الشروط في العقود دراسة حديثية فقهية - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         شرح صحيح البخاري كاملا الشيخ مصطفى العدوي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 749 - عددالزوار : 74896 )           »          الحج والعمرة فضلهما ومنافعهما (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 3 - عددالزوار : 73 )           »          ٣٧ حديث صحيح في الصلاة علي النبي ﷺ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 58 )           »          قوق الآباء للأبناء (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 56 )           »          حقوق الأخوّة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 57 )           »          دفن البذور عند الشيخ ابن باديس -رحمه الله- (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 64 )           »          الاغتراب عن القرآن (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 60 )           »          آخر ساعة من يوم الجمعة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 57 )           »          هاجر… يقين في وادٍ غير ذي زرع (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 71 )           »          الغش ... آفة تهدم العلم والتعليم والمجتمعات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 89 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > الملتقى الاسلامي العام > فتاوى وأحكام منوعة
التسجيل التعليمـــات التقويم اجعل كافة الأقسام مقروءة

فتاوى وأحكام منوعة قسم يعرض فتاوى وأحكام ومسائل فقهية منوعة لمجموعة من العلماء الكرام

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
  #1  
قديم 26-09-2020, 01:20 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 151,842
الدولة : Egypt
افتراضي الشروط في العقود دراسة حديثية فقهية

الشروط في العقود دراسة حديثية فقهية



د. بندر بن نافع العبدلي











ملخص البحث:
الحمد لله وصلى الله وسلم وبارك على رسول الله وعلى آله وصحبه، وبعد:
فقد ظهر لي من خلال هذا البحث وما اشتملت عليه الأحاديث النتائج الآتية:
1- أن ما يطلبه الشرع من غير شرط فإنه لا يؤثر ذكره وعدمه.
2- ثبوت خيار المجلس للمتبايعين.
3- ثبوت خيار الشرط.
4- ثبوت خيار الغبن.
5- جواز اشتراط البائع أو المشتري نفعاً معلوماً في البيع.
6- جواز اشتراط تأجيل الثمن إلى مدة معلومة.
7- إثبات السلم.
8- جواز اشتراط المشتري ثمرة النخل عند شرائها بعد التأبير.
9- جواز تعليق الإمارة على شرط مستقبل.
10- جواز تعليق الهبة على شرط مستقبل.
11- وجوب الوفاء بالشروط المشترطة في النكاح.
12- المراد بالشرطين المنهي عنهما مسألة العينة على القول الراجح.
13- جواز بيع العبد المكاتب بشرط العتق.
14- أن الشرط في عقد الرهن كالشرط في البيع.
15- أنه لا يجوز استثناء شيء من المبيع إلا إذا عيّن.
16- أنه لا يجوز للمرأة أن تسأل طلاق ضرتها.
17- تحريم نكاح الشغار وأنه باطل.
18- تحريم نكاح التحليل.


المقدمة:
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على رسوله الأمين، وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد:
فإن أفضل ما يمضي الإنسان فيه وقته هو تدبر كتاب الله عز وجل وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ففيهما الهدى والنور.


أما القرآن فقد قال عز وجل: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاء لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ * قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ} [يونس:57=58].

وأما السنة فإنها مبيِّنة للقرآن ومعبِّرة عنه ودالة عليه، وهي المصدر الثاني من مصادر التشريع، وفهم السنة يعين على فهم القرآن، وعلى قدر إيمان العبد وإقباله وحسن قصده يعطى ما لم يعط غيره.

ومما ورد في السنة وهو محل العناية والاهتمام الأحاديث الواردة في الشروط في العقود، فعلى بعضها مدار صحة المعاملة أو عدم صحتها، وصحة النكاح أو فساده، رأيت أن أجمع الأحاديث الواردة في الشروط مع دراستها واستنباط الأحكام الفقهية منها: فجاء هذا البحث بتمهيد وفصلين، وفي كل فصل عدة مباحث، وفي كل مبحث عدة مطالب.

فالتمهيد فيه تعريف بمفردات البحث.
الفصل الأول: الشروط الجائزة في العقود. وفيه مباحث:
المبحث الأول: اشتراط الخيار في المبيع. وفيه مطالب:
المطلب الأول: النصوص الحديثية الواردة فيه.
المطلب الثاني: إثبات خيار المجلس.
المطلب الثالث: ما المراد بالتفرق في الحديث.
المطلب الرابع: إثبات خيار الشرط.
المطلب الخامس: إثبات خيار الغبن.
المبحث الثاني: اشتراط أحد المتعاقدين نفعاً معلوماً في المبيع. وفيه مطالب:
المطلب الأول: النصوص الحديثية الواردة فيه.
المطلب الثاني: جواز اشتراط البائع أو المشتري نفعاً معلوماً في المبيع.
المطلب الثالث: اشتراط أن تكون المنفعة معلومة.
المبحث الثالث: اشتراط تأجيل الثمن إلى مدة معلومة. وفيه مطالب:
المطلب الأول: النصوص الحديثية الواردة فيه.
المطلب الثاني: جواز تأجيل الثمن أو بعضه إلى مدة معلومة.
المطلب الثالث: أجل السلم لا بد أن يكون معلوماً.
المبحث الرابع: إذا اشترط المشتري ثمرة النخل وقد بيعت بعد التأبير وفيه مطالب:
المطلب الأول: النصوص الحديثية الواردة فيه.
المطلب الثاني: أن من باع نخلاً قد أبرت فإن ثمرته تكون لبائعه.
المطلب الثالث: اختلاف العلماء في الصفة المعتد بها في التأبير.
المطلب الرابع: حكم ثمرة النخل إذا اشترطهما المشتري.
المبحث الخامس: تعليق الإمارة على شرط. وفيه مطلبان:
المطلب الأول: النصوص الحديثية الواردة فيه.
المطلب الثاني: جواز تعليق الإمارة على شرط مستقبل.
المبحث السادس: الشروط المشترطة على الزواج في النكاح. وفيه مطالب:
المطلب الأول: النصوص الحديثية الواردة فيه.
المطلب الثاني: وجوب وفاء الزوج بما اشترط عليه في العقد.
المطلب الثالث: أقسام الشروط في النكاح.
المطلب الرابع: فائدة الشرط.
الفصل الثاني: الشروط المنهي عنها في العقد. وفيه مباحث:
المبحث الأول: الجمع بين شرطين في عقد. وفيه مطالب:
المطلب الأول: النصوص الحديثية الواردة فيه.
المطلب الثاني: خلاف العلماء في المراد بالشرطين المنهي عنهما.
المطلب الثالث: أنه لا يجوز الجمع بين السلف والبيع.
المبحث الثاني: اشتراط الولاء للمعتق. وفيه مطالب:
المطلب الأول: النصوص الحديثية الواردة فيه.
المطلب الثاني: جواز بيع العبد المكاتب بشرط المعتق.
المطلب الثالث: أن اشتراط البائع على المشتري إن أعتق الرقيق فالولاء له شرط باطل.
المطلب الرابع: معنى قوله "اشترطي لهم الولاء".
المبحث الثالث: اشتراط الرهن في المبيع. وفيه مطالب:
المطلب الأول: النصوص الحديثية الواردة فيه.
المطلب الثاني: أن المرتهن لا يستحق الرهن إذا عجز الراهن عن أداء الدين.
المطلب الثالث: إذا قال الراهن للمرتهن: إن جئتك بحقك في وقت كذا وإلا فالرهن لك.
المبحث الرابع: اشتراط الثنيا في المبيع. وفيه مطلبان:
المطلب الأول: النصوص الحديثية الواردة فيه.
المطلب الثاني: أنه لا يجوز استثناء شيء من المبيع إلا إذا عُيِّن.
المبحث الخامس: إذا اشترطت المرأة طلاق ضرتها. وفيه مطالب:
المطلب الأول: النصوص الحديثية الواردة فيه.
المطلب الثاني: نهي المرأة أن تسعى عند زوجها في طلاق أختها.
المطلب الثالث: ما الحكم فيما إذا اشترطت المرأة طلاق ضرتها.
المبحث السادس: إذا زوج الرجل وليته بشرط أن يزوجه الآخر وليته. وفيه مطالب:
المطلب الأول: النصوص الحديثية الواردة فيه.
المطلب الثاني: معنى الشِّغار.
المطلب الثالث: المراد بالشغار الوارد في الحديث.
المطلب الرابع: النهي في الحديث للتحريم عند أكثر العلماء.
المبحث السابع: إذا تزوجها بشرط أنه متى حلَّلها للأول طلقها. وفيه مطالب:
المطلب الأول: النصوص الحديثية الواردة فيه.
المطلب الثاني: صور نكاح التحليل.
المطلب الثالث: ما الذي يترتب على نكاح التحليل.
ثم الخاتمة.


وختاماً أشكر الله سبحانه على إتمام هذا البحث وأسأله أن ينفع به، وأشكر جامعة القصيم ممثلة بعمادة البحث العلمي على دعمهم لي في إعداد هذا البحث، جعل الله ذلك في موازين حسناتهم وأثابهم.

التمهيد:
الشروط جمع شرط، وهو في اللغة: العلامة، قال ابن فارس: "الشين والراء والطاء أصلٌ يدلُّ على عَلَمٍ وعلامة، وما قارب ذلك من عَلَم. من ذلك الشِّرَط العَلامة"(1).

وفي الاصطلاح: هو أمر عارض مستقبل معدوم على خطر الوجود، يتوقف عليه وجود الالتزام أو إنهاؤه(2).
والعقود: جمع عقد، وهو في اللغة: الربط والشد والضمان والعهد.
قال الفيروز أبادي: عَقَدَ الحَبْلَ والبَيْعَ والعَهْدَ يَعْقِدُهُ: شدَّهُ(3).


وقال الفيومي: "(عَقَدْتُ) البيع ونحوه و(عَقَدْتُ) اليمين و(عَقَّدْتُهَا) بالتشديد توكيد و(عَاقَدْتُهُ) على كذا و(عَقَدْتُه) عليه بمعنى عاهدته و(مَعْقِدُ) الشيء مثل مَجْلِس موضع (عَقْدِهِ) و(عُقْدَةُ) النكاح وغيره إحكامه وإبرامه و(العِقْدُ) بالكسر القلادة والجمع (عُقُودٌ)(4).

وفي الاصطلاح: كل تصرف يصدر عن شخص فيلزمه منفرداً أو مع آخر بشيء على وجه يترتب عليه تحقق مصلحة شرعية(5).

وعلى ذلك فيسمّى البيع والنّكاح وسائر عقود المعاوضات عقوداً؛ لأن كلّ واحد من طرفي العقد ألزم نفسه الوفاء به(6).

الفصل الأول: الشروط الجائزة في العقود:
وفيه مباحث:
المبحث الأول: اشتراط الخيار في المبيع. وفيه مطالب:
المطلب الأول: النصوص الحديثية الواردة فيه:
1- عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا تبايع الرجلان فكل واحد منهما بالخيار ما لم يتفرقا وكانا جميعاً، أو يخيِّر أحدهما صاحبه، فإن خيَّر أحدهما الآخر فتبايعا على ذلك فقد وجب البيع، وإن تفرقا بعد أن تبايعا، ولم يترك واحد منهما البيع فقد وجب البيع". متفق عليه(7).

2- وعن حكيم بن حزام رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "البيعان بالخيار ما لم يتفرقا، فإن صدقا وبيّنا بورك لهما في بيعهما، وإن كذبا وكتما محقت بركة بيعهما" متفق عليه(8).

3- وعن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "البائع والمبتاع بالخيار حتى يتفرقا، إلا أن تكون صفقة خيار، ولا يحل له أن يفارقه خشية أن يقيله"(9).

4- وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: ذُكر رجل للنبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يخدع في البيوع، فقال: "إذا بايعت فقل: لا خلابة" متفق عليه(10).

المطلب الثاني: إثبات خيار المجلس:
دل حديث ابن عمر في قوله: "ما لم يتفرقا وكانا جميعاً"، وكذا حديث حكيم وعبد الله بن عمرو بن العاص على إثبات خيار المجلس، وهو قول جمهور العلماء من السلف والخلف والأئمة، وبه قالت الظاهرية وابن حبيب وابن عبد البر من المالكية(11).

قال ابن عمر: "كانت السنة أن المتبايعين بالخيار حتى يتفرقا"(12).

القول الثاني: أنه لا يثبت للمتبايعين خيار المجلس، بل يلزم العقد بالإيجاب والقبول، وهو مذهب مالك وأبي حنيفة وأصحابهما والثوري والليث(13).

واستدلوا:
1- قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ} [المائدة:1].
وجه الدلالة من الآية: أن العقد يكون لازماً فإذا شرط الخيار فيه لم يقع لازماً، وهو خلاف ما تقتضيه الآية الكريمة(14).


2- قوله صلى الله عليه وسلم: "من ابتاع طعاماً فلا يبعه حتى يستوفيه" متفق عليه(15).
وجه الدلالة منه: أن النبي صلى الله عليه وسلم أطلق البيع إذا استوفاه ولم يشترط قبل التفرق أو بعده.


3- قياس البيع على النكاح والخلع والعتق، فكما أن عقد النكاح لا يثبت فيه المجلس، فكذلك البيع إذا تم فلا خيار لهما ولا يمكن لأحدهما أن يفسخ(16).

وأجابوا عن حديث ابن عمر بأجوبة منها:
أ – أنه حديث خالفه راويه، فمن رواته الإمام مالك وقد خالفه.
ب – أنه خبر واحد فيما تعم به البلوى.
ج – أنه يخالف القياس الجلي والأصول المقطوع بها.
د – أنه معارض لإجماع أهل المدينة وعملهم؛ لأن عمل المدينة كالمتواتر، فهو من قبيل الإجماعيات.
هـ - أنه محمول على التفرق بالأقوال لا بالأبدان(17).


وهذه الأجوبة كلها ضعيفة ويجاب عنها بما يلي:
أما الأول فيقال: إنه لا يلزم تقليد الراوي بمخالفته لما رواه، فإن العبرة بما روى لا بما رأى، ثم إن الحديث قد روي من طرق متعددة فإن تعذر الاستدلال به من جهة رواية مالك لم يتعذر من جهة أخرى.


وأما الثاني: فمردود أيضاً؛ لأن المعتمد في الرواية على عدالة الراوي وجزمه بالرواية، وقد وجد ذلك، وعدم نقل غيره لا يصلح معارضاً.

وأما الثالث: فممنوع لورود النص به، وكل قياس عارض النص فهو فاسد الاعتبار.

وأما الرابع فيقال: بمنع كون هذه المسألة من إجماع أهل المدينة، فابن عمر وهو رأس المفتين في المدينة في وقته، وكان يروي إثبات خيار المجلس.

وأما الخامس: فإنه خلاف الظاهر، فإن السابق إلى الفهم التفرق عن المكان، ويدل له حديث عمرو بن شعيب وفيه: "ولا يحل له أن يفارق صاحبه خشية أن يستقيله".
فهذا صريح في أن المراد به تفرق الأبدان.


قال الترمذي رحمه الله: "ومعنى هذا أن يفارقه بعد البيع خشية أن يستقيله، ولو كانت الفرقة بالكلام، ولم يكن له خيار بعد البيع لم يكن لهذا الحديث معنى حيث قال: "ولا يحل له أن يفارقه خشية أن يستقيله"(18). اهـ.

وكذا فهم الصحابة رضي الله عنهم فقد روى مسلم في صحيحه أن ابن عمر رضي الله عنه كان إذا بايع رجلاً فأراد أن لا يقيله مشى هنية ثم رجع إليه(19).
فالصحيح ما دلت عليه أحاديث الباب من إثبات خيار المجلس.


ولذا قال ابن عبد البر: "قد أكثر المتأخرون من المالكيين والحنفيين من الاحتجاج لمذهبهما في ردِّ هذا الحديث بما يطول ذكره، وأكثر تشغيب لا يحصل منه على شيء لازم لا مدفع له"(20).

بقي أن يقال: إنه يرجع في التفرق إلى عادة الناس وعرفهم، ويعتبر حال المكان الذي هما فيه مجتمعان، فإن كانا في بيت فإن التفرق إنما يقع بخروج أحدهما منه، ولو كان في دار واسعة فانتقل أحدهما عن مجلسه إلى بيت أو سطح أو نحو ذلك فإنه قد فارق صاحبه، وإن كانا في سوق فهو بأن يولِّي عن صاحبه ويخطو خطوات..."(21).

المطلب الثالث: ما المراد بالتفريق في الحديث:
الحكمة من إثبات خيار المجلس لسد باب الندم على الإنسان؛ لأن الإنسان قبل أن يشتري الشيء تتعلق به نفسه ثم إذا اشتراه ورأى أنه قد دخل ملكه ربما تزول رغبته فيه فجعل له الشارع مهلة ليست بالطويلة بل ما داما مجتمعين في المجلس بحيث لا يضر البائع أو المشتري.

المطلب الرابع: إثبات خيار الشرط:
دل حديث ابن عمر في قصة من يخدع في البيوع على إثبات خيار الشرط، وهو أن يشترط أحد المتعاقدين أو كلاهما لنفسه حق الفسخ مدة معلومة.

ووجه الدلالة من الحديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم أثبت الخيار لهذا الصاحبي بهذا الشرط، أنه متى غبن وخدع فإن له أن يرجع في البيع ويفسخ العقد.

وربما يدل له حديث ابن عمر رضي الله عنهما الوارد في خيار المجلس، وفيه: "... أو يُخَيِّرُ أحَدُهُما الآخَرَ... إلخ"، يؤخذ منه أنه إذا كان يندب إسقاط ما ثبت جاز أن يُثبت ما لم يثبت(22).

وهو قول الجمهور، وحكام بعض العلماء إجماعاً.
قال النووي رحمه الله: "وهو جائز بالإجماع"(23).
واختلفوا في بعض تفاصيله.


المطلب الخامس: إثبات خيار الغبن:
استدل بحديث ابن عمر في قصة من يخدع في البيوع أيضاً على إثبات خيار الغبن، وأن العاقد المغبون له حق الخيار حتى يستطيع رفع الغبن الواقع عليه، وهذا قول الحنابلة وبعض المالكية، لكن قيده الحنابلة بأن يكون الغبن فاحشاً يخرج عن العادة، والمرجع في تحديده إلى عرف التجار لأن لهم خبرة في أمور المعاملات.
وقيده المالكية بأن يكون ثلث القيمة(24).


القول الثاني: أن خيار الغبن لا يثبت لكل مغبون، لعموم أدلة البيع ونفوذه إلا من كان مثل هذا الرجل في ضعف عقله بشرط أن يقول هذه المقالة، وهذا قول الجمهور(25).

ورجحه النووي حيث قال: لأنه لم يثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم أثبت له الخيار، وإنما قال له: قل: لا خلابة أي: لا خديعة، ولا يلزم من هذا ثبوت الخيار"(26).

قال الشوكاني: "وبهذا يتبين أنه لا يصح الاستدلال بمثل هذه القصة على ثبوت الخيار لكل مغبون، وإن كان صحيح العقل ولا على ثبوت الخيار لمن كان ضعيف العقل إذا غبن، ولم يقل هذه المقالة"(27).

المبحث الثاني: اشتراط أحد المتعاقدين نفعاً معلوماً في المبيع:
وفيه مطالب:
المطلب الأول: النصوص الحديثية الواردة فيه:
5- عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه أنه كان يسير على جمل له فأعيا، فأراد أن يسيِّبه قال: فلحقني النبي صلى الله عليه وسلم فدعا لي، وضربه فسار سيراً لم يسر مثله، قال: بعنيه بُوقية، قلت: لا، ثم قال: بعنيه، فبعته بوقية، واستثنيت حملانه إلى أهلي، فلما بلغت أتيته بالجمل فنقدني ثمنه، ثم رجعت فأرسل في أثري، فقال: أتراني ماكستك لآخذ جملك، خذ جملك ودراهمك فهو لك" متفق عليه(28).

المطلب الثاني: جواز اشتراط البائع أو المشتري نفعاً معلوماً:
دل الحديث على جواز اشتراط البائع أو المشتري نفعاً معلوماً في المبيع.

وجه الدلالة: أن النبي صلى الله عليه وسلم أقر جابراً على منفعة الجمل، وهو مذهب الحنابلة،ومذهب بعض السلف، واختيار الإمام البخاري وشيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم(29).
قال البخاري رحمه الله: "باب إذا اشترط البائع ظهر الدابة إلى مكان مسمى جاز"(30).


القول الثاني: أن الشرط باطل ولا يصح العقد. وهو قول الجمهور أبي حنيفة ومالك والشافعي، ورواية عن الإمام أحمد، إلا أن مالكاً أجاز المسافة القريبة لحمل الدابة كثلاثة أيام(31).

واستدلوا بدليلين:
1 – حديث عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم: نهى عن بيع وشرط.
2 – حديث جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الثنيا. وهي أن يبيع شيئاً ويستثني بعضه.


وأجابوا عن حديث الباب بأجوبة منها:
أ – أن قضية عين موقوفة يتطرق إليها الاحتمالات، ومتى وجد الاحتمال في الدليل بطل به الاستدلال.
ب – أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرد حقيقة البيع، وإنما أراد أن ينفع جابراً رضي الله عنه بإعطائه الثمن هبة بدليل قوله: "أتراني ماكستك لآخذ جملك".
ج – اختلاف الرواة في ألفاظ الحديث واضطراب الروايات يمنع من الاحتجاج به، فقد ورد في بعض ألفاظه: "بعته واشترطت حملانه"، وفي لفظ "أن النبي صلى الله عليه وسلم أعاره ظهره إلى المدينة"، وهذا يدل على عدم الاشتراط(32).


والراجح القول الأول لقوة دليله.

أما أدلة القول الثاني: فحديث النهي عن الثنيا ليس فيه دليل، لأنه إذا علم القدر المستثنى صح البيع لعدم الجهالة. وسيأتي الكلام عليه.

وأما حديث "نهى عن بيع وشرط"، فهو حديث منكر أنكره الإمام أحمد، وقال: "لا نعرفه مروياً في مسند"(33).
وقال ابن القيم: "لا يعلم له إسناد صحيح مع مخالفته للسنة الصحيحة والقياس، ولانعقاد الإجماع على خلافه"(34).


وأما إجابتهم عن حديث جابر رضي الله عنه فهي مردودة كما يلي:
قولهم: إن المقصود الهبة خلاف الظاهر، فإن ألفاظ الحديث صريحة بوقوع البيع كقوله: "بعته منك بأوقية"، وقوله: "قد أخذته".


ثم إن ظاهر الحديث يفيد أن اشتراط مثل ذلك معلوم لديهم جوازه، لأن جابراً هو الذي ابتدأ شرط ظهر الجمل، فأقره النبي صلى الله عليه وسلم على شرطه، ولو كان باطلاً لم يقره.

وأما اختلاف الرواة في ألفاظه وأن ذلك يمنع الاحتجاج به، فهذا صحيح بشرط التكافؤ أو التقارب، أما إذا كانت إحدى الروايات أرجح فينبغي العمل بها(35).

وأما تفريق الإمام مالك بين المسافة القريبة والبعيدة فلا دليل عليه، وظاهر الحديث يدل على التسوية بينهما.

المطلب الثالث: اشتراط أن تكون المنفعة معلومة:
فيه دليل على اشتراط أن تكون المنفعة معلومة، ومع ذلك فقد قال شيخ الإسلام: "وإذا شرط البائع نفع المبيع لغير مدة معلومة فمقتضى كلام أصحابنا جوازه، فإنهم احتجوا بحديث أم سلمة رضي الله عنها أنها أعتقت سفينة وشرطت عليه أن يخدم النبي صلى الله عليه وسلم ما عاش"(36).

المبحث الثالث: اشتراط تأجيل الثمن إلى مدة معلومة:
وفيه مطالب:
المطلب الأول: النصوص الحديثية الواردة فيه:
6- عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، وهم يسلفون في الثمار السنة والسنتين، فقال: "من أسلف في ثمر فليسلف في كيل معلوم، ووزن معلوم، إلى أجل معلوم" متفق عليه(37).

7- وعن عائشة رضي الله عنها قالت: كان على رسول الله صلى الله عليه وسلم بردان قطريان، وكان إذا جلس فيهما ثقلا عليه، وقدم لفلان اليهودي بزُّ من الشام، فقلت: لو أرسلت إليه فاشتريت منه ثوبين إلى الميسرة، فأرسل إليه فقال: قد علمت ما يريد محمد، إنما يريد أن يذهب بمالي أو يذهب بهما، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كذب، قد علم أني من أتقاهم لله وآداهم للأمانة" أخرجه أحمد(38).

المطلب الثاني: جواز تأجيل الثمن أو بعضه إلى مدة معلومة:
دل حديث ابن عباس على جواز تأجيل الثمن أو بعضه إلى مدة معلومة. وهو قول جمهور العلماء، وقد نقل إجماعاً(39).
ويدل لذلك أيضاً قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى} [البقرة:282].


المطلب الثالث: أجل المسلم لا بد أن يكون معلوماً:
دل حديث ابن عباس رضي الله عنهما أيضاً على أن أجل السلم لا بد أن يكون معلوماً، فلا يصح إلى الجذاذ والحصاد ونحوهما.
وهو مذهب أبي حنيفة والشافعي وابن المنذر والحنابلة(40).


واستدلوا:
1 – بما رواه عكرمة، عن ابن عباس رضي الله عنه أنه كره الأندر، والعصير، والعطاء أن يسلف إليه، ولكن يسمِّي شهراً(41).
2 – أن تأجيله إلى الحصاد والجذاذ أمر مجهول لا ينضبط إذ الحصاد والجذاذ يبعد ويقرب.
القول الثاني: جواز التأجيل إلى الحصاد والجذاذ، وهو رواية عن الإمام أحمد اختارها صاحب الفائق، وشيخ الإسلام ابن تيمية(42).


واستدلوا:
1 – حديث عائشة وفيه: "إلى الميسرة". وهي غير معلومة.
2 – أن ابن عمر رضي الله عنه كان يشتري ويبيع إلى العطاء.
3 – أن الحصاد والجذاذ يدرك بالعرف والعادة واختلافه يسير فلا يؤثر(43).
وهذا القول هو الصحيح.


المبحث الرابع: إذا اشترط المشتري ثمرة النخل وقد بيعت بعد التأبير:
وفيه مطالب:
المطلب الأول: النصوص الحديثية الواردة فيه:
8- عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من باع نخلاً قد أبرت فثمرها للبائع، إلا أن يشترط المبتاع"(44).

المطلب الثاني: أن من باع نخلاً قد أبرت فإن ثمرته تكون لبائعه:
دل الحديث على أن من باع نخلاً قد أُبِّر فإن ثمرته تكون لبائعه، ولا تدخل في البيع.
ويفهم منه أن الثمرة التي لم تؤبر تدخل البيع وتكون للمشتري، وهذا من باب التخصيص بالصفة.
وهو قول جمهور العلماء: مالك والشافعي وأحمد(45).


المطلب الثالث: اختلاف العلماء في الصفة المعتد بها في التأبير:
فمنهم من قال: إن الصفة المعتد بها هي تشقق الطلع ووقت الإبار وإن لم يلقح.
وهو قول عند المالكية، والشافعي، والمشهور عند الحنابلة(46).
وحجتهم: أن العبرة بظهور الثمرة، فلا فرق بين أن تظهر بعلاج أو بغير علاج، وهي تتشقق وتكسب اللقاح بالرياح اللواقح.


وقيل: إن الصفة المعتد بها هي فعل التأبير لا مجرد التشقق.
وهو قول عند المالكية، ورواية عن الإمام أحمد، اختارها شيخ الإسلام ابن تيمية.
وحجتهم ظاهر الحديث وفيه "قد أُبِّرت"، والتأبير هو التلقيح، ولا يكون إلا بفعل آدمي(47).


وهذا القول هو الصحيح؛ لأن هذا الوصف نص عليه الحديث فهو معتبر، ولأن التأبير فيه كلفة ومشقة إن قام به الفلاح بنفسه، وفيه نفقة إن استأجر من يؤبره، ففيه عمل مما يؤدي إلى تعلق نفس البائع بهذه الثمرة(48).
يتبع

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 178.77 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 177.09 كيلو بايت... تم توفير 1.68 كيلو بايت...بمعدل (0.94%)]