|
الملتقى الاسلامي العام مواضيع تهتم بالقضايا الاسلامية على مذهب اهل السنة والجماعة |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
|
#1
|
||||
|
||||
![]() شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع (كتاب الطهارة) شرح فضيلة الشيخ الدكتور محمد بن محمد المختار بن محمد الجكني الشنقيطي الحلقة (31) صـــــ229 إلى صــ238 [باب نواقض الوضوء] النواقض جمع ناقض، يقال: نقضتُ الشيءَ؛ إذا فكّكتُ طاقاتِه، فالنّقض ضدُّ الإِبرام، ويكون النَّقض في المحسوسات، وفي المعنويات. يكون في المحسوسات: فتقول نقضتُ البِناءَ، ومنه قوله عز وجل: {وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا} (1) فنقض الغزل نقض حسي.ويكون النقض معنوياً، ومنه قوله تعالى: {الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ} فهذا راجع إلى المعنويات، ومنه نقض الدّليل، والحجة. وقوله: [نواقض الوضوء]: أي مفسدات الوضوء، ومبطلاته، ولما كانت هذه المفسدات، والمبطلات متعددة، قال رحمه الله: [نواقض]: فجمعها إشارة إلى تعدّدها، وإختلافها، وذكر المصنف رحمه الله هذا الباب بعد الوضوء، والمناسبة فيه واضحة؛ لأن نقض الوضوء يكون بعد وقوعه، ووجوده. ولذلك يقولون النّقض يكون لما وُجد، لا لما لم يُوجَد فالشّخص لما يقول: نقضتُ البيتَ إنّما يكون بعد وجود البيت، لا قبل وجوده فالشيء غير الموجود لا ينقض، ولذلك بيّن لنا حقيقة الوضوء أولاً، ثم بعد بيانه ورد السؤال: متى يُحكم بانتقاضِ هذه الطهارةِ؟ فقال رحمه الله: [باب نواقض الوضوء]: تعبيره -رحمة الله عليه- بقوله: [نَواقضِ الوضوءِ] أدقّ من تعبير بعض العلماء بقوله: (باب نواقضِ الطهارةِ)، وذلك لأنّ الطهارة أعمّ من الوضوء لأنها تشمل الطهارتين، والمقصود هنا الطهارة الصغرى، وهي الوضوء فلم يكن التعبير بها متناسباً مع المضمون. قوله رحمه الله: [يَنقضُ ما خَرجَ مِنْ سَبيلٍ]: مراده -رحمه الله- أنه يُفْسِدُ الوضوء الذي وصفناه، وهو الوضوء الشرعي ما خرج من سبيل [ما] بمعنى: الذي أي: [الذي خَرجَ منْ سَبيلٍ] فنقف عند قوله: [ما خرج من سبيل] ما هو الشيء الذي عبر عنه بقوله [ما] والجواب: أنه لا يخلو إما أن يكون طاهراً، أو يكون نجساً، وفي كلتا الحالتين: إما أن يكون معتاداً، أو غير معتاد، وأيضاً لا يخلو إما أن يكون سائلاً، أو جامداً، أو ريحاً. وبناءً على ذلك النواقض تجمع ما يلي: أولاً: البول، وهو ناقض بالإجماع، ويخرج من القبل. ثانياً: الغائط، وهو ناقض بالإجماع، ويخرج من الدبر، فهذان ناقضان:أحدهما: من القبل. والثاني: من الدبر.متفق على أن خروج أي واحد منهما يوجب إنتقاض الطهارة. والدليل على ذلك: قوله تعالى: {أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ} (2) فإنه كنّى به عما يخرج من الإنسان إذا ذهب إلى هذا الموضع، ثم الخارج من القبل يكون بولاً، ومذياً، وودياً، ودم استحاضة وريحاً، وهي مسألة ذكرها بعض العلماء -رحمة الله عليهم- ويكون غير معتادٍ كأن يخرج الحصى، والدود فسنذكر تفصيل هذه الأمور المتعلقة بالقبل. ثم -أيضاً- الخارج من الدبر: إما أن يكون معتاداً كالغائط، والرِّيح، أو يكون غير معتادٍ على سبيل المرض كدم البواسير، والحصى، والدود.فهذه كلها من الخوارج التي تخرج من السبيل. ثم المصنف رحمه الله قال: [مِنْ سَبيلٍ]: والسبيل الطريق، والمراد بقوله: من سبيل إما القبل، أو الدبر يستوي أن يكون من ذكر، أو من أنثى. أما بالنسبة للبول فقلنا بالإجماع إنه ناقض. والدليل على كونه ناقضاً: مع ما قدمنا من الآية الكريمة حديث صفوان بن عسّالٍ -رضي الله عنه- قال: [أَمَرنا رسولُ الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ألا نَنْزعَ خِفَافنا ثلاثةَ أيام بلياليهنّ للمسافِر، ويوماً، وليلةً للمقيمِ من بولٍ، أو نومٍ، أو غائطٍ، لكن مِنْ جنابةٍ]، فقال: من بول (من) بمعنى السببية أي بسبب بول فدلّ على أن البول ناقض للوضوء وأما المذي فعلى قول الجماهير، وحكى البعض الإجماع عليه أنه ينقض الوضوء وهو الصحيح؛ لحديث علي -رضي الله عنه- في الصحيحين قال: [كُنْتُ رَجلاً مذّاءً فأستحييْتُ أن أسألَ النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لمكان إبنتِه منّي، فأمرتُ المقدادَ أنْ يَسألهُ، فقال: فيه الوضوء]، وفي رواية: [تَوضأ، واغْسِلْ ذَكَركَ]، فدل على أن المذي يعتبر ناقضاً للوضوء، والمذي: (سائل لزج يخرج عند بداية الشهوة كالملاعبة)، وإذا خرج لا يُوجب الغسل، وإنما يُوجب الوضوء، وغسل العضو هذا الناقض الثاني، وهو المذي.الناقض الثالث: وهو الودي، وهو: (ماء لزِج يخرج قطرات عَقَبَ البول)، وحكمه: أنه نجس، ويوجب الوضوء، وهو من البول في الأصل، لكنّه يتخلف في الخروج غالباً، فيخرج بعد الإنتهاء من التبول قطرات متفرقة، أو متتابعة، وفي بعض الأحيان يكون لونُه كالصّديد.والفرق بينه، وبين المذْي: أنه أخفُّ من المذي في الثخانة، واللزوجة، ثم المذي يكون عند الشهوة، وهو يكون بعد الفراغ من البول، ويعقبه بوقت قد يطول، وقد يقصر.فهذه الثلاث كلها نواقض، وتعتبر نجسة، وهي: البول، والمذي، والودي، ويشمل ذلك الرجال، والنساء، كلّ منهما إذا خرج منه ذلك؛ فإنه يحكم بكونه قد انتقض وضوؤه، ويلزم من خروجه غسل الفرج، وما أصابه ذلك الخارج؛ لأنه نجس. الناقض الرابع: الإستحاضة: وهي إِستفعال من الحيض، والمرأة المستحاضة هي: (المرأة التي ينتهي أمدُ حيضها، ويستمر معها الدم، أو يأتيها في غير وقت عادتها)، وحكم دم الإستحاضة كالبول، فهو نجس، وناقض للوضوء؛ لكن رخّصَ الشرعُ للمرأة في أحكامه، وخفّف عليها فيها نظراً لوجود الضيق والحرج فإذا خرج هذا الدم واستمر، بحيث لم ينقطع رخص لها الشرع أن تُصلي، ولو جرى معها الدم، ويلزمها الوضوء عند دخول وقت كل صلاة في بعض الأحوال، فتصلي في وقت كل صلاة الفريضة، ونوافلها القبلية، والبعدية، والنوافل المطلقة حتى ينتهي الوقت، فإذا انتهى الوقت غسلت الموضع؛ لأن حكمه حكم الخارج النجس، وتوضأت للصلاة المستقبلة هذا بالنسبة للمستحاضة، وسيأتي بإذن الله مزيد بيان لحكم طهارتها في كتاب الحيض. وهذا الخارج خاصٌّ بالنساء.يبقى النظر في الحصى، والدود: لو أن رجلاً خرج من قبله الحصى، أو الدود، فهل يوجب ذلك انتقاض وضوءه؟إختلف العلماء رحمهم الله خلاف في هذه المسألة، وقد ذكرنا الخلاف في هذه المسألة في شرح البلوغ، والذي يترجح في نظري في مسألته والعلم عند الله: أنه ليس بناقض بذاته، لأن الحصى، والدود ليس بحدث لكن إن خرج معهما بلل، حكم بإنتقاض الوضوء، لأن البلل وإن كان يسيراً ناقض للطهارة الصغرى، فلا فرق فيه بين القليل، والكثير فهو كخروج النجس؛ كما لو خرجت منه قطرة بول فإنها توجب إنتقاض الوضوء إجماعاً ولو كانت قليلة، هذا بالنسبة للحصى، والدود: أنه ليس بناقض لذاته؛ بل بشرط أن تخرج معه البلّة، والناقض هو البلّة النجسة. أما الخارج من الدبر: فمنه الغائط قلنا بالإجماع ناقض وذكرنا دليله من الكتاب، وقد دلت السنة أيضاً على كونه ناقضاً، كما تقدم في حديث صفوان بن عسّال المرادي رضي الله عنه في قوله: [من بولٍ، أو غائطٍ، أو نومٍ] فدلّ على أن الغائط ناقض.ومن النواقض التي تخرج من الدبر الريح، وقد دلّ على إعتباره ناقضاً دليل السنة، وهو ما ثبت في الحديث الصحيح عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه قال: [لا يَقْبلُ الله صَلاةَ أحدِكمْ إذَا أحدثَ حَتّى يَتوضّأَ] فلما سئل أبو هريرة -رضي الله عنه وأرضاه- عن قول النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في هذا الحديث: [إِذَا أحدثَ] قال: (فساءٌ، أو ضُراطٌ) ففسره رضي الله عنه بخروج الريح.فقال العلماء: إن هذا يدلّ على أنّ الريح ناقض، وهذا بالإجماع على أنه إذا خرج الريح نقض لكن يُنتبه إلى مسألة، وهي أن المصنف رحمه الله قال: ما خرج من سبيل؛ فالريح إنما يُعتبر ناقضاً إذا خرج حقيقة لا توهماً، وظناً، وفي ذلك مسائل منها: أنه لو أحسّ بحركةٍ في دبرِه، دون أن يسمع الصوت، أو يشمَّ الرائحة، فإنه يبقى على طهارته، ولو أحسّ بتحرك الدبرِ لما جاء عنه -عليه الصلاة والسلام- أنّ الشيطان ينفخُ في مقعدةِ الرجل فيظنّ أن وضوءه إنتقض، وليس الأمر كذلك إنما يريد به أن يُلبس عليه في طهارته. المسألة الثانية: أنه لو سمع الصوت، ولم يشم الرائحة حكم بإنتقاض الوضوء، ولو شمّ الرائحة، ولم يسمع الصوت حكم بإنتقاض الوضوء حتى، ولم يشعر بحركة الدبر في الصورتين؛ لأن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جعل العبرة بأحدهما سماع الصوت، أو وجدان الرائحة. المسألة الثالثة: أن العبرة في إِنتقاض الوضوء بالريح إنما هو إذا خرج فعلاً خلافاً لمن يقول إنه لو سمع الصوت من بطنه الذي هو صوت البطن يقولون يحكم بالانتقاض به، وهذا ضعيف؛ لأن العبرة بالخروج لا بوجود الصوت قبل المخرج، وبناءً على ذلك فلو سمع الأصوات في بطنه كأن يكون معه ما يسمى الآن في عرف الناس (الغازات) لو كان مبتلى بها، وسمع أصواتها في بطنه، فذلك لا يؤثر في الوضوء شيئاً ما لم يكن صوتاً من خارج، أو مصحوباً بدليل من شمِّ الرائحة، وأما ما عدا ذلك فليس بناقض، ثم قول العلماء -رحمة الله عليهم- لا بد من سماع الصوت، أو شمِّ الرائحة يستوي فيه أن يكون وقع قبل الصلاة، أو أثناءها، وهذا مذهب الجمهور، خلافاً للمالكية -رحمة الله عليهم- الذين يقولون: إنما تُعْمَل قاعدة " اليَقينُ لا يُزالُ بالشكِّ " في الريح إذا كان في الصلاة لورود الرواية مقيدة بالصلاة، وترجح مذهب الجمهور؛ لأنّ عبد الله بن زيد رضي الله عنه كما في الصحيحين قال: شُكي للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الرجل يخيل إليه أنه يجد الشيء في الصلاة فقال: [لا يَنْصرفْ حتّى يسمعَ صوتاً، أو يجدَ رِيحاً] فهذا حكم مبني على الرجوع لليقين لقوله: [حتى يَسْمَع صَوْتاً، أو يَجد رِيحاً] فجعل الأمر راجعاً إلى أن يستيقن خروج الريح، فاستوى فيه أن يكون في الصلاة، أو خارجها، وكون السؤال ورد مقيداً بالصلاة لأن البلوى فيها بالوسوسة أكثر؛ لأن الشيطان تشتدّ وسوسته فيها، وهذا لا يقتضي تخصيص الحكم بها لقوله: [حتّى يسمعَ صَوتاً، أو يَجِدَ رِيحاً] فلما قال عليه الصلاة والسلام: [حتّى يسمعَ صَوْتاً، أو يَجِدَ رِيحاً] فهمنا أن الأمر راجع إلى تيقن الخارج، فألغينا كونه في الصلاة، أو خارجها ما دام أنّ المهم أن يتيقن. وقد أجمع العلماء على أن الريح ناقض كما تقدم، والريح ليس بنجس، فلا يوجب غسل الثوب، والفرج وبهذا يفارق البول، والغائط، ونحوهما. الخارج الثالث من الدبر: دم البواسير. ودم البواسير يأتي على صور إن كانت جروحها على الحلقة نفسها، فهذا ليس بخارج لأنه ليس من الموضع، ويقع الخلاف فيه في مسألة، وهي إذا خرج الدم من غير القبل، والدبر هل ينقض الوضوء؟ -وسنبينها إن شاء الله- وأن الصحيح: أنها إذا كانت البواسير قروحها، أو دماميلها على الحلقة على أطرافها الخارجة أنه لا يوجب انتقاض الوضوء؛ لكن محل الإشكال إذا كانت من داخل، وينبعث دمها إلى خارج، وبناءً عليه إذا كانت على هذه الصورة فإنها تأخذ حكم دم الإستحاضة، فهي نجسة، وموجبة لإنتقاض الوضوء، فإن غلبت الإنسان حتى استرسلت معه في وقت الصلاة، فإنه يضع القطنة، ويغسل الموضع، ويتوضأ عند دخول وقت كل صلاة، حكمها حكم دم الإستحاضة، ويخفّف عنه في طهارتها كالإستحاضة.وأما إذا كانت يسيرة، ويمكن التحرز عنها فإنه يجب غسلها كالبول، والغائط سواء بسواء. إذاً دم البواسير له حالتان: الحالة الأولى: أن يشقّ بأن يسترسل، ويصبح نزفه آخذاً الوقت، أو أكثر الوقت، أو لا يتوقف بقدر ما يتمكن من الصلاة فحكمها: أنه إذا دخل عليه الوقت غسل الموضع، ثمّ شدّهُ بقطنة إذا أمكن كالمستحاضة، ثم صلى، ولو جرى معه الدم: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} (3). وأما الحالة الثانية: وهي أن يكون دم البواسير يخرج نزراً قليلاً بحيث لو أنقى موضعه إِستقام له أن يصلى دون أن يخرج شيء، فهذا يجب عليه إنقاء الموضع، واللباس الذي يليه، ثم يتوضأ، ويصلي. هذا بالنسبة لدم البواسير: يبقى النظر في الخارج من غير البول، والغائط، والريح، وهو الخارج غير المعتاد من دود، أو حصى فلو خرج من الدبر دود، أو حصى؛ فالقول فيه كالقول في القبل: أنه إذا صحبه بَلل حُكم بالانتقاض وإلا فلا. قوله: [خَرَج]: الخروج ضد الدخول، ويرد السؤال تقييده بوصف الخروج ما ضابطه؟الخروج يتحقق بمجاوزة حلقة الدبر بالنسبة لما يخرج من الدبر، أو يكون على الإحليل رأس مجرى الإحليل في الحشفة بالنسبة للقبل. يتفرع على هذا مسائل منها: لو أن إنساناً أحسّ أنه يريد البول، وهو في آخر الصلاة كأن يكون في التشهد فأمسك العضو، وقد احتقن مجرى البول حتى سلَّم، ثم خرج بعد سلامه صحّت صلاته، ولا عبرة بكونه في المجرى المقارب للمخرج. إذاً لا بد في الحكم بكون الوضوء منتقضاً أن يكون قد خرج من رأس العضو سواءً كان في الرجال، أو النساء.(1) النحل، آية: 92. (2) النساء، آية: 43. (3) البقرة، آية: 286.
__________________
|
#2
|
||||
|
||||
![]() شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع (كتاب الطهارة) شرح فضيلة الشيخ الدكتور محمد بن محمد المختار بن محمد الجكني الشنقيطي الحلقة (35) صـــــ275 إلى صــ288 [باب الغسل] قوله رحمه الله: [ولَوْ مِنْ بَهيمةٍ، أو مَيِّتٍ]: أي: ولو وقع الإيلاج في بهيمة، أو ميت كما تقدم. وإذا تبين لنا أن تغييب الحشفة، وإيلاجها في الفرج موجب للغسل على التفصيل الذي سبق، فإن هذا الحكم عام يستوي فيه أن يحصل به إنزال، أو لا يحصل، بمعنى: أن الإيلاج موجب للغسل بغضّ النّظر عن حصول الإنزال، فليس بشرط في اعتباره، وهذه المسألة كان فيها خلاف من بعض الصحابة رضي الله عنهم حيث كان يقول: إذا جامع الرجل، ولم يُنزل لا يجب عليه الغسل، أي: أنه لا يرى أن مجرد الإيلاج يوجب الغسل، وذهب الجماهير من الصحابة -رضوان الله عليهم- إلى أنه يجب الغسل سواء حصل الإنزال في الجماع، أو لم يحصل، وكان في أول التشريع في الإسلام إذا جامع، ولم يُنزل لا يجب عليه الغسل، وفيه أحاديث صحيحة منها: ما ثبت في الصحيح من قوله عليه الصلاة والسلام: [إنما الماءُ مِنَ الماءِ] أي إنّما الماءُ، وهو الغسل بسبب الماء، وهو: المني فإذا جامع أهله، ولم ينزل لا ماء عليه، أي: لا يجب عليه غسل، ومنها ما ثبت في الحديث الصحيح أنّ النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- زارَ رجلاً من الأنصار، فقَرعَ عليه البابَ، فخرج الرجل مسرعاً؛ كأنه كان مع أهله، فقال عليه الصلاة والسلام: [لَعلَّنا أَعْجَلْنَاكَ إذا أَعْجَلتَ، أو أَقحطتَ فلا غُسلَ عَليْك]. [أَعْجَلْتَ]: بمعنى أن الإنسان نزع قبل أن يُنْزِل. [أو أَقْحَطْتَ]: أي لم يحصل إنزال أثناء الجماع، فلا غسل عليك أي: لا يجب عليك أن تغتسل من الجنابة فظاهر هذا النص أنّ العبرة بخروج المني، وجاء في لفظ آخر -أيضاً- ما يؤكّدُ هذا في قوله عليه الصلاة والسلام: [إِذا فَضخْتَ الماءَ؛ فاغتسلْ] فكانت هذه رخصة في أول الإسلام أنه لا يجب الغسل بمجرد الجماع، ثم جاء الأمر من الله -عز وجل- بإيجاب الغسل بالجماع في حديث أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- في قوله عليه الصلاة والسلام: [إِذا مسَّ الختانُ الختانَ فقدْ وجبَ الغُسلُ] وفي رواية: [أَنزلَ، أو لمْ يُنْزِلْ] ولذلك لما اختلف الصحابة -رضوان الله عليهم- في عهد عمر -رضي الله عنه- كان بعض الصحابة يحفظ الفتوى الأولى، والتشريع الأول، وكان بعضهم حفظ النسخ، فاختلفوا في عهد عمر -رضي الله عنه-، فبعث عمر -رضي الله عنه- إلى أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها، وأرضاها-، فأخبرته بحديث النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وقوله: [إِذَا إِلْتَقَى الختانانِ فَقدْ وَجَبَ الغُسْلُ أَنزلَ، أو لَمْ يُنْزِلْ]. فقال عمر -رضي الله عنه-: " من خالفَ بعد اليوم جعلتُه نَكالاً للعالمين " أي عزرته، وذلك لأن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نسخ الحكم الذي كان في أول الإسلام بالتّخفيف فوجب الغسل سواء حصل الإنزال، أو لم يحصل، وجاء أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف رحمه الله الإمام المشهور تلميذ ابن عباس إلى أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- لما حصل الكلام في هذه المسألة في عهد التابعين، وذكر القول الذي يقول: بإسقاط الغسل على من جامع، ولم ينزل، فقالت له رضي الله عنها: يا أبا سلمة إنّما مَثُلك مَثُل الفَرُّوج سمع الدِّيكة تصيحُ، فصاحَ بصياحها، يعني: ما أنت إلا تَبعٌ للنّاس، ثم ذكرت له الحديث، فهذا يدل على شِدِّة أم المومنين -رضي الله عنها- في المسألة، وأن الأمر منسوخ، ومنتهٍ، ولذلك يقول بعض العلماء: حصل الإجماع بعد الصحابة رضي الله عنهم على أن مجرد الجماع يوجب الغسل سواء حصل الإنزال، أو لم يحصل. قال رحمه الله: [وإسلامُ كَافرٍ]: هذا هو السبب الثالث من أسباب الغسل، وهو الإسلام، فإذا أسلم الكافر وجب عليه الغسل، وفيه حديث قيسِ بنِ عاصمٍ رضي الله عنه أنه: [أسلمَ فأَمرهُ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَغتسل بماءٍ، وسِدْرٍ] رواه الخمسة إلا ابن ماجة، والقول بوجوب الغسل على الكافر إذا أسلم هو مذهب الحنابلة رحمهم الله، وقد بينا هذه المسألة، وذكرنا الخلاف فيها في شرح البلوغ، وأن الذي يترجح في نظري والعلم عند الله: هو القول بعدم وجوب الغسل، وذلك لأن الأحاديث التي استدل بها على الوجوب ضعيفة، ولأن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يأمر الصحابة رضي الله عنهم بذلك في حديث صحيح، وما ورد في قصة ثمامة في الصحيح أنه إغتسل في الحائط، فيجاب عنه بأنه إغتسل ثم جاء، وتشهّد، وأسلم، فوقع غسله قبل أن يسلم، وكان منه إجتهاداً لا بأمر منه عليه الصلاة والسلام فلا حجة فيه، وأما ما ورد أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمره بالاغتسال في بعض الروايات فأجيب عنه بضعفه، ومخالفته لما في الصحيح، وغسل الكافر عند الإسلام مستحب، فيكون الأمر فيه للإستحباب، وعليه يحمل حديث قيس بن عاصم كما أشار إليه النووي، بدليل جمعه بين الماء والسدر، والسدر لا يجب إجماعاً، فكان قرينة صارفة من الوجوب إلى الندب والإستحباب والله أعلم.قوله رحمه الله: [ومَوتٌ]: أي: أنّ من موجبات الغسل الموت، وهذا هو السبب الرابع من أسباب الغسل، والوجوب هنا غير متعلق بالميت، وإنما هو متعلق بالمكلّفين الأحياء. والدليل على ذلك: ما ثبت في الصحيح عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه لما وقف بعرفةَ وأُخبِرَ بالرّجُلِ الذي وَقَصَتُه دابته، فماتَ، قال عليه الصلاة والسّلام: [إِغْسلُوه بماءٍ، وسدْرٍ، وكَفِّنُوهُ في ثَوبيْهِ، ولا تُحنِّطُوه، ولا تُغَطُّوا رأسَه؛ فإنه يُبْعثُ يومَ القِيَامةِ مُلَبِّياً]، ومحل الشاهد: في قوله عليه الصّلاة والسّلام: [إِغْسِلُوهُ] فوجّه الخطاب بالأمر للمكلفين، فدل على وجوب غَسْلِ الميّتِ عليهم. الدليل الثاني: ما ثبت في الصحيح عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه لمّا تُوفِّيَتْ إِبنتُه زَينبُ -رضي الله عنها، وأرضاها- قال عليه الصلاة والسلام: [إِغْسِلْنَها بِمَاءٍ، وسِدْرٍ] فهذا يدلُّ على وجوبه أيضاً بالنسبة للأنثى؛ لأن قوله: [إِغْسِلْنَها] أمر، وهو للوجوب، وهذان الحديثان دالان على وجوب غسل الميت الأول منهما: متعلق بالذكور، والثاني: بالإناث، وبناءً على ذلك يجب غسل الميت من المسلمين ذكراً كان، أو أنثى. وهنا مسائل منها: لو أن الميت مات، وليس هناك ماء فإنه يسقط الغسل، واختار بعض العلماء أن يُيمم وهذا مبني على أن الغُسلَ للتَّعبد، وليسَ بِمُعلّل. والمسألة الثانية: هل هذا الوجوب يُستثنى منه شيءٌ؟ والجواب: أنه تستثنى منه الحالات التي تشتمل على الضرر؛ سواء كان متعلقاً بالميت مثل: أن يكون محروقاً، وتغسيله يضرُّ بجسده، أو كان الضرر لاحقاً بمن يتولى تغسيلَه كما في الأمراض الوَبائِيّة، والمُعْدِيَةِ، فإذا قرر الأطباء أنه إذا غُسّلَ تَضرّر مُغَسِّله فإنه حينئذ يسقط الغسل، ويُعْدَلُ إلى التيمم، وإذا كان التيمّم يُضِرُّ أيضاً سقط الغسل، والتيمّم، وكُفِّن مباشرة. قوله رحمه الله: [وحَيْضٌ]: أي يوجب الغسل الحيض، وهذا هو السبب الخامس من أسباب الغسل، والأصل فيه ما ثبت في الصحيحين أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: [لِتَنْظُرِ الأيامَ الّتي كَانتْ تَحِيضهُنَّ قَبْلَ أَنْ يُصيبَهَا الّذِي أَصَابَها؛ فإذَا هِيَ خَلّفتْ ذَلك] يعني أيامَ العادةِ [فَلْتَغْتَسِلْ، ثُمَّ لِتُصَلِّ] فقوله عليه الصلاة والسلام: [فَلْتَغتَسِلْ] أمر، فدلّ على أنّ الحيض يوجب الغسل، وقد دل دليل الكتاب على أن الأصل في الحائض أنها تغتسل بعد إنتهاء حيضها، كما يشهد لذلك قوله سبحانه وتعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ} فقوله: {وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ} يدلّ على أنّ الحيض له طهارة وهي: الغسل، وتفعلها المرأة بدليل نسبته إليها بعد ذلك في قوله سبحانه: {فَإِذَا تَطَهَّرْنَ} أي: فعلن الطهارة، ودليل الكتاب يدلّ على أن الحائض تغتسل بعد حيضها، لكن دليل السنة أقوى في الدلالة على الوجوب، فصار أصلاً في الحكم به، وإِنعقد الإجماع على ذلك أعني أن الحيض يُوجِبُ الغُسْلَ. قوله رحمه الله: [ونُفَاسٌ] أي: ويوجب الغسل خروج دم النّفاس، وهذا هو السبب السادس من أسباب الغسل، وحكم النّفاس؛ كالحيض، والإجماع منعقد على ذلك، وكل منهما يكون الغسل فيه بعد حصول الطهر فإذا رأت المرأة علامة الطهر المعتبرة، وجب عليها أن تغتسل، وسيأتي بإذن الله تعالى بيان علامة الطهر في باب الحيض. قوله رحمه الله: [لا وِلادَة عَارِية عَنْ دَمٍ]: أي أن المرأة لو وضعت جنينها دون دم لم يجب عليها الغسل، لأن الشّرع رتَّب الحكم على وجود الدم، فإذا وُجد في النّفاس حكمنا بوجوب الغسل، وإذا لم يوجد لم يجب الغسل. قوله رحمه الله: [ومَنْ لَزِمَه الغُسْلُ حَرُمَ عَليه قِراءةُ القُرْآنِ]: شرع رحمه الله في بيان موانع الحدث الأكبر بعد بيانه لأسبابه، وموجباته فبيّن أن الحدث الأكبر، وهو ما عبر عنه بقوله: [ومَنْ لَزِمَه الغُسلُ] موجب لموانع؛ أولها: ما أشار إليه بقوله رحمه الله: [حَرُمَ عليه قِراءَةُ القُرآنِ] فإنه يوجب إعتبار الحدث الأكبر مانعاً من قراءة القرآن، وهذا هو مذهب جمهور العلماء رحمهم الله، واستدلوا بدليل السنة: وهو حديث علي -رضي الله عنه- قال: [رأيتُ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ توضّأَ، ثُم قَرأَ شَيئاً مِنَ القُرْآنِ، ثم قال: هكَذا لمنْ لَيس بِجُنبٍ، فأما الجُنُب فَلا، ولا آيةٌ] وفي حديثه عند أصحاب السنن وصححه الترمذي وغيره أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [كَانَ لا يَمْنَعُه مِنَ القُرآنِ شَيءٌ ليسَ الجنَابة]، فلا يجوز للجنب أن يقرأ القرآن، وهذا هو مذهب الجمهور رحمهم الله، وقد إعتبروه من الأمور التي يُفرَّق فيها بين القرآن، والحديثِ القدسيِّ؛ كما أشار إلى ذلك بعض الفضلاء بقوله:ومَنْعُه تلاوةً للجُنبِ ... فِي كُلِّ حَرفٍ مِنْهُ عَشْراً أَوْجِبِ أي أن القرآن يحرم على الجنب تلاوتُه بخلاف الحديث القدسيّ، وكذلك في كل حرف من القرآن عشر حسنات بخلاف الحديث القدسيّ. قوله رحمه الله: [ويَعْبُر المسجدَ لحاجةٍ، ولا يَلْبَثُ فِيه بغيرِ وُضُوءٍ] أي: أن من موانع الحدث الأكبر اللبث في المسجد إلا إذا توضأ، أو كان ماراً به عابراً غير جالس فيه، ولا واقف بداخله، وقد اُستدل على هذا الحكم بدليل الكتاب في قوله سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ} على أن التقدير: لا تقربوا مواضع الصلاة (وهي المساجد) جنباً إلا عابري سبيل، وهذا هو أحد الأوجه في الآية الكريمة، وهذا القول يشكل عليه النهي الوارد عن إتخاذ المساجد طرقات، إلا إذا كانت الآية محمولة على أول الأمر، ثم نُسخ ذلك بعد أمره عليه الصلاة والسلام بسدِّ خَوْخَاتِ المساجدِ، فتكون الإباحة على ظاهر الآية في أول الأمر، مع أن دلالة الآية على ما ذكر فيها خلاف، ومن هنا قَوِيَ منعُ الجنب من دخول المسجد، والمرور من خلاله، وقد دلّتِ السنةُ في حديث عائشة رضي الله عنها في الصحيح حينما قال لها النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [نَاولِيني الخُمْرَةَ] قالت: إني حائض، فاعتذرت عن إدخال يدها لكونها حائضاً، فدلّ على أن المحدث حدثاً أكبر ممنوع من دخول المسجد؛ لأن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم ينكر عليها إعتقادها لذلك، وإنما بين لها أن دخول اليد؛ ليس كدخول الجسم كله. قوله رحمه الله: [ومَنْ غسّل مَيّتاً، أَوْ أَفاقَ مِنْ جُنونٍ، أَوْ إِغْمَاءٍ بِلا حُلُمٍ سُنَّ له الغُسْلُ]: شرع المصنف رحمه الله بهذه الجملة في بيان الإغتسالات المستحبة بعد بيانه لموجبات الغسل، وأسباب وجوبه فبيّن رحمه الله أن من غسل ميتاً أي: قام بِتَغسيله، ويكون ذلك على صورتين:الصورة الأولى: أن ينفرد بتغسيله. والصورة الثانية: أن يكون مع غيره.فأما إذا إنفرد بتغسيله فقول واحد عند من يقول بوجوب الغسل عليه، أو باستحبابه له أنه يغتسل، وأمّا اٍ ذا كان مع غيره، فإنه يأخذ حكم الأصيل؛ لأنه يصدق عليه أنه غسله بشرط: أن يكون له عمل في غسل جسد الميّت، وبناءَ على ذلك، فإنه إذا غسل منفرداً، أو مشاركاً مع غيره، فالحكم أنه يجب عليه أن يغتسل على قول من يقول بالوجوب، لكن المصنف يميل هنا إلى القول بالسُّنية، والاستحباب، وهو أصح القولين في هذه المسألة وهو مذهب الجمهور من الحنفية، والمالكية، والشافعية، ورواية عن أحمد رحمة الله على الجميع، ولأن من قال بالوجوب إستدل بحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: [مَنْ غسّل ميّتاً فليغتَسِلْ، ومَنْ حَملَه فَلْيَتوَضأ] رواه الخمسة إلا أن ابن ماجة لم يذكر الوضوء قال الإمام أحمد، وعلي بن المديني رحمهما الله: (لا يصحُّ في البابِ شَيء)، ومثله عن الذّهلي، والحاكم، وغيرهما والحديث ضعيف، وقد تكلم عليه الإمام الدارقطني -رحمه الله- في العِلَل، وتكلم عليه الحفاظ والصحيح عدم ثبوته، لكن على القول بثبوته، أو أنه حسن فيحمل على الاستحباب، والأفضل أي: من غسل ميتاً فإنه يغتسل استحباباً، لا على سبيل الحتم، والإيجاب. قوله رحمه الله: [أَوْ أَفاقَ مِنْ جُنونٍ، أو إِغْماءٍ] مراده أن المجنون، والمغمى عليه يجب عليهما الغسل إذا أفاقا، دون أن يحصل منهما إنزال، وهذا هو أحد قولي العلماء في هذه المسألة، ومنهم من رأى وجوب الإغتسال مطلقاً، وهو الرّاجح لما ثبت في الصحيح من حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أنّ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [لما قام إلى الصلاة في مَرضِ المَوْتِ، ثم غُشِيَ عليه، ثم أَفاقَ، فاغتسل صلوات الله وسلامه عليه، ثم غُشِيَ عليه، ثمَّ أَفاق، ثم إِغتسل] فهذا أصل في وجوب الغسل من الإغماء؛ والجنون أشد منه، فيكون الشّرع قد نبّه بالأدنى، وهو الإغماء على ما هو أعلى منه، وهو الجنون، فيجب الغسل بالجنون من باب أولى وأحرى هذا من جهة الأثر، أما من جهة النظر فهو أن الجُنون، والإغماءَ مظنّة الحدث الأكبر، وهو نزول المني، دون أن يعلم به حال جنونه، وإغمائه فأوجب الطهارة الكبرى، كما أن النوم مظنّة الحدث، وأوجب الشرع به الطهارة الصغرى.فيجب الغسل بسبب الجنون، والإغماء وفي حكم المجنون، والمغمى عليه السكرانُ، والمخدَّر بالبَنْجِ، وغيره كالأفيون، والحشيش إذا غاب عنه عقله وإدراكه.فعلى القول الذي مشى عليه المصنف رحمه الله إذا أفاقا دون أن يحصل منهما إنزال، فالغسل مستحب، لا واجب، وقد أشار إلى هذا بقوله رحمه الله: [بِلا حُلُمٍ]: أي بلا احتلام، وقوله رحمه الله: [سُنَّ له الغُسْل]: أي لا يجب عليه، وهذا كما ذكرنا، وظاهر حديث عائشة رضي الله عنها يردّه لأنه تأخر عليه الصلاة والسلام عن الصلاة، وكرّر الغسل أكثر من مرّةٍ والنّاس تَنْتظِرُه، ولا معنى لذلك إلا وجوبه، ثمّ إنه لم يحصل منه إنزال صلوات الله وسلامه عليه، فدلّ على رجحان القول بالوجوب، دون تفريقٍ بين حصول الإنزال، وعدمه. قوله رحمه الله: [والغُسْلُ الكاملُ] شرع المصنف رحمه الله بهذه الجملة في بيان صفة الغسل بعد بيانه لموجباته، وأسبابه وقد راعى في ذلك الترتيب المنطقي، لأن الأسباب، والموجبات مقدَّمةٌ على الصِّفة، ومن هنا يرد السؤال أولاً: ما هي موجبات الغسل، ومستحباته؟ ثم بعد ذلك يرد السؤال: كيف يكون الغسل وما هي صفته؟ فقال رحمه الله: [والغُسلُ الكامِلُ]: والغسل له صفتان عند العلماء كالوضوء: الصفة الأولى: الإجزاء. الصفة الثانية: الكمال. والفرق بين الإجزاء والكمال: أن الإجزاء: يتحقق به المأمور شرعاً بمعنى أنك إذا أوقعت الغسل عليه فقد أديت ما أوجب الله عليك، والإخلال به موجب للحكم بعدم صحة الغسل. وأما صفة الكمال: فإن الإخلال بها فيه تفصيل فإن حصل قدر الإجزاء حُكِمَ بصحّة الغسلِ، وإجزائِه، ويحكم بكونه فاته الأفضل، والأجرُ الكامل، وإن كان الإخلال بما هو من صفة الإجزاء فحكمه حكم الإخلال بصفة الإجزاء. قال رحمه الله: [والغسل الكامل]: المصنف إبتدأ بصفة الكمال، وغيره إبتدأ بصفة الإجزاء فطريقة المصنف رحمه الله حينما ابتدأ بغسل الكمال تدرّج فيها من الأعلى إلى الأدنى، وطريقة غيره ممن إِبتدأ بالاجزاء، ثم أتبعه بالكمال تدرّج من الأدنى إلى الأعلى، وكلتا الطريقتين لها وجهها.