«عون الرحمن في تفسير القرآن» ------متجدد إن شاء الله - الصفحة 21 - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         عون المعبود شرح سنن أبي داود- الشيخ/ سعيد السواح (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 584 - عددالزوار : 87806 )           »          التمدد الشيعي في المغرب العربي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 3 - عددالزوار : 357 )           »          لماذا نعجز عن استثمار مواسم الطاعات؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1 - عددالزوار : 94 )           »          أثر الكلمة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 8 )           »          هلموا إلى منهج السلف (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1 - عددالزوار : 609 )           »          الصالون الأدبي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 38 - عددالزوار : 27256 )           »          نصائح وضوابط إصلاحية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 46 - عددالزوار : 17055 )           »          تأثير الإبداع فــي مسيرة التميُّز (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 9 )           »          العقاد حاجًّا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 7 )           »          إنَّ مُعاذًا كان أُمَّة! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 14 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى القرآن الكريم والتفسير > هيا بنا نحفظ القرآن ونرضى الرحمن
التسجيل التعليمـــات التقويم اجعل كافة الأقسام مقروءة

هيا بنا نحفظ القرآن ونرضى الرحمن قسم يختص بحفظ واستظهار كتاب الله عز وجل بالإضافة الى المسابقات القرآنية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 19-06-2022, 08:06 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 153,152
الدولة : Egypt
افتراضي رد: «عون الرحمن في تفسير القرآن» ------متجدد إن شاء الله

«عون الرحمن في تفسير القرآن»


الشيخ أ. د. سليمان بن إبراهيم اللاحم


تفسير قوله تعالى:﴿ أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ ...﴾



قوله تعالى: ﴿ أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ [البقرة: 133].


ذكر عز وجل في الآية السابقة وصية إبراهيم ويعقوب عليهما السلام ببنيهما بملة الإسلام والاستمرار عليها إلى الممات، ثم أتبع ذلك بتفصيل وصية يعقوب وتذكيره عند الموت لبنيه بهذه الوصية؛ تأكيداً لها وحرصاً وشفقة عليهم؛ أن يضلوا عن عبادة الله والاستسلام له وحده.


وفي هذا احتجاج على أهل الكتاب والمشركين في رغبتهم عن ملة إبراهيم وما وصى به إبراهيم بنيه ويعقوب، ورد على اليهود في زعمهم أن إبراهيم وبنيه ويعقوب والأسباط كانوا هودًا أو نصارى، كما قال تعالى: ﴿ أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطَ كَانُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى [البقرة: 140].


قوله: ﴿ أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ "أم" هي المنقطعة التي بمعنى "بل"، وهمزة الاستفهام، أي: "بل" أكنتم شهداء؟ والاستفهام للإنكار والنفي، والخطاب لليهود الذين يزعمون أنهم على ملة إبراهيم ومن بعده يعقوب، وأنهما كانا على اليهودية.


﴿ شُهَدَاءَ: جمع شهيد، أو شاهد، بمعنى: حاضر، أي: أم كنتم حضورا.


﴿ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ ... أي: حين حضر يعقوب الموت، و"يعقوب": مفعول به مقدّم، و"الموت": فاعل مؤخر.


ومعنى حضور الموت: حضور أسبابه ومقدماته وعلاماته، والموت: هو خروج الروح من البدن ومفارقتها له.


والمعنى: لم تكونوا شهداء إذ حضر يعقوب الموت، فكيف تزعمون أنه كان على اليهودية، وقد أخبر الله عز وجل عنه أنه أوصى بنيه بالحنيفية ملة إبراهيم، لا باليهودية.


وقد يكون الخطاب لهم ولغيرهم، فيكون فيه رد عليهم وتنويه بوصية يعقوب حين حضره الموت لبنيه بالثبات على عبادة الله تعالى وحده.


﴿ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ [البقرة: 133] "إذ": ظرف، بدل من "إذ" في قوله: ﴿ إِذْ حَضَرَ أي: حين قال لبنيه، وهم الأسباط الاثنا عشر، وهم يوسف وإخوته؛ اختباراً لهم؛ لتقر عينه في حياته بامتثالهم ما وصاهم، وليطمئن على ثباتهم على ذلك بعد وفاته.


﴿ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي "ما": استفهامية، أي: أيّ شيء تعبدون من بعدي، أي: من بعد موتي. ومراده تقريرهم على التوحيد والإسلام، والثبات عليهما؛ حفاظاً على عقيدة التوحيد، وحرصاً عليها، وشفقة على بنيه أن يضلوا من بعده.


ووجه الكلام إليهم بصيغة الاستفهام؛ للفت انتباههم وعنايتهم لهذا الأمر.


وهذا لعمر الله عين النصح والشفقة أن يوصي الإنسان أولاده وأهله ومن خلفه بتوحيد الله وتقواه عندما يودع هذه الحياة، لا أن يجعل همه تكديس الأموال لهم، وتحريصهم عليها، ووصيتهم بها كما هو حال كثير من الناس.


وجاءت وصيته عليه السلام لبنيه بصيغة الاستفهام؛ ليعرف مقدار ثباتهم.

﴿ قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ أي: نبعد معبودك ومعبود آبائك، والألوهية والعبادة معناهما واحد، فالعبادة باعتبار العابد، الإلوهية باعتبار المعبود، ولهذا يسمى التوحيد توحيد العبادة.


وآباء: جمع أب، وهو يطلق على الأب، وعلى الجد من أي جهة كان وإن علا، كما قال تعالى:﴿ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ [الأعراف: 27]، وقال تعالى: ﴿ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ [الحج: 78].


وبدؤوا بقولهم: ﴿ نَعْبُدُ إِلَهَكَ ؛ لأنهم يخاطبونه.


﴿ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ بدل من (آباء) أي: آباءك الذين هم إبراهيم وإسماعيل وإسحاق، فإبراهيم جد يعقوب، وإسحاق أبوه، أما "إسماعيل" فهو عم يعقوب، وعدّوه من آباء يعقوب، وهو عمه؛ لأن العم صنو الأب وبمنزلته، كما قال صلى الله عليه وسلم لعمر رضي الله عنه "أما شعرت أن عم الرجل صنو أبيه"[1].


ومعنى "صنو أبيه": لا تفاوت ولا اختلاف بينهما كما لا تتفاوت صنوا النخلة وقال صلى الله عليه وسلم: "الخالة بمنزلة الأم"[2]



وقيل: إنما عد إسماعيل من آباء يعقوب من باب التغليب، فإبراهيم أبو يعقوب الأعلى، وإسحاق أبوه الأدنى، وإسماعيل عمه، فغلبت الأبوة على العمومة، كما قال تعالى: ﴿ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ [الأعراف: 27]، وقال تعالى: ﴿ وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ [النساء: 11]، فغلب في الآيتين الأب على الأم، وكما يقال: "القمران" للشمس والقمر، ويقال "العُمَران" لأبي بكر وعمر رضي الله عنهما.


﴿ إِلَهًا وَاحِدًا حال، أي: حال كونه معبوداً واحداً، أي: نعبد معبوداً واحداً.



﴿ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ الواو: حالية، و"له" متعلق بـ "مسلمون" وقدم عليه لإفادة الحصر- مع مراعاة الفواصل، أي: ونحن له وحده مسلمون، أي: مستسلمون منقادون له ظاهراً وباطناً دون سواه، فجمعوا بين التوحيد والعمل.

[1] أخرجه مسلم في الزكاة- تقديم الزكاة ومنعها (983)، وأبو داود في الزكاة (1623)، والترمذي في المناقب (3761)- من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

[2] أخرجه البخاري في الصلح- كيف يكتب هذا ما صالح فلان بن فلان: (2700)، الترمذي في البر والصلة (1904)- من حديث البراء بن عازب رضي الله عنه.





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 27-06-2022, 07:43 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 153,152
الدولة : Egypt
افتراضي رد: «عون الرحمن في تفسير القرآن» ------متجدد إن شاء الله

«عون الرحمن في تفسير القرآن»


الشيخ أ. د. سليمان بن إبراهيم اللاحم

الفوائد والأحكام في سورة البقرة من (130-134)

1- الإنكار الشديد والنعي على اليهود والمشركين حيث رغبوا عن ملة إبراهيم عليه السلام ووصفهم بالسفه والجهل؛ لقوله تعالى: ﴿ وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ ﴾ [البقرة: 130].

2- أن الرشد كل الرشد في إتباع ملة إبراهيم، وأن السفه كل السفه في الرغبة عنها، فمن لم يتبعها فهو سفيه جاهل مهما ادعى العقل والحكمة والعلم؛ لقوله تعالى: ﴿ وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ ﴾.

ولهذا وصف الله المنافقين واليهود بالسفهاء، فقال تعالى عن المنافقين: ﴿ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ ﴾ [البقرة: 13]، وقال عن اليهود: ﴿ سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا ﴾ [البقرة: 142].

3- أن من يرغب عن ملة إبراهيم فقد أوقع نفسه بالسفه والجهل، وضيعها ووضعها موضع الذل والهوان والخسران والبوار.

4- التنويه بفضل إبراهيم عليه السلام ومكانته في الدنيا والآخرة؛ لقوله تعالى: ﴿ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ ﴾ [البقرة: 130].

5- إثبات الآخرة وتفاوت الناس فيها؛ لقوله تعالى: ﴿ وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ ﴾.

6- أن من أفضل ما يوصف به العبد الصلاح؛ لأن الله عز وجل وصف به أنبياءه ورسله، كما وصف به عباده المؤمنين، لقوله تعالى: ﴿ وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ ﴾.

7- تشريف إبراهيم عليه السلام في خطاب الله عز وجل له، وإضافة اسم الرب إلى ضميره عليه السلام لقوله تعالى: ﴿ إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ ﴾[البقرة: 131].

8- مبادرة إبراهيم عليه السلام إلى الإسلام والانقياد لربه وإعلان الخضوع له؛ لقوله: ﴿ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾[البقرة: 131].

9- أن الإسلام اسم لدين إبراهيم، ولجميع الأديان؛ لقوله تعالى: ﴿ أَسْلِمْ ﴾، وقول إبراهيم: ﴿ أَسْلَمْتُ ﴾.

10- إثبات ربوبية الله تعالى العامة لجميع الخلق؛ لقوله تعالى: ﴿ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ فهذا متضمن لتوحيد الربوبية بقسميه العام لجميع الخلق، والخاص بأولياء الله تعالى.

11- أن وجود هذا الخلق دليل على وجود الخالق- سبحانه وتعالى؛ لأن الله سماهم ﴿ الْعَالَمِينَ ﴾.

12- أن الذي يجب الاستسلام له والانقياد والخضوع له هو الرب وحده- سبحانه وتعالى؛ لقوله تعالى: ﴿ إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾.

13- وصية إبراهيم ويعقوب لبنيهما بملة الإسلام "ملة إبراهيم" عناية منهما بهذه الملة ومحبة وشفقة وعطفاً منهما على ذريتهما ونصحاً لها؛ لقوله تعالى: ﴿ وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [البقرة: 132].

14- ينبغي حسن التلطف والترفق في خطاب المدعو، فإن ذلك أدعى لقبوله؛ لقوله تعالى: ﴿ يَا بَنِيَّ ﴾.

15- عناية الله عز وجل بإبراهيم ويعقوب وذريتهما حيث اصطفى واختار لهم الدين الإسلامي ملة إبراهيم؛ لقوله تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾[البقرة: 132].

16- أهمية هذه الوصية ووجوب الأخذ بها؛ لقوله تعالى: ﴿ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾.

17- ينبغي للإنسان المبادرة إلى الإسلام، والاستمرار عليه حتى يلقى الله عز وجل؛ ليحيى على الإسلام، ويموت عليه؛ لقوله تعالى: ﴿ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾.

18- ينبغي سؤال الله تعالى حسن الخاتمة؛ لأن الأعمال بالخواتيم؛ لقوله تعالى: ﴿ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾.

19- أن الموت حق على جميع الخلق حتى الأنبياء؛ لقوله تعالى: ﴿ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾، وقوله تعالى: ﴿ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ ﴾ [البقرة: 133].

20- التنويه بما قاله يعقوب عليه السلام حين حضره الموت لبنيه، من سؤاله إياهم ما يعبدون من بعده شفقة منه عليهم أن يشركوا فيضلوا بعده، وحضًّا لهم على التمسك بعبادة الله وتوحيده، وملة الإسلام ملة إبراهيم عليه السلام لقوله تعالى: ﴿ أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي ﴾[البقرة: 133].

21- أن أهم وأعظم ما ينبغي أن يوصي به المسلم أولاده وأهله ومن خلفه توحيد الله تعالى وتقواه.

22- أن توحيد الله عز وجل وعبادته وحده هو دين الأنبياء كلهم عليهم الصلاة والسلام؛ ووصيتهم لأقوامهم؛ لقوله تعالى: ﴿ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ ﴾ [البقرة: 133].

23- جواز الوصية عند حضور الأجل إذا كان الإنسان يعي ما يقول؛ لقوله تعالى: ﴿ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي ﴾ [البقرة: 133].

24- أن الجد يسمى أبا؛ لقوله تعالى: ﴿ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ ﴾ [البقرة: 133].

25- جواز إطلاق اسم الأب على العم تغليباً؛ لأنه صنو الأب، وفي منزلته؛ لقوله تعالى:﴿ وَإِسْمَاعِيلَ ﴾، وإسماعيل ليس من آباء يعقوب وإنما هو عمه.

26- تمسك أبناء يعقوب وثباتهم على توحيد الله والاستسلام له، لقولهم: ﴿ نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ ﴾[البقرة: 133].

27- أن اتباع الآباء فيما هم عليه من الحق حق، بل منقبة ومفخرة؛ لقوله: ﴿ نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ ﴾ الآية. لكن اتباع الآباء على الباطل باطل وجهل وضلال.

28- إثبات الوحدانية لله عز وجل؛ لقوله تعالى: ﴿ إِلَهًا وَاحِدًا ﴾.

29- إعلان أبناء يعقوب إخلاص الإسلام لله وحده، لقولهم: ﴿ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ ﴾.

30- ينبغي التأسي بإبراهيم ويعقوب عليهما السلام وبنيهما بعبادة الله تعالى وحده وإخلاص الإسلام له دون من سواه كما قال تعالى: ﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِّمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا ۗوَاتَّخَذَاللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا ﴾ [النساء: 125].

31- أن لكل أمة كسبها وجزاء عملها لا يناله من جاء بعدها، فكسب الآباء والأجداد لا يناله الأولاد والأحفاد؛ لقوله تعالى: ﴿ تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ ﴾[البقرة: 134]، فلن تجدي عن اليهود أعمال أسلافهم وآبائهم من الأنبياء وغيرهم، ولن تجدي عن أي إنسان أعمال من سلف من آبائه وأجداده وغيرهم.

32- أن لكل إنسان كسبه وجزاء عمله؛ لقوله تعالى: ﴿ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ ﴾[البقرة: 134].

33- إثبات كمال عدل الله عز وجل حيث يجازي كل إنسان بعمله؛ دون ما لم يعمله، ولا يسأل عن عمل غيره؛ لقوله تعالى: ﴿ تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾[البقرة: 134].

34- أن الآخر لا يسأل عن عمل الأول؛ لقوله تعالى: ﴿ تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾.

أما الأول فقد يسأل إذا كان هو سبب ضلال الآخر، كما قال تعالى: ﴿ وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ ۖ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يُنصَرُونَ ﴾ [القصص: 41].

وفي الحديث: "ومن سن في الإسلام سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة لا ينقص من أوزارهم شيئاً"[1].

وقال صلى الله عليه وسلم: "ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه، لا ينقص ذلك من آثامهم شيئاً"[2].

35- ينبغي عدم الخوض في الكلام فيمن قدموا على الله عز وجل، وأفضوا إلى ما قدَّموا من عمل؛ لقوله تعالى: ﴿ تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾.

وعن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تسبوا الأموات فإنهم قد أفضوا إلى ما قدموا"[3].

ولهذا يجب عدم الخوض فيما جرى بين الصحابة رضوان الله عليهم من نزاع كالذي جرى بين معاوية وعلي بن أبي طالب وعائشة رضي الله عنهم؛ لأن الله عز وجل زكا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كلهم جميعاً وامتدحهم وأثنى عليهم ورضي عنهم جميعاً، كما قال تعالى: ﴿ وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ﴾ [التوبة: 100].

وقال تعالى: ﴿ لَّقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا ﴾ [الفتح: 18].

كما زكاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال صلى الله عليه وسلم: "لا تسبوا أصحابي فإن أحدكم لو أنفق مثل أحد ذهباً ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه"[4].

ولهذا قال عمر بن عبد العزيز رحمه الله: "هذه دماء طهر الله سيوفنا منها، فنحن نطهر ألسنتنا منها" وكما قال القحطاني[5]:
دع ما جرى بين الصحابة في الوغى
بسيوفهم يوم التقى الجمعان




36- إثبات سؤال الإنسان عن عمله؛ لمفهوم قوله تعالى: ﴿ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾.


المصدر: «عون الرحمن في تفسير القرآن»

[1] أخرجه مسلم في الزكاة (1017)، والنسائي في الزكاة (2554)، والترمذي في العلم (2675)،وابن ماجه في المقدمة (203)- من حديث جرير بن عبد الله رضي الله عنه.

[2] أخرجه مسلم في العلم (2674)، وأبو داود في السنة- لزوم السنة (4609)، والترمذي في العلم (2674) وأحمد (2/380، 397)- من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

[3] أخرجه البخاري في الجنائز (1393)، والنسائي في الجنائز (1936)- من حديث عائشة رضي الله عنها.

[4] أخرجه البخاري في فضائل الصحابة- قول النبي صلى الله عليه وسلم: "لو كنت متخذا خليلا" (3673) ومسلم في فضائل الصحابة- تحريم سب الصحابة رضي الله عنهم (2541)، وأبو داود في السنة النهي عن سب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم (4658)، والترمذي في المناقب من سب أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم (3861)، وأحمد (3/11، 54)- من حديث أبي سعيد رضي الله عنه.

[5] انظر: "نونيته" ص28.





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 27-06-2022, 07:44 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 153,152
الدولة : Egypt
افتراضي رد: «عون الرحمن في تفسير القرآن» ------متجدد إن شاء الله

«عون الرحمن في تفسير القرآن»


الشيخ أ. د. سليمان بن إبراهيم اللاحم


تفسير قوله تعالى: ﴿ وَقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا... ﴾

قوله تعالى: ﴿ وَقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾ [البقرة: 135]

ذم عز وجل أهل الكتاب في الآيات السابقة لرغبتهم عن ملة إبراهيم، وأنكر عليهم ادعاءهم أنهم على الحق، وعلى ما أوصاهم به يعقوب عليه السلام، مع مخالفتهم ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم ثم أتبع ذلك بذكر دعوتهم إلى اليهودية والنصرانية، وحصرهم الهدى فيما كانوا عليه، وأبطل ذلك وبين أن الاهتداء إنما هو باتباع ملة إبراهيم عليه السلام.

قوله: ﴿ وَقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا ﴾ الواو: استئنافية، أي: وقال اليهود والنصارى؛ لأن السياق معهم في قوله: ﴿ وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ ﴾ [البقرة: 130]، وفي قوله: ﴿ أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ ﴾ [البقرة: 133].

و"أو": للتقسيم والتنويع، لا للتخيير؛ لأن كل واحد من الفريقين يكفر بالآخر، أي: وقال اليهود للنبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين: ﴿ كُونُوا هُودًا ﴾ أي: كونوا يهوداً على ملتنا تهتدوا، وقالت النصارى لهم: كونوا نصارى على ملتنا تهتدوا.

و﴿ تَهْتَدُوا ﴾ جواب الأمر مجزوم بحذف النون، وفيه إيذان بمعنى الشرط، أي: إن كنتم كذلك تهتدوا، أي: وإن لم تكونوا يهوداً أو نصارى فلستم بمهتدين.

ومعنى ﴿ تَهْتَدُوا ﴾: ترشدوا وتصيبوا الحق، فحصر اليهود الهداية فيما هم عليه، وحصر النصارى الهداية فيما هم عليه، غروراً من كل منهما واستكباراً.

عن سعيد بن جبير أو عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "قال عبدالله بن صوريا الأعور لرسول الله صلى الله عليه وسلم: ما الهدى إلا ما نحن عليه، فاتبعنا يا محمد تهتد. وقالت النصارى مثل ذلك، فأنزل الله عز وجل: ﴿ وَقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾"[1].

﴿ قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا ﴾ جواب عن قول اليهود والنصارى:﴿ كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا ﴾، والخطاب فيه للنبي صلى الله عليه وسلم، و"بل": للإضراب الإبطالي، تبطل ما سبق.

﴿ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ ﴾: منصوب بفعل محذوف تقديره: "نتبع" أو نحو ذلك، أي: لا نكون هوداً أو نصارى، بل نتبع ملة إبراهيم حنيفاً، أي: نتبع دين إبراهيم عليه السلام، ولا اهتداء إلا باتباع ملة إبراهيم عليه السلام.

كما قال تعالى: ﴿ ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾ [النحل: 123]، وقال تعالى: ﴿ قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾ [الأنعام: 161]، وقال تعالى: ﴿ قُلْ صَدَقَ اللَّهُ فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾ [آل عمران: 95].

وقال صلى الله عليه وسلم: "إني لم أبعث باليهودية ولا النصرانية ولكني بعثت بالحنيفية السمحة"[2].

﴿ حَنِيفًا ﴾: حال، أي: حال كونه حنيفاً، والحنيف: "فعيل" بمعنى "فاعل" مشتق من "الحنف".

و"الحنف": الميل، ومنه سُمي الأحنف بن قيس؛ لميل إحدى قدميه بالأصابع إلى الأخرى، قالت أمه:
والله لو لا حنف برجله
ما كان في فتيانكم من مثله[3]






ومعنى ﴿ حَنِيفًا ﴾: مائلا عن الشرك إلى التوحيد، وعن الباطل إلى الحق، مسلماً مخلصاً، كما قال تعالى: ﴿ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾ [النحل: 120]، وقال تعالى: ﴿ وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا ﴾ [آل عمران: 67]، ولهذا قال:
﴿ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾ وهذا توكيد من حيث المعنى؛ لقوله تعالى: ﴿ حَنِيفًا ﴾؛ لأن الجمل المنفية تفيد كمال ضدها، فنفيه عز وجل أن يكون إبراهيم من المشركين توكيد لكمال توحيده وإخلاصه لله تعالى وأنه عليه السلام ما كان في وقت من الأوقات أو في حال من الأحوال من المشركين عبدة الأصنام.

و"كان" هنا مسلوبة الزمان تفيد اتصاف اسمها بخبرها في جميع الأوقات.

وفي الآية تعريض بما عليه أهل الكتاب والعرب من الشرك بالله كما قال تعالى: ﴿ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾ [النحل: 120]، وقال تعالى: ﴿ ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾ [النحل: 123].

المصدر: «عون الرحمن في تفسير القرآن»

[1] أخرجه الطبري في "جامع البيان" (2 /589)، وابن أبي حاتم في "تفسيره" (1 /241).

[2] سبق تخريجه.

[3] انظر: "لسان العرب" مادة "حنف".





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 27-06-2022, 07:46 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 153,152
الدولة : Egypt
افتراضي رد: «عون الرحمن في تفسير القرآن» ------متجدد إن شاء الله

«عون الرحمن في تفسير القرآن»


الشيخ أ. د. سليمان بن إبراهيم اللاحم

تفسير قوله تعالى:

﴿ قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ... ﴾

قوله تعالى: ﴿ قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ ﴾ [البقرة: 136]

ذكر الله عز وجل مقالة اليهود والنصارى للمسلمين: ﴿ كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا ﴾ [البقرة: 135]، وأجاب عنها بقوله لنبيه صلى الله عليه وسلم: ﴿ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا ﴾ الآية، أي: قل بل نتبع ملة إبراهيم، ثم أمر النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين جميعاً بالإيمان به عز وجل وبما أنزل إليهم وبجميع ما أنزل على رسله وأنبيائه دون تفريق بينهم، والإسلام له وحده.

وفي هذا تفصيل لملة إبراهيم بعد الإجمال، وإظهار لتصديق الإسلام لجميع الأديان السماوية، وكشف عوار التعصب اليهودي والنصراني، كما قال تعالى في سورة آل عمران: ﴿ قُلْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 84].

عن ابن عباس رضي الله عنهما: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في ركعتي الفجر في الأولى منهما: ﴿ قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا ﴾ الآية التي في البقرة، وفي الآخرة منهما: ﴿ آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ ﴾ [المائدة: 111] "[1].

قوله: ﴿ قُولُوا ﴾: الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين.

أي: قولوا أيها المؤمنون ﴿ آمَنَّا بِاللَّهِ ﴾ نطقاً بألسنتكم، واعتقاداً بقلوبكم، وانقياداً بجوارحكم معلنين أمام الملأ هذا المعتقد، مجمعين عليه داعين إليه.

والإيمان بالله يتضمن الإيمان والتصديق بوجوده، وربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته كما دل على ذلك الكتاب والسُّنة والعقل والفطرة، وذلك يقتضى طاعته والانقياد له وامتثال شرعه، وقدم الإيمان بالله؛ لأنه أصل وأساس الإيمان، وأعظم أركانه، وأول الواجبات.

﴿ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا ﴾ الواو: عاطفة، "ما": اسم موصول مبني على السكون في محل جر عطفاً على لفظ الجلالة "الله".

أي: وآمنا بالذي أنزل إلينا، أي: بالذي أنزل على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم من الوحي في الكتاب والسنة، كما قال تعالى: ﴿ وَمَا أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ ﴾ [البقرة: 231]، وقال تعالى: ﴿ وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ ﴾ [النساء: 113] والحكمة هي السنة.

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "كان أهل الكتاب يقرؤون التوراة بالعبرانية، ويفسرونها بالعربية لأهل الإسلام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تصدقوا أهل الكتاب، ولا تكذبوهم، وقولوا: ﴿ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا ﴾ الآية"[2].

وقدم الإيمان بما أنزل إلينا على الإيمان بما أنزل على إبراهيم ومن ذكر من الأنبياء مع أن هذا أقدم زمناً تقديماً للأهم وتشريفاً له ولأننا متعبدون بالإيمان بما أنزل إلينا قولاً واعتقاداً وعملاً بخلاف ما أنزل على من قبلنا فلسنا متعبدين بالعمل به.

﴿ وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ ﴾ معطوف على ما قبله، أي: وآمنا بالذي أنزل ﴿ إِلَى إِبْرَاهِيمَ ﴾ الآية، وكرر الموصول في قوله: ﴿ وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ ﴾ لاختلاف المنزل إلينا والمنزل إليه، فلو لم يكرر لأوهم أن المنزل إلينا هو المنزل إليه وإلى من ذكر بعده، والذي أنزل إلى إبراهيم هي الصحف التي ذكرها الله تعالى بقوله: ﴿ إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى * صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى ﴾ [الأعلى: 18، 19]، وبقوله: ﴿ أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى * وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى ﴾ [النجم: 36، 37].

وإبراهيم هو إبراهيم الخليل أبو الأنبياء عليه وعليهم السلام.

﴿ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ ﴾ أي: وآمنا بالذي أنزل إلى إسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط، فكلهم من أنبياء الله عز وجل أوحى الله عز وجل إليهم، كما قال تعالى: ﴿ إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ ﴾ [النساء: 163].

و"إسماعيل" هو الابن الأكبر لإبراهيم، وهو الذبيح، وأبو العرب، وقدَّمه لسبقه زمناً ولفضله، لأنه جد نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.

و"إسحاق" هو الابن الثاني لإبراهيم، وهو أبو يعقوب الملقب بـ "إسرائيل" أبو بني إسرائيل.

و"الأسباط": جمع "سِبْط" بكسر السين وسكون الباء، وأصل السبط في اللغة: ابن البنت، ومنه قيل للحسن والحسين- رضي الله عنهما: "سبطا رسول الله صلى الله عليه وسلم"؛ لأنهما أبناء ابنته فاطمة رضي الله عنها.

والمراد بالأسباط أبناء يعقوب بن إبراهيم الاثنا عشر وهم يوسف وإخوته وقد تفرع من كل سبط من هذه الأسباط أمة، كما قال تعالى: ﴿ وَقَطَّعْنَاهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْبَاطًا أُمَمًا ﴾ [الأعراف: 160].

﴿ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى﴾ معطوف أيضاً على ما قبله، أي: وآمنا بالذي أوتي موسى وعيسى عليهما السلام، ولم يُعد الموصول مع قوله: ﴿ وَعِيسَى﴾؛ لأن شريعة عيسى متممة لشريعة موسى عليهما السلام.

أي: وآمنا بالذي أعطي موسى من الآيات الشرعية في التوراة، وبالذي أعطي من الآيات الكونية من الآيات التسع كاليد والعصا وغير ذلك.

وآمنا بالذي أعطي عيسى عليه السلام من الآيات الشرعية في الإنجيل، ومن الآيات الكونية كإخراج الموتى وإبراء الأكمه والأبرص بإذن الله وغير ذلك.

﴿ وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ ﴾ هذا من عطف العام على الخاص، فصرح بموسى وعيسى- وقدمهما؛ لأنهما أفضل أنبياء بني إسرائيل، ومن أولي العزم من الرسل، ثم عطف عليهما بقوله: ﴿ وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ ﴾ أي: وآمنا بالذي أوتي النبيون كلهم من ربهم من الآيات الكونية والآيات الشرعية.

وعبر في الموضعين الأولين بـ﴿ أُنْزِلَ ﴾، وفي الموضعين الأخيرين بـ﴿ أُوتِيَ ﴾ وفي ذلك من الحكم اللفظية- والله أعلم- التنويع والتفنن في الألفاظ، وتجنب إعادة اللفظ الواحد مراراً، والمحافظة على جمال التعبير وحسن الأسلوب، يظهر ذلك من المقابلة بين قوله: ﴿ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ ﴾ الآية، وقوله: ﴿ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ ﴾.

كما أن في قوله تعالى: ﴿ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى﴾ الإشارة إلى عظم ما أعطيه موسى وعيسى عليهما السلام من الآيات الكونية- كما هو معلوم- مع ما أنزل عليهما من الوحي العظيم في التوراة والإنجيل.

﴿ مِنْ رَبِّهِمْ ﴾ "من": لابتداء الغاية، وفي إضافة اسم الرب إلى ضميرهم تشريف وتكريم لهم وإثبات ربوبية الله عز وجل الخاصة بهم.

﴿ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ ﴾ الجملة في محل نصب على الحال، وهي داخلة ضمن جملة مقول القول في قوله: ﴿ قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا ﴾ أي: ولا نفرق بين أحد منهم.

أي: لا نفرق بين أحد من الأنبياء في الإيمان بهم وبما أنزل إليهم، بل نؤمن بهم جميعاً وبما أنزل إليهم، كما قال تعالى: ﴿ آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ ﴾ [البقرة: 285].

ولا نؤمن ببعضهم ونكفر ببعض كما فعلت اليهود، كفروا بعيسى ومحمد عليهما الصلاة والسلام، وكما فعل النصارى، كفروا بمحمد صلى الله عليه وسلم فنقض تكذيبهم تصديقهم فكانوا هم الكافرون حقا، كما قال تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا * أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا ﴾ [النساء: 150، 151].

﴿ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ﴾ الواو: عاطفة، أي: ونحن لله تعالى ﴿ مُسْلِمُونَ﴾، أي: منقادون مستسلمون ظاهراً وباطناً.

[1] أخرجه مسلم في صلاة المسافرين وقصرها (727)، والنسائي في الافتتاح (944).

[2] أخرجه البخاري في التفسير (4485).





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 10-07-2022, 11:09 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 153,152
الدولة : Egypt
افتراضي رد: «عون الرحمن في تفسير القرآن» ------متجدد إن شاء الله

«عون الرحمن في تفسير القرآن»


الشيخ أ. د. سليمان بن إبراهيم اللاحم




تفسير قوله تعالى:﴿ صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ ﴾


قوله تعالى: ﴿ صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ ﴾[البقرة: 138].

أبطل الله عز وجل دعوى اليهود والنصارى أن الهداية فيما هم عليه، وأمر باتباع ملة إبراهيم وهي الإيمان بما أنزل إلينا، وما أنزل على جميع الرسل والأنبياء، ثم أكد ذلك بقوله تعالى في هذه الآية: ﴿ صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ ﴾.

قوله: ﴿ صِبْغَةَ اللَّهِ ﴾ ﴿ صِبْغَةَ ﴾: مصدر، أي: صبغنا الله صبغة، أو صُبغنا صبغة الله، وهذا أقوى تناسباً مع قوله بعده: ﴿ وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ ﴾.

وقيل: ﴿ صِبْغَةَ ﴾ منصوب على الإغراء، أي: الزموا صبغة الله، ولا يبعدنكم هؤلاء عن دينكم، و"صبغة" مضاف، ولفظ الجلالة "الله" مضاف إليه.

والصبغة في الأصل: اللون، والمراد بـ ﴿ صِبْغَةَ اللَّهِ ﴾: دين الله.

وسمي الدين صبغة لظهور أثره على المؤمن في سلوكه وأخلاقه؛ إخلاصاً لله عز وجل، ومتابعة لرسوله صلى الله عليه وسلم، بل ولظهور أثره على أسارير وصفحات وجه المؤمن، فهو بمنزلة الصبغ للثوب.

وأيضاً سُمي الدين صبغة للزومه كلزوم الصبغ للثوب، فمن دخل فيه لا يكاد ينفك عنه أو يفارقه بتوفيق الله، كما قال صلى الله عليه وسلم في حديث ابن عباس رضي الله عنهما. "ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان؛ أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر بعد إذ أنقذه منه كما يكره أن يقذف في النار"[1].

﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً ﴾ الاستفهام للنفي والإنكار، ومجيء النفي بصيغة الاستفهام أبلغ من النفي المجرد لتضمنه التحدي، أي: لا أحد أحسن من الله صبغة، أي: لا دين أحسن من دين الله تعالى.

وهذا ابتهاج من المؤمنين بهذه الصبغة، وبهذا الدين الذي فاق جميع الأديان كمالاً كما قال تعالى: ﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ﴾ [المائدة: 3]، وشمولاً كما قال تعالى: ﴿ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ﴾ [الأنعام: 38]، وخلوداً، كما قال تعالى: ﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ﴾ [الحجر: 9]، وصدقاً وعدلاً، كما قال تعالى: ﴿ وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا ﴾ [الأنعام: 115]، أي: صدقاً في الأخبار وعدلاً في الأحكام، وعدم اختلاف، كما قال تعالى: ﴿ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا ﴾ [النساء: 82].

وفرق شاسع وبون واسع بين من آمن بالله عز وجل فهو يسير في هذه الحياة على نور من الله في جميع أعماله وأقواله وأخلاقه، وبين من كفر بالله فصار يسير على غير هدى، كما قال تعالى ﴿ أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾ [الملك: 22]، وقال تعالى: ﴿ أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [الأنعام: 122].

وقال تعالى: ﴿ فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ ﴾ [الأنعام: 125].

﴿ وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ ﴾الواو: عاطفة، والضمير "نحن" يعود على النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين و﴿ لَهُ ﴾ جار ومجرور متعلق بـ﴿ عَابِدُونَ ﴾، وقدم عليه؛ لإفادة الحصر، مع مراعاة الفواصل، أي: ونحن له وحده عابدون.

وفي قول المؤمنين: ﴿ وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ ﴾ ما يوحي بفخرهم واعتزازهم وتشرفهم بعبادة الله عز وجل وحده شكراً له؛ لأن عبادته أشرف ما يمكن أن يتصف به العبد.

فكأنهم يقولون: ونحن له وحده عابدون ونفتخر ونعتز بذلك ونتشرف به، فالشرف كل الشرف والفخر كل الفخر والعز كل العز بعبادة الله وحده، كما قال تعالى: ﴿ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ﴾ [الحجرات: 13].

أما على القول بأن قوله: ﴿ صِبْغَةَ اللَّهِ ﴾ منصوب على الإغراء تكون جملة ﴿ وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ ﴾جارية مجرى التعليل له.

المصدر: «عون الرحمن في تفسير القرآن»

[1] أخرجه البخاري في الإيمان (16)، ومسلم في الإيمان (43)، والنسائي في الإيمان وشرائعه (4987)، والترمذي في الإيمان (2624)، وابن ماجه في الفتن (4033)- من حديث أنس رضي الله عنه.





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 10-07-2022, 11:11 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 153,152
الدولة : Egypt
افتراضي رد: «عون الرحمن في تفسير القرآن» ------متجدد إن شاء الله

«عون الرحمن في تفسير القرآن»


الشيخ أ. د. سليمان بن إبراهيم اللاحم



الفوائد والأحكام في سورة البقرة من (135-138)

1- دعوة اليهود والنصارى إلى ما هم عليه من الباطل والضلال، وزعمهم أنه الحق والهدى، لقوله تعالى: ﴿ وَقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا ﴾ [البقرة: 135].

2- أن من يدعو إلى الباطل والضلال ويزعم أنه الحق والهدى من هذه الأمة ففيه شبه من اليهود والنصارى، كما يفعل أهل العقائد الباطلة كالرافضة وغيرهم، وكما يفعل أهل التحلل والسفور وأهل التغريب وذلك مصداق قوله صلى الله عليه وسلم: "لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة شبرا بشبرا وذراعا بذراع حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه" قالوا: يا رسول الله، اليهود والنصارى؟ قال: "فمن"[1].

3- أن الملة التي يجب اتباعها، وهي خير الملل وأفضلها، وفيها كمال الاهتداء هي ملة إبراهيم عليه السلام؛ لقوله تعالى: ﴿ قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا ﴾ [البقرة: 135].

4- فضل إبراهيم عليه السلام وإمامته؛ لأن الله أضاف ملة الإسلام إليه، وأمر باتباعه، ووصفه بتجريد التوحيد وعدم الشرك؛ لقوله تعالى: ﴿ قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾ [البقرة: 135]، وقدمه على من ذكر في الآيات من الرسل، فقال: ﴿ وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ ﴾ [البقرة: 136].

5- في قوله تعالى: ﴿ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾ [البقرة: 135] تعريض بأهل الكتاب وما هم عليه من الشرك بالله، مما يبطل دعواهم اتباع إبراهيم عليه السلام، كما قال تعالى: ﴿ وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ﴾ [التوبة: 30].

وقال تعالى: ﴿ اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴾ [التوبة: 31].

6- وجوب الإيمان بالله؛ بوجوده وربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته؛ لقوله تعالى: ﴿ قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ ﴾ [البقرة: 136]، وأن الإيمان بالله تعالى أصل الإيمان وأساسه؛ ولهذا قدم في الآية.

7- وجوب الإيمان بما أنزل إلينا على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم من الوحي في الكتاب والسنة قولاً واعتقاداً وعملاً؛ لقوله تعالى: ﴿ وَمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا ﴾ [آل عمران: 84].

وقدم هذا في الذكر على الإيمان بما أنزل على إبراهيم وغيره ممن ذكروا في الآية تقديماً للأهم والأفضل والأعظم وهو القرآن الكريم، ولأن من مقتضى الإيمان به: العمل به بخلاف الإيمان بغيره مما أنزل على الرسل فلا يقتضي العمل بذلك.

8- وجوب الإيمان بما أنزل على إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب، والأسباط، وثبوت نبوتهم؛ لقوله تعالى: ﴿ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ ﴾ [آل عمران: 84] وقوله تعالى: ﴿ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ ﴾ [النساء: 163].

9- إثبات العلو لله عز وجل؛ لأن المنزل على الرسل من عنده- سبحانه وتعالى.

10- أن ما أوحاه عز وجل إلى رسله وأنبيائه منزل من عنده غير مخلوق.

11- وجوب الإيمان بما أوتي موسى وعيسى والنبيون كلهم من الآيات الشرعية والكونية، وأنهم مبلغون عن الله تعالى ؛ لقوله تعالى: ﴿ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ ﴾ [البقرة: 136].

12- فضل موسى وعيسى عليهما السلام؛ لأن الله نص عليهما فقال: ﴿ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى ﴾ [البقرة: 136] فهما من أولي العزم من الرسل وأفضل أنبياء بني إسرائيل.

13- أن الإيمان بالرسل والكتب منه ما هو على طريق التفصيل، وهذا فيما فصل لنا وقص علينا من الرسل والكتب، ومنه ما هو على طريق الإجمال، كما قال تعالى: ﴿ وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ ﴾ [البقرة: 136]، وقال تعالى: ﴿ وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ ﴾ [النساء: 164].

14- إثبات ربوبية الله عز وجل الخاصة لأنبيائه، وأنهم مبلغون عن الله تعالى ؛ لقوله تعالى: ﴿ وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ ﴾.

15- لا يجوز التفريق في الإيمان بين أحد من الرسل، بل يجب الإيمان بهم جميعاً، فمن آمن ببعضهم وكفر ببعض فليس بمؤمن، وكذا يجب الإيمان بكل ما أنزل إليهم، فمن آمن ببعض ما أنزل الله وكفر ببعض فليس بمؤمن؛ لقوله تعالى: ﴿ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ ﴾ [البقرة: 136] أي: في الإيمان بهم وبما أنزل عليهم.

16- وجوب الاستسلام لله عز وجل والإخلاص له وحده؛ لقوله تعالى: ﴿ وَنَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ ﴾ [البقرة: 139].

17- لا بد من الجمع بين الاستسلام والانقياد لله تعالى باطناً وظاهراً، بين الإيمان والإسلام؛ لقوله تعالى: ﴿ قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا ﴾ [البقرة: 136]، وقوله: ﴿ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ ﴾ [البقرة: 136].

18- لا هداية لليهود والنصارى ولا لغيرهم إلا بالإيمان بما آمن به محمد صلى الله عليه وسلم وأمته؛ وهو ما أنزل عليه صلى الله عليه وسلم من القرآن والسنة، وما أنزل على الأنبياء والرسل قبله؛ لقوله تعالى: ﴿ فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا ﴾ [البقرة: 137].

19- أن من لم يؤمن بما أنزل على نبينا صلى الله عليه وسلم وما أنزل على من قبله من الأنبياء والرسل فهو ضال؛ لمفهوم قوله تعالى: ﴿ فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا ﴾ فمفهوم هذا أنهم إن لم يؤمنوا بذلك فهم على ضلال.

20- لا حجة لمن تولى عن الإيمان من اليهود والنصارى وغيرهم إلا الشقاق والمخالفة لأمر الله عز وجل ؛ لقوله تعالى: ﴿ فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ ﴾ [البقرة: 137].

21- مشاقة اليهود والنصارى ومخالفتهم للرسول صلى الله عليه وسلم ولما جاء به ولأهل الإيمان منذ بعثته صلى الله عليه وسلم.

22- الوعيد الشديد لمن تولى عن الإيمان من اليهود والنصارى وغيرهم؛ لقوله تعالى: ﴿ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ ﴾ [البقرة: 137].

23- وعد الله عز وجل لرسوله صلى الله عليه وسلم بأنه سيكفيه شر من تولى عن الإيمان من أهل الكتاب، وهكذا حصل، فظهر صلى الله عليه وسلم عليهم وفتح حصونهم، فأجلى بعضهم، وقتل بعضهم، وسبى بعضهم، وأذل بعضهم بأخذ الجزية منهم.

24- الإرشاد إلى التوكل على الله عز وجل وحده؛ لأنه سبحانه هو الكافي، كما قال تعالى: ﴿ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ﴾ [الطلاق: 3].

25- إثبات اسم الله تعالى: ﴿ السَّمِيعُ ﴾ [البقرة: 137] وما يدل عليه من إثبات صفة السمع الواسع لله عز وجل الذي يسمع جميع الأقوال والأصوات، ويجيب الدعوات؛ لقوله تعالى: ﴿ وَهُوَ السَّمِيعُ ﴾ [البقرة: 137].

26- إثبات اسم الله تعالى: ﴿ الْعَلِيمُ ﴾ [البقرة: 137] وما يدل عليه من إثبات صفة العلم الواسع لله عز وجل لكل شيء؛ لقوله تعالى: ﴿ الْعَلِيمُ ﴾ [البقرة: 137].

27- وجوب مراقبة الله عز وجل في الأقوال والأفعال في جميع الأحوال؛ لأنه سبحانه واسع السمع، واسع العلم لا يخفى عليه شيء؛ لقوله تعالى: ﴿ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﴾ [البقرة: 137].

28- في قوله عز وجل: ﴿ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﴾ [البقرة: 137] تأكيد لوعده عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم بكفايته، وتأكيد لوعيده عز وجل لمن تولوا عن الإيمان.

29- في اجتماع سعة السمع مع سعة العلم في حقه عز وجل زيادة كماله إلى كمال.

30- وجوب التزام دين الله والتمسك به؛ لقوله تعالى: ﴿ صِبْغَةَ اللَّهِ ﴾ [البقرة: 138] أي: الزموا صبغة الله، أي: دينه وتمسكوا به.

31- عظمة الدين الإسلامي وشرفه وأحقيته؛ لأن الله عز وجل أضافه إلى نفسه فقال: ﴿ صِبْغَةَ اللَّهِ ﴾ [البقرة: 138]؛ لأنه سبحانه هو الذي أحقه وشرعه.

32- لا دين أحسن من دين الله عز وجل؛ كمالاً وشمولاً وخلوداً وصدقاً وعدلاً، وصلاحاً للبشرية في دينها ودنياها وأخراها، وعدم اختلاف؛ لقوله تعالى: ﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً ﴾ [البقرة: 138].

33- وجوب إخلاص العبادة لله عز وجل، والذل والخضوع له وحده، وأن في ذلك الشرف والفخر والعز والسؤدد؛ لقوله تعالى: ﴿ وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ ﴾ [البقرة: 138].

المصدر: «عون الرحمن في تفسير القرآن»

[1] سبق تخريجه.





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 10-07-2022, 11:15 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 153,152
الدولة : Egypt
افتراضي رد: «عون الرحمن في تفسير القرآن» ------متجدد إن شاء الله

«عون الرحمن في تفسير القرآن»


الشيخ أ. د. سليمان بن إبراهيم اللاحم



تفسير قوله تعالى: ﴿ قُلْ أَتُحَاجُّونَنَا فِي اللَّهِ وَهُوَ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ وَلَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ.. ﴾


قوله تعالى: ﴿ قُلْ أَتُحَاجُّونَنَا فِي اللَّهِ وَهُوَ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ وَلَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ ﴾ [البقرة: 139].

قوله: ﴿ قُلْ أَتُحَاجُّونَنَا فِي اللَّهِ ﴾ الأمر في قوله: ﴿ قُلْ ﴾ للنبي صلى الله عليه وسلم.

والخطاب في قوله: ﴿ أَتُحَاجُّونَنَا ﴾ لليهود والنصارى، وبخاصة المحاجين منهم والاستفهام للإنكار. والمحاجة: المجادلة والمخاصمة بين اثنين فأكثر، وإدلاء كل منهم بحجته لينقض حجة الآخر.

أي: قل يا محمد لهؤلاء اليهود والنصارى الذين يحاجونكم ويجادلونكم حسداً منهم على تفضيل الله لكم ولدينكم: أتحاجوننا وتجادلوننا في توحيد الله والإخلاص له وطاعته، وتزعمون أنكم أولى بالله وتختصون بفضله وكرامته دوننا؟

﴿ وَهُوَ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ ﴾ الجملة حالية، أي: والحال أنه ربنا وربكم جميعاً، يجب علينا وعليكم توحيده والإخلاص له وطاعته، والأفضل عنده منا ومنكم من قام بحقوق ربوبيته، ووحده وأخلص له، كما قال تعالى: ﴿ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ * صِبْغَةَ اللَّهِ ﴾ [البقرة: 137، 138]، وقال تعالى: ﴿ لَهُ مُخْلِصُونَ * أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ ﴾ [البقرة: 139، 140].

﴿ وَلَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ ﴾ معطوف على ما قبله، أي: ولكل منا ومنكم أعمالهم خاصة وجزاؤها، فلا تُسألون عن أعمالنا، ولا نُسأل عن أعمالكم، وكل منا بريء من عمل الآخر، كما قال تعالى: ﴿ وَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ ﴾ [يونس: 41] ، وقال تعالى: ﴿ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ * صِبْغَةَ اللَّهِ ﴾ [البقرة: 137، 138].

﴿ وَنَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ ﴾ [البقرة: 139] الواو: عاطفة، أي: ونحن لله وحده مخلصون العبادة على الدوام بلا رياء ولا شرك، وأنتم به مشركون.

قال الفضيل بن عياض: "ترك العمل من أجل الناس رياء، والعمل من أجلهم شرك، والإخلاص أن يعافيك الله منهما"[1].

فإذا كان الله عز وجل رب الجميع، ولكل منهم عملهم وجزاؤهم، فالأولى به عز وجل والأفضل عنده من قام بحقوق ربوبيته وأخلص له؛ وهم المؤمنون.

[1] انظر: "روح المعاني" (1 /397).





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 19-07-2022, 08:01 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 153,152
الدولة : Egypt
افتراضي رد: «عون الرحمن في تفسير القرآن» ------متجدد إن شاء الله

«عون الرحمن في تفسير القرآن»


الشيخ أ. د. سليمان بن إبراهيم اللاحم


تفسير قوله تعالى:﴿ تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾


قوله تعالى: ﴿ تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ [البقرة: 141].


رد الله عز وجل في الآيات السابقة زعم اليهود والنصارى أنهم على دين يعقوب عليه السلام كذباً منهم وافتراءً، مبيناً أن يعقوب عليه السلام كان على ملة إبراهيم عليه السلام، ثم أتبع ذلك بقوله: ﴿ تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾.

ثم ذكر في هذه الآيات قولهم: إن إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط كانوا هوداً أو نصارى وأبطل ذلك، ثم أتبعه بقوله: ﴿ تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾.

والإشارة في قوله: ﴿ تِلْكَ ﴾ في هذه الآية إلى إبراهيم ومن ذكر معه من الأنبياء عليهم السلام، وفي الآيتين بيان وتأكيد أن لكل عمله لا يسأل أحد عن عمل من سبقه ولا ينبغي أن يتكل أحد على عمل غيره.

قال السعدي[1]: "وكررها لقطع التعلق بالمخلوقين، وأن المعول عليه ما اتصف به الإنسان لا عمل أسلافه وآبائه، فالنفع الحقيقي بالأعمال، لا بالانتساب إلى الرجال".

[1] في "تيسير الكريم الرحمن" (1/ 154).





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #9  
قديم 26-07-2022, 07:25 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 153,152
الدولة : Egypt
افتراضي رد: «عون الرحمن في تفسير القرآن» ------متجدد إن شاء الله

«عون الرحمن في تفسير القرآن»


الشيخ أ. د. سليمان بن إبراهيم اللاحم



سـبب النـزول قوله تعالى:﴿ سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ.... ﴾

إلى ﴿ وَمَا كَانَ اللهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ


تفسير قوله تعالى: ﴿ سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ * وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ ﴾ [البقرة: 142، 143].

كان النبي صلى الله عليه وسلم بمكة إذا صلى صلى إلى بيت المقدس، وجعل الكعبة بين يديه، فلما هاجر إلى المدينة صلى ستة عشر، أو سبعة عشر شهراً إلى بيت المقدس، وكان صلى الله عليه وسلم يحب أن يصلي إلى البيت الحرام قبلة إبراهيم- عليه السلام- والأنبياء بعده، وكان يقلب وجهه في السماء داعياً الله- عز وجل- أن يأمره بالتولي نحو هذا البيت، وقد استجاب الله- عز وجل- له فأمره صلى الله عليه وسلم والمؤمنين بالتولي شطر المسجد الحرام. ولما كان هذا الحدث من أعظم الوقائع في الإسلام بعد مبعثه صلى الله عليه وسلم، قدَّم له- عز وجل- توطئة وتمهيداً، وتقريراً له- بعدة مقدمات من أهمها ما يلي:
أولاً: ذكر طبيعة وحال بني إسرائيل، وما هم عليه من الكفر والتكذيب، واشترائهم بآيات الله ثمناً قليلاً، ولبس الحق بالباطل، وكتمان الحق، والشرك والظلم، والتمرد والعناد، والتعنت في سؤال أنبيائهم، وتبديل قول الله، واستبدال الذي هو أدنى بالذي هو خير، وتوليهم وإعراضهم بعد أخذ الميثاق عليهم، واعتدائهم، وتحريفهم وافترائهم الكذب على الله، وزعمهم أنهم لن تمسهم النار إلا أياماً معدودة، وقتل بعضهم لبعض، وإخراجهم فريقاً منهم من ديارهم إثماً وعدواناً، وشرائهم الحياة الدنيا بالآخرة، واستكبارهم، وتكذيبهم الرسل والأنبياء وقتل فريق منهم، وكفرهم بما أنزل الله مصدقاً لما معهم، وقولهم: سمعنا وعصينا، وحبهم عبادة العجل، وحرصهم على الحياة، ونقضهم العهود، ونبذهم كتاب الله وراء ظهورهم، واتباعهم ما تتلوا الشياطين والسحرة على ملك سليمان، وكراهيتهم أن يُنزَّل على المؤمنين خير من ربهم، ومودتهم رد المؤمنين من بعد إيمانهم كفاراً حسداً من عند أنفسهم، وزعمهم الباطل أنه لن يدخل الجنة إلا من كان هوداً أو نصارىٰ، وتكذيب بعضهم لبعض، ومنعهم مساجد الله أن يذكر فيها اسمه، والسعي في خرابها، ونسبتهم الولد إلى الله- تعالى الله عن ذلك- وعدم رضاهم إلا باتباع ملّتهم، وقولهم: ﴿ كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا ﴾[البقرة: 135]، وشقاقهم وظلمهم، وكتمانهم ما عندهم من الشهادة في كتبهم من الله- على صدق ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم، وغير ذلك.

ثانياً: تحذير المؤمنين من مسلك أهل الكتاب، في كفرهم، وتكذيبهم، وتعنتهم في سؤال أنبيائهم، والتحذير من طاعتهم، لكراهتهم الخير للمؤمنين، ومودتهم إرجاعهم بعد إيمانهم كفاراً وحسدهم لهم.

ثالثاً: تقرير النسخ، وأنه- عز وجل- ما ينسخ من آية إلا يأتي بخير منها أو مثلها.

رابعاً: تقرير أن لله عز وجل المشرق والمغرب، وأن العباد أينما تولوا فثم وجه الله.

خامساً: الثناء على إبراهيم عليه الصلاة والسلام، وتعظيم ملّته، وإعلان إمامته للناس، وإتمامه ما ابتلاه الله به من الكلمات، ووفاؤه، وإيجاب اتباع ملته، وتسفيه من يرغب عنها.

سادساً: الامتنان على هذه الأمة بجعل البيت الحرام مثابة للناس وأمناً، ورفع إبراهيم وإسماعيل- عليهما السلام- لقواعده، وتطهيره للطائفين، والعاكفين والركع السجود، وتأكيد عظمته وحرمته، وشرفه وفضله.
إلى غير ذلك.

ثم بعد هذه المقدمات أعلمهم- عز وجل- بما سيقول السفهاء من الناس من أهل الكتاب وغيرهم، لئلا يفاجؤوا في ذلك فيعظم عليهم ذلك، مؤكداً أن لله- عز وجل- المشرق والمغرب... إلخ.

سـبب النـزول:
عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: "لما صرفت القبلة عن الشام إلى الكعبة، وصرفت في رجب على رأس سبعة عشر شهراً من مقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم رفاعة بن قيس في جماعة ذكرهم، فقالوا له: يا محمد، ما ولاك عن قبلتك التي كنت عليها، وأنت تزعم أنك على ملة إبراهيم ودينه، ارجع إلى قبلتك التي كنت عليها نتبعك ونصدقك. وإنما يريدون فتنته عن دينه، فأنزل الله فيهم: ﴿ سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا ﴾ إلى قوله: ﴿ إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ ﴾"[1].

وعن البراء بن عازب - رضي الله عنه: "أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى إلى بيت المقدس ستة عشر شهراً، أو سبعة عشر شهراً، وكان يعجبه أن تكون قبلته قِبَل البيت، فأنزل الله: ﴿ قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا ﴾ [البقرة: 144] وأنه صلى أول صلاة صلاها صلاة العصر، وصلى معه قوم، فخرج رجل ممن صلى معه، فمر على أهل المسجد، وهم راكعون، فقال: أشهد بالله، لقد صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم- قِبَل مكة، فداروا كما هم قِبَل البيت، وكان الذي مات على القبلة قَبْل أن تحول قِبَلَ البيت رجالاً قتلوا لم ندر ما نقول فيهم، فأنزل الله عز وجل: ﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ ﴾"[2].

وعن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس رضي الله عنهما: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما هاجر إلى المدينة أمره الله أن يستقبل بيت المقدس، ففرحت اليهود، فاستقبلها رسول الله صلى الله عليه وسلم بضعة عشر شهراً، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب قبلة إبراهيم، فكان يدعو الله، وينظر إلى السماء، فأنزل الله عز وجل: ﴿ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ ﴾ [البقرة: 144]، أي: نحوه، فارتاب من ذلك اليهود، وقالوا: ﴿ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا ﴾؟ فأنزل الله: ﴿ قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾".

وفي رواية عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس- رضي الله عنهما- قال: "فكان أول ما نسخ الله- عز وجل- من القرآن القبلة، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما هاجر إلى المدينة، وكان أكثر أهلها اليهود، أمره الله- جل وعز- أن يستقبل بيت المقدس، ففرحت اليهود بذلك، فاستقبلها رسول الله صلى الله عليه وسلم بضعة عشر شهراً، فكان يدعو الله- جل وعز- وينظر إلى السماء، فأنزل الله جل وعز: ﴿ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ ﴾ [البقرة: 144]، يعني: نحوه، فارتاب من ذلك اليهود، وقالوا: ﴿ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا ﴾ [البقرة: 142]. فأنزل الله- جل وعز: ﴿ قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ ﴾ [البقرة: 142]، وقال: ﴿ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ ﴾ [البقرة: 115]، وقال جل وعز: ﴿ وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ ﴾ [البقرة: 143]. قال ابن عباس: ليتميز أهل اليقين من أهل الشك والريبة"[3].

[1] أخرجه الطبري في "جامع البيان" (2/619)، وابن أبي حاتم في "تفسيره" (1/247، 248)- الأثر (1327)، والبيهقي في "دلائل النبوة" (2/575).

[2] أخرجه البخاري في الإيمان (40)، وفي الصلاة (399)، وفي التفسير (4486)، وأحمد (4/283).

[3] أخرجه الطبري في "جامع البيان" (2/450، 623، 658)، وابن أبي حاتم في "تفسيره" (1/248، 253)- الأثران (1329، 1355)، والنحاس في "الناسخ والمنسوخ" (1/455-456)- الأثر (22).





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #10  
قديم 26-07-2022, 07:27 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 153,152
الدولة : Egypt
افتراضي رد: «عون الرحمن في تفسير القرآن» ------متجدد إن شاء الله

«عون الرحمن في تفسير القرآن»


الشيخ أ. د. سليمان بن إبراهيم اللاحم





تفسير قوله تعالى:﴿ سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ... ﴾


قوله تعالى: ﴿ سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾[البقرة: 142]
قوله: ﴿ سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ ﴾ السين للاستقبال، وتحقيق صدور هذه المقالة من هؤلاء السفهاء، واستمرارهم عليها، وفيه معجزة له صلى الله عليه وسلم، وتقوية لقلبه صلى الله عليه وسلم والمؤمنين، للاستعداد لتحمل ذلك، ومدافعته، والصبر عليه، كما قال صلى الله عليه وسلم لمعاذ حين بعثه إلى اليمن: "إنك تأتي قوماً من أهل الكتاب"[1]؛ ليستعد لمجادلتهم ومحاجتهم.

والسفهاء: جمع سفيه، والسفه: خفة وطيش، ينشأ عنه سوء تصرف في الأقوال والأعمال والأموال. والسفيه: من لا يحسن التصرف، ولا يهتدي إلى طرق الخير، لقصور في عقله كالمجنون، والصغير، وغير الرشيد.

والسفه يكون في الدين، ويكون في الولاية، ويكون في المال.

فالسفه في الدين: بالكفر وارتكاب المعاصي، قال تعالى: ﴿ وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ ﴾ [البقرة: 130]، وقال تعالى: ﴿ قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلَادَهُمْ سَفَهًا بِغَيْرِ عِلْمٍ ﴾ [الأنعام: 140]، وقال تعالى حكاية عن الجن أنهم قالوا: ﴿ وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ سَفِيهُنَا عَلَى اللَّهِ شَطَطًا ﴾ [الجن: 4].

والسفه في الولاية: أن يكون الشخص لا يحسن التصرف في الولاية، فتنقل إلى غيره، كما إذا كان لا يعرف الكفء في ولاية النكاح، فتنقل الولاية إلى غيره، ونحو ذلك.
والسفه في المال: أن يكون الشخص لا يحسن التصرف في المال، ولا يعرف وجوه المصالح والمفاسد فيه، فهذا يحجر عليه، كما قال تعالى: ﴿ وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا ﴾ [النساء: 5].

والمراد بالسفه في قوله تعالى: ﴿ سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ ﴾ السفه في الدين وهو أشد أنواع السفه.

والمراد بـ"السفهاء من الناس" اليهود، فهم أسفه الناس، قد بلغوا من السفه غايته، ولهذا قال "السفهاء" بالتعريف، وذلك؛ لأنهم كذبوا برسالة النبي صلى الله عليه وسلم وما جاء به من الوحي من عند الله- عز وجل- وخالفوه، واعترضوا على حكمه، وتركوا الحق بعدما عرفوه، حسداً منهم وبغياً، فجمعوا بين تكذيبه صلى الله عليه وسلم وما جاء به من الحق، وتكذيب ما جاء في كتبهم وعلى ألسنة رسلهم من البشارة به صلى الله عليه وسلم، كما قال تعالى: ﴿الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ * الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ ﴾ [البقرة: 146، 147].

وقال تعالى: ﴿ وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ ﴾ [البقرة: 89]، وقال تعالى: ﴿ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمُ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ ﴾ [الأنعام: 20].

و"من" في قوله: ﴿ مِنَ النَّاسِ ﴾بيانية، والمعنى: ﴿ سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ ﴾ وهم اليهود، ومن مالأهم من المنافقين والمشركين- تكذيباً للحق وتشكيكاً للناس فيه.

والناس: أصله "أناس" كما قال الشاعر:
إن المنايا يطلع
ن على الأناس الآمنينا[2]




وهو مشتق من النوس، وهو الحركة، أو من الأنس؛ لأنهم يأنس بعضهم ببعض، أو من الإيناس، وهو الرؤية والمشاهدة؛ لأنهم يُرون ويُشاهدون، بخلاف الجن فهم مستترون.

﴿ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا ﴾ الجملة في محل نصب مقول القول.

﴿ مَا ﴾ اسم استفهام، أي: أيُّ شيء صرفهم، ﴿ عَنْ قِبْلَتِهِمُ ﴾ بيت المقدس، ﴿ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا ﴾ أي: التي كانوا يستقبلونها- يعني- قبل الأمر بالتحول إلى الكعبة.

وقبلة كل شيء ما قابل وجهه. والقبلة في الشرع: ما يستقبله الناس في صلاتهم، كما قال تعالى لموسى وهارون- عليهما السلام: ﴿ وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [يونس: 87].

والمعنى: أن هؤلاء السفهاء سيقولون اعتراضاً على حكم الله وشرعه وتكذيباً له وإنكاراً: ما الذي جعلهم يتولون وينصرفون ﴿ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا ﴾ وهي بيت المقدس إلى المسجد الحرام، ولم يقولوا: "عن قبلتنا التي كنا عليها"، بل قالوا: ﴿ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا ﴾ لقصد الإثارة والإلزام للمسلمين، أي: أنه إن كانت القبلة الأولى حقًّا فقد تركوا الحق، وإن كانت باطلاً، فقد كانوا على باطل، حيث صلوا إليها.

وقالوا أيضاً: اشتاق محمد إلى بلده ومولده.

كما قال المنافقون: ما بال محمد مرة يحولنا إلى هـٰهنا، ومرة يحولنا إلى هـٰهنا.

وقال المشركون: قد رجع إلى قبلتكم فيوشك أن يرجع إلى دينكم.

وفي وصف هؤلاء القائلين بالسفهاء تخفيف لوقع هذه المقالة على الرسول صلى الله عليه وسلم والمؤمنين، حيث صدرت ممن لا يحسن النظر لنفسه، فلا يلقى لها بال، ولا قيمة لها.

وفي قوله: ﴿ مِنَ النَّاسِ ﴾ ما يفيد أن كل من صدرت منه هذه المقالة من اليهود أو المنافقين أو غيرهم فهو سفيه، وكذا كل من اعترض على حكم الله فهو سفيه.

﴿ قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ تولى عز وجل تعليم نبيه صلى الله عليه وسلم هذا الرد المفحم لهم، أي: قل يا محمد لهؤلاء اليهود السفهاء ردًّا عليهم: ﴿ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾.

وإنما أجيبوا بهذا الجواب المسكت المبكت؛ لأن إنكارهم للقبلة اعتراض على حكم الله وعناد وتكذيب، وحسد، كما قال صلى الله عليه وسلم: "إنهم- يعني اليهود- لا يحسدوننا على شيء، كما يحسدونا على يوم الجمعة التي هدانا الله لها وضلوا عنها، وعلى القبلة التي هدانا الله لها وضلوا عنها، وعلى قولنا خلف الإمام آمين"[3].

ولم يكن قولهم: ﴿ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا ﴾ لطلب الحق والحكمة في ذلك، ولو كان هدفهم ذلك لبيّن لهم السبب، بأن الله أمر بذلك، وأن الكعبة قبلة إبراهيم عليه السلام والأنبياء بعده، وأول بيوت الله في الأرض، وأعظمها وأفضلها.

وقد سمع النبي صلى الله عليه وسلم- كما في حديث قتيلة- مقالة ذلك اليهودي: إنكم تشركون، تقولون: "ما شاء الله، وشئت"، وتقولون: "والكعبة" فأمر صلى الله عليه وسلم أصحابه إذا أرادوا أن يحلفوا أن يقولوا: "ورب الكعبة" وأن يقولوا: "ما شاء الله ثم شئت"[4]؛ وذلك لأن هذه المقالة حق، وإن كان اليهودي إنما أراد بهذه المقالة عيب الإسلام، وتنقص المسلمين.

وقُدِّم الخبر في قوله: ﴿ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ ﴾ لإفادة الحصر، أي: لله وحده المشرق والمغرب، أي: جنس المشرق والمغرب للشمس والقمر وسائر الكواكب.

والمراد أن له- عز وجل- جميع الجهات والأرض كلها؛ لأن الناس يقسِّمون الأرض إلى نصفين شرقية وغربية بحسب مطلع الشمس ومغربها.

وإذا كان عز وجل له جميع الجهات، وله الأرض كلها، فله- عز وجل- أن يوجِّه عباده للصلاة لأي جهة أراد، فالخلق خلقه، والملك ملكه، والأمر أمره، ولهذا قال بعد ذلك: ﴿ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾.

وهداية الله- عز وجل- تنقسم إلى قسمين:
هداية الدلالة والإرشاد والبيان، وهذه عامة، فالله- عز وجل- هاد، والرسل والدعاة إلى الله هُداة بهذا المعنى، كما قال تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم: ﴿ وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾ [الشورى: 52].

وهي أيضاً عامة من وجه آخر، وهو شمولها لكل من بلغته الرسالة؛ لأن الله- عز وجل- أنزل لأجلها الكتب وأرسل الرسل، قال تعالى: ﴿ كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ ﴾ [إبراهيم: 1].

والقسم الثاني: هداية التوفيق، وهذه خاصة بالله- عز وجل- كما قال تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم: ﴿ إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ ﴾ [القصص: 56].

والمراد بالهداية في الآية هنا ما يشمل الهدايتين: هداية الدلالة والإرشاد والبيان، كما قال تعالى: ﴿ إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا ﴾ [الإنسان: 3] أي: دللناه وأرشدناه للسبيل وبيناه له، وقال تعالى: ﴿ وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ ﴾ [البلد: 10] أي: بيّنا له طريق الخير وطريق الشر.

وهداية التوفيق، كما قال تعالى: ﴿ وَإِنَّ اللَّهَ لَهَادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ [الحج: 54].

وحيثما جاءت الهداية مسندة إلى الله فإنها تشمل القسمين: هداية الدلالة والإرشاد، وهداية التوفيق.

وحيثما أسندت إلى غير الله، فالمراد بها هداية الدلالة والإرشاد فقط.

﴿ يَ مَنْ يَشَاءُ ﴾ "من" اسم موصول بمعنى "الذي" في محل نصب مفعول "يهدي"، أي: يدل ويوفق الذي يشاء، والمشيئة هي الإرادة الكونية، فما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن.

﴿ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾ الصراط: الطريق المسلوك والسبيل الواضح.

و"المستقيم" في الأصل: أقرب خط يصل بين نقطتين، أي: العدل الذي لا اعوجاج فيه، أي: إلى طريق مسلوك وسبيل واضح، عدل، لا اعوجاج فيه، وهو صراط الله عز وجل، ونكَّره للتعظيم، كما قال تعالى: ﴿ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾ [البقرة: 213، النور: 46]، وقال تعالى: ﴿ وَمَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ [الأنعام: 39]، وقال تعالى: ﴿ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾ [يونس: 25]، وقال تعالى: ﴿ وَإِنَّ اللَّهَ لَهَادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ [الحج: 54].

ومعنى الآية: ﴿ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ أي: يدل، ويوفق الذي يريد من عباده إلى طريق مسلوك، وسبيل واضح، عدل، لا اعوجاج فيه، بهدايته لهم، لأعظم قبلة، وتوفيقهم لمعرفة الحق، والعمل به، للعلم النافع، والعمل الصالح، وفي هذا تنويه بقبلتهم، وإشارة إلى أن الشأن كل الشأن في الإيمان بالله- عز وجل- كما قال تعالى: ﴿ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ ﴾ [البقرة: 115]، وقال تعالى: ﴿ لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ ﴾ الآية [البقرة: 177].

[1] أخرجه البخاري في الزكاة (1496)، ومسلم في الإيمان (19)، وأبوداود في الزكاة (1584)، والنسائي في الزكاة (2435)، والترمذي في الزكاة (625)، وابن ماجه في الزكاة (1783)، من حديث ابن عباس- رضي الله عنهما.

[2] البيت لذي جرن الحميري. انظر: "اشتقاق أسماء الله الحسنى" ص32، "لسان العرب"، مادة "نوس".

[3] أخرجه أحمد (6/ 134، 135) من حديث عائشة- رضي الله عنها.

[4] أخرجه النسائي في الأيمان والنذور (3773)، وأحمد (6/ 371-372). وأخرجه ابن سعد والطبراني وابن منده. انظر: "تيسير العزيز الحميد" ص (598).





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 275.38 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 269.53 كيلو بايت... تم توفير 5.85 كيلو بايت...بمعدل (2.12%)]