شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع للشيخ محمد الشنقيطي - الصفحة 8 - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         تفسير قوله تعالى: {ولقد صدقكم الله وعده إذ تحسونهم بإذنه...} (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 6 )           »          المبالغة في تشقيق العلم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 7 )           »          كشف الأستار بشرح قصة الثلاثة الذين حبسوا في الغار (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1 - عددالزوار : 9 )           »          من أقوال السلف في أسماء الله الحسنى: (اللطيف، الخبير) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 7 )           »          {يغشى طائفة منكم} (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 7 )           »          جوامع الكلم النبوي: دراسة في ثراء المعاني من حديث النغير (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »          حتى لا تفقد قلبك (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »          وفاة ملكة جمال الكون! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 8 )           »          الإمام أبو بكر الصديق ثاني اثنين في الحياة وبعد الممات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 7 )           »          حقوق الحيوان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 8 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > الملتقى الاسلامي العام
التسجيل التعليمـــات التقويم

الملتقى الاسلامي العام مواضيع تهتم بالقضايا الاسلامية على مذهب اهل السنة والجماعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 14-09-2020, 03:17 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,359
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع للشيخ محمد الشنقيطي

شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع
(كتاب الصلاة)
شرح فضيلة الشيخ الدكتور
محمد بن محمد المختار بن محمد الجكني الشنقيطي
الحلقة (63)

صـــــ(9) إلى صــ(16)

[حكم طهارة أعضاء الإنسان بعد انفصالها عنه]
قال المصنف رحمه الله:
[وما سقط منه من عضوٍ أو سن فطاهر] من الملاحظ أن هناك اتصالاً في المباحث والمسائل حيث يذكر العلماء فيه الشبيه بشبيهه، فنحن الآن نتكلم عن إزالة النجاسة، وفي بعض الأحيان يذكر العلماء مسائل فرعية متصلة بالفرع الذي بحث في الباب، فالأسنان والأعضاء التي تسقط من الإنسان ليس هذا موضع الكلام عليها؛ لأن موضع الكلام عليها بكونها طاهرة أو نجسة إنما هو في باب النجاسات، ولكن لما كان يتكلم عن الجبائر وحكم اتصال النجس وانفصاله، فإنه من الأشبه أن تذكر مسألة الأعضاء، فقد يبتر من الإنسان عضو ويزال منه، كأن تقلع منه سنٌ، أو تقطع منه إصبع، أو يد، أو رجل،
فللعلماء في حكم هذا العضو الذي بُتر وجهان:
فمنهم من قال: هو نجسٌ بمجرد المفارقة، فإذا فارق البدن حكم بنجاسته، قالوا: إن اليد فيها الدم، وإذا قطعت فإن هذا الدم نجس، ولأنه مسفوح، فيحكم بتنجسها بمجرد قطعها، وبناءً على هذا لو أن اليد بترت ثم أعيدت فحينئذٍ يكون إعادةً لنجس؛ لأنها بالبتر أصبح الدم فيها مسفوحاً،
وإذا أصبح مسفوحاً فإن الله قال عن الدم المسفوح:
{فَإِنَّهُ رِجْسٌ} [الأنعام:145]، فحينئذٍ يكون كإعادة النجس إلى البدن.والصحيح أن العضو إذا بتر فهو طاهر؛
لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
(ما أبين من حيٍ فهو كميتته).
والجواب عن الدم المسفوح أن نقول: الدم المسفوح المراق، فاليد ما أريق من جزئها المتصل بالبدن مسفوح، وما أريق من اليد وخرج عنها مسفوح، والجَرَّاح حين يعيدها يزيل ذلك حتى تتصل العروق وتتصل اليدين ببعضها، فيكون هذا ليس من إيصال النجس بالطاهر؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم حكم بأن ما أُبين من حيٍ فهو كميتته، وميتة الآدمي طاهرة، فاليد حين تبان هي طاهرة، والدم المسفوح لا يحكم بكونه مسفوحاً إلا بالمفارقة، فنحكم بكون الدم الذي جرى خارجاً عن اليد المقطوعة والمكان الذي قطع منه بكونه نجساً، لكن ذات اليد وذات الموضع الذي أُبين منه إذا اتصل عاد إلى أصله، فبناءً على ذلك لا يحكم بكونه نجساً من هذا الوجه.فإذا ثبت أن السن أو اليد لا يحكم بنجاستها يتفرع على هذا جواز ردها إذا أمكن الرد، فإنه يوجد الآن في الجراحات الدقيقة إذا قطعت اليد وكان قطعها قريباً، وعرضت على جراح أو طبيب، فإنه بإمكانه بإذن الله عز وجل أن يعيدها، فتكون إعادتها على هذا الأصل الذي ذكرناه لا حرج فيها؛ لأنها ليست بنجسة ولا بمتنجسة، ونحكم بجواز الإعادة من هذا الوجه.كذلك أيضاً إذا حكم بكون السن طاهرة، فإنه حينئذٍ لا تسري عليها أحكام النجاسات، فلو أن إنساناً حملها فإنه حاملٌ لطاهر،
بخلاف من يقول:
إنها نجسة وحاملٌ لنجس.
الأماكن التي نهي عن الصلاة فيها
أولاً: المقابر
قال المصنف رحمه الله:
[ولا تصح الصلاة في مقبرة] بعد أن بين رحمه الله أنه ينبغي عليك أن يكون الموضع الذي تصلي فيه طاهراً، وبين لك أحكام النجاسات المتصلة، وما هو قريبٌ من المتصل، شرع في بيان المواضع التي لا يجوز أن يصلى فيها، وهذه -كما قلنا- مسائل شبيهة بالمسائل التي معنا، فكما أن الأرض النجسة لا يصلى عليها فإن المواضع التي نهي عن الصلاة عليها كالأرض النجسة، فلا يصح أن تذكر في غير هذا الموضع.والمقبرة مثلثة الباء،
والمقبرة:
المكان الذي يقبر فيه الآدمي، ولا يصلى فيه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الصلاة في المقابر،
وثبت في الحديث الصحيح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال:
(إذا صلى أحدكم فليجعل من صلاته في بيته، ولا تجعلوا بيوتكم قبوراً) فقوله: (ولا تجعلوا بيوتكم قبوراً) يدل على أن القبر ليس موضعاً للصلاة،
قال العلماء:
نهى عن الصلاة في القبور لأمورٍ؛ فإن الأمر قد يعلل بعللٍ كثيرة،
فقالوا:
منها: خوف الشرك، وهذا أعظمها وأجلها؛ لأن الصلاة على القبر قد تؤدي إلى تعظيمه وإجلاله إلى درجةٍ قد تصل بالمرء إلى الصلاة لصاحب القبر والعياذ بالله.
وقيل: نهي عن الصلاة فيها حتى لا يشابه اليهود والنصارى؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لعنهم عند موته،
قالت أم المؤمنين: (يحذر مما صنعوا)،
أي: يحذر أمته أن تصنع كصنيع اليهود والنصارى،
فقالوا: من أجل المشابهة وكذلك أيضاً قال بعض العلماء: لأنه إذا صلى على القبر فإنه يؤذي صاحب القبر، وقد يؤذيه صاحب القبر؛ لأن الجلوس على القبور مضرةٌ لصاحب القبر ومضرةٌ لمن جلس عليها،
ولذلك شدد عليه الصلاة والسلام في التحذير من أذية أهل القبور بالجلوس والاتكاء عليها فقال:
(لأن يجلس الرجل على جمرة فتحرق ثيابه خير له من أن يجلس على قبر).فلذلك نهى عن الصلاة في القبور وعلى القبور، ولذلك بين رحمه الله أن هذا الموضع -القبر- لا يجوز أن يصلى فيه، والإجماع منعقد على أنه لا تجوز الصلاة في القبور، والمراد بها صلاة الفريضة وصلاة النافلة، ويستوي في ذلك النوافل المقيدة والنوافل المطلقة، فلا يصلى في المقابر العيدان ولا الكسوف ولا الخسوف، فلا يصلى فيها نفلاً ولا فرضاً.وأما الصلاة على الجنازة في المقابر أو قريباً من المقابر فهذا مستثنى، كأن تكون الجنازة ما صلي عليها في المسجد، ثم أتي بها عند القبر، فصلي عليها عند قبرها ثم دفنت، فلا حرج أن يصلى عليها، ولكن ينبه على خطأ تكرار الصلاة على الجنائز عند القبور وقد صلي عليها في الجوامع، وأن هذا أمرٌ لا أصل له، فإن الأصل الاكتفاء بصلاة المؤمنين وشفاعتهم في المسجد، ولا يزاد على ذلك.وأما في داخل القبور فقال بعض العلماء بجوازه استدلالاً بحديث المرأة التي كانت تقم المسجد، ولكن هذا الحديث -كما جاء في صحيح مسلم، وهو مذهب طائفة من السلف- فيه شبهة تقتضي التخصيص؛
لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما صلى على المرأة قال:
(إن هذه القبور مملوءةٌ ظلمةً على أهلها، وإن الله ينورها بصلاتي) فقوله: (بصلاتي) دل على التخصيص، فورود النهي الحاضر مع المبيح يوجب تقديم الحاضر على المبيح، فالأولى والأحرى أن الإنسان يقتصر على الصلاة العامة التي تكون في مساجد المسلمين.أما تكرار الصلاة على الجنائز فهذا لم يكن عليه هدي السلف الصالح رحمهم الله، ولا يستقيم الاستدلال بما ذكرناه لوجود شبهة التخصيص.
ثانياً: الحش
قال رحمه الله تعالى:
[وحُشَ] الحَش بالفتح والضم،
والمراد بالحَش أو الحُش:
المزابل،
ويقال:
موضع قضاء الحاجة،
ولذلك قال عليه الصلاة والسلام كما في حديث ابن ماجة:
(إن هذه الحُشوش محتضرة) يعني: أماكن قضاء الحاجة،
أي:
تحضرها الشياطين والعياذ بالله؛ لأنها تحب الأماكن القذرة وروائحها الخبيثة فتأنس بها وتحبها،
وأصل الحُش:
البستان،
قالوا:
سميت أماكن قضاء الحاجة حُشاً لأنهم كانوا في الغالب في القديم يخرجون إلى أحوشة البساتين وأسورتها القديمة لقضاء حاجتهم، فما كانوا يضعون الحمامات في البيوت، وإنما كانت مثل المناصع الذي كان في المدينة، وهو موضع شرقي المسجد النبوي إلى شماله كانت تخرج إليه أمهات المؤمنين، وهو الذي كان يؤذي فيه اليهود والمنافقون نساء النبي صلى الله عليه وسلم إذا خرجن،
كما قال فيهم النبي صلى الله عليه وسلم:
(من لي بـ الأشرف فقد آذى الله ورسوله)، فالمقصود أنهم ما كانوا يقضون الحاجة في البيوت، وإنما كانوا يقضونها في الحشوش، فيوصف بكونه حُشاً من هذا الوجه، فلا تجوز الصلاة في هذه المواضع؛ لأنها نجسة، وليست محلاً لذكر الله عز وجل،
وقد ثبت في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:
(إني كنت على حالةٍ كرهت أن أذكر الله عليها)، فمن باب أولى إذا كان في الموضع النجس نفسه، ولا تصح الصلاة بالإجماع في هذا الموضع، وهو موضع قضاء الحاجة.
ثالثاً: الحمّام
قال رحمه الله تعالى: [وحمامٍ] الحمام في لغة القدماء ليس كالحمام الموجود الآن، فالحمام كان مكان الاغتسال، وكانوا في القديم يضعون الحمامات أماكن يغتسلون فيها ولها نظامٌ معين، فيغتسل فيها الناس بالماء الفاتر ويستحمون به، مثل المسابح أو أشبه، لكنها أماكن لها وضع معين تطهر فيها أبدان الناس، ويغتسلون فيها، وهذه الحمامات كانت موجودة إلى عهدٍ قريب في المدن،
ونهي عن الصلاة فيها كما في حديث أبي داود والترمذي وصححه الحاكم ووافقه الذهبي: (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الصلاة في المقبرة والحمام)، وهذا يدل على أنها ليست بموضع للصلوات، وذلك لأنها في حكم أماكن قضاء الحاجة لمكان العري،
ولذلك قالوا:
لا تصح الصلاة في الحمامات، فلو صلى لزمته إعادة الفريضة، ولا تصح منه إذا صلى في هذا الموضع.
رابعاً: أعطان الإبل
قال رحمه الله تعالى:
[وأعطان إبلٍ] أعطان: جمع عطن،
وعطن الإبل:
الأصل فيه مراحه، وهو المكان الذي يمرح فيه ويستقر فيه،
ويكون على أضرب:
منها: أن يكون مراحاً له يبيت فيه ويأوي إليه، فهذا بالإجماع عطن ولا إشكال فيه، أو يكون في وقتٍ دون وقت، فله مكان في الظهيرة يعطِن فيه، ومكان في الليل يعطِن فيه، فإنه إذا عطن في هذا المكان وهو الذي يكون في وقت الظهيرة يوصف بكونه من أعطان الإبل، فلا يشترط أن يمكث جميع وقته في هذا المكان،
أعني:
وقت راحته أو وقت مراحه.فالأعطان لا تصح الصلاة فيها؛
لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الصلاة في أعطان الإبل كما في صحيح مسلم أنه قال:
(صلوا في مرابض الغنم، ولا تصلوا في أعطان الإبل)، فنهى عن الصلاة في أعطان الإبل، والصحيح أن العلة أنها خلقت من الشياطين، وأنها مواضع الشياطين، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، فالعلة -والعياذ بالله- وجود الشياطين بها وتلبسها بالإبل، ولذلك أمر بالوضوء من لحم الجزور ولم يؤمر من غيره، ونهى عن الصلاة في معاطن الإبل،
قالوا: إنها لا تخلو من حضور الشياطين فيها، والأحاديث صحيحة في هذا المعنى، وقد تكلم الإمام ابن القيم كلاماً نفيساً في (أعلام الموقعين) حبذا لو يرجع إليه في بيان بعض الحكم والأسرار المبنية على تحريم الصلاة في أعطان الإبل قالوا: فلمكان حضور الشياطين فيها يتقيها المصلي،
ولهذا نظير فإن النبي صلى الله عليه وسلم لما بات عند قدومه إلى المدينة وعرس كما في حديث حذيفة في الصحيحين واستيقظ وقد نام عن صلاة الفجر قال:
(ارتحلوا فإنه موضعٌ حضرنا فيه الشيطان) قالوا: فهذا أصل يدل على أن المواضع التي تحضرها الشياطين لا يصلى فيها، فلذلك نهي عن أعطان الإبل لمكان وجود الشياطين فيها.والنهي عن الصلاة في أعطان الإبل يحتج به الشافعية رحمهم الله على أن روح أو فضلة ما يؤكل لحمه نجس؛ لأن أعطان الإبل حكم بنجاستها، لكن ينقض هذا بأن النبي صلى الله عليه وسلم أجاز الصلاة في مرابض الغنم، فلو كانت فضلة ما يؤكل لحمه نجسة لكان روث الغنم نجساً أيضاً، ولذلك يقوى القول بأنها طاهرة، وحديث مرابض الغنم يدل على طهارتها، وحديث أعطان الإبل لا يستلزم الحكم بالنجاسة.
خامساً: الأرض المغصوبة
قال رحمه الله تعالى: [ومغصوبٍ] المغصوب: هو المأخوذ قهراً،
والفرق بين السرقة والغصب:
أن السرقة تكون خفية، والغصب يكون علانية، وللسرقة حكم وللغصب حكم، والسرقة أشد لما فيها من التخفي وعدم معرفة الآخذ بالمال، لكن الغصب يكون علانية، والغصب من كبائر الذنوب،
فقد ثبت في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من اغتصب شبراً من الأرض طوقه يوم القيامة من سبع أراضين)،
قال بعض العلماء:
إنه يضيق عليه سبعة أراضين، تجمع الأرض التي اغتصبها والشبر الذي اغتصبه كالطوق في عنقه، فيكون من أرضٍ إلى أرض حتى يبلغ السبع الأراضين التي اغتصبها،
أي:
المسافة التي غصبها، وقيل: يكلف حمل هذا القدر -والعياذ بالله- مما اغتصب، وكيفية تكليفه مع ضعفه أمره إلى الله،
فقد ثبت في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم: (أن مقعد الكافر في نار جهنم -أي: مكان قعوده فقط- كما بين المدينة ومكة)، فهذا مقعد الكافر ومكان جلوسه في النار، فالله على كل شيءٍ قدير.
وذكر عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح: (أن ضرس الكافر -والعياذ بالله- مثل جبل أحد)، فلا شك أن الله عز وجل على كل شيءٍ قدير، فالغصب حرام وهو من كبائر الذنوب،
فلو اغتصب أرضاً فمما يترتب على الغصب مسألة صحة صلاته:
فقد اختلف العلماء رحمهم الله في هذه المسألة على قولين: فجمهور العلماء على أن الأرض المغصوبة تصح فيها الصلاة، وذهب طائفة من العلماء إلى أن الأرض المغصوبة لا تصح فيها الصلاة، وهو مذهب الحنابلة رحمة الله على الجميع؛ لأنه منهي عن البقاء في هذه الأرض، فالصلاة باطلة،
ويقولون:
إن هذا مخرج على القاعدة الأصولية أن النهي يقتضي فساد المنهي عنه، والصحيح أن النهي فيه تفصيل، فإن رجع إلى ذات المنهي عنه اقتضى البطلان، وإن كان منفكاً عن ذات المنهي عنه فإننا نقول بانفكاك الحكم،
فنقول:
إن الصلاة في المكان المغصوب صحيحة ولكن يأثم بالغصب، فهو آثمٌ من جهة الغصب وصلاته صحيحة؛ لأنه فعل ما أمره الله من القيام والقعود والركوع والسجود،
وقد قال عليه الصلاة والسلام للمسيء صلاته:
(إذا فعلت هذا فقد تمت صلاتك)، فالصلاة صحيحة،
ولكن قال بعض أهل العلم:
أجمع العلماء على أن من صلى على أرضٍ مغصوبة أو بثوبٍ مغصوب أن صلاته غير مقبولة والعياذ بالله.
أي: لا يثاب عليها والعياذ بالله، وإن كانت تجزيه،
فيقولون:
كأنه لم يصل والعياذ بالله من ناحية خلوه من الثواب، نسأل الله السلامة والعافية،
وذلك لأن الله يقول:
{إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} [المائدة:27] وهذا لم يتق الله، حيث غصب مال أخيه وصلى فيه أو صلى عليه.فإذا ثبت أن الأرض المغصوبة تصح الصلاة عليها،
فيتفرع على ما ذكر المصنف رحمه الله أنه إذا قيل:
إن الأرض المغصوبة لا تصح الصلاة عليها،
يصبح الأصل عند أصحاب هذا القول:
كل أرضٍ محرمة لا تصح الصلاة فيها.فيطرد على هذا لو كانت الأرض نهي عن الجلوس فيها مثل أراضي الظالمين،
فإن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن دخول مساكن الظالمين وقال:
(لا تمروها -أي: ديار ثمود- إلا وأنتم باكون أو متباكون)، ولم ينزل بأرض ثمود، وإنما تنحى بأصحابه صلوات الله وسلامه عليه حينما قدم من غزوة تبوك، فأراضي الظالمين النهي فيها للتحريم، ولو صلى لم تصح صلاته على هذا الأصل؛ لأنه منهي عن الجلوس فيها، ويستوي في هذا أن يكون الغاصب هو المصلي، أو يكون غير الغاصب، فلو علمت أن هذه الأرض مغصوبة فعلى هذا الأصل لا تصل فيها، فلو صليت وأنت ترى عدم صحة الصلاة في الأرض المغصوبة تلزمك الإعادة.ويتفرع عليه أيضاً الأرض المحرمة، وهي المشتراة بمالٍ حرام،
فإنهم يقولون: إنه لا تصح صلاته فيها، كأن يكون المال الذي اشترى به الأرض مالاً حراماً، كمال يتيم، أو مالاً مغصوباً، أو اشترى به ثوباً فإن الحكم كالحكم في الأرض.فإذا ثبت أن الأرض لا تصح الصلاة فيها، فلو صلى في سطح البيت المغصوب فهل تصح صلاته؟
قالوا:
وكذلك السطح، فسطح المغصوب كالمغصوب؛ لأن من ملك أرضاً ملك فضاها وسماها،
وملك قعرها بدليل:
(من ظلم قيد شبرٍ طوقه من سبع أراضين)، فدل على أنه مالكٌ لأسفل الأرض كما هو مالكٌ لأعلاها، والإجماع منعقد على أنه يملك الأعلى،
وبناءً على ذلك قالوا:
لو كانت الأرض مغصوبة فصلاته على أعلاها كصلاته على أدناها، وكصلاته فيها، فالحكم في كل ذلك واحد،
ولذلك قال رحمه الله تعالى:
[وأسطحتها] يعني: أسطح الأرض المغصوبة، وهذا -كما قلنا- مفرع على أن من ملك أرضاً ملك سماها، وتخرج على هذا القول فتوى من يرى الطواف والسعي في الدور الثاني بناءً على أن الأرض وسماها آخذةٌ نفس الحكم.
قال رحمه الله تعالى: [وتصح إليها].إذا ثبت أن الأرض المغصوبة لا يصلى فيها ولا عليها، فإنها إذا كانت بينك وبين القبلة فقد قال المصنف: وتصح إليها.فلو كانت بينك وبين القبلة لا تؤثر، إنما المؤثر عند من يرى عدم الصحة أن تكون تحتك بالمباشرة، أو تكون في أسفل الأرض ونحو ذلك.
[حكم الصلاة في الكعبة وفوقها]
يقول المصنف عليه رحمة الله: [ولا تصح الفريضة في الكعبة ولا فوقها، وتصح النافلة باستقبال شاخصٍ منها].ختم المصنف رحمه الله بهذه الجملة الأحكام المتعلقة بالشرط السابق، وكان الحديث عن طهارة المكان، ولزِم ذكرُ المواضع التي لا يجوز للمكلَّف أن يوقِع الصلاة فيها.فذكرنا المقابر والمزابل، وقارعة الطريق، وأعطان الإبل،
والأصل في هذه المواضع حديث ابن عمر رضي الله عنهما:
(أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الصلاة في سبعة مواطن: المجزرة، والمقبرة، والمزبلة، وقارعة الطريق، وأعطان الإبل، وعلى ظهر الكعبة).فهذه المواضع نهى النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن الصلاة فيها، وقد تقدَّم أن المِجزرة والمقبرة والمِزبلة والحمّام لا يُصلَّى فيها لأنها مشتملة على وجود الشياطين، وذكرنا علَّة ذلك، وأما قارعة الطريق فهي المكان الذي يقرعه الناس،
أي: يمشون فيه، سمِّيت بذلك لأن الإنسان إذا سار في الطريق قرع نعاله، وسُمِع قَرع النعال،
أي:
صوتها،
فيُقال:
قارعة الطريق، بمعنى المكان الذي يطرقه الناس.وأما بالنسبة لأعطان الإبل فقد ذكرنا أن العلة في ذلك أنها مأوى للشياطين، وبيَّنا أن هذه العلة هي أقوى العلل، ولذلك نهى النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن الصلاة في أعطان الإبل، وأجازها في مرابض الغنم، فلو كانت العلة كونها أعطاناً للإبل لاشتمالها على فضلة الإبل لمُنِع من الصلاة في مرابض الغنم لاشتمالها على فضلة الغنم، فأقوى العلل كونها من الشياطين كما قرَّره غير واحدٍ من أهل العلم رحمة الله عليهم.أما الموضع السابع الذي نُهِي عن الصلاة فيه فهو فوق سطح الكعبة،
وهذا هو الذي تكلَّم عليه المصنف فقال رحمه الله تعالى: [ولا تصح الفريضة في الكعبة ولا فوقها، وتصح النافلة باستقبال شاخص منها].
أي:
لا تصح الفريضة في الكعبة ولا فوقها؛ لأننا أمرنا باستقبال الكعبة، والمستقبل للكعبة يستقبل جدارين، والله أمر نبيه أن يولي وجهه شطر المسجد الحرام.ومسألة الصلاة على سطح الكعبة أو في داخل الكعبة في الأصل ليست بواردة في هذا المكان؛ لأن الكلام عن طهارة المصلَّى، وذكرنا اشتراط طهارة المكان الذي يصلي فيه المكلَّف، ودليل ذلك من السنة، لكن العلماء رحمة الله عليهم من عادتهم أنهم يذكرون المسائل الشبيهة في المظان، فلما ذَكَر تحريم الصلاة في المواضع النجسة ناسَب أن يُتبِعه بالمواضع المنهي عنها، وإلا فالأصل ألا يُذكَر هذا الحكم في طهارة الموضع من النجاسة.والصلاة على ظهر الكعبة فيها خلاف بين أهل العلم رحمة الله عليهم، فمنهم من قال بعدم صحّتها مطلقاً، ومنهم من قال بجوازها مطلقاً وصحّتها، ومنهم من فرّق بين النفل والفرض، كالصلاة بداخل الكعبة.
والصلاة بداخل الكعبة أيضاً فيها ثلاثة أقوال مشهورة:
القول الأول: ذهب الإمام الشافعي رحمه الله إلى صحة الصلاة داخل الكعبة مطلقاً، سواءٌ أكانت نفلاً أم فريضة، وهو قول طائفة من أصحاب الإمام أحمد رحمة الله على الجميع.
والقول الثاني أنه تصح الصلاة داخل الكعبة إذا كانت نفلاً دون الفريضة، فلا تصح الفريضة داخل الكعبة، وهذا اختيار طائفة من العلماء رحمة الله عليهم، كما هو عند المالكية وبعض أصحاب الإمام أبي حنيفة رحمة الله عليه، ودرج عليه الحنابلة.وهناك قولٌ ثالث بعدم الصحة مطلقاً، وهو لبقية من ذكرنا من المذاهب.فتحصَّل عندنا ثلاثة أقوال،
فمن يقول بصحة الصلاة داخل الكعبة مطلقاً يحتج بقوله عليه الصلاة والسلام:
(وجُعِلت لي الأرض مسجداً وطهوراً)،
قالوا:
فقد عمّم النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فدلّ على أن الإنسان إذا صلَّى داخل الكعبة تصح صلاته؛ لأنه أخبر أن الأرض مسجد وطهور، وداخل الكعبة مسجد لعموم هذا الخبر، فيصح للإنسان أن يصلي فيه.
والدليل الثاني: ما ثبت في الصحيحين من حديث ابن عمر عندما دخل النبي عليه الصلاة والسلام الكعبة، وأغلق الباب عليه وعلى أسامة وبلال رضي الله عن الجميع،
فلما فُتِح الباب كان ابن عمر أول من ابتدر إلى الدخول فسأل بلالاً:
هل صلى؟
قال:
نعم، بين العمودين.فدلّ هذا على مشروعية الصلاة داخل الكعبة،
قالوا:
ولا فرق بين النفل والفرض.وأما من قال بعدم صحة الصلاة داخل الكعبة فاحتج بحديث ابن عباس رضي الله عنه في الصحيحين عن أسامة أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم دخل الكعبة فكبَّر في أركان البيت ونواحيه، ثم لم يصلِّ، وخرج واستقبل الكعبة وكبر وركع ركعتين.ف أسامة ينفي أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم صلَّى، وبلال يُثبت أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم صلَّى، فحصل الخلاف بين هذين الصحابيين،
فيقولون:
الأصل استقبال القبلة والكعبة بكمالها، فلمّا حصل التردد اعتضد قول أسامة بالأصل، وبقي كلام بلالٍ محتمِلاً؛ لأن الصلاة تُطلق بمعنى الدعاء،
وقد قال أسامة:
(كبَّر)، فيحتمل أن بلالاً سمع تكبيره وظنها صلاة؛
لأن أسامة يقول:
(كبَّر في نواحي البيت)، وهذا يدل على أنه رأى منه انتقالاً في نواحي البيت؛ لأن الإشكال أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لما دخل أغلق الباب، ومن المعلوم أن من دخل من خارج البيت أو من خارج الغرفة إلى داخلها ثم أُغلِق عليه مباشرة يخفَى عليه رؤية ما بالداخل، فظن أن سماع هذا التكبير المتتالي يُظَن معه أنه صلَّى.هذا وجه من يقول أنه لم يصلِّ.
وأما الذين توسَّطوا وقالوا: يصلي النافلة دون الفريضة،
فقالوا:
إن بلالاً أثبت أنه صلَّى، فنُعمِل حديث بلال على الإثبات، ونُبقي الأصل من الأمر بالتوجه إلى الكعبة على ما هو عليه،
فنقول:
يصح إذا كانت الصلاة نافلة دون الفريضة؛ لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ما صلى فريضة داخل الكعبة، ولو كانت جائزة لبيَّنها إما بقوله أو بفعله، فحيث إنه عليه الصلاة والسلام صلى النافلة دون الفريضة -على القول بأنه صلَّى-،
فحينئذٍ نقول: إن الفريضة لا تُصلَّى.
والذي يترجّح والله أعلم أن مسلك من يقول بالتفصيل أقوى لأمور:
الأمر الأول: أمر الله تعالى بالتوجه إلى البيت، ومن بداخل البيت يتوجه إلى جهةٍ واحدة، بخلاف من كان خارج البيت، فإنه يجمع بين جهتين من أي الجهات صلى، ولذلك كان استقباله داخل البيت أخف من استقباله خارج البيت، فلو وقفت -مثلاً- من جهة الباب أو المقام استقبلت جدار الباب والجدار الذي هو بين الحِجر وبين الركن، وكذلك لو وقفت بين الركنين استقبلت الجدار الذي فيه الركنان، وكذلك الجدار الذي من جهة الحِجر، بخلاف ما إذا صليت بالداخل فإن ستستقبل جداراً واحداً.والأصل في دلالة القرآن استقبال البيت، فلذلك يُحمَل على أكمل ما يكون، وحيث تعذر استقبال الأربع الجهات اكتُفِي بالجهتين للتعذُّر، فإذا ورد عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه صلى -مع التردد في الرواية- فإن الأصل يقتضي الاحتياط،
ولو أن القاعدة: (من حفِظ حجة على من لم يحفظ)، لكن الشبهة هنا واردة وقوية، خاصة وأن هناك من ينفي وله جلالة علمه وقدره، والحادثة واحدة.
الأمر الثاني: وجدنا أن الشريعة تخفِّف في النافلة ما لا تخفِّف في الفرض، ألا تراه في السفر عليه الصلاة والسلام كان يصلي على بعيره كما أخبر عنه عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، ولم يصلِّ فريضة على بعيره، وكان عليه الصلاة والسلام يصلي على بعيره حيثما توجَّه به في السفر، فدلّ على تخفيف القبلة في النافلة، بخلاف الفريضة.ومن هنا يقوى القول بالتفريق بين النفل والفرض ولأن الذي ورد من هدي النبي صلى الله عليه وآله وسلم إنما هو في النافلة، ولم يرد عنه في الفرض إذ لو كان الفرض سائغاً لبيَّنه بالقول عليه الصلاة والسلام.فلا يقوى مسلك من يقول بجواز صلاة الفريضة داخل الكعبة، إلا بناءً على قوله بأنه لا فرق بين النافلة والفريضة، فيُنقَض هذا القول بورود النص في استقبال القبلة، فوجدناه يخفِّف في صلاة النافلة على الراحلة في السفر، فيصلي النافلة حيثما توجَّهت به راحلته، فخفَّف في القبلة، بخلاف الفريضة فإنه يجب عليه أن ينزل ويجتهد ويتحرَّى ويستقبل، ففهمنا من هذا أنه قد تختص النافلة في الاستقبال بما لا يكون للفرض، فقوِي مذهب من يقول بصحة صلاة النافلة دون الفريضة.ثم إن هذا هو مبلغ التأسي بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم، مع أن الحديث فيه ما فيه من تعارض قول أسامة مع بلال رضي الله تعالى عنهما.
ولذلك قَوِي مذهب من يقول: إنه يصلي النافلة دون الفريضة، لما ذكرناه.ومن هنا لو صلّى على ظهر الكعبة، فإن ظاهر حديث ابن عمر أنه لا يصلي على ظهر الكعبة، وهذا الحديث رواه الترمذي وهو من رواية سعيد بن جبيرة، وهو راوٍ مُتكلَّم في روايته،
قال عنه الترمذي:
إنه ليس بذاك،
وللعلماء فيه قولان:
قال بعضهم: إنه كان يضع الحديث،
حتى قال بعضهم:
إن هذا الحديث من وضعه وهذا من أشد ما يكون في القدح،
وقال بعضهم:
الرجل ثقة في ذاته
-أي: من ناحية ديانته وصلاحه- ولكنه تدرِكه غفلة الصالحين.ولهذا الحديث أيضاً رواية عند ابن ماجة يرويها عن داود بن حصين، وكذلك أيضاً يرويها ابن ماجة عن الليث بن سعد عن عبد الله بن عمر العمري عن نافع عن عبد الله بن عمر عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال) وذكر الحديث.ولكن هذه الرواية مضعّفة بـ العمري، وهو ضعيف من قِبَل حفظه،
وقد يقول قائل:
إنه قد تنجبر هذه الطريق بهذه الطريق، ويُحكَم بحسن الحديث كما قاله بعض العلماء، ولكن يُشكِل عليه أن الانجبار في الأحاديث الحسنة ش
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 14-09-2020, 03:18 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,359
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع للشيخ محمد الشنقيطي

شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع
(كتاب الصلاة)
شرح فضيلة الشيخ الدكتور
محمد بن محمد المختار بن محمد الجكني الشنقيطي
الحلقة (64)

صـــــ(17) إلى صــ(25)

الأسئلة
[حكم حمل الصبي في الطواف وعليه الحفاظة]
q ما حكم حمل الصبي أثناء الطواف بالبيت وهو حاملٌ للنجاسة فيما يسمى بالحفاظة، وهو مما عمت به البلوى؟

a باسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه،
أما بعد: فحمل الصبي على حالتين: إن كان طاهراً فلا حرج، وقد ثبت الدليل عن النبي صلى الله عليه وسلم بجواز ذلك ومشروعيته.وأما إذا كان نجساً أو متنجساً فإنه لا يجوز أن يحمله في الصلاة وهو على هذه الحالة، ويستثنى من ذلك حالة واحدة يحكم فيها بالجواز،
وهي: إذا خافت المرأة على صبيها، كأن تريد أن تطوف بالبيت معتمرة أو حاجة ولو تركت الصبي خافت عليه أن يضيع أو يؤخذ، فإنه يجوز لها أن تطوف وهي حاملةٌ له لمكان الضرورة، والله تعالى أعلم.
[حكم إزالة النجاسة في الصلاة المفضية إلى كشف العورة]
q إذا كانت النجاسة التي علم بها في الصلاة على ثيابه، فإن خلعها ربما انكشفت عورته، فكيف يفعل؟

a لو أن إنساناً لم يجد إلا ثياباً نجسة، ولا يمكنه ستر العورة للصلاة إلا بهذا النجس، فإن هذه المسألة تعرف عند العلماء بمسألة ازدحام الشروط،
فإن قلت: أقدم شرط الطهارة على ستر العورة يصلي عارياً،
وإن قلت: أقدم ستر العورة على شرط الطهارة يصلي بالمتنجس، وبناءً على ذلك يفصل في هذه المسألة فإن كان يصلي في موضعٍ لا يراه فيه أحد فإنه يعمل الأصل ويصلي عارياً؛ لأن الطهارة معتبرة، وهذا النجس يقدم فيه ما ذكرناه.أما لو كان في موضعٍ يراه فيه أحد فإنه يصلي بثوبه النجس لمكان الضرورة، والله تعالى أعلم.

حكم من صلى وهو جنب ناسياً

q رجلٌ احتلم بالليل ولم يعلم بذلك، وصلى الظهر والعصر والمغرب، وعند ذلك رأى آثار المني على ثوبه، فهل يعيد تلك الصلوات مرتبة أم كل صلاةٍ في وقتها في اليوم التالي؟

a من صلى وهو ناسٍ أنه محتلم أو عليه جنابة فإنه يلزمه أن يعيد الصلوات ولو كانت أياماً؛ لأنه لا يصح للإنسان أن يصلي وهو على غير طهارة،
قال صلى الله عليه وسلم: (لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ)، وبناءً على ذلك يلزمه إعادة هذه الصلوات كلها، ويراعي فيها الترتيب حتى ولو تعددت أيامه، والله تعالى أعلم.
[حكم الصلاة في مسجد به قبر]
q ما حكم الصلاة في المسجد الذي به قبر؟ وإذا كانت غير صحيحة فهل يلزمني إعادة الصلوات التي صليتها في هذا المسجد؟

a إذا بني المسجد على القبر فإنه لا تصح الصلاة فيه؛ لأنه آخذٌ حكم الصلاة على القبر، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الصلاة على القبر، وبناءً على ذلك يلزمك إعادة الصلاة إذا صليت فيه، ويجب عليك أن تبحث عن مسجدٍ لا قبر فيه وتصلي فيه، وأما إذا كانت المساجد كلها فيها قبور فتصلي في بيتك،
ثم إذا خشيت الفتنة فكما قال عليه الصلاة والسلام: (صلِ معهم فإنها نافلة)، أما إذا لم تخش الفتنة فإنه لا تلزمك الجماعة لمكان هذا العذر، والأولى أن تصلي جماعةً بأهلك أو بجيرانك، والله تعالى أعلم.
حكم من صلى إلى غير القبلة مخطئاً ثم عرف ذلك
q لو أن رجلاً صلى في بادية فاجتهد في القبلة، وبعد الصلاة أتاه رجل فأخبره باتجاه القبلة الصحيح، فما حكم صلاته؟

a من صلى في بريةٍ أو باديةٍ لا يخلو من حالتين: إما أن يكون بموضعٍ يمكنه السؤال والتحري فيلزمه؛ لأن القدرة على اليقين تمنع من الشك، وقد كلفه الله باستقبال القبلة، وبإمكانه أن يتحرى جهتها، فيسأل العالم بمواضع القبلة من أهل ذلك الموضع ويلزمه الرجوع إليه، أما لو كان في بريةٍ ليس فيها أحد، ولا يجد أحداً يسأله، أو الذين معه عوام وجهالٌُ مثله فإنه يتحرى ويصلي، ولا حرج عليه إذا ظهر أنه صلى لغير القبلة؛
لما ثبت في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: (أنه صلى وأصحابه في ليلةٍ فيها غيم ثم لما أصبحوا فإذا هم على غير قبلة،
فقال صلى الله عليه وسلم: قد مضت صلاتكم).فإذا تحرى الإنسان عند إمكان التحري على قدر وسعه عند فقد العالم بالقبلة أو بجهة القبلة فإنه قد أدى ما عليه، وصلاته صحيحة، والله تعالى أعلم.
[وجود النجاسة في الجبيرة]
q كيف يكون الجبر بالعمود النجس؟

a تحتاج إلى طبيب يذكر لك أنواع الجبارة، وعلى العموم خذ هذا الأصل، أما الكيفية فهذا أمر يرجع إلى أهل الخبرة، وهذا فن ما قرأناه إلى الآن، فتحتاج إلى إنسان يعلم طرق الجبائر وأنواعها ثم يتكلم عليها.أما المهم فأن تكون الجبيرة نجسة، أو توضع فيها مادة نجسة، فلو أن الجبس كان فيه بول -أكرمكم الله- أو خلط بماءٍ فيه بول، أو وضعت خلطة الجبس في ماءٍ فيه بول، أو المادة التي وضعت بجبر هذا العظم نجسة، فهذا كله من جبر النجاسة، أو تكون الجبيرة التي توضع وتلف أصابتها نجاسة فتنجست، فكل هذه الصور واردة، وأما ما هي الجبيرة النجسة فهذا أمر يحتاج إلى عالمٍ خبير بالجبائر، ومن أحيل على مليء فليتبع.أما بالنسبة لحكم العلماء رحمة الله عليهم فهذا هو الأصل، أي: يستوي في ذلك أن تكون الجبيرة بذاتها نجسة، أي: نفس الآلات الموضوعة للشد نجسة، أو الحبال واللفائف التي توضع متنجسة، أو الجبس الذي يوضع نجس، فكل هذا يتأتى ويدخل في مسألة الجبيرة النجسة، والله تعالى أعلم.
[حكم الصلاة على أسطح الحشوش والحمامات وأعطان الإبل]
q هل تصح الصلاة على أسطح الحشوش والحمامات وأعطان الإبل؟

a الصلاة على أسطح الحُش والحمام وأعطان الإبل مفرعة على الكلام على الموضع،
فإن قلت: إن سماء الشيء آخذٌ حكم أرضه فحينئذٍ لا تصح،
لكن لقائلٍ أن يقول: إن المتصل بالنجاسة ليس كالمنفصل،
فنحن حينما ذكرنا مسألة الغصب قلنا: الصحيح أنها لا تؤثر، وأن المغصوب تصح فيه الصلاة، وأن الصلاة على ظهر أو سطح مغصوب صحيحة، كالصلاة على المغصوب نفسه.
وبناءً على ذلك إذا قلنا: العلة هي النجاسة وكون الحُش متنجساً يبقى سطح الحُش على العموم لقوله صلى الله عليه وسلم: (وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً)، فنقول بصحة الصلاة عليه من هذا الوجه، وكذلك أعطان الإبل إذا كانت الإبل تمرح في مكان وسطحها لا تمرح فيه، فإن العبرة بالمكان لا بسطحه،
وهذا أقوى وأوفق وأقرب إلى الأصل من جهة العموم لقوله عليه الصلاة والسلام: (جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً)، ويبقى الإشكال في الجواب عن مسألة من ملك أرضاً ملك سماها.فنقول: هذا في الأوصاف المتعدية، فالاغتصاب الوصف فيه يتعدى؛ لأن الغصب سارٍ على الأرض كلها، لكن النجاسة الوصف فيها لا يتعدى،
ونحن قلنا: إذا طين أرضاً نجسة، وكان هناك حائل بينه وبين الأرض النجسة وصلى صحت صلاته، وبناءً على ذلك يفرق بين المتصل والمنفصل، فلما كان في الغصب متصلاً؛ لأن الغصب يسري إلى السطح قلنا بعدم الصحة على الأصل الذي قرره المصنف، ولما كان الوصف هنا لا يسري، ولا يأخذ حكم المتصل قلنا بصحة الصلاة من هذا الوجه، والله تعالى أعلم.
[حكم الصلاة بالثوب الذي عليه فضلات طير غير مأكول]
q من صلى وقد أصاب ثوبه من فضلات الطيور الجارحة كالصقر، وهو يعلم أنها على ثوبه، فهل يعيد الصلاة؟

a الطيور الجارحة فضلاتها وذرقها نجس، أما الطيور التي تؤكل كالحمام والعصافير فأصح أقوال العلماء أنها طاهرة،
وخالفت الشافعية رحمة الله عليهم فقالوا: إن ذرق الحمام نجس، ولذلك يقعون في حرجٍ كبير إذا صلوا في الأماكن التي فيها حمام،
حتى قال بعض العلماء: بسبب كثرة الحمام ومشقة التحرز يعفى عن ذرق الحمام.فالطيور الجارحة على الأصل الذي ذكرناه أن بول وروث ما يؤكل لحمه طاهر، وأن ما عداه نجس، فيتخرج على هذا القول بنجاسته، وسيأتينا إن شاء الله في كتاب الأطعمة، فلو أصابه ذرق فإنه يعتبر متنجساً،
لكن عند من يقول: إن يسير النجاسة الدم وغيره معفو عنه، وكان هذا الذرق يسيراً فإنه يعفى عنه على هذا القول، وإن كان الصحيح أنه لا يعفى عنه؛ لأن العفو مختصٌ بالدم، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 14-09-2020, 03:19 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,359
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع للشيخ محمد الشنقيطي

شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع
(كتاب الصلاة)
شرح فضيلة الشيخ الدكتور
محمد بن محمد المختار بن محمد الجكني الشنقيطي
الحلقة (65)

صـــــ(1) إلى صــ(7)

شرح زاد المستقنع - باب شروط الصلاة [7]
مما لا ينبغي لكل مسلم جهله معرفة شروط الصلاة، والأماكن التي تحرم الصلاة فيها، وحكم الصلاة في الكعبة وعليها، وهل الِحجر داخل فيها، وحكم استقبال القبلة، وهل الفريضة والنافلة في ذلك سواء، وأحوال المصلي في استقباله للكعبة، وما هي الأمور التي يستدل بها على جهة القبلة، وغيرها مما يجدر الإحاطة به.
[شرط استقبال القبلة في الصلاة وأدلته]
قال المصنف رحمه الله: [ومنها استقبال القبلة].
أي: من شروط الصلاة التي ينبغي على المكلف أن يراعيها للحكم بصحة صلاته استقبال القبلة، والاستقبال استفعال من القُبُل،
ويُقال:
الشيءُ قِبَل الشيء، إذا كان مواجهاً له؛ لأن القُبُل ضد الدُبُر، فيُقال استدبَرَه، إذا كان من خلفه، واستقبله، إذا كان من أمامه.
قالوا: وُصِفت القبلة بذلك لأنها تكون قِبَالة الإنسان،
أي:
من وجهه، وقد أُمِر بالشرع أن يجعلها قِبَالة وجهه، ولذلك ينبغي في الصلاة إذا صلَّى أن يجعل ناحية البيت قِبل وجهه، وذلك لأمر الله عز وجل به في كتابه المبين، وكذلك ثبَت بهدي سيد المرسلين صلوات الله وسلامه عليه، وأجمعت الأمة على اعتباره.
أما دليل الكتاب فقوله تعالى: {وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [البقرة:149]،
فإن قوله سبحانه:
(فَوَلِّ وَجْهَكَ) أمر،
وقوله:
(شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ) أي: ناحية المسجد الحرام، وسنبيِّن تفصيل هذه الآية وما دلّت عليه.فوجه الدلالة أن الآية أمرَت فدل على لزوم استقبال القبلة.
أما دليل السنة فإن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال للمسيء صلاته:
(إذا قمت إلى الصلاة فأسبغ الوضوء، ثم استقبل القبلة فكبر)،
فقال له:
(استقبل القبلة)، وهذا أمر، والأمر للوجوب، وبناءً على ذلك أجمع العلماء رحمهم الله على أنه لا تصح الصلاة إذا استقبل الإنسان فيها غير القبلة،
إلا في حالتين:
حالة العذر من وجود السفر، أو حالة العذر من جهة المسايفة، وما في حُكمِها مِن كون الإنسان لا يستطيع أن يتحول إلى القبلة كالمريض الذي يكون مشلولاً ولا يجد من يوجهه إلى القبلة.فاشتراط هذا الشرط دلّ عليه دليل الكتاب ودليل السنة والإجماع.
[حكم استقبال القبلة للعاجز والمسافر]
قال رحمه الله تعالى: [فلا تصح بدونه إلا لعاجز].
قوله: [فلا تصح بدونه] أي: الصلاة، والفاء للتفريع،
أي:
إذا علمت رحمك الله أن استقبال القبلة لازم على المكلَّف وواجب عليه، فلا تصح الصلاة مطلقاً سواءٌ أكانت نافلة أم فريضة إذا لم يستقبل القبلة، وذلك لأمر الله عز وجل بها وتعيينها على المكلَّف، إلا ما استثناه الشرع.
قال رحمه الله تعالى: [إلا لعاجز].قوله: (إلا) استثناء، والقاعدة أن الاستثناء إخراج بعض ما يتناوله اللفظ.
وقوله: (لعاجز) العاجز يكون على أحوال، كالإنسان المريض الذي يكون مشلولاً ولا يستطيع أن يتحرك يميناً أو شمالاً، وكان على جهة غير القبلة، وحضَرته الصلاة، وليس عنده أحد يحرِفه إلى جهة القبلة، فحينئذٍ يصلي على حالته، خاصة إذا خرج عليه الوقت وهو على تلك الحالة؛ لأن التكليف شرطه الإمكان،
وقد قال الله عز وجل:
{لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة:286]، وهذا ليس بوسعه أن يستقبل، وليس بوسعه أن ينحرف إلى القبلة، فيبقى على العذر لمكان العجز المتعلق به.ولو أن إنساناً رُبِط في بئر أو في مكان بحيث لا يستطيع أن يتحول أو ينحرف، أو رُبط بالجدار وكان وجهه إلى غير القبلة، أو سُجن في موضعٍ فوُضِع وجهه على غير القبلة، ولا يستطيع أن يتحرك، فإن هذا يصلي على حالته؛ لأنه عاجز، والتكليف شرطه الإمكان، والعجز يوجب سقوط التكليف، فلذلك لا يُكلَّف.
قال رحمه الله تعالى: [ومتنفل راكب سائر في سفر].
قوله: (ومتنفِّلٍ) أي: في سفر، فيَخرج المفترض، فإن المفترِض يجب عليه أن يستقبل في السفر، وبناءً على ذلك ينزل من على دابته ويستقبل،
ودليل استثناء المتنفِّل ما ثبت في الصحيحين من حديث ابن عمر قال: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي في السفر على راحلته حيث توجهت به).فهذا الحديث دل على أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان من هديه في السفر أن يصلي حيثما توجهت به الدابة، فدل على أنه لا يتعيَّن عليه أثناء ركوبه على الدابة أن يستقبل القبلة، وإنما يصلي حيثما انصرفت الدابة.
الدليل الثاني: حديث أنس في الصحيح،
وقد رواه ابن سيرين رحمة الله عليه يقول:
(خرجنا نتلقى أنس بن مالك حين قدِم من الشام، -فلم ينتظروه حتى يدخل المدينة، ولكن كان السلف الصالح رحمهم الله يُجِلُّون أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم-
قال:
فلقيناه بعين التمر وهو على دابته، ووجهه من ذي الجانب -يعني على غير القبلة-
فقالوا: رأيناك تصلِّي على غير قبلة! فقال: لولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يفعله ما فعلته)
.فدل على أنه من هديه عليه الصلاة والسلام الصلاة على النافلة في السفر حيثما توجّهت به.
فإذا ثبت أن المتنفِّل على الراحلة في السفر يصلي حيثما توجَّهَتْ به راحلته فهنا مسائل ينبغي التنبيه عليها:
المسألة الأولى: أنه ينبغي عليه أن يستقبل القبلة عند تكبيرة الإحرام، وذلك لحديث أبي داود، وهو حديث حسن، وما ورد من الأحاديث المطلقة عن ابن عمر وأنس مقيد بما ورد بهذا الحديث،
ولذلك نقول:
إن حديث ابن عمر ذكر الأصل، والقاعدة أن الذي يُفصِّل يُقدَّم على الذي يُجمِل.
فكونه يُجمِل ويقول: كان يصلي على دابته حيثما توجَّهت به، هذا يُقدَّم عليه المفصِّل الذي يبيِّن أنه عند تكبيرة الإحرام يَحرِف دابته ويستقبل القبلة، وبناءً على ذلك لا بد من استقبال القبلة عند تكبيرة الإحرام.فإذا كان على بعيرٍ حرَف البعير واستقبل جهة الكعبة وكبَّر ثم عطَف البعير على جهة السير، وهذا بالنسبة إذا أمكن.
المسألة الثانية: إذا لم يمكنه ذلك كما هو الحال الآن -مثلاً- في السيارات، فلو كان الإنسان في السيارة والسيارة منطلقة، خاصة إذا كان راكباً فإنه محكوم بقيادة غيره، فحينئذٍ يُكبِّر حيثما توجّهت به السيارة للتعذُّر، فيُستثنَى من هذا الأصل التعذُّر أو حصول المشقة الشديدة،
قالوا:
وأيضاً في حكمها القاطرة في القديم، وكذلك القطار في الحديث، فإن الإنسان إذا أراد أن يتنفل في قطار أو طيارة أو سيارة وتعذَّر عليه أن ينحرف، فحينئذٍ يكبر على الوجهة التي هو فيها.
وإن كان بعض العلماء اجتهد فقال: ينحرف بجسمه ويكبِّر ثم يرجع إلى وضعه، ولكن هذا الفعل فيه إشكال، ويحتاج إلى نظر.وبناءً على ذلك إذا ثبت أن الأصل أنه يكبِّر تكبيرة الإحرام ثم يعطف الدابة ويمشي، فإذا مشت الدابة فحينئذٍ الرخصة أن تمشي في مسيرها الذي هو أصل سيرها، وهذا محل الرخصة،
قالوا:
فإن انحرفت الدابة عن مسيرها المقصود إلى مسيرٍ آخر كان كانحرافه عن القبلة؛ لأنه إنما جاز له لمكان الحاجة، فهو يستقبل جهته التي ذهب إليها كسباً لوقته، فإذا كان عنده من الوقت أن ينحرف عن طريقه، فالأولى أن ينزل ويستقبل قبلة الله التي أوجبها على عباده.إذاً لا بد وأن يكون على الوجهة التي هو ماضٍ إليها، فإن انحرفت دابته فإنه يكون كما لو انحرف عن القبلة قصداً، وهذا إذا لم توجد حاجة، أما لو انحرفت اضطراراً، أو انحرفت كما يحدث الآن في السيارات أن تنحرف لعارض أو لحاجة فهذا لا يؤثر؛ لأنه في حكم القصد الذي مشى عليه الإنسان من حاجته، فهذا بالنسبة لصلاته على الدابة.
المسألة الثالثة:
قالوا: إن الله عز وجل لطف بالعباد وخفَّف عليهم، وهذا من شرف العبادة أن جعلهم في عبادة حتى وهم على الدواب، فيؤجرُ المسافر على ذكر الله عز وجل وهو على دابته وبعيره، فكان من رحمة الله عز وجل أن أجاز للمسلمين أن يصلوا وهم على دوابهم حتى لا يفوت المسافر الخير، وبناءً على هذا تكون هذه الرخصة أصل.
المسألة الرابعة: لو أن إنساناً كان مسافراً وراكباً على دابته عرَفنا حكمَه، فهَب أنه يمشي على قدمه، فما حكمُه؟
قالوا:
إذا مشى على قدمه فإنه يستقبل القبلة ويكبِّر، ثم ينحرف ويمشي في مسيره، فإن جاء وقت الركوع وقَف وركع،
وقالوا:
يَسُوغ له أن يركع ماشياً؛ لأنه لا يُعذر بالركوع مثل الذي على الدابة؛ لأن الذي على الدابة يومي إيماء، ولا يلزمه أن يقوم ويركع؛ لأنه ربما سقط، كالحال في السفينة أو نحوها.ثم إذا كان يمشي يركع وهو على وجهه،
قالوا:
ثم يسجد وهو على وجهه، ولا يُعذَر بترك ركوعٍ ولا سجود، فيُفرَّق بين الماشي والراكب على دابته من هذا الوجه.
[صلاة المتنفل في السفر]
قال المصنف رحمه الله:
[ويلزمه افتتاح الصلاة إليها، وماشٍ، ويلزمه الافتتاح والركوع والسجود إليها].
قوله: (ويلزمه) أي: يجب عليه،
وقوله:
(افتتاح الصلاة إليها) أي: إلى جهة القبلة -كما قلنا- وهو أصح أقوال العلماء، لحديث أبي داود الذي ذكرناه.
وقوله:
[وماشٍ] أي: يجوز له إذا كان ماشياً أن يصلي حيثما استقبل من وجهه الذي هو مسافرٌ إليه.
قوله: [ويلزمه الافتتاح والركوع والسجود إليها].
قال بعض العلماء مثلما درج عليه المصنف في الركوع والسجود: ينحرف الماشي ويركع ويسجد، وهذا أحوط المذاهب، وهو أقربها إلى الصواب إن شاء الله.
وقال بعض العلماء: إنه يركع على سبيله أو على طريقه.
فقال الآخرون: لا؛ لأن الرخصة إنما ثبتت عند الحاجة، وهذا بإمكانه أن ينحرف إلى القبلة ويركع ويسجد، وهذا أحوط وأبلغ في إعمال الأصل، ولذلك اعتباره أولى.
[أحوال استقبال القبلة]
قال رحمه الله تعالى:
[وفرض من قرُب من القبلة إصابة عينها ومن بعد جهتها].
المصلي لا يخلو من ثلاثة أحوال: إما أن يكون داخل المسجد الحرام.وإما أن يكون داخل الحرم وخارج المسجد، كبيوت أهل مكة.وإما أن يكون خارج الحرم وخارج المسجد، وهم أهل الآفاق، ومن في حكمهم.فإن كنت داخل المسجد الحرام فيجب عليك استقبال عين الكعبة، وذلك لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم -كما في حديث ابن عباس في الصحيح- لما خرج من الكعبة كبَّر وركع ركعتين،
وقال:
(هذه القبلة)،
أي: هذا الذي فعلته من الاستقبال هو المتعيِّن واللازم على المكلَّف، فاستقبل عين الكعبة، فيجب على المكلَّف أن يستقبل عين الكعبة ما دام داخل المسجد.وبناءً على ذلك لو كان في الأروقة ينبغي أن يتحرَّى وأن يستبين، ولا يفعل كما يفعل العوام، فبمجرد ما يجد صفاً يكبِّر، بل ينبغي أن يحتاط ويتحرَّى استقبال عين الكعبة؛ لأنه ربما صار مستقبلاً للفراغ خاصة عند طول الصفوف، فينبغي الاحتياط والتثبت، وكذلك أيضاً لو كان في الأدوار العليا وهو بعيد ينبغي عليه أن يحتاط ويتثبت، ويبني على غالب الظن إذا كانت هناك أمارات وعلامات يقوى بها إلى الاهتداء إلى جهة الكعبة، فيصيب تلك العلامات، أو يكون بينها حتى يكون مصيباً لعين الكعبة.فإذا تبيَّن أنه كان مستقبلاً لفراغٍ أو فضاء، بمعنى أنه لم يستقبل الكعبة لزِمته الإعادة، وذلك لأنه فرّط، فيُلزم بعاقبة تفريطه، فيُعيد صلاته لإمكان استقبال عين الكعبة.
الحالة الثانية: أن يكون داخل بيوت مكة وخارج مسجد الكعبة، فهذا يستقبل المسجد،
أي:
يَعْتَد بالمسجد، ولذلك صلَّى عليه الصلاة والسلام بالمحصَّب، وكذلك صلّى عليه الصلاة والسلام بالبطحاء،
قالوا:
فاستقبل جهة المسجد.والدليل على أنه يستقبل جهة المسجد أنه لما صلى في منىً وهي في الحرم صلّى بالخط الطويل؛ لأنه كان صف أصحابه طويلاً، ومع ذلك لم يحدد عدد الصف حتى يصيب عين الكعبة؛ لأن الصف الطويل قطعاً سيصيب الفراغ، فكون النبي صلى الله عليه وآله وسلم يصلِّي بالصفوف الطويلة من أصحابه وهو داخل حدود مكة أثناء حجِّه عليه الصلاة والسلام يدلُّ على أن العبرة بجهة المسجد، وأنه إذا استقبل جهة المسجد أجزأه ما دام أنه داخل حدود الحرم.
الحالة الثالثة: أن يكون خارج حدود الحرم، فهذا العبرة عنده بجهة مكة،
وبناءً على ذلك قالوا في قوله تعالى:
{وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ} [البقرة:144]، والضمير عائد إلى المسجد،
قالوا:
(شطره) أي: ناحيته.وقد دلّ الدليل الصحيح على أن العبرة بالناحية والجهة، ووقع إجماع العلماء على أنك إذا كنت في المدينة فاعتبِر الجهة، فجهة القبلة في المدينة في الجنوب منحرفة قليلاً إلى الغرب، وإذا وقفت إلى الجنوب المحض فأنت مستقبل للقبلة؛
لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال في قبلة أهل المدينة:
(ما بين المشرق والمغرب قبلة)،
وقال كما في الصحيحين من حديث أبي أيوب:
(لا تستقبلوا القبلة ولا تستدبروها ببولٍ ولا غائط، ولكن شرِّقوا أو غرِّبوا)، فدل على أن القبلة بين الشرق والغرب بالنسبة لأهل المدينة، وهذا يُثبت على أن العبرة بالجهة، وليس المراد إصابة عين الكعبة؛ لأن كون الإنسان وهو في المدينة أو جدَّة أو الطائف أو آفاق الأرض يستقبل عين الكعبة فهذا متعذِّر، ولذلك العبرة بالجهة.وإذا ثبَت أن العبرة بالجهة، فحينئذٍ لو أن الإنسان انحرف انحرافاً لا يخرجه عن جهة القبلة فلا بأس بذلك، فلو أن قبلته في الجنوب، ولم ينحرف إلى الشرق ولا إلى الغرب، أو إلى جهة فرعية يتبين بها انحرافه فصلاته صحيحة، وقبلته معتبرة، وقال بعض العلماء بإلغاء الجهات الفرعية، والعبرة بالجهات الأصلية، وهذا مذهب قوي، خاصة للأحاديث التي ذكرناها.ومن هنا يُنبّه على ما شاع وذاع في هذه العصور المتأخرة من العمل بالبوصلة، وتشكيك الناس في محاريبهم، فإن بعض من يضبط بالبوصلة يبالغ في الضبط بها، فلو حُدِّدت الدرجة لأهل المدينة -مثلاً- تسع عشرة درجة، فهل معنى ذلك أن شرق المدينة كغربها كوسطها؟ لا.فإذا وجدنا المسجد ينحرف قليلاً، فما دام أنه يصيب الجهة فلا داعي لتشكيك الناس في صلاتهم، وهدم بيوت الله عز وجل، وإحداث الشوشرة على الناس، فلا يُعتد بالانحراف اليسير؛ لأن الله عز وجل كلَّفهم بالجهة،
كما قال تعالى:
((فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ)) [البقرة:144]، فإذاً العبرة بالشطر والناحية، فكونه بعد وجود هذه الآلات الدقيقة يُحرص على أنه لا بد من أن يكون استقبالاً محضاً، فهذا محل نظر، وقد كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم بإمكانه أن يستقبل عين الكعبة بالوحي.
فإن قال قائل: إن وجود هذه الآلات الآن أمكن معها ضبط عين القبلة! نقول: نعم.لكن في عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان محرابه مصيباً لعين الكعبة، وقال بعض العلماء بالإجماع على ذلك،
ومع ذلك ما كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يأتي إلى مساجد الناس في المدينة ويقول لهم:
هلموا أضبط لكم قبلة الكعبة بعينها، بل ترَكهم يجتهدون،
وقال:
(ما بين المشرق والمغرب قبلة)، وهذه هي سماحة الدين ويُسره، وأما المبالغة في الضبط والتحرَّي، وتشكيك الناس في صلاتهم فهذا لا ينبغي؛ لأن الله عز وجل وسَّع على عباده، وديننا دين رحمة، وليس دين عذابٍ وعنت، ولذلك ما دام أنه استقبالٌ للجهة فهذا يكفي، ولا عبرة بالتحديد المبالغ فيه كما ذكرنا.
وقوله:
(ومن بَعُد جهتها) أي: جهة الكعبة، فإن كانت جهتها في المشرق فالقبلة المشرق، وإن كانت جهتها المغرب فالقبلة المغرب، لا يكلِّفك الله أكثر من الجهة،
والدليل على هذا قوله تعالى:
{فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ} [البقرة:144]، والشطر هو الناحية؛
لأن الشطر يُطلق بمعنيين:
بمعنى النصف، وبمعنى الناحية، فيُقال شطر كذا، بمعنى ناحيته، وشطر كذا،
أي:
نصفه.
[كيفية الاستدلال على جهة القبلة]
قال المصنف رحمه الله: [فإن أخبره ثقة بيقين أو وجد محاريب إسلامية عمل بها].بعد أن عرفنا أن من كان داخل المسجد يستقبل العين، وأن من كان خارج المسجد يستقبل المسجد، وأن من كان خارج مكة يستقبل جهة مكة، بقي معرفة هذه الجهات،
فللمصلي حينئذٍ حالات:
الحالة الأولى: أن يكون عالماً بها عارفاً لها، يعلم أن جهة مكة هنا، فحينئذٍ يعمل بعلمه، وهذا لا يحتاج إلى اجتهاد ما دام أنه يعلم أن جهتها في هذه الجهة؛ فيعمل بما يعلم.
الحالة الثانية: أن يكون غير عالمٍ بجهة الكعبة، ولكن هناك من يعلم جهتها، فإن أخبره وهو ثقة عمِل بقوله ما دام أنه يعلمها بيقين، وليست المسألة هنا مسألة اجتهاد، بل مسألة العلم، وفرقٌ بين مسألة العلم والاجتهاد، فالعلم أن تعلم جهة الكعبة، والاجتهاد أن تجتهد في ضبطها، فهذا شيء، وهذا شيء.
مثال ذلك: لو كنت في دار بجوار مسجد الكعبة، وهذه الدار تطِل على البيت، لكن الغرفة التي أنت فيها ليس فيها نافذة تطل على البيت، والغرفة التي فوقك فيها نافذة، فجاءك الذي فوقك،
وقال لك:
القبلة هكذا لأنه نظر ووجد أن القبلة أمامه مباشرة، فحينئذٍ يلزمك أن تعمل بخبره، كأنك رأيت أنّ القبلة في هذا الموضع، وهذه المسألة ليست موضع اجتهاد، بل هذا موضع النقل، وموضع النقل شيء، وموضع التحرِّي والاجتهاد شيءٌ آخر.فابتدأ المصنِّف رحمه الله بمسألة العلم والاطلاع، إن اطلعت بنفسك على الكعبة، فكنتَ في غرفة تطل على مسجد الكعبة، وتعلم أنك تستقبل ما بين الركنين صحّ ذلك ولزِمك أن تعمل بهذا؛ لأنه اليقين، وليس هناك أرفع ولا أعلى من نظر الإنسان إلى الشيء؛ لأنه علم اليقين.
الحالة الثالثة: أن يكون في حكم علم اليقين، كإخبار الشخص الثقة،
أي:
العدل الذي يوثق بقوله، وليس بإنسان كذاب، ولا فاسق لا يُعتَد بقوله وخبره، فإن كان فاسقاً لزِمك التبيُّن؛
لأن الله يقول:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا} [الحجرات:6].
كذلك في حكم هذا قالوا:
لو نزل الضيف على مضيفه، فإن صاحب الدار له أن يُعلِمه بأمور، منها قبلتَه ومكان قضاء حاجته؛ لأنه يحتاج إلى ذلك، فالأول لدينه، والثاني لرفقه ببدنه، فإذا أعلمك صاحب الدار عملت بعلمه؛ لأنه لا مساغ في مثل هذه المواضع أن تجتهد، وإنما هي مواضع النقل.
قوله: [أو وجد محاريب إسلامية عمل بها].
المحاريب:
جمع محراب، وكان بعض السلف يكرهون وجودها في المساجد، ويكرهون الصلاة فيها، كما أُثِر عن طائفة من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ورخَّص فيها بعض العلماء،
قالوا:
هذا مما سكت عنه الشرع، ويُعتبر من المصالح المرسلة؛ لأن الناس ضعُف فيهم الاجتهاد الذي يعلمون به القبلة،
والأمر الثاني:
قل أن تجد إنساناً منهم يعلم جهة القبلة، وربما جاء الغريب إلى البلد، فإذا وجد المساجد مربَّعة ليس فيها موضع القبلة فإلى أين يصلي؟
قالوا:
فإذن هذه تعين على مقصود الشرع من استقبال القبلة، فتسامح فيها طائفة من العلماء رحمة الله عليهم.ودُرِج على ذلك، وانتشرت المحاريب ووُجِدت، وحصل الخلاف على ما ذكرنا، فبعض العلماء يكرهها، وبعض العلماء يُجيزها، وإن كان الأصل كراهيتها، لكن نظراً لوجود الحاجة قد يُغتفر وجودها.وبناءً على هذا فإذا وُجِد في المسجد محراب فإن هذا المحراب دليلٌ على القبلة، وأهل المسجد أعلم بقبلتهم، فكون هذه الأمة كلها تصلي في هذا المسجد، وأهل البلد أو أهل هذا الحي كلهم متظافرون ومتفقون على أن القبلة هنا، فمثل هؤلاء يُعتَد باجتهادهم.
قالوا: هذه حالة الغريب إذا نزل، فحينئذٍ يلزمه أن يعمل بهذا المحراب، فيستقبل جهة المحراب؛ لأنها دليل على جهة القبلة، ولا يُعقل أن هؤلاء كلهم يتظافرون على خطأ دون نكير.
وقوله:
[محاريب إسلامية] مفهوم ذلك أن محاريب غير المسلمين لا يُعتَد بها كالديَر والصوامع، ويتأتى ذلك لو أن إنساناً -مثلاً- مسافر بين الشام وبين المدينة، ورأى بَيْعة (كنيسة) مستقبِلة إلى جهة بيت المقدس يعلم أن عكسها هو القبلة؛ لأن بيت المقدس على عكسه، فيعكس إلى القبلة فيستقبل الجنوب؛ لأن الذي يريد أن يستقبل بيت المقدس يستقبل الشمال، فإذا أراد أن يستقبل الكعبة يستقبل الجنوب.
فقالوا: إن هذا لا يُعتد به؛ لأن النصارى لا يُؤمَن منهم تحريف دينهم، فخرج من هذا محاريب غير المسلمين،
فقالوا:
العبرة بمحاريب المسلمين دون غير المسلمين.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 20-09-2020, 12:05 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,359
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع للشيخ محمد الشنقيطي

شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع
(كتاب الصلاة)
شرح فضيلة الشيخ الدكتور
محمد بن محمد المختار بن محمد الجكني الشنقيطي
الحلقة (67)

صـــــ(11) إلى صــ(15)

الأسئلة

حكم صلاة الفريضة داخل الحِجْر
q هل تصح صلاة الفريضة داخل الحِجْر؟
a باسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد: فهذه المسألة تقدّم الكلام عليها، والحِجْر آخذ حكم داخل البيت؛ لأن الحجر تُرِك منه ستة أذرع، واختُلِف فيما هو زائد على ستة أذرع، كما ورد في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه من البيت قدر ستة أذرع وشيء، واختُلِف في هذا الشيء، وتكلَّم عليه المؤرخون الذين تكلموا على تاريخ مكة والكعبة، فقال بعضهم: إنه يصل إلى النصف، وقال بعضهم: إنه دون النصف بقليل.فهذا القدر يُعتبر من البيت، فإن صلى في هذا الحد وقع الخلاف الذي ذكرناه، أما لو أنه صلى فيما هو خارجٌ عنه، -أي: وراء الستة الأذرع والنصف- فإن صلاته صحيحة ومعتبرة، والله تعالى أعلم.
[حكم النظر إلى الكعبة أثناء الصلاة في الحرم]
q إذا كان الإنسان داخل الحرم فهل يلزمه أن ينظر إلى عين الكعبة أم ينظر إلى موضع سجوده؟
a هذه المسألة فيها خلافٌ بين العلماء رحمة الله عليهم، قال بعض أهل العلم: من صلَّى فإنه يضع وجهه قِبَلَه ولا يضعه جهة السجود، وذلك لأن الله عز وجل يقول: {فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [البقرة:144]، وأما ورود السنة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يرمي ببصره إلى موضع سجوده، فقالوا: لا مانع أن يكون الأصل أنه كان يرمي ببصره إلى حيث أُمِر، ثم إنه يرمي إلى موضع سجوده في بعض الأحيان، كما يقع من الإنسان الخاشع، فهذا وجه من يقول: إنه يستقبل جهة القبلة ويجعل بصره أمامه.وأكدوا هذا أيضاً فقالوا: لأنه يحقق مقصود الشرع، فإنه لو مر أحدٌ بين يديه ينتبه له، ولكن إذا كان رامياً إلى موضع سجوده فقد يكون أقل انتباهاًَ لمن يمر، ولذلك قالوا: إن الأفضل والأولى أن يجعل وجهه قِبَل القبلة، بمعنى أنه يرفعه.وقال بعض العلماء: السنة أن يرمي ببصره إلى موضع سجوده، وذلك لثبوت الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: (أنه كان إذا صلى رآه الصحابة رامياً ببصره إلى موضع سجوده) صلوات الله وسلامه عليه.قالوا: وهو أيضاً يحقق مقصود الشرع؛ لأنه أقرب إلى الخشوع.وجاء حديث أم سلمة يؤكد هذا، وهو: (أن الناس كانوا إذا صلوا مع النبي صلى الله عليه وسلم كانت أبصارهم لا تفارق موضع سجودهم، ثم لما قُتِل عمر رضي الله عنه نظروا أمامهم، فلما قتل عثمان أخذوا يميناً وشمالاً)، أي: على حسب الفتن، نسأل الله السلامة والعافية.فكان الخشوع موجوداً فيهم، ثم لما حصلت الفتن أصبح الناس يسلبون الخشوع شيئاً فشيئاً، كما جاء في حديث الدارمي: (إن أول ما يرفع من العلم الخشوع).فالمقصود أنهم قالوا: إن أم سلمة أثبتت هذا، فدل على أن مقصود الشرع أن يرمي ببصره إلى موضع سجوده، وهذا القول في الحقيقة أقوى، وبناءً على ذلك إذا كان في مكة أو داخل البيت فإنه يأخذ بالسنة من الرمي إلى موضع السجود، وإن رفَع بصره إلى جهة الكعبة فلا حرج، لكن الذي تطمئن إليه النفس ما ذكرناه لورود الخبر مع تحقيق مقصود الشرع من الخشوع.وما ذكروه من دفع المصلي فإننا نقول: إذا تعارضت فضيلتان: الانتباه لدفع المصلي وخشوع المصلي، فإن خشوع المصلي متصلٌ بالصلاة، وفضيلته متصلة من هذا الوجه، ودفع المصلي منفصلٌ عن الصلاة ففضيلته منفصلة من هذا الوجه، فتُقدَّم الفضيلة المتصلة على الفضيلة المنفصلة من هذا الوجه، والله تعالى أعلم.
[استقبال القبلة لصلاة الفريضة في الطائرة]
q في بعض الأسفار تطير الطائرة لمدة ثلاث عشرة ساعة أو أكثر، ويتعذر استقبال الكعبة، فكيف تصلى الفريضة؟
a بالنسبة للأسفار الطويلة في الطائرة فإنه يلزمه أن يستقبل جهة الكعبة، فيقوم ويأتي في هذا الممر؛ لأنه لا بد من وجود أوقات يمكن أن يستقبل فيها القبلة حتى ولو يؤخر إلى آخر الوقت، وإذا كان الناس يمرون أخر إلى آخر الوقت، وهذا مما يُستثنى من النهي عن الصلاة في قارعة الطريق، فإن النهي عن الصلاة في قارعة الطريق أضعف من أن يمنع المكلف من ركن الصلاة الذي هو القيام والركوع والسجود.ولذلك الأقوى -كما اختاره بعض مشايخنا رحمة الله عليهم والنفس تميل إليه- أنه إذا جاء وقت الصلاة يقوم فيستقبل جهة مكة أو جهة الكعبة، وخاصة في بعض الرحلات حيث يتيسر فيها وجود البوصلة التي تدل على الجهة، فحينئذٍ يستقبل الجهة، ثم يصلِّي ولو في الممر، كأن يأتي في آخر الممر ويبسط سجادة ثم يصلي، فيأتي بالقيام والركوع والسجود والجلوس، لكنه لو جلس على كرسيه فلا يستطيع القيام ولا الركوع ولا السجود، فيُذهِب ما لا يقل عن ثلاثة أركان من أركان الصلاة، ولذلك لا يُخفَّف؛ لأنه بإمكانه أن يُحقِّق هذه الأركان بهذا الموضع، ولذلك تُغتفر صلاته في الطريق؛ لأن حديثها ضعيف، وتبقى الأركان المأمور بها على الأصل، ولأن قارعة الطريق إنما نُهِي عنها لوجود الضرر، وخاصة في الطائرات التي تكون ممراتها متعددة، فالضرر غير موجود؛ لأنه إذا صُلِّي في هذه الطريق فيمكن أن يلتمس المارُّ طريقاً آخر، فالذي يظهر أنه يمكن من الصلاة على الصفة التي ذكرناها في كل وقتٍ بحسبه، والله تعالى أعلم.
[حكم السترة في الحرم]
q ما الحكم في سُترة المصلي داخل الحرم؟ وهل يعذر في قطع الصلاة بسبب الزحام ونحوه؟

a النصوص في السترة عامةٌ عن النبي صلى الله عليه وسلم، ففي الحديث عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: (من استطاع منكم أن لا يحول بينه وبين قبلته أحد فليفعل)، وسئل عليه الصلاة والسلام عن سترة المصلي فقال: (مثل مؤخرة الرحل)، فلا يضره من مر وراء ذلك، وقال: (إذا صلى أحدكم فليجعل تلقاء وجهه شيئاً) فهذه كلها تدل دلالةً واضحةً على اللزوم.وبناءً على ذلك نظرنا في هذا النص فوجدناه عاماً لم يفرق بين كون الإنسان داخل المسجد أو خارجه.وقال بعض العلماء باستثناء مكة وداخل المسجد، والحديث في ذلك ضعيف، فلم يصح حديثٌ عن النبي صلى الله عليه وسلم باستثناء داخل الكعبة، وإنما استثناه العلماء بهذا الحديث الضعيف وبالنظر -أي: الاجتهاد- فقالوا: إنه داخل المسجد يرى الكعبة، فلا حرج أن يمر أحدٌ بين يديه ولا يقطع صلاته وهذا اجتهاد في مقابل عموم النص فيُقدَّم عموم النص عليه، والصحيح أنه لا بد من السترة، بل ثبتت السنة عن النبي صلى الله عليه وسلم في صلاته إلى السترة في داخل مكة.ففي الصحيحين من حديث أبي جحيفة وهب بن عبد الله السوائي رضي الله عنه أنه قال: (أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو في قبةٍ له حمراء من أدم -وهذا بعد أن فرغ من المناسك ونزل عليه الصلاة والسلام- قال: فأتاه بلال بوضوءٍ.إلى أن قال: ثم رُكزت له العَنَزَة).وهذا يدل على أن داخل مكة كخارجها سواءً بسواء، والحديث ضعيف فيُبقى على عموم النص، ويستوي من كان بالداخل والخارج.لكن لو أن إنساناً غُلِب بمرور الناس فليتنح إلى ناحية ليس فيها أُناس، خاصة إذا كان يريد أن يصلي صلاةً واجبةً عليه، كأن يقضي ظُهراً أو عصراً، أما أن يأتي في المطاف مثلاً، أو بجوار المطاف أو المقام، ويريد أن الناس لا تمر بين يديه فإنه يعتبر كالمتسبب لنفسه في مرور الناس، فلو ظن أنه لا يمر بين يديه أحد وغلبه الناس فلا حرج، فلو قام يصلي سنة الظهر، أو ليصلي صلاة رغيبة الفجر فجاء الناس ومروا بين يديه وغلب عليهم فلا حرج؛ لأن التكليف شرطه الإمكان، وهذا ليس بإمكانه أن يدفع إذا حصل الضرر عليه بغلبة الناس له، والله تعالى أعلم، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 20-09-2020, 12:07 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,359
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع للشيخ محمد الشنقيطي

شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع
(كتاب الصلاة)
شرح فضيلة الشيخ الدكتور
محمد بن محمد المختار بن محمد الجكني الشنقيطي
الحلقة (69)

صـــــ(7) إلى صــ(15)

[حكم الشك في النية أثناء الصلاة]
قال رحمه الله تعالى: [وإذا شك فيها استأنفها].هذه مسألة مشكلة، فإذا جاء الإنسان أثناء صلاته وسواس، فحدثته نفسه وهو يصلي الظهر مثلاً أنه لم ينو الظهر،
فحينئذٍ قال:
[استأنفا] أي: الصلاة.والسبب في ذلك أنه إذا شك فاليقين أنه لم ينو، ومن قواعد الشريعة التي دلت عليها النصوص في الكتاب والسنة أن اليقين لا يزول بالشك، فالأصل أنه لم ينو حتى يتحقق أنه نوى، فإذا شك أنه نوى فمعنى ذلك أنه لم تبرأ ذمته المشغولة بلزوم النية، وبناءً على ذلك يلزم باستئناف الصلاة، فهذا وجه عند العلماء رحمة الله عليهم، ودرج عليه فقهاء الحنابلة والشافعية، وجمع من فقهاء المالكية والحنفية رحمة الله على الجميع.وهذا مبني على القاعدة أن اليقين لا يزول بالشك،
فقالوا: الأصل البراءة والعدم حتى يدل الدليل على الوجود، فهو مطالبٌ في الشرع بالنية، فإذا شك أنه فعل أو لم يفعل فالأصل أنه لم يفعل حتى يستبين ويستيقن أنه فعل، فلما حصل عليه الشك أثناء الصلاة أُعمل الأصل، وهو أنه لم ينو حتى يستيقن أنه قد نوى.
وقال بعض العلماء: يستمر في صلاته ولا عبرة بهذا الشك، وهذا ينبني على قاعدةٍ ثانية وهي (إعمال الظاهر)، وتعتبر هذه المسألة من تعارض الأصل والظاهر،
فإن من يقول:
يستأنف الصلاة يقول: إن اليقين أنه لم ينو، والشك أنه نوى، فنبقى على اليقين أنه لم ينو.
والذين يقولون: إنه يستمر في صلاته ويلغي هذا الحديث والهاجس يقولون: إن الظاهر من حال المكلف أنه لم يدخل في الصلاة إلا بنية، وبناءً على ذلك نبقى على هذا الظاهر، ونلغي هذا الشك الطارئ، ويعتبر هذا من تقديم الظاهر على الأصل.والحقيقة أن هذه المسألة من قواعد الفقه التي ينبني عليها معارضة الأصل والظاهر.ولكن ما هو الأصل وما هو الظاهر؟ الأصل هو الذي يكون في الإنسان سواءٌ في المعاملات أم العبادات،
فلو أن إنساناً أحدث فنقول:
الأصل فيه أنه محدث.ثم شك هل توضأ أو لم يتوضأ بعد حدثه،
فتقول: الأصل فيك أنك محدث، واليقين فيك أنك محدث حتى تستيقن أنك قد توضأت.كذلك أيضاً العكس، فلو قال: أنا على يقين أنني توضأت من البيت، ثم دخل المسجد وجاءه حديث نفس أنه خرج منه شيء أو لم يخرج،
تقول له:
الأصل فيك بفعل الوضوء أنك متطهر، فتبقى على هذا اليقين حتى تستيقن أن الوضوء أو الطهارة قد انتقضت بالحدث، فهذا يسمى استصحاب الأصل،
ويعتبره العلماء مندرجاً تحت قاعدة:
(اليقين لا يُزال بالشك، أو لا يزول بالشك)،
ويعتبرون هذا الأصل فرعاً عن القاعدة التي تقول:
الأصل بقاء ما كان على ما كان.فهذا الأصل.فالأصل أن تنظر إلى اليقين وتبقيه وتُعمِله حتى تستيقن مثله سواءٌ كان في الطهارة أم في الصلاة،
ففي الصلاة قال عليه الصلاة والسلام:
(إذا سها أحدكم في صلاته فلم يدر واحدة صلى أو اثنتين فليبن على واحدة)؛ لأن الأصل فيه أنه صلى واحدة، والشك أنه صلى الثانية، فيبقى على الواحدة.كذلك في الزكاة،
فلو أنه قال:
أنا أشك في كوني أخرجت زكاة هذه السنة أولاً، نقول: الأصل أن ذمتك مطالبةٌ بالزكاة وعلى شكٍ أنك أخرجتها، فتبقى على اليقين من كونك مطالباً بالزكاة.وفي الصوم لو شك هل طلع الفجر أو لم يطلع،
فإننا نقول: الأصل أن الليل باقٍ حتى تستيقن أن النهار أو الفجر قد طلع فيحرُم عليك الأكل.وفي الحج لو شك -مثلاً- في الطواف هل طاف خمساً أو ستاً،
نقول:
ابن على خمس.ولو شك هل فعل الطواف أو لم يفعله، فاليقين أنه لم يفعله، فهذا بالنسبة للعبادات.وفي المعاملات لو أن إنساناً تعامل مع غيره، كبائع ومشترٍ اختصما إليك، فقال أحدهما: هذا اشترى مني هذا الكتاب ولم يدفع لي المال،
فسألت الخصم: هل اشتريت الكتاب؟
قال:
نعم، ولكني دفعت المال.فالأصل أن الذي اشترى مطالب بقيمة الكتاب،
فتقول:
إما أن تأتي بدليلٍ على أنك دفعت القيمة، وإلا أُلزِمت بالقيمة؛ لأن الأصل أنك مدين؛ لأنك باعترافك أنك اشتريت الكتاب فأنت مدين، فهذه قاعدة عامة في العبادات والمعاملات.كذلك لو شك هل طلق امرأته أو لم يطلقها،
فنقول:
اليقين أنها زوجته، والطلاق شك، فنبقى على اليقين من كونها زوجةً له، ولو شك هل طلق طلقة أو طلقتين، بنى على أنها طلقة، وقس على هذا، إذاً هذه القاعدة يُعتبر فيها الأصل.لكن هناك دلالة الظاهر، ودلالة الظاهر تقع في العبادات والمعاملات، ففي العبادة لو أن إنساناً رأى ماءً في موضع نجاسة، مثل الماء الذي يكون في دورات المياه، فإن الأصل في الماء أنه طاهر، والشك أنه نجس، لكن كونه في دورة المياه الظاهر منه أنه نجس،
فنقول:
هنا نقدم الظاهر على الأصل.ولو أن اثنين اختصما في دابة، أحدهما على صدر الدابة أمامها، والثاني وراءه، فإن الظاهر أن الدابة ملكٌ للذي في الأمام؛ لأن قائد الدابة يكون في الأمام، ويكون هو المدَّعَى عليه، والذي خلفه مدعٍ، مع أن القاعدة هنا قدمنا فيها الظاهر، فعندنا ظاهر وعندنا أصل.
فهنا حينما تقول: المكلَّف ما دخل المسجد ولا كبَّر في الصلاة ولا قرأ ولا ركع ولا سجد إلا والظاهر أنه ناوٍ؛ لأن الظاهر من حال الإنسان أنه لا يدخل في الصلاة إلا بنية،
ثم إذا نظرت إلى الأصل أن ذمة المكلف مطالبة بفعل الصلاة تقول:
إنني أُلزِمه بقطع الصلاة، وأعتبر ما قاله غير مُعتدٍ به لأنه شك، والشك عندي لاغٍ بالأصل.هذا بالنسبة لقضية الظاهر والأصل في تكبيرة الإحرام هنا، فمن يقول: يستأنف الصلاة نقول له: المسألة تحتاج إلى تفصيل: فيتم الصلاة نافلة؛
لقوله تعالى:
{ولا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} [محمد:33]، ثم إذا سلَّم يشرع من جديد، ويبتدئ صلاةً مفروضة بنيةٍ من أولها، وهذا القول أوجه وأقوى من حيث الأصول والقواعد؛ لأن عندنا دليلاً في الشرع يُلزِم بالنية، والظاهر هنا ضعيف؛ لأن الظاهر تكون دلالته في بعض الأحيان قوية، وبعض الأحيان تكون ضعيفة، فنظراً لوجود دليل الشرع بإلزام المكلف بالنية نُغَلِّب الأصل،
ونقول:
تقديم الأصل في هذا أشبه، وهو مذهب الجمهور رحمة الله عليهم.
فلذلك نقول: لو أن إنساناً شك في أثناء الصلاة هل نوى الظهر أو لم ينوه يستأنف.وإذا ثبت أنه يستأنف، بمعنى أنه يتمها نافلة ثم يكبر من جديد فحينئذٍ يردq هل هذا الحكم بإطلاق؟و a لا، فيُستثنى من هذا الموسوس، فمن كانت عنده وسوسة لا يلتفت إلى هذا الشك، ونبقى على الظاهر؛ لأن في مثله الظاهر أقوى، الموسوس والمسترسل إذا كان معهما الوسواس فهذا لا يؤثر في نيته ما طرأ عليها؛ لأنه لو فتح عليه هذا الباب لما صلى صلاةً بسبب ما يشتغل به من الوساوس، والتكليف شرطه الإمكان، وهذا ليس بإمكانه أن يطالَب كل فترة بقطع الصلاة؛ لأنه يدخل عليه بل يزيده بلاءً، فيُستثنَى من هذا الموسوس،
ونقول:
إنه يستمر في صلاته؛ لأن وجود الوسوسة معه يدل على ضعف الأصل وقوة الظاهر.
حكم قلب نية الفرض نفلاً
قال المصنف رحمه الله:
[وإن قلب المفترض فرضه نفلاً في وقته المتسع جاز].هذه من المسائل بعد وجود النية،
فنحن قلنا:
إن الإنسان إذا شك أو قطع أو تردد فحكمه أنه يستأنف، وبيّنا مسألة الشك.
والسؤال هنا: لو أن إنساناً أراد أن يقلب نيته من الفرض إلى النافلة، كشخصٌ يصلي الظهر ثم أراد أن يقلب هذا الفرض الذي نواه فرضاً إلى نافلة أثناء الصلاة فهل من حقه ذلك أو لا؟ مذهب الجماهير على أن من حقه ذلك ولا حرج عليه أن ينوي النافلة، ولكن هنا تفصيل عند بعض العلماء،
فمن يرى وجوب صلاة الجماعة يقول:
إذا نوى أن ينتقل إلى النفل في فريضةٍ ولا يتيسر له وجود الجماعة بعده فإنه لا يجوز له ذلك؛ لأنه يفوت أمر الشرع بحضور الجماعة، وهو ملزم بهذه الجماعة التي هو فيها، ولذلك لا يصح انقلابه من الفرض إلى النفل؛ لأن الصلاة متعينةً عليه، كذلك أيضاً يستثنى -كما ذكر المصنف- أن يكون الوقت غير متسع إلا لبقية الفريضة، فلو كان في آخر الوقت بحيث لو قلبها نافلة خرج عليه الوقت فحينئذٍ لا يصح القلب؛ إذ لا يصح التنفل مع انشغال الذمة بالواجب.ولذلك من أصول الشريعة أنها تلغي التنفل مع اشتغال الذمة بالفرض، حتى المعاملات، فإنه لما اعتق رجلٌ غلمانه عن دبرٍ وعليه دين ألغَى النبي صلى الله عليه وسلم هذا العتق، وباع الغلمان، وسدد دينه صلوات الله وسلامه عليه، فإذا كان هذا في حقوق العباد فحق الله أولى وأحرى، كما قال صلى الله عليه وسلم.
فالانتقال من الفريضة إلى النافلة يُفصَّل فيه: فإن اتسع الوقت جاز، إلا إذا كان في جماعةٍ ولا يمكنه أن يحصل غيرها.أو إذا كان الوقت ضيقاً بحيث إذا صلى نافلةً خرج عليه وقت الفريضة، فحينئذٍ لا يصح منه قلب النية؛ لأنه يفوت مقصود الشرع من إيقاع المكلف للعبادة على وجهها المعتبر.
[صور انتقال النية]
قال المصنف رحمه الله:
[وإن انتقل بنيةٍ من فرضٍ إلى فرضٍ بطلا].
للانتقال في النية صورٌ: الصورة الأولى: أن ينتقل من الأعلى إلى الأدنى، فإنه يجوز، وهذا كما قررنا أنه ينوي الفرض ثم يقلبه إلى النافلة.
الصورة الثانية: أن ينتقل من الأدنى إلى الأعلى، ولا يجوز قولاً واحداً، كإنسانٍ كبر في صلاته ناوياً النفل المطلق، فحينئذٍ لا ينقلب إلى فريضة، ولا ينقلب إلى نافلةٍ مقيدة، فلو كبر ناوياً النفل المطلق والتقرب إلى الله بهاتين الركعتين ولم يعين فيهما شيئاً،
ثم طرأ عليه أن يقلبهما سنةً راتبةً قبليةً للفجر نقول:
السنة الراتبة القبلية في الفجر في حكم الشرع آكد من النفل المطلق، ولذلك لا يجزيه أن ينتقل من هذا الأدنى إلى الأعلى، كما لا يجزيه أن ينتقل من النفل المطلق إلى الفريضة؛ لأن المقصود في الشرع واحد، وهو ارتفاع درجة الثاني عن الأول.
الصورة الثالثة: أن يكون الانتقال من النظير إلى نظيره ولا يخلو من حالتين: إما أن يكون في النوافل، وإما أن يكون في الفرائض، ففي الفرائض ينتقل من الظهر إلى العصر، وفي النوافل ينتقل من سنة إلى سنة، فتكون هذه راتبة وهذه راتبة، فلو أراد شخص أن يصلي ركعتي الضحى فهذه نافلة معيّنة، ثم لما أحرم بركعتي الضحى تذكّر أنه لم يصل راتبة الفجر فحينئذٍ ينتقل من النظير إلى نظيره، من نافلةٍ معينة إلى نافلةٍ معينة.فإذا كان انتقاله من فرض إلى فرض بطل الفرضان الأول والثاني، أما الفرض الأول فإنه بطل لقطعه للنية، وذلك أنه فيما استقبل من الصلاة لم يستصحب نيته التي أُمِر باستصحابها، ولذلك لم ينو، فلو أنه انتقل من الظهر إلى العصر وهو في الركوع، أو عند ركوعه للركعة الأولى، أو الثانية، أو الثالثة فإن ما وقع من الصلاة من تكبيرة الإحرام وقراءة الفاتحة وقع عن فرضه، ثم ما وقع بعد تجديد النية وقع بنية لفرضٍ ثان، فقَطَع به الفرض الأول فأشبه ما لو لم ينو.وبناءً على ذلك إذا قَطَع النية بفرضٍ محل فرضٍ ألغي الفرض الأول لمكان القطع، ولظاهر قوله عليه الصلاة والسلام: (وإنما لكل امرئٍ ما نوى)،
قالوا:
مفهومه أن من لم ينو شيئاً لا يكون له.وبناءً على هذا يبقى النظر في الفرض الداخل، فالفرض الداخل باطل؛ لأن من شرط نية الفرض أن تكون عند تكبيرة الإحرام، وهذا الفرض وقعت نيته في الأثناء، ولا يصح إيقاع النية في الأثناء، إنما المعتبر في النية أن تكون قبل تكبيرة الإحرام، أو مع تكبيرة الإحرام.وبناءً على ذلك لا يصح منه أن يُدخل نية فرضٍ على فرض.ويبقىq هل تبطل صلاته أو تنتقل إلى النافلة؟و a تنتقل نفلاً محضاً، وبناءً على هذا إذا نوى من فرضٍ إلى فرض فإنه ينتقل إلى النفل المحض.وأما إذا انتقل من نافلةٍ معينة إلى نافلةٍ معينة فهذا للعلماء فيه خلاف،
قال بعض العلماء:
إن الانتقال من المثل إلى المثل يسري حتى في النوافل،
وقال بعض العلماء:
النافلة أهون من الفرض، فيُخفف فيها.ولكن القول بأن النافلة المعينة كالفريضة المعينة أقوى من جهة الأصول وكمسلك أصولي صحيح؛ لأن التعيين في كلٍ منهما يُوجِب إلحاق النظير بنظيره، وبناءً على ذلك يقوى أنه ينتقل إلى نفلٍ محضٌ سواءٌ أكان انتقاله في فريضةٍ أم نافلة.
[حكم استحضار الإمام نية الائتمام بالناس]
قال المصنف رحمه الله:
[ويجب نية الإمامة والائتمام].
قوله: [ويجب نية الإمامة] أي: على الإمام أن ينوي أنه إمامٌ لمن وراءه ومؤتمٌ به، وذلك لحصول الجماعة، وفي الجمعة آكد،
ولذلك قالوا:
إنه يُلزَم بنية الإمامة في الجمعة.وقال بعض العلماء بعدم وجوب النية،
أي:
عدم لزومها، بحيث لو لم ينو الإمامة صَحّ اقتداء المأموم به، وهذا مبنيٌ على مسألة وهي حمل الإمام عن المأموم،
فمن يرى أن الإمام يحمل عن المأموم فإنه يقول:
لا يصح حمل الإمام عن المأموم إلا بنية، فيجب على الإمام أن ينوي،
وهذا يقوى على مذهب من يقول:
إن المأموم لا يقرأ الفاتحة وراء الإمام، ويُقوِّي هذا، فكأنه يرى أن صلاة المأموم مبنية على صلاة الإمام، فحتى يقع هذا الحَمْل، وتقع هذه العبادة على الوجه المعتبر فإنه لا بد وأن ينوي، فلو ائتممت بإنسانٍ لم يعلم بك فإنه لا يصح هذا الائتمام،
وبناءً على ذلك يقولون:
تبطل الجماعة، ولا تقع صلاته جماعةً إذا لم ينو الإمام الجماعة.
وأما على مذهب من يقول:
إن الإمام لا يَحمِل الفاتحة فالأمر أخف؛ لأنه لا يرى أركاناً تترتب على هذا، بخلاف ما إذا حَمَل عنه الفاتحة، فإنه يحمل ركناً من أركان الصلاة، ويرى أن صلاة المأموم مربوطة بصلاة الإمام بحكم الشرع،
ولكن كونه ينوي الإمامة قالوا:
يكون بتحصيل الفضيلة له، لكن لا يُحكم بإثمه ولزوم ذلك عليه.والحقيقة أن الأقوى والذي ينبغي دائماً في مسائل الإمامة أن يُحتاط للناس، فينوي الإئمة ولو كان الأمر خلافياً، ولو ترجَّح عند الإنسان أنه لا ينوي فينبغي عليه أن ينوي حتى يصون صلاة الناس عن الخطأ، وكما ذكرناه غير مرة أن من آداب الإمامة مراعاة الخلاف، وقد نبه على هذا غير واحد من الأئمة، منهم الإمام الحافظ ابن عبد البر، وشيخ الإسلام ابن تيمية، والإمام ابن القيم، والحافظ ابن حجر، وأئمة العلم رحمة الله على الجميع، وذكروا أنه ينبغي على الإمام أن ينتبه للخلاف، فيُخرِج صلاة الناس من الشبه دائماً في الأمور اللازمة، فيحتاط لها حتى تقع صلاة الناس على وجهٍ معتبر، فهذا من النصح للعامة.
صيرورة المنفرد مؤتماً أو إماماً
قال رحمه الله تعالى: [وإن نوى المنفرد الائتمام لم يصح كنية إمامته فرضاً].
قوله: [وإن نوى المنفرد الائمتام لم يصح] ذلك أنه لما أحرم لزمته الصلاة، ولزمته قراءة الفاتحة، فكان أصله أقوى، ولذلك يقرر العلماء أن المنفرد أقوى من المأموم، وبعض الأحيان تجد المنفرد في حكم الإمام، وتجب على المنفرد أشياء لا تجب على المأموم كالتسميع والتحميد،
فإنه يقول:
سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد، وتكون واجبة في حقه، لكن لو كان مأموماً فإنه لا يجب عليه التسميع، وإنما يجب عليه التحميد وحده.كذلك أيضاً في حَمْل السهو منه إذا كان مأموماً، فلا يحمل سهو نفسه، ولا يحمل غيره عنه سهو نفسه إذا كان منفرداً، فكأن المنفرد بمثابة الإمام.
فقالوا:
لا يصح من المنفرد أن ينتقل مأموماً،
وصورة المسألة:
لو دخلت المسجد بعد أن انتهى الناس من صلاة الفريضة فكبرت للصلاة، فبعد أن دخلت فيها منفرداً جاءت بجوارك جماعة وانعقدت، بحيث يمكنك أن تخطو حتى تدخل في صفها، أو اقتربت منك بحيث يمكن أن تلتصق بمن بجوارك وتعتبر مأموماً لهذا الإمام، فحينئذٍ إن قلنا: يصح للمنفرد أن ينتقل مأموماً يجوز لك أن تدخل في هذه الجماعة، والصحيح أنه لا يجوز له، وخاصةً على مذهب من يرى أن الإمام يحمل عن المأموم الفاتحة، فقد تعينت عليه الفاتحة، وبانتقاله ينتقل من الأعلى إلى الأدنى على وجهٍ يُفوِّت الواجب الذي ذكرناه وهو قراءة الفاتحة عليه،
فقالوا:
لا يصح انتقال المنفرد مأموماً كما لا يصح انتقال الإمام مأموماً، فهذا مذهب من يقول بعدم صحة الانتقال.
وقوله رحمه الله:
[كنية إمامته فرضاً] أي أنه لا يصح أن يدخل المأموم وراء المنفرد إذا طرأ عليه أثناء الصلاة.والصحيح أنه يجوز له ذلك؛
لأن من العلماء من قال:
لا يصح في الفرض إلا أن يكون من ابتداء الصلاة.والصحيح أنه يستوي الفرض والنفل في ذلك،
وقد ثبت من حديث ابن عباس في الصحيحين أنه قال:
(نمت عند ميمونة والنبي صلى الله عليه وسلم عندها في تلك الليلة، فتوضأ ثم قام يصلي، فقمت عن يساره، فأخذني فجعلني عن يمينه)، ووجه الدلالة أن النبي صلى الله عليه وسلم استفتح الصلاة منفرداً، ثم آل أمره إلى كونه إماماً، فالمنفرد والإمام بمرتبةٍ واحدة، فيجوز له أن يصير إماماً سواءٌ أكان في فرضٍ أم نافلة.فلو دخلت بعد صلاة الظهر لوحدك وأقمت الصلاة وكبّرت، فجاء رجل صح له أن يدخل معك حتى تصير لك الجماعة، وقد ثبت بذلك الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه رأى رجلاً يصلي لوحده بعد إن انقضت الصلاة،
فقال عليه الصلاة والسلام:
(من يتصدق على هذا؟
فقال أبو بكر:
أنا.
فقام أبو بكر فصلى معه)، فدل على أنه يجوز للمنفرد أن يصير إماماً، وبناءً على ذلك يصح منه أن يكون في النفل، أو يكون في الفرض.
[حكم المفارقة للمؤتم بلا عذر]
قال المصنف رحمه الله: [وإن انفرد مؤتمٌ بلا عذرٍ بطلت].
أي: إذا كنت مأموماً وأردت أن تنفرد عن إمامك فتصير منفرداً، لتنتقل من الأدنى وهو كونك مأموماً إلى الأعلى وهو كونك منفرداً،
فقال: [لم يصح].
أي: أنه لا يصح من المكلف أن ينفرد عن الإمام وذلك لارتباط صلاته بصلاة الإمام.وقد ينفرد بعذر ويستوي في ذلك أن يكون العذر متعلقاً به أو بغيره،
فمثال تعلقه به:
كإنسان استفتح إمامه بسورةٍ طويلة، ومعه مرَض -كما يجري لبعض من ابتُلِي بالسكر ونحوه- فيضيق عليه الحصْر، ويَخشى أن يستضر بهذا، فيحتاج إلى قطع الصلاة، فيقطع الصلاة مع إمامه،
أي:
نية الائتمام، ويبقى منفرداً يتم لنفسه.وأما ما يتعلق بغيره فكامرأةٍ خافت على صبيها وهي مأمومة، فتنفرد وتُتِم لنفسها عند خوف الضرر عليه ثم تدركه؛ لأنها مصلحةٌ قد تصل إلى الضرورة، وأقلها الحاجة.وبناءً على ذلك إذا احتاج الإنسان للقطع لمصلحته أو مصلحة غيره جاز،
كما قال المصنف: [لعذرٍ]، فيستوي أن يكون العذر في الشخص أو في غيره، لكن إذا علمنا أنه يجوز للإنسان عند العذر أن ينفصل عن إمامه ولا يجوز له عند عدم العذر، فما الدليل على الجواز؟و a الدليل على الجواز ما ثبت في الحديث الصحيح عند مسلم أن معاذاً رضي الله عنه استفتح الصلاة بقومه ثم قرأ بالبقرة، فتخلف أو انفرد رجلٌ عن الصف، فأتم لنفسه، ثم رجع إلى بيته، فأُخبِر معاذ بخبره،
فقال:
إنه منافق،
فقال:
لست بمنافق.
ومضى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: يا رسول الله إن معاذاً يصلي معك ثم يأتينا بآخرته، وإنا أصحاب حرثٍ وزرع، ثم ذكر القصة،
فقال صلى الله عليه وسلم:
(أفتانٌ أنت يا معاذ؟ أفتانٌ أنت يا معاذ؟) الحديث، ووجه الدلالة أن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينكر على الرجل إتمامه لنفسه، وذلك لوجود العذر.
ومن ثمّ قالوا: إنه يجوز للإنسان عند وجود العذر أن ينفرد عن إمامه إذا خشي إطالته، وغلبة الظن كالتحقيق، فإذا كنت تعرف الإمام، أو يغلب على ظنك أنه يطيل وانفردت عنه كأنك متحققٌ أنه يطيل، والقاعدة أن الغالب كالمتحقق، وبناءً على ذلك لا حرج عليك لوجود العذر، وهذا من سماحة الشريعة ويسرها ورحمة الله بعباده، فإن الإنسان إذا كان معذوراً وأُلزِم أن يتم صلاته وراء الإمام استضر، ولربما حصل الضرر بغيره، كالمرأة يحصل الضرر لصبيها، وحينئذٍ يجوز للإنسان أن يقطع ولا حرج عليه.
[حكم صلاة المأموم إذا بطلت صلاة الإمام]
قال المصنف رحمه الله: [وتبطل صلاة مأمومٍ ببطلان صلاة إمامه فلا استخلاف].هذا مذهب من يرى ارتباط صلاة المأموم بالإمام، حيث يرون أنه إذا أحدث الإمام، أو حصل منه ما يوجب بطلان صلاته فصلاة المأموم وراءه باطلة.
وقال بعض العلماء:
يصح أن يستخلف الإمام إذا أحدث، والصلاة بالنسبة لمن وراءه صحيحة، ثم يذهب ويتوضأ.
مثال ذلك:
لو أن إماماً صلى بالناس الظهر، ثم تذكر أثناء الصلاة أنه محدث، أو أن عليه نجاسة، أو صلى وطرأ عليه الحدَث، ففي هذه الأحوال يقوم الإمام بالاستخلاف، وهذا أصح أقوال العلماء، فيشرع للإمام أن يستخلف إذا طرأ عليه العذر في الصلاة فبطلت صلاته، ويصح للمأمومين أن يُتموا فرادى، فإن استخلف الإمام اعتبر البديل خليفته ونُزِّل منزلته، وإن لم يستخلف فحينئذٍ يتم كل إنسانٍ على حدة، فسواءٌ أبنوا صلاتهم على الاستخلاف، أم أتم كل واحدٍ منهم على حدة، فصلاتهم صحيحة، وهذا مذهب الجمهور وهو الصحيح؛ لظاهر قصة عمر رضي الله عنه، فإنه لما طعن استخلف عبد الرحمن بن عوف، وجعله مكانه إماماً يصلي بالناس، فدلَ هذا على مشروعية الاستخلاف، وأنه لا حرج فيه.وبناءً على ذلك لا يُحكم ببطلان الصلاة،
ويُعتبر قول المصنف رحمه الله:
[فلا استخلاف] مرجوحاً، خاصةً وأن الصحابة رضوان الله عليهم قد فعلوا ذلك، ولم يقع بينهم نكير، وهي سنة راشدة، ويكاد يكون إجماعاً من الصحابة؛ لأنها قصةٌ اشتهرت ولم يُنكرها أحد، فكان هذا أقوى في الدليل على الاستخلاف.
والذين يقولون: إنه لا يستخلف قالوا: لقصة معاوية رضي الله عنه، فإنه لما ضُرِب على عجيزته أتم الناس فرادى، ولو صحّ هذا فإنه لا يعارض ما أُثر عن عمر،
ونقول:
اختلف قضاء الصحابة، فيقدم قضاء عمر على فعل معاوية، فإن عمر رضي الله عنه ممن أمر بالاستنان به، فتكون رتبة الصحابي هنا أقوى من رتبته هناك.
والأمر الثاني:
نعتذر لـ معاوية بانشغاله بالطعن عن الاستخلاف، وصحة الائتمام بالإمام أن يُوجَد الخليفة المستَخْلف من الإمام، وكون الإمام لم يستخلف فإنه يحمل على أنه من شدة الطعن ذُهِل عن أن يستخلف للناس،
وبناءً على ذلك نقول:
إن فعل عمر يعتبر مقدماً على فعل معاوية رضي الله عنه، أو نعتذر لـ معاوية، فيصبح لا تعارض بين فعل الصحابيين، فـ عمر استخلف لمكان القدرة على الاستخلاف؛ لأن نفسه كانت أقوى، وكان صبره أكثر، ومعاوية فاته الاستخلاف، أو لم يستطعه لمكان قوة الألم، وحينئذٍ نعتبر حادثة معاوية خارجة عن موضع النزاع؛ لأن النزاع على الاستخلاف، ومعاوية لم يستخلف، فيكون هذا في جانب وهذا في جانب، ويصح القول بالاستخلاف، ويقوى من هذا الوجه.
[مسألة إذا جاء الإمام الراتب وقد ائتم بالناس غيره]
قال المصنف رحمه الله:
[وإن أحرم إمام الحي بمن أحرم بهم نائبه وعاد النائب مؤتماً صح].إمام الحي هو آكد من غيره، فلو أن إمام الحي استخلف إنساناً مكانه، وتقدم وصلى بالناس، فجاء إمام الحي، فما الحكم؟
قال بعض العلماء:
لو أن الناس قدموا رجلاً يصلي بهم لتأخر الإمام، ثم جاء الإمام متأخراً كان من حقه أن يُتِم بالناس، وذلك لقصة أبي بكر رضي الله عنه حينما قُدِّم عند اختصام بني عوفٍ وصُلح النبي صلى الله عليه وسلم بينهم، كما في الحديث الصحيح، فتأخر النبي صلى الله عليه وسلم، فجاء بلال إلى أبي بكر وأمره أن يصلي، ثم أقام للناس، فتقدم أبو بكر وصلى، وفي أثناء الصلاة جاء النبي صلى الله عليه وسلم، وكان أبو بكر رضي الله عنه منشغلاً في صلاته، فنبهه الصحابة إلى ذلك، فالتفت فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وليس المراد الالتفاف الكامل وإنما كان من خشوعه رضي الله عنه أنه مقبلٌ على صلاته، فالتفت لمكان إحساسه بتسبيح الناس، فإذا به برسول الله صلى الله عليه وسلم، أي: رَمَق رسول الله صلى الله عليه وسلم فتأخر، فأشار إليه النبي صلى الله عليه وسلم أن مكانك، أي: الزم مكانك، فتأخر رضي الله عنه وأرضاه، ثم جاء النبي صلى الله عليه وسلم وأتم بالناس.
وقال بعض العلماء: هذه المسألة خاصة بالنبي صلى الله عليه وسلم؛
لأن أبا بكر رضي الله عنه قال:
ما كان لـ ابن أبي قحافة أن يتقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم،
واستدل بآية الحجرات قالوا: هذا من خصوصيات النبي صلى الله عليه وسلم، فلا يرون أن إمام الحي إذا حضر كان من حقه أن يؤخِّر من كان بدلاً عنه.وبعضهم يرى أن تقدُّم النبي صلى الله عليه وسلم هنا لمكان الاستحقاق في الإمامة، فتقدم أبو بكر لعذر، أو للحاجة وهي تخلف الإمام، وما شُرِع لحاجةٍ يبطل بزوالها، فالشريعة تحفظ الحقوق، فالإمام الراتب الذي رَضِي به الناس أحق، فلما تقدم لحاجة وزالت الحاجة وَجَب أن يُعاد الإمام الراتب، وأكدوا هذا بمرض الوفاة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم تقدم على أبي بكر رضي الله عنه، وائتم أبو بكر بالنبي صلى الله عليه وسلم، والناس بـ أبي بكر،
وبناءً على هذا قالوا:
إن الإمام الراتب من حقه أن يأتي -ولو كان متأخراً- ويُتِم بالناس.فإن صلى الأول ركعتين وكنا في الظهر، ثم جاء إمام الحي، وقلنا بجواز أن يدخل إماماً في الركعتين الأخريين وتأخر الخليفة،
فإنهم قالوا: يبقى المأمومون يتشهدون قياساً على صلاة الخوف، فيُتِم الإمام لنفسه ركعتين، ثم يسلم بالناس؛ لأن لها نظيراً في صلاة الخوف.والصحيح الذي يقوى أنه ينبغي صيانة صلاة الناس عن التشويش، خاصةً وأن هذا يُحدِث للناس إرباكاً، وكثيرٌ من الناس لا يفقهون، والدليل فيه شبهة، فإن للنبي صلى الله عليه وسلم من الخصوصيات ما ليس لغيره، فيقوى القول بتخصيص هذا بالنبي صلى الله عليه وسلم،
خاصةً وأن أبا بكر رضي الله عنه قال:
ما كان لـ ابن أبي قحافة أن يتقدم بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم.فهذا يدل على أنه فَهِم أن التقدم المنهي عنه بين يدي الله ورسوله يشمل حتى الصلاة، فاستند إلى دليل، وهذا الدليل من الخاص وليس من العام، فيقوى القول بتخصيص هذا بالنبي صلى الله عليه وسلم والاحتياط فيه.ولذلك الأولى أن إمام الحي يأتي ويدخل مع الجماعة إذا كان مسبوقاً، لكن لو كان الإنسان يرى مشروعية هذا، ويرى أن السنة عامة فله ذلك،
فإذا جاء متأخراً قالوا:
إنه من حقه أن يفعل ذلك وقالوا: لأن القاعدة: (لا إيثار في القُرَب)، وكونه يصلي بالناس أعظم لأجره من أن يصير مأموماً، فإنه إذا صلى إماماً أفضل له،
فقالوا: من حقه أن يتقدم، خاصةً إذا كان يرى ذلك، فالأفضل له إذا كان يرى جواز ذلك أن يتقدم وأن يتأخر الإمام الذي يصلي بالناس مكانه.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 20-09-2020, 12:08 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,359
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع للشيخ محمد الشنقيطي

شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع
(كتاب الصلاة)
شرح فضيلة الشيخ الدكتور
محمد بن محمد المختار بن محمد الجكني الشنقيطي
الحلقة (70)

صـــــ(7) إلى صــ(24)

الأسئلة
[التشريك في النية بين تحية المسجد وسنة الفجر]
q إذا دخلت المسجد لصلاة الفجر فإني أصلي ركعتين بنية أنها السنة القبلية لصلاة الفجر ولا أصلي غيرها، فهل تسقط عني ركعتي تحية المسجد؟

a باسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد: فهذه المسألة -على مذهب الجمهور- جوابها أن ركعتي رغيبة الفجر تحل محل تحية المسجد، وأنه لا حرج على المكلف إذا صلاها أن يجلس ولا يصلي بعد ذلك تحية المسجد، وهذا مبنيٌ على أن مقصود الشرع أن يصلي الإنسان ركعتين، وهو قوي خاصةً لعموم قوله عليه الصلاة والسلام: (إذا دخل أحدكم المسجد فليركع ركعتين قبل أن يجلس)، فدل على أن المقصود أن يصلي قبل أن يجلس، وهذا قد صلى قبل أن يجلس، والله تعالى أعلم.
[حكم من نوى أن يصلي الوتر ثلاث ركعات متصلات ثم بدا له أن يفصلهن]
q من نوى أن يصلي الوتر ثلاث ركعاتٍ متصلات، ثم غير نيته وصلى ركعتين، ثم سلم وأوتر بواحدة، فما الحكم؟

a هذه المسألة تنبني على الشروع في النوافل، فبعض العلماء يقول: الشروع في النوافل يصيرها فرائض.ففي هذه الحالة لما شرع ناوياً أن يصليها ثلاثاً قالوا: ينبغي عليه أن يتمها ثلاثاً ولا يقطعها بركعتين.لكن من العلماء من قال: حتى ولو قيل باللزوم فإنه يتخرَّج هذا بالانتقال من نية الفرض إلى النافلة، قالوا: وإن كانت لازمةً عليه فإنه ينتقل إلى النافلة، خاصةً وأنه سيصلي ثلاثاً، وبناءً على ذلك لا حرج عليه إذا قطعها بالركعتين المنفصلة ثم صلى ركعة الوتر منفردة، والله تعالى أعلم.
[حكم صلاة الفريضة بوضوء النافلة]
q مَن توضأ للنفل كصلاة الضحى -مثلاً- ثم دخل وقت صلاة الظهر، فهل يجب عليه إعادة الوضوء قياساً على تحويل النية في الصلاة؟

a ظاهر السنة أن من نوى شيئاً كان له، ومن لم ينوه لم يكن له؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: (إنما الأعمال بالنيات)، فخرج العلماء على هذا أن من نوى وضوءه للنافلة لا يصح أن يصلي به الفرض؛ لأنه مُحدِث، وقد رفع حدثه لاستباحة النافلة لا لاستباحة الفرض، وهذا هو أقوى الأقوال، خاصةً على ظاهر حديث عمر الذي ذكرناه، فإنه إنما نوى النافلة ولم ينو الفرض.ولذلك الأفضل للإنسان وإنما إذا أراد أن يتوضأ أن ينوي رفع الحدث، فإذا نوى رفع الحدث يصح له أن يصلي مطلقاً، أما لو نوى بالخصوص فريضةً أو نافلةً فهذا مُشكِل، فحتى يخرج من الإشكال ينوي رفع الحدث؛ لأن نية الوضوء إما نية رفع الحدث، أو نية الأدنى، أو نية الأعلى، ولذلك جمعها بعض العلماء بقوله: ولينو رفع حدثٍ أو مفترض أو استباحةً لممنوع عرض فالأولى أن ينوي رفع الحدث حتى يخرج من الإشكال، ويكون على ظاهر الحال أنه متطهر، ويصح له أن يصلي النافلة والفريضة دون قيد.
[حكم إمامة المتنفل بالمفترض]
q ما الحكم إذا صلى الرجل نافلةً، وفي أثنائها ائتم به شخصٌ بنية الفرض؟
a إذا كان الإنسان في النفل وطرأ عليه من يريد أن يصلي معه الفرض قالوا: لا يصح.على ما قرره المصنف رحمه الله بقوله:
[وإن نوى المنفرد الائتمام لم تصح، كنية إمامته فرضاً] فإذا لم يصح وهو مفترض فمن باب أولى ألا يصح وهو متنفل.والأقوى كما قلنا على ظاهر حديث ابن عباس رضي الله عنهما صحة ذلك وجوازه.وأما ائتمام المفترض بالمتنفل فإن الصحيح جواز ائتمام المفترض بالمتنفل لثبوت السنة عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث معاذ، وهو أصح الوجهين عند العلماء، ففي هذا السؤال مسألتان: المسألة الأولى: هل يجوز ائتمام المفترض بالمتنفل؟ وهذه المسألة أصح الأقوال فيها الجواز للحديث الذي ذكرناه.والمسألة الثانية: إذا قلنا بالجواز فهل يحق له أن تطرأ عليه نية الإمامة لهذا المفترض أثناء الصلاة؟ أصح الأقوال جواز ذلك لحديث ابن عباس، والله تعالى أعلم.
[كيفية صلاة العراة إذا كانوا أكثر من صف]
q لو اجتمع عراةٌ كثيرون في صفين أو أكثر كيف يصلون؟

a أما بالنسبة لصلاة العراة فإنهم يصلون ويكون إمامهم وسطهم، والصحيح أنهم يصلون قياماً، ولا يصلون وهم جالسون، ولذلك يكونون صفاً واحداً لمكان الاستتار، ولا حرج عليهم إذا ضاق بهم المكان أن يصلوا صفين، والله تعالى أعلم.
[وقت صلاة الوتر عند جمع التقديم]
q إذا جمع المسافر بين المغرب والعشاء في وقت المغرب، فهل يصلي الوتر أم يصليه بعد دخول وقت العشاء؟

a هذه المسألة للعلماء فيها وجهان:
الوجه الأول: وقت الوتر يبتدئ بوقت العشاء، ومن أوتر قبل دخول وقت العشاء لم يصح وتره.
والوجه الثاني: وقت الوتر يصح بعد فعل العشاء لا مقيَّداً بوقت العشاء.وأصح القولين أن وقت الوتر مقيدٌ بوقت العشاء؛ لظاهر السنة في قوله عليه الصلاة والسلام: (إن الله قد أمدكم بصلاة هي خير لكم من حمر النعم، الوتر جعله الله لكم فيما بين صلاة العشاء إلى أن يطلع الفج)، فإن الصلاة إذا أُطلقت يراد بها وقتها، ولذلك نقول: مما يدل على أن المراد وقت العشاء أنه لو استيقظ بعد وقت الفجر وقبل أن يصلي الفجر لم يوتر؛ لأن وقت الفجر ينقطع به الوتر، فدل على أن ابتداء الوتر كانتهائه، فيكون ابتداؤه مقيداً بوقت الصلاة لا بفعل الصلاة، كما أن انتهاءه مقيدٌ بوقت الصلاة لا بفعل الصلاة، وعلى هذا فالأقوى أنك إذا سافرت وجمعت بين المغرب والعشاء في وقت المغرب أنك تنتظر دخول وقت العشاء حتى توتر، والله تعالى أعلم.
[طهارة وصلاة من ابتلي بسلس البول]
q أنا شابٌ مصابٌ بسلس البول أكثر من سنتين وقد شق ذلك علي، فما الحكم؟

a نسأل الله العظيم أن يشفيك وأن يعافيك، وأن يمن بالشفاء على جميع مرضى المسلمين.أولاً: أوصيك بالصبر واحتساب الأجر عند الله عز وجل، فإن البلاء -خاصةً- إذا كان في الدين يكون أعظم أجراً، وبلاؤك هذا في الدين؛ لأنه كما أنه مضرةٌ بالبدن، ويُتعِب الإنسان من حيث عنايته بانتباهه لبوله وأذى البول، كذلك أيضاً هو مضرةٌ في الدين؛ لأن الإنسان ينشغل وتعتني نفسه بهذا الخارج، ويُصبِح في هم وقلق، خاصةً إذا دخل عليه وقت الصلاة، وقد وجدت ذلك ورأيته فأبشر بخير، والله أعلم كم لك من الأجر في هاتين السنتين اللتين مضتا، فأبشر بخير، وأنعم عيناً بالله عز وجل، فإن الله سيرضيك إذا صبرت واحتسبت، والله يقول عن أيوب عليه السلام: {إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ} [ص:44]، فمن صبر فإن الله يُنعم عليه، فاصبر بارك الله فيك، واعلم أن الذي ابتلاك هو ربك، وليس لك إلا الرضا عن الله عز وجل، فأوصيك أولاً بالصبر واحتساب الأجر عند الله.والأمر الثاني: أن تأخذ بالأسباب فإذا دخل وقت الصلاة، وكان السلس مسترسلاً فإنك تتوضأ لدخول وقت كل صلاة، فتتوضأ عند أذان الظهر ثم تصلي الظهر، وتضع إذا أمكنك قطنةً لخروج البول إذا كانت تحبس البول.أما إذا كانت تضر بك وتجحِف بك وتحدث الضرر فحينئذٍ لا حرج عليك، بعد أن تتوضأ في أول الوقت ولو خرج الخارج؛ لأنه ليس بإمكانك إلا أن تصلي على هذا، والله لا يكلفك إلا ما بإمكانك، كما قال سبحانه: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة:286]، فهذا الذي في وسعك.أما لو كان السلس متقطعاً بحيث يمكن أن يسلم وقت الصلاة لك، بحيث تمكث -مثلاً- ربع ساعة لا يخرج شيء فصلِّ في ربع الساعة ولو أدى ذلك إلى فوات الصلاة مع الجماعة، فإن الصلاة مع الجماعة يجوز تركها تحصيلاً لشرط الطهارة المتصل بالصلاة، فإيجاب الجماعة منفصل، والطهارة إيجابٌ متصل، فيقدم الواجب المتصل على الواجب المنفصل.أما إذا كان لا يسع الوقت فحينئذٍ تنزل وتصلي مع الجماعة، ولو خرج منك البول، والله تعالى أعلم.
[حكم من نسي ركعة من الصلاة]
q رجلٌ صلى صلاة العشاء ثلاث ركعات، وبعد السلام تذكر بأنه بقي عليه ركعة واحدة، فهل يصلي الركعة الناقصة أم يعيد الصلاة، مع العلم أنه تذكرها بعد تمام الذكر بعد الصلاة؟

a من سلم من صلاة ناقصةً، ولم يعلم بنقصها إلا بعد وقتٍ سواءٌ أكان بعد الأذكار أم بعد السنن فإنه يجوز له أن يستقبل القبلة ويُتم صلاته ما دام أنه في المسجد، ودليل ذلك ما ثبت في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: (صلى النبي صلى الله عليه وسلم بنا إحدى صلاتي العشي، فسلم من اثنتين، ثم قام إلى الجذع وشبّك بين أصابعه كالغضبان، فهاب الصحابة أن يكلموه، وفي الناس أبو بكر وعمر، فقال له رجلٌ يقال له ذو اليدين: يا رسول الله! أقصُرَت الصلاة أم نسيت؟ فقال: ما قصرت ولا نسيت)، وفي رواية: (ما كان شيءٌ من ذلك! قال: بلى، قد كان شيءٌ من ذلك، فسأل الصحابة: أَصَدقَ ذو اليدين؟ قالوا: نعم فرجع إلى مصلاه وأتم ركعتين، قال: وأنبئت أن عمران قال: ثم سجد سجدتين قبل أن يسلم).فدل هذا الحديث على مسائل كثيرة: منها: أن من سلَّم من صلاته منتقصاً لها، وكان في المسجد فمن حقه أن يرجع ويُتِم الصلاة ولو كان قد استدبر القبلة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم استدبر القبلة.وبناءً عليه فما دمت قد صليت العشاء ثلاثاً فإن ذمتك مشغولةٌ بالركعة الرابعة، فيلزمك أن تستقبل القبلة وتتم الركعة الرابعة، ثم تسجد سجدتين قبل أن تسلم.المسألة الثانية في هذا الحديث، وهي مما يحسن التنبيه عليها: جواز مخاطبة الإمام بخطئه إذا لم يفهم، وهذه المسألة يُغفلها كثير، فلو أن إماماً أخطأ في الصلاة، كأن قام إلى الركعة الثانية وكبَّر ووقف فقرأ فقال: {وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ} [التين:1] مثلاً، فإنه يظن أنه قرأ الفاتحة وهو لم يقرأها، فلو قلت له: سبحان الله.سيرجع ويقول: {وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ} [التين:1] يظن أنه أخطأ في الآية، فحينئذٍ لا يمكن أن ينتبه إلا أن تقول له: اقرأ الفاتحة فيجوز لك أن تقول له: اقرأ الفاتحة؛ لأن ذا اليدين خاطب النبي صلى الله عليه وسلم وقال: أقصرت الصلاة أم نسيت؟ فكون بعض العلماء يقول: إن ذا اليدين كان يظن أن التشريع على الركعتين.خطأ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: (ما كان شيءٌ من ذلك)، وقال: (ما قصرت ولا نسيت)، فقال: بلى قد كان شيءٍ من ذلك.فتكلَّم مع علمه بأن النبي صلى الله عليه وسلم قد حصل منه السهو، وبناءً على ذلك يصح للمأموم أن يخاطب الإمام بخطئه إذا تعذَّر فهم الإمام، خاصةً إذا كان خطؤه مما تختلج معه الصلاة، بحيث إذا قلت له: سبحان الله يزيد في الخطأ، وبناءً على ذلك تنبهه وتقول له مباشرة -مثلاً-: اركع اسجد اقرأ الفاتحة، وينبغي أن تقتصر على أقل الكلام فتقول له: الفاتحة.بمعنى: اقرأ الفاتحة، وقس على هذا؛ لأن ذا اليدين خاطب النبي صلى الله عليه وسلم بخطئه، والله تعالى أعلم.
[حكم دخول الحمام بسبيكة على شكل الكعبة]
q يوجد عند بائع الذهب سبيكةٌ ذهبية على شكل الكعبة المشرفة تُلبس في العنق، فهل يجوز للمرأة دخول الحمام بها؟

a لا ينبغي في الحقيقة تصوير مثل هذه الصور للأماكن التي قَصَد الشرع تعظيمها، والناس إذا أَلِفوا النظر إلى الكعبة يكون دخولهم عليها لأول وهلة أمراً معتاداً، ولذلك كان عمر رضي الله عنه إذا انتهى الناس من الحج صاح فيهم فيقول: يا أهل الشام شامكم، يا أهل اليمن يمنكم، يا أهل العراق عراقكم، يا أهل مصر مصركم.فلما سُئِل عن ذلك قال: أخشى أن تذهب هيبة الكعبة من قلوبهم؛ لأنهم إذا أَلِفوا الجلوس وألفوا النظر إليها اعتادوها فذهبت هيبتها، ومقصود الشرع تعظيم مثل هذه الأماكن، فهذا من فراسته رضي الله عنه، وكان محدَّثاً ملهماً كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عنه في الصحيح.وبناءً على ذلك لا ينبغي تصوير مثل هذه الصور التي هي محل إجلال وتعظيم من المؤمنين، فينبغي إجلالها وصيانتها، وبناءً على ذلك فالذي أراه أنها تُصاغ على غير صورة الكعبة، أما من ناحية الجواز فيجوز، لكن كون الإنسان يعلق مثل هذه الصور فلا أرى له وجهاً أن يفعل ذلك، وصلى الله وسلم على نبيه وعلى آله وصحبه أجمعين.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 23-09-2020, 05:29 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,359
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع للشيخ محمد الشنقيطي

شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع
(كتاب الصلاة)
شرح فضيلة الشيخ الدكتور
محمد بن محمد المختار بن محمد الجكني الشنقيطي
الحلقة (72)

صـــــ(8) إلى صــ(15)

[صلاة تحية المسجد]
سادساً:
فإذا دخل المصلي في وقتٍ لا صلاة فيه كأن يدخل بين الأذان والإقامة فإنه يفتتح الصلاة بتحية المسجد، فيحي المسجد بالصلاة،
وذلك لما ثبت في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:
(إذا دخل أحدكم المسجد فليركع ركعتين)، فدل هذا على لزومها، وأنه لا ينبغي للمسلم أن يجلس في المسجد حتى يصليهما، ثم إذا صلاهما فإنه في صلاةٍ ما انتظر الصلاة،
قال صلى الله عليه وسلم: (وذلك أنه إذا توضأ فأسبغ الوضوء، ثم خرج إلى المسجد لا يخرجه إلا الصلاة لم يخط خطوةً إلا رفعت له بها درجة، وحط عنه بها خطيئة،
فإذا صلى لم تزل الملائكة تصلي عليه ما دام في مصلاه: اللهم اغفر له اللهم ارحمه)
أي: ما دام جالساً في مصلاه فريضةً كانت أم نافلة فإنه تصلي عليه الملائكة، فتدعو له بالمغفرة والرحمة، وهذا خيرٌ كثير، ولذلك ما دخل إنسان مسجداً وصلى مع الجماعة وخرج إلا خرج طيب النفس ومجبور الخاطر، ولو كانت عليه هموم الدنيا، فإنه إذا دخل وخاصةً إذا بكّر إلى المسجد وصلى فيه فإنه يجد هذا الخير الكثير من صلاة الملائكة عليه، ودعائها له، واستغفارها له.
فإذا حضرت الصلاة فحينئذٍ يبتدئ بمراعاة ما ثبت في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة)، فإذا أقيمت الصلاة فإنه يمتنع من التنفل، ويمتنع من إحداث صلاة النافلة بعد إقامة الصلاة.
صفة القيام إلى الصلاة
سنية القيام عند (قدْ) من إقامتها
قال المصنف رحمه الله:
[يُسن القيام عند (قدْ) من إقامتها].إذا كان المكلف جالساً في المسجد وأقيمت الصلاة،
فقد قال بعض السلف: يبتدئ قيامه عند قول المؤذن: (الله أكبر) من الإقامة.وهذا القول مأثور عن عمر بن عبد العزيز الخليفة الراشد رحمة الله عليه، وكان يقول به بعض السلف،
أي:
أنه إذا قال المؤذن: (الله أكبر) للإقامة فإن الناس يقومون.والمحفوظ من هدي النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان الستار على بابه، فكان بلال رضي الله عنه إذا شعر بحركة الستار أقام الصلاة، فكان الناس إذا ابتدأ بلال للإقامة قاموا، فإذا رأوا الستر تحرك قاموا، وأخذوا مصافهم، وهيأوا أنفسهم للصلاة، فلا يصل عليه الصلاة والسلام إلى موضع محرابه أو مكان مصلاّه إلا والناس قد أخذوا مصافهم، فسواهم وأمرهم بالاستواء، ثم كبر وصلى بهم.وثبت في الحديث الصحيح أن بلالاً رأى حركة الستر، فظن أن النبي صلى الله عليه وسلم يريد أن يخرج فأقام الصلاة، فانتظر الناس وهم قيام حتى طال عليهم القيام، ثم دخل عليه الصلاة والسلام، فقال عليه الصلاة والسلام -كما في صحيح مسلم-: (إذا رأيتموني فقوموا)، رفقاً بالصحابة رضوان الله عليهم وبالمصلين، وأخذ العلماء من هذا دليلاً على أنه من السنة أن يقام عند رؤية الإمام،
وللعلماء في هذا الحديث وجهان:
منهم من يقول: قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا رأيتموني فقوموا) لم يقصد به حالة مخصوصة،
كأنه يقول: إذا رأيتم الإمام في المسجد فقوموا.حتى يكون ذلك أبلغ في استواء الناس قبل دخول الإمام إلى المحراب أو موضع الإمامة.
وقال بعض العلماء: بل هذا خاص؛ لأنه وُجِدت المشقة بقيام الصحابة،
فقال لهم:
(إذا رأيتموني فقوموا).والذي يظهر أن أقلّ ما فيها أنها سنةٌ تقريرية، فإن الصحابة كانوا يقومون عند دخوله، فالأفضل والأكمل عند رؤية الإمام أن يقوم الناس، وأن يأخذوا مصافّهم، ويحاولوا تهيئة أنفسهم، بحيث لا يبلغ موضع إمامته إلا والناس قد أخذت مصافّها، كما جاءت الأخبار عن النبي صلى الله عليه وسلم.وأما الإمام مالك رحمه الله فإنه لم يجد حداً معيناً لقيام الناس عند الإقامة، ورأى أن الأمر واسع،
فخفف رحمه الله وقال:
الناس فيهم الصغير وفيهم القوي وفيهم الجلد، أن الناس يختلفون في أحوالهم، فلم يحدّ في القيام للصلاة حداً معيناً، وهذا لا شك أنه من ناحية الإلزام صحيح، فلا نستطيع أن نلزم الناس بالقيام لا عند ابتداء الإقامة، ولا عند (قدْ)،
ولكننا نقول:
الأفضل والتأسي بالنبي صلى الله عليه وسلم أن يقام عند رؤية الأئمة، فإذا رؤي الإمام داخلاً إلى المسجد، أو رؤي عامداً إلى مصلاّه فإن الناس يقومون، وهذا هو السنة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أقرَّ الصحابة على فعلهم، ولأنه يعين على تحقيق مقصود الشرع، فإن الناس إذا ابتدروا بالقيام وسووا صفوفهم، ثم أمرهم الإمام كان ذلك أبلغ في تسوية الصفوف، وخاصةً في هذا الزمان فإنه يعجل الإمام بالتكبير، والفاصل قد يكون قليلاً، وقد يكون الإنسان يرغب في إدراك تكبيرة الإحرام وفضلها، فقد يضطر إلى الاشتغال بتسوية الصفوف، لكن المبادرة للقيام عند رؤية الإمام أبلغ في استواء الصفوف واعتدال الناس، ولا نحفظ في ذلك أمراً يدل على اللزوم بالقيام عند (قد)،
ولكن نقول:
الأفضل والسنة القيام عند رؤية الأئمة، وأُثِرَ عن علي رضي الله عنه القيام عند قدَّ، ولا يصح هذا عنه ويُروى في حديث مرفوع ضعيف.والصحيح أن الأمر واسع، ولكن السنة والأفضل أن يُقام عند رؤية الأئمة كما ذكرنا.
وقوله رحمه الله:
[عند (قدْ) من إقامتها] الإقامة -كما هو معلوم فيها-: قد قامت الصلاة، قد قامت الصلاة، فتقال مرتين، فحينئذٍ هل يكون القيام على قول المصنف عند (قدْ) الأولى أو الثانية؟و a يكون عند (قد) الأولى، وليس الثانية؛ لأنه أطلق، والمطلق ينصرف إلى أول مذكور،
ولو أراد الثانية لقال:
عند قوله (قد) الثانية من إقامتها، أو: بعد قوله (قدْ) من إقامتها.
[تسوية الصفوف وإقامتها]
قال رحمه الله تعالى: [وتسوية الصف].يسنّ للناس أن يعتنوا بتسوية الصفوف، والمراد بهذه السنة أنها من هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتسوية الصفوف وإقامتها من إقامة الصلاة، وقول الجماهير على أنه يجب على الناس أن يسووا صفوفهم، وأن من لم يسو الصف فهو آثم،
وذلك لدليلين:
أحدهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: (استووا)،
وقال:
(ولا تختلفوا فتختلف قلوبكم)،
وقال:
(عباد الله لَتُسَوُّونَّ صفوفكم)، فجاء بصيغة التأكيد الدالة على اللزوم.
الدليل الثاني الذي يدل على وجوب تسوية الصفوف ولزومها:
أن النبي صلى الله عليه وسلم توعد على الإخلال بهذا، -فقد ثبت عنه في الصحيح-: (أنه كان يأمر الناس بتسوية الصفوف -قال الصحابي رضي الله عنه-: حتى إذا رأى أنا قد عقلنا عنه خرج ذات يومٍ فرأى رجلاً بادياً صدره في الصف،
فقال عليه الصلاة والسلام:
عباد الله لتسون صفوفكم، أو ليخالفن الله بين وجوهكم -وفي رواية-: وقلوبكم)
، فهذا وعيد، والقاعدة في الأصول أنه إذا ترتب على ترك الأمر وعيد كان هذا دليلاً على أنه من الواجبات، وأن الإخلال به من المنهيات، ولذلك يعتبر الإخلال بتسوية الصفوف من المحرمات، والأمر به واجب، فالناس مطالبون بإقامة الصفوف وتسويتها، وثبت في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أن تسوية الصفوف من إقامة الصلاة، فالذين يسوون صفوفهم ويعتنون بتسويتها هم مقيمون للصلاة، والله أثنى على المقيمين للصلاة وزكاهم في كتابه، فمن إقامة الصلاة تسوية الصفوف.وثبوت الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم بأن عدم تسوية الصفوف سببٌ لمخالفة القلوب، أو مخالفة الأوجه فيه خطر شديد،
حتى قال بعض العلماء:
المراد بقوله عليه الصلاة والسلام: (أو ليخالفنّ الله بين وجوهكم أو قلوبكم) أن يلبسهم شيعاً وأحزاباً والعياذ بالله،
أي: يجعل الناس مفترقين لا يتفقون، فتحصل بينهم النزاعات والخلافات والشجارات بسبب عدم العناية بهذا الأمر وهو تسوية الصفوف، وهو أمرٌ عظيم، وكان عمر رضي الله عنه لا يكبر حتى يأتيه أناسٌ وكّلهم بالصفوف فيعلمونه أن الصفوف قد استوت -رضي الله عنه وأرضاه- حرصاً منه على هذه السنة، وعنايةً منه بها، فيسوّي الصفوف.وإذا كان الذي وراء الإمام يعقل تسوية الصفوف كطلاب علم،
فللعلماء وجهان:
فبعضهم يقول: السنة أن تطلق،
فدائماً تقول:
استووا.
وظاهر الحديث:
(حتى إذا رأى أنا قد عقلنا عنه) يدل على أنه إذا كان الناس عندهم علم بتسوية الصفوف، وكان الذين معه من طلاب العلم، أو من العلماء،
فلا حاجة أن تقول:
استووا.وهذا مذهب طائفة من العلماء.
وقال بعضهم:
لا، بل إنها سنة مطلقة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بها، وكان إذا قام أمر بالاستواء.ولكلا الوجهين وجهه، خاصةً في هذا الزمان الذي كثر فيه العوام وكثر فيه الإخلال، حتى إن من يعلم ربما نسي وربما ذهل، ولربما قام الإنسان في الصف وهو من العلماء أو من طلاب العلم فغفل عن تسوية نفسه، والإنسان بشر، ولذلك الأمر والتنبيه بها فيه أجر للإمام، وفيه تنبيهٌ أيضاً للناس، فلا حرج في المداومة عليها والأمر بها.
[تكبيرة الإحرام]
قال رحمه الله تعالى:
[ويقول: (الله أكبر)، رافعاً يديه].
أي: يقول المصلي إذا أراد الدخول في الصلاة (الله أكبر)، وهذا التكبير يسمّى عند العلماء رحمهم الله بتكبيرة الإحرام، وسبب تسميته بذلك ظاهر السنة،
فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال كما في حديث أبي داود والحاكم بسندٍ صحيح: (مفتاح الصلاة الطهور، وتحريمها التكبير)، فوصف التكبير بكونه موجباً للدخول في حرمات الصلاة، فسمّى العلماء هذا التكبير بتكبيرة الإحرام؛ لأن المصلّي إذا كبر دخل في حرمات الصلاة،
وهذا التكبير للعلماء فيه ثلاثة أقوال:

القول الأول: لا يصح لك أن تدخل الصلاة نافلةً أو فريضة إلا إذا قلت: (الله أكبر) وحدها، فلا يجزي غير هذا اللفظ، لا المشتق منه ولا من غيره، ولو اشتمل على تعظيم الله،
فلو قال:
الله العظيم،
أو قال:
الله الكبير،
أو:
الله الأكبر لم تنعقد تحريمته، وكذلك لو اختار لفظاً فيه تعظيم من غير المشتق،
كقوله:
الله القدوس، الله السلام، الله المهيمن، فإنه لا ينعقد تحريمه، وهذا مسلك الحنابلة والمالكية رحمة الله عليهم،
وهكذا لو قدّم: (أكبر) على لفظ الجلالة،
فقال:
أكبر الله، فإنه لا يصح ولا ينعقد تحريمه،
والدليل على ذلك قوله عليه الصلاة والسلام للمسيء صلاته:
(إذا قمت إلى الصلاة فكبر)،
وكبر معناها:
قل: الله أكبر.وهو المعهود في أذكار الشرع في الدخول إلى الصلاة، بدليل ما ثبت عنه عليه الصلاة والسلام من تكبيره في الدخول إلى الصلاة، فهذا أمرٌ.
الأمر الثاني: أنه لم يثبت حديث صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم بالعدول عن هذا اللفظ المخصوص، والصلاة عبادةٌ مخصوصة، وأذكارها مخصوصة، فلا يصح أن يجتهد المكلف بإدخال ألفاظٍ قريبة من اللفظ المشهور.الأمر الثالث: أنه لفظ مخصوص في موضع مخصوص لم يشرع إحداث غيره أو قريبٍ منه كالتشهد،
أي: كما أن التشهد لا يجزي إلا باللفظ الوارد، كذلك تكبيرة الإحرام لا تجزي إلا باللفظ الوارد.فهذه الأوجه كلها تدل على لزوم التكبير.وذهب الإمام أبو حنيفة رحمه الله إلى أنه يجوز للمصلي أن يدخل بأي لفظٍ دال على تعظيم الله عز وجل وذكره،
واستدل بقوله تعالى:
{قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى * وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى} [الأعلى:14 - 15]،
فقال رحمه الله:
إن الله عز وجل قال: {وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ} [الأعلى:15]، فمن ذكر اسم ربه عند بداية صلاته أجزأه ذلك وصحت صلاته،
فلو قال:
الله العظيم أجزأه وانعقد إحرامه وانعقدت تحريمته.وذهب الإمام الشافعي رحمه الله إلى موافقة الإمام أحمد ومالك، ولكن قال: يجوز إذا كان من لفظ (أكبر)،
فقوله مثلاً:
الله الأكبر تنعقد به التحريمة،
فالمشتق كالكبير والأكبر قالوا:
ينعقد به إحرامه، وأما بغير ما اشتق منه فلا ينعقد إحرامه.والصحيح أنه لا بد من ذلك اللفظ المخصوص، وهو لفظ التكبير، والجواب عن دليلهم أنه مطلق مقيد.
كما أن الآية التي استدل بها الإمام أبو حنيفة رحمه الله في قوله تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى * وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى} [الأعلى:14 - 15] الصحيح أن المراد بقوله تعالى: (قد أفلح من تزكى)، أي: زكاة الفطر ليلة العيد، (وذكر اسم ربه) أي: أكثر من التكبير ليلة العيد فصلّى صلاة العيد، والمراد بذلك أنه على فلاح بانتهائه من فريضة الله عز وجل وهي الصيام.
فالمقصود أن هذه الآية يجاب عنها من وجهين: إما أن يقال: إنها خارجة عن موضع النزاع، والمراد بها صلاة العيدين.
وإما أن يقال: إنها مطلقةٌ مقيدة، والقاعدة أن المطلق يُحمل على المقيد، ولا تعارض بين مطلقٍ ومقيد.
وقوله رحمه الله: [يقول: الله أكبر] أي: يقول بلسانه: الله أكبر.
[رفع اليدين مضمومتي الأصابع وممدودة عند التكبير]
قال رحمه الله تعالى: [رافعاً يديه مضمومتي الأصابع ممدودة حذو منكبيه كالسجود].
[رافعاً يديه] هذه هي السنة في تكبيرة الإحرام، وأجمع العلماء على أن تكبيرة الإحرام برفع اليدين، وقد جاء عن أكثر من ستين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في صفة صلاته أنه رفع يديه في تكبيرة الإحرام، ولذلك قالوا: رفع اليدين في تكبيرة الإحرام متواتر،
كما أشار إلى ذلك صاحب الطلعة رحمه الله بقوله:
ثم من المشهور ما تواترا وهو ما يرويه جمعٌ حظرا كذِبهم عُرفاً كمسح الخف رفع اليدين عادمٌ للخُلفِ وقد روى حديثه من كتبا أكثرُ من ستين ممن صَحِبا فرفع اليدين بالدخول في الصلاة في تكبيرة الإحرام متواتر عن النبي صلى الله عليه وسلم، ورواه جمع،
وقال بعض العلماء:
فيه أكثر من خمسين حديثاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كلها في رفع اليدين، حتى إن العلماء لما اختلفوا في رفع اليدين في الصلاة اتفقوا على أنه في تكبيرة الإحرام يرفع يديه.ثم هنا في رفع اليدين السنة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه رفعها حذو منكبيه، وقال به جمعٌ من العلماء رحمة الله عليهم، كما اختاره الشافعي وأحمد،
وقال بعض العلماء:
حذو الأذنين، والذي يظهر أن النبي صلى الله عليه وسلم من سنته أنه كان يرفع حذو منكبيه،
وأما ما ورد إلى حذو أذنيه فهذا يُحمل على وجهين: الوجه الأول: إما أن يحمل على أنه كان يفعل هذا تارة ويفعل هذا تارة ولا حرج، ويصير خلاف تنوع لا حرج فيه.
والقاعدة تقول: إن خلاف التضاد لا يحكم فيه بالخلاف،
فتقول:
هذا نوع من الرفع، وهذا نوع من الرفع، والأكمل حذو منكبيه، والجائز والسنة التي لا حرج فيها أن يرفع إلى حيال أُذنيه.
الوجه الثاني: وجه الجمع،
قالوا:
إنه رفع، فمن أراد الغاية التي بلغتها أصابعه فهما المنكبان، ومن أراد غاية ما وصل إليه في رفعه حتى يقابل أقلّ أصابعه بهما فهما الأذنان، فيكون هذا من باب الجمع، فيكون هذا عبر بالغاية وهذا عبر بالبداية، فبداية ما يكون من أصابعه حيال أذنيه، فكأنه اعتبر غاية اليد ولم يعتبر أولها، وهذا يكون من باب الجمع بين الروايتين.
وأما بالنسبة لقوله: (كالسجود) فللعلماء فيه وجهان: منهم من يقول: يجعل اليدين كالرجل الذي يريد أن يمسك طرفا رأسه، فتكون بطون اليدين مقابلة لصفحتي الوجه.والوجه الثاني: أن يجعل بطون اليدين أو الراحتين إلى جهة القبلة،
ولذلك عبر بقوله:
(كالسجود) أي: كحال الإنسان في سجوده؛
لأنه لما قال لك:
(رافعاً) التبس الأمر: هل يرفع وقد جعل البطون إلى القبلة، أو يرفع وقد جعل البطون إلى وجهه؟
فلذلك قال:
(كالسجود).وأما بالنسبة للتفريج والضم للأصابع، فقد ورد عنه صلى الله عليه وسلم أنه لم يفرج ولم يضم، فالسنة الاعتدال، واختار المصنف الضم، والسنة الاعتدال في هذا، ولا يتكلف في الأمر.
وهناك ثلاثة أوجه في الابتداء بالرفع أو التكبير:

الأول: أن تبتدئ التكبير وتقول: الله أكبر ثم ترفع يديك، وتخفض بعد إنزالهما،
أو:
تقدم الرفع على التكبير فترفع يديك ثم تقول: الله أكبر بعد أن تتم الرفع وتنزلهما، أو: تجمع بين الرفع والتكبير، وذلك لكون الإنسان يرفع يديه فيبتدئ التكبير عند رفعه، ثم لا ينتهي إلا وقد انتهى من تكبيره، فهذه كلها أوجه، وقد جاءت بها الروايات عن النبي صلى الله عليه وسلم.
ففي حديث ابن عمر: (أنه رفع ثم كبر).وثم تقتضي الترتيب،
قالوا:
فيكون التكبير بعد الرفع.والوجه الثاني الذي هو وجه الجمع بينهما أو وجه المتابعة جاء في حديث وائل وغيره في رواية السنن، والأول صحيح من حديث ابن عمر.
وأما كونه يكبر ثم يرفع فقد قال الحافظ ابن حجر:
لا قائل به،
أي:
لا يعلم قائلاً يقول بالتكبير قبل الرفع.
قال العلماء: الأفضل للإمام أنه ينتبه لأحوال الناس، فإن من الناس من يسمع الصوت ولا يرى الشخص، ومنهم من يرى الشخص ولا يسمع الصوت، فالشخص الذي هو في أقصى الصف -خاصةً في المواضع التي لا يكون فيها مكبر الصوت موجوداً- يرى شخص الإمام ولا يسمع صوته، فإذا رفع الإمام يديه ظن المأموم أنه دخل في حرمة الصلاة وكبر، فربما سبق المأموم الإمام بالتكبير في هذه الحالة، كما لو كان في آخر الصفوف ويرى شخص الإمام، كما هو الحال في الأرض المنحدرة حيث يرى شخص الإمام، أو يكون الإمام مرتفعاً قليلاً فيراه يرفع يديه،
فيرفع المأموم يديه ويقول:
الله أكبر، فيسبق تكبيره تكبير الإمام، خاصةً إذا لم يسمع الصوت،
وقالوا:
أيضاً من الناس من يسمع الصوت ولا يرى الشخص ككفيف البصر، أو من هو بمنأىً لا يستطيع أن يرى الإمام، فإنه يعتبر الصوت ويسمع صوته، كما في الصف الرابع والخامس في الصحراء ونحوها، فربما خفي عليه صوت الإمام، ولذلك الأفضل والأولى للإمام حتى لا يعرض صلاة الناس للبطلان بتقدم التكبير على الرفع أن يجمع بينهما، حتى لا يكون سبقٌ، ما دام أن السنة قد ثبتت عن النبي صلى الله عليه وسلم بالجمع بينهما.
[لزوم إسماع الإمام من خلفه من المؤتمين]
قال رحمه الله تعالى: [ويسمع الإمام من خلفه كقراءته في أولتي غير الظهرين].
قوله:
[ويسمع الإمام من خلفه] أي: تكبيرة الإحرام، وذلك لأن تكبيرة الإحرام تنعقد الصلاة بها،
وقال العلماء:
إنه لو سبق المأموم الإمام في تكبيرة الإحرام، أو سبقه بالسلام بطلت صلاته خاصة على مذهب من يرى اتصال صلاة المأموم والإمام، كما درج عليه الحنابلة ومن وافقهم أنه لو سبق تكبير المأموم على الإمام بطلت صلاته ولم تنعقد له،
ولذلك يقولون:
إنه ينبغي عليه أن يتحرى، فإذا كان المأموم مطالباً بإيقاع تكبيره بعد تكبير الإمام فإنه ينبغي على الإمام أن يرفع صوته حتى ينبه الناس.وقد أجمعوا على أن المأموم لا يجوز له أن يسبق الإمام فيكبر قبل تكبير الإمام،
واختلفوا:
لو أن المأموم ساوى الإمام فكبّر مع تكبير الإمام، فهل هذا هو السنة، أم السنة أن ينتظر إلى أن يكبّر الإمام ويكبر بعده؟ فذهب جمهور العلماء إلى أن السنة أن يكبّر المأموم عقب تكبير الإمام،
وذلك لحديث أنس رضي الله عنه في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
(إنما جُعِل الإمام ليؤتم به، فإذا كبّر فكبروا)؛ لأن قوله: (فإذا كبّر) أي: فرغ من التكبير، (فكبروا) أي: أوقعوا تكبيركم بعد تكبيره،
ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
(لا تسبقوني إني قد بدنت)، فدل على أن المأموم كما أنه في الفعل لا يوقعه إلا بعد الإمام، كذلك أيضاً في القول لا يوقعه إلا بعد الإمام،
ولقوله في الرواية الثانية:
(ولا تكبروا حتى يكبر).فهذه الثلاثة الأحاديث اقتضت أن يقع تكبير المأموم بعد تكبير الإمام، ولذلك قال أصحاب هذا القول وهم الجمهور -المالكية والشافعية والحنابلة والظاهرية-: تحرم مسابقة الإمام وتكره موافقته؛ لأنها حالة بين الحلال والحرام، فبين الحلال كونك توقع التكبير بعده، وبين الحرام كونك تسبقه، ولذلك عبروا بالكراهة، كما نبهنا غير مرة أن مسلك بعض الأصوليين أن المكروه مرتبة بين الحلّ والحرمة.أما بالنسبة لفقهاء الحنفية فقالوا: السنة أن يوقع المأموم تكبيره مع تكبير الإمام،
وذلك لقوله عليه الصلاة والسلام:
(فإذا كبّر فكبروا) والفاء تقتضي العطف مع المقارنة،
كما تقول: جاء محمد فعمر بمعنى أنهما كادا أن يكونا متصلين ببعضهما،
قالوا:
وهذا يدل على أن تكبير المأموم يكون مع تكبير الإمام، ولا شك أنه الحل المجازي؛ لأنهم قالوا: (إذا كبّر) بمعنى: شرع في التكبير،
كما يقال:
أنجد: إذا دخل نجداً،
أي:
بدايتها،
وأتهم:
إذا دخل تهامة وإن لم يكن قد بلغ آخرها، وهذا معروف في لغة العرب،
قالوا:
فقوله: (إذا كبّر) أي: ابتدأ التكبير، (فكبروا) أي: اصحبوه في تكبيره، فهذا وجه الحديث عندهم، ويلاحظ أن الكل يتمسك بالسنة.والحقيقة الذي يترجح ويقوى من جهة النصوص والنظر أن تكبير المأموم يقع بعد تكبير الإمام، وعلى هذه المسألة تفرّع قولهم في السلام، ولذلك تجد بعض من يميل إلى هذا القول يسلم مع تسليم الإمام، ولا شك أن هذا له وجهٌ من السنة بناءً على أنهم يرون أن العطف في هذه اللغة وفي هذا الوجه يقتضي المقارنة،
وإن كنا قد قلنا: إن الصحيح أن يأتي بالتكبير والفعل بعده، لكن ما دام أن الإنسان يتأول وجهاً من السنة فلا إنكار، ولكن الصحيح والأقوى أن يوقع فعله بعد فعل الإمام.
والجهر بالتكبير على حالتين:
الحالة الأولى: المبالغة في الجهر فهذه مكروهة، وهي أن يبالغ في رفع صوته إلى درجة أن يزعج من وراءه من المصلين، فإن الصلاة خشوع وخضوع وسكينة، وينبغي للأئمة دائماً أن يتعاطوا مراتب الكمال وأنسب الأحوال، حتى يكون ذلك أقرب لهدي النبي صلى الله عليه وسلم، وأشبه بالعبادة التي يتلبسون بها، ولذلك لا يبالغ بالتكبير بصوتٍ فيه مبالغة في الرفع؛ لما فيه من الأذية والإجحاف بالنفس، والسنة في الشرع في الذكر أن الإنسان لا يبالغ فيه برفع الصوت،
كما قال تعالى: {وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا} [الإسراء:110]،
وقال تعالى:
{وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنكَرَ الأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ} [لقمان:19]،
فقالوا:
تجتنب المبالغة في رفع الصوت، إلا ما ورد النص به كالتلبية، فترفع صوتك حتى تبالغ بها ولا حرج؛ لأن الصحابة كانوا إذا أحرموا لم يبلغوا الروحاء حتى تبح أصواتهم، وهذا لا شك أن ورود السنة به هو مقصود في العبادة،
وقال عليه الصلاة والسلام:
(الحج العج والثج) فهذا مخصوص، لكن بالنسبة للأذكار تبقى على الأصل من تحري السنة وعدم المبالغة في الرفع، فيرفع صوته على الحالة الثانية، وهي الرفع المعتبر الذي يسمع به من وراءه، وبناءً على ذلك فإذا حصل مقصود الشرع من الإعلام فإنه يقتصر عليه المكلف.ومن هنا كان من الخطأ ما يفعله بعض المصلين حينما يأتي والناس في المسجد، ويريد أن يصلي تحية المسجد، فتجده يكبر تكبيرة الإحرام بلفظ مزعج وملفتٍ للأنظار، ولربما يشوش على غيره، ويجعل الناس يلتفتون إليه من غرابة ما وقع منه، والصلاة -كما قلنا- فيها سكينة وخشوع، فينبغي للمصلي أن يبتعد عن أذية الناس بها.
وقوله: [كقراءته في أولتي غير الظهرين].
المراد بالظهرين: الظهر والعصر، وهذا من باب التغليب، كالعمرين والقمرين،
والمراد بهذا في قوله رحمه الله:
[كقراءته] أن يجهر بالتكبير -أعني تكبيرة الإحرام- كما يجهر بقراءته في الأوليين من صلاة المغرب والعشاء، وكذلك الفجر، فالسنة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجهر بالقراءة في صلاتي الصبح والمغرب والعشاء، يجهر في الأوليين من العشاء وكذلك المغرب، وفي صلاة الفجر كلها، فالسنة أن يرفع صوته ويجهر.وهنا ينبه على أمرٍ ينساه كثير من الناس، أو يغفلون عن حكمه، وهو أن الإنسان ربما تفوته صلاة الفجر، أو تفوته ركعةٌ وراء الإمام فيقوم للقضاء، فلا تسمع من يرفع صوته بالقراءة، وهذا كثير بين الناس إلا من رحم الله، فبسبب الجهل تجدهم يقومون ولا تسمع أصوات القراءة، وهذا ينبغي التنبيه عليه، فصلاة الفجر كلها جهر، ولذلك ليس من السنة الإسرار في الجهري، ولا من السنة الجهر الكلي في السري، أما كونك في السر ترفع صوتك بالآية والآيتين فلا حرج، كما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم، أما ملازمة الجهر في السري كله فهذا لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة الظهر والعصر معاً.
[أن يسمع المنفرد نفسه بالقراءة والتكبير]
قال رحمه الله تعالى: [وغيرُه نفسه].
أي: يسمع غيرُ الإمام نفسَه القراءة، فإذا صليت لوحدك تسمع نفسك القراءة،
أي:
تجهر جهراً بحيث تَسمَعُ قراءتك، فهذا هو الحد، كأنه أراد أن يضع لك ضابطاً للجهر إذا كنت لوحدك أو منفرداً.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 23-09-2020, 05:30 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,359
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع للشيخ محمد الشنقيطي

شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع
(كتاب الصلاة)
شرح فضيلة الشيخ الدكتور
محمد بن محمد المختار بن محمد الجكني الشنقيطي
الحلقة (73)

صـــــ(1) إلى صــ(6)

شرح زاد المستقنع - باب صفة الصلاة [2]
إذا قام المصلي إلى الصلاة فإنه يبدأ بتكبير الإحرام، ولها صفة معلومة، ثم يضع يمينه على شماله، وصفة الضم معلومة مفصلة، ولها حالات مذكورة في موضعها، ثم ينظر إلى موضع سجوده، ويقرأ دعاء الاستفتاح، وله ألفاظ عدة واردة عن النبي صلى الله عليه وسلم ثم يتم صلاته على هذا النحو الوارد عن النبي صلى الله عليه وسلم.
ما يفعله المصلي حال قيامه في الصلاة
[وضع اليمين على الشمال ومحلهما حال القيام في الصلاة]
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين.أما بعد: يقول المصنف رحمه الله تعالى: [ثم يقبض كوع يسراه تحت سرته].بعد أن يفرغ الإنسان من التكبير والرفع فالسنة له أن يجعل يمينه على شماله، وهذا ثبتت به الأحاديث الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وترجم له الأئمة والحفاظ في كتب الحديث.
وقال بعض أهل العلم:
بلغت الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بوضع اليمين على الشمال في الصلاة مبلغ التواتر، أي أنها متواترة بوضع اليمين على الشمال، وهذه هي السنة،
وخالف في هذا بعض المالكية رحمة الله عليهم فقالوا:
إنه يطلق يديه ويرسلهما إلا في النافلة،
وقالوا:
في النافلة لا بأس أن يقبض أما في الفريضة فلا، وهذه المسألة تعرف بمسألة الإرسال، وفيها لبسٌ ينبغي لطلاب العلم أن يتنبهوا له، حتى يحصل منهم التوجيه لمن يرسل يديه في صلاته اعتماداً على القول في مذهب المالكية.
ووجه ذلك أن الإمام مالكاً رحمه الله قال في موطئه: (باب وضع اليمين على الشمال في الصلاة)، فبوب رحمه الله لوضع اليمين على الشمال في الصلاة، وكان عبد الرحمن بن القاسم العتقي من أصحاب مالك المصريين رحمة الله عليهم أجمعين، فسافر إلى مالك، وقرأ عليه الموطأ، وحمل عنه مذهبهم وعلمه، ثم رجع إلى مصر، وتوفي مالك، فقدم أسد بن الفرات من المغرب لأجل أن يسأل عبد الرحمن بن القاسم، وكانت نيته حينما سافر من المغرب أن يلقى الإمام مالكاً، وأن يتتلمذ عليه، فلما وصل إلى مصر توفي الإمام مالك،
فلما أخبر بوفاته سأل:
مَنْ مِنَ أصحابه أخذ علمه؟
فقالوا:
عبد الرحمن بن القاسم،
فلزم عبد الرحمن وقال له:
إني سائلك عن مسائل، فما كان فيها من قول مالك فأفتني به بقوله، وما كان لا قول له فيه فأخبرني بالأشبه، أو اذكر أشبه الأقوال بقوله، وذلك لأن عبد الرحمن بلغ مبلغ الاجتهاد في قول مالك رحمه الله؛ لأنه أخذ عنه الفقه وتتلمذ عليه، فسأله عن مسائل، ثم ارتحل أسد إلى المغرب،
فجاء رجل يقال له:
سحنون واسمه عبد السلام فسأل أسد بن الفرات أن يعطيه المدونة من أجل أن يأخذها ويدون ما فيها من المسائل والعلم، فامتنع أسد من إعطائها له، فضن بها عليه،
فقال له:
هذا علم، ولا يجوز لك أن تحفظه، فاشتكاه إلى القاضي، فأمر القاضي بها لـ أسد؛
لأن أسداً قال:
الكتابُ كتابي والقلم قلمي والمداد مدادي وسحنون يقول: إنه علم ولا يحل كتمه، فحكم القاضي أنها لـ أسد، وله أن يعطيها من شاء ويمنعها من شاء، فارتحل سحنون إلى عبد الرحمن بن القاسم وأخبره بالقصة، فغضب عبد الرحمن، وسأله سحنون عن المسائل، وهي الموجودة الآن في كتابه (المدونة)، وفيها مسائل لـ عبد السلام الذي يسمى سُحنون وكان مما سأل عبد الرحمن أنه سأله عن القبض،
فقال عبد الرحمن بن القاسم:
سألت مالكاً عن القبض فقال: لا أعرفه، ولا بأس به في النفل وأكرهه في الفرض.
فهذه العبارة قالوا: المراد بها وضع اليمين على الشمال وأنه لا بأس به في النفل ويُكره في الفرض.والواقع أن هذه العبارة ليس لها علاقة بوضع اليمين على الشمال؛ لأن هناك شيئاً يسمى وضع اليمين على الشمال، وشيئاً يسمى القبض، وهو الزائد عن الوضع، فالإمام مالك رحمه الله روى الحديث في موطئه،
ولا يمكن أن يقول قائل:
إن مالكاً يقول: لا أعرفه.فهو قد رواه في موطئه، وهذا لا يمكن أن يكون بحال، والمراد بهذا القبض الأخذ؛
لأن بعض السلف يقول:
إنما السنة أن تضع اليمين على الشمال وأما القبض فهذا فيه نوع من الراحة، ولذلك عندما تنظر إلى العبارة الواردة المدونة فسياقها في الاعتماد، والاعتماد في النافلة جائز، ولكنه في الفريضة مكروهٌ وممنوع، وقد يعبر بالكراهة ويراد بها المنع،
فلذلك قال:
لا بأس به في النفل وأكرهه في الفرض.فلو صليت في التهجد أو أطلت في قيام ليلك، فحينما تتهجد دون أن تقبض تتعب، فبمجرد ما تمضي عليك ربع ساعة وأنت واضع يدك اليمنى على الشمال تجد التعب والعناء، لكن حينما تقبض ترتاح، فأصبح فيه نوع اعتماد، فهذا من دقة مالك رحمه الله في تحري السنة، فليست العبارة لها علاقة بوضع اليمين على الشمال البتة؛
هل يمكن أن يقول في موطئه:
(باب وضع اليمين على الشمال في الصلاة)،
ثم يقول:
لا أعرفه؟! وفي هذا الوضع أكثر من أربعين حديثاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنه وضع وأمر بالوضع،
حتى قال:
(أُمرنا معاشر الأنبياء أن نأخذ بأيماننا على شمائلنا في الصلاة).فالسنة وضع اليمين على الشمال في الصلاة،
وأما بالنسبة للقبض فأخذوه من قوله: (أن نأخذ)، والأخذ فيه زيادة معنى، فإنك لا تأخذ الشيء إلا إذا استحكمت يدك به،
فلما قال:
(أن نأخذ بأيماننا على شمائلنا) دلّ على هذه الزيادة، والإمام مالك لم يرو هذا الحديث، واقتصر على الأحاديث التي فيها وضع اليمين على الشمال، فكان من فقهه تسويغ ذلك في النافلة دون الفريضة.وإنما أحببنا التنبيه على هذا حتى لا ينسب إلى الإمام مالك رحمة الله عليه،
ويكون طالب العلم على بينة إذا اعترض عليه معترض فقال:
هذا قول الإمام مالك،
فليقل له:
إن الإمام مالكاً رحمه الله ذكر هذا في المدونة،
وقال:
باب وضع اليمين على الشمال في الصلاة،
وقد قال رحمه الله:
(إذا وجدتم قولي يخالف قول رسول الله صلى الله عليه وسلم فاضربوا بقولي عرض الحائط وخذوا بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم)،
وقال:
(كلٌ يؤخذ من قوله ويرد إلا صاحب هذا القبر -وأشار إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم-) فكلٌ يؤخذ من قوله ويرد، ولو صح عنه فالحجة في السنة،
ونقول:
لو كان الإمام مالك لا يرى القبض لعدم ورود الحديث عنده، فإنه يعتذر له بعدم العلم به، ويبقى سنة لورود الخبر من طريق غيره، ولذلك فالسنة وضع اليمين على الشمال في الصلاة، وهذا الوضع -كما قلنا- ثبتت به الأحاديث الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم.
[قبض كوع اليسرى تحت سرته]
يقول المصنف رحمه الله بعد أن ذكر الوضع:
[ثم يقبض كوع يسراه تحت سرته].هذا وجه في محلهما، وفيه أثر عن علي رضي الله عنه -وهو غير صحيح- في وضع اليدين تحت السرة، وهو مذهب الحنفية أيضاً.والصحيح أن السنة وضعهما على الصدر، وثبتت به الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يبالغ في رفعها في الصدر حتى يصل إلى الرقبة؛ لأن هذا ليس بالسنة، وإنما السنة أن تكونا على الصدر، وذلك على القصد دون تكلف،
وإذا وضعها قال بعض العلماء:
يقبض يمينه على شماله جهة قلبه؛ لأنه أشرف الأماكن ولا وجه لهذا التخصيص، والسنة مطلقة، فإن الإنسان يضع يمناه على يسراه على صدره كما ورد في الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهذا هو السنة والذي يستحب للإنسان أن يتحراه، وإن وضع الكف على الكف فقد ثبت وضع يمينه على شماله على ظاهر الحديث، وإن وضعها على الرسغ -وهو المفصل الذي يكون بين الكف والساعد- فحينئذٍ لا حرج، وإن وضعها على الساعد فلا حرج، والناس يختلفون على حسب اختلاف الأماكن ضيقاً واتساعاً، وإن أراد الإنسان أن يفعل هذا مرةً ويفعل هذا مرةً ويفعل هذا مرةً فكل ذلك سائغ، وكلٌ على خير وسنة، ولا حرج على الإنسان في فعله.لكن الأخذ بالمرفق يعتبر من المخالف للسنة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يثبت عنه أنه وضع أو ألقم كفه الأيمن مرفقه الأيسر، فهذا ليس من السنة في شيء، وهكذا لو عكس.والسنة في وضع اليدين أن تكون اليمنى هي العليا واليسرى أسفل، وليس من السنة وضع اليسرى على اليمنى،
وقد جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم:
(أنه لما رأى الرجل وضع يسراه على يمناه نزع، فجعل يمناه على يسراه)، وهذا تشريف وتكريم، ويدل على فضل اليمين على اليسار.وقد أخذت منه فائدة،
وهي خلاف العلماء رحمهم الله:
هل الأفضل في الميت إذا كفن في ثلاثة أثواب أن يكون أحسنها جمالاً مما يلي الميت، أو الأفضل أن يكون من خارج لمنظر الناس؟
فالذين يقولون يكون من الخارج قالوا: الأفضل يكون الأعلى، ولذلك لما أريد تشريف اليمنى جعلت هي الأعلى، مع أن اليسرى وليت البدن، وكذلك الأفضل في الكفن أن تكون العليا هي الحسنة، إضافةً إلى أنه جمالٌ له أمام الناس، وأبلغ في زينته لكفنه، وأجمل له في حاله، فهذه من المسائل التي خرجت على ما ذكرنا؛ لأنه لما جعل عليه الصلاة والسلام اليمنى على اليسرى دل على أن الأعلى أشرف وأفضل وإن كان الأدنى والياً للبدن أو مباشراً.
[نظر المصلي إلى مكان سجوده]
قال رحمه الله تعالى: [وينظر مسجده].السنة للإنسان إذا صلى أن يرمي ببصره إلى مكان سجوده، والمسجد: مكان السجود، على وزن (مَفْعِل)، والمراد به موضع سجوده،
وذلك لما ثبت في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم:
(أنه رمى ببصره إلى موضع سجوده)، وكان إذا تشهد رمى ببصره إلى إصبعه وهو يشير بها صلوات الله وسلامه عليه لا يجاوزها، فقال: السنة في القيام الرمي بالبصر إلى موضع السجود.
أما إذا ركع فقال بعضهم: يرمي ببصره إلى رؤوس قدميه؛
لأنه أبلغ في الذلة وقال بعضهم:
إلى موضع السجود.
والأولى: الكف في هذا حتى يثبت الخبر، ويترك الناس على سعة ولا يحدد لهم شيءٌ معين؛ لأنه لا تحديد من الشرع.فالسنة أنه إذا قام يرمي ببصره إلى موضع سجوده، لكن لو رمى ببصره إلى أمامه، إلا أن يكون في اضطرار كالخوف في صلاة الخوف، فلا بد أن يرمي ببصره أمامه، فالله عز وجل حينما قسّم طوائف المؤمنين في القتال في صلاة الخوف إنما شرع أن تكون الطائفة الثانية قائمة وراء الطائفة الأولى عندما تسجد من أجل مراقبة العدو، ففي هذه الحالة لا يكون من السنة الرمي بالبصر إلى السجود، وهذا من باب تقديم مصلحة فوات الأنفس على الخشوع المتعلق بالصلاة، فهذه من صورها ومن أمثلتها، وقد ثبت في حديث عباد بن بشر أنه لما صلى رمى ببصره إلى الشعب يحرسه بأمر النبي صلى الله عليه وسلم،
لكن اختلف العلماء:
هل الأفضل أن يرمي المصلي إلى موضع سجوده أو ينظر أمامه؟ قال بعض العلماء: الأفضل أن يرمي ببصره إلى موضع سجوده،
لما ذكرناه وقال بعضهم:
الأفضل أن يرمي ببصره قِبَل وجهه،
وذلك لقوله تعالى:
{فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [البقرة:144] قالوا: فهذا يدل على أن وجهه يكون إلى جهة القبلة، وأنه لا يرمي ببصره أكثر.وأكدوا هذا بما ثبت في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم -وهو في الصحيح-
أنه قال:
(أميطي عنا قِرامَك، فإنه ما زالت تصاويره تُعرض عليَّ آنفاً حتى ألهتني عن صلاتي) قالوا: هذا يدل على أن القرام كان ستراً ولا يمكن أن يراه عليه الصلاة والسلام إلا إذا رفع بصره، فدل على أنه كان يرفع بصره.والذي يظهر والله أعلم أن السنة أن يرمي ببصره إلى موضع السجود، وأنه لا حرج أن يرفع بصره أحياناً؛ لأنه قد يدفع إنساناً ماراً أمامه، وقد يحتاج إلى شيءٍ من هذا القبيل، أما السنة فرمي البصر إلى موضع السجود.
[ذكر دعاء الاستفتاح]
قال رحمه الله تعالى: [ثم يقول: سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى جدك، ولا إله غيرك].هذا دعاء الاستفتاح يقوله بعد أن يفرغ من التكبير،
فيضع يمناه على يسراه ويقول: (سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى جدك، ولا إله غيرك) ودعاء الاستفتاح مشروع، وهو قول الجماهير، خلافاً للإمام مالك رحمةُ الله عليه الذي لا يراه، والصحيح أنه سنة، وقد ثبت عن الرسول صلى الله عليه وسلم بدعاء الاستفتاح أكثر من حديث.منها حديث أبي هريرة في الصحيح، وحديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها في السنن، وكذلك أيضاً حديث قيام الليل في افتتاحه عليه الصلاة والسلام،
وكذلك حديث علي رضي الله عنه:
(وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض) وكلها أحاديث صحيحة في دعاء الاستفتاح، فالسنة مشروعية دعاء الاستفتاح.
فبعد أن ذكر المصنف رحمه الله وضع اليمين على الشمال في الصلاة قال:
(ثم يقول)، وذكر دعاء الاستفتاح، وقلنا: إنه مشروع على مذهب جمهور العلماء لثبوت الأحاديث الصحيحة به عن النبي صلى الله عليه وسلم،
وثبت في الحديث عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال له أبو هريرة:
(أرأيت سكوتك بين التكبير والقراءة ما تقول بأبي أنت وأمي يا رسول الله؟
فقال: أقول: اللهم باعد بيني وبين خطاياي)
الحديث، فدل هذا على مشروعية دعاء الاستفتاح، والاستفتاح يأتي على ثلاث صور: الصورة الأولى: أن يشتمل على التمجيد المحض.الصورة الثانية: أن يشتمل على الدعاء المحض.
الصورة الثالثة: أن يجمع بين التمجيد والدعاء.فاستفتاح النبي صلى الله عليه وسلم لصلاته الذي أقره وفعله عليه الصلاة والسلام أتى على هذه الثلاثة الأحوال، تارةً يعظم الله ويمجده ويسبحه ويقدسه،
ومن ذلك ما ذكره المصنف من حديث عائشة رضي الله عنها في السنن:
(سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى جدك، ولا إله غيرك)، واستفتح به عمر رضي الله عنه، وجهر به ليعلم الناس، ومن الاستفتاح بالتعظيم ما أقره عليه الصلاة والسلام،
ففي الحديث الصحيح:
(أن رجلاً دخل في الصلاة وقال: الله أكبر، الله أكبر كبيراً والحمد لله كثيراً، وسبحان الله بكرة وأصيلاً، فلما سلّم عليه الصلاة والسلام،
قال:
من الذي قال كذا وكذا آنفاً؟ قال: أنا يا رسول الله.

قال:
والذي نفسي بيده لقد رأيتُ اثنى عشر ملكاً يبتدرونها إلى السماء)،
فتأمل هذه الألفاظ:
الله أكبر، الله أكبر كبيراً، والحمد لله كثيراً، وسبحان الله بكرةً وأصيلاً، فكل كلمة يحملها ملك، وإذا نظرت إلى عددها وجدتها اثنتي عشرة كلمة،
ولما قال رجل بعد التسمية:
(ربنا ولك الحمد حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه،
قال صلى الله عليه وسلم:
رأيت بضعاً وثلاثين ملكاً يبتدرونها)
، فإذا عددت حروفها وجدتها بضعاً وثلاثين، فهذا من المناسبات كما يقولون، وهو يدل على فضل ذكر الله عز وجل، وهذا من الألفاظ الواردة في الشريعة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أقرّ الصحابي على هذا الذكر المخصوص،
وقد ثبت في الحديث أنك إذا قلت: الحمد لله تملأ الميزان،
وإذا قلت:
سبحان الله والحمد لله ملأت ما بين السماء والأرض، فمن أنواع الذكر أن تستفتح بتمجيد الله عز وجل، أو أن تقول: (سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى جدك، ولا إله غيرك).
أو تقول:
(الله أكبر كبيراً، والحمد لله كثيراً، وسبحان الله بكرةً وأصيلاً)،
أو يكون دعاءً محضاً كما في حديث أبي هريرة:
(اللهم باعد بيني وبين خطاياي)، فهذا دعاء محض.أو أن تجمع، وقد جمع عليه الصلاة والسلام بين الدعاء والثناء، وذلك في حديث علي الثابت في الصحيح،
قال عليه الصلاة والسلام فيه باستفتاحه:
(وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفاً وما أنا من المشركين، إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين، لا شريك له وبذلكَ أمرت وأنا أول المسلمين، اللهم أنت الملك لا إله إلا أنت وأنا عبدك، ظلمت نفسي ظلماً كثيراً، واعترفت بذنوبي، ولا يغفر الذنوب إلا أنت، فاغفر لي مغفرةً من عندك وارحمني إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، لبيك وسعديك، والخير بيديك، اللهم آت نفسي تقواها، وزكها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها)، فجمع النبي صلى الله عليه وسلم بين التمجيد وبين الدعاء، وهو النوع الثالث من الاستفتاحات، وكلٌ على سنة.
قال العلماء: إن كان الوقت طويلاً كقيام الليل، وتريد أن تكسب فضل الذكر والتأسي برسول الله صلى الله عليه وسلم تقول هذه الدعاء الطويل، وكذلك صلاة الظهر تحتاج إلى الإطالة حتى تصيب السنة في إطالة الأوليين، فتقول الدعاء الطويل في الاستفتاح،
وإن كان الوقت ضيقاً ولا يسع فلك أن تقول:
(سبحانك اللهم وبحمدك)، أو الدعاء المحض، أو (الله أكبر كبيراً، والحمد لله كثيراً)، ونحوها مما يشتمل على التمجيد.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #9  
قديم 28-09-2020, 04:01 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,359
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع للشيخ محمد الشنقيطي

شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع
(كتاب الصلاة)
شرح فضيلة الشيخ الدكتور
محمد بن محمد المختار بن محمد الجكني الشنقيطي
الحلقة (75)

صـــــ(13) إلى صــ(18)

الأسئلة
[حكم الجمع بين أدعية الاستفتاح في موضع واحد]
q هل يجوز جمع روايات دعاء الاستفتاح في الصلاة، أم يقتصر على رواية واحدة؟
a الذي اختاره جمع من المحققين أنه ينوع، فيدعو بهذا تارة ويدعو بهذا تارة؛ لأن الخلاف هنا خلاف تنوع وليس بخلاف تضاد، وبناء على ذلك ينوع، فيصلي بهذا تارة ويصلي بهذا تارة؛ لأنه هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم.أما لو جمع الجميع في موضع واحد فللعلماء وجهان:
الوجه الأول: اختار الإمام النووي رحمه الله أنه لا حرج في الجمع بين هذه الأدعية.
والوجه الثاني: اختار شيخ الإسلام وغيره:
أن الجمع بينهما لم يرد، فلذلك يقتصر على الوارد.والأولى والأحوط أن الإنسان يقتصر على الوارد، فيصلي بهذا تارة وبهذا تارة، كما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم، والله تعالى أعلم.
[معنى قوله صلى الله عليه وسلم: (وتعالى جدك)]
q ما معنى قوله صلى الله عليه وسلم: (وتعالى جدك) في دعاء الاستفتاح؟
a ( تعالى) من العلو، فلذلك وصف الله سبحانه وتعالى بالعلو، وقد ثبتت صفة العلو لله سبحانه وتعالى، وهي على مذهب أهل السنة والجماعة تدل على ثبوت الفوقية لله سبحانه وتعالى، كما قال تعالى: {يخافون ربهم من فوقهم ويفعلون ما يؤمرون} [النحل:50].ولذلك لما سأل النبي صلى الله عليه وسلم الجارية: (أين الله؟ قالت: في السماء)، فهذا إثبات صفة العلو لله سبحانه وتعالى، على خلاف من قال بعدم ثبوتها، وقال: إن العلو ليس لله سبحانه وتعالى، بمعنى أنك لا تقول: إن الله في العلو كما ثبتت به النصوص الواردة في الكتاب والسنة، ولذلك يقول: من أثبت الجهة كان مبتدعا، وهذا قول مردود.فمذهب أهل السنة والجماعة إثبات العلو لله عز وجل على ما يليق بجلاله وكماله.فالنصوص ثبتت بوصف الله عز وجل بكونه أعلى، كما قال عليه الصلاة والسلام: (سبحان ربي الأعلى) في سجوده، وقال تعالى في كتابه: {سبح اسم ربك الأعلى} [الأعلى:1]، فأثبت العلو لنفسه، ولما قال النبي صلى الله عليه وسلم للجارية: (أين الله؟ قالت: في السماء)، فدل هذا على ثبوتها.وقد أثنى النبي صلى الله عليه وسلم على هذا الدعاء كما جاء في السنن عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: (أحب الكلام إلى الله: سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى جدك).
[حكم إشراك نية الدنيا مع نية الآخرة]
q هل يشترط في الخروج إلى المساجد أن يستحضر النية في رفع الدرجات وحط الذنوب والسيئات بالخطا، أم أنها تقع بمجرد المشي؟

a باسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.أما بعد: فإذا خرج الإنسان من بيته ونيته المسجد فلا يخلو من حالات:
الحالة الأولى: أن تكون نيته الصلاة والتقرب إلى الله عز وجل، وليس في قلبه أن يلقى أحدا أو أي شيء من عرض الدنيا، لا يريد إلا أن يذهب لأجل أن يصلي ويطيع الله عز وجل، فهذا بأعلى المراتب وأشرفها عند الله عز وجل، ونيته نية آخرة، فإذا نوى هذه النية كتب الله له أجره، ورفع درجاته، وحط خطيئاته، فتكفي هذه النية، وهي أن تخرج للصلاة ولا يخرجك إلا إجابة داعي الله عز وجل، وهذا هو الذي يحصل به قدر الفضل.
الحالة الثانية: أن يخرج ونيته الدنيا والعياذ بالله، كرجل لولا أن هناك حاجة من حوائج الدنيا ما خرج، أو يخرج رياء أو سمعة، فهذا -والعياذ بالله- خروجه عليه لا له.الحالة الثالثة: أن يشرك بين النيتين، فتكون نيته الصلاة والدنيا، يقول: أخرج إلى الصلاة وألقى فلانا فأكلمه على البيت وعلى الحاجة، أو أكلمه على دين، أو أكلمه على أمر من الأمور.وإن كانت نيته المشتركة نية طاعة وعبادة فلا إشكال، كأن يقول:
أخرج إلى المسجد من أجل الصلاة ومن أجل تعليم العلم، فهذا أفضل من الذي قبله من جهة أنه جمع بين فضل الصلاة بالخطا وفضل تعليم الناس، كما قال صلى الله عليه وسلم: (من عمد إلى مسجده ليتعلم أو يعلم الناس كان كأجر المجاهد في سبيل الله)، كما ثبت في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا من خصوصيات مسجده عليه الصلاة والسلام.أما إذا كانت النية المشركة لحاجة من حوائج الدنيا كأن يقول: أصلي وأكلم فلانا، أو: أصلي وأوصي فلانا على أمر من أمور الدنيا، فحينئذ إن كانت نية الآخرة هي الأصل ونية الدنيا تبع بحيث لو لم توجد نية الدنيا لخرج لا يؤثر هذا التشريك؛ لقوله تعالى: {ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم} [البقرة:198]، فإنها نزلت فيمن يريد الحج والتجارة، فلما كانت التجارة تبعا لم تؤثر، وقال تعالى: {وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين أنها لكم وتودون أن غير ذات الشوكة تكون لكم} [الأنفال:7]، فكانوا يتمنون العير وقد خرجوا إلى غزوة بدر، فجعل الله لهم فضل الجهاد مع أنهم كانوا يتمنون العير وهي دنيا، وكقوله عليه الصلاة والسلام: (من قتل قتيلا فله سلبه)، فهذا دنيا لكنه تبع وليس بغاية.فمن خرج إلى المسجد بهذا النوع الثالث وهو يريد الدنيا، والنية لها تبع وليست بأصل، بحيث لو امتنعت نية الدنيا لخرج، فهذا لا يؤثر، ويعتبر من التشريك المغتفر على مذهب المحققين من العلماء، كما ارتضاه الإمام الطبري رحمه الله، والحافظ ابن حجر، وغيرهم من علماء الإسلام، فإذا كانت نيتك الصلاة أساسا ونية الدنيا تبعا فلا حرج عليك في ذلك، وأنت مأجور إن شاء الله.
والله تعالى أعلم.
[الجمع بين أفضلية الجماعة على الانفراد بسبع وعشرين وخمس وعشرين درجة]
q ورد في حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: (صلاة الجماعة تفضل على صلاة المنفرد بسبع وعشرين درجة)، وفي حديث آخر: (بخمس وعشرين)، فكيف نجمع بين الحديثين؟

a هذه المسألة فيها خلاف، قال بعض العلماء: سبع وعشرون وخمس وعشرون لا تعارض بينهما، فالسبع والعشرون لمن بكر إلى المسجد، وحصل الصلاة من أولها، والخمس والعشرون لمن تأخر فجاء في آخر الصلاة، كأن يدرك التشهد، فمن أدرك الإمام قبل أن يسلم فقد أدرك الخمس والعشرين، وهذا القول له وجه من حديث أبي هريرة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (وذلك أنه إذا توضأ فأصبغ الوضوء ثم مشى إلى المسجد أو خرج إلى المسجد لا يخرجه إلا الصلاة لم يخط خطوة) الحديث، وقد قال في صدر الحديث: (تضعف على صلاة الفذ بخمس وعشرين ضعفا) فجعل الفضل من جهة الخروج، فمن أدرك آخر الصلاة أدرك الخمس والعشرين، والسبع والعشرين لمن أدرك أولها، فلا تعارض بين الحديثين لانفكاك الجهة.وقال بعضهم: السبع والعشرون درجة للصلاة مع الجماعة إذا كانت جهرية، والخمس والعشرون درجة إذا كانت سرية؛ لأن الجهرية فيها قراءة واستماع وتأثر بالقرآن.وقيل: السبع والعشرون درجة لمن سمع القراءة وتأثر بها، والخمس والعشرون لمن سمع وغفل عن التأثر بها.وقيل: إن السبع والعشرين درجة تكون لمن مشى إلى المسجد، والخمس والعشرين لمن ركب.وقيل: إن السبع والعشرين درجة تكون لمن تأثر وخشع وكانت الصلاة مؤثرة فيه، والخمس والعشرين لمن كان على قدر الإجزاء، فيكون له حظ السعي والتعب والمشي.وهناك أوجه أخرى ذكرها العلماء رحمهم الله، من ذلك أن سبعا وعشرين درجة للجماعة الكثيرة، وخمسا وعشرين درجة للجماعة القليلة، إلى غير ذلك مما ذكروه.ولكن الحقيقة أن القول الذي يقول: إن الخمس والعشرين للمشي، والسبع والعشرين لكمال الصلاة من القوة بمكان، وهناك وجه يرفع التعارض بالكلية، فيقول: عندنا حديث يقول: (صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة)، وهذا من حديث ابن عمر في الصحيح، وحديث أبي هريرة: (صلاة الرجل في مسجده تضعف على صلاته في بيته خمسا وعشرين ضعفا)، فجعل الفضل هنا بالضعف، والفضل هناك بالدرجات، والقاعدة في الأصول أنه لا يحكم بالتعارض إلا إذا استويا محلا، وهنا لم يستويا؛ لأن الموصوف بالدرجة ليس كالموصوف بالمضاعفة، وهذا مذهب من يقول بانفكاك جهة التعارض.وعلى العموم صل مع الجماعة وأدرك فضلها وأنت على خير، فالأفضل للإنسان أن يدرك الصلاة على أكمل وجوهها، حتى يحصل الفضل على أتم وجوهه، كتبكير إلى الصلاة، والخشوع والتأثر بالقرآن، فهذا أكمل ما يكون من الحظ في السبع والعشرين درجة، وهو أعلى مرتبة من صاحب الخمس والعشرين درجة، ولذلك ينبغي للمسلم أن يحرص دائما في مسائل الفضل على تحصيل الفضل، وما دام أن الإنسان يرجو الخير والفضل ويسعى إلى الكمال فهو على خير، ثم العلم عند الله في حقيقة هذه الأمور، وهو الذي يفصل بين عباده وهو خير الفاصلين.والله تعالى أعلم.
[حكم الائتمام بمسبوق من الجماعة الأولى]
q يحدث كثيرا أن بعض المصلين يفوتهم شيء من الصلاة، فإذا قاموا ليقضوا ما فاتهم جاء رجل من خارج المسجد وائتم بأحد هؤلاء، فهل يصح ذلك؟
a هذه المسألة فيها تفصيل، فإذا صليت مع الجماعة وأدركت الجماعة فلا تخلو من حالتين: فإن أدركت ركعة فأكثر فقول جماهير العلماء أنه لا يصح الاقتداء بك؛ لأنك مأموم ولست بإمام، ولا يصح للمأموم حكما وفضلا أن يصير إماما، ولا يعرف في الشرع هذا إلا في مسائل الاضطرار كالاستخلاف.وقال بعض العلماء -وهو وجه ضعيف عند الشافعية-: يجوز أن يصلي المأموم الذي أدرك الإمام بجماعة ثانية، واستدلوا على هذا بوجود صلاة الخوف في الاستخلاف، ولكن هذا المذهب ضعيف، وبين العلماء رحمهم الله أنه قول ضعيف ولا يقوى دليله.والصحيح أن من أدرك ركعة فأكثر أنه مأموم وليس بإمام، ولا يحمل عن مأمومه الصلاة وهو منها في حل، ولذلك لا يكون المأموم إماما.أما بالنسبة للحالة الثانية فهي أن لا تدرك ركعة مع الإمام، كأن تدرك الإمام وقد رفع من الركوع الأخير، سواء أدركته بين الرفع وبين السجود، أم أدركته في السجدة قبل الأخيرة، أو السجدة الأخيرة، أو في التشهد، فإذا أدركته في هذه الحالة جاز لك أن تصير إماما لغيرك؛ لأنك وبالإجماع تأخذ حكم المنفرد، ألا تراهم في هذه الحالة يقولون: إنك لو أدركت إمام الجمعة في التشهد أو بعد الركعة الأخيرة فإنك تصلي ظهرا على الراجح، فدل ذلك على أنك مدرك لفضل الجماعة لا لحكمها، فتكون إماما من هذا الوجه، ولذلك رخص العلماء في هذه الصورة، فإذا دخلت مع إنسان معك تقول له: إذا سلم الإمام ائتم بي حتى تكون النية منقعدة، فإذا سلم الإمام تقوم أنت فتكبر فيتبعك دون أن تكلمه، فتنعقد لكم الجماعة، فيحصل لكم فائدة دخولكم في الجماعة الأولى، وفائدة الجماعة الثانية من جهة الاقتداء.ولذلك الأفضل للإنسان إذا دخل أن يتبع الإمام، بل قال العلماء: يجب على من دخل المسجد ولو بقيت لحظة على سلام الإمام أن يدخل معه، ولو لم يدخل يأثم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما أدركتم فصلوا)، وهذا نص من السنة، وإن كان بعض الشافعية رحمهم الله اختاروا على أنه لا حرج أن يحدث جماعة ثانية، لكنه وجه شاذ؛ لأن الإسلام يحرص على الجماعة ولا يريد الشذوذ، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: لما رأى الرجلين لم يصليا قال: (ما منعكما أن تصليا في القوم، ألستما بمسلمين؟!!)، فدل على أنه لا يجوز إحداث جماعة في داخل المسجد مع وجود الجماعة الأولى، ولأنه يحتمل أن الإمام بقيت عليه ركعة كأن يكون سلم من ثلاث وهو في ظهر سهوا، فلذلك لا يحكم بجواز إحداث الجماعة الثانية ما دام أن الإمام لم يسلم من الجماعة الأولى، ولأن إدراكك للجماعة الأولى أفضل من إحداث جماعة ثانية؛ لأنك إذا أدركت الجماعة الأولى أدركت فضلا في الوقت لم تدركه الجماعة الثانية، واللحظة اليسيرة في أوقات الصلاة بينها وما بعدها كما بين السماء والأرض، ففي الحديث: (إن العبد ليصلي الصلاة، وما يصليها في وقتها، وإن ما فاته من وقتها خير له من الدنيا وما فيها)، فقد يكون وقتا يسيرا جدا ما بين الجماعة الأولى والثانية، فتفوت على نفسك الفضل بإحداث الجماعة الثانية، ثم إن هذا شذوذ ويخالف ظاهر السنة في قوله صلى الله عليه وسلم: (ما أدركتم فصلوا)، فدل على أن من دخل المسجد يلزم بالدخول مع الجماعة، ولا يجوز له أن يختلف عن الإمام والشذوذ عنه.وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #10  
قديم 28-09-2020, 04:02 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,359
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع للشيخ محمد الشنقيطي

شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع
(كتاب الصلاة)
شرح فضيلة الشيخ الدكتور
محمد بن محمد المختار بن محمد الجكني الشنقيطي
الحلقة (76)

صـــــ(1) إلى صــ(10)

شرح زاد المستقنع - باب صفة الصلاة [3]
إذا أتم المصلي قراءة دعاء الاستفتاح فإنه يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم ثم يبسمل سرا، ثم يقرأ الفاتحة، وهي ركن من أركان الصلاة، ثم يقول (آمين) بعد الفاتحة جهرا في الجهرية، ثم يقرأ بعدها سورة من القرآن، ويلتزم في التطويل والتخفيف بهدي النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك، ثم يركع مكبرا، وللركوع صفة معلومة، ثم يقوم من الركوع ملتزما فيه بالصفة الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم.
أحكام الاستعاذة والبسملة
[الاستعاذة قبل القراءة]
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد: فيقول المصنف رحمه الله تعالى: [ثم يستعيذ ثم يبسمل سرا].
الاستعاذة: طلب العوذ،
ومعناها:
ألتجئ وأعتصم بالله عز وجل نعم المولى ونعم النصير، ولذلك شرع الله هذه الاستعاذة عند قراءة كتابه العزيز،
فقال:
{فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم} [النحل:98]، فأمر نبيه صلى الله عليه وسلم -وأمره أمر لأمته حتى يدل الدليل على الخصوص- أنه إذا استفتح قراءة القرآن أن يستفتحها بالاستعاذة، وثبت عنه عليه الصلاة والسلام أنه استفتح قراءته بالاستعاذة،
ولذلك قال بعض العلماء:
إنه ينبغي على القارئ أن يستفتح قراءته بالاستعاذة، ومن السلف من قال بوجوب الاستعاذة، وذلك لأمر الله عز وجل بها،
قالوا:
فهي واجبة.
[صيغ الاستعاذة]
والاستعاذة تأتي على صيغ:

الصيغة الأولى: (أعوذ بالله من الشيطان الرجيم)، وهذه الصيغة هي التي وردت في سورة النحل، وعليها جماهير القراء، وهي أفضل من غيرها، وذلك لأن الله أمر بها وحددها في افتتاح كتابه، والمعين أفضل من غير المعين، فيعتبر تعيينها دليلا على فضلها،
وقد أشار بعض الفضلاء إلى ذلك بقوله:
ولتستعذ إذا قرأت واجهر مع استماع وابتداء السور إلى أن قال: ولفظه المختار ما في النحل وقد أتى الغير عن أهل النقل أي: لفظ الاستعاذة المفضل ما في سورة النحل،
وهو قوله تعالى:
{فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم} [النحل:98].
وورد عنه عليه الصلاة والسلام أنه كان يقول: (أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، من همزه ونفخه ونفثه)، فهذه أيضا استعاذة واردة عن النبي صلى الله عليه وسلم،
وقال بعض السلف:
يقول: (أعوذ بالله من الشيطان الرجيم إن الله هو السميع العليم)، وبعضهم يقول: (أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم)؛
لأن الله قال لنبيه:
{وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه هو السميع العليم} [فصلت:36] قالوا: فيقول: (أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم).ولا شك أن الوارد أوقى من غيره؛ لأن القاعدة -كما قرر العز بن عبد السلام وغيره-
تقول:
(إذا وردت ألفاظ للأذكار منها وارد ومنها مقتبس من الوارد، فالوارد أفضل من غيره -أعني: المقتبس-)،
ولذلك يقدم قولهم:
(أعوذ بالله من الشيطان الرجيم)، وهو أقوى الاستعاذات.
وكون النبي صلى الله عليه وسلم يستعيذ أحيانا بقوله: (أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، من همزه ونفخه ونفثه) يدل على الجواز، وما دل على الجواز ليس كما أمر به، فإن اختيار الله له يدل على الفضل.
[أوجه الاستعاذة مع البسملة وأول السورة، وأوجه البسملة بين السورتين]
والاستعاذة أدب من آداب التلاوة ينبغي لمن تلا كتاب الله أن يستفتح بها،
قالوا:
لأن الإنسان يعصم بإذن الله عز وجل من دخول الدخل من الشيطان الرجيم في قراءته، فينال بركة القراءة وخيرها وحظها، ولذلك تجده أكمل الناس تدبرا ووعيا وفهما، فإنه حينما يلتجئ ويحتمي بالله عز وجل من الشيطان أن يدخل بينه وبين قراءته فإنه يأمن الفتنة، وتكون قراءته على أتم الوجوه وأفضلها وأحسنها، فشرع الله لعباده أن يفتتحوا بهذه الاستعاذة، وهذه الاستعاذة تعتبر أصلا في القراءة كما ذكرنا،
وتكون مع البسملة والابتداء بأول السورة على أربعة أوجه:

الوجه الأول: تقول: (أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين)، وهذا الوجه يسميه العلماء وجه الوصل، فتصل الجميع.
الوجه الثاني: تقطع فتقول: (أعوذ بالله من الشيطان الرجيم)، (بسم الله الرحمن الرحيم)، (الحمد لله رب العالمين)، فتقطع الأول عن الثاني، والثاني عن الثالث.
الوجه الثالث: أن تجمع بين الأول والثاني وتفصل الثالث عنهما،
فتقول:
(أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم)، (الحمد لله رب العالمين).
الوجه الرابع: أن تقول: (أعوذ بالله من الشيطان الرجيم)، (بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين).وأما البسملة بين السورتين ففيها أربعة أوجه،
وأحدها لا يجوز:
الوجه الأول: أن يقول مثلا: " {إن شانئك هو الأبتر} [الكوثر:3] بسم الله الرحمن الرحيم {قل يا أيها الكافرون} [الكافرون:1] " وهذا وجه الوصل، فيصل الجميع.
الوجه الثاني: " {إن شانئك هو الأبتر} [الكوثر:3]،
بسم الله الرحمن الرحيم:
{قل يا أيها الكافرون} [الكافرون:1] "
فيقطع الأول عن الثاني، والثاني عن الثالث.
الوجه الثالث: أن يقطع آخر السورة،
ويقول:
" {إن شانئك هو الأبتر} [الكوثر:3] " ثم يسكت،
ويبتدئ ويقول:
" بسم الله الرحمن الرحيم {قل يا أيها الكافرون} [الكافرون:1] ".
الوجه الرابع: ولا يصح هذا الوجه،
وهو أن يصل قوله تعالى:
" {إن شانئك هو الأبتر} [الكوثر:3] ببسم الله الرحمن الرحيم " ثم يقطع ثم يقول: " {قل يا أيها الكافرون} [الكافرون:1] "؛ لأنه يوهم أن البسملة لآخر السور، وإنما شرعت البسملة لأوائل السور.
[الإسرار بالبسملة]
قال رحمه الله تعالى: [ثم يبسمل سرا وليست من الفاتحة].
أي يقول: بسم الله الرحمن الرحيم، فـ (البسملة) اختصار لها، كالحوقلة والحسبلة اختصارا لما ذكر من الأذكار.والبسملة شرعت للفصل بين السور، ومذهب طائفة من العلماء وجوبها إلا فيما بين براءة والأنفال، فإنه لا يفصل بينهما بالبسملة،
ولذلك قالوا:
بسمل وجوبا عند كل السور عدا براءة وذاك في الأشهر أي: على أقوى قول العلماء رحمة الله عليهم، فالأشهر يعني الأقوى والأرجح.فالبسملة مشروعة لابتداء السور،
فيقول:
بسم الله الرحمن الرحيم.
وقوله: (سرا) على مذهب الجمهور.والشافعية رحمة الله عليهم يقولون بالبسملة جهرا.
وكلا الفريقين يحتج بحديث أنس: (صليت وراء رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان كلهم كانوا يستفتحون القراءة: ببسم الله الرحمن الرحيم {الحمد لله رب العالمين} [الفاتحة:2])،
والرواية الثانية: (كلهم يستفتحون القراءة: بـ {الحمد لله رب العالمين} [الفاتحة:2]).وجمع العلماء بين الروايتين عن أنس بأن نفيه للبسملة مراده الجهر، وإثباته لها مراده السر،
أي:
أنهم كانوا يقرؤون (بسم الله الرحمن الرحيم) سرا لا جهرا.فإن كان الإنسان قد ترجح عنده القول بعدم الوجوب فإنه يسر، وهذه هي السنة في حقه، وإن ترجح عنده القول بوجوب البسملة وقرأها جهرا فلا حرج، ولا ينكر على أحد بسمل جهرا،
ولذلك اختار بعض العلماء:
أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعل هذا تارة ويفعل هذا تارة، كما يفهم من كلام بعض المحققين، ولذلك لا ينكر على من جهر بـ (بسم الله الرحمن الرحيم)، وهو قول أئمة من السلف، ومعتد بقولهم وخلافهم؛ لأن له وجها من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
[هل البسملة من الفاتحة]
قوله:
[وليست من الفاتحة] هو مذهب الجمهور.وعند الشافعية البسملة هي آية من الفاتحة،
ولذلك يصلون قوله تعالى: {صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين} [الفاتحة:7] فإن قلت: إنها آية وصلت اعتبرتها آية واحدة حتى تكمل سبعا؛
لأن سورة الفاتحة سبع آيات كما قال تعالى:
{ولقد آتيناك سبعا من المثاني} [الحجر:87] قيل: إنها الفاتحة،
وعلى هذا الوجه قالوا:
إن آياتها سبع، وبناء على ذلك يقولون: إذا قرأ البسملة فإنه يصل الآية الأخيرة ولا يحسبها آيتين،
ولا يقف عند قوله:
{صراط الذين أنعمت عليهم} [الفاتحة:7]، أما إذا كان يرى أنها ليست من الفاتحة فإنه يعتبر هذا موقفا له وآية.
قراءة الفاتحة في الصلاة
[وجوب قراءة الفاتحة في الصلاة]
قال رحمه الله تعالى:
[ثم يقرأ الفاتحة].لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بها،
وقال:
(لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب)،
وثبت في الحديث الصحيح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال:
(أيما صلاة لا يقرأ فيها بفاتحة الكتاب فهي خداج، فهي خداج)، وسميت فاتحة لأن الله افتتح بها كتابه، وتشرف الكتب بما تفتتح به، ولذلك كانت أفضل سورة في كتاب الله عز وجل، فأفضل آية آية الكرسي، وأفضل سورة سورة الفاتحة،
ولذلك قال عليه الصلاة والسلام فيها:
(هي السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيته) فهذا يدل على شرفها،
ولذلك قال تعالى:
{ولقد آتيناك سبعا من المثاني والقرآن العظيم} [الحجر:87]، فعطف العام على الخاص، وعطف الخاص على العام والعام على الخاص يدل على شرف الخاص وفضله،
كما قال تعالى:
{تنزل الملائكة والروح فيها} [القدر:4]، فإن اختصاصه بالذكر يدل على ثبوت شرفه وعلوه عن غيره،
فلذلك قالوا:
الفاتحة هي أفضل ما في القرآن من سور.
[حكم قطع الفاتحة بذكر أو سكوت طويل]
قال رحمه الله تعالى: [فإن قطعها بذكر أو سكوت غير مشروعين وطال، أو ترك منها تشديدة أو حرفا أو ترتيبا لزم غير مأموم إعادتها].قوله: [فإن قطعها بذكر أو سكوت غير مشروعين وطال].
أما الذكر فمثاله: لو أن إنسانا قرأ وقال: {الحمد لله رب العالمين * الرحمن الرحيم} [الفاتحة:2 - 3] فقطع بين الآية الثانية والآية الثالثة بذكر غير مشروع في هذا الموضع،
كما لو قال:
(حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم)، فهذا ذكر، لكنه غير مشروع في هذا الموضع، لكن لو قطعها بسؤال رحمته أو استعاذة من عذابه فإنه مشروع؛
لأن النبي صلى الله عليه وسلم ثبت عنه كما في حديث ابن مسعود أنه:
(ما مر بآية رحمة في قيام الليل إلا سأل الله من فضله، ولا مر بآية عذاب إلا استعاذ بالله عز وجل)، فلو أنه قطع بينهما بذكر مشروع لا يؤثر، وإن قطع بذكر غير مشروع أثر.فلو قال الحسبلة بين الآية الثالثة والرابعة أو الرابعة والخامسة يبتدئ من جديد قراءة الفاتحة؛ لأن هذه الحسبلة ليست من كتاب الله عز وجل، ولا يشرع ذكرها في هذا الموضع الذي ذكر، فكأنه تكلم بكلام خارجي، وخرج عن كونه قارئا، وقارئ الفاتحة لا بد أن يتمها، فإن فصل بين آياتها بالذكر الخارجي فإنه لم يتمها، فيلزمه أن يبتدئ قراءتها من أولها،
وقال بعض العلماء:
يبتدئ من حيث فصل، فيقرأ الآية الأخيرة التي وقع عند الفصل ثم يتم ما بعدها والأول أحوط.وأما السكوت فهو السكوت الفاحش، وهو السكوت الطويل،
كما لو قال: {الحمد لله رب العالمين} [الفاتحة:2]، ثم سكت وطال سكوته، فإنه حينئذ يستأنف؛ لأنه لا يشرع السكوت هنا إذا كان متفاحشا.أما لو سكت للفصل بين الآيات فهذه سنة عن النبي صلى الله عليه وسلم،
فقد كان يقرأ:
{الحمد لله رب العالمين * الرحمن الرحيم * مالك يوم الدين} [الفاتحة:2 - 4]، فكانت قراءته عليه الصلاة والسلام مفصلة مرتلة صلوات الله وسلامه عليه.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 14 ( الأعضاء 0 والزوار 14)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 376.68 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 370.80 كيلو بايت... تم توفير 5.88 كيلو بايت...بمعدل (1.56%)]