|
الملتقى الاسلامي العام مواضيع تهتم بالقضايا الاسلامية على مذهب اهل السنة والجماعة |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
|
#1
|
||||
|
||||
![]() القيامة والظهور اللواء المهندس أحمد عبدالوهاب علي لقد انتهينا من دراسة قضية الصَّلب، وهي واحدة من أخطر القضايا المسيحية؛ باعتبارها صارت ركيزةً من ركائز العقيدة التي تبناها بولس، وصار لها السيادة فيما بعد، ولم تكن على الإطلاق من وصايا المسيح ولا من رسالته، وماذا رأَينا فيها؟ رأينا أنَّ هذه المصادر المسيحية - وهي الأناجيل - قد اختلفَت تمامًا في كلِّ جزئية تتعلق بموضوعات الصَّلب، وقلنا من قبلُ: إننا نتبع في دوائرنا القضائية في كلِّ بلد من بلاد العالم، أنه عندما تختلف شهادة الشهود، تُرفض على الفور شهاداتهم. كذلك فإن السِّمة الواضحة والعامل المشترك بين هذه المصادر المسيحيَّة شيء واحد؛ هو أن كل ما كُتب قام على ظن، وعلى تناقض؛ يتناقض بعضُه مع بعض، وينقُض بعضه بعضًا. وقد عبَّر القرآن الكريم عن هذه الحالة في آية من آياته، وذلك مِن معجزات القرآن؛ فقد قال: ﴿ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا ﴾ [النساء: 157]. لقد وجدنا أن كل ما كتب وخاصة ابتداء من قضية الصَّلب وملحَقاتها، وهي القيامة والظُّهور، قد اختَلف فيه كتَبةُ الأناجيل جميعًا من الألف إلى الياء. ونبدأ الآن في دراسة قضية القيامة التي تقول - وفق التعليم المسيحي -: إنَّ المسيح صُلب ومات ودفن، وقام في اليوم الثالث، وبعد ذلك ظهر لبعض الناس. ولقد عرفنا كما سبق أنَّه لم يُدفن في الأرض ثلاثة أيام وثلاث ليالٍ، كما قالت الأناجيل؛ إذ إن المصلوب دفن في الأرض لمدة يوم واحد وليلتين على أحسنِ الفروض. القيامة: بدأت رواياتُ قيامة المسيح من الأموات وظهوره بعد الموت تنتشر ببطءٍ شديد وسطَ المجموعة المسيحيَّة الأولى؛ بسبب إنكار تلاميذه وحواريِّيه - وعلى رأسهم بطرس - لتلك الروايات، وشكهم فيها، وعدم إيمانهم بوجود أدنى صلةٍ بين رسالة المسيح الحقَّة التي تلقَّوها من معلِّمهم، وبين فكرة القيامة من الأموات هذه التي صارت واحدةً من ركائز العقائد المسيحيَّة؛ من أجل ذلك تأخَّر الإعلان عن قيامة المسيح وظهوره سبعة أسابيع، فلم يُذع خبرها بين عامَّة المسيحيِّين إلا بعد 50 يومًا، كما تقول رسالة الأعمال التي سطَّرها "لوقا" بعد أكثرَ من 60 عامًا من رفع المسيح. وإذا كان هذا هو مجملَ حديث القيامة، كما سجَّلته الأناجيل، فمِن الواجب ألا يغيب عن البال - كما يقول جورج كيرد -: "إنَّ أول شهادة عن القيامة لم تعطها الأناجيل، لكنها جاءت من رسائل بولس، وعلى وجه الخصوص رسالته الأولى إلى أهل كورنثوس (الإصحاح 15) التي كتبت قبل أقدم الأناجيل بعشر سنوات على الأقل؛ ففي هذا الإصحاح نجد بولس يقتبس تعليمًا تسلَّمه من أولئك الذين كانوا مسيحيين قبله"[1]. ولقد رأينا أنَّ ما تقوله الأناجيلُ عن صَلب المسيح وما امتلأَت به من اختلافات ومتناقِضات يَكفي لرفضها، وبالتالي كان ذلك مبرِّرًا كافيًا لرفض ما قام على الصلب؛ وهو القيامة والظهور، ومع ذلك فلسوف نتَّجه إلى الأناجيل لنناقش من خلالها قضيَّة القيامة والظهور بعناصرها الرئيسية: زيارة النساء للقبر: يقول مرقس: "بعدما مضى السبت اشترت مريم المجدليَّة ومريم أمُّ يعقوب وسالومة حنوطًا ليأتين ويدهِنَّه، وباكرًا جدًّا في أول الأسبوع أتينَ إلى القبر إذ طلعَت الشمس وكنَّ يقُلن في أنفسهن: من يدحرج لنا الحجر عن باب القبر؟! فتطلَّعنَ ورأينَ الحجر قد دحرج؛ لأنه كان عظيمًا جدًّا. ولما دخلن القبر رأين شابًّا جالسًا عن اليمين، لابسًا حلَّة بيضاء فاندهَشن، فقال لهن: لا تندهِشن، أنتنَّ تطلبن يسوع الناصريَّ المصلوب! قد قام، ليس هو ههنا، هو ذا الموضع الذي وضَعوه فيه، لكن اذهبن وقلن لتلاميذه ولبطرس: إنه يسبقكم إلى الجليل، هناك ترونه كما قال لكم. فخرَجن سريعًا، وهربن من القبر؛ لأن الرِّعدة والحيرة أخذَتهن، ولم يقلن لأحد شيئًا؛ لأنهن كنَّ خائفات"؛ (16: 1 - 8). يقول نينهام: "إنَّ الدافع المقترَح لهذه الزيارة يدعو على أيِّ حال إلى الدهشة، وإذا صرفنا النظر عن التساؤل الذي أثير (عمَّن يدحرج الحجر) فمن الصعب أن نثق في أن الغرض من زيارة النسوة كان دهانَ جسم إنسان انقضى على موته يومٌ وليلتان. إنَّ أغلب المعلِّقين يردِّدون ما يقوله مونتفيوري من أنَّ السبب الذي تُعزى إليه هذه الزيارة غيرُ محتمل ألبتة. وفي الواقع نجد أنَّه حسب رواية القدِّيس مرقس؛ فإنَّ جسد يسوع لم يُدهن أبدًا بعد الموت، خلافًا لما جاء في (يوحنا 19: 40) الذي يقول: "فأخذا - يوسف ونيقوديموس- جسدَ يسوع ولفَّاه بأكفانٍ مع الأطياب، كما لليهود عادة أن يكفنوا". إن كثيرًا من القرَّاء سيتَّفقون في الرأي مع ما انتهى إليه فنسنت تيلور من أنه: من المحتمل أن يكون وصفُ مرقس محضَ خيال؛ إذ إنه يصوِّر لنا في وصفه بما يعتقد أنه حدث"[2]. وقد انفرد متَّى بما ذكره عن طلب اليهود من الحاكم الروماني بيلاطس أن يرسل حراسًا لضبط القبر، فاستجاب لهم، "فمضوا وضبَطوا القبر بالحراس، وختموا الحجر". بعد ذلك تكلَّم عن زيارة النساء للقبر بصورة مختلفة، فقال: "وبعد السبت عند فجر أول الأسبوع جاءت مريم المجدلية ومريمُ الأخرى؛ لتنظرا القبر، وإذا زلزلةٌ عظيمة حدثت؛ لأن ملاك الرب نزل من السماء، وجاء ودحرج الحجر عن الباب، وجلس عليه، وكان منظره كالبرق، ولباسه أبيض كالثلج. فأجاب الملاك وقال للمرأتين: لا تخافا؛ اذهبا سريعًا قولا لتلاميذه: إنه قام من الأموات. فخرجَتا سريعًا من القبر بخوف وفرح عظيم راكضتين؛ لتخبرا تلاميذه"؛ (28: 1 - 8). ويقول جون فنتون: "إن حدوث الزلزلة، ونزولَ الملاك من السماء، ودحرجة الحجر بعيدًا، وخوف الحراس، كلها إضافات من عمل متى. كذلك نجد في إنجيل مرقس أن النساء لا تُطعن الرسالة، أما في متَّى فإنهن يطعنها (فيُخبرن التلاميذ بالقيامة)"[3]. ويقول لوقا: "في أول الأسبوع أول الفجر أتين إلى القبر حاملاتٍ الحنوط الذي أعدَدنه ومعهنَّ أناس، فوجَدن الحجر مدحرَجًا عن القبر، فدخلن ولم يجدن جسدَ الرب يسوع. وفيما هن محتاراتٌ في ذلك إذا رجلان وقفا بهنَّ، بثيابٍ براقة، وإذْ كنَّ خائفات ومنكِّسات وجوههن إلى الأرض قالا لهن: ليس هو ههنا، لكنه قام، اذكُرن كيف كلَّمَكن وهو بعدُ في الجليل! فتذكَّرن كلامه ورجَعن من القبر وأخبرن الأحد عشر الباقين بهذا كلِّه، وكانت مريمُ المجدلية ويونا ومريم أم يعقوب والباقيات معهن اللواتي قُلن هذا للرسل"؛ (24: 1 - 10). ويقول جورج كيرد: "إن قصة لوقا عن القبر الخالي تَسير بمحاذاة مرقس، لكنها تختلف عنها في أربع نقاط: فبينما يَذكر مرقس شابًّا واحدًا عند القبر، نجد لوقا يذكر رجلين. وحسبما جاء في (مرقس 16: 17) قيل للنسوة: اذهَبن وقلن لتلاميذه ولبطرس: إنه يسبقُكم إلى الجليل هناك ترونه كما قال لكم. لكن لوقا يشير بدلاً من ذلك إلى تعليم سبقَ إعطاؤه في الجليل؛ ذلك أنه حسب مصدر المعلومات الذي استقى منه لوقا فإن ظهور (المسيح) بعد القيامة لم يحدث في الجليل، لكنه حدث فقط في أورشليم وما حولها. كذلك نجد حسب رواية مرقس أن النسوة قد حمِّلن برسالة فشلن في توصيلها؛ لأنهن كن خائفات، بينما يخبرنا لوقا أنهن قدمن تقريرًا كاملاً عما رأينه وسمعنه إلى التلاميذ الآخرين. وأخيرًا فإن قائمة الأسماء مختلفة؛ إذ إن لوقا يذكر يونا بدلاً من سالومي التي ذكرها مرقس"[4]. أما رواية يوحنا عن القيامة، فإنها مختلفة عما روته الأناجيل الثلاثة في عناصرها الرئيسية؛ ذلك أن يوحنا يقول: "في أول الأسبوع جاءت مريم المجدلية إلى القبر باكرًا والظلام باقٍ، فنظرت الحجر مرفوعًا عن القبر. فركضَت وجاءت إلى سمعان بطرس وإلى التلميذ الآخر الذي كان يسوع يحبه وقالت لهما: أخذوا السيد من القبر ولسنا نعلم أين وضعوه. فخرج بطرس والتلميذ الآخر وأتيا إلى القبر، وكان الاثنان يركُضان معًا. فسبق التلميذ الآخر بطرس وجاء أولاً إلى القبر، وانحنى فنظر الأكفانَ موضوعةً، ولكنه لم يدخل، ثم جاء سمعان بطرس يتبعه، ودخل القبر ونظر الأكفان موضوعة، والمنديل الذي كان على رأسه ليس موضوعًا مع الأكفان، بل ملفوفًا في موضع وحدَه، فحينئذٍ دخل أيضًا التلميذ الآخر الذي جاء أولاً إلى القبر ورأى، فآمن؛ لأنهم لم يكونوا بعد يعرفون الكتاب أنه ينبغي أن يقوم من الأموات. أما مريم، فكانت واقفة عند القبر خارجًا تبكي، فنظرَت ملاكين بثياب بِيض جالسَين واحد عند الرأس والآخر عند الرِّجلين؛ حيث كان جسد يسوع موضوعًا"؛ (20: 1 - 10). اختلاف الأناجيل في روايات الزيارة: من الواضح أنَّ هناك اختلافًا بين ما ترويه الأناجيلُ عن زيارة النساء للقبر وملابساتها، كما يتضح مما سبق، بالإضافة إلى الآتي: 1- يذكر مرقس أن توقيت زيارة النِّساء للقبر كان بعد طلوع الشمس، بينما يقول الآخرون: إن الزيارة كانت قبل طلوعها؛ فهي في متى ولوقا: عند الفجر، وفي يوحنا: والظلام باقٍ. 2- يذكر مرقس أن الزائرات كن ثلاث نسوة، لكن متى يذكر اثنتين فقط، بينما يقول لوقا: إنهن كنَّ جمعًا من النساء، أما يوحنا فيجعل بطلة الزيارة هي مريم المجدلية بمفردها التي تذهب لتحضر معها بطرس ويوحنا (التلميذ المحبوب). ولا يتفق كتبة الأناجيل على شيء من العناصر الرئيسية لقصة الزيارة قدر اتفاقهم على جعل مريم المجدلية في موضع الصدارة بين الزائرات، حتى إن يوحنا يجعلها الزائرة الوحيدة. ولذلك صارت مريم المجدلية - التي أخرَج منها المسيح سبعة شياطين - هي المصدر الرئيسيَّ لكل ما قيل عن قيامة المسيح من الأموات. 3- وعند القبر رأت النساء شابًّا جالسًا عن اليمين، لابسًا حلة بيضاء؛ حسب مرقس، بينما هو في متى: "ملاك الرب، وكان منظره كالبرق، ولباسه أبيض كالثلج"، أما في لوقا: "رجلان بثياب براقة"، وفي يوحنا: "ملاكين بثياب بيض جالسين واحد عند الرأس، والآخر عند القدمين". هذا، ولقد أضاف الأستاذ إبراهيم خليل أحمد إلى ما سبق بيانه بخصوص قضية القيامة التي اختلفَت فيها الأناجيل اختلافًا يكفي لرفض شهاداتها جميعًا، قوله: لقد انفرد إنجيل متى بقوله: "في الغد الذي بعد الاستعداد اجتمع رؤساء الكهنة والفريسيون إلى بيلاطس قائلين: يا سيد، قد تذكرنا أن ذلك المضلَّ قال وهو حي: إني بعد ثلاثة أيام أقوم؛ فمُر بضبط القبر إلى اليوم الثالث؛ لئلا يأتي تلاميذه ليلاً ويسرقوه ويقولوا للشعب: إنه قام من الأموات، فتكون الضلالة الأخيرة أشرَّ من الأولى. فقال لهم بيلاطس: عندكم حراس، اذهبوا واضبطوه كما تعلَمون. فمضَوا وضبطوا القبرَ بالحراس، وختموا الحجر"؛ (27: 62 - 66). ولذلك تكون الإجراءات التي تمَّت هي حراسة القبر، وختم الحجر. وإذا صرَفنا النظر عن كيفية دحرجة الحجر واختلاف الأناجيل فيها، فإننا نقرأ في متى بعد ذلك الآتي: "وفيما هما ذاهبتان (مريم المجدلية، ومريم الأخرى) إذا قومٌ من الحرَّاس جاؤوا إلى المدينة وأخبَروا رؤساء الكهنة بكلِّ ما كان، فاجتمعوا مع الشيوخ وتشاوروا وأعطوا العسكر فضَّة كثيرة، قائلين: قولوا: إنَّ تلاميذه أتَوا ليلاً وسرَقوه ونحن نيام، وإذا سمع ذلك عند الوالي فنحن نستعطفُه ونجعلكم مطمئنِّين، فأخذوا الفضَّة وفعلوا كما علَّموهم، فشاع هذا القول عند اليهود إلى هذا اليوم"؛ (28: 11 - 15). من ذلك يتبيَّن أن خصوم المسيح وهم رؤساء الكَهنة والشيوخ وكذا الحراس لم يُشاهدوا قيامة المسيح، ولم يشاهدوه بعد القيامة، لكن الشيء الوحيد الذي اتَّفقوا عليه هو وجود القبر - الذي قيل: إنه دُفن فيه - خاليًا. وإذا رجَعنا إلى قصَّة دانيال أثناء السَّبي البابلي، لوجَدنا نظيرًا لقصة المقبرة التي وضع عليها حرَّاس، وسدت بحجر مختوم. لقد حدث أنْ تآمَر خصوم دانيال عليه، ووشوا به عند الملك؛ لأنه لا يتعبَّد له، إنما يتعبد للإله الواحد خالق الأكوان. آنذاك غضب الملك وأمر بوضع دانيال في جبِّ الأُسُود، وقفله بحجَر وختمه، وفي هذا يقول سفر دانيال: "قالوا قدام الملك: إن دانيال الذي من بني سبي يهوذا لم يجعل لك أيها الملك اعتبارًا، فلما سمع الملك هذا الكلام اغتاظ على نفسه جدًّا، حينئذٍ أمر الملك فأحضروا دانيال، وطرحوه في جب الأسود. أجاب الملك وقال لدانيال: إن إلهك الذي تعبده دائمًا هو ينجيك، وأتى بحجر، ووضع على فم الجب وختمه الملك بخاتمه وخاتم عظمائه. ثم قام الملك باكرًا عند الفجر وذهب مسرعًا إلى جب الأسود، فلما اقترب إلى الجب نادى دانيال بصوت أسيف، أجاب الملك وقال لدانيال: يا دانيال، عبد الله الحي، هل إلهك الذي تعبده دائمًا قدر على أن ينجيك من الأسود؟ فتكلم دانيال مع الملك: يا أيها الملك، عش إلى الأبد، إلهي أرسل ملاكه وسدَّ أفواه الأسود فلم تضرني؛ لأني وُجدت بريئًا قدامه وقدامك أيضًا، أيها الملك، لم أفعل ذنبًا. حينئذٍ فرح الملك به، وأمر بأن يصعد دانيال من الجب، فأصعد دانيال من الجب، ولم يوجد فيه ضرر؛ لأنه آمن بإلهه. فأمر الملك فأحضروا أولئك الرجال الذين اشتكَوا على دانيال وطرحوهم في جب الأسود هم وأولادهم ونساءهم. ولم يصلوا إلى أسفل الجب حتى بطشَت بهم الأسود وسحقت كلَّ عظامهم"؛ (6: 13 - 24). هنا حدثَت المعجزة حقًّا، إذ رُفعت الأختام في وجود شهود عاينوا دانيال قائمًا بينهم حيًّا، قد انتصر على الموت الذي كان ينتظره في فم الأُسود، وشهد بذلك أعداءُ دانيال وأصدقاؤه على السواء، فلو كان المسيح هو ذلك الذي صلَبوه، ثم وضعوه في القبر، ثم أقاموا عليه حرَّاسًا وختموه، لكان الأولى به حين يقوم من الموت - كما يدَّعون - أن يحدث ذلك على مرأى ومسمع من أعدائه قبل أصدقائه، حتى تتحقَّق المعجزة بشهادة الشهود، خاصة وأن المسيح مارس معجزاته كلَّها أمام الناس سواء المؤمنين به أو المكذِّبين له. أما أن توجد مقبرة خالية، فيقال: إن المسيح الذي دفن فيها قد قام ولم يرَه أحد، فذلك شيء لا يقوم على أي أساس؛ بسبب التضارب الواضح فيما ترويه الأناجيل عن القيامة التي تعتبر ركيزةً من ركائز العقائد المسيحية، والتي تفوق في أهميتها خروج دانيال حيًّا من جب الأسود آلاف المرات. هذا، ويقول جون فنتون: "لقد كانت الكنيسة الأولى ترى في خروج دانيال حيًّا من جب الأسود نوعًا من المشابهة لقيامة يسوع. كما يلاحظ أنَّ متى غيَّر قول مرقس أن المرأتين اشترتا حنوطًا: "ليأتين ويدهنه"، إلى قول آخر هو: "لتنظرا القبر"؛ ولعل السبب في ذلك هو أنه ما دام متى قد أدخل قصَّة ختم الحجر إلى روايته، فلا بد أن يقوم بهذا التعديل"[5]. وإذا كانت الكنيسة قد اعتبرت خروج دانيال من جب الأسود شبيهًا بقيامة المسيح، أما كان ضروريًّا للإقرار بتلك المشابهة أن يتوافر العنصر الضروريُّ والكافي لتحقيق الحدث، وهو شهادة الشهود من الأصدقاء والأعداء على السواء؟! وهو الشيء الذي اكتمل في قصة دانيال، وفُقد تمامًا في قصة المسيح. ونستطيع أن ندرك الآن قيمة هذه الفقرة المختصَرة التي قرَّرها أدولف هرنك: "إن هناك عددًا من النقاط مؤكدة تاريخيًّا؛ منها: أن أحدًا من خصوم المسيح لم يره بعد موته"[6]. نعم، إن رؤية الخصوم قبل الأصدقاء هي دليل هام ومفقود، كان من اللازم وجودُه - أولاً - عند كلِّ من يؤمن بحديث القيامة، ولسوف يبقى مفقودًا إلى الأبد. الظهور: لقد درَجنا على أن نبدأ أولاً بذِكر ما يقوله إنجيل مرقس في مختلِف الموضوعات التي نتعرَّض لها في هذه الدراسة، ثم نُتبع ذلك بما تقوله بقيَّة الأناجيل في ذات الموضوع، ويَرجع ذلك لما هو متَّفق عليه من أنَّ إنجيل مرقس يعتبر أقدمَ الأناجيل القانونيَّة التي وصلَتنا، بالإضافة لكونه المصدر الرئيسيَّ الذي نقل عنه كلٌّ من متَّى ولوقا. وإذا طبَّقنا تلك القاعدة التي درَجنا عليها، وبدَأنا بما يقوله إنجيل مرقس عن ظهور المسيح بعد قيامته من الأموات فإننا نقول: يقول إنجيل مرقس: لا شيء... نعم، لا يقول إنجيل مرقس شيئًا عن موضوع الظُّهور. ولسوف يُسرع بعض القرَّاء إلى النسخ التي في متناول أيديهم من إنجيل مرقس؛ بغية التثبُّت من حقيقة هذا الادِّعاء الخطير، فيجدون خاتمة هذا الإنجيل - الأعداد من (9 إلى 20) التي ينتهي بها الإصحاحُ السادسَ عشَر - تتكلم عن ظهور المسيح لبعض الناس بعد فتنة الصَّلب وروايات القيامة. وهنا يَحدث لَبسٌ تزيله الحقيقة الآتية: إن خاتمة إنجيل مرقس التي تتكلم عن ظهور المسيح - الأعداد من (9 إلى 20) - ليست من عمل مرقس كاتب الإنجيل، ولكنها إضافات أُدخلت إليه حوالي عام 180م؛ أي: بعد أن سطر مرقس إنجيله بنحو 120 عامًا، ولم تأخذ أي صورة قانونية إلا بعد عام 325م. لقد أشرنا إلى هذا من قبل عند الحديث عن مشاكل إنجيل مرقس، ونُضيف الآن قول نينهام: "إنه على الرغم من أن هذه الأعداد (9 - 20) تظهر في أغلب النسخ الموجودة لدينا من إنجيل مرقس، فإنَّ النسخة القياسية المراجَعةَ مصيبة تمامًا في اعتبارها غير شرعية، منزلة إياها من النص إلى الهامش. إن العالم الكاثوليكي الكبير (لاجرانج) واضح تمامًا في قوله: إنه بالرغم من قانونيتها (أي: إنها جزء من الكتاب المقدس)، فإنها ليست قانونية بالمعنى الحرفي (أي: ليست من عمل القديس مرقس). وتقوم وجهة النظر التي تتطابق وآراء العلماء الآخرين على ثلاثة أسباب رئيسية؛ هي: 1- إن بعض أفضل النسخ من إنجيل مرقس تنتهي عند (16: 8)، وبعض النسخ الأخرى تتفق معها في حذف الأعداد (9 - 20)، لكنها تعطي بدلاً من ذلك خاتمة أخرى. 2- إن كبار العلماء في القرن الرابع مثل إيزييوس وجيروم يشهدون بأن هذه الأعداد كانت ساقطة من أفضل النسخ الإغريقية المعلومة لديهم. 3- والأكثر حسمًا من كل ما سبق هو أن أسلوب تلك الأعداد ومفردات اللغة التي كتبت بها يعطي أسلوب القرن الثاني، وهو شيء يختلف تمامًا عما كتب به القديس مرقس. إن هذه الفقرة لا يمكن تحديد تاريخها بالضبط، ويمكن القول بأنها أصبحت تُقبل كجزء من إنجيل مرقس حوالي عام 180م"[7]. كذلك يقول جون فنتون: "على حسب معلوماتنا فإن إنجيل مرقس الذي كان بين يدي متى، قد انتهى عند (16: 8)، وعلى هذا فإن ظهور يسوع للنساء في إنجيل (متى 28: 8) قد أضافه متى. وحسبما نعلم فإن إنجيل مرقس لم يحتو على أي روايات تتكلم عن ظهور الرب المقام من الأموات"[8]. روايات الأناجيل: ومع ذلك فلسوف نذهب إلى نُسخ إنجيل مرقس التي تتكلَّم عن ظهور المسيح، فنجدها تقول: "وبعدما قام باكرًا في أول الأسبوع ظهر أولاً لمريم المجدلية التي قد أخرَج منها سبعة شياطين، فذهبت هذه وأخبرَت الذين كانوا معها وهم ينُوحون ويبكون، فلمَّا سمع أولئك أنه حيٌّ وقد نظرَته، لم يصدقوا. وبعد ذلك ظهرَ بهيئةٍ أخرى لاثنين منهم وهما يمشيان منطلِقَين في البرِّية، وذهب هذان وأخبرا الباقين، فلم يصدِّقوا ولا هذين. أخيرًا ظهَر للأحدَ عشَر وهم متَّكئون ووبَّخ عدمَ إيمانهم وقساوة قلوبهم؛ لأنهم لم يصدقوا الذين نظروه قد قام"؛ (16: 9 - 14). ولقد علمنا حسب رواية متى عن زيارة النساء للقبر، أنَّ مريم المجدلية ومريم الأخرى قد حمَّلها ملاكُ الرب رسالة يقول فيها: "اذهبا سريعًا قولا لتلاميذه: إنه قد قام من الأموات، ها هو يتبعكم إلى الجليل. وعندئذٍ خرجتا سريعًا من القبر بخوف وفرح عظيم، راكضتين؛ لتخبرا تلاميذه". والآن نضيف قول متى: "وفيما هما منطلقتان لتخبرا تلاميذه إذا يسوع لاقاهما وقال: "سلام لكما"، فتقدمتا وأمسكتا بقدميه وسجدتا له، فقال لهما يسوع: لا تخافا؛ اذهبا قولا لإخوتي أن يذهبوا إلى الجليل، وهناك يرونني. وأما الأحدَ عشر تلميذًا فانطلقوا إلى الجليل؛ إلى الجبل حيث أمَرهم يسوع. ولما رأوه سجدوا له، ولكن بعضهم شكُّوا"؛ (28: 9 - 17). هذا، وبعد أن ذكر لوقا ما روته النسوة من حديث القيامة للتلاميذ والرسل، نجده يتكلم عن الظهور، فيقول: "وإذا اثنان منهم كانا منطلقَين في ذلك اليوم إلى قرية بعيدةٍ عن أورشليم، وفيما هما يتكلمان ويتحاوران اقترب إليهما يسوع نفسه - وكان يمشي معهما ولكن أمسكَت أعينهما عن معرفته - فقال لهما: ما هذا الكلام الذي تتطارحان به؟ فقالا: المختصة بيسوع الناصري الذي كان إنسانًا نبيًّا مقتدرًا في الفعل والقول أمام الله وجميع الشعب. ثم اقتربوا إلى القرية التي كانا منطلقين إليها، وهو تظاهرَ كأنه منطلقٌ إلى مكانٍ أبعدَ، فألزَماه قائلين: امكث معنا، فلما اتكأ معهما أخذ خبزًا وبارك وكسر وناولهما، فانفتحت أعينهما وعرفاه، ثم اختفى عنهما. فقاما في تلك الساعة ورجَعا إلى أورشليم، ووجدا الأحدَ عشر مجتمِعين هم والذي معهم، وهم يقولون: إن الرب قام بالحقيقة، وظهر لسمعان. وفيما هم يتكلمون بهذا وقف يسوع نفسه في وسطهم وقال لهم: سلام لكم. فجزعوا وخافوا وظنوا أنهم رأوا روحًا. فقال لهم: ما بالكم مضطربين؟! ولماذا تخطر أفكار في قلوبكم؟! انظروا يدي ورجلي؛ إني أنا هو، جسوني وانظروا؛ فإن الروح ليس له لحمٌ وعظام كما ترَون لي، وحين قال هذا أراهم يدَيه ورجليه، فناوَلوه جزءًا من سمك مشوي، وشيئًا من شهد عسل، فأخذ وأكل قدامهم"؛ (24: 13 - 43). ويقول يوحنا: إن مريم المجدلية كانت تبكي عند القبر، فقال لها الملاكان: "يا امرأة، لماذا تبكين؟ قالت لهما: إنهم أخذوا سيدي، ولست أعلم أين وضعوه. ولما قالت هذا التفتت إلى الوراء، فنظرت يسوع واقفًا، ولم تعلم أنه يسوع. قال لها يسوع: يا امرأة، لماذا تبكين؟ مَن تطلبين؟ فظنت تلك أنه البستاني، فقالت له: يا سيد، إن كنت أنت قد حملته فقل لي أين وضعتَه وأنا آخذه، فقال لها يسوع: يا مريم، فالتفتت تلك، وقالت له: ربوني - الذي تفسيره يا معلم - فقال لها يسوع: لا تلمسيني؛ لأني لم أصعد بعد إلى أبي، ولكن اذهبي إلى إخوتي وقولي لهم: إني أصعد إلى أبي وأبيكم، وإلهي وإلهكم. فجاءت مريم المجدلية وأخبرت التلاميذ أنها رأت الرب، وأنه قد قال لها هذا، ولما كانت عشيَّة ذلك اليوم وهو أول الأسبوع، وكانت الأبواب مغلقة حيث كان التلاميذ مجتمعين لسبب الخوف من اليهود، جاء يسوع ووقف في الوسط؛ فرح التلاميذ أنهم رأوا الرب! أما توما أحد الاثني عشَر، فلم يكن معهم حين جاء يسوع، فقال له التلاميذ الآخرون: قد رأينا الرب، فقال لهم: إن لم أبصر في يديه أثر المسامير وأضع إصبعي في أثر المسامير وأضع يدي في جنبه، لا أومن. وبعد ثمانية أيام كان التلاميذ أيضًا داخلاً، وتوما معهم، فجاء يسوع والأبواب مغلقة ووقف في الوسط، وقال: سلام لكم. بعد هذا أظهر أيضًا يسوع نفسه للتلاميذ على بحر طبرية؛ لما كان الصبح وقف يسوع على الشاطئ، ولكن التلاميذ لم يكونوا يَعلمون أنه يسوع، ثم جاء يسوع وأخذ الخبز وأعطاهم، وكذلك السمك، هذه مرة ثالثة ظهر يسوع لتلاميذه بعدما قام من الأموات"؛ (20: 13 - 26، 21: 1 - 14). ملاحظات على روايات الأناجيل: لقد عرَضنا ما ترويه الأناجيل الأربعة عن ظهور المسيح، وكلُّها روايات تسمح بإبداء الملاحظات الآتية: 1- اتفق مرقس ومتى ويوحنا على أن الظهور الأول كان من نصيب مريم المجدلية التي لم تعرفه وظنَّته البستاني، بينما أسقط لوقا تلك الرواية تمامًا، وجعل الظهور الأول من نصيب اثنين كانا منطلقين إلى قرية عمواس. 2- حدث الظهور للتلاميذ مرة واحدة في كل من مرقس ومتى ولوقا، بينما تحدَّث عنه يوحنا ثلاث مرات بصور مختلفة. 3- اتفق مرقس ومتى على أن الظهور للأحد عشر تلميذًا حدث في الجليل، فاختلفا في ذلك مع لوقا ويوحنا اللذين جعلاه في أورشليم. 4- وأخطر من ذلك كله هو اتفاق الأناجيل في هذه القضية على شيء واحد، هو أن ذلك الذي ظهر لمريم المجدلية وللتلاميذ كان غريبًا عليهم، ولم يعرفوه جميعًا وشكوا فيه، وهم الذين عايشوا المسيح وعرفوه عن قرب. كيف يقال بعد ذلك: إن المسيح ظهر لمعارفه وتلاميذه؟! [1] تفسير إنجيل لوقا: ص 255. [2] تفسير إنجيل مرقس: ص 443 - 444. [3] تفسير إنجيل متى: ص 449 - 450. [4] تفسير إنجيل لوقا: ص 256. [5] تفسير إنجيل متى: ص 448 - 450. [6] تاريخ العقيدة: جـ 1، ص 85. [7] تفسير إنجيل مرقس: ص 449 - 450. [8] تفسير إنجيل متى: ص 449 - 450.
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |