 
15-09-2019, 06:47 PM
  
 | 
  | 
 قلم ذهبي مميز 
 | 
  | 
تاريخ التسجيل: Feb 2019 
مكان الإقامة: مصر 
الجنس :     	
المشاركات: 165,200
 
الدولة :   
  					     
 
 | 
 
 
 | 
 
شروط التربية
 
 
 
 			 				 					شروط التربية 
 عبد الحميد البلالي 
 
للتربية شروط كثيرة يختلف العلماء ، والدعاة عليها ، نقتطف من كلماتهم ، ومواقفهم أهم تلك الشروط ، وهي :  
    
  1- الانتباه لخطورة النفس : 
  فالنفس  أمارة بالسوء في أصلها ، والسوء كلمة  عامة  ، تشمل كل ما يغضب الرحمن ، وما  نهى عنه ، فلذلك كانت أول شروط  التربية  هذا الانتباه ، والحذر لخطورة هذه  النفس ، التي بين جوانحنا ،  وعدم  التراخي في هذا الانتباه . 
  وفائدة  هذا الانتباه ، والحذر منه ، أنه يقلل   الوقوع بما لا يريد المولى - عز وجل  - من السوء ، و إنما يقع الزلل بسبب   غفلة عن خطورة هذه النفس،هذا ما  استوعبه أحد الحكماء، فقال لمن بعده : "   من توهم أن له ولياً أولى من الله ،  قلت : معرفته بالله ، ومن توهم أن له   عدواً أعدى من نفسه  قلت معرفته ،  بنفسه " ، فيكون على استعداد دائم   لأعدائه من البشر ، و ما خلق الله من  شرار الدواب ، وينسى الاستعداد ،   والانتباه لأقرب أعدائه إليه . 
   
  2- استرداد دولة العقل :    
  إن  الذي يميز آدم على باقي المخلوقات ، ما حباه   الله من العقل الذي يميز فيه  بين الضار ، والنافع  فعندما يعطل عقله ،   يفقد التمييز بين ما يضره ، وما  ينفعه ، ويكون عرضة للتحكم فيه من شرار ما   خلق الله - تعالى - و لو حكم  الناس عقولهم فيما يعرض عليهم من الأمور ،   لما أقدم أحد منهم على معصية ،  ولكنهم يحكمون أهواءهم ، ويجمدون عقولهم ،   فيقعون بالمحذور ، ولمثل هؤلاء  يقول الإمام ابن القيم : "  لو خرج عقلك  من  سلطان  هواك ، عادت الدولة له " ، وكأن هناك غزواً قد تم على مملكة  العقل  من نومته  ، ولم يرض بذل الأسر ، فتمرد ، وقام بانقلاب على الهوى ،  استعاد  به هيمنته  على دولته المسلوبة ، وأنه لا يمكن أن تنجح العملية  التربوية ،  في قوم لا  يحكمون عقولهم فيما يعرض عليهم من فتن الدنيا .  
   
  3- شد الرحال إلى القلوب :  
  و  عندما يجد القلب خطورة النفس ، ويلتفت إلى  عدوه  القريب ، لا بد أن يدرك أن  هذه النفس لا يمكن أن ينجح معها علاج ،  دونما  الالتفات إلى المضغة التي "  إذا صلحت ، صلح الجسد كله  وإذا فسدت  فسد  الجسد كله ، ألا وهي القلب " كما  صح في الحديث الشريف ، فيشد الرحال  له  ليبدأ عملية الإصلاح ، والتنقية . 
  يقول  محمد بن الفضل البلخي " العجب ممن يقطع   الأودية ، و المفاوز ، والقفار ،  ليصل إلى بيته وحرمه ، لأن فيه آثار   أنبيائه ، كيف لا يقطع نفسه ، وهواه ،  حتى يصل إلى قلبه ، لأن فيه آثار   مولاه " . 
   
  4- التنقية الكاملة : 
  يقول النبي صلى الله عليه و سلم : ( لأن يمتلئ جوف أحدكم قيحاً ، حتى يريه ، خير له من أن يمتلئ شعراً    ) . " فبين أن الجوف يمتلئ بالشعر ، فكذلك يمتلئ بالشبه في الشكوك ،    والخيالات والتقديرات التي لا وجود لها ، والعلوم التي لا تنفع ،    والمفاكهات ، والمضحكات والحكايات  ونحوها . 
  و  إذا امتلأ القلب بذلك ، جاءته حقائق القرآن ، و   العلم الذي به كماله ،  وسعادته ، فلم تجد فيه فراغاً لها ، و لا قبولاً ،   فتعدته ، وجاوزته إلى  محل سواه ، كما إذا بذلت النصيحة لقلب ملآن من  ضدها  ، لا منفذ لها فيه ،  فإنه لا يقبلها ، ولا تلج فيه ، لكن تمر مجتازة  ، لا  مستوطنة ، و لذلك قيل : 
   نزه فؤادك من سوانا تلقنا *** فجنابنا حل لكل منزه     
  و  حتى يظهر فعل العملية التربوية ، لا بد من   تطهير لهذه المضغة ، لكل ما  يخالف كلمات الوحي فإن هذه الكلمات لا تقبل   الخلطة ، والذوبان بما يعارضها  من الكلمات ، وغيرها ، وهي ليست كسواها من   الكلمات ، فإنها لا ترضى  الاستقرار إلا في مكان طاهر ، يليق بقدسيتها ،   وعملية التنقية هذه عملية  شاقة ، قد تأخذ أمداً طويلاً من عمر الإنسان ،   وهي بذاتها " المجاهدة " ،  أو "التزكية "، و التي يعقبها الفلاح - بإذن   الله تعالى - ؛ ذلك لأن هذه  العملية لا تتم بحركة ميكانيكية كإخراج شيء ما   من وعاء ، وإدخال شيء مكانه ،  بل هي معارك مع النفس ، والهوى والشيطان و   زينة الدنيا ، وجميع جوا ذب  الأرض ، و جنود إبليس ، وفي كل عملية تنقية و   إحلال ، تحدث معارك مع هؤلاء  الأعداء ، ومجاهدة ، و على مقدار الهمم   ،والعزيمة ، و الثبات ، يتم النصر  وتنجح عملية التنقية ، و إلا فالهزيمة   المؤكدة ، التي يعقبها سيطرة الغزاة  على القلب ، فيمتد الران ، ليغطي سائر   القلب ، فتعمى البصيرة ، و تضطرب  الموازين ، فلا يعرف صاحب ذلك القلب   معروفاً ، ولا ينكر منكراً ، إلا ما  أشرب من هواه . 
   
  و  عملية التنقية هذه لا تنجح ، حتى لا يبقى شيء   في هذا القلب لغير الله ،  لأن كلمات الوحي لا ترضى بمجاورة كلمات الباطل ،   وفي هذا يقول الإمام عبد  الله بن المبارك : " لو أن رجلاً اتقى مئة شيء ،   و لم يتق شيئاً واحداً ،  لم يكن من المتقين ، ولم تورع عن مئة شيء ، و  لم  يتورع عن شيء واحد ، لم  يكن ورعاً ، ومن كان فيه خلة من الجهل ، كان  من  الجاهلين ، أما سمعت الله  تعالى قال لنوح عليه السلام ، لما قال { إن ابني من أهلي } ، فقال الله تعالى لا : { إني أعظك أن تكون من الجاهلين } . 
   
  5- الاستقامة و الثبات على الجادة :  
  و  عملية التنقية للقلب لا بد أن تستمر ، ولا   تتوقف ، حتى يتم تنظيف كامل  للقلب ، فإن التوقف و الفتور يعطي فرصة للعدو   القريب المتربص ـ وهو النفس ـ  بالانقضاض ، وتسديد سهام الهوى و الذي  يعقبه  الأسر ، والمهانة والذل . 
  و لقد مدح الله تعالى المستقيمين بقوله : { إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا و لا تحزنوا و ابشروا بالجنة التي كنتم توعدون }  
  و قد أمر الله تعالى نبيه بالاستقامة على الجادة ، لتنجح عملية التنقية ، فقال : { فاستقم كما أمرت و من تاب معك و لا تطغوا إنه بما تعملون بصير }  
  و  هكذا طبقها الصحابة رضي الله عنهم ، وفهموها ،   يقول أمير المؤمنين عمر رضي  الله عنه : " الاستقامة أن تستقيم على الأمر  ،  والنهي ، و لا تروغ  روغان  الثعلب " . 
   
  6- الحذر من خاتمة الطريق : 
  و  تذكر الخاتمة ، والحذر من خاتمة السوء ، ضروري   في العملية التربوية ،  ليكون بمثابة الحافز المحرك نحو عملية التنقية   الدائمة ، ولاستقامة ،  والثبات على الجادة ، فكلما تذكر الخاتمة ، خاف   فوات الوقت ، وبادر  بالتنقية ، حتى لا تدركه الخاتمة ، وهو ما يزال يعاني   من بقايا من الأدران  لم ينتشلها بعد . 
  "  لحظات الخاتمة هي التي أقضت مضاجع القوم ،   فحرمتهم النوم الهانئ ، والعيش  الهادئ و لم يغتروا بعبادتهم مع كثرتها ، و   لا بصلواتهم مع خشوعها ، ولا  كثرة ما أهلكوا من أموالهم في سبيل الله ،   ولا كثرة صيامهم في الهواجر ،  وقيامهم بالثلث الأخير من الليل ، وهم   يسمعون قول نبيهم صلى الله عليه وسلم  : " إنما الأعمال بالنيات بخواتيمها "   ، فيزيدهم ذلك خوف من الله  . 
  
   				   			   		
 
 
__________________ 
 سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك  فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.  
  
 
 |