|
الملتقى الاسلامي العام مواضيع تهتم بالقضايا الاسلامية على مذهب اهل السنة والجماعة |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() ما نوع توحيدك (نا)؟ د. جمال يوسف الهميلي أعلم أنك تعلم أنَّ رسالةَ الرُّسل عليهم السلام هي تحقيق عبادة الله وحده في الأرض، وأعلم أنك تعلم أنَّ الله أيَّدهم بالآيات المبهرات، وأعلم أنك - وأنا مثلك - من أتْباعِ أفضلِ الرسل صلى الله عليه وسلم؛ ومن ثَمَّ فأنا وأنت من الموحِّدين. ولكني سألت نفسي يومًا، ولا أدري ما الذي حرَّك هذا السؤال الغريب في ذهني: ما نوع التوحيد الذي نؤمن به ونطبِّقه في حياتنا؟ قد يكون السؤال غريبًا، فالتوحيد الذي نعرفه واحدٌ، فهل هو أنواع؟! بالمراجعة للواقع رأيت أن توحيدنا في الحياة نوعان: ♦ توحيد رباني. ♦ توحيد انتقائي. فالربانيُّ هو الذي أمر الله به؛ بحيث يكون مصدر التلقي لكل شؤون الحياة هو الله فحسب، حتى الرسول صلى الله عليه وسلم، فأصحاب التوحيد الرباني يطيعونه؛ لأنه رسول من عند الله، فالرباني أكلُهُ وشربه، وعمله وأسرته وعلاقاته، وعطاؤه ومنعه بكل تفاصيل حياته - مصدرُها واحد (توحيد) هو الله عز وجل، بل حتى مشاعره من الحب والبغض والكراهية وغيرها من الله؛ فهو لله، وبالله، ومع الله. أما الانتقائي، فهو الذي يَدَّعي أن مصدر التلقي عنده الوحيد هو الله، لكنه في الواقع العملي ينتقي ما يتوافق مع هواه وشهواته إلى حدٍّ ما، فما وافق ذلك عمِلَهُ، وما خالفه بحث له عن عِلَّةٍ للتملُّصِ منه؛ فمرةً: يخالف العقل، وأخرى: ما الحكمة منه؟ وثالثة: هناك ما هو أهم، ورابعة: الأخلاق أولى، وخامسة: الصلاة العماد وما عداها سهل، وسادسة: الظروف، وسابعة، وثامنة... والحقيقة التي يرفض قبولها أن توحيده انتقائيٌّ وليس ربانيًّا. لا أكتمك سرًّا، فقد أصابني الحزن والفرح؛ الحزن لأني لا أعلم عن نفسي ما نوع توحيدي، والفرح أني بدأت أكتشف خفايا الحِيَلِ النفسية؛ لذا كان السؤال الثاني: كيف أعرف نوع توحيدي؟ الإجابة هي النظر إلى القبول والتطبيق، فمتى جاء الأمر الرباني بـ"افعل"، أو "لا تفعل"، فانظر لكيفية تلقيك للأمر؛ رضًا وتسليم وقناعة راسخة بالخيرية لك، حتى في أصغر الأمور في المظهر والجوهر؛ ﴿ قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الأنعام: 162]، كيف إذا جاءتك الأحكام الربانية في الصراعات والخلافات، أتقبلها بلا حرج وتُسلِّم لها؟ ﴿ فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [النساء: 65]، هل تسمع للنداء الرباني بإصغاء للعمل به؛ ﴿ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا ﴾ [البقرة: 285]، فلا تكتفي بـ"سمعنا"، بل تتبعها برضًا وقناعة "وأطعنا"؟ أو إنك ممن يتردد ويتلعثم ويتلكَّأ؟ فتبدأ بالبحث عن الخيوط الواهية لتُشكِّكَ في النص، وإن لم تنجح بدأت تصوغ خيوط الاعتراضات، وتغوص في أعماق الكتب والدراسات؛ لتلتقط قولًا لأحد العلماء من هنا أو هناك، فتتمسك به على أنه الحق من عند ربك، ثم إذا لم تجد، بدأتَ رحلة البحث عن المبررات للتملص من العمل والتطبيق، وتسمح لنفسك بمخالفة الأوامر الربانية، وبشكل مستمر ومتكرر، حتى تصل إلى الذوبان ونسيان الأمر، وربما تدافع عن مخالفتك لمن ينصحك، بل ربما أصبحت ممن يدعو لتلك المخالفة بطريقة أو أخرى، وأنت لا تدري. نحن - كلنا - بحاجة للغوص في أعماق نفوسنا؛ لنستخرج منها حقيقة توحيدنا، ومصدر تلقينا، وربَّان عملنا، نحتاجه قبل أن يُكشَف لنا يومَ لا ينفع الندم، ولا وقت للتراجع، ولا فرصة للتعديل. وما ينطبق على الفرد ينطبق على المجتمع، فالتوحيد الرباني للمجتمع هو الذي يكون مصدره في التشريع والاحتكام وسائر الأعمال الله عز وجل وحده، في كل شؤون الحياة بلا استثناء، والتوحيد الانتقائي للمجتمع هو الذي ينتقي من التوحيد ما يتناسب مع الأهواء والشهوات، ويدَّعي أنه مجتمع رباني ببعض المظاهر الكاذبة لإرضاء النفوس وللخروج من الحَرَجِ المنكوس. إنَّ شجرة التوحيد تُثمِر الراحة والطمأنينة والحياة الطيبة للفرد، كما أنها تُثمر العزة والرفعة والانتصار والتمكين للمجتمع، وتلك سنة الله، ولن تجد لها تبديلًا ولا تحويلًا، وعلى مقدار ما تزرع، تكون الثمرة؛ فـ"إنَّك لا تجني من الشوك العنب". وأظنك تستعد الآن في البحث عن نوع توحيدك (نا).
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |