أدب الكلمة وقوة البرهان مع الخليل: إبراهيم عليه السلام - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 5064 - عددالزوار : 2265961 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4647 - عددالزوار : 1543230 )           »          من كفارات الذنوب (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 18 )           »          ثبوت صوم النبي أيام التسع من ذي لحجة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 19 )           »          قراءة القرآن أفضل في عشر ذي الحجة أم التكبير (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 20 )           »          ترك الإنجاب لئلا يولد طفل فاسد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 15 )           »          حديث في فضائل العشر لا أصل له (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 19 )           »          حكم الإجهاض بغير علم الزوج (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 17 )           »          خمس عشرة وصية في استثمار عشر ذي الحجة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 10 )           »          الخوف من الانتكاسة والزيغ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 20 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى الشباب المسلم
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى الشباب المسلم ملتقى يهتم بقضايا الشباب اليومية ومشاكلهم الحياتية والاجتماعية

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
  #2  
قديم 30-12-2019, 12:26 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 165,400
الدولة : Egypt
افتراضي رد: أدب الكلمة وقوة البرهان مع الخليل: إبراهيم عليه السلام

أدب الكلمة وقوة البرهان

مع الخليل: إبراهيم عليه السلام


د. غنية عبدالرحمن النحلاوي



♦ أدب إبراهيم عليه السلام وحِلمه في جهاد الكلمة والبرهان (في أربعة مواقف):
1) مع ذوي القربى: عندما توجه الخليل بجهاده بالكلمة لأقرب الناس إليه، تأمل كيف دعا أباه برفق وأدب؛ قال تعالى: ï´؟ إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ ï´¾ [مريم: 42] إلى: [45]، وهي لفظة تقرب وتحبب، كررها له مترفِّقًا صابرًا، فكانت مع كلمات النصح والتبليغ نبراسًا لكل مقتدٍ في الجمع بين القوة في الحق، ولينِ الجانب لمن له عليك حق.

وحين أصر الأب على الشرك، كان الابن - وهو النبي، وهو خليل الرحمن - عظيمًا في صبره على التهديد العنيف بالرجم، وقرار الطرد من أقرب الناس إليه، فقابل ذلك بـ: "السلام"، وبوعد المشفق على من يحب بالاستغفار، نجده في قوله تعالى: ï´؟ سَلَامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي ï´¾ [مريم: 47].

2) مع الملأ من المشركين حين شفع الخليل جهاد الكلمة بالبرهان العملي:
في تغييره الرائد للثوابت الفاسدة في حياة مجتمع وأمة، بلغ سعيُ إبراهيم عليه السلام الذروة حينما حطم الأوثان آلهتهم المدَّعاة، وأقول: بلغ ذروته؛ لأنه سبقه محاولات حوارية للتغيير، منها على سبيل المثال: الآيات: (51 - 55) من الأنبياء، والشعراء (70 - 74)، ورأينا كيف أقام الحجة عليهم في آيات من سورة الأنعام: (79 - 84)[2]! وخلال ذلك نحن نتعلم من سيدنا إبراهيم عليه السلام أخلاقَ وأدب الداعية، والجمع بين رقة المشاعر والعزيمة والقوة في الحق؛ إذ عندما توسعت الدائرة، وهو مجرد فتى في نظر قومه عبدةِ الأوثان، وبعد أن حاجَّهم فأعرضوا، ودعاهم لله وحده فأبَوا، وحاورهم بالحسنى عن آلهتهم: هل تسمعكم؛ تجيب دعاءكم؟ تنفعكم؟ تضركم؟! فأصروا - جمع إبراهيم عليه السلام إلى جهاد الكلمة تطبيقًا عمليًّا للإقناع، يشبه شفع الصورة بالكلمة في الوثائقيات اليوم، ولكنه إلى التجرِبة العمَلية أقرب:
قال تعالى: ï´؟ فَرَاغَ إِلَى آلِهَتِهِمْ فَقَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ * مَا لَكُمْ لَا تَنْطِقُونَ * فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْبًا بِالْيَمِينِ ï´¾ [الصافات: 91 - 93]، هيا دافعوا عن أنفسكم.

ولكنه قبل وخلال ذلك وبعده بقي حليمًا، كما أنه لم يتخلَّ عن جهاد الكلمة، والمحاكمة العقلية المنطقية:
♦ فهو بداية أخبر القوم بنيَّته: ï´؟ تَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ ï´¾ [الأنبياء: 57].

♦ ثم إنه نبَّههم من جديد بعد التطبيق العملي عندما غضبوا - لعلهم يحاكمون عقولهم ويهتدون - بقوله: ï´؟ اسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ ï´¾ [الأنبياء: 63]، فعقَلوا للحظات، واعترفوا فيما بينهم: ï´؟ فَقَالُوا إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الظَّالِمُونَ ï´¾ [الأنبياء: 64]، قبل أن ينتكسوا النكسة الكبرى: ï´؟ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلَاءِ يَنْطِقُونَ ï´¾ [الأنبياء: 65]، ويُخرسوا عقولهم!

♦ وهو عندما أصروا على الشرك، رغم التجرِبة التي أثبتت أن هؤلاء ليسوا آلهة، كانت أكبر كلمة قالها لهم: ï´؟ أُفٍّ لَكُمْ ï´¾ [الأنبياء: 67]، وهي - كما نعلم - أصغرُ كلمة تضجر في اللغة العربية، وأهونها!

♦ وهنا يدهشك أن الخليل - وهو العظيم في رقته في التعبد والتسبيح في ملكوت ربه - كان - في آن - عظيمًا في جرأته وصلابته في الحق؛ إذ وقف في وجه الجموع الغاضبة من عبدة الوثن وقد أقبلوا إليه يزفون: ï´؟ قَالَ أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ * وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ ï´¾ [الصافات: 95، 96]، ولم يتراجع قِيد أنملة، حتى والنار تسعَّر لحرقه!


3) البرهان العقلي في مناظرة ذي المُلك الكافر:
لا شك أن مشهد الخليل مع الذي "آتاه الله الملك" لا يغيب عن الخاطر، ومما يدهشنا حقًّا رباطةُ جأشه أمام مثال الإحياء والإماتة، الذي هو تهديد مبطن من النمرود له بالقتل، وكيف رد عليه وتحداه بحجة كونية: ï´؟ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ ï´¾ [البقرة: 258]، وحَجَّه، بل صعقه بالبرهان العقلي: ï´؟ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ ï´¾ [البقرة: 258]، سبحان الله!

وانظر كيف أن الإيمان الحق يثبِّت الجَنان، ويطلق اللسان في وجه عتاة الشرك، حتى مدعي الألوهية - محقهم الله، وتلك الوقفة الثابتة القوية تعلمنا أن رقة المشاعر والحِلمَ لا تعني التراخي في الحق، ولو بمجرد الركون إلى أهل الباطل، وهي مَثَل ساطع على جهاد الكلمة من إنسان وصَفه ربه بأنه كان: ï´؟ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا ï´¾ [النحل: 120].

4) موقف نبي الله إبراهيم من بني الإنسان:
مع ما سبق لمن يسأل: لماذا نبي الله إبراهيم هو خليل الرحمنِ الصِّديقُ الحنيف؟ ولماذا هو الأواه الحليم؟

سبحان الله! اقرأ دعاءه الشجي الندي، الحنون الرحيم، في السورة التي سميت باسمه، تعرف لماذا!
♦ فكل منا إذ يجاهد بالكلمة أو يتابع مَن يجاهد بها ويقرأ عنه، قد تصدمه غلظة البعض، وقسوة واستهتار البعض، وقد تكون الصدمة شديدة، ولكن ما يؤنسه ويحلق بروحه حقًّا: رقة إبراهيم الخليل، وسَعة خُلُقه، وتعامله الرحيم حتى مع مَن خالفه وعصاه! فهو حطم الأصنام، ولكنه بنى الإنسان[3]، وبقي دائبًا في سعيه لهذا التغيير البنَّاء بعد أن أخذت الدعوة إلى الله تعالى مداها، وانتشرت في الآفاق، وهنا فإن الملمح التربوي الأخلاقي الذي يدهشنا هو ذلك الدعاء لله تعالى عبر سبع آيات (35 حتى 41) في سورة إبراهيم، ونتناول بعضه:
قال تعالى: ï´؟ وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ * رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ ï´¾ [إبراهيم: 35، 36]، يا رب، وأنا دعوتُ القوم كما أمرتني لنبذها، ï´؟ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي ï´¾ [إبراهيم: 36]: ماذا تتوقع أنه قال؟ فعليك به؟! ألقِه في النار لشركه؟! بل قال عليه السلام: ï´؟ وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ï´¾ [إبراهيم: 36]!

سبحان الله! قمة الحِلْم والقنوت والإنابة! من يرتقي لمعشارها فيدعوَ لمن عصاه كما يدعو لمن اتبعه؟! وهنا اللمسة العجيبة، وكأنه - عليه السلام - قدم رجاءه أن يتوبَ أولئك العصاة فيغفر لهم على عظم ذنوبهم وجحودهم!

♦ ثم إنه عندما دعا لذريته بالرزق وقد أسكنهم ï´؟ بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ ï´¾ [إبراهيم: 37]، فسأل الله تعالى: ï´؟ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ ï´¾ [إبراهيم: 37] لم يقل: ليأمنوا من الجوع، لينجوا من الموت في المَخمصة، بل بأدبه مع ربه في الدعاء الذي افتتحنا به تلك العجالة، ارتقى بهم لمرتبة الشكر؛ ليكونوا عبيدًا للمنعم، وليس عبيدًا للنعمة حين قال: ï´؟ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ ï´¾ [إبراهيم: 37]!

ففاضتِ النِّعمُ والثمرات حول البيت الحرام ببركة هذا الدعاء العظيم إلى يومنا هذا.
وكان عليه الصلاة والسلام بهذا وذاك أمَّةً.

♦ ولا تنقضي الدروس والعبر:
في أدب الخليل - عليه السلام - مع الله تعالى ومع الناس تلمس قمة التوكل والرضا والتفويض.
العجيب أنه في الدعوة إلى الله ترفَّق بأبيه الكافر، واستغفر له، ودعا له.

وفي طاعة الله كان حازمًا عازمًا؛ فترك أهله في الصحراء أولًا، ثم كاد يذبح ولده المؤمن وفِلذة كبده ثانيًا، وبالحالتين تجلَّى إخلاصه ووفاؤه العجيب؛ قال تعالى: ï´؟ وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى ï´¾ [النجم: 37].

يفيض قلبي وأنا أقرأ: ï´؟ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ ï´¾ [هود: 75].

من للأمة اليوم بمثلك يا خليل الرحمن، ومحطم الأوثان؟!
وبعد:
أخي القارئ، كلما كدتَ تقول هُجرًا تذكَّر "أف" إبراهيم، كلما كدت تغضب من عصيان رحمٍ دعوتها وتيئس من صلاحها، تذكَّر رِفق إبراهيم وحِلمه على شِرك أبيه، وكلما ناقَشك العصاة وحاجَّك الضالون، تذكَّر دعاء إبراهيم لمن عصاه، وكلما راودَتْك نفسك على مخالفة نص (الوقوع في نهي، أو إغفال أمر) تذكَّر طاعته المطلقة لربه، وقل: يا رب، أعنِّي لأقترب منغفرانك، ولك الحمد.

♦ أخيرًا نختم بالاستحقاق الإبراهيمي:
أمام هذه المواقف النبوية الأخلاقية، التي يقصر عنها القلم، وما رافقها من تغييرات رائدة ومبدعة في فكر ومصير أمة:
فقد استحق إبراهيم عليه السلام: أن يجري الله تعالى لأجله تغييرًا خارقًا للثوابت المادية الكونية، التي لا جدال فيها في حدود فهمنا كبشر؛ فأفقد النار خاصية الإحراق، بل وجعلها "بردًا" و "سلامًا" على إبراهيمَ الخليل تحديدًا! واستحقَّ أن يُنزِلَ - سبحانه - كبشًا عظيمًا فداءً لولده إسماعيل.

وأوتي - بفضل الله - المزيد من المنح الإلهية، منها: أنه عليه السلام استحق من أجلِ كل ما سبق: تحطيم الأصنام، وكل ما تلاه من تغييرات جذرية ومطورة في النفوس والأرواح والعقول - أن يكون خليل الرحمن، وأن يكون "أمة" بذاته؛ قال تعالى: ï´؟ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا ï´¾ [النحل: 120] صدق الله العظيم.

وكلما اقتربنا من ذلك المرتقى الأخلاقي السامق بالقول والعمل، كان رجاؤنا أعظمَ بفضل الله وكرمه في الدنيا والآخرة، سبحان الله!

والحمد لله رب العالَمين.


[1] الحليم: المتأني غير العجول، والأواه: كثير الخشوع والتأوُّهِ من خشية الله، ومنيب؛ أي: راجع إلى الله سبحانه، أو: الرجَّاع الى الحق، والخُلَّة: هي أعلى درجات المحبة، ولم يحظَ بها سوى إبراهيم ومحمدٍ صلى الله عليهما وسلم.

[2] وانظر كتاب: الثابت والمتغير لكاتبة المقال (د. غنية عبدالرحمن النحلاوي)، نشر: دار الفكر.

[3] وانظر كتاب: الثابت والمتغير لكاتبة المقال (د. غنية عبدالرحمن النحلاوي)، نشر: دار الفكر.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 91.37 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 89.66 كيلو بايت... تم توفير 1.72 كيلو بايت...بمعدل (1.88%)]