أما طريقة المصنف أن يَبْتدئ بالكمال، ثم يبين لك غسل الإجزاء فهي أنسب؛ لأنه إذا فعل ذلك ترك التّكرار فإنك إذا ذكرت الغسل الواجب، ثم أتبعته بصفة الكمال، وذكرت ضِمْنها الواجبات حصل التّكرار فتلافاه المصنفُ رحمه الله بهذه الطريقة التي سار عليها. وصفة الكمال: ثبتت بها أحاديث صحيحة عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- منها حديث أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها وأرضاها- وحديث ميمونة -رضي الله عنها وأرضاها- وكلا الحديثين ثابت في الصحيحين، فقد وصفت كل واحدة منهما غُسْلَ النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فمنهما من فصّلت في شيءٍ، وأَجْمَلت في شيءٍ آخر، وقد راعى العلماء -رحمهم الله تعالى- في صفة الكمال ما تضمنه حديثا عائشة، وميمونة -رضي الله عن الجميع-. قال رحمه الله: [أَنْ يَنويَ]: أي ينوي الغسل، والنيّة بالتشديد، والتخفيف لغة: القصد، والمراد بها في الإصطلاح: (العزم على فعل الشيء تقرباً إلى الله -تعالى-) كما ذكر هذا التعريف البعلي في المطلع، ومعنى ذلك أن تعزم على عبادة، أو معاملة، وقصدك وجه الله -عز وجل- عبادة: مثل أن تصلي، فتفعل القيام، والركوع، والسجود، وغيرهما من أفعال الصلاة، وتريد وجه الله -جل وعلا- والتقرب إليه بذلك الفعل. وأما المعاملة: فمثل: أن تعطي إبنك المال، فإنها عادة، ولكنّها تنقلب عبادة إذا قصدت بها وجه الله تعالى، وبعض العلماء يقول: العزم على فعل الشيء، وبعضهم يقول: قصد فعلِ الشيء قربة لله -جل وعلا- والتعبير بالقصد أنسب من التّعبير بالعزم؛ لأنّ من العلماء من فرق بين العزم، والقصد بأنّ القصد يكون عند توجه النية، والعزم يكون متراخياً عن ذلك التوجه، ولذلك قالوا التعبير بالقصد أدقّ. والمراد بنية الغسل هنا: أن تجمع أمرين: قصد التقرب إلى الله، وقصد رفع الحدث الأكبر كما قدمنا في نية الوضوء. [أن ينوي]: يعني أن ينوي بغسله رفع الحدث، وقد تقدم معنا في الوضوء بيان الدليل على إشتراطها في الطهارة، وأن مذهب الجمهور: أنها شرط لصحة الطهارة من الحدث بنوعيه الأصغر والأكبر، والمراد بالنية في الغسل أن يقصد رفع حدثه الأكبر من الجنابة، أو الحيض، أو النفاس، أو غيره فإذا حصل ذلك أجزأه الغسل، وتَمّتْ طهارته، وأما إذا لم يقصد رفع الحدث مثل: أن يقصد النظافة، أو التبرد، والإستجمام؛ فإنه لا يرتفع حدثه، وينبغي أن تكون هذه النِّية مقاربة للغسل، فإذا طال الفاصل بينها، وبين شروعه في الغسل فإنها لا تُجْزِيه. قوله رحمه الله: [أَنْ يَنْويَ الغُسْلَ]: هذا هو الأصل أن الإنسان إذا أراد أن يغتسل يبتدئ بنية القلب، ثم بعد ذلك يكون منه الفعل المأمور به شرعاً. قوله رحمه الله: [ثُم يُسَمّي]: ثم للعطف، مع التراخي، وقوله: [ثم يُسمي] أي: يقول: بسم الله وهذه التَّسمية إستحبها العلماء، ومن العلماء من قال: بوجوبها في الغسل -وسيأتي الكلام عليها إن شاء الله- وأن الصحيح هو القول بعدم وجوبها. [يسمّي]: يسمي إذا كان المكان مهيأً لذكر الله كأن يكون في بِركَةٍ، أو في حمام مُعَدٍ للاغتسال لا لقضاء الحاجة، أما لو كان المكان مهيأ لقضاء الحاجة، فإنه لا يذكر اسم الله -عز وجل- فيه ففي الحديث الصحيح عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه قال: [إِني كُنْت عَلى حَالةٍ كَرهْتُ أنْ أَذْكُرَ اسمَ اللهِ عَليهَا] والإمتناع من التلفظ بذكر اسم الله تعالى في موضع قضاء الحاجة، فيه تعظيم لشعائر الله، وهو ما ندب إليه المولى سبحانه بقوله: {ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ} (1) واسم الله -عز وجل- لا شك أنه من شعائر الله التي أشعر الله بتعظيمها كما قال تعالى: {وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ} (2) فالإجلال لاسم الله -عز وجل- بعدم ذكره في مواطن قضاء الحاجة من تعظيم شعائر الله، فلا يذكر اسم الله نطقاً، ولكن يسمي في نفسه على قول بعض العلماء أي: أنه يُجْري في نفسه ذكر التسمية، دون أن يتلفظ باللسان.(1) الحج، آية: 32. (2) العنكبوت، آية: 45.
__________________
|
#3
|
||||
|
||||
![]()
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 12 ( الأعضاء 0 والزوار 12) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |