تفسير السعدى ___متجدد إن شاء الله - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         شرح صحيح مسلم الشيخ مصطفى العدوي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 794 - عددالزوار : 81366 )           »          خواطرفي سبيل الله (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 60 - عددالزوار : 16642 )           »          حتمية السنة النبوية وضمان استمرارها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 21 )           »          أندلسييو مدينة فاس (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 19 )           »          أهلا يا رمضان شهر الإقبال على الله (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 22 )           »          حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 5055 - عددالزوار : 2237588 )           »          القائد المغولي الكبير تيمور لنك (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 23 )           »          أفضل الكلام وأحبه إلى الله (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 12 - عددالزوار : 330 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4638 - عددالزوار : 1515775 )           »          كيف نستعدُ لرمضانَ كما ينبغي؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 16 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى القرآن الكريم والتفسير
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى القرآن الكريم والتفسير قسم يختص في تفسير وإعجاز القرآن الكريم وعلومه , بالإضافة الى قسم خاص لتحفيظ القرآن الكريم

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 06-12-2019, 05:27 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 164,865
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير السعدى ___متجدد إن شاء الله

الحلقة (241)
تفسير السعدى
سورة يوسف
من الأية(44) الى الأية(52)
عبد الرحمن بن ناصر السعدي

تفسير سورة يوسف بن يعقوب عليهما الصلاة والسلام
وهي مكية

قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلامٍ وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الأَحْلامِ بِعَالِمِينَ (44) وَقَالَ الَّذِي نَجَا مِنْهُمَا وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ (45) يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعِ سُنْبُلاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ لَعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ (46) قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا فَمَا حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ إِلا قَلِيلا مِمَّا تَأْكُلُونَ (47) ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلا قَلِيلا مِمَّا تُحْصِنُونَ (48) ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ (49) .

و ( قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلامٍ ) أي أحلام لا حاصل لها، ولا لها تأويل.
وهذا جزم منهم بما لا يعلمون، وتعذر منهم، [بما ليس بعذر] ثم قالوا: ( وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الأحْلامِ بِعَالِمِينَ ) أي: لا نعبر إلا الرؤيا، وأما الأحلام التي هي من الشيطان، أو من حديث النفس، فإنا لا نعبرها.
فجمعوا بين الجهل والجزم، بأنها أضغات أحلام، والإعجاب بالنفس، بحيث إنهم لم يقولوا: لا نعلم تأويلها، وهذا من الأمور التي لا تنبغي لأهل الدين والحجا، وهذا أيضا من لطف الله بيوسف عليه السلام. فإنه لو عبرها ابتداء - قبل أن يعرضها على الملأ من قومه وعلمائهم، فيعجزوا عنها -لم يكن لها ذلك الموقع، ولكن لما عرضها عليهم فعجزوا عن الجواب، وكان الملك مهتما لها غاية، فعبرها يوسف- وقعت عندهم موقعا عظيما، وهذا نظير إظهار الله فضل آدم على الملائكة بالعلم، بعد أن سألهم فلم يعلموا. ثم سأل آدم، فعلمهم أسماء كل شيء، فحصل بذلك زيادة فضله، وكما يظهر فضل أفضل خلقه محمد صلى الله عليه وسلم في القيامة، أن يلهم الله الخلق أن يتشفعوا بآدم، ثم بنوح، ثم إبراهيم، ثم موسى، ثم عيسى عليهم السلام، فيعتذرون عنها، ثم يأتون محمدا صلى الله عليه وسلم فيقول: "أنا لها أنا لها" فيشفع في جميع الخلق، وينال ذلك المقام المحمود، الذي يغبطه به الأولون والآخرون.
فسبحان من خفيت ألطافه، ودقَّت في إيصاله البر والإحسان، إلى خواص أصفيائه وأوليائه.
( وَقَالَ الَّذِي نَجَا مِنْهُمَا ) أي: من الفتيين، وهو: الذي رأى أنه يعصر خمرا، وهو الذي أوصاه يوسف أن يذكره عند ربه ( وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ ) أي: وتذكر يوسف، وما جرى له في تعبيره لرؤياهما، وما وصاه به، وعلم أنه كفيل بتعبير هذه الرؤيا بعد مدة من السنين فقال: ( أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ ) إلى يوسف لأسأله عنها.
فأرسلوه، فجاء إليه، ولم يعنفه يوسف على نسيانه، بل استمع ما يسأله عنه، وأجابه عن ذلك فقال: ( يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ ) أي: كثير الصدق في أقواله وأفعاله. ( أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعِ سُنْبُلاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ لَعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ ) فإنهم متشوقون لتعبيرها، وقد أهمتهم.
< 1-400 >
فعبر يوسف، السبع البقرات السمان والسبع السنبلات الخضر، بأنهن سبع سنين مخصبات، والسبع البقرات العجاف، والسبع السنبلات اليابسات، بأنهن سنين مجدبات، ولعل وجه ذلك - والله أعلم - أن الخصب والجدب لما كان الحرث مبنيا عليه، وأنه إذا حصل الخصب قويت الزروع والحروث، وحسن منظرها، وكثرت غلالها، والجدب بالعكس من ذلك. وكانت البقر هي التي تحرث عليها الأرض، وتسقى عليها الحروث في الغالب، والسنبلات هي أعظم الأقوات وأفضلها، عبرها بذلك، لوجود المناسبة، فجمع لهم في تأويلها بين التعبير والإشارة لما يفعلونه، ويستعدون به من التدبير في سني الخصب، إلى سني الجدب فقال: ( تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا ) أي: متتابعات.
( فَمَا حَصَدْتُمْ ) من تلك الزروع ( فَذَرُوهُ ) أي: اتركوه ( فِي سُنْبُلِهِ ) لأنه أبقى له وأبعد من الالتفات إليه ( إِلا قَلِيلا مِمَّا تَأْكُلُونَ ) أي: دبروا أيضا أكلكم في هذه السنين الخصبة، وليكن قليلا ليكثر ما تدخرون ويعظم نفعه ووقعه.
( ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ ) أي: بعد تلك السنين السبع المخصبات. ( سَبْعٌ شِدَادٌ ) أي: مجدبات جدا ( يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ ) أي: يأكلن جميع ما ادخرتموه ولو كان كثيرا. ( إِلا قَلِيلا مِمَّا تُحْصِنُونَ ) أي: تمنعونه من التقديم لهن.
( ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ ) أي: بعد السبع الشداد ( عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ ) أي: فيه تكثر الأمطار والسيول، وتكثر الغلات، وتزيد على أقواتهم، حتى إنهم يعصرون العنب ونحوه زيادة على أكلهم، ولعل استدلاله على وجود هذا العام الخصب، مع أنه غير مصرح به في رؤيا الملك، لأنه فهم من التقدير بالسبع الشداد، أن العام الذي يليها يزول به شدتها،.ومن المعلوم أنه لا يزول الجدب المستمر سبع سنين متواليات، إلا بعام مخصب جدا، وإلا لما كان للتقدير فائدة، فلما رجع الرسول إلى الملك والناس، وأخبرهم بتأويل يوسف للرؤيا، عجبوا من ذلك، وفرحوا بها أشد الفرح.

وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ فَلَمَّا جَاءَهُ الرَّسُولُ قَالَ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ (50) قَالَ مَا خَطْبُكُنَّ إِذْ رَاوَدْتُنَّ يُوسُفَ عَنْ نَفْسِهِ قُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ قَالَتِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ الآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ (51) ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ (52) .

يقول تعالى: ( وَقَالَ الْمَلِكُ ) لمن عنده ( ائْتُونِي بِهِ ) أي: بيوسف عليه السلام، بأن يخرجوه من السجن ويحضروه إليه، فلما جاء يوسف الرسول وأمره بالحضور عند الملك، امتنع عن المبادرة إلى الخروج، حتى تتبين براءته التامة، وهذا من صبره وعقله ورأيه التام.
فـ ( قَالَ ) للرسول: ( ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ ) يعني به الملك. ( فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ ) أي: اسأله ما شأنهن وقصتهن، فإن أمرهن ظاهر متضح ( إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ ) .
فأحضرهن الملك، وقال: ( مَا خَطْبُكُنَّ ) أي: شأنكن ( إِذْ رَاوَدْتُنَّ يُوسُفَ عَنْ نَفْسِهِ ) فهل رأيتن منه ما يريب؟
فبرَّأنه و ( قُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ ) أي: لا قليل ولا كثير، فحينئذ زال السبب الذي تنبني عليه التهمة، ولم يبق إلا ما عند امرأة العزيز، فـ ( قَالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ الآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ ) أي: تمحض وتبين، بعد ما كنا ندخل معه من السوء والتهمة، ما أوجب له السجن ( أَنَا رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ ) في أقواله وبراءته.
( ذَلِكَ ) الإقرار، الذي أقررت [أني راودت يوسف] ( لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ )

يحتمل أن مرادها بذلك زوجها أي: ليعلم أني حين أقررت أني راودت يوسف، أني لم أخنه بالغيب، أي: لم يجر منِّي إلا مجرد المراودة، ولم أفسد عليه فراشه، ويحتمل أن المراد بذلك ليعلم يوسف حين أقررت أني أنا الذي راودته، وأنه صادق أني لم أخنه في حال غيبته عني. ( وَأَنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ ) فإن كل خائن، لا بد أن تعود خيانته ومكره على نفسه، ولا بد أن يتبين أمره.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 09-12-2019, 05:06 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 164,865
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير السعدى ___متجدد إن شاء الله

الحلقة (251)
تفسير السعدى
سورة الرعد
من الأية(15) الى الأية(21)
عبد الرحمن بن ناصر السعدي

تفسير سورة الرعد



" ولله يسجد من في السماوات والأرض طوعا وكرها وظلالهم بالغدو والآصال " (15)
أي: جميع ما احتوت عليه السماوات والأرض كلها, خاضعة لربها, تسجد له " طَوْعًا وَكَرْهًا " .
فالطوع لمن يأتي بالسجود والخضوع, اختيارا, كالمؤمنين.
والكره, لمن يستكبر عن عبادة ربه, وحاله وفطرته, تكذبه في ذلك.
" وَظِلَالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ " أي: وتسجد له ظلال المخلوقات, أول النهار وآخره, وسجود كل شيء,, بحسب حاله كما قال تعالى: " وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم "

" قل من رب السماوات والأرض قل الله قل أفاتخذتم من دونه أولياء لا يملكون لأنفسهم نفعا ولا ضرا قل هل يستوي الأعمى والبصير أم هل تستوي الظلمات والنور أم جعلوا لله شركاء خلقوا كخلقه فتشابه الخلق عليهم قل الله خالق كل شيء وهو الواحد القهار " (16)
فإذا كانت المخلوقات كلها تسجد لربها طوعا وكرها, كان هو الإله حقا, المعبود المحمود حقا, وإلاهية غيره باطلة.
ولهذا ذكر بطلانها وبرهن عليه بقوله: " قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ " إلى " الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ " .
أي: قل لهؤلاء المشركين به, أوثانا وأندادا, يحبونها كما يحبون الله, ويبذلون لها أنواع التقربات والعبادات: أفتاهت عقولكم, حتى اتخذتم من دونه أولياء, تتولونهم بالعبادة, وليسوا بأهل لذلك؟ فإنهم " لَا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ نَفْعًا وَلَا ضَرًّا " , وتتركون ولاية من هو كامل الأسماء والصفات, المالك للأحياء والأموات, الذي بيده الخلق والتدبير, والنفع والضر؟ فما تستوي عبادة الله وحده, وعبادة المشركين به.
" قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ " ؟ فإن كان عندهم شك واشتباه, وجعلوا له شركاء, زعموا أنهم خلقوا كخلقه, وفعلوا كفعله, فأزل عنهم هذا الاشتباه واللبس, بالبرهان الدال على تفرد الإله بالوحدانية.
فقل لهم: " اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ " فإنه من المحال أن يخلق شيء من الأشياء نفسه.
ومن المحال أيضا, أن يوجد من دون خالق.
فتعين أن لها إلها خالقا, لا شريك له في خلقه, لأنه الواحد القهار.
فإنه لا توجد الوحدة والقهر, إلا لله وحده.
فالمخلوقات وكل مخلوق, فوقه مخلوق يقهره ثم فوق ذلك القاهر, قاهر أعلى منه, حتى ينتهي القهر للواحد القهار.
فالقهر والتوحيد, متلازمان, متعينان لله وحده.
فتبين بالدليل العقلي القاهر, أن ما يدعى من دون الله, ليس له شيء من خلق المخلوقات, وبذلك كانت عبادته باطلة.

" أنزل من السماء ماء فسالت أودية بقدرها فاحتمل السيل زبدا رابيا ومما يوقدون عليه في النار ابتغاء حلية أو متاع زبد مثله كذلك يضرب الله الحق والباطل فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض كذلك يضرب الله الأمثال " (17)
شبه تعالى الهدى, الذي أنزل على رسوله لحياة القلوب والأرواح, بالماء الذي أنزله لحياة الأشباح.
وشبه ما في الهدى من النفع العام الكثير, الذي يضطر إليه العباد, بما في المطر من النفع العام الضروري.
وشبه القلوب الحاملة للهدى وتفاوتها, بالأودية التي تسيل فيها السيول.
فواد كبير, يسع ماء كثيرا, كقلب كبير, يسع علما كثيرا.
وواد صغير, يأخذ ماء قليلا,, كقلب صغير, يسع علما قليلا, وهكذا.
وشبه ما يكون في القلوب من الشهوات والشبهات, عند وصول الحق إليها, بالزبد الذي يعلو الماء, ويعلو ما يوقد عليه النار من الحلية التي يراد تخليصها وسبكها, وأنها لا تزال فوق الماء طافية مكدرة له, حتى تذهب وتضمحل, ويبقى ما ينفع الناس من الماء الصافي, والحلية الخالصة.
كذلك الشبهات والشهوات, لا يزال القلب يكرهها, ويجاهدها بالبراهين الصادقة, والإرادات الجازمة, حتى تذهب وتضمحل, ويبقى القلب خالصا صافيا, ليس فيه إلا ما ينفع الناس من العلم بالحق, وإيثاره, والرغبة فيه.
فالباطل يذهب ويمحقه الحق " إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا " .
وقال هنا: " كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ " ليتضح الحق من الباطل والهدى والضلال.

" للذين استجابوا لربهم الحسنى والذين لم يستجيبوا له لو أن لهم ما في الأرض جميعا ومثله معه لافتدوا به أولئك لهم سوء الحساب ومأواهم جهنم وبئس المهاد " (18)
لما بين تعالى, الحق من الباطل, ذكر أن الناس على قسمين: مستجيب لربه, فذكر ثوابه, وغير مستجيب, فذكر عقابه فقال: " لِلَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمُ " أي: انقادت قلوبهم للعلم والإيمان, وجوارحهم للأمر والنهي, وصاروا موافقين لربهم فيما يريده منهم.
فلهم " الْحُسْنَى " أي: الحالة الحسنة, والثواب الحسن.
فلهم من الصفات أجلها, ومن المناقب أفضلها.
ومن الثواب العاجل والآجل, ما لا عين رأت, ولا أذن سمعت, ولا خطر على قلب بشر.
" وَالَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُ " بعد ما ضرب لهم الأمثال, وبين لهم الحق, لهم الحالة غير الحسنة.
و " لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا " من ذهب وفضة وغيرها.
" وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ " من عذاب يوم القيامة, ما تقبل منهم, وأنى لهم ذلك؟!!.
" أُولَئِكَ لَهُمْ سُوءُ الْحِسَابِ " , وهو الحساب الذي يأتي على كل ما أسلفوه, من عمل سيئ, وما ضيعوه من حقوق عباده قد كتب ذلك, وسطر عليهم, وقالوا: " يا ويلتنا مال هذا الكتاب, لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها, ووجدوا ما عملوا حاضرا ولا يظلم ربك أحدا " .
وبعد هذا الحساب السيئ, " وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ " الجامعة لكل عذاب, من الجوع الشديد, والعطش الوجيع, والنار الحامية, والزقوم, والزمهرير, والضريع, وجميع ما ذكره الله من أصناف العذاب.
" وَبِئْسَ الْمِهَادُ " أي: المقر, والمسكن, مسكنهم.

" أفمن يعلم أنما أنزل إليك من ربك الحق كمن هو أعمى إنما يتذكر أولو الألباب " (19)
يقول تعالى: مفرقا بين أهل العلم والعمل وبين ضدهم: " أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ " ففهم ذلك, وعمل به.
" كَمَنْ هُوَ أَعْمَى " لا يعلم الحق, ولا يعمل به, فبينهما من الفرق, كما بين السماء والأرض.
فحقيق بالعبد, أن يتذكر ويتفكر, أي الفريقين, أحسن حالا, وخير مآلا, فيؤثر طريقها, ويسلك خلف فريقها.
ولكن ما كل أحد, يتذكر ما ينفعه ويضره.
" إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ " أي: أولو العقول الرزينة, والآراء الكاملة, الذين هم, لب العالم, وصفوة بني آدم.
فإن سألت عن وصفهم, فلا تجد أحسن من وصف الله لهم بقوله:

" الذين يوفون بعهد الله ولا ينقضون الميثاق "(20)
" الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ " الذي عهده إليهم, والذي عاهدهم عليه من القيام بحقوقه كاملة موفرة, فالوفاء بها, توفيتها حقها, من التنمية لها, والنصح فيها.
وتمام الوفاء بها, أنهم " وَلَا يَنْقُضُونَ الْمِيثَاقَ " أي: العهد الذي عاهدوا الله عليه.
فدخل في ذلك, جميع المواثيق والعهود, والأيمان والنذور, التي يعقدها العباد.
فلا يكون العبد من أولي الألباب, الذين لهم الثواب العظيم, إلا بأدائها كاملة, وعدم نقضها وبخسها.

" والذين يصلون ما أمر الله به أن يوصل ويخشون ربهم ويخافون سوء الحساب " (21)
" وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ " وهذا عام في كل ما أمر الله بوصله, من الإيمان به, وبرسوله, ومحبته, ومحبة رسوله, والانقياد لعبادته وحده لا شريك له, ولطاعة رسوله.
ويصلون آباءهم وأمهاتهم, ببرهم بالقول والفعل, وعدم عقوقهم.
ويصلون الأقارب والأرحام, بالإحسان إليهم, قولا وفعلا.
ويصلون ما بينهم وبين الأزواج, والأصحاب, والمماليك, بأداء حقهم, كاملا موفرا, من الحقوق الدينية والدنيوية.
والسبب الذي يجعل العبد واصلا ما أمر الله به, أن يوصل خشية الله, وخوف يوم الحساب, ولهذا قال: " وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ " أي: يخافونه, فيمنعهم خوفهم منه, ومن القدوم عليه يوم الحساب, أن يتجرأوا على معاصي الله, أو يقصروا في شيء مما أمر الله به, خوفا من العقاب, ورجاء للثواب.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 13-12-2019, 04:53 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 164,865
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير السعدى ___متجدد إن شاء الله

الحلقة (256)
تفسير السعدى
سورة إبراهيم
من الأية(19) الى الأية(30)
عبد الرحمن بن ناصر السعدي

تفسير سورة إبراهيم


" وما ذلك على الله بعزيز " (20)
" وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ " أي: بممتنع بل هو سهل عليه جدا.
" ما خلقكم ولا بعثكم إلا كنفس واحدة " " وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه " .

" وبرزوا لله جميعا فقال الضعفاء للذين استكبروا إنا كنا لكم تبعا فهل أنتم مغنون عنا من عذاب الله من شيء قالوا لو هدانا الله لهديناكم سواء علينا أجزعنا أم صبرنا ما لنا من محيص " (21)
" وَبَرَزُوا " أي: الخلائق " لِلَّهِ جَمِيعًا " حين ينفخ في الصور, فيخرجون من الأجداث إلى ربهم, فيقفون في أرض مستوية, قاع صفصف, لا ترى فيها عوجا ولا أمتا ويبرزون له, لا يخفى عليه منهم خافية.
فإذا برزوا, صاروا يتحاجون, وكل يدفع عن نفسه, ويدافع ما يقدر عليه ولكن أني لهم ذلك؟ " فَقَالَ الضُّعَفَاءُ " أي: التابعون والمقلدون " لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا " وهم: المتبوعون, الذين هم قادة في الضلال: " إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا " أي: في الدنيا, أمرتمونا بالضلال, وزينتموه لنا, فأغويتمونا.
" فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذَابِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ " أي: ولو مثقال ذرة.
" قَالُوا " أي: المتبوعون والرؤساء " أغويناكم كما غوينا " و " لَوْ هَدَانَا اللَّهُ لَهَدَيْنَاكُمْ " فلا يغني أحد أحدا.
" سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا " من العذاب " أَمْ صَبَرْنَا " عليه.
" مَا لَنَا مِنْ مَحِيصٍ " أي: لا ملجأ نلجأ إليه, ولا مهرب لنا من عذاب الله.

" وقال الشيطان لما قضي الأمر إن الله وعدكم وعد الحق ووعدتكم فأخلفتكم وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي فلا تلوموني ولوموا أنفسكم ما أنا بمصرخكم وما أنتم بمصرخي إني كفرت بما أشركتموني من قبل إن الظالمين لهم عذاب أليم " (22)
أي: " وَقَالَ الشَّيْطَانُ " الذي هو سبب لكل شر يقع ووقع في العالم, مخاطبا لأهل النار, ومتبرئا منهم " لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ " ودخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار: " إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ " على ألسنة رسله, فلم تطيعوه, فلو أطعتموه, لأدركتم الفوز العظيم.
" وَوَعَدْتُكُمْ " الخير " فَأَخْلَفْتُكُم ْ " أي: لم يحصل, ولن يحصل لكم ما منيتكم به, من الأماني الباطلة.
" وَمَا كَانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ " أي: من حجة على تأييد قولي.
" إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي " أي: هذه نهاية ما عندي, أني دعوتكم إلى مرادى, وزينته لكم, فاستجبتم لي, اتباعا لأهوائكم وشهواتكم.
فإذا كانت الحال بهذه الصورة " فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ " فأنتم السبب, وعليكم المدار في موجب العقاب.
" مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ " أي: بمغيثكم من الشدة التي أنتم بها " وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ " كل له قسط من العذاب.
" إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ ي مِنْ قَبْلُ " أي: تبرأت من جعلكم لي شريكا مع الله, فلست شريكا لله, ولا تجب طاعتي.
" إِنَّ الظَّالِمِينَ " لأنفسهم بطاعة الشيطان " لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ " خالدين فيه أبدا.
وهذا من لطف الله بعباده, أن حذرهم من طاعة الشيطان وأخبر بمداخله, التي يدخل منها على الإنسان ومقاصده فيه, وأنه يقصد أن يدخله النيران.
وهنا بين لنا أنه إذا دخل النار هو وجنده, أنه يتبرأ منهم هذه البراءة, ويكفر بشركهم " ولا ينبئك مثل خبير " .
واعلم أن الله ذكر في هذه الآية, أن الشيطان ليس له سلطان.
وقال في آية أخرى " إنما سلطانه على الذين يتولونه, والذين هم به مشركون " .
فالسلطان الذي نفاه عنه, هو سلطان الحجة والدليل.
فليس له حجة أصلا, على ما يدعو إليه.
وإنما نهاية ذلك, أن يقيم من الشبه والتزيينات, ما به يتجرأون على المعاصي.
وأما السلطان, الذي أثبته, فهو التسلط بالإغراء على المعاصي لأوليائه يؤزهم إلى المعاصي أزا, وهم الذين سلطوه على أنفسهم, بموالاته, والالتحاق بحزبه.
ولهذا ليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون.

" وأدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها بإذن ربهم تحيتهم فيها سلام " (23)
ولما ذكر عقاب الظالمين, ذكر ثواب الطائعين فقال: " وَأُدْخِلَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ " أي: الذين قاموا بالدين, قولا, وعملا, واعتقادا.
" جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ " فيها من اللذات والشهوات, ما لا عين رأت, ولا أذن سمعت, ولا خطر على قلب بشر.
" خَالِدِينَ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ " أي: لا بحولهم وقوتهم, بل بحول الله وقوته.
" تَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ " أي: يحيي بعضهم بعضا بالسلام, والتحية, والكلام الطيب

" ألم تر كيف ضرب الله مثلا كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء " (24)
يقول تعالى: " أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً " وهي شهادة أن لا إله إلا الله, وفروعها.
" كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ " وهي النخلة " أَصْلُهَا ثَابِتٌ " في الأرض " وَفَرْعُهَا " منتشر " فِي السَّمَاءِ " وهي كثيرة النفع دائما.
" تُؤْتِي أُكُلَهَا " أي ثمرتها " كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا " .
فكذلك شجرة الإيمان, أصلها ثابت في قلب المؤمن, علما, واعتقادا.
وفرعها من الكلم الطيب, والعمل الصالح, والأخلاق المرضية, والآداب الحسنة, في السماء دائما, يصعد إلى الله منه, من الأعمال والأقوال, التي تخرجها شجرة الإيمان, ما ينتفع به المؤمن, وينتفع غيره.
" وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ " ما أمرهم به ونهاهم عنه.
فإن في ضرب الأمثال, تقريبا للمعاني المعقولة, من الأمثال المحسوسة, ويتبين المعنى الذي أراده الله, غاية البيان, ويتضح, غاية الوضوح, وهذا من رحمته, وحسن تعليمه.
فلله أتم الحمد وأكمله وأعمه.
فهذه صفة كلمة التوحيد وثباتها, في قلب المؤمن.
" وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ "
ثم ذكر ضدها وهي: كلمة الكفر, وفرعها فقال: " وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ " المأكل والمطعم, وهي: شجرة الحنظل ونحوها.
" اجْتُثَّتْ " هذه الشجرة " مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ " أي: ثبوت فلا عروق تمسكها, ولا ثمرة صالحة, تنتجها, بل إن وجد فيها ثمرة, فهي ثمرة خبيثة.
كذلك كلمة الكفر والمعاصي, ليس لها ثبوت نافع في القلب, ولا تثمر إلا كل قول خبيث, وعمل خبيث, يؤذي صاحبه, ولا يصعد إلى الله منه عمل صالح, ولا ينفع نفسه ولا ينتفع به غيره.

" يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ويضل الله الظالمين ويفعل الله ما يشاء " (27)
يخبر تعالى: أنه يثبت عباده المؤمنين أي: الذين قاموا بما عليهم من الإيمان القلبي التام, الذي يستلزم أعمال الجوارح ويثمرها.
فيثبتهم الله في الحياة الدنيا, عند ورود الشبهات, بالهداية إلى اليقين.
وعند عروض الشهوات بالإرادة الجازمة, على تقديم ما يحبه الله على هوى النفس ومرادها.
وفي الآخرة عند الموت, بالثبات على الدين الإسلامي, والخاتمة الحسنة.
وفي القبر عند سؤال الملكين, للجواب الصحيح, إذا قيل للميت " من ربك؟ وما دينك؟ ومن نبيك؟ " هداهم للجواب الصحيح, بأن يقول المؤمن: " الله ربي, والإسلام ديني, ومحمد نبيي " .
" وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ " عن الصواب في الدنيا والآخرة, وما ظلمهم الله ولكنهم ظلموا أنفسهم.
وفي هذه الآية, دلالة على فتنة القبر, وعذابه, ونعيمه, كما تواترت بذلك النصوص عن النبي صلى الله عليه وسلم, في الفتنة وصفتها, ونعيم القبر وعذابه.

" ألم تر إلى الذين بدلوا نعمة الله كفرا وأحلوا قومهم دار البوار " (28)
يقول تعالى - مبينا حال المكذبين لرسوله, من كفار قريش, وما آل إليه أمرهم: " أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَةَ اللَّهِ كُفْرًا " ونعمة الله هي: إرسال محمد صلى الله عليه وسلم, إليهم يدعوهم إلى إدراك الخيرات في الدنيا والآخرة, وإلى النجاة من شرور الدنيا والآخرة.
فبدلوا هذه النعمة, بردها, والكفر بها والصد عنها, بأنفسهم.
وصدهم غيرهم حتى " وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ " وهي: النار, حيث تسببوا لإضلالهم, فصاروا وبالا على قومهم, من حيث يظن نفعهم.
ومن ذلك أنهم, زينوا لهم الخروج يوم " بدر " ليحاربوا الله ورسوله.
فجرى عليهم ما جرى, وقتل كثير من كبرائهم وصناديدهم, في تلك الوقعة.

" جهنم يصلونها وبئس القرار " (29)
" جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا " أي: يحيط بهم حرها, من جميع جوانبهم " وَبِئْسَ الْقَرَارُ "
" وجعلوا لله أندادا ليضلوا عن سبيله قل تمتعوا فإن مصيركم إلى النار " (30)
" وَجَعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا " أي: نظراء وشركاء " لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِهِ " أي: ليضلوا العباد عن سبيل الله, بسبب ما جعلوا الله من الأنداد, ودعوهم إلى عبادتها.
" قُلْ " لهم متوعدا: " تَمَتَّعُوا " بكفرهم وضلالكم قليلا, فليس ذلك بنافعكم.
" فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النَّارِ " أي: مآلكم ومأواكم فيها, وبئس المصير.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 16-12-2019, 05:56 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 164,865
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير السعدى ___متجدد إن شاء الله

الحلقة (261)
تفسير السعدى
سورة الحجر
من الأية(27) الى الأية(42)
عبد الرحمن بن ناصر السعدي

تفسير سورة الحجر



" والجان خلقناه من قبل من نار السموم "(27)
" وَالْجَانَّ " وهو: أبو الجن أي: إبليس " خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ " خلق آدم " مِنْ نَارِ السَّمُومِ " أي: من النار الشديدة الحرارة
" وإذ قال ربك للملائكة إني خالق بشرا من صلصال من حمإ مسنون " (28)
فلما أراد الله خلق آدم قال للملائكة: " إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ فَإِذَا سَوَّيْتُهُ " جسدا تاما " وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ " فامتثلوا أمر ربهم
" فسجد الملائكة كلهم أجمعون " (30)
" فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ " .
تأكيد بعد تأكيد, ليدل على أنه لم يتخلف منهم أحد, وذلك, تعظيما لأمر الله, وإكراما لآدم, حيث علم ما لم يعلموا.

" إلا إبليس أبى أن يكون مع الساجدين " (31)
" إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى أَنْ يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ " وهذا أول عداوته لآدم وذريته.
قال الله: " قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا لَكَ أَلَّا تَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ قَالَ لَمْ أَكُنْ لِأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ "
فاستكبر على أمر الله, وأبدى العداوة لآدم وذريته, وأعجب بعنصره وقال: أنا خير من آدم.

قال فاخرج منها فإنك رجيم " (34)
" قَالَ " الله - معاقبا له على كفره واستكباره - " فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ " .
أي: مطرود ومبعد من كل خير.
" وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ " أي: الذم, والعيب, والبعد عن رحمة الله " إِلَى يَوْمِ الدِّينِ " .
ففيها, وما أشبهها, دليل على أنه سيستمر على كفره, وبعده من الخير.

" قال رب فأنظرني إلى يوم يبعثون " (36)
" قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي " أي: أمهلني " إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ " .
وليس إجابة الله لدعائه, كرامة في حقه, وإنما ذلك, امتحان وابتلاء من الله له وللعباد, ليتبين الصادق الذي يطيع مولاه دون عدوه, ممن ليس كذلك.
ولذلك حذرنا منه, غاية التحذير, وشرح لنا, ما يريده منا.

" قال رب بما أغويتني لأزينن لهم في الأرض ولأغوينهم أجمعين " (39)
" قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ " أي: أزين لهم الدنيا, وأدعوهم إلى إيثارها على الأخرى, حتى يكونوا منقادين لكل معصية.
" إلا عبادك منهم المخلصين " (40)
" وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ " أي: أصدهم كلهم عن الصراط المستقيم.
" إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ " أي: الذين أخلصتهم واجتبيتهم, لإخلاصهم, وإيمانهم, وتوكلهم.

" قال هذا صراط علي مستقيم " (41)
قال الله تعالى: " هَذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ " أي: معتدل موصل إلي, وإلى دار كرامتي.
" إن عبادي ليس لك عليهم سلطان إلا من اتبعك من الغاوين " (42)
" إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ " تميلهم به إلى ما تشاء من أنواع الضلالات, بسبب عبوديتهم لربهم, وانقيادهم لأوامره, أعانهم الله وعصمهم من الشيطان.
" إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ " فرضي بولايتك وطاعتك, بدلا من طاعة الرحمن.
" مِنَ الْغَاوِينَ " والغاوي: ضد الراشد, فهو: الذي عرف الحق وتركه.
والضال: الذي تركه من غير علم منه به.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 16-12-2019, 03:40 PM
DorothyEssem DorothyEssem غير متصل
عضو جديد
 
تاريخ التسجيل: Nov 2019
مكان الإقامة: Algeria
الجنس :
المشاركات: 1
الدولة : Algeria
افتراضي آًà÷è ًهêîىهينîâàëè ىيه ‎ٍîٍ ïًهïàًàٍ îٍ آب×

Spegra (ؤîëٍَهمëàâèً / زهيîôîâèً àëàôهيàىèن / فىًٍèِèٍàلèي) - رïهمًà (Dolutegravir/ Taf / Emtricitabine) – ‎ٍî ëهêàًٌٍâî نëے ëه÷هيèے ë‏نهé, êîٍîًûه ٌٍîëêيَëèٌü ٌ آب×-1 èيôهêِèهé. رèىïٍîىû çàلîëهâàيèے لûًٌٍî èٌ÷هçيٍَ, è َوه ÷هًهç يهêîٍîًîه âًهىے آàّه îلùهه ٌàىî÷َâٌٍâèه çيà÷èٍهëüيî َëَ÷ّèٌٍے: آû çàلَنهٍه î ٍîى, ÷ٍî ٍàêîه لîëè è نèٌêîىôîًٍ. ءëàمîنàًے نàييîىَ ëهêàًٌٍâَ ىîويî èٌêë‏÷èٍü ًèٌê ëهٍàëüيîمî èٌُîنà.

آû ىîوهٍه Spegra (ؤîëٍَهمëàâèً / زهيîôîâèً àëàôهيàىèن / فىًٍèِèٍàلèي) - رïهمًà (Dolutegravir/ Taf / Emtricitabine) êَïèٍü â يàّهé àïٍهêه يà âûمîنيûُ ٌَëîâèےُ. رïهِèàëèٌٍû مîâîًےٍ î ٍîى, ÷ٍî ïهًهن يà÷àëîى ëه÷هيèے يهîلُîنèىî îلےçàٍهëüيî îلًàٍèٍüٌے â لîëüيèَِ. آû ٌنàنèٍه يàçيà÷هييûه àيàëèçû è ïًîéنهٍه نèàميîٌٍèêَ îًمàيèçىà. ؤîêٍîًà ًàçًàلîٍà‏ٍ نëے آàٌ èينèâèنَàëüيَ‏ ٌُهىَ ٍهًàïèè,
êîٍîًàے نàٌٍ âîçىîويîٌٍü ïîëَ÷èٍü ىàêٌèىàëüيûé ‎ôôهêٍ.

<h2>دîêàçàيèے ê ïًèىهيهيè‏</h2>

دًهïàًàٍ ٌîنهًوèٍ â ٌîٌٍàâه ًٍè àêٍèâيûُ êîىïîيهيٍà,
âûïîëيے‏ùèُ àيٍèًهًٍîâèًٌَيûه ôَيêِèè.
ثهêàًٌٍâî âîçنهéٌٍâَهٍ يà îًمàيèçى êîىïëهêٌيî,
ïî‎ٍîىَ آû ٌîâٌهى ٌêîًî ïî÷َâٌٍâَهٍه ٌهلے ëَ÷ّه è
ٌىîوهٍه ٌïًàâèٍüٌے ٌ îïàٌيîé آب×-1 èيôهêِèهé,
êîٍîًàے يهًهنêî ïًèâîنèٍ ê ëهٍàëüيîىَ èٌُîنَ.
آèًٌَ يه لَنهٍ لûًٌٍî ًàçâèâàٍüٌے,
è آû يه ٌٍîëêيهٍهٌü ٌ يهïًهنâèنهييûى ََُنّهيèهى ٌèٍَàِèè
ٌî çنîًîâüهى.
دًèيèىàٍü ىهنèêàىهيٍ يهîلُîنèىî ïî ٌُهىه,
êîٍîًَ‏ ًàçًàلîٍàë îïûٍيûé âًà÷, è ٍîëüêî ٍîمنà
آû يه ٌٍîëêيهٍهٌü ٌ يهïًهنâèنهييûىè èçىهيهيèےىè ٌàىî÷َâٌٍâèے.

<h2>دًîٍèâîïîêàçàيèے</h2>

حَويî َçيàٍü çàًàيهه, يهٍ ëè َ آàٌ ٌëهنَ‏ùèُ ïًîٍèâîïîêàçàيèé:

• مًَنيîه âٌêàًىëèâàيèه, ïهًèîن لهًهىهييîٌٍè;
• àëëهًمèے يà îٌيîâيûه êîىïîيهيٍû, âُîنےùèه â ٌîٌٍàâ ïًهïàًàٍà;
• çàلîëهâàيèے, êîٍîًûه èيîمنà îلîًٌٍے‏ٌٍے;
• âîçًàٌٍ نî 18-ٍè ëهٍ;
• çàلîëهâàيèے êîوè, نهًىàٍîëîمè÷هٌêèه ïًîلëهىû.

حà Spegra (ؤîëٍَهمëàâèً / زهيîôîâèً àëàôهيàىèن / فىًٍèِèٍàلèي) - رïهمًà (Dolutegravir/ Taf / Emtricitabine) îٍçûâû ُîًîّèه.
دàِèهيٍû مîâîًےٍ, ÷ٍî ïًèىهيهيèه ٍàلëهٍîê ïîçâîëèëî èى
ٌïًàâèٍüٌے ٌ ًàçëè÷يûىè ïًîلëهىàىè.
آû ىîوهٍه îïًîلîâàٍü ىهنèêàىهيٍ يà ïًàêٍèêه,
÷ٍîلû َلهنèٍüٌے â همî ‎ôôهêٍèâيîى âîçنهéٌٍâèè يà îًمàيèçى,
نîٌٍàٍî÷يî îôîًىèٍü çàêàç.

<h2>رïîٌîل ïًèىهيهيèے</h2>

حà Spegra (ؤîëٍَهمëàâèً / زهيîôîâèً àëàôهيàىèن / فىًٍèِèٍàلèي) - رïهمًà (Dolutegravir/ Taf / Emtricitabine) ِهيà نîٌٍَïيàے.
×ٍîلû ٌïًàâèٍüٌے ٌ لîëهçيü‏, نîٌٍàٍî÷يî ïًèيèىàٍü
ïî îنيîé ٍàلëهٍêه ëهêàًٌٍâà نî èëè ïîٌëه هنû ًٍَîى è âه÷هًîى,
÷هٍêî ٌëهنَے ًàçًàلîٍàييîé نîêٍîًîى ٌُهىه.

<h2>دîلî÷يûه ےâëهيèے</h2>

إٌëè يàًَّèٍü ٌُهىَ ٍهًàïèè, ىîويî ٌٍîëêيٍَüٌے ٌ ٍàêèىè ٌëîويîٌٍےىè:

• ًàًٌٌٍîéٌٍâà وهëَنêà;
• îٌٌٍٍٍَâèه ٌèë, لهٌٌîييèِà;
• لîëè â îلëàٌٍè وهëَنêà;
• ًهçêèه ٌêà÷êè نàâëهيèے;
• èيôهêِèè نûُàٍهëüيûُ ïٍَهé;
• êًîâîٍه÷هيèے èç يîٌà.

حà Spegra (ؤîëٍَهمëàâèً / زهيîôîâèً àëàôهيàىèن / فىًٍèِèٍàلèي) - رïهمًà (Dolutegravir/ Taf / Emtricitabine) ٌٍîèىîٌٍü نîٌٍَïيàے.
دîىيèٍه: يَويî ًٌٍîمî ïًèنهًوèâàٍüٌے ًهêîىهينàِèé ٌïهِèàëèٌٍà,
÷ٍîلû يه ٌٍîëêيٍَüٌے ٌ ïًîلëهىàىè.


kocitaf
رد مع اقتباس
  #6  
قديم 19-12-2019, 05:25 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 164,865
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير السعدى ___متجدد إن شاء الله

الحلقة (267)
تفسير السعدى
سورة النحل
من الأية(14) الى الأية(27)
عبد الرحمن بن ناصر السعدي

تفسير سورة النحل


" وهو الذي سخر البحر لتأكلوا منه لحما طريا وتستخرجوا منه حلية تلبسونها وترى الفلك مواخر فيه ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون " (14)
أي: هو وحده لا شريك له " الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ " وهيأه لمنافعكم المتنوعة.
" لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا " وهو, السمك, والحوت, الذي تصطادونه منه.
" وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا " فتزيدكم جمالا وحسنا إلى حسنكم.
" وَتَرَى الْفُلْكَ " أي: السفن والمراكب " مَوَاخِرَ فِيهِ " أي تمخر في البحر العجاج الهائل, بمقدمها, حتى تسلك فيه من قطر إلى آخر, تحمل المسافرين وأرزاقهم, وأمتعتهم, وتجاراتهم, التي يطلبون بها الأرزاق وفضل الله عليهم.
" وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ " الذي يسر لكم هذه الأشياء وهيأها, وتثنون على الله الذي من بها.
فلله تعالى الحمد والشكر, والثناء, حيث أعطى العباد من مصالحهم ومنافعهم, فوق ما يطلبون, وأعلى ما يتمنون, وآتاهم من كل ما سألوه, لا نحصي ثناء عليه, بل هو كما أثنى على نفسه.

" وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم وأنهارا وسبلا لعلكم تهتدون " (15)
أي: " وَأَلْقَى " الله تعالى لأجل عباده " فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ " وهي: الجبال العظام لئلا تميد بهم وتضطرب بالخلق, فيتمكنون من حرث الأرض والبناء, والسير علهيا.
ومن رحمته تعالى أن جعل فيها أنهارا, يسوقها من أرض بعيدة, إلى أرض مضطرة إليها لسقيهم وسقي مواشيهم وحروثهم, أنهارا على وجه الأرض, وأنهارا في بطنها يستخرجونها بحفرها, حتى يصلوا إليها فيستخرجونها بما سخر الله لهم من الدوالي والآلات ونحوها.
ومن رحمته أن جعل في الأرض سبلا أي: طرقا توصل إلى الديار المتنائية.
" لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ " السبيل إليها حتى إنك تجد أرضا مشتبكة بالجبال, مسلسلة فيها, وقد جعل الله فيما بينها منافذ ومسالك للسالكين.

" أفمن يخلق كمن لا يخلق أفلا تذكرون " (17)
لما ذكر تعالى ما خلقه من المخلوقات العظيمة, وما أنعم به من النعم العميمة, ذكر أنه لا يشبهه أحد ولا كفء له ولا ند له, فقال: " أَفَمَنْ يَخْلُقُ " جميع المخلوقات, وهو الفعال لما يريد " كَمَنْ لَا يَخْلُقُ " شيئا, لا قليلا, ولا كثيرا.
" أَفَلَا تَذَكَّرُونَ " فتعرفون أن المنفرد بالخلق, أحق بالعبادة كلها.
فكما أنه واحد في خلقه وتدبيره, فإنه واحد في إلهيته وتوحيده, وعبادته.

" وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها إن الله لغفور رحيم " (18)
وكما أنه ليس له مشارك, إذ أنشأكم وأنشأ غيركم, فلا تجعلوا له أندادا في عبادته, بل أخلصوا له الدين.
" وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ " عددا مجردا عن الشكر " لَا تُحْصُوهَا " فضلا عن كونكم تشكرونها.
فإن نعمه الظاهرة والباطنة على العباد, بعدد الأنفاس واللحظات, من جميع أصناف النعم, مما يعرف العباد, ومما لا يعرفون, وما يدفع عنهم من النقم, فأكثر من أن تحصى.
" إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ " يرضى منكم باليسير من الشكر, مع إنعامه الكثير.

" والله يعلم ما تسرون وما تعلنون " (19)
وكما أن رحمته واسعة, وجوده عميم, ومغفرته شاملة للعباد, فعلمه محيط بهم.
" يَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ " بخلاف من عبد من دونه.
فإنهم " لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا " قليلا ولا كثيرا " وَهُمْ يُخْلَقُونَ " .
فكيف يخلقون شيئا مع افتقار في إيجادهم إلى الله تعالى؟!!

" أموات غير أحياء وما يشعرون أيان يبعثون " (21)
ومع هذا, ليس فيهم من أوصاف الكمال شيء, لا علم, ولا غيره.
" أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ " فلا تسمع, ولا تبصر, ولا تعقل شيئا, أفنتخذ هذه آلهة من دون رب العالمين.
فتبا لعقول المشركين, ما أضلها, وأفسدها, حيث ضلت في أظهر الأشياء فسادا.
وسووا بين الناقص من جميع الوجوه فلا أوصاف كمال, ولا شيء من الأفعال, وبين الكمال من جميع الوجوه الذي له كل صفة كمال, وله من تلك الصفة أكملها وأعظمها.
فله العلم المحيط بكل الأشياء, والقدرة العامة, والرحمة الواسعة, التي ملأت جميع العوالم.
والحمد والمجد والكبرياء والعظمة, التي لا يقدر أحد من الخلق, أن يحيط ببعض أوصافه ولهذا قال:

" إلهكم إله واحد فالذين لا يؤمنون بالآخرة قلوبهم منكرة وهم مستكبرون " (22)
" إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ " وهو: الله الأحد الفرد الصمد الذي لم يلد ولم يكن له كفوا أحد.
فأهل الإيمان والعقول, أحلته قلوبهم وعظمته, وأحبته حبا عظيما, وصرفوا له كل ما استطاعوا من القربات البدنية والمالية, وأعمال القلوب وأعمال الجوارح, وأثنوا عليه بأسمائه الحسنى, وصفاته, وأفعاله المقدسة.
" فَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ قُلُوبُهُمْ مُنْكِرَةٌ " لهذا الأمر العظيم الذي لا ينكره إلا أعظم الخلق, جهلا وعنادا, وهو: توحيد الله " وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ " عن عبادته.

" لا جرم أن الله يعلم ما يسرون وما يعلنون إنه لا يحب المستكبرين " (23)
" لَا جَرَمَ " أي: حقا لا بد " أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ " من الأعمال القبيحة " إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ " بل يبغضهم أشد البغض, وسيجازيهم من جنس عملهم " إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين " .
" وإذا قيل لهم ماذا أنزل ربكم قالوا أساطير الأولين " (24)
يقول تعالى - مخبرا عن شدة تكذيب المشركين بآيات الله: " وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ " أي: إذا سألوا عن القرآن والوحي, الذي هو أكبر نعمة أنعم الله بها على العباد.
فماذا قولكم به؟ وهل تشكرون هذه النعمة وتعترفون بها, أم تكفرون وتعاندون؟ فيكون جوابهم أقبح جواب وأسمجه, فيقولون عنه: إنه " أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ " أي: كذب اختلقه محمد على الله, وما هو إلا قصص الأولين التي يتناقلها الناس, جيلا بعد جيل, منها الصدق ومنها الكذب.
فقالوا هذه المقالة, ودعوا أتباعهم إليها, وحملوا, وزرهم, ووزر من انقاد لهم إلى يوم القيامة.
وقوله: " وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ " أي: من أوزار المقلدين الذين لا علم عندهم, إلا ما دعو إليه, فيحملون إثم ما دعوهم إليه.
وأما الذين يعلمون, فكل مستقل بجرمه, لأنه عرف ما عرفوا.
" أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ " أي: بئس ما حملوا من الوزر المثقل لظهورهم, من وزرهم, ووزر من أضلوه.

" قد مكر الذين من قبلهم فأتى الله بنيانهم من القواعد فخر عليهم السقف من فوقهم وأتاهم العذاب من حيث لا يشعرون " (26)
" قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ " برسلهم, واحتالوا بأنواع الحيل, على رد ما جاءوهم به, وبنوا من مكرهم, قصورا هائلة.
" فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِنَ الْقَوَاعِدِ " أي: جاءها الأمر من أساسها وقاعدتها.
" فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ " فصار ما بنوه عذابا, عذبوا به.
" وَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ " وذلك أنهم ظنوا أن هذا البنيان سينفعهم, ويقيهم العذاب, فصار عذابهم فيما بنوه وأصلوه.
وهذا من أحسن الأمثال, في إبطال الله مكر أعدائه.
فإنهم فكروا وقدروا فيما جاءت به الرسل لما كذبوهم, وجعلوا لهم أصولا وقواعد من الباطل, يرجعون إليها, ويردون بها ما جاءت به الرسل.
واحتالوا أيضا, على إيقاع المكروه والضرر بالرسل ومن تبعهم.
فصار مكرهم وبالا عليهم, فصار تدبيرهم فيه تدميرهم.
وذلك لأن مكرهم سيئ " ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله " .
هذا في الدنيا, ولعذاب الآخرة أحرى, ولهذا قال: " ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُخْزِيهِمْ " أي يفضحهم على رءوس الخلائق, ويبين لهم كذبهم, وافتراءهم على الله.

" ثم يوم القيامة يخزيهم ويقول أين شركائي الذين كنتم تشاقون فيهم قال الذين أوتوا العلم إن الخزي اليوم والسوء على الكافرين " (27)
" وَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تُشَاقُّونَ فِيهِمْ " أي: تحاربون وتعادون الله وحزبه لأجلهم, وتزعمون أنهم شركاء لله.
فإذا سألهم هذا السؤال, لم يكن لهم جواب, إلا الإقرار بضلالهم, والاعتراف بعنادهم فيقولون " ضلوا عنا وشهدوا على أنفسهم أنهم كانوا كافرين " .
" قَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ " أي: العلماء الربانيون " إِنَّ الْخِزْيَ الْيَوْمَ " أي: يوم القيامة " وَالسُّوءَ " أي: سوء العذاب " عَلَى الْكَافِرِينَ " .
وفي هذا فضيلة أهل العلم, وأنهم الناطقون بالحق في هذه الدنيا, ويوم يقوم الأشهاد, وأن لقولهم, اعتبارا عند الله وعند خلقه.
ثم ذكر ما يفعل بهم عند الوفاة, وفي القيامة فقال:


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 225.94 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 221.90 كيلو بايت... تم توفير 4.03 كيلو بايت...بمعدل (1.79%)]