دور العلماء في تجديد الدين - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 5064 - عددالزوار : 2266258 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4647 - عددالزوار : 1543559 )           »          من كفارات الذنوب (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 22 )           »          ثبوت صوم النبي أيام التسع من ذي لحجة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 23 )           »          قراءة القرآن أفضل في عشر ذي الحجة أم التكبير (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 27 )           »          ترك الإنجاب لئلا يولد طفل فاسد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 21 )           »          حديث في فضائل العشر لا أصل له (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 23 )           »          حكم الإجهاض بغير علم الزوج (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 23 )           »          خمس عشرة وصية في استثمار عشر ذي الحجة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 19 )           »          الخوف من الانتكاسة والزيغ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 24 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى الشباب المسلم
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى الشباب المسلم ملتقى يهتم بقضايا الشباب اليومية ومشاكلهم الحياتية والاجتماعية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 29-01-2020, 06:42 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 165,400
الدولة : Egypt
افتراضي رد: دور العلماء في تجديد الدين


6- المجال السادس: حماية الدِّين، والدِّفاع عنه، والجهاد في سبيله:
وهذا يشمل الجهادَ بكلِّ أنواعه؛ جهادَ الكلمة، وجهاد المال، وجهاد النَّفس، سواءٌ في وجه الكفَّار أعداءِ الدِّين المُحاربين له، أو أصحاب العقائد الشِّركية الباطلة على اختلاف مِللهم ونِحَلهم، والوقوف في وجه أهل الزَّيغ والانحراف والابتداع، المنتسبين إلى الإسلام، وما أكثرَهم!

وعند هذه النقطة ينبغي أن نقف قليلاً؛ لنتأمَّل في ظاهرة تجديد الخطاب الدِّيني، والَّتِي يرفعها أدعياءُ التجديد، ويريدون منها هَدْمَ الدِّين، وتَغيير خواصِّه ومعالِمِه الأصليَّة, ولا شكَّ أنَّ خطر هؤلاء يفوق خطر الأعداء المعلنين بعداوتهم, والتحدِّي الذي يواجهه الإسلام ليس تحدِّيًا خارجيًّا من قِبَل أعداء الإسلام، بل يكمن التحدِّي في الإقرار بأنَّ الإسلام دينُ الحقِّ، ثُمَّ محاولة تفريغه بعد ذلك من مضمونه الحقيقيِّ، فيتحوَّل الإسلام إلى مظهرٍ أجوف، لا ثَمرة له، وذلك من قِبَل أشخاصٍ يَظهرون في زيٍّ وسَمْت إسلامي، ويُقَدَّمون لعامَّة الناس بأسماء المفكِّرين الإسلاميين! فلا بد من الوقوف على دعوة هؤلاء، وبيان مُرادهم من التَّجديد، ومنطلقاتهم وأصولهم، ثم الحصادِ الذي وصلوا إليه، ثم التحذير منهم.

تعريف التجديد المنحرف:
فالتجديد عند هؤلاء يعني: تطويرَ الدِّين، وتعديلَه بالزِّيادة عليه، والحذفِ منه، وتهذيبَه؛ ليتلاءمَ مع المفاهيم السَّائدة في العصر الحديث, وهو نسخة طبق الأصل لِحَركة تطوير الدِّين التي نشأت عند الغربيِّين باسم العصرانيَّة، يقول "منير البعلبكيُّ" في تعريفه للعصرانيَّة هي: "أيُّ وجهةِ نظر في الدِّين، مبنيَّة على الاعتقاد بأن التقدُّم العِلمي والثقافيَّ المعاصِرَيْن يَستلزمان إعادةَ تأويل التعاليم الدِّينية التقليديَّة، على ضوء المفاهيم الفلسفيَّة والعِلمية السَّائدة"[19].

وللإنصاف؛ فإنَّ دُعاة التجديد الواقعين تحت تأثير العصرانيَّة ليسوا سواءً؛ فمِنهم الماكر المرتَدُّ الذي يكيد للإسلام، ويسعى لتدميره، متخفِّيًا بأقنعة "الإسلام المستنير"، أو "المنفتح", ومنهم مَن تَحوم حوله شبهاتٌ قويَّة في عمالتِه، والله أعلمُ بِحاله, ومنهم الجاهل المضلَّل الذي قادَتْه غفلتُه، أو شهوته ومآربُه إلى ركوب موجة تطوير الإسلام, ومنهم العالِمُ الفاضل الذي آلَمه حالُ المسلمين، وقلَّ صبره، واستيئس من انتصار الدِّين، وظنَّ أنه لا سبيلَ لعودة الإسلام إلى واجهة الحياة إلاَّ بالانحناء للعاصفة، والمُصالحة مع الواقع المفروض على المسلمين.

ونحن هنا لا نُحاكم الأشخاص، وإنَّما نكشف عن انحراف الأفكار، بغضِّ النَّظر عن أصحابها ومراميهم، ونقرِّر أن كلَّ اجتهاد طال قطعيَّاتِ الإسلامِ وثوابتَ الشريعة وأحكامَها المستقِرَّة، ودعا إلى نقض ما أجمعَت عليه الأُمَّة فهو اجتهادٌ منحرِف، وتجديدٌ باطل، بِصَرف النَّظر عن الأشخاص والنَّوايا.

وأخطَرُ ما انتهى إليها التجديد المنحرفُ أنه انتقل من أشخاصٍ وأفراد معدودين، نبَذَهم الناسُ وعرفوا ضلالَهم وانحرافهم إلى أن تتبنَّاه جماعاتٌ وأحزاب وتيَّارات إسلامية كبرى، ويصبح منهجًا وبرنامجًا لها، تطرحه على الملأ، وتعرضه للرَّأي العامِّ على أنَّه الإسلامُ الذي تؤمن به، وتسعى لأن تَصِل إلى الحُكْم من خلاله، وهو نُسخة لا تختلف كثيرًا عمَّا يطرحه العلمانيُّون واللِّبيراليُّون المبهورون بالحضارة الغربيَّة، بل خطورته أشدُّ؛ لأنَّه لا يطرح نفسه عدوًّا للإسلام، أو مُعارضًا لقِيَمِه، بل باسم الإسلام نفسه.

والمُتابِع لما يطرحه أصحابُ التجديد المنحرف، سواءٌ المستقل منهم والمستكثر، يرى بوضوحٍ أنَّ سبب هذا الانحراف يعود لأمورٍ، أبرَزُها:
1- الإعجاب الكبير بالحضارة الغربيَّة، وضعف الثِّقة بكمال الشريعة، ووفائها بحاجات البشَر:
فقديمًا كان انْحِراف الفِرَق الضالَّة، كالمعتزلة، وامتداداتها، وملحقاتها؛ بسبب الفلسفة اليونانيَّة الغربيَّة، التي تُرجِمَت إلى اللُّغة العربيَّة، فأُعجِب بها بعضُ الناس، ونظروا إليها نظرةَ كمالٍ، ثُمَّ أخذوا يطوِّعون الشريعة ونصوصَها إلى ما يتوافق مع مُعطيات الفلسفة اليونانيَّة.

واليوم عادت الحضارة الغربيَّة لِتَغزو أفكارَ بعض الكُتَّاب والمثقَّفين، وتبهرهم، فتصوَّروا أنَّها منتهى الكمال البشري، والرُّقي الإنساني، وأصبحَتْ غايةُ الأماني أن نَعقد مصالحةً بين الإسلام بِنُظمه وتشريعاتِه، وما انتهت إليه الحضارة الغربيَّة، لا على أساس هيمنة الشَّريعة، ولا حتَّى النِّدِّية مع الحضارة الغربيَّة، بل على أساسِ أنَّ الحضارة الغربيَّة هي المِثال الأعلى والأكمل، وهي القائد المتبوع، وأنَّ النُّصوص الشرعيَّة يجب أن تُؤَوَّل وتطوَّع بل تُحذَف؛ لِتُوائِم وتوافِق تلك الحضارةَ، وليس من قبيل المصادفةِ أن تكون منظومةُ الأحكام التي طالَها تحريفُهم هي فقط تلك التي لا تُعجب الغرب.

2- غلَبة النظرة الماديَّة عليهم:
إذْ يغيب عنْ هؤلاء المتأثِّرين بحضارة الغرب أنَّ مقياس التقدُّم والحضارة في ميزان الله يحدِّده قرب الإنسان من ربِّه، وتحكيمه لشرعه، قال تعالى: ï´؟ كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ [إبراهيم: 1] وقال سبحانه: {هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلَى عَبْدِهِ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ} ï´¾ [الحديد: 9].

وكلُّ مَن له أدنى بصيرة بِمَقاصد الشَّريعة، وأدنى اطِّلاعٍ على نصوص القرآن والسُّنة، يدرِكُ بشكل قاطعٍ أن غاية الوجود تحقيقُ العبودية لله سبحانه, والعمل من أجل الآخرة، أما العمل الدُّنيوي وعمارة الأرض فقيمتُه تنحصر في خدمته للهدف الأساس، وهو عبادة الله سبحانه، وتحكيم شرعه.

إلاَّ أن أصحاب التجديد المنحرف عكسوا الأمور، فجعلوا العمارة المادِّية هي الأصلَ والغاية؛ مُتابِعين بذلك نظرةَ الغرب الماديَّة، أما العمل للآخرة فيحتلُّ مكانًا ثانَوِيًّا عندهم، وتناسى هؤلاء أنَّ الفراعنة وعادًا وثَمود وغيرَهم شيدوا حضاراتٍ عظيمةً وعريقة في التَّاريخ، لكنها لَم تُغْنِ عنهم شيئًا من عذاب الله ومَقْتِه حين ضيَّعوا أمره ومرادَه، فكفروا به وكذَّبوا رسُلَه، فحاق بِهم سوءُ العذاب، وأصبحت حضارتُهم أثرًا بعدَ عينٍ، وآيةً لِمن بعدهم.

أصول التجديد المنحرف:
يقوم التجديد المنحرف على أصول فاسدة، أهَمُّها:
تعظيم دور العقل، وتقديمه على النقل:
وهذه لوثة، ورِثُوها عن المعتزلة، وهم لا ينكرون ذلك، بل يفاخرون به؛ يقول "محمد عمارة" مشيدًا بِمَنهج المعتزلة: "لقد أحبُّوا عرض النُّصوص والمأثورات على العقل؛ فهو الحكم الذي يميِّز صحيحَها من منخولها، ولا عبرة بالرُّواة ورجال السَّند مهما كانت حالاتُ القداسة التي أحاطهم بها المُحَدِّثون, وإنَّما العبرة بِحُكم العقل في هذا المقام"[20]!

وضع شروط للعمل بالنصوص منها:
1- اشتراط التواتُر في مسائل العقيدة:
وهي بدعة أحدثَتْها الفِرَق الكلاميَّة قديمًا، فتلقَّفها أدعياءُ التجديد حديثًا، ولَم يكتفوا باشتراط ذلك في مسائل العقيدة، بل ضَمُّوا إليها الأحكامَ في ميدان التشريعات الدستوريَّة بِما في ذلك نظم الحُكم والحدود الشرعيَّة، والمعاملات الماليَّة؛ وذلك تمهيدًا لقبول القوانين الوضعيَّة.

يقول الغنوشي: "الإطار القانونيُّ والعقائدي والأخلاقي للدَّولة الإسلاميَّة يُمكن إجماله في كلمةٍ واحدة: (النَّص)؛ أيُّ نصٍّ يُوحى؛ كتابًا وسنَّة، قطعي الورود والدلالة، وهو الدُّستور الأعلى للدولة الإسلاميَّة"[21].

2- محاصرة عموم النُّصوص:
حيث يسعون جاهدين لتطويق دلالات النُّصوص، وحصرها في أطرٍ زمانيَّة ومكانية وعينيَّة؛ يقول "فهمي هويدي": "ليس كلُّ توجيه نبويٍّ يَنصح به المسلمون في كلِّ زمانٍ ومكان، يعدُّ سُنَّة تتَّبَع وتُحتذى، بل إنَّ مِن تلك التوجيهات والتعاليمِ ما ارتبط بِظُروف تغيَّرَت، أو استهدفت علَّة، أو مصلحةً لَم تعد قائمة"، وعليه يرى أنَّ أحكام الرَّقيق والعِتق والحجاب والتَّصوير كلها لَم يَعُد لَها محلٌّ أو مكان[22].

ويقول الكاتب "محمد سعيد عشماوي القسماوي": "إنَّ قاعدة العبرة بعموم اللفظ إنَّما صاغها الفقه الإسلاميُّ وتبنَّاها في عصور الانحطاط العقليِّ"[23].

3- تقديم مطلق المصلحة على النص:
فتنسج عقولُهم مصالِحَ، فإذا ما عارضَت نصوصَ الشَّريعة قدَّموها عليها.
يقول الغنوشي: "يُمكن على أساس المصلحة تعليقُ العمل بنصٍّ ظنِّي"[24].

ويدَّعي "محمد عمارة" أنَّ سيِّدنا عمرَ كان مِمَّن يقدِّم المصلحة على النُّصوص، وكمِثالٍ على تقديم المَصلحة عندهم على النُّصوص: يرَون أنَّ المصلحة تقضي اتِّفاق الناس، ونبْذَ التعصُّب فيما بينهم، وهذا يقتضي التَّسوية بين الناس؛ مُسْلِمهم وكافرِهم، وإطلاق الدَّعوات إلى الحوار بَيْن الأديان، أو على الأقلِّ إلغاء أحكام الولاء والبَراء الَّتي تضبط التَّعامُل مع الكُفَّار.

4- الاكتفاء بِمَقاصد النُّصوص وروحها دون أحكامها التفصيليَّة، وتقديمها على النُّصوص:
فقد دعا أصحابُ التجديد المُنحرف إلى اعتماد الفقه المقاصديِّ للإسلام، وأن تُفهَم النُّصوص وتؤوَّل على ضوء المقاصد الكُبْرى، كالعدل والتَّوحيد، والحرِّية والإنسانية، وغيرها، وأن يحكم على الأحاديث صحَّة وضعفًا، لا حسب منهج المحدِّثين في تَحقيق الرِّوايات، بل حسب مُوافقتِها أو مُخالفتها للمقاصد.

يقول "سليم العوا": "ولذلك كان الالتزامُ الإسلاميُّ في المَجال السِّياسي بالقِيَم السياسية وحْدَها دون التفاصيل كلِّها"[25].
فكلُّ حكمٍ له مقصد؛ فحيث أمكننا تحقيقُ المقصد، فلسنا مُلزَمين بوسيلته التفصيليَّة؛ مثل: حجاب المرأة، المقصود منه العفَّة، وليس خصوص الحجاب، فإذا أمكن تحقيقُ هذا المقصد بوسيلةٍ أخرى غير الحجاب، فلا داعي لإلزام النِّساء به.

5- تاريخية التشريع:
فيجعلون ما ورد من النُّصوص في جانبٍ من جوانب الحياة مرتبطًا بالتاريخ مفسَّرًا به, فيجعلون قطْعَ يدِ السارق مثلاً إنَّما كان حلاًّ لعدم وجود السجن زمن الرَّسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - وأحكام أهل الذِّمة مرتبطة بظروف الحَرب التي نشأَت بين المسلمين وغيرهم، وليست أحكامًا عامَّة، وكذلك سائر أحكام الولاء والبَراء، والرِّق والجِزْية.

وكأنَّ الشريعة خاصَّة بزمن الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - وما قرب منه, ولم تَعُد صالحة لزماننا، وكم يضيق صدرُ هؤلاء بقول الإمام مالكٍ - رحمه الله -: لن يصلح آخر هذه الأمَّة إلاَّ بِما صلَحَ به أوَّلُها، وما لَم يكن يومَها دينًا، لا يكون اليوم دينًا.

6- عزل النصوص عن فهم السلف وتطبيقاتهم لها:
وأنَّ المقدَّس هو النصُّ فقط، أمَّا فهْمُ النُّصوص وتطبيقاتُها فهي تجارب تاريخيَّة، غير ملزِمة، نأخذ منها ما يتَّفِق وعصرَنا، ونردُّ ما لا يُلائم عصرنا.

7- اختراع علل للأحكام لا عهد للأولين بها:
كتعليلهم لتحريم الرِّبا باستغلال حاجة الفقراء، وهذا يتجسَّد في القروض الاستهلاكيَّة الَّتي يأخذها الفقراء من أجْل سدِّ حاجاتِهم المعيشيَّة؛ من مأكل، ومشرب، وملبس، ومسكن.
أمَّا القروض الإنتاجيَّة فالعِلَّة فيها غير محقَّقة، فلا تكون حرامًا.

8- التيسير والتخفيف:
لا على أساس أنَّ التيسير صبغةٌ طَبَعت أحكامَ هذا الدِّين، وأنَّ الشارع هو الذي يرخِّص وييسِّر, بل على أنَّ كل ما استثقله الناسُ ينبغي أن يُخَفَّف عنهم، فغدا التيسيرُ والتخفيف عندهم تسيُّبًا وانفلاتًا.

9- تقسيمهم السُّنة إلى تشريعية وغير تشريعية:
فيُخرِجون كلَّ ما كان في باب الآداب والهيئات والعادات من السُّنة، ويَحْصرون السُّنة التي يَلزمنا الخضوع لها فيما كان في أبواب الاعتقاد والعبادات فقط، مُسقِطين بذلك ألوفَ النُّصوص المتناوِلة لكلِّ شأنٍ من شؤون حياة الإنسان العامَّة والخاصة.

10- تتبُّع زلات العلماء وشذوذاتهم: وتصيُّد أخطائهم وسقطاتِهم، واتِّخاذ ذلك دينًا، وقد عدُّوا كلَّ ما ذُكِر في كتب الفقه من آراء واختلافاتٍ حُججًا شرعيَّة، مهما بَعُدَ مأخذها، ولَم يكتفوا بالمذاهب السُّنية، بل ضمُّوا إليها مذاهب الشِّيعة بفِرَقِها المتعدِّدة، والخوارج، وغيرهم.

حصاد التجديد المنحرف:
تَمخَّضَت هذه الأصول وتلك التقريراتُ التي اخترعها أصحاب التجديد المنحرف عن ولادة إسلامٍ جديدٍ، لا تربطه بالإسلام الذي أنزله الله - سبحانه وتعالى - إلاَّ جملةٌ من القِيَم والكُلِّيات الواسعة الفضفاضة، الفارغة والخاوية من المُحتوى؛ من قبيل الوَحْدة، والتسامُح، والعدالة، وصيانة الحقوق...

فلم يعد الإسلامُ إسلامَ الجهاد في سبيل الله؛ لنشر دعوة الله بين العالَمين؛ لأنَّ هذا وفق الفهم العصريِّ والقانون الدوليِّ عدوانٌ وتوسُّع، تأباه الإنسانيَّة المتمدِّنة.

وليس الإسلام الذي يَحكم الناس بكتاب الله وسُنة رسوله - صلَّى الله عليه وسلَّم - لأنَّ هذا يتنافى مع حُرِّية الشعوب وحقِّها في أن تَختار ما تشاء من نُظم وتشريعات.
وليس إسلام الولاء والبراء على أساس الدِّين؛ لأنَّ ذلك يُخالف قِيَم التحضُّر.
وليس هو الإسلام الذي يَمنع الرِّبا؛ لأنَّ ربا اليوم ليس كربا الأمس.
وليس إسلامَ تقديمِ كلام الله ورسوله على ما سواهما؛ لأنَّ هذا تنطُّع وتشدد.
وليس هو إسلام التزامِ المرأة بما حدَّه الله لها من حشمةٍ وستر؛ لأنَّ هذا يعبِّر عن نظرة دونيَّة للمرأة، وقلَّة ثقة بها.
وليس هو إسلام الثَّبات الذي يبقى فيه الحلالُ حلالاً، والحرام حرامًا؛ لأن هذا لا يراعي خصوصيَّات الزمان والمكان، والمستجدَّات العصرية...

إلى آخر هذه القائمة التي تطول وتطول، وكأن الدِّين (موضة) من (الموضات)، ونظريَّة من النظريَّات التي تتبدَّل وتتغيَّر تبعًا لتقلُّبات الزمن والمكان.

وأصبح من المألوف - باسْم تجديد الخطاب الدِّيني والوسطيَّة - أن نرى ندواتٍ وحوارات ونقاشات حول ثوابِتَ استقرَّ حكمُها طيلة القرون الماضية؛ كالحجاب، وحدِّ المرتد، وقوامة الرِّجال على المرأة، وحاكميَّة الشريعة، والمثليَّة الجنسية، وحرمة بقاء المرأة التي تَدخل في الإسلام تحت زوجها الكافِر، وأصبح كثيرٌ من الدُّعاة الإسلاميين يروِّج بِحَماس للديمقراطيَّة؛ على اعتبار أنَّها أمثل النُّظُم لِحُكم مجتمع متعدِّد الثقافات, ويَجهر بأن السِّيادة للشعب، وأن الحُكم الأعلى في اختيار نوع الحكم الذي يُحكَم به الناس هو الشَّعب.

وهكذا جاء تجديدُيهم في الدِّين عاصفةً هَوْجاء ما تركت أصلاً من أصول الدِّين، ولا فرعًا من فروعه لا يتَّفِق مع أهواء الغربيِّين، إلاَّ نسفَتْه نسفًا، ودمَّرته تدميرًا, ولا يشكُّ المتابع لإفساد هؤلاء أنَّهم مَن يصدق فيهم قولُه - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((وإنَّه ليَخرُج في أمتي أقوام تتجارى بِهم الأهواء كما يتجارى الكلب بصاحبِه، لا يَبقى منه عرق ولا مفصل إلاَّ دخَلَه)).

فالواجب على العلماء الربَّانيين، والدُّعاة إلى الله - سبحانه وتعالى - أن يُقابِلوا هذه الهجمة مِن قِبَل هؤلاء بهجمةٍ مقابِلة، وردٍّ متكافِئ، في منتهى الوضوح والبيان، والتفصيل والحزم، بعيدًا عن التَّعميم والتداخُل في الألفاظ، والمُناوَرات الكلاميَّة، وتَمييع القضايا، فالأمر جِدٌّ لا هزل فيه، وقد قال تعالى: ï´؟ وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ ï´¾ [القلم: 9].

والواجبُ علينا أن نُجاهِر، ونرفع صوتنا عاليًا بأنَّ ديننا هو الحقُّ بكلِّ نظُمِه وأحكامه وتشريعاته، وفيه وحدَهُ الصَّلاح والإصلاح للبشريَّة جمعاء, وفيه كفايةٌ ووَفاء لكلِّ أحوال الناس ومتطلَّبات البشر, وأنَّ ما عداهما من نُظم وقوانين تُخالف شرع الله تِيهٌ وضلال، وكُفر بالله، ومُنازَعة له في حكمه.

نسأل الله تعالى أن يثبِّتَنا على الدِّين، وأن يُرِيَنا الحقَّ حقًّا، والباطل باطلاً، كما نسأله أن يجنِّبَنا الفِتَن، ما ظهر منها وما بطن، وأن يعصمنا من الزيغ، إنَّه سميعٌ قريب، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالَمين.
[1] "لسان العرب", (2/ 202).

[2] "التجديد في الفكر الإسلامي", ص 19.

[3] البخاري, 3271 و 3196.

[4] "المستدرك على الصحيحين" (4/ 522).

[5] البخاري, 419.

[6] ابن ماجه, (4048)، وصحَّحه الألباني.

[7] "صحيح مسلم", 2673.

[8] "صحيح مسلم", 145.

[9] "مجموع الفتاوى" (19/ 194).

[10] ابن ماجه.

[11] أبو داود, 4607 وصححه الألباني.

[12] الترمذي, 2641 وصححه الألباني.

[13] "الحِلْية" (8/ 255).

[14] "الحجة في بيان المحجَّة" 2/ 437.

[15] "الموافَقات", (1/ 87).

[16] "الرسالة", ص 457 - 458.

[17] الكفاية في علم الرِّواية, ص 48.

[18] "مقدمة الجَرْح والتعديل" (1/ 2).

[19] "المورد" قاموس إنكليزي عربي, منير بعلبكي, ص 586.

[20] "تيارات الفكر الإسلامي", ص 70, 71.

[21] "الحريات العامة في الإسلام", ص 97.

[22] "التديُّن المنقوص", ص 189.

[23] "الحريات العامة في الإسلام", 241.

[24] "جريدة اسفير" 8/ 5/ 1997, مقال: "أفكار من أجل تحديث النَّظر إلى الإسلام"، ص 21.

[25] "الفقه الإسلامي في طريق التجديد", 49.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 64.76 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 63.06 كيلو بايت... تم توفير 1.71 كيلو بايت...بمعدل (2.64%)]