|
|||||||
| ملتقى الشباب المسلم ملتقى يهتم بقضايا الشباب اليومية ومشاكلهم الحياتية والاجتماعية |
|
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
|
#2
|
||||
|
||||
|
حاجة الدعوة إلى البذل والتضحية عبد الحكيم بن محمد بلال لا تقوم الدعوات إلا بالتضحيات: باستقراء الحقائق، ومعرفة الواقع يتبين للبصير ما يلي: 1- كل دعوة لا تنتشر إلا بجهود أتباعها، ودين الإسلام لم ينتشر براحة الأبدان وسلامة النفوس. 2- تتسع الثغرات على الدعوة الإسلامية يوماً بعد يوم، وتكثر المجالات الشاغرة التي تفتقر إلى من يقوم بها. 3 - يتزامن مع هذا قلة الموارد، وجفاف المنابع، وضيق ذات الدعاة مما يُخشى أن يشكل خطراً على بعض الدعاة وكثيراً من البرامج. 4 - هذا الواقع الصعب يواجه أفراداً ممن عرفوا واجبهم ورأوا خطورة الأمر في حين أنه يحتاج إلى اجتماع الجهود واستعداد كل داعية غيور بالجود والتضحية. 5 - وفي المقابل تزداد جهود أهل الباطل قوة، وتزداد مخططاتهم دقة، وتتعدد أنشطتهم لتشمل شتى الجوانب. ونجد هنا شكوى عمر - رضي الله عنه - المُرَّةَ ماثلةً: "اللهم إني أشكو إليك جَلَدَ الفاجر وعجز الثقة"، ولا يرفع هذا الواقع إلا الصدق مع الله، ودليل الصدق الاستعداد مع البذل والتضحية في كل جانب تحتاج إليه الدعوة في وقت كهذا، وهو الوقت الذي يعظم فيه الأجر ويزداد فيه الفضل، وشتان بين من يضحي وهو يرى ثمرة الجهد وتلوح له أمارات النصر، وبين من يضحي وقد غابت عن ناظريه أمارات النصر ودلائل التمكين، قال الله - عز وجل - : (لا يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الفَتْحِ وقَاتَلَ أُوْلَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِّنَ الَذِينَ أَنفَقُوا مِنْ بَعْدُ وقَاتَلُوا وكُلاًّ وعَدَ اللَّهُ الحُسْنَى واللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) [الحديد: 10]. موانع الجود والتضحية: إن للتخاذل أسباباً أساسها ضعف الإيمان، وبرود اليقين، ومردها إهمال التربية أو ضعفها، وإن كان كثير منها يعود إلى الشح بالمال، لكنها تحتمل وجوهاً أخرى إضافة إلى أسباب أخرى عامة، منها: 1 - طول الأمل. 2 - التفات القلب إلى الولد. وهو يقوم مقام طول الأمل عند كثير من الناس؛ لأنه يحمل على الجبن والبخل والحزن، لأن ((الولد مجبنة، مبخلة))(12). 3 - فتنة الأزواج. 4 - الركون إلى الدنيا، وكونها الهمَّ والشغل الشاغل، وإيثار الدعة والراحة. 5 - حب الشهوات التي لا وصول إليها إلا بالمال. 6 - حب عين المال، والسعي للغنى والهروب من الفقر بلا نية صالحة. 7 - تزعزع القناعة، والثقة، وسلامة الطريق الذي يسير عليه. 8 - انعدام الجدية، ودنو الهمة، والعجز والكسل. 9 - الانشغال بالتضحية من أجل أهداف ومصالح شخصية. 10 - الوصول إلى بعض الأهداف الدنيوية لنيل شهرة، أو تحصيل جاه أو شرف، أو منصب، يكون نهاية الجهد والعمل(13). 11 - ضعف معرفة الواقع، وضخامة حاجة الدعوة، وجهود الأعداء، أو الجهل بذلك. 12 - الشعور بالأثرة، وحب النفس. وبعض هذه الأسباب كافٍ في تحطيم الداعية، وتسبيط همته على البذل والتضحية. بواعث الجود والتضحية: يحصل بعث النفس على التضحية بأمور هي في حقيقتها علاج للعلل المانعة منها؛ وذلك بالأمور الآتية: 1- دفع كل علة من العلل السابقة بما يضاد سببها؛ فعلاج حب الشهوات: القناعة والصبر، وعلاج طول الأمل: كثرة ذكر الموت، وعلاج التفات القلب إلى الولد: اليقين بتكفل الله - عز وجل - برزقه ورعايته، وعلاج حب المال: تعميق محبة الله في القلب، ومحاولة بذل القليل إضعافاً لمحبة المال. 2 - معرفة حقيقة الابتلاء بالنعم، وأن لله - تعالى - في كل نعمة شكراً يليق بها؛ فالصحة لها شكر يناسبها، وكذا الوقت والجاه والقوة والذكاء والمال، وأن كلاً منها منحة وعطية ورعاية من الله - عز وجل - لينظر الله أعمالنا، ويظهر الشاكر من الكفور. قال الله - عز وجل - : (وهُوَ الَذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الأَرْضِ ورَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ إنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ العِقَابِ وإنَّهُ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ) [الأنعام: 561]. 3 - تذكُّر بعض الحقائق المتصلة بالإنفاق، ومنها: أ - أن ما قدمه الإنسان فلنفسه، فهو المستفيد منه حقاً. ب - أن مال الإنسان حقيقة هو ما أنفقه في حياته، أما ما تركه فهو مال الورثة، كما في الحديث(14). ج - أن إخراج ما زاد على حاجة الإنسان هو الخير له، ((يا ابن آدم إنك أن تبذل الفضل خير لك، وأن تمسكه شر لك... ))(15). د - أنه يمكن للإنسان أن يكفيه القليل من المال، فما حاجته إلى الباقي؟ هـ - أنه لا حق للعبد في مال زاد عن حاجته في وقت اشتداد الحاجة، كما في الحديث أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((من كان له فضل ظهر فليعد به على من لا ظهر له، ومن كان له فضل من زاد فليعد به على من لا زاد له)). قال أبو سعيد الخدري: "فذكر من أصناف المال ما ذكر حتى رأينا أنه لا حق لأحد منا في فضل"(16). 4 - معرفة منزلة الإنفاق وفضله وفوائده، ومنها: أ - أن الله يُخْلِفُ له ما أنفق، قال - تعالى -: (وَمَا أَنفَقْتُم مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ) [سبأ: 39]، مع أنه في الحقيقة هو الباقي عند الله - تعالى - في الآخرة. ب - أنه - عز وجل - يبارك فيما بقي، ومن أصدق الأدلة المحسوسة: أن الله بارك في أوقات العلماء الصادقين فعملوا ما يصعب تصوره في الحسابات المادية، وبارك في أقوالهم وأفعالهم وكتبهم؛ فبلغت مبلغاً من النفع والأثر ما لم يخطر لهم على بال مما يكاد ألاَّ يتصوره غيرهم، وقد كانوا عظيمي التضحية بأوقاتهم وعلومهم. قال - عز وجل - : (الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الفَقْرَ ويَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاءِ واللَّهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مِّنْهُ وفَضْلاً واللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ) [البقرة: 268]. 5- معرفة واقع المسلمين وحاجاتهم، وخطط الأعداء وجهودهم، والتقصير الحاصل في فروض الكفايات، مما يزيد الواجب وجوباً على أهل الكفاية والغنى والمواهب والقدرات. 6 - التعود على تقديم القليل حال الفقر والحاجة، وبشكل أخص في أوقات الشدائد والأزمات، التي تكثر فيها حاجات الدعوة، وتستدعي مزيداً من التضحيات. دلائل الجود والتضحية وثمراتهما: 1 - كمال الإيمان: وذلك لأن التضحية شعبة من شعبه، يزيد بها الإيمان، وينقص بتركها، وقد قال - صلى الله عليه وسلم -: ((من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه))(17). 2 - حصول شرف التأسي بالنبي - صلى الله عليه وسلم -، وهي أمارة أيضاً على قوة الإيمان لقوله - عز وجل - : (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ والْيَوْمَ الآخِرَ وذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً). [الأحزاب: 21]. 3 - عدم الركون إلى الدنيا، والتعلق بالآخرة، وهو طريق سعادة العبد. 4 - تحصيل قناعة القلب وغنى النفس، وهو الغنى الحقيقي؛ لارتباط صاحبه بربه - عز وجل - . 5 - ضمان الخلف لما أنفق، وحصول البركة لما بقي. وقد جاء في الحديث: ((ما من يوم يصبح العباد فيه إلا ملكان ينزلان، يقول أحدهما: اللهم أعطِ منفقاً خلفاً، ويقول الآخر: اللهم أعط ممسكاً تلفاً))(18). وهو مفهوم القاعدة المشهورة: من ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه، وأمثلتها في القرآن كثيرة: - هجر إبراهيم - عليه السلام - قومه واعتزالهم فعوضه الله الذرية الصالحة. - وضحَّى يوسف - عليه السلام - بالشهوة فعوضه الله بالملك يتمتع بالمباحات. - وضحَّى أهل الكهف بالراحة فعُوِّضوا بالراحة الأعظم، وكانوا سبباً لهداية الضالين. - والمهاجرون تركوا أوطانهم وأهلهم فعوضهم الله بالرزق والعز والتمكين، وجمع شملهم بعد فرقة. وهكذا.. فكل من ترك ما تهواه نفسه وضحى به لله - تعالى -، وجاد به في سبيله لرفعه كلمته عوضه الله من محبته وعبادته والإنابة إليه ما يفوق لذَّات الدنيا كلها(19). 6 - ما يترتب على التضحية والجهود المبذولة من ثمرات ومنافع وهداية لا تخطر ببال صاحبها، ولا يعلم مداها إلا الله - تعالى -، مصداق حديث النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً))(20). وختاماً: فما دامت الدعوات لا تقوم إلا على التضحيات فقد أدرك كل واحد من الدعاة ما يجب عليه. وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين،،، الهوامش: (1) انظر: المعجم الوسيط، مادة (ضحي). (2) والتضحية كما تكون بالبذل تكون أيضاً بالكف والتراجع عن بعض المواقف والمكاسب لتحقيق مكاسب أخرى أكبر وأهم كما سيأتي. (3) انظر المدارج، (2/279، 282). (4) رواه ابن ماجه، (ح/ 4228)، وانظر صحيح سنن ابن ماجه، (ح /3406). (5) خواطر في الدعوة، للصبّاغ، (ص 145). (6) تفسير السعدي، (ص 805). (7) رواه البخاري (ح/ 6). (8) رواه مسلم، (ح/ 1056). (9) رواه مسلم، (ح/1056). (10) رواه البخاري، (ح/ 6072). (11) وهذه الصور الأخيرة من التضحية تدل على أن التضحية قد تكون بالكف والترك والتراجع عن بعض المواقف، وترك بعض المصالح لكسب مصالح أكبر منها وأعظم، وهذا من مواقف الحكمة. (راجع الرسالة السابقة في الحكمة). (12) أخرجه أحمد (4/172)، وانظر: صحيح الجامع، (ح/7160، 2/ 1202). (13) راجع الرسالة التاسعة (الرغبة في الصدارة والتطلع للأمارة) من هذه الرسائل. (14) الحديث رواه البخاري، (ح/ 2446)، وفي آخره: ((فإن ماله ما قدم، ومال وُرَّاثه ما أخر)). (15) رواه مسلم، (ح/ 1036). (16) رواه مسلم، (ح/ 1354). (17) رواه البخاري، (ح/ 8316). (18) متفق عليه (خ/ 142، م/1010). (19) انظر: مجتنى الفوائد الدعوية والتربوية من مؤلفات السعدي، (ص 90). (20) رواه مسلم، (ح/ 2674)
__________________
|
| الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |