يا أمتي ماخاب من بزمام خالقه إعتصم ... - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         4 نصائح للتعامل مع الشعور بالإحباط: احرص على بناء علاقات جديدة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 23 )           »          لو ابنك عنيد.. 4 خطوات تخليه يسمع لك وتحسن مهارات الإنصات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 21 )           »          تريندات جديدة فى 2025 لألوان المطابخ.. هتغير بيتك ونفسيتك (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 24 )           »          الامتحانات قربت.. 4 خطوات تخلي الأم تتابع مذاكرة الأولاد من غير عصبية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 17 )           »          تربية إيجابية ولا على قديمه؟ 6 أنماط مختلفة للتربية وتأثيرها على الأطفال (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 19 )           »          طريقة عمل العجة بالخضار والتوابل.. مغذية وسهلة ولذيذة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 25 )           »          إزاى تحمى بشرتك من حب الشباب وتحافظى على نضارتها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 25 )           »          وصفات طبيعية للعناية بالشعر خلال الطقس الحار.. عشان يفضل قوى ولامع (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 18 )           »          لو بتشتغلي ووقتك ضيق.. 3 أكلات جاهزة على التسوية احفظيها في الفريزر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 19 )           »          كيف تعرف أنك مرهق في العمل؟ الحق خد إجازة قبل ما تفقد الشغف (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 21 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > الملتقى الاسلامي العام
التسجيل التعليمـــات التقويم

الملتقى الاسلامي العام مواضيع تهتم بالقضايا الاسلامية على مذهب اهل السنة والجماعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 18-11-2012, 05:56 AM
الصورة الرمزية المعتصمه بربي
المعتصمه بربي المعتصمه بربي غير متصل
قلم فضي
 
تاريخ التسجيل: Jun 2010
مكان الإقامة: مهبط الوحي ( السعوديه )
الجنس :
المشاركات: 4,288
الدولة : Saudi Arabia
63 63 يا أمتي ماخاب من بزمام خالقه إعتصم ...

مَن كان الله معه فممَّ يخاف؟
يَا أُمَّتِي مَا خَابَ مَنْ***بِزِمَامِ خَالِقِهِ اعْتَصَمْ
مَا كَانَ رَبُّكَ غَافِلاً***وَهُوَ الحَكِيمُ المُنْتَقِمْ
لَوْ شَاءَ أَهْلَكَ مَنْ طَغَى***لَوْ شَاءَ دَمَّرَ مَنْ ظَلَمْ
فِرْعَوْنُ أَغْرَقَهُ وَلَمْ***تُعْجِزْهُ عَادٌ أَوْ إِرَمْ


لما ضاقت قريش بمحمَّد - صلى الله عليه وسلَّم - وبِكَلِمة الحقِّ التي يدعو إليْها، ائتمرتْ به، وقرَّرت أن تتخلَّص منه، فأطلَعَه الله على ما يمكرون ويأتمِرون، وأوحى له بالخروج، فخرج ومعه الصِّدِّيق، وأُسقِط في أيدي المشركين، فأعلنوا الجائزة العُظمى لمن يأتي برسول الهدى - صلَّى الله عليه وسلَّم - حيًّا أو ميِّتًا.

واشتدَّ البحث، وتفرَّقَت العُيون في الدُّروب، في الجبال، في الكهوف، اقتُفِيَت الآثار حتَّى أحاطوا برسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - وصاحبِه في الغار، أصبحا منهم رأْي العين، وأزاغ الله منهم الأبصار، حزِن أبو بكر - رضي الله عنه - حزنًا شديدًا على رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - لا على نفسه، فما كان يعيش لنفسِه، فقال: يا رسول الله، لو أنَّ أحدهم نظَر إلى قدمَيْه لرآنا، فقال - وهو في جوْف الجبل أشدَّ ثباتًا من ذلك الجبل، في ثقةٍ بالله جلّ -: ((يا أبا بكر، ما ظنُّك باثنيْن اللهُ ثالثهما؟! لا تحزَنْ إنَّ الله معنا)).


واللهِ الَّذي لا إله إلا هو، لوْ سارتْ مع قُرَيْشٍ كلُّ الأحْياء، وتشقَّقت القبور فخرج الأموات يسحبون أكفانَهم خلْف قريش، يقلبون حجارة الأرض، ويُزحزِحون جبالَها، ويُفتِّشون فِجاجَها - ما قدروا على اثنيْن، اللهُ ثالثُهما.



إِنَّ مَنْ يَحْرُسُهُ بَارِئُهُ***لا يُبَالِي بِالرَّدَى إِنْ خَطَرَا

مَعِيَّةُ اللَّهِ أَغْنَتْ عَنْ مُضَاعَفَةٍ***مِنَ الدُّرُوعِ وَعَنْ عَالٍ مِنَ الأُطُمِ



إنَّها الموازين الحقيقيَّة للقُوى والقِيَم، مَن كانت قوَّة الله معه فلا خوف عليه، وإن اجتمع عليه من بأقطارها، ومن كانت له قيمة الإيمان فله الخيرات كلها.

هذا هو خليل الرحمن - عليه الصلاة والسلام - يتبرَّأ من المشركين؛ {
إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ} [الممتحنة: 4]، ويجعل أصنامهم جُذاذًا؛ {إِلَّا كَبِيرًا لَهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ} [الأنبياء: 58]، فتنادى الملأ: {حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آَلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ} [الأنبياء: 68]، أجْمَعوا رأْيَهم وشرعوا في الحطَب يَجمعون، تحرِصُ المرأة منهم وتنذُر إذا عُوفِيَت لتحمِلنَّ حطبًا لحريق إبراهيم، وكذلك يفعلون.

بنَوا له بنيانًا ملؤُوه بالحطب، وتدَاعَوا يُضرِمون النار ويُؤجِّجون، ويعلو لها شررٌ لم يُرَ مثلُه وهم فرِحون، وُضِع الخليل في المنجنيق ليُرمَى من مكان سحيق، فرفَع رأسه لوليِّه ومولاه وقال: "حسبي الله ونعم الوكيل".


عرض له جبريل فقال: يا إبراهيم، ألَك حاجة؟ قال: "أمَّا إليك فلا، أمَّا إلى الله فنعَم، حسبي الله ونعم الوكيل"، حالُه: تنحَّ عني يا جبريل، وخلِّني وخليلي فعنده الرَّحمة، هل بَذَلتُ له إلا لحمةً تبلَى أو شحمة، وطَّن نفسه على أن يصير مُوحِّدًا في الله فحمة، فحماه الكريم؛ {
قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ} [الأنبياء: 69].

وتستجيبُ النَّار لباريها فتبرُد على أهل المشرِق والمغرب، فلم ينضَج بها كُراعٌ يومئذٍ، وتُهرَع الدَّواب لتُطفِئ النَّار إلا الوزغ، فإنَّه ينفخ النَّار، وهيهات أن يبلغ وزغٌ مرادَه ما دام مع العبد مولاه!


لما لم يتعلَّق الخليلُ بأحدٍ دون الله لما أُضِيمَ، ولما أتى ربَّه بقلبٍ سليم، ولما لم يتزوَّد إلا الانقياد والتسليم؛ {
قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ}.

لما رآه ربُّه لا يمُدُّ لغيره كفًّا مدَحه، ويكفي في مدحه؛ {
وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى} [النجم: 37]، ابتلاه الله بكلمات فأتمهنَّ، وأراه قدرته يوم {فَصُرْهُنَّ
} [البقرة: 260]، وكسر الأصنام غيرةً لله منهن، فوقاه الكريم.

أراد أعداء الخليل أن ينتصروا فخُذِلوا، وأن يرتقُوا فاتَّضعوا، وأن يَغلبوا فغُلِبوا؛ {
وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ} [الأنبياء: 70]، {فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَسْفَلِينَ
} [الصافات: 98]، تلكم هي العواقب، وما يُدرِكُها إلا بصرٌ ثاقبٌ.


أَنَا أَقْسَمْتُ وَهَذَا الكَوْنُ لِي***شَاهِدٌ قَوْلاً وَفِعْلاً وَاعْتِقَادْ
أَنَّ نَصْرَ اللَّهِ يَحْدُو دَائِمًا***كُلَّ مَنْ يَدْعُو إِلَى دَرْبِ الرَّشَادْ


فيا معشر المسلمين:إ
نَّ الإيمان هو الأمان، والله مع ذوي التقوى والإحسان، أهلِ رُسُوخِ القلبِ في العِرفانِ، حتى يكون الغيبُ كالعيان.

{
وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ
} [العنكبوت: 69]، وهو يتولى الصَّالحين.

ها هو الخليل أُخرى، يُهاجِرُ من ديار قومِه، ويسألُ ربَّه على كِبَر؛ {
رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ} [الصافات: 100]، فيُبشَّر على رأس ستٍّ وثمانين من عمره بغلامٍ حليم، ولمَّا بلغ معه السعي وشبَّ وسعَى في مصالح أبيه، رأى إبراهيمُ في المنام أنَّه يُؤمَرُ بذبْحِه، فامتَثَلَ واستْسلم وما تردَّدَ في حبٍّ وتعظيمٍ لله ربِّ العالمين، وعَرَضَ ذلك علي ولده؛ {يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى} [الصافات: 102]، فبادَرَ الغلامُ الحليمُ بجوابٍ في غايةِ السداد: {يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ * فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ
} [الصافات: 102 - 103].

قيل: ألقاه على وجهه ليذبحَه من قفاه لئلا يشاهِدَه حال ذبحه، وقيل: أضجَعَه كما تُضجَعُ الذَّبائح، فيا لَلَّهِ من لحظاتٍ جديرةٍ باستِنْزال العَبَرَات، وتصعيد الزَفَرَات، وذهابِ النفوسِ حَسَرَات!


سمَّى إبراهيم وكبَّر، وتشهَّدَ إسماعيلُ واستَسْلم، ومرَّت السكينُ على العُنُقِ فسُلِبَت حدَّها كما سُلِبَت النارُ إحراقَها؛ {
وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ} [الصافات: 104، 105].

إنها الخُلَّةُ - معشر المؤمنين - بذَلَ بدَنَهُ للنيران، وابنَهُ للقُربان، ومالَهُ للضِّيفان؛ {
إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ * وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ
} [الصافات: 106، 107].

يقول ابن عبَّاس - رضي الله عنهما -: "فُدِيَ إسماعيل بكبشٍ أقرنَ أعيَنَ، قد رعَى في الجنة ورَتَعَ فيها أربعين عامًا، هَبَطَ من ثَبيرٍ له ثُغاء، فذبحه إبراهيم".


سلام على إبراهيم، سِجِلٌّ خالدٌ في التَّسليم، وكتابٌ مرقومٌ استحقَّ به أن يكون الخليل، ويُفدَى ابنُهُ بذِبحٍ عظيم.



خُذُوا إِيمَانَ إِبْرَاهِيمَ تَنْبُتْ***لَكُمْ فِي النَّارِ جَنَّاتُ النَّعِيمِ


ويُبشِّرُ إبراهيم بولادة مولودٍ ذَكَرٍ من بني إسرائيل، يكون هلاكُ فرعونَ وذهابُ مُلكِهِ على يديه، ويبلغُ الخبرُ فرعونَ، فيُصدِرُ أمرَهُ بذبحِ كل مولودٍ ذَكَرٍ من بني إسرائيل؛ {
يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ} [القصص: 4].

ولن يُنجِيَ حَذَرٌ من قَدَر، ولكلِّ أجلٍ كتاب؛ لأنَّ الله قضى: {
وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ * وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ
} [القصص: 5 - 6].


وَلا يُرَدُّ مَا بِهِ اللَّهُ قَضَى***وَكُلُّ أَمْرٍ فِي الكِتَابِ قَدْ مَضَى


الله يريدُ غيرَ ما يريدُ فرعون، ويُقدِّرُ غير ما يُقدِّرُ فرعون، والطُّغاةُ تخدعُهُم قوَّتُهم وسطوَتُهم فإرادةَ الله ينسَون، ويحسَبُون أنهم يختارون لأنفسهم ما يحبُّون، ويختارون لأعدائِهم ما يشاؤون ممَّا يكرهون، ويظنُّون أنَّهم على هذا وذاك قادِرون؛ لأنَّهم لا يعقلون، لا يفقهون، لا يُبصِرُون، وهم مستكبرون.

جنَّدَ المئات من الدَّايات اللائي يتعرَّفنَ على الحوامل، فإن كان المولود ذَكَرًا يُقتَل، أو أنثى تُستَحْيَا، وكثُرَ القتْل في بني إسرائيل، وجاء القِبط فقالوا: يا فرْعون، الكبارُ بآجالِهم يموتون، والصغارُ يُذبَحُون، يُوشِكُ أن يفنَى بنو إسرائيل.


فأمَرَ فرعونُ بقتلِ الوِلْدان عامًا وترْكهم عامًا، وشاء الله أن تكون ولادةُ هارون في عام التَّرك، وولادة موسى في عام القتل، ومن لُطفِ الله بأُمِّ موسى أنَّه لم يظهر عليها مَخَايلُ الحمْل، ولم يفطن لها الداياتُ اللائي كنَّ يدُرْن على بني إسرائيل؛ لكنَّها خافَتْ عليْه خوفًا عظيمًا وهو لم يزَلْ حَمْلاً حتى وقَعَ في قلبِها، ورَكِبَها من الهمِّ ما دخل عليْه وهو في بطنها، وضَعَتْهُ، وحبًّا عظيمًا أحبَّتْه، كيف وهي أمُّهُ؟! وقد ألقى الله عليه المحبة، فما رآهُ أحدٌ إلا أحَبَّه، ومع حُبِّهِ ضَاقَتْ به ذَرْعًا، فعدُوُّه مُتربِّصٌ به، والخَطْبُ أعظِمْ به!



خُطُوبٌ لا تُشَابِهُهَا خُطُوبُ***وَكَرْبٌ لا يُمَاثِلُهُ كُرُوبُ
وَأَضْلاعٌ سَرَى فِيهَا الْتِيَاعٌ***تَكَادُ لِهَوْلِ رَهْبَتِهِ تَذُوبُ


ها هي ذي حائرةٌ به، خائفةٌ عليه، تَخشى أن يصِلَ نَبَؤُهُ إلى الجلاَّدِين، وترجفُ أن تتناولَ عُنُقَهُ السكِّينُ، ها هي ذي بطِفْلها عاجزةٌ عن حمايته، عاجزةٌ عن إخفائه، عاجزةٌ عن منع صوتِهِ الفِطْريِّ أن ينمَّ عليه، عاجزةٌ عن تلقِينِهِ حيلةً أو وسيلةً، ها هي ذي وحدَها عاجزةٌ ضعيفةٌ مسكينةٌ وَجِلةٌ قَلِقةٌ مذعورةٌ، فيُلهِمُها اللهُ أن تُلقِيه في اليم.

ونزل هذا الإيحاء على قلْبها الواجِفِ الراجِفِ الخائِفِ بردًا وسلامًا؛ {
وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ} [القصص: 7].

إنَّ إلقاءَ الطفل في اليمِّ هَلَكةٌ مُحقَّقة في المألوف والعادة؛ لكنَّ الله أراد - ولا رادَّ لما أراده الله - أراد أن يُربِّيَه فرعونُ نفسُهُ، وأن ينشأَ في قصْرِه، امتثَلَت أمُّهُ، وألْقَتْ به في اليمِّ مُجرَّدًا من كل قوَّةٍ وحيلة، عاجزًا عن أن يدفَعَ عن نفسِه أو يستنجِدَ بغيره.


يا لَلَّهِ! ما أشرفه من مقامٍ وأحلاه، وأعلاهُ وأسماهُ وأسناه! إنَّ الأم إذا خافَتْ على ابنِهَا ضَمَّتهُ إلى صَدرِهَا، أما أمُّ موسى فتقذِفُ بولَدِها في تيَّارِ الماء تَتَلاعبُ به الأمواجُ، وتجري به إلى عدُوِّه المُتربِّص به، يا لَلَّه! كيف فَعَلَت ما لم تفعلهُ أم؟! كيف طَلَبَت له السَّلامة بهذه المخافة؟! إنه - والله - لكمالُ الثقةِ بالله.


رَبَّاه:
أَنْتَ المُنَادَى بِهِ فِي كُلِّ نَازِلَةٍ***وَأَنْتَ مَلْجَأُ مَنْ ضَاقَتْ بِهِ الحِيَلُ


لسانُ حالها: إنَّه وهو في اليمِّ في رعاية من لا أمنَ إلاَّ في جِوَارِهِ، ولا خوفَ على مَن كان معه، من جعل النار بردًا وسلامًا، وجعل البحر ملجأً ومنامًا، من لا يجرُؤُ جبابرةُ الأرض على أن يدنُوا من حِمَاه.


فَمَنْ يَكُنِ الإِلَهُ لَهُ حَفِيظًا***فَحَاشَا أَنْ يُضَيَّعَ أَوْ يُضَامَا


ويتَهَادَى التابوت بالرَّضيع حتَّى يصِل تحت قصر فرعون، فالتقَطَهُ آلُ فرعون، التقطَهُ الجواري وذهبنَ به إلى امرأة فرعون؛ لتكون المعركة على أرضِ قصر فرعون.

يا فرعون، تذبحُ الآلاف من أجل ذلك الرضيع؟! ها هو الآن في بيْتك يا وضيع.


يا فرعون، تُجنِّدُ المئات من الدايات من أجل ذلك الرضيع؟! ها هو الآن في قصرك يا وضيع.


يا فرعون، أنتَ تريدُ، والله فعَّالٌ لما يريد، قضى الله أن لا يُربِّيَهُ إلا في حجرِك.


كَشَفَت امرأةُ فرعون عنْه فإذا هو غلامٌ من أحْسن الخلق وأجملِه، كيف وهُو جمالٌ زكَّاه الله؛ {
وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي} [طه: 39]، فألقَى الله محبَّتَه في قلبِها يوم أرادَ الله كرامَتَها وشقَاءَ زوجِهَا، ورآهُ فرْعونُ وهمَّ بقتلِهِ، فشَرَعَت تُحبِّبُه إلى زوجِهَا وتُخاصِمُ عنه؛ {قُرَّةُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لا تَقْتُلُوهُ} [القصص: 9]، قال: أمَّا لكِ، فنعم، وأمَّا لي، فلا.

وقد كان قرَّةَ عينٍ لها؛ فقد هداها الله بسبَبِه، فصارَت مثلاً للَّذين آمنوا، ولم يُصِبهُ فرعونُ بأذى، فيا لَلَّه لِهَوانِ فرعون على الله! ما حُمِيَ موسى بملائكةٍ تتنزَّل معه، بل حماهُ بسترٍ رقيقٍ من حُبٍّ حانٍ في قلْب امرأتِه سقَطَت معه قوةُ فرعون، وغِلظَتُه، وحِرصُهُ، وحَذَرُه، هَانَ فرعونُ على الله أن يُحمَى منْه موسى بغيرها؛ {
وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ
} [الحج: 18].


كُلَّمَا رَامُوا بِمُوسَى ضَرَرًا***صَانَهُ اللَّهُ وَكَفَّ الضَّرَرَا


{
وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ} [القصص: 12]، عَرَضوا عليه المراضِعَ، فلم يقبل ثديَ امرأةٍ في القصر، فنَزَلوا به إلى السوق، {وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلَا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ * وَقَالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ} [القصص: 10، 11]؛ اتَّبِعي أثَرَه، اعرِفي خَبَرَه، انطلَقَت أختُه على حَذَرٍ وخُفية، تتَتَبَّعُ أخبارَه، تتحَسَّسُ آثَارَه، {فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ} [القصص: 11].

فقالت أختُهُ: {
هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ
} [القصص: 10، 11]، فأخذوها وقالوا: ما يُدريكِ؟ ما نُصحُهم له؟ أتعرِفِينَه؟ قالت: لا، ولكن نُصحهم له رغبتهم ورجاؤهم في نفع الملك، فزَالَ الشكُّ وقالوا: هيَّا إليهم.

ذهبوا به معها إلى منزل أمِّه، فأعطَتْه الثديَ فالتَقَمَه، وعلا الوجوهَ البِشْرُ، وانطَلَقَت البشائرُ إلى القصر، وتطلُبُ امرأتُهُ أمَّ موسى، وتُحسِنُ إليْها وهي لا تعلمُ أنَّها أمُّه، ثم تسألُها أن تُقِيمَ عندها في القصر لتُرضِعَه، فأبَت وقالت: إنَّ لي بعلاً وولدًا، فإن شِئتِ أرضَعتُهُ عندي، فوَافَقَت على رجوعه معها إلى بيتها، فعادت راضيةً مطمئنةً آمنةً، في عِزٍّ وجاهٍ ورزقٍ ورَغد، تجرِي عليها الصِّلاتُ والنَّفَقاتُ ونفائسُ الهدايا والعطايا.


تبارك الله، وجلَّ الله، ما شاء كان، وما لَم يشأ لم يكن، بيدِهِ الأمر، جعل لمن اتَّقاهُ من كل همٍّ فَرَجًا، ومن كل ضيقٍ مخرجًا، لقد كانت تُرضِعُ ولدَها على خوفٍ من فرعون وملئِه، والآن تُرضِعُهُ في أمان واطمئنان، وبأمر فرعون الجبان، والله ما كان هذا لأمٍّ غيرها أبدًا، إنه جزاءُ الثقة بالله، وذاك قولُ الله: {
فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} [القصص: 13].

عاد الرضيعُ الغائبُ لأمِّه الملهوفة الوالهة، مُعافًى في بدنه، مرموقًا في مكانته، يحميهِ فرعونُ خَصمُه، وترعاهُ امرأتُه، تضطَرِبُ المخاوفُ من حوله وهو قريرُ العين، آمِنٌ مع أمه، حاله:

مَعِي اللَّهُ الَّذِي مَا لِي سِوَاهُ وَكَيْفَ يَخَافُ مَنْ مَعَهُ الإِلَهُ؟!


فيا أيتها الأمة المباركة:
إذا ادلهمَّت الخُطوب، وتوالَت الهزائمُ والكروب، وتقطَّعَت عُرَى النجاة، وعزَّ الناصرُ، وقلَّ المُعينُ، وزمجَرَ الباطلُ ولجلَجَ - فلا تيأسي، ولا تقنَطِي، وكتابَ الله تدبَّري.

هذه قصَّة موسى وفرعون شاهدةٌ بأنَّ الأمن لا يكون إلا في جانب الله، وأنَّ المخافةَ لا تكونُ إلا في البُعدِ عن الله،كلاهُمَا أُلْقِيَ في اليم، فكان اليمُّ لموسى الرَّضيع ملجأً ومأمنًا، وكان لفرعونَ الطاغية وجُنده خوفًا وهلاكًا وغرقًا، عاقبةُ فرعون هي عاقبة الظالمين، وعاقبةُ موسى هي عاقبة المتقين.


إنَّها عقيدةٌ ينبغي أن نُثبِتَها في أنفُسنا، ونُمكِّنَها من قُلُوبنا، ونُرسِّخَها في مشاعرنا، ونصدُرَ عنها في شِدَّتنا، ورخائِنا، وأقوالنا، وأعمالنا، وأفكارِنا، وأحاسيسِنا، ومشاعرنا، ونُربِّي عليها ناشِئَتنا، ونلقَى بها اللهَ ربَّنا.

إنَّ الشَّرَّ حين يتمحَّضُ يحملُ سببَ هلاكِهِ في ذاته، وإنَّ البغيَ حين يتَّضِحُ ويتمرَّدُ لا يحتاجُ إلى مَن يدفعه؛ بل إنَّ الله يأخذ بيدِ المستَضْعفين فيُنقِذهم، ويجعلُهُم أئِمةً، ويجعلُهُم الوارثين، ومن كان الله معه فممَّ يخاف؟! لكن الله مع مَن؟ {
إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ
} [النحل: 128].

__________________

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 18-11-2012, 09:01 PM
الصورة الرمزية انسان حزين
انسان حزين انسان حزين غير متصل
عضو جديد
 
تاريخ التسجيل: Nov 2012
مكان الإقامة: سعودية
الجنس :
المشاركات: 22
افتراضي رد: يا أمتي ماخاب من بزمام خالقه إعتصم ...

يسلموووووووو
ويعطيك الف عااااااااااااااافية يااا اختي
وتقبلي مروووووووووري
رد مع اقتباس
  #3  
قديم 19-11-2012, 05:37 AM
الصورة الرمزية المعتصمه بربي
المعتصمه بربي المعتصمه بربي غير متصل
قلم فضي
 
تاريخ التسجيل: Jun 2010
مكان الإقامة: مهبط الوحي ( السعوديه )
الجنس :
المشاركات: 4,288
الدولة : Saudi Arabia
افتراضي رد: يا أمتي ماخاب من بزمام خالقه إعتصم ...

حياك الله أخي الكريم
جزاك الله خير الجزاء لمرورك المبارك...
__________________

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 73.36 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 70.79 كيلو بايت... تم توفير 2.57 كيلو بايت...بمعدل (3.51%)]