حمر النعم كفر النعم - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4865 - عددالزوار : 1834400 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4432 - عددالزوار : 1179319 )           »          شرح صحيح البخاري كاملا الشيخ مصطفى العدوي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 749 - عددالزوار : 74973 )           »          الحج والعمرة فضلهما ومنافعهما (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 3 - عددالزوار : 101 )           »          ٣٧ حديث صحيح في الصلاة علي النبي ﷺ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 96 )           »          قوق الآباء للأبناء (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 88 )           »          حقوق الأخوّة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 83 )           »          دفن البذور عند الشيخ ابن باديس -رحمه الله- (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 97 )           »          الاغتراب عن القرآن (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 93 )           »          آخر ساعة من يوم الجمعة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 84 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الصوتيات والمرئيات والبرامج > ملتقى الصوتيات والاناشيد الاسلامية > ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 09-01-2020, 05:27 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 151,842
الدولة : Egypt
افتراضي حمر النعم كفر النعم

حمر النعم كفر النعم










الشيخ عبدالله بن محمد البصري






أَمَّا بَعدُ:
فَأُوصِيكُم - أَيُّهَا النَّاسُ - وَنَفسِي بِتَقوَى اللهِ - عَزَّ وَجَلَّ - ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَتَّقُوا اللهَ يَجعَلْ لَكُم فُرقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنكُم سَيِّئَاتِكُم وَيَغفِرْ لَكُم وَاللهُ ذُو الفَضلِ العَظِيمِ ﴾.

أَيُّهَا المُسلِمُونَ:
ممَّا جَاءَ في القُرآنِ الدَّعوَةُ إِلَيهِ وَالحَضُّ عَلَيهِ، تَدَبُّرُ الإِنسَانِ فِيمَا حَولَهُ ممَّا أَبدَعَهُ خَالِقُهُ وَفَطَرَهُ مَولاهُ، وَتَفَكُّرُهُ في خَلقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرضِ وَمَا فِيهِمَا وَمَا بَينَهُمَا، قَالَ - سُبحَانَهُ -: ﴿ أَوَلم يَنظُرُوا في مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرضِ وَمَا خَلَقَ اللهُ مِن شَيءٍ ﴾ وَقَالَ - تَعَالى -: ﴿ أَوَلم يَرَوا إِلى مَا خَلَقَ اللهُ مِن شَيءٍ يَتَفَيَّأُ ظِلالُهُ عَنِ اليَمِينِ وَالشَّمَائِلِ سُجَّدًا للهِ وَهُم دَاخِرُونَ ﴾ وَقَالَ - جَلَّ وَعَلا -: ﴿ أَوَلم يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرضَ كَانَتَا رَتقًا فَفَتَقنَاهُمَا وَجَعَلنَا مِنَ المَاءِ كُلَّ شَيءٍ حَيٍّ أَفَلا يُؤمِنُونَ. وَجَعَلنَا في الأَرضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِهِم وَجَعَلنَا فِيهَا فِجَاجًا سُبُلاً لَعَلَّهُم يَهتَدُونَ. وَجَعَلنَا السَّمَاءَ سَقفًا مَحفُوظًا وَهُم عَن آيَاتِهَا مُعرِضُونَ. وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمسَ وَالقَمَرَ كُلٌّ في فَلَكٍ يَسبَحُونَ ﴾ وَقَالَ - عَزَّ وَجَلَّ -: ﴿ أَوَلم يَرَوا إِلى الأَرضِ كَم أَنبَتنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوجٍ كَرِيمٍ. إِنَّ في ذَلِكَ لآيَةً وَمَا كَانَ أَكثَرُهُم مُؤمِنِينَ ﴾ وَقَالَ - سُبحَانَهُ -: ﴿ أَوَلم يَرَوا أَنَّا نَسُوقُ المَاءَ إِلى الأَرضِ الجُرُزِ فَنُخرِجُ بِهِ زَرعًا تَأكُلُ مِنهُ أَنعَامُهُم وَأَنفُسُهُم أَفَلا يُبصِرُونَ ﴾.

وَإِنَّ مِن أَخَصِّ مَا أُمِرَ الإِنسَانُ بِالتَّفَكُّرِ فِيهِ لِمُخَالَطَتِهِ إِيَّاهُ وَانتِفَاعِهِ بِهِ وَمِنهُ، الأَنعَامَ الَّتي سَخَّرَهَا لَهُ المَولى - سُبحَانَهُ - وَذَلَّلَهَا وَمَلَّكَهُ إِيَّاهَا، قَالَ - سُبحَانَهُ -: ﴿ أَوَلم يَرَوا أَنَّا خَلَقنَا لَهُم مِمَّا عَمِلَت أَيدِينَا أَنعَامًا فَهُم لَهَا مَالِكُونَ. وَذَلَّلنَاهَا لَهُم فَمِنهَا رَكُوبُهُم وَمِنهَا يَأكُلُونَ. وَلَهُم فِيهَا مَنَافِعُ وَمَشَارِبُ أَفَلا يَشكُرُونَ ﴾ وَقَالَ - تَعَالى -: ﴿ أَلم يَرَوا إِلى الطَّيرِ مُسَخَّرَاتٍ في جَوِّ السَّمَاءِ مَا يُمسِكُهُنَّ إِلاَّ اللهُ إِنَّ في ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَومٍ يُؤمِنُونَ. وَاللهُ جَعَلَ لَكُم مِن بُيُوتِكُم سَكَنًا وَجَعَلَ لَكُم مِن جُلُودِ الأَنعَامِ بُيُوتًا تَستَخِفُّونَهَا يَومَ ظَعنِكُم وَيَومَ إِقَامَتِكُم وَمِن أَصوَافِهَا وَأَوبَارِهَا وَأَشعَارِهَا أَثَاثًا وَمَتَاعًا إِلى حِينٍ. وَاللهُ جَعَلَ لَكُم مِمَّا خَلَقَ ظِلالاً وَجَعَلَ لَكُم مِنَ الجِبَالِ أَكنَانًا وَجَعَلَ لَكُم سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الحَرَّ وَسَرَابِيلَ تَقِيكُم بَأسَكُم كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعمَتَهُ عَلَيكُم لَعَلَّكُم تُسلِمُونَ. فَإِنْ تَوَلَّوا فَإِنَّمَا عَلَيكَ البَلاغُ المُبِينُ. يَعرِفُونَ نِعمَةَ اللهِ ثُمَّ يُنكِرُونَهَا وَأَكثَرُهُمُ الكَافِرُونَ ﴾.

وَإِنَّ مِن أَحَبِّ الأَنعَامِ إِلى العَرَبِ وَأَغلاهَا عِندَهُم ثَمَنًا، وَأَجَلِّهَا في نُفُوسِهِم مَكَانَةً وَأَرفَعِهَا قَدرًا، مَخلُوقًا عَجِيبًا أَلِفُوهُ وَأَحَبُّوهُ، وَاقتَنَوهُ وَأَكرَمُوهُ، وَأَطعَمُوهُ وَسَقَوهُ وَحَمَوهُ، بَل وَتَفَاخَرُوا بِهِ وَتَقَاتَلُوا لأَجلِهِ وَتَنَاهَبُوهُ، إِنَّهَا الإِبِلُ، تِلكُمُ المَخلُوقَاتُ العَجِيبَةُ الغَرِيبَةُ، الَّتي حَضَّ الخَالِقُ - سُبحَانَهُ - عِبَادَهُ عَلَى التَّأَمُّلِ في خَلقِهَا، حَيثُ قَالَ - تَعَالى - في آيَاتٍ كَثِيرًا مَا نَسمَعُهَا: ﴿ أَفَلا يَنظُرُونَ إِلى الإِبِلِ كَيفَ خُلِقَت. وَإِلى السَّمَاءِ كَيفَ رُفِعَت. وَإِلى الجِبَالِ كَيفَ نُصِبَت. وَإِلى الأَرضِ كَيفَ سُطِحَت ﴾ لم تُخلَقِ الإِبِلُ قَبلَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرضِ كَمَا قَد يَدَّعِي بَعضُ مُحِبِّيهَا أَو يَظُنُّونَ، وَلَكِنَّهَا كَانَت بهم أَلصَقَ وَإِلى نُفُوسِهِم أَقرَبَ، وَأَعيُنُهُم إِلَيهَا في كُلِّ وَقتٍ تَنظُرُ وَتَتَأَمَّلُ، وَهُم حَولَهَا وَمَعَهَا يَغدُونَ وَيَرُوحُونَ، لا يَستَغنُونَ عَنهَا في صُبحٍ وَمَسَاءٍ، وَمِن ثَمَّ فَقَد أُمِرُوا بِالتَّفَكُّرِ فِيهَا وَتَأَمُّلِ خَلقِهَا ؛ لِئَلاَّ تُنسِيَهُم كَثرَةُ تَعَامُلِهِم مَعَهَا مَا أَودَعَهُ اللهُ في خَلقِهَا مِن أَسرَارٍ وَآيَاتٍ، أَو يَغفُلُوا عَن كَبِيرِ إِنعَامِهِ عَلَيهِم بِتَسخِيرِهَا. وَإِنَّمَا دَعَاهُم - سُبحَانَهُ - إِلى ذَلِكَ؛ لِيَكُونَ نَظَرُهُم إِلَيهَا وَتَأَمُّلُهُم عَجِيبَ صُنعِهِ فِيهَا مَدخَلاً إِلى الإِيمَانِ الخَالِصِ بِعَظِيمِ قُدرَتِهِ - تَعَالى - وَبَدِيعِ صُنعِهِ، وَأَنَّهُ رَبُّ العَالمِينَ المُستَحِقُّ لِلعِبَادَةِ، جَزَاءَ مَا أَنعَمَ بِهِ عَلَيهِم مِن نِعَمٍ عَظِيمَةٍ، وَمَا شَمِلَهُم بِهِ مِن آلاءٍ جَسِيمَةٍ، مِن أَخَصِّهَا وَأَقرَبِهَا إِلَيهِم هَذِهِ الإِبِلُ، ذَاتُ الخَلقِ العَجِيبِ وَالتَّركِيبِ الغَرِيب، وَالبَالِغَةُ الغَايَةَ في القُوَّةِ وَالنِّهَايَةَ في الشِّدَّةِ، وَمَعَ هَذَا سَخَّرَهَا القَادِرُ - سُبحَانَهُ - لهم وَمَلَّكَهُم قِيَادَهَا، فَلَيَّنَهَا لِلحِملِ الثَّقِيلِ، وَذَلَّلَهَا لِتَنقَادَ لِلقَائِدِ الضَّعِيفِ، وَأَحَلَّ أَكلَ لَحمِهَا وَشُربَ لَبَنِهَا، وَالانتِفَاعَ بِوَبَرِهَا وَجُلُودِهَا، فَعَلَيهَا يَحمِلُونَ أَثقَالَهُم وَأَمتِعَتَهُم، وَمِن لُحُومِهَا يَأكُلُونَ وَمِن أَلبَانِهَا يَشرَبُونَ، وَمِن بَعرِهَا يُوقِدُونَ وَبِأَبوَالِهَا يَستَشفُونَ، وَبِجُلُودِهَا وَوَبرِها يَستَمتِعُونَ وَيَستَتِرُونَ، وَلَهُم فِيهَا عِزٌّ وَجَمَالٌ وَقُوَّةٌ وَغِنىً، وَلَهُم فِيهَا مَنَافِعُ كَثِيرَةٌ وَعَلَيهَا وَعَلَى الفُلكِ يُحمَلُونَ، قَالَ - جَلَّ وَعَلا -: ﴿ وَالأَنعَامَ خَلَقَهَا لَكُم فِيهَا دِفءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنهَا تَأكُلُونَ. وَلَكُم فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسرَحُونَ. وَتَحمِلُ أَثقَالَكُم إِلى بَلَدٍ لم تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلاَّ بِشِقِّ الأَنفُسِ إِنَّ رَبَّكُم لَرَؤُوفٌ رَحِيمٌ. وَالخَيلَ وَالبِغَالَ وَالحَمِيرَ لِتَركَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخلُقُ مَا لا تَعلَمُونَ. وَعَلَى اللهِ قَصدُ السَّبِيلِ وَمِنهَا جَائِرٌ وَلَو شَاءَ لَهَدَاكُم أَجمَعِين ﴾ وَقَالَ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّم -: "الإِبِلُ عِزٌّ لأَهلِهَا، وَالغَنَمُ بَرَكَةٌ، وَالخَيرُ مَعقُودٌ في نَوَاصِي الخَيلِ إِلى يَومِ القِيَامَةِ" أَخرَجَهُ ابنُ مَاجَه وَغَيرُهُ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ.

عِبَادَ اللهِ:
يَكفِي الإِبِلَ فَضلاً وَشَرَفًا، أَنَّ اللهَ - تَعَالى - جَعَلَهَا خَيرَ مَا يُهدَى إِلى بَيتِهِ الحَرَامِ وَجَعَلَهَا مِن شَعَائِرِهِ، قَالَ - سُبحَانَهُ -: ﴿ وَالبُدنَ جَعَلنَاهَا لَكُم مِن شَعَائِرِ اللهِ لَكُم فِيهَا خَيرٌ فَاذكُرُوا اسمَ اللهِ عَلَيهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَت جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنهَا وَأَطعِمُوا القَانِعَ وَالمُعتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُم لَعَلَّكُم تَشكُرُونَ ﴾ أَلا فَاتَّقُوا اللهَ - تَعَالى - وَكُونُوا مِنَ النَّاظِرِينَ إِليهَا نَظرَ تَفَكُّرٍ وَاعتِبَارٍ، وَلا تَكُونُوا مِنَ المُتَبَاهِينَ بها مِن أَهلِ الكِبرِ وَالفَخَارِ، فَإِنَّ للهِ غَيرَهَا في الأَرضِ وَالسَّمَاوَاتِ آيَاتٍ بَاهِرَاتٍ، لَكِنَّ أَهلَ العُقُولِ الرَّاجِحَةِ الزَّاكِيَةِ هُمُ المُتَدَبِّرُونَ المُنتَفِعُونَ ﴿ إِنَّ في خَلقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرضِ وَاختِلاَفِ اللَّيلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لأُولي الأَلبَابِ. الَّذِينَ يَذكُرُونَ اللهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِم وَيَتَفَكَّرُونَ في خَلقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرضِ رَبَّنَا مَا خَلَقتَ هَذَا بَاطِلاً سُبحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ. رَبَّنَا إِنَّكَ مَن تُدخِلِ النَّارَ فَقَد أَخزَيتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِن أَنصَارٍ. رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعنَا مُنَادِيًا يُنَادِي للإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُم فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الأَبرَارِ. رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلا تُخزِنَا يَومَ القِيَامَةِ إِنَّكَ لا تُخلِفُ المِيعَادَ ﴾ وَأَمَّا المُسرِفُونَ فَإِنَّهُم لا يَهتَدُونَ ﴿ وَكَأَيِّن مِن آيَةٍ في السَّمَاوَاتِ وَالأَرضِ يَمُرُّونَ عَلَيهَا وَهُم عَنهَا مُعرِضُونَ ﴾ وَتِلكَ نَتِيجَةُ الإِسرَافِ ﴿ إِنَّ اللهَ لا يَهدِي مَن هُوَ مُسرِفٌ كَذَّابٌ ﴾ أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيطَانِ الرَّجِيمِ ﴿ إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِن قَومِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيهِم وَآتَينَاهُ مِنَ الكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالعُصبَةِ أُولي القُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَومُهُ لا تَفرَحْ إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الفَرِحِينَ. وَابتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنيَا وَأَحسِنْ كَمَا أَحسَنَ اللهُ إِلَيكَ وَلا تَبغِ الفَسَادَ في الأَرضِ إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ المُفسِدِينَ. قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلمٍ عِندِي أَوَلم يَعلَمْ أَنَّ اللهَ قَد أَهلَكَ مِن قَبلِهِ مِنَ القُرُونِ مَن هُوَ أَشَدُّ مِنهُ قُوَّةً وَأَكثَرُ جَمعًا وَلا يُسأَلُ عَن ذُنُوبِهِمُ المُجرِمُونَ. فَخَرَجَ عَلَى قَومِهِ في زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الحَيَاةَ الدُّنيَا يَا لَيتَ لَنَا مِثلَ مَا أُوتيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ. وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا العِلمَ وَيلَكُم ثَوَابُ اللهِ خَيرٌ لِمَن آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلا يُلَقَّاهَا إِلاَّ الصَّابِرُونَ. فَخَسَفنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الأَرضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِن فِئَةٍ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ اللهِ وَمَا كَانَ مِنَ المُنتَصِرِينَ. وَأَصبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوا مَكَانَهُ بِالأَمسِ يَقُولُونَ وَيكَأَنَّ اللهَ يَبسُطُ الرِّزقَ لِمَن يَشَاءُ مِن عِبَادِهِ وَيَقدِرُ لَولا أَن مَنَّ اللهُ عَلَينَا لَخَسَفَ بِنَا وَيكَأَنَّهُ لا يُفلِحُ الكَافِرُونَ. تِلكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا في الأَرضِ وَلا فَسَادًا وَالعَاقِبَةُ لِلمُتَّقِينَ ﴾.

الخطبة الثانية
أَمَّا بَعدُ:
فَاتَّقُوا اللهَ - تَعَالى - وَأَطِيعُوهُ وَلا تَعصُوهُ، وَاعلَمُوا أَنَّكُم مُلاقُوهُ فَاذكُروهُ وَاشكُرُوهُ وَلا تَكفُرُوهُ.

أَيُّهَا المُسلِمُونَ:
لَيسَ العَجَبُ مِن حُبِّ العَرَبِ لِلإِبِلِ، فَهُوَ نِتَاجُ عِلاقَةٍ فِطرِيَّةٍ طَبِيعِيَّةٍ، أَنبَتَتهَا الحَاجَاتُ وَدَعَت إِلَيهَا الضَّرُورَاتُ، وَأَحكَمَتهَا الأَيَّامُ وَالسَّنَوَاتُ، وَأَورَثَهَا الأَجدَادُ لِلآبَاءِ وَغُذِّيَ عَلَيهَا الأَحفَادُ وَالأَبنَاءُ، حَتى جَعَلَ أَحَدُهُم يُطعِمُ ذَودَهُ كَمَا يَغذُو وَلَدَهُ، بَل وَيُعطِي مِن وَقتِهِ لِرَعيِ نَعَمِهِ وَالاعتِنَاءِ بها مَا لا يُعطِيهِ أَهلَهُ وَمَن تَحتَ يَدِهِ، لَكِنَّ هَذَا لَيسَ بِغَرِيبٍ وَلا مُستَنكَرًا، وَلَكِنَّ المُستَنكَرَ حَقًّا أَن يَنسَاقَ فِئَامٌ مِنَ النَّاسِ اليَومَ وَرَاءَ مَا تُملِيهِ عَلَيهِم دَوَاعِي أَنفُسِهِم وَيَجرُوا خَلفَ نَزَوَاتِهَا، وَيَستَسلِمُوا لِتَوهِيمَاتِ الشَّيَاطِينِ وَيَنقَادُوا لِنَزَغَاتِهَا، وَتُؤُزَّهُمُ الجَاهِلِيَّاتُ أَزًّا فَتَطِيشَ أَحلامُهُم وَتَسفَهَ عُقُولُهُم، وَتَعمَى بَصَائِرُهُم لِشَهوَةِ أَبصَارِهِم، فَيَجعَلُوا مِن هَذَا المَخلُوقِ الَّذِي جَمَّلَهُ اللهُ وَأَمَرَهُم بِالنَّظَرِ إِلَيهِ لِلاعتِبَارِ، مَجَالاً لِلتَّبَاهِي وَالافتِخَارِ، وَيُغَالُوا في ثَمَنِهِ حَتى يُجَاوِزُوا بِهِ آلافَ الآلافِ، ثم يُحِيطُوا كُلَّ ذَلِكَ بِاجتِمَاعَاتٍ وَاحتِفَالاتٍ، وَيُقِيمُوا عَلَيهَا خِيَامًا وَسُرَادِقَاتٍ، تَبرُزُ فِيهَا دَوَاعِي الكِبرِ وَالأَشَرِ، وَيَظهَرُ فِيهَا التَّعَالي وَالبَطَرُ، وَيَغِيبُ عَنهَا مُنَادِي التَّقوَى وَالإِيمَانِ وَدَاعِي شُكرِ الرَّحمَنِ، فَتُذبَحُ المِئَاتُ مِنَ النَّعَمِ وَالغَنَمِ، لِيُقَالَ فُلانٌ كَرِيمٌ أَو جَوَادٌ، وَاللهُ يَعلَمُ أَنَّهُ قَد لا يَكُونُ عَرَفَ الكَرَمَ في حِيَاتِهِ وَلا مَشَى في الجُودِ يَومًا وَلا سَمَحَت بِهِ نَفسُهُ، وَإِلاَّ لأَنفَقَ ممَّا رَزَقَهُ اللهُ فِيمَا يُحِبُّهُ اللهُ وَيَرضَاهُ، وَلَتَحَرَّى سُبُلَ الخَيرِ وَأَبوَابَ المَعرُوفِ، وَلَبَحَثَ عَنِ الفُقَرَاءِ وَالمَسَاكِينِ وَالمُحتَاجِينَ، وَلَتَجَافى عَن إِخوَانِ الشَّيَاطِينِ مِنَ المُبَذِّرِينَ المُسرِفِينَ، وَلَكِنَّ كَثِيرًا مِن هَؤُلاءِ يَمُرُّونَ عَلَى مَشرُوعَاتِ الخَيرِ مُصبِحِينَ وَبِاللَّيلِ، وَيَرَونَ حَولَهُم مَن يَتَقَلَّبُونَ في الفَقرِ وَالمَسكَنَةِ، وَتُمَدُّ إِلَيهِم أَيدٍ تَستَجدِي وَتَستَعطِي، فَلا يَهُونُ عَلَى أَحَدِهِم أَن يُنفِقَ قَلِيلاً لِوَجهِ اللهِ، فَإِذَا مَا دَعَاهُ دَاعِي الهَوَى وَأَحَاطَ بِهِ المُفَاخِرُونَ، عَمَدَ إِلى نِعَمِ اللهِ يُبَدِّدُهَا وَيَعِيثُ فِيهَا فَسَادًا ﴿ وَاللهُ لا يُحِبُّ المُفسِدِينَ ﴾ وَمِن ثَمَّ فَلا عَجَبَ أَلاَّ تَجنيَ الأُمَّةُ بِسَبَبِ هَذَا الطُّغيَانِ إِلاَّ غَلاءَ الأَسعَارِ وَقِلَّةَ الأَمطَارِ، وَنَزعَ البَرَكَاتِ وَذَهَابَ الخَيرَاتِ، فَنَسأَلُ اللهَ أَلاَّ يُؤَاخِذَنَا بما فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا. فَاتَّقُوا اللهَ - عِبَادَ اللهِ - وَالزَمُوا الشُّكرَ فَإِنَّهُ قَيدُ النِّعَمِ، وَجَانِبُوا الإِسرَافَ فَإِنَّهُ جَالِبٌ لِلنِّقَمِ، وَاحذَرُوا الفَخرَ وَأَهلَهُ فَإِنَّهُ سَبَبٌ لِلبَغيِ وَالظُّلمِ، قَالَ - عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ -: "إِنَّ اللهَ أَوحَى إِليَّ: أَن تَوَاضَعُوا حَتى لا يَفخَرَ أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ وَلا يَبغِيَ أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ" رَوَاهُ مُسلِمٌ. وَإِذَا اقتَنَى النَّاسُ حُمْرَ النَّعَمِ وَتَبَاهَوا بها وَتَفَاخَرُوا، فَاسمَعُوا إِلى شَيءٍ ممَّا هُوَ خَيرٌ مِن ذَلِكَ وَعُوا، قَالَ - عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ -: "لأَن يَهدِيَ اللهُ بِكَ رَجُلاً وَاحِدًا، خَيرٌ لَكَ مِن أَن يَكُونَ لَكَ حُمْرُ النَّعَمِ" مُتَّفَقٌ عَلَيهِ، وَقَالَ - عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ -: "أَيُّكُم يُحِبُّ أَن يَغدُوَ كُلَّ يَومٍ إِلى بُطحَانَ أَوِ إِلى العَقِيقِ فَيَأتيَ مِنهُ بِنَاقَتَينِ كَومَاوَينِ زَهرَاوَينِ في غَيرِ إِثمٍ وَ لا قَطعِ رَحِمٍ؟ فَلأَن يَغدُوَ أَحَدُكُم إِلى المَسجِدِ فَيَتَعَلَّمَ أَو يَقرَأَ آيتَينِ مِن كِتَابِ اللهِ خَيرٌ لَهُ مِن نَاقَتَينِ، وَثَلاثٌ خَيرٌ لَهُ مِن ثَلاثٍ، وَأَربَعٌ خَيرٌ لَهُ مِن أَربَعٍ وَمِن أَعدَادِهِنَّ مِنَ الإِبِلِ" رَوَاهُ مُسلِمٌ وَغَيرُهُ، وَقَالَ - عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ -: "إِنَّ اللهَ - عَزَّ وَجَلَّ - زَادَكُم صَلاةً إِلى صَلاتِكُم هِيَ خَيرٌ لَكُم مِن حُمْرِ النَّعَمِ أَلا وَهِيَ الرَّكعَتَانِ قَبلَ الفَجرِ" رَوَاهُ البَيهَقِيُّ وَغَيرُهُ وَقَالَ الأَلبَانيُ: إِسنَادُهُ جَيِّدٌ.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 60.21 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 58.50 كيلو بايت... تم توفير 1.71 كيلو بايت...بمعدل (2.84%)]