [معرضين عن القول وعن العمل به] [2] . ونظير هذا قوله: {إن الدين عند الله الإسلام وما اختلف الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم} [سورة آل عمران: 19] قال الزجاج: اختلفوا للبغي لا لقصد البرهان. وقال - تعالى: {ولقد بوأنا بني إسرائيل مبوأ صدق ورزقناهم من الطيبات فما اختلفوا حتى جاءهم العلم إن ربك يقضي بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون} [سورة يونس: 93] . وقال - تعالى: {ولقد آتينا بني إسرائيل الكتاب والحكم والنبوة ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على العالمين - وآتيناهم بينات من الأمر فما اختلفوا إلا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم - إن ربك يقضي بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون - ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون - إنهم لن يغنوا عنك من الله شيئا وإن الظالمين بعضهم أولياء بعض والله ولي المتقين - هذا بصائر للناس وهدى ورحمة} [سورة الجاثية: 16 - 20] . (1) ن: مخلصين. (2) ما بين المعقوفتين ساقط من (ن) ، (م) ، (و) ، (أ) . فهذه المواضع من القرآن تبين أن المختلفين ما اختلفوا حتى جاءهم العلم والبينات، فاختلفوا للبغي والظلم، لا لأجل اشتباه الحق بالباطل عليهم. وهذا حال أهل الاختلاف المذموم من أهل الأهواء كلهم ; لا يختلفون إلا من بعد أن يظهر لهم [1] الحق ; ويجيئهم، العلم [2] فيبغي بعضهم على بعض. ثم المختلفون المذمومون كل منهم يبغي على الآخر، فيكذب بما معه من الحق، مع علمه أنه حق، ويصدق بما مع نفسه من الباطل، مع العلم [3] أنه باطل. وهؤلاء كلهم مذمومون. ولهذا كان أهل الاختلاف المطلق [4] كلهم مذمومين في الكتاب والسنة ; فإنه ما منهم إلا من خالف حقا واتبع باطلا. ولهذا أمر الله الرسل أن تدعو إلى دين واحد، وهو دين الإسلام، ولا يتفرقوا فيه، وهو دين الأولين والآخرين من الرسل وأتباعهم. قال تعالى: {شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه كبر على المشركين ما تدعوهم إليه} [سورة الشورى: 13] . وقال في الآية الأخرى: {ياأيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا إني بما تعملون عليم - وإن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاتقون - فتقطعوا أمرهم بينهم زبرا كل حزب بما لديهم فرحون} [سورة المؤمنون: 51 - 53] (1) لهم: زيادة في (ح) ، (ب) . (2) العلم: زيادة في (أ) ، (ب) . (3) أ، ب: مع علمه. (4) المطلق: ساقطة من (ن) .
__________________
|
#328
|
||||
|
||||
![]() ![]() منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية أبو العباس أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية الحنبلي الدمشقي المجلد الخامس الحلقة (328) صـ 265 إلى صـ 274 أي كتبا، اتبع كل قوم كتابا مبتدعا غير كتاب الله فصاروا متفرقين مختلفين، لأن أهل التفرق والاختلاف ليسوا على الحنيفية المحضة، التي هي الإسلام المحض، الذي هو إخلاص الدين لله، الذي ذكره الله في قوله: {وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة} [سورة البينة: 5] وقال في الآية الأخرى: {فأقم وجهك للدين حنيفا فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون - منيبين إليه واتقوه وأقيموا الصلاة ولا تكونوا من المشركين - من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا كل حزب بما لديهم فرحون} [سورة الروم: 30 - 32] ، فنهاه أن يكون من المشركين، الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا، وأعاد حرف "من" ليبين أن الثاني بدل من الأول. والبدل هو المقصود بالكلام، وما قبله توطئة له. وقال تعالى: {ولقد آتينا موسى الكتاب فاختلف فيه ولولا كلمة سبقت من ربك لقضي بينهم} [سورة هود: 110] إلى قوله: {ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين - إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم} [سورة هود: 18 - 119] فأخبر أن أهل الرحمة لا يختلفون. وقد ذكر في غير موضع أن دين الأنبياء كلهم الإسلام. كما قال - تعالى - عن نوح: {وأمرت أن أكون من المسلمين} [سورة النمل: 91] ، وقال عن إبراهيم: {إذ قال له ربه أسلم قال أسلمت لرب العالمين - ووصى بها إبراهيم بنيه ويعقوب يابني إن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون} [سورة البقرة: 131 - 132] ، وقال يوسف: {فاطر السماوات والأرض أنت وليي في الدنيا والآخرة توفني مسلما وألحقني بالصالحين} [سورة يوسف: 101] . {وقال موسى ياقوم إن كنتم آمنتم بالله فعليه توكلوا إن كنتم مسلمين} [سورة يونس: 84] ، وقال عن السحرة: {ربنا أفرغ علينا صبرا وتوفنا مسلمين} [سورة الأعراف: 126] . وقال عن بلقيس: {رب إني ظلمت نفسي وأسلمت مع سليمان لله رب العالمين} [سورة النمل: 44] . وقال: {يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا والربانيون والأحبار} [سورة المائدة: 44] . وقال: {وإذ أوحيت إلى الحواريين أن آمنوا بي وبرسولي قالوا آمنا واشهد بأننا مسلمون} [سورة المائدة: 111] . وفي الصحيحين عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "«إنا معاشر الأنبياء ديننا واحد»" [1] . وتنوع الشرائع لا يمنع أن يكون الدين واحدا وهو (1) لم أجد هذا الحديث بهذا اللفظ، ولكن روى البخاري في صحيحه 4/167 كتاب الأنبياء باب "واذكر في الكتاب مريم" ، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: "أنا أولى الناس بعيسى ابن مريم في الدنيا والآخرة، والأنبياء أخوات علات، أمهاتهم شتى، ودينهم واحد" ، وروى حديثا آخر يقاربه، في اللفظ في نفس الصفحة، وروى مسلم الحديث عن أبي هريرة - رضي الله عنه - بألفاظ مقاربة من ثلاثة طرق في صحيحه 4/1837 كتاب الفضائل، باب فضائل عيسى - عليه السلام -، وقال ابن حجر في "فتح الباري" (ط. السلفية) ، 6/489 والعلات بفتح المهملة الضرائر وأصله أن من تزوج امرأة ثم تزوج أخرى كأنه عل منها، والعلل، الشرب بعد الشرب، وأولاد العلات الإخوة من الأب، وأمهاتهم شتى، والحديث بمعناه في: "سنن أبي داود" 4/302 كتاب السنة باب: في التخيير بين الأنبياء، "المسند" (ط. الحلبي) 2/319، 406، 463، 482، 541 ترتيب مسند الطيالسي 2/84. الإسلام، كالدين الذي بعث الله به محمدا - صلى الله عليه وسلم - فإنه هو دين الإسلام أولا وآخرا. وكانت القبلة في أول الأمر بيت المقدس، ثم صارت القبلة الكعبة، وفي كلا الحالين الدين واحد، وهو دين الإسلام. فهكذا سائر ما شرع للأنبياء قبلنا. ولهذا حيث ذكر الله الحق في القرآن جعله واحدا، وجعل الباطل متعددا. كقوله: {وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله} [سورة الأنعام: 153] . وقوله: {اهدنا الصراط المستقيم - صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين} [سورة الفاتحة: 6 - 7] . وقوله: {اجتباه وهداه إلى صراط مستقيم} [سورة النحل: 121] . وقوله: {ويهديك صراطا مستقيما} [سورة الفتح: 2] . وقوله: {الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور إلى الظلمات} [سورة البقرة: 257] . وهذا يطابق ما في كتاب الله من أن الاختلاف المطلق كله مذموم، بخلاف المقيد الذي قيل فيه: {ولكن اختلفوا فمنهم من آمن ومنهم من كفر ولو شاء الله ما اقتتلوا} [سورة البقرة: 253] . فهذا قد بين أنه اختلاف بين أهل الحق والباطل، كما قال: {هذان خصمان اختصموا في ربهم} [سورة الحج: 19] . وقد ثبت في الصحيحين [1] أنها نزلت في المقتتلين يوم بدر: في حمزة عم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعلي ابن عمه، وعبيدة بن الحارث ابن عمه [2] ، والمشركين الذين بارزهم: عتبة، وشيبة، والوليد بن عتبة [3] . وقد تدبرت كتب الاختلاف التي يذكر فيها مقالات الناس إما نقلا مجردا، مثل كتاب المقالات لأبي الحسن الأشعري، وكتاب الملل والنحل للشهرستاني، ولأبي عيسى الوراق، أو مع انتصار لبعض الأقوال، كسائر ما صنفه أهل الكلام على اختلاف طبقاتهم فرأيت عامة الاختلاف الذي فيها من الاختلاف المذموم. وأما الحق الذي بعث الله به رسوله، وأنزل به كتابه، وكان عليه سلف الأمة فلا يوجد فيها في جميع مسائل الاختلاف، بل يذكر أحدهم في المسألة عدة أقوال، والقول الذي جاء به الكتاب والسنة لا يذكرونه، وليس ذلك لأنهم يعرفونه ولا يذكرونه، بل لا يعرفونه. ولهذا كان السلف والأئمة يذمون هذا الكلام. ولهذا يوجد الحاذق (1) في الصحيحين: كذا في (ح) ، (ر) ، (و) وفي سائر النسخ: في الصحيح. (2) ح، ب: وعلي وعبيدة بن الحارث ابني عميه. (3) الحديث عن أبي ذر - رضي الله عنه - وعن قيس بن عباد عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - بألفاظ مختلفة: البخاري 6/98 كتاب التفسير سورة الحج مسلم 4/2323 كتاب التفسير، باب في قوله تعالى: (هذان خصمان اختصموا في ربهم) وحديث أبي ذر - رضي الله عنه -، وهذه رواية البخاري، أنه كان يقسم فيها إن هذه الآية (هذان خصمان اختصموا في ربهم) نزلت في حمزة وصاحبيه وعتبة وصاحبيه يوم برزوا في بدر. وأما حديث قيس بن عباد عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - قال: أنا أول من يجثو بين يدي الرحمن للخصومة يوم القيامة، قال قيس: وفيهم نزلت (هذان خصمان اختصموا في ربهم) قال: هم الذين برزوا يوم بدر: علي وحمزة وعبيدة وشيبة بن ربيعة، وعتبة بن ربيعة والوليد بن عتبة، وانظر تفسير ابن كثير 5/401 منهم المنصف [1] الذي غرضه الحق في آخر عمره يصرح بالحيرة والشك، إذ لم يجد في الاختلافات التي نظر فيها وناظر ما هو حق محض. وكثير منهم يترك الجميع ويرجع إلى دين العامة الذي عليه العجائز والأعراب. كما قال أبو المعالي وقت السياق: "لقد خضت البحر الخضم، وخليت أهل الإسلام وعلومهم، ودخلت في الذي نهوني عنه. والآن إن لم يتداركني ربي برحمته فالويل لابن الجويني، وها أنا ذا أموت على عقيدة أمي" . وكذلك أبو حامد في آخر عمره استقر أمره على الوقف والحيرة، بعد أن نظر فيما كان عنده من طرق النظار: أهل الكلام والفلسفة، وسلك ما تبين [2] له من طرق العبادة والرياضة والزهد، وفي آخر عمره اشتغل بالحديث: بالبخاري ومسلم. وكذلك الشهرستاني، مع أنه كان [3] من أخبر هؤلاء المتكلمين بالمقالات والاختلاف، وصنف فيها كتابه المعروف بنهاية الإقدام في علم الكلام، وقال [4] : "قد [5] أشار علي [6] من إشارته غنم، وطاعته حتم، أن أذكر له من مشكلات [7] الأصول ما أشكل على ذوي العقول [8] ، ولعله" (1) ن، م، ر، و: المصنف، أ: المتصف. (2) أ، ب: تيسر. (3) كان: زيادة في (أ) ، (ب) . (4) ص 3 تحقيق الفرد جيوم. (5) نهاية الإقدام: أما بعد فقد. (6) نهاية الإقدام: إلي. (7) نهاية: أن أجمع له. (8) نهاية. . الأصول، وأحل له ما انعقد من غوامضها على أرباب العقول. استسمن [1] ذا ورم، ونفخ في غير ضرم، لعمري: لقد طفت [2] المعاهد كلها وسيرت طرفي بين تلك المعالم فلم أر إلا واضعا كف حائر على ذقن أو قارعا سن نادم فأخبر أنه لم يجد إلا حائرا شاكا ومرتابا، أو من اعتقد ثم ندم لما تبين له خطؤه. فالأول في الجهل البسيط: كظلمات بعضها فوق بعض إذا أخرج يده لم يكد يراها، وهذا دخل في الجهل المركب، ثم تبين له أنه جهل فندم، ولهذا تجده في المسائل يذكر أقوال الفرق وحججهم [3] ، ولا يكاد يرجح شيئا للحيرة. وكذلك الآمدي، الغالب عليه الوقف والحيرة. وأما الرازي فهو في الكتاب الواحد، بل في الموضع الواحد منه، ينصر قولا، وفي موضع آخر منه أو من كتاب آخر ينصر نقيضه. ولهذا استقر أمره على الحيرة والشك. ولهذا لما ذكر أن أكمل العلوم العلم بالله [4] وبصفاته وأفعاله، ذكر أن على كل منها إشكال [5] . وقد ذكرت (1) نهاية: العقول؛ لحسن ظنه بي أني وقفت على نهايات النظر، وفزت بغايات مطارح الفكر، ولعله استسمن. . . (2) في جميع النسخ: لعمري لقد طفت، والصواب ما أثبته، وهو الذي في "نهاية الإقدام" ، وجاءت العبارات السابقة في درء تعارض العقل والنقل، 1/159 وذكرت في تعليقي هناك في هامش (ص 2 ط) رد عليه الفقير محمد بن إسماعيل الأمير - عفى الله عنهما - فقال: لعلك أهملت الطواف بمعهد الرسول ومن لاقاه من كل عالم. فما حار من يهدى بهدي محمد ولست تراه قارعا سن نادم (3) ح، ر: أقوالها وحججهم، ب: أقوال الفرق وحججها. (4) و: فقال لما ذكر أن العلم بالله، أ: ولهذا لما ذكر أن العلم بالله. (5) أ: ذكر على أن كل منها إشكال، ب، ح: ذكر على أن كلا منها إشكال. كلامه، وبينت ما أشكل عليه وعلى هؤلاء في مواضع. فإن الله قد أرسل رسله بالحق، وخلق عباده على الفطرة، فمن كمل فطرته بما أرسل الله به رسله، وجد الهدى واليقين الذي لا ريب فيه، ولم يتناقض. لكن هؤلاء أفسدوا فطرتهم العقلية وشرعتهم السمعية، بما حصل لهم من الشبهات والاختلاف، الذي لم يهتدوا معه إلى الحق، كما قد ذكر تفصيل ذلك في موضع غير هذا. والمقصود هنا أنه لما ذكر ذلك قال: ومن الذي وصل إلى هذا الباب ومن الذي ذاق هذا [1] الشراب. نهاية إقدام العقول عقال وأكثر سعي العالمين ضلال وأرواحنا في وحشة من جسومنا وحاصل دنيانا أذى ووبال ولم نستفد من بحثنا طول عمرنا سوى أن جمعنا فيه قيل وقالوا وقال [2] : "لقد تأملت الطرق الكلامية، والمناهج الفلسفية، فما رأيتها تشفي عليلا، ولا تروي غليلا. ورأيت أقرب الطرق طريقة القرآن ; اقرأ في الإثبات [3] : {إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه} [سورة فاطر: 10] " (1) أ، ب: من هذا، وكذا جاء النص في "درء. . ." 1/160 وذكرت هناك أنني لم أجد هذا الكلام، والكلام التالي فيما بين يدي من كتب الرازي المطبوعة أو المخطوطة، وأن ابن تيمية يذكر أن الرازي كان يتمثل بهذا الكلام في كتابه أقسام اللذات، وهذا الكتاب مخطوط بالهند، ولم يذكره بروكلمان ضمن مؤلفات الرازي، وذكرت في تعليقي على "درء. ." أن ابن تيمية يذكر هذا النص كثيرا في كتبه، مثل مجموع فتاوى الرياض 4/71 الفرقان بين الحق والباطل، ص 97 من مجموعة الرسائل الكبرى ط. صبيح، معارج الوصول، ص 185 من المجموعة السابقة. (2) وقال: في (ح) ، (ر) ، (ب) فقط. (3) و، م: الآيات: وهو تحريف. ، {الرحمن على العرش استوى} [سورة طه: 5] [1] واقرأ في النفي: {ليس كمثله شيء وهو السميع البصير} [سورة الشورى: 11] [2] ، {ولا يحيطون به علما} [سورة طه: 110] [3] ومن جرب مثل تجربتي، عرف مثل معرفتي "." وهو صادق فيما أخبر به أنه لم يستفد من بحوثه في الطرق الكلامية والفلسفية سوى أن جمع قيل وقالوا، وأنه لم يجد فيها ما يشفي عليلا، ولا يروي غليلا، فإن من تدبر كتبه كلها [4] لم يجد فيها مسألة واحدة من مسائل أصول الدين موافقة للحق [الذي يدل عليه] [5] المنقول والمعقول، بل يذكر في المسألة عدة أقوال، والقول الحق لا يعرفه فلا يذكره. وهكذا غيره من أهل الكلام والفلسفة، ليس هذا من خصائصه، فإن الحق واحد، ولا يخرج عما جاءت به الرسل، وهو الموافق لصريح العقل: فطرة الله التي فطر الناس عليها [6] . وهؤلاء لا يعرفون ذلك، بل هم من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا، وهم مختلفون في الكتاب: {وإن الذين اختلفوا في الكتاب لفي شقاق بعيد} [سورة البقرة: 176] . (1) والعمل الصالح يرفعه، في (و) فقط: وجاء آية سورة طه قبل آية سورة فاطر في "درء. . ." 1/160. (2) وهو السميع البصير، في (ح) ، (ر) ، (ب) فقط، وليست في "درء. ." . (3) في "درء. . ." جاءت بعد هاتين الآيتين آية سورة مريم (هل تعلم له سميا) . (4) كلها: ساقطة من (ن) ، (أ) . (5) ما بين المعقوفتين ساقط من (ن) فقط. (6) ح، ب، ر: فطر عليها عباده، و: فطر الله عليها عباده. وقال الإمام أحمد في خطبة مصنفه الذي صنفه في محبسه [1] في الرد على الزنادقة والجهمية فيما شكت فيه من متشابه القرآن وتأولته على غير تأويله قال [2] : "الحمد لله الذي جعل في كل زمان فترة من الرسل، بقايا من أهل العلم، يدعون من ضل إلى الهدى، ويصبرون منهم على الأذى، يحيون بكتاب الله الموتى [3] ، ويبصرون بنور الله أهل الضلالة والعمى [4] ، فكم من قتيل لإبليس قد أحيوه، وكم من تائه ضال [5] قد [6] هدوه، فما أحسن أثرهم على الناس، وما أقبح أثر [7] الناس عليهم." ينفون عن كتاب الله تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين، الذين عقدوا ألوية البدعة، وأطلقوا عنان [8] الفتنة، فهم مختلفون في الكتاب، مخالفون للكتاب، متفقون [9] على مفارقة الكتاب، (* يقولون على الله، وفي الله، وفي كتاب الله بغير علم *) [10] ، يتكلمون بالمتشابه من الكلام، ويخدعون جهال الناس بما يلبسون [11] عليهم "." (1) ن: حبسه. (2) ص [0 - 9] 2 تحقيق النشار، مجموعة عقائد السلف، دار المعارف، الإسكندرية، 1971، ص 85، تحقيق د. عبد الرحمن عميرة، دار اللواء الرياض 1397/1977. (3) نسخة النشار، و: يحيون بكتاب الله الموتى، ويصبرون منهم على الأذى. (4) ح: الضلال والعمى، وسقطت كلمة الضلالة من النسختين المطبوعتين. (5) نسختا النشار وعميرة: ضال تائه. (6) قد: ساقطة من (ن) . (7) نسختا الرد: وأقبح أثر. (8) نسختا الرد: عقال (9) نسختا الرد: مجمعون. (10) ما بين النجمتين ساقط من (و) . (11) نسختا الرد: بما يشبهون. وهو كما وصفهم - رحمه الله - ; فإن المختلفين أهل المقالات المذكورة في كتب الكلام: إما نقلا مجردا للأقوال، وإما نقلا وبحثا وذكرا للجدال [1] مختلفون في الكتاب، كل منهم يوافق بعضا ويرد بعضا، ويجعل ما يوافق رأيه هو المحكم الذي يجب اتباعه، وما يخالفه [2] هو المتشابه الذي يجب تأويله أو تفويضه. وهذا موجود في كل من صنف [3] في الكلام وذكر [4] النصوص التي [5] يحتج [6] بها ويحتج بها عليه ; تجده يتأول النصوص التي تخالف قوله تأويلات لو فعلها غيره لأقام القيامة عليه، ويتأول الآيات بما يعلم بالاضطرار أن الرسول لم يرده، وبما لا يدل عليه اللفظ أصلا [7] ، وبما هو خلاف [8] التفسير المعروف عن الصحابة والتابعين، وخلاف نصوص أخرى. (1) ح: للجدل. (2) ن، م، و، أ: وما خالفه. (3) في مكان عبارة من صنف بياض في (ح) ، (ر) ، وفي (أ) في كل مصنف، وفي (ن) ، (م) في كل صنف. (4) وذكر: كذا في (و) ، وفي سائر النسخ: ويذكر. (5) و: الذي. (6) عبارة التي يحتج مكانها بياض في (ح) ، (ر) . (7) ح: لم يرده وبعدها بياض بمقدار كلمة العلم، وبما لا يدل عليه اللفظ أصلا من الجهل وشابهت (ر) ، نسخة (ح) إلا أنه لا يوجد فيها بياض بعد عبارة (لم يرده وفي (أ) : لم يرده ويدل عليه اللفظ أصلا وفي (ن) ، (م) ، (و) لم يرده، وما لم يدل عليه اللفظ أصلا، ولعل الصواب ما أثبته، وبعد هذه العبارات يوجد كلام استغرق حوالي أربع صفحات جاء في غير موضعه في (ب) ، (ح) ، (ر) ، (أ) وسأشير إلى مكانه فيما بعد إن شاء الله. (8) ن، م: وهو خلاف، ر، ب: وإنما هو خلاف التفسير، وهذه العبارات موجودة في (ب) في منتصف الصفحة التالية 3/70
__________________
|
#329
|
||||
|
||||
![]() ![]() منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية أبو العباس أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية الحنبلي الدمشقي المجلد الخامس الحلقة (329) صـ 275 إلى صـ 284 ولو ذكرت ما أعرفه من ذلك لذكرت خلقا، ولا استثني أحدا من أهل البدع [1] : لا من المشهورين بالبدع الكبار من معتزلي ورافضي ونحو ذلك، ولا من المنتسبين إلى السنة والجماعة من كرامي وأشعري وسالمي ونحو ذلك. وكذلك من صنف على طريقهم من أهل المذاهب الأربعة وغيرها. هذا كله رأيته في كتبهم، وهذا موجود في بحثهم في مسائل الصفات، والقرآن، ومسائل القدر، ومسائل الأسماء والأحكام، والإيمان [2] والإسلام، ومسائل الوعد والوعيد، وغير ذلك. وقد بسطنا الكلام على ذلك [3] في مواضع من كتبنا غير هذا الكتاب [4] "درء تعارض العقل والنقل" وغيره. ومن أجمع الكتب التي رأيتها في مقالات الناس المختلفين [5] في أصول الدين كتاب أبي الحسن الأشعري، وقد ذكر فيه من المقالات وتفاصيلها [6] ما لم يذكره غيره، وذكر فيه مذهب أهل الحديث والسنة بحسب ما فهمه عنهم. وليس في جنسه أقرب إليهم منه، ومع هذا نفس القول الذي جاء به الكتاب والسنة، وقال به الصحابة [7] والتابعون لهم بإحسان: في القرآن، والرؤية [8] ، (1) و: من أهل الكلام. (2) أ، ب: الأسماء وأحكام الإيمان، وهو تحريف. (3) و: وقد بسط الكلام في ذلك. (4) ح، ب: في غير موضع في كتبنا غير هذا الكتاب، و: في مواضع غير هذا، وسقط الكلام في (و) ، بعد ذلك إلى قوله: ومن أجمع الكتب. (5) ن: في المقالات للناس المختلفين. (6) ح، ب: وتفصيلها. (7) و: وقالت الصحابة. (8) ب فقط: وفي الرؤية. والصفات، والقدر، وغير ذلك من مسائل أصول الدين ليس في كتابه، وقد استقصى ما عرفه من كلام المتكلمين. وأما معرفة ما جاء به الرسول من الكتاب والسنة وآثار الصحابة، فعلم آخر لا يعرفه أحد من هؤلاء المتكلمين، المختلفين في أصول الدين. ولهذا كان سلف الأمة وأئمتها متفقين على ذم أهل الكلام ; فإن كلامهم لا بد أن يشتمل على تصديق بباطل، وتكذيب بحق [1] ، ومخالفة الكتاب [2] والسنة، فذموه لما فيه من الكذب والخطأ والضلال. ولم يذم السلف من كان كلامه حقا، [فإن ما كان حقا] [3] فإنه هو الذي جاء به الرسول، (وهذا لا يذمه السلف العارفون بما جاء به الرسول) [4] ، ومع هذا فيستفاد من كلامهم [5] نقض بعضهم على بعض، وبيان فساد قوله، فإن المختلفين كل كلامهم فيه شيء من الباطل [6] ، وكل طائفة تقصد بيان بطلان [7] قول [8] الأخرى، فيبقى الإنسان عند دلائل كثيرة تدل على فساد قول كل طائفة من الطوائف المختلفين في الكتاب. وهذا مما مدح به الأشعري ; فإنه بين من فضائح المعتزلة وتناقض (1) ح: على تصديق باطل وتكذيب حق، ر: على تصديق باطل وتكذيب بحق. (2) و: للكتاب. (3) ما بين المعقوفتين ساقط من (ن) ، (م) ، (أ) . (4) ساقط من (ح) ، (ر) ، (أ) ، (ب) . (5) كلمة كلامهم في أول ص 71 وهنا اضطراب في ترتيب الصفحات في (ب) أشرت إليه من قبل. (6) و: فيه باطل، أ: فيه قول من الباطل. (7) بطلان: ساقطة من (ن) ، (ح) ، (ر) . (8) قول: ساقطة من (أ) . أقوالهم وفسادها ما لم يبينه غيره، لأنه كان منهم، وكان قد درس الكلام على أبي علي الجبائي أربعين سنة، وكان ذكيا، ثم إنه رجع عنهم، وصنف في الرد عليهم، ونصر في الصفات طريقة ابن كلاب، لأنها أقرب إلى الحق والسنة من قولهم، ولم يعرف غيرها، فإنه لم يكن خبيرا بالسنة والحديث، وأقوال الصحابة والتابعين وغيرهم، وتفسير السلف للقرآن. والعلم بالسنة المحضة إنما يستفاد من هذا [1] . ولهذا يذكر [2] في المقالات مقالة المعتزلة مفصلة: يذكر [3] قول كل واحد منهم، وما بينهم من النزاع في الدق والجل، كما يحكي ابن [4] أبي زيد [5] مقالات أصحاب مالك، وكما يحكي أبو الحسن القدوري [6] اختلاف أصحاب أبي حنيفة. ويذكر أيضا مقالات الخوارج والروافض [7] ، لكن نقله لها [8] من كتب أرباب المقالات، لا عن مباشرة (1) ن، م، و، أ: من هنا. (2) ح، ر، ب: ذكر. (3) يذكر: ساقطة من (و) . (4) م، ر، ح: كما يحكى عن. (5) أبو زيد عبد الله بن عبد الرحمن أبي زيد النفزاوي القيرواني، إمام المالكية في عصره، يلقب بمالك الأصغر، قال الذهبي: كان على أصول السلف في الأصول، لا يدري الكلام ولا يتأول، أشهر كتبه الرسالة، في اعتقاد أهل السنة، طبعت وشرحها كثيرون. ولد سنة 310 وتوفي سنة 386 انظر ترجمته في: شذرات الذهب 3/131، الديباج المذهب لابن فرحون، ص 136 - 138، الأعلام 4/230 - 231 (6) أبو الحسين أحمد بن محمد بن جعفر القدوري، انتهت إليه رئاسة الحنفية في العراق، وصنف المختصر المعروف باسمه القدوري في فقه الحنفية، وقد طبع، ولد ببغداد سنة 362 وتوفي بها سنة 428 انظر ترجمته في: وفيات الأعيان 1/60 - 61، الجواهر المضية 1/93 - 94، النجوم الزاهرة 5/24 - 25، الأعلام 1/206 (7) و: والرافضة. (8) أ: لكن نقلا لها، ب، و: لكن نقلا لها، ر: لكن يعلم، ح: لا لأن يعلم. منه للقائلين، ولا عن خبرة بكتبهم، ولكن فيها تفصيل عظيم، ويذكر مقالة ابن كلاب عن خبرة بها ونظر في كتبه، ويذكر اختلاف الناس في القرآن من عدة كتب [1] . فإذا جاء إلى [2] مقالة أهل السنة والحديث ذكر أمرا مجملا، يلقى [3] أكثره عن زكريا بن يحيى الساجي [4] ، وبعضه عمن أخذ عنه من حنبلية بغداد ونحوهم. وأين العلم المفصل من العلم المجمل؟ [5] وهو يشبه [6] من بعض الوجوه، علمنا بما جاء به محمد - صلى الله عليه وسلم - تفصيلا [7] ، وعلمنا بما في التوراة والإنجيل مجملا، لما نقله الناس عن [8] التوراة والإنجيل، وبمنزلة علم الرجل الحنفي أو الشافعي أو المالكي أو الحنبلي بمذهبه الذي عرف أصوله وفروعه، واختلاف أهله وأدلته، بالنسبة إلى ما يذكرونه من خلاف المذهب الآخر [9] ، فإنه إنما يعرفه معرفة مجملة. (1) عبارة من عدة كتب ساقطة من (ح) ، ومكانها بياض في (ر) . (2) إلى: ساقطة من (ح) ، (ب) . (3) ساقطة من (ح) ، (ر) . (4) أبو يحيى زكريا بن يحيى بن عبد الرحمن بن محمد بن عدي الضبي البصري الساجي من فقهاء الشافعية ومن الحفاظ الثقات ولد سنة 220 وتوفي سنة 307، له كتاب اختلاف الفقهاء، انظر ترجمته في: طبقات الشافعية 3/299 - 301 الأعلام 3/81 (5) عبارة من العلم المجمل، ساقطة من (ح، (ر) ، وفي (أ) ، (ب) من الأمر المجمل. (6) عند عبارة وهو يشبه نعود إلى صفحة 3/69 من نسخة (ب) حيث يوجد الخطأ في ترتيب الكلام، ويوجد خطأ مماثل في (ح) ، (ر) ، (أ) . (7) أ، ب: مفصلا. (8) ح، ب: من. (9) ح، ب: المذاهب الأخر. فهكذا [1] معرفته بمذهب أهل السنة والحديث، مع أنه من أعرف المتكلمين المصنفين في الاختلاف بذلك، وهو أعرف به من جميع أصحابه: من القاضي أبي بكر، وابن فورك، وأبي إسحاق. وهؤلاء أعلم به من أبي المعالي وذويه، ومن الشهرستاني، [ولهذا كان ما يذكره الشهرستاني] [2] من مذهب أهل السنة والحديث ناقصا عما يذكره الأشعري ; فإن الأشعري أعلم من هؤلاء كلهم بذلك نقلا وتوجيها. وهذا كالفقيه الذي يكون أعرف من غيره من الفقهاء بالحديث، وليس هو من علماء الحديث. أو المحدث الذي يكون أفقه من غيره من المحدثين، وليس هو من أئمة الفقه. والمقرئ الذي يكون أخبر من غيره بالنحو والإعراب، وليس هو من أئمة النحاة. والنحوي الذي يكون أخبر من غيره بالقرآن، وليس هو من أئمة القراء، ونظائر هذا متعددة. والمقصود هنا بيان ما ذكره الله في كتابه من ذم الاختلاف في الكتاب. وهذا الاختلاف القولي، وأما الاختلاف العملي وهو الاختلاف باليد والسيف والعصا والسوط فهو داخل في الاختلاف. والخوارج والروافض والمعتزلة ونحوهم [3] يدخلون في النوعين. والملوك الذين يتقاتلون [4] على محض الدنيا يدخلون في الثاني. والذين يتكلمون في العلم، ولا يدعون إلى قول ابتدعوه، ويحاربون عليه من خالفهم لا بيد، ولا بلسان، هؤلاء هم أهل العلم، وهؤلاء خطؤهم مغفور (1) ح، ر، ب: وهكذا. (2) ما بين المعقوفتين ساقط من (ن) ، فقط. (3) ن، م: وغيرهم. (4) ن، م: يقاتلون. لهم وليسوا مذمومين، إلا أن يدخلهم هوى وعدوان أو تفريط في بعض الأمور، فيكون ذلك من ذنوبهم ; فإن العبد مأمور بالتزام الصراط المستقيم في كل أموره، وقد شرع الله - تعالى - أن نسأله ذلك في كل صلاة، وهو أفضل الدعاء وأفرضه وأجمعه لكل خير، وكل أحد محتاج إلى الدعاء به، فلهذا أوجبه الله - تعالى - على العبد في كل صلاة. فإنه وإن كان قد هدي هدى مجملا، مثل إقراره بأن الإسلام حق والرسول حق، فهو محتاج إلى التفصيل في كل ما يقوله ويفعله ويعتقده، فيثبته أو ينفيه، ويحبه أو يبغضه، ويأمر به أو ينهى عنه، ويحمده أو يذمه. وهو محتاج في جميع ذلك إلى أن يهديه الله الصراط المستقيم، صراط الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا. فإن كثيرا ممن سمع ذم الكلام مجملا، أو سمع [1] ذم الطائفة الفلانية مجملا، وهو لا يعرف تفاصيل الأمور: من الفقهاء وأهل الحديث والصوفية والعامة، ومن كان متوسطا في الكلام، لم يصل إلى الغايات التي منها تفرقوا واختلفوا تجده يذم القول وقائله بعبارة، ويقبله بعبارة [2] ، ويقرأ كتب التفسير والفقه وشروح الحديث، وفيها تلك المقالات التي كان يذمها، فيقبلها من أشخاص أخر يحسن الظن بهم، وقد ذكروها [3] بعبارة أخرى، أو في ضمن تفسير آية أو حديث أو غير ذلك. (1) سمع: زيادة في (ح) ، (ب) . (2) عبارة، ويقبله: ساقطة من (ح) ، (ب) . (3) وقد ذكروها: كذا في (أ) ، (ب) ، وفي سائر النسخ: وذكروها. وهذا مما يوجد كثيرا، والسالم من سلمه الله حتى أن كثيرا من هؤلاء [1] يعظم أئمة، ويذم أقوالا، قد يلعن قائلها أو يكفره، وقد قالها أولئك الأئمة الذين يعظمهم، ولو علم أنهم قالوها لما لعن القائل، وكثير منها يكون قد قاله النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو لا يعرف ذلك. فإن كان ممن قبلها من المتكلمين [2] تقليديا، فإنه يتبع من يكون في نفسه أعظم، فإن ظن أن المتكلمين حققوا ما لم يحققه أئمتهم قلدهم، وإن ظن أن الأئمة أجل قدرا وأعرف بالحق [3] وأتبع للرسول قلدهم، وإن كان قد عرف الحجة الكلامية على ذلك القول وبلغه أن أئمة يعظمهم قالوا بخلافه أو جاء [4] الحديث بخلافه [5] بقي في الحيرة، وإن رجح أحد الجانبين رجح على مضض، وليس عنده ما يبني عليه، وإنما يستقر قلبه بما يعرف صحة أحد القولين جزما ; فإن التقليد لا يورث الجزم، فإذا جزم بأن الرسول قاله، وهو عالم بأنه لا يقول إلا الحق، جزم بذلك وإن خالفه بعض أهل الكلام. وعلم الإنسان باختلاف هؤلاء ورد بعضهم على بعض، وإن لم يعرف بعضهم فساد مقالة بعض، هو من [6] أنفع الأمور ; فإنه ما منهم إلا من قد [7] فضل مقالته طوائف، فإذا عرف رد الطائفة الأخرى على هذه (1) عند عبارة حتى أن كثيرا من هؤلاء تنتهي العبارات التي جاءت في غير موضعها في نسخ (ح) ، (ر) ، (أ) ، (ب) ونعود هنا إلى صفحة 3/71 (ب) في ثلثها الأول تقريبا. (2) ن، م، و: عن المتكلم، ر: عن المتكلمين. (3) وأعرف بالحق: ساقطة من (ن) . (4) ح، و، ب: وجاء. (5) أ: بخلافها. (6) ر: ما قاله بعضهم وهذا من. (7) قد: زيادة في (ح) ، (ب) . المقالة عرف فسادها، فكان في ذلك نهي عما فيها من المنكر والباطل. وكذلك إذا عرف رد هؤلاء على أولئك [1] ، فإنه أيضا يعرف ما عند أولئك من الباطل، فيتقي الباطل الذي معهم. ثم من بين الله له الذي جاء به الرسول: إما بأن يكون قولا ثالثا خارجا عن القولين، وإما بأن يكون بعض قول هؤلاء وبعض قول هؤلاء، وعرف أن هذا هو الذي كان عليه الصحابة والتابعون لهم بإحسان، وعليه دل الكتاب والسنة كان الله قد أتم عليه النعمة، إذ هداه الصراط المستقيم، وجنبه صراط أهل البغي والضلال. وإن لم يتبين له، كان امتناعه من موافقة هؤلاء على ضلالهم، وهؤلاء على ضلالهم، نعمة في حقه، واعتصم بما عرفه من الكتاب والسنة مجملا، وأمسك عن الكلام في تلك المسألة، وكانت من جملة ما لم يعرفه ; فإن الإنسان لا يعرف الحق في كل ما تكلم الناس به، وأنت تجدهم يحكون أقوالا متعددة في التفسير وشرح الحديث في مسائل الأحكام، بل والعربية والطب وغير ذلك، ثم كثير من الناس يحكي الخلاف ولا يعرف الحق. وأما الخلاف الذي بين الفلاسفة فلا يحصيه أحد لكثرته ولتفرقهم [2] ، فإن الفلسفة التي [3] عند المتأخرين كالفارابي وابن سينا ومن نسج على منوالهما هي فلسفة أرسطو وأتباعه، وهو صاحب التعاليم: المنطق، والطبيعي، وما بعد الطبيعة [4] . والذي [5] يحكيه الغزالي (1) ح: على هؤلاء. (2) ح، و، ب: وتفرقهم. (3) التي: ساقطة من (ب) فقط. (4) أ، ب: وما بعد الطبيعي، ح، و: وما بعد الطبيعية. (5) ن، م: هو الذي. والشهرستاني [1] والرازي وغيرهم من مقالات الفلاسفة هو من كلام ابن سينا. والفلاسفة أصناف مصنفة غير هؤلاء. ولهذا يذكر القاضي أبو بكر في دقائق الكلام [2] وقبله أبو الحسن الأشعري في كتاب مقالات غير الإسلاميين [3] ، وهو كتاب كبير أكبر من مقالات الإسلاميين أقوالا كثيرة للفلاسفة لا يذكرها هؤلاء الذين يأخذون عن ابن سينا. وكذلك غير الأشعري مثل أبي عيسى الوراق [4] والنوبختي [5] وأبي علي [6] وأبي هاشم [7] وخلق كثير من أهل الكلام والفلسفة. والمقصود أن كتب أهل الكلام يستفاد منها رد بعضهم على بعض. وهذا لا يحتاج إليه من لا يحتاج إلى رد المقالة الباطلة لكونها لم تخطر بقلبه، ولا هناك من يخاطبه بها، ولا يطالع كتابا هي فيه، ولا ينتفع به من لم يفهم الرد، بل قد يستضر به من عرف الشبهة ولم يعرف فسادها. ولكن المقصود هنا أن هذا هو العلم الذي في كتبهم ; فإنهم يردون باطلا بباطل، وكلا القولين باطل، ولهذا كان مذموما ممنوعا منه عند السلف والأئمة، وكثير منهم أو أكثرهم لا يعرف أن الذي يقوله باطل. (1) ن: يحكيه الشهرستاني. (2) ن، م: دقيق الكلام، وذكرت من قبل في ترجمة الباقلاني 1/394 أن كتاب الدقائق مفقود، وانظر سزكين م [0 - 9] ج [0 - 9] ص [0 - 9] 7 - 51 (3) وهو كتاب مفقود أيضا وانظر سزكين م [0 - 9] ج [0 - 9] ص 35 - 39 (4) سبقت ترجمته 2/501 (5) سبقت ترجمته 1/72 (6) أبو علي الجبائي سبقت ترجمته 1/395 (7) أبو هاشم الجبائي سبقت ترجمته 1/278 وبكل حال فهم يذكرون من عيوب باطل غيرهم وذمه ما قد ينتفع به. مثال ذلك تنازعهم في مسائل الأسماء والأحكام، والوعد والوعيد. فالخوارج والمعتزلة يقولون: صاحب الكبائر الذي لم يتب منها مخلد في النار، ليس معه شيء من الإيمان. ثم الخوارج تقول: هو كافر، والمعتزلة توافقهم على الحكم لا على الاسم. والمرجئة تقول: هو مؤمن تام [1] الإيمان، لا نقص في إيمانه، بل إيمانه كإيمان الأنبياء والأولياء. وهذا نزاع في الاسم. ثم تقول فقهاؤهم ما تقوله الجماعة في أهل الكبائر: فيهم من يدخل النار، وفيهم من لا يدخل. كما دلت على ذلك الأحاديث الصحيحة، واتفق عليه الصحابة والتابعون لهم بإحسان. فهؤلاء لا ينازعون أهل السنة والحديث في حكمه في الآخرة، وإنما ينازعونهم في الاسم. وينازعون أيضا فيمن قال ولم يفعل. وكثير من متكلمة المرجئة تقول: لا نعلم أن أحدا [2] من أهل القبلة من أهل الكبائر يدخل النار، ولا أن أحدا منهم لا يدخلها، بل يجوز أن يدخلها جميع الفساق، ويجوز أن لا يدخلها أحد منهم، ويجوز دخول بعضهم. ويقولون: من أذنب وتاب لا يقطع بقبول توبته، بل يجوز أن يدخل النار أيضا، فهم يقفون في هذا كله، ولهذا سموا الواقفة. وهذا قول القاضي أبي بكر وغيره من الأشعرية وغيرهم. فيحتج أولئك بنصوص الوعيد وعمومها، ويعارضهم هؤلاء بنصوص الوعد وعمومها. فقال أولئك: الفساق لا يدخلون في الوعد، لأنهم [3] لا (1) ن، م: كامل. (2) ن، م: لا نعلم أحدا. (3) م، و: لأنه.
__________________
|
#330
|
||||
|
||||
![]() ![]() منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية أبو العباس أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية الحنبلي الدمشقي المجلد الخامس الحلقة (330) صـ 285 إلى صـ 294 حسنات لهم [1] ، لأنهم لم يكونوا من المتقين. وقد قال الله - تعالى: {إنما يتقبل الله من المتقين} [سورة المائدة: 27] . وقال - تعالى: {لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى} [سورة البقرة: 264] . وقال: {لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون} [سورة الحجرات: 2] . وقال: {ذلك بأنهم اتبعوا ما أسخط الله وكرهوا رضوانه فأحبط أعمالهم} [سورة محمد: 28] . فهذه النصوص وغيرها تدل على أن الماضي من العمل قد يحبط بالسيئات، وأن العمل لا يقبل إلا مع التقوى. والوعد إنما هو للمؤمن، وهؤلاء ليسوا مؤمنين [2] ; بدليل قوله: {إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم} [سورة الأنفال: 2] ، وقوله: {إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله أولئك هم الصادقون} [سورة الحجرات: 15] ، وبقوله [3] : {أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون} [سورة السجدة: 18] . والفاسق ليس بمؤمن فلا يتناوله الوعد. وبما ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في الصحيح أنه قال: "«لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن»" [4] وقوله: "«من غشنا فليس منا، ومن حمل علينا السلاح فليس منا»" [5] ونحو ذلك. (1) ن: لا حساب لهم. (2) ب، و: ليسوا بمؤمنين. (3) ح، ر، و: الصادقون، ونحو ذلك وبقوله ب: الصادقون، وقوله. (4) مضى هذا الحديث من قبل في هذا الجزء ص 207 (5) جاء الحديث بلفظ: من حمل علينا السلاح فليس منا، ومن غشنا فليس منا. عن أبي هريرة - رضي الله عنه - في: مسلم 1/99 كتاب الإيمان، باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم: من غشنا فليس منا. المسند ط. المعارف 18/100 وجاء قسم من الحديث وهو قوله صلى الله عليه وسلم: (من حمل علينا السلاح فليس منا) عن ابن عمر وأبي موسى الأشعري وسلمة - رضي الله عنهم - في: البخاري 9/4 كتاب الديات، باب قول الله تعالى: (ومن أحياها) 9/49 كتاب الفتن، باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم: من حمل علينا السلاح فليس منا، مسلم 1/98 كتاب الإيمان باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم: من حمل علينا السلاح فليس منا. وجاء الحديث بلفظ: (من غشنا فليس منا) أو (ليس منا من غش) في مواضع كثيرة في سنن أبي داود والترمذي وابن ماجه والمسند، فهو عن أبي هريرة - رضي الله عنه - في سنن أبي داود 3/370 كتاب البيوع باب في النهي عن الغش، سنن الترمذي 2/389 كتاب البيوع، باب ما جاء في كراهية الغش في البيوع، وقال الترمذي حديث أبي هريرة حديث حسن صحيح، والعمل على هذا عند أهل العلم، كرهوا الغش وقالوا: الغش حرام وتقول المرجئة: قوله - تعالى: {إنما يتقبل الله من المتقين} [سورة المائدة: 27] المراد به: من اتقى الشرك. ويقولون: الأعمال لا تحبط إلا بالكفر، قال تعالى: {لئن أشركت ليحبطن عملك} [سورة الزمر 65] وقال: {ومن يكفر بالإيمان فقد حبط عمله} [سورة المائدة: 5] . ويقولون: قد قال تعالى: {ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله ذلك هو الفضل الكبير - جنات عدن يدخلونها} [سورة فاطر 32 - 33] فقد أخبر أن الثلاثة يدخلون الجنة. وقد حكي عن بعض غلاة المرجئة أن أحدا من أهل التوحيد لا يدخل النار. ولكن هذا لا أعرف به قائلا معينا فأحكيه عنه. ومن الناس من يحكيه [1] عن مقاتل بن سليمان، والظاهر أنه غلط عليه. (1) ن، م، و، أ: من يذكره. وهؤلاء قد يحتجون بهذه الآية، ويحتجون بقوله: {فأنذرتكم نارا تلظى - لا يصلاها إلا الأشقى - الذي كذب وتولى} [سورة الليل: 14 - 16] وقد يحتج بعض الجهال بقوله: {ذلك يخوف الله به عباده} [سورة الزمر: 16] قال: فالوعيد شيء يخوفكم به. ويقولون: أما قوله: {ذلك بأنهم كرهوا ما أنزل الله فأحبط أعمالهم} [سورة محمد: 9] فهذه في الكفار ; فإنه قال: {والذين كفروا فتعسا لهم وأضل أعمالهم ذلك بأنهم كرهوا ما أنزل الله فأحبط أعمالهم} [سورة محمد: 8 - 9] . وكذلك قوله: {إن الذين ارتدوا على أدبارهم من بعد ما تبين لهم الهدى الشيطان سول لهم وأملى لهم - ذلك بأنهم قالوا للذين كرهوا ما نزل الله سنطيعكم في بعض الأمر والله يعلم إسرارهم - فكيف إذا توفتهم الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم - ذلك بأنهم اتبعوا ما أسخط الله وكرهوا رضوانه فأحبط أعمالهم} [سورة محمد: 25 - 28] ، فقد أخبر - سبحانه - أن هؤلاء ارتدوا على أدبارهم من بعد ما تبين لهم الهدى، وأن الشيطان سول لهم وأملى لهم، أي: وسع لهم في العمر، وكان هذا بسبب وعدهم للكفار [1] بالموافقة، فقال: {ذلك بأنهم قالوا للذين كرهوا ما نزل الله سنطيعكم في بعض الأمر} . ولهذا فسر السلف هؤلاء الذين {كرهوا ما نزل الله} الذين كانوا سبب نزول هذه الآية بالمنافقين واليهود. قالت الوعيدية: الله [2] - تعالى - إنما (1) ح، ب: وعدهم الكفار. (2) و: فالله. وصفهم بمجرد كراهة ما نزل الله، والكراهة [1] عمل القلب. وعند الجهمية الإيمان مجرد تصديق القلب [2] وعلمه [3] ، هذا قول جهم والصالحي والأشعري في المشهور عنه وأكثر أصحابه. وعند فقهاء المرجئة: هو قول اللسان مع تصديق القلب. وعلى القولين أعمال القلوب ليست من الإيمان عندهم كأعمال الجوارح، فيمكن أن يكون الرجل مصدقا بلسانه وقلبه [4] مع كراهة ما نزل [5] الله، وحينئذ فلا يكون هذا كافر عندهم. والآية تتناوله، وإذا دلت على كفره دلت على فساد قولهم. قالوا: وأما قولكم: المتقون الذين اتقوا الشرك. فهذا خلاف القرآن ; فإن الله - تعالى - قال: {إن المتقين في ظلال وعيون - وفواكه مما يشتهون} [سورة المرسلات: 41 - 42] ، {إن المتقين في جنات ونهر} [سورة القمر: 54] . وقال: {الم - ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين - الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون - والذين يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك وبالآخرة هم يوقنون} [سورة البقرة: 1 - 4] . وقالت مريم: {إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيا} [سورة مريم: 18] (1) ب فقط: والكراهية. (2) ح، ب: التصديق بالقلب. (3) ن، م، أ: وعمله، وهو تحريف. (4) ح، ب: مصدقا بقلبه ولسانه، أ: مصدقا وقلبه. (5) ن، م: أنزل. ولم ترد به الشرك [1] ، بل أرادت التقي الذي يتقى فلا يقدم [2] على الفجور. وقال تعالى: {ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب} [سورة الطلاق: 1 - 2] . وقال تعالى: {إن تتقوا الله يجعل لكم فرقانا ويكفر عنكم سيئاتكم} [سورة الأنفال: 29] . وقال تعالى: {إنه من يتق ويصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين} [سورة يوسف: 90] . وقال تعالى: {لتبلون في أموالكم وأنفسكم ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذى كثيرا وإن تصبروا وتتقوا فإن ذلك من عزم الأمور} [سورة آل عمران: 186] . وقال - تعالى: {ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون} إلى قوله: {والله ولي المتقين} [سورة الجاثية: 18 - 19] . وقال: {ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا - يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم} [سورة الأحزاب: 70 - 71] فهم قد آمنوا واتقوا الشرك فلم يكن الذي أمرهم به بعد ذلك مجرد ترك الشرك. وقال تعالى: {ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته} [سورة آل عمران: 102] . (1) عند عبارة ولم ترد به الشرك تعود نسخة (ي) بعد السقط الطويل الذي أشرت من قبل إلى أوله. (2) ح، ب، ي، ر: أرادت التقي الذي لا يقدم، أ، و: أرادت الذي يتقى فلا يتقدم. أفيقول مسلم: إن قطاع الطريق الذين يسفكون دماء الناس ويأخذون أموالهم اتقوا الله حق تقاته لكونهم لم يشركوا، وإن أهل الفواحش وشرب الخمر وظلم الناس اتقوا الله حق تقاته؟ . وقد قال السلف: ابن مسعود [1] وغيره: كالحسن، وعكرمة، وقتادة، ومقاتل: "حق تقاته أن يطاع فلا يعصى، وأن يشكر فلا يكفر، وأن يذكر فلا ينسى" [2] . وبعضهم يرويه عن ابن مسعود عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. وفي تفسير الوالبي عن ابن عباس قال: هو أن يجاهد العبد في الله حق جهاده، وأن لا تأخذه في الله لومة لائم، وأن يقوموا له بالقسط ولو على أنفسهم وآبائهم وأبنائهم [3] . وفي الآية [4] أخرى: {فاتقوا الله ما استطعتم} [سورة التغابن: 16] وهذه مفسرة لتلك. ومن قال من السلف هي ناسخة لها، فمعناه أنها رافعة لما يظن من أن المراد من حق تقاته: ما يعجز البشر عنه ; فإن الله لم يأمر بهذا قط. ومن قال إن الله أمر به، فقد غلط. ولفظ النسخ في عرف السلف يدخل فيه كل ما فيه نوع رفع لحكم، أو ظاهر، أو ظن دلالة حتى يسموا تخصيص العام نسخا [5] ، ومنهم من يسمي الاستثناء نسخا إذا تأخر نزوله. (1) ن، م: وقال ابن مسعود، أ: وقال السلف ابن مسعود (2) ن، م: وأن يذكر فلا ينسى، وأن يشكر فلا يكفر (3) أورد هذه العبارات ابن كثير في تفسيره 2/72 (4) ب فقط: وفي آية. (5) عند عبارة تخصيص العام وفي أسفل الصفحة كلمة نسخا تنتهي نسخة (أ) كما أشرت إلى ذلك في المقدمة. وقد قال - تعالى: {وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته فينسخ الله ما يلقي الشيطان ثم يحكم الله آياته والله عليم حكيم} [سورة الحج: 52] ، فهذا رفع لشيء ألقاه الشيطان ولم ينزله الله، لكن غايته أن يظن أن الله أنزله، وقد أخبر أنه نسخه. وقد قال - تعالى: {إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون - وإخوانهم يمدونهم في الغي ثم لا يقصرون} [سورة الأعراف: 201 - 202] ، فمن كان الشيطان لا يزال يمده في الغي، وهو لا يتذكر ولا يبصر، كيف يكون من المتقين؟ . وقد قال - تعالى - في آية الطلاق: {ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب} [سورة الطلاق: 2 - 3] . وفي حديث أبي ذر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "«يا أبا ذر لو عمل الناس كلهم بهذه الآية لكفتهم»" [1] وكان ابن عباس وغيره من الصحابة إذا تعدى الرجل حد الله في الطلاق يقولون له: لو اتقيت الله لجعل لك مخرجا وفرجا. ومعلوم أنه ليس المراد بالتقوى هنا مجرد تقوى الشرك. ومن أواخر [2] (1) الحديث عن أبي ذر الغفاري - رضي الله عنه - في سنن ابن ماجه 2/1411 كتاب الزهد باب الورع والتقوى، ونصه حدثنا هشام بن عمار وعثمان بن أبي شيبة، عن أبي ذر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: إني لأعرف كلمة وقال عثمان: آية، لو أخذ الناس كلهم بها لكفتهم، قالوا: يا رسول الله، أية آية؟ قال: (ومن يتق الله يجعل له مخرجا) قال المعلق: "في الزوائد: هذا الحديث رجاله ثقات، غير أنه منقطع، وأبو السليل لم يدرك أبا ذر، قاله في التهذيب" . وذكر ابن كثير الحديث في تفسير الآية وزاد "قال: فجعل يتلوها ويرددها علي حتى نعست" . ثم قال: (يا أبا ذر كيف تصنع إذا خرجت من المدينة؟ . . . الحديث.) (2) ن، م: ومن آخر ما نزل من القرآن. وقيل: إنها آخر آية نزلت قوله - تعالى: {واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون} [سورة البقرة: 281] ، فهل اتقاء ذلك هو مجرد ترك الشرك؟ ، وإن فعل كل ما حرم الله عليه، وترك كل ما أمر الله به؟ وقد قال طلق بن حبيب ومع هذا كان سعيد بن جبير ينسبه إلى الإرجاء قال: التقوى أن تعمل بطاعة الله على نور من الله ترجو رحمة الله، وأن تترك معصية الله على نور من الله تخاف عقاب الله. وبالجملة فكون المتقين هم الأبرار الفاعلون [1] للفرائض، المجتنبون [2] للمحارم، هو من العلم العام الذي يعرفه المسلمون خلفا عن سلف، والقرآن والأحاديث تقتضي ذلك [3] . قالت المرجئة: أما احتجاجكم بقوله تعالى: {أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون} [سورة السجدة: 18] فلا يصح، لأن تمام الآية يدل على أن المراد بالفاسق المكذب ; فإنه قال: {وأما الذين فسقوا فمأواهم النار كلما أرادوا أن يخرجوا منها أعيدوا فيها وقيل لهم ذوقوا عذاب النار الذي كنتم به تكذبون} [سورة السجدة: 20] فقد وصفهم بالتكذيب بعذاب الآخرة، وهذا وصف المكذب لا العاصي. وقالوا مع الجمهور للخوارج: لو كان صاحب الكبيرة كافرا لكان مرتدا ووجب قتله. والله - تعالى - قد أمر بجلد الزاني وأمر بجلد القاذف وأمر (1) ب فقط: الفاعلين. (2) ب فقط: المجتنبين. (3) تقتضي ذلك: ساقطة من (ن) . بقطع السارق [1] ، ومضت سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بجلد الشارب. فهذه النصوص صريحة بأن الزاني والشارب والسارق والقاذف ليسوا كفارا مرتدين يستحقون القتل، فمن جعلهم كفارا فقد خالف نص القرآن والسنة المتواترة. وقالوا لهم وللمعتزلة: قد [2] قال الله - تعالى: {وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين - إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم واتقوا الله لعلكم ترحمون} [سورة الحجرات: 9 - 10] قالوا: فقد سماهم مؤمنين مع الاقتتال والبغي، وقد أمر الله - تعالى - بالإصلاح بينهم، وجعلهم إخوة المصلح [3] بينهم الذي لم يقاتل. فعلم أن البغي لا يخرج عن الإيمان ولا عن أخوة الإيمان. قالت المرجئة: وقوله [4] : "ليس منا" أي ليس مثلنا، أو ليس من خيارنا. فقيل لهم: فلو لم [5] يغش ولم يحمل السلاح، أكان يكون مثل النبي - صلى الله عليه وسلم -؟ أو كان يكون من خيارهم بمجرد هذا الكلام؟ . وقالت المرجئة: نصوص الوعيد عامة، ومنا من ينكر صيغ العموم. (1) ن، م: أمر بجلد الزاني والقاذف وبقطع السارق. (2) قد: زيادة في (و) ، (ب) . (3) ب فقط: للمصلح. (4) أي الرسول - صلى الله عليه وسلم -. (5) ح، ب: لو لم. ومن أثبتها قال: لا يعلم [1] تناولها [2] لكل فرد من أفراد العام [3] ، فمن لم يعذب [4] لم يكن اللفظ قد شمله. فقيل للواقفة منهم: عندكم يجوز أن لا يحصل الوعيد بأحد من أهل القبلة، فيلزم تعطيل نصوص الوعيد، ولا تبقى لا خاصة ولا عامة. وليس مقصودنا هنا استيفاء الكلام في المسألة، وإنما الغرض التمثيل بالمناظرات من الطرفين. وأهل السنة والحديث، وأئمة الإسلام المتبعون للصحابة، متوسطون بين هؤلاء وهؤلاء. لا يقولون بتخليد أحد من أهل القبلة في النار، كما تقول الخوارج والمعتزلة. لما ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في [5] الأحاديث الصحيحة أنه يخرج منها من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان [6] وإخراجه من النار من يخرج بشفاعة نبينا - صلى الله عليه وسلم - فيمن يشفع له من أهل الكبائر من أمته [7] . (1) ن، م: لا نعلم. (2) م: بتناولها، ن: بتأويلها، وهو تحريف. (3) ح، م: العالم، وهو تحريف (4) ح، ر: فمن لم يكن يعذب. (5) ح، ر، ب، و: من. (6) مضى هذا الحديث من قبل في هذا الجزء ص 205 (7) عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي) والحديث في سنن أبي داود 4/325 كتاب السنة، باب في الشفاعة، سنن الترمذي 4/45 كتاب صفة القيامة، باب: رقم 11 وقال الترمذي: وفي الباب عن جابر، هذا حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه، "المسند" (ط. الحلبي) 3/213 والحديث بمعناه عن جابر بن عبد الله - رضي الله عنه - في: سنن الترمذي (في الموضع السابق) ، سنن ابن ماجه 2/1441 كتاب الزهد، باب ذكر الشفاعة، وانظر شرح العقيدة الطحاوية تحقيق شعيب الأرنؤوط 1401/1981 ص 198 - 200
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 4 ( الأعضاء 0 والزوار 4) | |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |