|
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
|
#1
|
||||
|
||||
![]() فقه الجملة نحويا صَلاح الدين الزعبَلاوي بل هذا ابن كمال باشا (940ه*) يقول في رسائله، وقد عرض فيها لعلم النحو: "ويشارك النحوي صاحب علم المعاني في البحث عن المركبات، إلا أن النحوي يبحث عنها من جهة هيئاتها التركيبية صحة وفساداً، ودلاله تلك الهيئات على معانيها الوضعية على وجه السداد، وصاحب المعاني يبحث عنها من حيث النظم المعبر عنه بالفصاحة في التركيب، وقبحه..." ثم خلص إلى القول: "وهذا كون علم المعاني تمام علم النحو". وقال الأستاذ إبراهيم مصطفى، رحمه الله، في كتابه (إحياء النحو): "وجاء بعد ذلك بآماد الشيخ عبد القاهر الجرجاني، فرسم في كتابه –دلائل الإعجاز-طريقاً جديداً للبحث النحوي، وتجاوز أواخر الكلم وعلامات الإعراب وبيَّن أن للكلام نظماً وأن رعاية هذا النظم واتباع قوانينه هي السبيل إلى الإبانة والإفهام وأنه إذا عدل الكلام عن سنن هذا النظم.. لم يكن مفهماً معناه ولا دالاً على ما يُراد منه /16". وإذا كانت مادة النحو لا تتجاوز الحكم على أواخر الكلم وعلامات الإعراب، فلا شك في أن عالم النحو المحيط به خُبراً الواقف على جليل أحكامه ودقيقها، يستطيعُ أن يتحاشى الخطأ في بيانه وتعبيره ويتبين صحيح الكلام من فاسده، لكنه قاصر أن يتعرَّف كيف يكون إحكام الأداء وإحسان التعبير وإجادة السبك، وتمييز سديد الكلام من سفسافه، بل قاصر أن يتعرَّف كيف يكون انتهاج سبيل الفصحاء في تأليف الكلام نثراً ونظماً، وهو ما قد أشرنا إليه في كتابنا (مسالك القول في النقد اللغوي –ص /62).. وأنَّى لدارس النحو هذا أن يعي نظام صياغة كلام العرب ومتصرف قولهم ويستشف طرق نسجهم وحبكهم إذا انحرف عن غرض النحو في تعرّف روح العربية ونهجها في التأليف والتعبير وتصريف المعاني فقصر النحو على بحث أثر العوامل في أواخر الكلم. ولا شك أن الجرجاني قد وفق في ما ذهب إليه من تجاوز ظواهر الاعراب إلى تبين أسراره وأغراضه ودواعيه. فإذا نحن أفردنا مذهب الجرجاني لنجعل منه مادة لعلم المعاني وحسب، وحبسناه عن مادة النحو، فقد بخسنا النحو حقه بل أيبسنا نسغه وغضنا ماءه وأذهبنا نداوته. وقد كشف الدكتور أحمد البدوي في كتابه (عبد القادر الجرجاني) عما انتهى إليه الجرجاني في كتابيه (دلائل الإعجاز) و(أسرار البلاغة) من أن أصل المعنى يمكن أن يعبَّر عنه بطرق مختلفة، وأن لكل عبارة من ذلك معناها الخاص الذي تفترق به عن العبارة الأخرى، لأن العبارتين لا يمكن أن تؤديا معنىً واحداً، إلا إذا اتفقنا من جميع الجهات. أقول هذا ما فات كثيراً من النحاة أن ينبهوا عليه ويفصحوا عنه، في كثير من الأحيان، فأغفلوه وتجاوزوه حين أغرقوا في الصناعة اللفظية، وقصروا الاهتمام على ضبط أواخر الكلم. مذهب العلاَّمة الحصري في الجملة الفعلية والاسمية: وممن عمد إلى هذا الموضع من البحث، فسلك مسلك الجواري والمخزومي والسامرائي، في مخالفة الحد الذي اتخذه جمهور النحاة في تقسيم الجملة إلى اسمية وفعلية، وسوّى بين تقديم الفعل وتأخيره في مثل قولك (جاء خالد) و(خالد جاء) بل سبقهم إلى ذلك العلاَّمة الأستاذ ساطع الحصري في كتابه (آراء وأحاديث في اللغة والأدب). قال الحصري: "ومن المعلوم أن الجملة تنقسم إلى قسمين فعلية واسمية: ولكننا عندما ننظر إلى الأمور نظرة منطقية، يجب أن نفهم من تعبير جملة فعلية: الجملة التي تحتوي على فعل، وبتعبير آخر الجملة التي تعلمنا ما حدث وما يحدث. كما يجب أن نفهم من تعبير جملة اسمية الجملة التي لا تحتوي على فعل؛ وبتعبير آخر: الجملة التي تخبرنا عن أوصاف اسم من الأسماء وحالاته"، وأردف: "غير أن قواعد اللغة العربية لا تلتزم هذه التعريفات والمفهومات المنطقية، بل تخالفها كلية، فإنها تعتبر الجملة فعلية عندما تبتدئ بفعل، واسمية عندما تبتدئ باسم. ومعنى ذلك أنها لا تصنف الجمل حسب أنواع الكلمات التي تتألف منها، بل تصنفها حسب نوع الكلمة التي تبتدئ بها، دون أن تلتفت إلى بقية كلماتها /107". ويمضي الحصري في شرح مذهبه ونقد مذهب النحاة، فيقول: "ونظراً لهذه القواعد الرسمية فإن عبارة: نام الولد، يجب أن تعتبر جملة فعلية، في حين أن عبارة الولد نام، يجب أن تعتبر جملة اسمية، مع أن كلتيهما تتألفان من الكلمتين أنفسهماوتؤديان المعنى نفسه/108". الرأي في ما جاء به الحصري ومن نحا نحوه، في التسوية بين تقديم الفعل على فاعله وتأخيره عنه: نقول في الجواب عما تقدم من كلام الحصري، إن الذي نراه هو أن قولك (نام الولد) لا يؤدي مؤدَّى قولك (الولد نام) عند التحقيق، ولو أوهم ظاهر الجملتين غير ذلك. فلكل من هاتين الجملتين شأن في التعبير، وموضع من الأداء، لا تسد مسدَّه الجملة الأخرى، إذ ليس يكفي أن تتفق العناصر التي تتألف منها كل من الجملتين، بل ينبغي أن يتفق فيهما موضع كل عنصر من الآخر، وليست هذه الحقيقة وقفاً على اللغة العربية. ذلك أن قولك (جاء خالد) و(نام الولد) في الجملة الفعلية، قد دلَّ على مسند أو خبر لم يطرق أذن السامع، ولم يسبق ذكره في سياق الكلام. فإذا ذكر الخبر أي المسند انتظر السامع ذكر الذي أسند إليه، وهو الفاعل، وإذا ذكر هذا اتصل بفعله فأصبح جزءاً منه. أما قولك (خالد جاء) أو (الولد نام) في الجملة الاسمية، فقد دلَّ على مسند إليه قد ذكر في السياق، ومسند أو خبر معلوم يرادُ التوثق من إسناده إليه. قال الإمام عبد القاهر الجرجاني (ت 471ه*) في كتابه (دلائل الإعجاز): "لا تؤتى بالاسم مُعرَّى من العوامل إلا لحديث قد نُوي إسناده إليه /77". وقد أسند الخبر إلى ما هو موضوع الكلام، وهو (خالد أو الولد) وحُمل عليه دون أن يتصل اتصال الفاعل بفعله. وان ما قدمناه في الموازنة بين دلالتي الجملة الاسمية والفعلية من مذهب لغوي متكامل للإمام الجرجاني قد أتى به منذ القرن الحادي عشر من الميلاد، وجاءت المذاهب الحديثة تعزز مذهبه هذا وتؤيده. وإنا لنسأل كل من قال بالتسوية بين (خالد جاء) و(جاء خالد)، ألست تقول (خالد جاء) فتحدَّث السامع عن (خالد)، وقد جاء ذكره بينكما وبات السامع ينتظر منك أن تحدثه عنه، فإذا أخبرته بمجيئه أَزَلْتَ الشك لديه في حقيقة مجيئه؟ كما تقول (جاء خالد) فتبادر السامع بإخبارك إياه عن مجيئه دون أن يقتضي ذلك تقدم ذكره، فكيف يستوي القولان في التعبير إذاً؟ ولا تستوي العبارتان في أداء معنى، ما لم تتفقا في البنية وتتطابقا في البنية وتتطابقا في موضع كل جزء من أجزائها. وإذا كان النحاة قد ميزوا قولك (خالد جاء) من قولك (جاء خالد) فأسموا الأول جملة فعلية والثاني جملة اسمية، ولم يتطرقوا صراحة إلى الكشف عن الفرق بينهما في أداء المعنى، وانصرفوا إلى الاهتمام بالصناعة اللفظية، فقد جاء الجرجاني ليكشف عما قصَّر النحاة غالباً في إيضاحه والإفصاح عنه، من حيث اختلاف الأداء في كل من الجملتين. ولا يخفى أن (خالد جاء) جملة اسمية مركبة، تتألف من مبتدأ ومن خبر هو جملة فعلية، فإذا أردت الجملة الاسمية البسيطة قلت (خالد آتٍ). أما (جاء خالد) فهو جملة فعلية وحسب. وانظر إلى ثقوب رأي الجرجاني وبعد غوره، بل أصالة فكره، في الإشارة إلى المواضع التي يدعو فيها الأداء إلى تقديم الفاعل ليكون مبتدأ. قال الجرجاني في دلائل الإعجاز (ص /99): "واعلم أن هذا الذي بات لك في الاستفهام والنفي من المعنى في التقديم، قائم مثله في الخبر المثبت. فإذا عمدت إلى الذي أردت أن تحدّث عنه بفعل فقدمت ذكره ثم بنيت الفعل عليه فقلت: زيد قد فعل وأنا فعلت وأنت فعلت، اقتضى ذلك أن يكون القصد إلى الفاعل، إلا أن المعنى في هذا القصد ينقسم إلى قسمين: أحدهما: جليٌّ لا يشكل، وهو أن يكون الفعل فعلاً قد أردت أن تنص فيه على واحد فتجعله له، وتزعم أن فاعله دون واحد آخر، أو دون كل أحد. ومثال ذلك أن تقول: أنا كتبت في معنى فلان، وأنا شفعت في بابه، تريد أن تدعي الانفراد بذلك.. وتزيل الاشتباه فيه، وتردد على من زعم أن ذلك كان من غيرك، أو أ ن غيرك قد كتب ما كتبت. ومن البيِّن في ذلك قولهم في المثل: أتعلمني بضبٍّ أنا فرشته؟ والقسم الثاني: ألاَّ يكون القصد إلى الفاعل، على هذا المعنى، ولكن على أنك أردت أن تحقق على السامع أنه قد فعل وتمنعه من الشك، فأنت لذلك تبدأ بذكره وتوقعه أولاً، ومن قبل أن تذكر الفعل في نفسه، لكي تباعده بذلك من الشبهة وتمنعه من الإنكار، أو من أن يظن بك الغلط أو التزيّد. ومثاله قولك: هو يعطي الجزيل وهو يحب الثناء، لا تريد أن تزعم أنه ليس ها هنا من يُعطي الجزيل ويحب الثناء غيره.. ولكنك تريد أن تحقق على السامع أن إعطاء الجزيل وحب الثناء دأبه، وأن تمكِّن ذلك في نفسه.."، ومن شواهد الجرجاني على هذا القسم قول الشاعر: هما يلبسان المجد أحسن لبسة شحيحان ما اسطاعا عليه كلاهما قال الجرجاني: "لا شبهة في أنه لم يرد أن يقصر هذه الصفة عليهما ولكن نبه لهما قبل الحديث عنهما"، وأردف: "وأبين من الجميع قوله تعالى: واتخذوا من دونه آلهة لا يخلقون شيئاً وهم يُخلقون –النحل /20، فليس المراد أنهم وحدهم هم الذين يُخلقون، كما في المعنى الأول، ولكن تأكيد أن الفعل ثابت لهم". ويشير الجرجاني إلى ما يراه بتقديم المحدَّث عنه فيقول: "فأنت قلت فمن أين وجب أن يكون تقديم ذكر المحدث عنه بالفعل آكد لإثبات ذلك الفعل له، وأن يكون قوله: هما يلبسان المجد، أبلغ في جعلهما يلبسان، من أن يقال: يلبسان المجد /101". وهو يعلل ذلك فيقول: "قلت ذاك من أجل أنه لا يؤتى بالاسم معرّى من العوامل إلا لحديث قد نوي إسناده إليه، وإذا كان كذلك فإذا قلت: عبد الله فقد أشعرت قلبه بذلك أنك قد أردت الحديث عنه، فإذا جئت بالحديث فقلت مثلاً: قام، أو قلت: خرج، أو قلت: قدم، فقد علم ما جئت به، وقد وطَأت له وقدَّمت الإعلام فيه، فدخل على القلب دخول المأنوس به، وقبله قبول المتهيئ له المطمئن إليه، وذلك لا محالة أشد لثبوته وأنفى للشبهة وأمنع للشك وأدخل في التحقيق –101 /102"، وأردف: "وجملة الأمر أنه ليس إعلامك الشيء بغتة مثل إعلامك له بعد التنبيه عليه والتقدمة له، لأن ذلك يجري مجرى تكرير الإعلام في التأكيد والأحكام". وذكر الجرجاني بعض المواضع التي لا بد فيها من الأخبار عن الاسم بالفعل، فقال: "ومما هو بهذه المنزلة في أنك تجد المعنى لا يستقيم إلا على ما جاء عليه من بناء الفعل على الاسم، قوله تعالى: إنَّ وليي الله الذي نزَّل الكتاب وهو يتولَّى الصالحين –الأعراف /195، وقوله تعالى: وقالوا أساطير الأوَّلين اكتتبها فهي تُملَى عليه بُكرة وأصيلاً –الفرقان /5، فإنه لا يخفى على من له ذوق أنه لو جيء في ذلك بالفعل غير مبنيّ على الاسم، فقيل: إن وليي الله الذي نزَّل الكتاب ويتولَّى الصالحين، بحذف هو، واكتتبها تُملى عليه، بحذف هي، لوجد اللفظ قد نبا عن المعنى، والمعنى قد زال عن صورته والحال التي ينبغي أن يكون عليها –105 /106". مذهب الجرجاني في ضوء علم اللغة الحديث: وقد عقد الدكتور جعفر دك الباب في كتابه (الموجز في شرح دلائل الإعجاز، في علم المعاني) فصولاً فريدة في مذهب الإمام الجرجاني اللغوي، في ضوء علم اللغة الحديث، وأقام الموازنة بين مذهبه ومذاهب هذا العلم، فخلص من بحثه إلى أن من حق مذهب الجرجاني أن يظفر بالمكان اللائق به، في علم اللغة الحديث، لا لأن مذهبه هذا يكمل النظرية البنوية الوظيفية الحديثة، بل لأنه يعتمد إلى ذلك على مفهوم البنية العميقة والبنية الظاهرية للجملة، فهو يمثل بذلك اتجاهاً متطوراً في علم اللغة الحديث، وأكد أن مذهب الجرجاني يثبت صحة تمييز علماء النحو العربي نوعين للجملة العربية. ولا يخفى أن البنوية في الأصل مذهب فكري يتحرى رؤية المجتمعات، والأعمال الفنية واللغة، والأدب، من خلال البنى التي تتألف منها هذه المركبات، والبنيه وحدة مستقلة قائمة على عناصر داخلية متساندة. فالبنوية تتطلب في الأدب، مثلاً، تحليل النص إلى بناه، وتفكيك البنية إلى أجزائها المتنقلة وإعادة تركيب هذه الأجزاء، بحيث تعود منتظمة مترابطة، تختلف فيها الصورة باختلاف مواقع هذه الأجزاء بعضها من بعض. وقد كان رائد هذا المذهب في القرن العشرين الفيلسوف الفرنسي رولان بارت، ومضى في تكوينه علماء كتشوفسكي ومينيه وسوسير وماير، وبدا بعد متكاملاً بفضل العالم الفيلسوف الفرنسي كلود ليفي اشتراوس. أما علم اللغة الحديث، أو علم اللسان الحديث، فهو العلم الذي ينظر إلى اللسان أداة للإبلاغ وظاهرة فيزيائية ونفسية واجتماعية عامة الوجود. وقد نحا هذا النحو، بل سبق إلى مواضع منه الإمام الجرجاني، حين ذهب إلى أن اللغة إنما هي أداة إبلاغ السامع ما يجهله، وعمد إلى تحليل النص الأدبي والانتهاء به إلى وحدته، وهي الجملة، والكشف عن بنية الجملة الظاهرية الأصلية، والإفصاح عن اختلاف الصور في الجملة باختلاف مواقع أجزائها بالتقديم والتأخير، وميَّز ما قُدّم من هذه الأجزاء لغرض تحويل الصورة عما هي عليه، وما قدَّم وهو على نية التأخير فلم يمل بالصورة عن إطارها. بل كشف عن موقع كل جملة من الأداء بتنقل أجزائها أو تغيرها، فنفى أن تتفق جملتان فيما تعنيان ما لم تتماثلا من كل وجه. ولا بأس أن نلمَّ بطرف من حديث الجرجاني عن (التقديم والتأخير)، وهو يتصل بما نحن بسبيله من الكلام على الفعل. قال الجرجاني: "واعلم أنا لم نجدهم اعتمدوا في –تقديم الشيء –شيئاً يجري مجرى الأصل، غير العناية والاهتمام. قال صاحب الكتاب، سيبويه، وهو يذكر الفاعل والمفعول: كأنهم يقدمون الذي بيانه أهمَّ لهم، وهم بشأنه أعنى، وإن كانا جميعاً يُهمانهم ويعنيانهم. ولم يذكر في ذلك مثالاً. وقال النحويون: إن معنى ذلك أنه قد يكون من أغراض الناس في فعلٍٍ ما أن يقع بإنسان بعينه، ولا يبالون من أوقعه، كمثل ما يعلم من حال الخارجي يخرج فيعيث ويفسد ويكثر من الأذى، أنهم يريدون قتله، ولا يبالون من كان القتل منه، ولا يعنيهم منه شيء، فإذا قُتل وأراد مريدٌ الإخبار بذلك، فإنه قدم ذكر الخارجي، فيقول: قتل الخارجيَّ زيد، ولا يقول: قتل زيدٌ الخارجيَّ، لأنه يعلم أن ليس للناس في أن يعلموا أن القاتل له، زيدٌ، جدوى وفائدة فيعنيهم ذكره ويهمهم ويتصل بمسرتهم، ويعلم أن حالهم أن الذي هم متوقعون له ومتطلعون إليه: متى يكون وقوع القتل بالخارجي المفسد، وأنهم قد كَفوا شرّه وتخلّصوا منه". ثم قال: "فإن كان رجل ليس له بأس ولا يقدّر فيه أن يقتل رجلاً، وأراد المخبر أن يَخبر بذلك، فإنه يقدم ذكر القاتل فيقول: قتل زيد رجلاً، ذلك لأن الذي يعنيه ويعني الناس من شأن هذا القتل طرافته وموضع الندرة فيه، وبعده كان من الظن، ومعلوم أنه لم يكن نادراً وبعيداً من حيث كان واقعاً بالذي وقع به، ولكن مِنْ حيث كان واقعاً من الذي وقع منه، فهذا جيد بالغ". وقد خلص الجرجاني من حديثه إلى القول: "إلا أن الشأن في أنه ينبغي أن يعرف في كل شيء قدِّم في موضع من الكلام مثل هذا المعنى، ويفسَّر وجه العناية فيه هذا التفسير. وقد وضع في ظنون الناس أنه يكفي أن يقال: أنه قدَّم للعناية ولأن ذكره أهم، من غير أن يذكر من أين كانت تلك العناية، ولمَ كان أهمَ، ولتخيلهم ذلك قد صَغُر أمر التقديم والتأخير في نفوسهم، وهوَّ نوا الخطب فيه، حتى أنك لترى أكثرهم يرى تتبعه والنظر فيه ضرباً من التكلف، ولم تر ظناً أزرى على صاحبه من هذا وشبهه /84 و85". وتدبَّر نضج الجرجاني في تقديم المفعول من قوله تعالى:"وجعلوا لله شركاء الجنّ –الأنعام /100"، إذ قال: "ليس بخافٍ أن لتقديم الشركاء حسناً وروعة ومأخذاً من القلوب، أنت لا تجد شيئاً منه ان أنت أخّرت فقلت: وجعلوا الجن شركاء لله، وأنك ترى حالك حال من نقل الصورة المبهجة والنظر الرائق والحسن الباهر، إلى الشيء الغفل الذي لا تحلى منه بكثير طائل، ولا تصير النفس به إلى حاصل"، وأردف: "والسبب في أن كان كذلك هو أن للتقديم فائدة شريفة ومعنىً جليلاً، لا سبيل إليه مع التأخير". وقد أوضح ذلك فقال" :وبيانه أنا وإن كنَّا نرى جملة المعنى ومحصوله أنهم جعلوا الجن شركاء، وعبدوهم مع الله تعالى، وكان هذا المعنى يحصل مع التأخير حصوله مع التقديم، فإن تقديم الشركاء يفيد هذا المعنى، ويفيد معه معنى آخر، وهو أنه ما كان ينبغي أن يكون لله شريك لا من الجن ولا من غير الجن. وإذا أخر فقيل: جعلوا الجنَّ شركاء له، لم يُفد ذلك، ولم يكن فيه شيء أكثر من الأخبار عنهم بأنهم عبدوا الجن مع الله تعالى، فأما أن يُعبد مع الله غيره، وأن يكون له شريك من الجن وغير الجن فلا يكون في اللفظ مع تأخير الشركاء دليل عليه –221 /222". *** أقول هذا ما بدا لنا بسط الكلام فيه على (الجملة الفعلية والجملة الاسمية)، وتأكيد صحة مذهب النحاة في هذه القسمة، والرد على من أخذ عليهم ذلك من علماء العصر، وما جاء به الإمام الجرجاني في الكشف عن دقائق النظم وأسراره وتحليل بناه وتأييد على اللغة الحديث لصائب فكره وثاقب نظره في هذا الاتجاه، وسنعد مقالاً لما انتحاه هذا العلم في مناصرة مذهب الجرجاني، ومن الله العون. مسرد بمصادر البحث: 1-مغني اللبيب عن كتب الأعاريب لابن هشام الأنصاري. 2-دلائل الإعجاز لأبي بكر عبد القاهر الجرجاني. 3-مجلة مجمع اللغة العربية بالقاهرة –الجملة الفعلية لعلي الجارم _ج –27، عام 1953). 4-نحو الفعل للدكتور أحمد عبد الستار الجواري. 5-مجلة الفيصل –تكامل العناصر الأساسية في اللغة العربية للدكتور محمد خير الحلواني (العدد –37، عام 1980).
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |