|
|||||||
| ملتقى الشباب المسلم ملتقى يهتم بقضايا الشباب اليومية ومشاكلهم الحياتية والاجتماعية |
![]() |
|
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
|
|
|
#1
|
||||
|
||||
|
أخلاق العمل في السنة النبوية "مظهر تميز وإبداع" إعداد: د. محمد محمود السواعدة [*] الفرع الثالث - المسؤولية والرقابة الذاتية: عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((ألا كلُّكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته؛ فالإمام الذي على الناس راعٍ، وهو مسؤول عن رعيته، والرجل راعٍ على أهل بيته، وهو مسؤول عن رعيتِه، والمرأة راعية على أهل بيت زوجِها وولده، وهي مسؤولة عنهم، وعبدُ الرجل راعٍ على مال سيده وهو مسؤول عنه، ألا فكلُّكم راعٍ، وكلُّكم مسؤول عن رعيته))[16]. هذا الحديث أصل في تحمُّل المسؤولية التي سوف يحاسب عنها الإنسان يوم القيامة، وفيه توسيع لمفهوم المسؤولية الذاتية ليُصبح أفراد الأمة كلهم رعاةً لمصالحها، فمعنى "الراعي" ها هنا: "الحافظ المؤتمن على ما يليه"[17]. فالرعية كل مَن شمله حفظ الراعي ونظره؛ فالإمام الذي على الناس راعٍ وهو مسؤول عن رعيته؛ يقال: رعى الأمير القوم رعايةً فهو راعٍ؛ أي: قام بإصلاح ما يتولاه، وهم رعية: فعيلة بمعنى مفعول، ودخلت التاء لغلبة الاسمية، ((والرجل راعٍ على أهل بيته، وهو مسؤول عن رعيته، والمرأة راعية على بيت زوجها وولده))؛ أي: ولد زوجها، ((وهي مسؤولة عنهم)) عن حق زوجها وأولاده، وقال الطيبي: الضمير راجع إلى بيت زوجها وولدِه، وغلب العقلاء فيه على غيرهم، ((وعبد الرجل راعٍ على مال سيده))"[18]. ومقتضى البلاغة النبوية تفيد أن الراعي الذي وكل إليه مهمَّة، ومطلوب منه رعايتها على أكمل وجه؛ لذا "قال العلماء: الراعي هو الحافظ المؤتمن الملتزم صلاح ما قام عليه، وهو ما تحت نظره، ففيه أن كل من كان تحت نظره شيء، فهو مطالَب بالعدل فيه والقيام بمصالِحه في دينه ودنياه ومتعلقاته"[19]. من هنا فقد أتاحت السنة النبوية ميدانًا فسيحًا أمام نمو خلُقِ الرقابة الذاتية بين المسلمين، وقد يعبر عنها بإحساس العامل بأنه مكلَّف بأداء العمل ومؤتمنٌ عليه، من غير حاجة إلى من يُذكِّره بمسؤوليته؛ لذا كانت عاملاً مهمًّا لنجاح المهمَّة؛ لأنها تُغني عن كثير من النظم واللوائح والتوجيهات والمحاسَبة والتدقيق وغير ذلك، وهو ما عبر عنه البغوي بقوله: "مَعْنَى الرَّاعِي هَهُنَا: الْحَافِظُ الْمُؤْتَمَنُ عَلَى مَا يَلِيهِ، أَمَرَهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالنَّصِيحَةِ فِيمَا يَلُونَهُ، وَحَذَّرَهُمُ الْخِيَانَةَ فِيهِ بِإِخْبَارِهِ أَنَّهُمْ مَسْؤولُونَ عَنْهُ. فَالرِّعَايَةُ: حِفْظُ الشَّيْءِ وَحُسْنُ التَّعَهُّدِ"[20]. هذا أولاً، وثانيًا: فإنها تشمل قطاعات غير محدودة من المجتمع؛ إذ يُصبح لدى كل عامل شعور بتعلُّق إنجاز عمله به وحده دون سواه، فالرعاية هنا وظيفة ومهمة تعني فرداً أو جهة مخصوصة، وعندئذٍ هي: حفظ الشيء، وحسن التعهد؛ فقد استوى هؤلاء في الاسم، ولكن معانيهم مُختلفة، فرعاية الإمام: ولاية أمور الرعية، والحياطة من ورائهم، وإقامة الحدود والأحكام فيهم، ورعاية الرجل أهله بالقيام عليهم بالحق في النفقة، وحسن العِشرة، ورعاية المرأة في بيت زوجها بحسن التدبير في أمر بيته، والتعهد لخدمة أضيافه، ورعاية الخادم حفظ ما في يده من مال سيده والقيام بشغله"[21]. وليس في هذا المفهوم النبوي الشامل في مجتمع الإسلام فردٌ بطَّال غير معني برعية، وهو ما قصده العيني في شرحه لصحيح البخاري بقوله: "وَإِذا لم يكن للرجل رعية، يكون راعيًا على أعضائه وجوارحه وقوَّة حواسه"[22]، وأعظِمْ بها من مهمَّة! ومؤدى هذه المسؤولية تسهيل عمل الرقابة الحكومية، ورفع مستوى الإنتاج، وخفض كلفة الإنفاق لدى الجهات المعنية في مجال المتابعة والرقابة، وهو مَنحى إعجازي فريد في جانب الأخلاق من جهة السنَّة النبوية الشريفة. النموذج الرابع - مكافحة الفساد المالي والإداري: عن أبي حميد الساعدي، قال: استعملَ رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلاً على صدقات بني سُليم، يُدعى ابن اللُّتْبِيَّةِ، فلما جاء حاسَبَه، قال: هذا مالُكم، وهذا هدية، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((فهلا جلستَ في بيت أبيك وأمك، حتى تأتيَك هديتُك إن كنت صادقًا!))[23]. هذا الحديث أصل في منع هدايا الموظَّفين وتحريمها، وهو من جوانب تميُّز السنة النبوية في مجال محاسبة العمال على الكسب غير المشروع، واعتبار هدايا الناس لهم رشًا وسُحْت؛ لأن هذا الحديث: "يدلُّ على أن ما أهدي إلى العامل في عمالته، والأمير في إمارته شكرًا لمَعروف صنعه، أو تحبُّبًا إليه، أنه في ذلك كله كأحد المسلمين لا فضل له عليهم فيه؛ لأنه بولايته عليهم نال ذلك، فإن استأثر به فهو سحت، والسحت كل ما يأخذه العامل والحاكم على إبطال حق، أو تحقيق باطل، وكذلك ما يأخذه على القضاء بالحق"[24]. وفي هذا التوجيه النبوي المُحكَم: إشارة رائدة منه صلى الله عليه وسلم إلى مواجَهة أزمة الفساد الإداري والمالي، وفيه بيان خطرها على كل من الموظَّف والإدارة وصاحب العمل، بل على الأمة بأَسرِها، وهي لفتة بَليغة، وعبارة أخلاقية مُعجِزة، تُضاف إلى مجموع معجزاته صلى الله عليه وسلم في باب الأخلاق والتشريع. وجُملة القول: أنَّ السنَّة النبوية نموذج عملي، ومذكرة تفسيرية شاملة لجميع موضوعات القرآن الكريم، ومن ضمنها الجوانب الأخلاقية؛ فهي تطبيق عملي، وتفسير حيٌّ لها، ومعلوم بالضرورة أنه ليس من أحد أفهم للقرآن الكريم منه صلى الله عليه وسلم، فهو مُبلِّغه للناس عن ربه - عز وجل - بل هو أعظم مَن أفصَحَ عن معانيه الخالدة. ويذكر - هنا - أنه صلى الله عليه وسلم لم يقدِّم تفسيره للقرآن في أقوال منطوقة فحسب، أو بين دفَّتي كتاب يقرأ فقط، ولكنه قدم هذا التفسير وذلك الفهم من خلال حياته العملية والدعوية كلها، فكانت حياته صلى الله عليه وسلم كلها ترجمة فعلية حية لأخلاق القرآن الكريم، وقد اشتملت هذه الأخلاق العامة على جزء مهمٍّ منها، وهو ما يعرف بأخلاق العمل والعمال. [*] أستاذ الثقافة الإسلامية المساعد في جامعة الطائف / كلية الشريعة. [1] السنَّة ومكانتها في التشريع الإسلامي، مصطفى بن حسني السباعي (المتوفى: 1384 هـ)1 / 376، المكتب الإسلامي: دمشق - سوريا، بيروت - لبنان، الطبعة: الثالثة، 1402 هـ - 1982م (بيروت). [2] حديث رعي الأنبياء للغنم صحيح؛ انظر: صحيح البخاري، 3 / 88 / ح. رقم (2262). [3] رواه مسلم، ووهم الحاكم في قوله: إنهما لم يخرجاه؛ انظر: "المغني عن حمل الأسفار في الأسفار، في تخريج ما في الإحياء من الأخبار" مطبوع بهامش "إحياء علوم الدين"؛ أبو الفضل زين الدين عبدالرحيم بن الحسين بن عبدالرحمن بن أبي بكر بن إبراهيم العراقي (المتوفى: 806 هـ) 1 / 838، دار ابن حزم - بيروت - لبنان، الطبعة: الأولى - 1426 هـ - 2005 م. [4] تفسير القرآن العظيم؛ أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي البصري ثم الدمشقي (المتوفى: 774 هـ)؛ تحقيق: سامي بن محمد سلامة، دار طيبة للنشر والتوزيع، الطبعة: الثانية - 1420هـ - 1999 م. [5] سلم أخلاق النبوة؛ محمود محمد غريب، (ص: 27) دار القلم للتراث - القاهرة، الطبعة: الثانية، 1419 هـ - 1998 م. [6] سلم أخلاق النبوة؛ محمود محمد غريب (ص: 49). [7] إحياء علوم الدين، أبو حامد محمد بن محمد الغزالي الطوسي (المتوفى: 505 هـ) 2 / 383، دار المعرفة - بيروت. [8] السُّنن الكبرى؛ أبو عبدالرحمن أحمد بن شعيب بن علي الخراساني، النسائي (المتوفى: 303 هـ) 9 / 231، حقَّقه وخرَّج أحاديثه: حسن عبدالمنعم شلبي، أشرف عليه: شعيب الأرناؤوط، قدم له: عبدالله بن عبدالمُحسن التركي، مؤسسة الرسالة - بيروت، الطبعة: الأولى، 1421 هـ - 2001 م. [9] السياسة الشرعية في إصلاح الراعي والرعية؛ أحمد بن عبدالحليم بن تيمية الحراني، (ص: 25)، دار المعرفة. [10] الإفصاح عن معاني الصحاح، يحيى بن هبيرة الذهلي الشيباني، أبو المظفر، عون الدين (المتوفى: 560 هـ) 8 / 44، تحقيق: فؤاد عبدالمنعم أحمد، دار الوطن، سنة النشر: 1417هـ. [11] بهجة قلوب الأبرار وقرة عيون الأخيار في شرح جوامع الأخبار؛ عبدالرحمن بن ناصر آل سعدي (المتوفى: 1376 هـ)1 / 33، تحقيق: عبدالكريم آل الدريني، مكتبة الرشد للنشر والتوزيع، الطبعة: الأولى 1422هـ - 2002م. [12] السنن الكبرى، أبو عبدالرحمن أحمد بن شعيب بن علي الخراساني، النسائي (المتوفى: 303 هـ) 8 / 44، رقم: (8604) حققه وخرج أحاديثه: حسن عبدالمنعم شلبي، أشرف عليه: شعيب الأرناؤوط، قدم له: عبدالله بن عبدالمحسن التركي، مؤسسة الرسالة - بيروت، الطبعة: الأولى، 1421 هـ - 2001 م. [13] بهجة قلوب الأبرار وقرة عيون الأخيار في شرح جوامع الأخبار، مرجع سابق. [14] السعدي السابق 1 / 141. [15] بهجة قلوب الأبرار وقرة عيون الأخيار في شرح جوامع الأخبار، أبو عبدالله، عبدالرحمن بن ناصر بن عبدالله بن ناصر بن حمد آل سعدي (المتوفى: 1376 هـ) 1 / 141، تحقيق: عبدالكريم بن رسمي آل الدريني، مكتبة الرشد للنشر والتوزيع، الطبعة: الأولى 1422هـ - 2002م. [16] الجامع المسند الصحيح المختصر من أمور رسول الله صلى الله عليه وسلم وسننِه وأيامه = صحيح البخاري، محمد بن إسماعيل أبو عبدالله البخاري الجعفي، 9 / 62، تحقيق: محمد زهير بن ناصر الناصر، دار طوق النجاة (مصورة عن السلطانية بإضافة ترقيم محمد فؤاد عبدالباقي) الطبعة: الأولى، 1422هـ. [17] شرح السنة؛ للإمام البغوي، الحسين بن مسعود البغوي،10 / 62، المكتب الإسلامي - دمشق - بيروت - 1403هـ - 1983م، الطبعة: الثانية، تحقيق: شعيب الأرناؤوط - محمد زهير الشاويش. [18] مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح، علي بن (سلطان) محمد، أبو الحسن نور الدين الملا الهروي القاري (المتوفى: 1014 هـ) 6 / 2402، دار الفكر، بيروت - لبنان، الطبعة: الأولى، 1422هـ - 2002م. [19] المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج، أبو زكريا محيي الدين يحيى بن شرف النووي (المتوفى: 676 هـ) 12 / 213، دار إحياء التراث العربي - بيروت، الطبعة: الثانية، 1392. [20] شرح السنة؛ للإمام البغوي، الحسين بن مسعود البغوي،10 / 62، المكتب الإسلامي - دمشق - بيروت - 1403هـ - 1983م، الطبعة: الثانية، تحقيق: شعيب الأرناؤوط - محمد زهير الشاويش. [21] شرح السنة؛ للإمام البغوي، الحسين بن مسعود البغوي،10 / 62، المكتب الإسلامي - دمشق - بيروت - 1403هـ - 1983م، الطبعة: الثانية، تحقيق: شعيب الأرناؤوط - محمد زهير الشاويش. [22] عمدة القاري شرح صحيح البخاري، أبو محمد محمود بن أحمد بن موسى بن أحمد بن حسين الغيتابي الحنفي بدر الدين العيني (المتوفى: 855 هـ) 20 / 168، دار إحياء التراث العربي - بيروت. [23] الجامع المسند الصحيح المختصر من أمور رسول الله صلى الله عليه وسلموسننِه وأيامه، محمد بن إسماعيل أبو عبدالله البخاري الجعفي، 9 / 28، تحقيق: محمد زهير بن ناصر الناصر، الناشر: دار طوق النجاة (مصورة عن السلطانية بإضافة ترقيم محمد فؤاد عبدالباقي)، الطبعة: الأولى، 1422هـ. [24] شرح صحيح البخاري؛ لابن بطال، ابن بطال أبو الحسن علي بن خلف بن عبدالملك (المتوفى: 449 هـ) 8 / 333، تحقيق: أبو تميم ياسر بن إبراهيم،مكتبة الرشد - السعودية، الرياض،الطبعة: الثانية، 1423هـ - 2003م.
__________________
|
![]() |
| الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |