«عون الرحمن في تفسير القرآن» ------متجدد إن شاء الله - الصفحة 5 - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         السعودية تعلن غدًا أول أيام شهر ذي الحجة.. وعيد الأضحى الجمعة 6 يونيو (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 137 )           »          عون المعبود شرح سنن أبي داود- الشيخ/ سعيد السواح (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 399 - عددالزوار : 85851 )           »          ياصاحبي..... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 8 - عددالزوار : 1220 )           »          ‌‌العلاقة بين الإسلام والعلم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 88 )           »          الإخلاص في العمل عبادة .. فوائد الإخلاص وأثره في حياة المسلم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 82 )           »          تأثير الغرب على مدرسة العقل في العصر الحديث (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 80 )           »          الشباب وهوس الموضة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 77 )           »          نصائح لمساعدة الأطفال على التعامل مع المشاعر القوية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 63 )           »          تغيير السردية الأوروبية حول تاريخ العلم : لماذا تعد التعددية الثقافية أمرا جوهريا؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 60 )           »          كيف يطرح المعلم أسئلة على الطلاب لا تجيب عنها هواتفهم؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 47 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى القرآن الكريم والتفسير > هيا بنا نحفظ القرآن ونرضى الرحمن
التسجيل التعليمـــات التقويم

هيا بنا نحفظ القرآن ونرضى الرحمن قسم يختص بحفظ واستظهار كتاب الله عز وجل بالإضافة الى المسابقات القرآنية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 10-06-2021, 08:55 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 152,714
الدولة : Egypt
افتراضي رد: كتاب «عون الرحمن في تفسير القرآن» ------متجدد إن شاء الله

كتاب «عون الرحمن في تفسير القرآن»

الشيخ أ. د. سليمان بن إبراهيم اللاحم


ما يؤخذ من سورة الفاتحة من فوائد وأحكام (2)





18 - إثبات يوم القيامة، والردُّ على من أنكَرَ البعث والمعاد الجسمانيَّ، والتأكيد على أنه محقَّق الوقوع؛ ولهذا جعله عز وجل كالموجود القائم في الحال، فقال: ï´؟ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ï´¾ [الفاتحة: 4]، وخصَّه بالذكر مع أنه تعالى مالك الدنيا والآخرة معًا؛ لانقطاع أملاك الخلائق كلِّها في ذلك اليوم، ولِعِظَمِ ذلك اليوم، كما قال تعالى: وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ ï´¾ [البروج: 2].

19 - يؤخذ من قوله تعالى: ï´؟ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ï´¾ الدلالةُ على أن المُلك الحقيقيَّ لله جل وعلا يظهر في ذلك اليوم؛ إذ تنقطع جميع الأملاك سوى ملكه جل وعلا، وأن كل ملك دون ذلك الملك فهو حقير زائل، وأن الدنيا بما فيها من أملاك لا تساوي شيئًا بالنسبة للآخرة، وأنها بما فيها من أيام لا تُعَدُّ شيئًا بالنسبة ليوم الدين يوم القيامة، كما قال تعالى: ï´؟ الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمَنِ ï´¾ [الفرقان: 26]، وقال تعالى: ï´؟ لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ ï´¾ [غافر: 16]، وقال تعالى: ï´؟ ذَلِكَ الْيَوْمُ الْحَقُّ ï´¾ [النبأ: 39].

20 - إثبات محاسبة الله للعباد ومجازاته لهم على أعمالهم بالعدل؛ لقوله تعالى: ï´؟ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ï´¾، والدين معناه الجزاء بالعدل؛ أي: كما تدين تدان، إنْ خيرًا فخير، وإنْ شرًّا فشرٌّ، كما قال تعالى: ï´؟ فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ï´¾ [الزلزلة: 7، 8].

21 - إثبات كتابة الأعمال وتدوينها وإحصائها؛ لأن المجازاة عليها تقتضي ذلك؛ إذ كيف يُدانُ عليها ويُجازى إلا بعد إحصائها، كما قال تعالى: ï´؟ مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ï´¾ [ق: 18]، وقال تعالى: ï´؟ كَلَّا بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ * وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَامًا كَاتِبِينَ * يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ ï´¾ [الانفطار: 9 - 12].

22 - الحثُّ على الاستعداد ليوم الدِّين بالإيمان والعمل الصالح، والتحذير من الكفر والمعاصي.

23 - في تقديم قوله تعالى: ï´؟ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ï´¾ على قوله: ï´؟ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ï´¾ إشارةٌ إلى أن رحمته تعالى سبقَتْ غضَبَه، كما جاء في الحديث: ((إن رحمتي سبقت غضبي))[1] ، يؤيِّد ذلك تكرار ï´؟ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ï´¾ في البسملة والفاتحة. وهذا مما يبعث في قلب المؤمن الطُّمأنينةَ، فيلهج بالحمد والثناء لربِّه الرحمن الرحيم.

وعلى هذا؛ فينبغي للعلماء وطلبة العلم والدعاة إلى الله أن يقدِّموا للناس الترغيب برحمة الله والتبشيرَ بها قبل الترهيب من عقوبته، بل ينبغي أن يعطى الكلام عن رحمة الله عنايةً أكثر؛ لأن رحمته تعالى سبقت غضبه، لكن لا يُنسى الترهيب من عقوبته، ولكل مقامٍ مقال.

24 - الجمع بين الترغيب والترهيب؛ يؤخذ ذلك من قوله تعالى: ï´؟ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ï´¾، فهذا ترغيب، ثم قال تعالى: ï´؟ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ï´¾، وهذا ترهيب، كما قال تعالى: ï´؟ نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ ï´¾ [الحجر: 49، 50]، وقال تعالى: ï´؟ إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ ï´¾ [الأعراف: 167]، وقال تعالى: ï´؟ غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ï´¾ [غافر: 3].

وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لو يعلم المؤمنُ ما عند الله من العقوبة، ما طَمِعَ بجنَّتِه أحدٌ، ولو يعلم الكافر ما عند الله من الرحمة، ما قَنَطَ من جنَّتِه أحدٌ))[2].

والغرض من الترغيب والترهيب في القرآن والسُّنة أن يَسيرَ المسلم إلى ربِّه بين الرغبة والرهبة، وبين الخوف والرجاء، فلا يُغلِّب جانبَ أحدهما على الآخَر فيَهلِك، فيكون الخوف والرجاء له كجناحَي الطائر، وإنْ غلَّب الخوف في حال الصحة، أو عند مقارفة المعصية، فحسَنٌ، وكذا إنْ غلَّب جانب الرجاء في حال المرض، وعند فعل الطاعة، فهذا حسن أيضًا.

25 - في قوله تعالى: ï´؟ إِيَّاكَ ï´¾ ردٌّ على الملاحدة والدهرية المنكرين لوجود الله؛ لأن هذا خطاب لموجود، بل لموجود حاضر[3] بعلمه وإحاطته مع كل المخلوقات، كما قال تعالى: ï´؟ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ï´¾ [المجادلة: 7]، وهو مع عباده المتقين بعونه ونصره وتأييده، كما قال تعالى: ï´؟ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ ï´¾ [النحل: 128].

26 - في قوله تعالى: ï´؟ إِيَّاكَ نَعْبُدُ ï´¾ [الفاتحة: 5] بعد الآيات قبله: انتقالٌ من الغَيبة إلى الخِطاب؛ لأجل تنبيه القارئ والمستمع، وهذا يدل على أنه يحسُنُ الانتقال في الكلام أحيانًا والالتفات فيه؛ لأجل تنبيه القارئ والمستمع، كما أنه أبعَثُ على النشاط، وأدعى للإصغاء.

27 - دل قوله تعالى: ï´؟ إِيَّاكَ نَعْبُدُ ï´¾ [الفاتحة: 5] على إثبات نوع من أنواع العبودية، وهي العبودية الخاصة، وهي عبودية الطاعة والمحبة واتباع الأوامر[4]، كما قال تعالى: ï´؟ يَا عِبَادِ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلَا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا مُسْلِمِينَ ï´¾ [الزخرف: 68، 69]، وقال تعالى: ï´؟ فَبَشِّرْ عِبَادِ * الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ ï´¾ [الزمر: 17، 18]، وقال تعالى: ï´؟ وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا ï´¾ [الفرقان: 63]، وقال تعالى: ï´؟ إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ ï´¾ [الحجر: 42]، وقال تعالى عن إبليس: ï´؟ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ ï´¾ [الحجر: 39، 40].

فهؤلاء أهل طاعته تعالى وولايته، وهم عبيد إلهيَّتِه، الذين خضعوا له وذَلُّوا طوعًا واختيارًا لأمره ونهيه، ولا يجيء في القرآن إضافةُ العباد إليه تعالى مطلقًا إلا لهؤلاء.

وهم ومن عداهم من الخلق يجتمعون في العبودية العامة: عبودية الربوبية: الخلق والمُلك والتدبير والقهر والخضوع له قهرًا ورغمًا، فهذه تشمل المؤمن والكافر؛ قال تعالى: ï´؟ إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا ï´¾ [مريم: 93]، وقال تعالى: ï´؟ وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَقُولُ أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي هَؤُلَاءِ أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ ï´¾ [الفرقان: 17]، فسمَّاهم عباده مع ضلالهم تسميةً مقيَّدة بالإشارة.

وقال تعالى: ï´؟ قُلِ اللَّهُمَّ فَاطِرَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِي مَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ï´¾ [الزمر: 46]، وقال تعالى: ï´؟ وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعِبَادِ ï´¾ [غافر: 31]، وقال تعالى: ï´؟ إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبَادِ ï´¾ [غافر: 48].

وقد ذكر ابن القيم[5] مراتب ï´؟ إِيَّاكَ نَعْبُدُ ï´¾ علمًا وعملًا، فقال: "فأما مراتبها العلمية فمرتبتان:
إحداهما: العلم بالله. والثانية: العلم بدِينه.

فأما العلم به سبحانه، فخمس مراتب: العلم بذاته، وصفاته، وأفعاله، وأسمائه، وتنزيهه عما لا يليق به.

والعلم بدينه مرتبتان: إحداهما: دينه الأمريُّ الشرعي، وهو الصراط المستقيم الموصِّل إليه. والثانية: دينه الجزائيُّ، المتضمِّن ثوابه وعقابه. وقد دخل في هذا العِلمُ بملائكته وكتبه ورسله.

وأما مراتبها العملية، فمرتبتان: مرتبة لأصحاب اليمين، ومرتبة للسابقين المقرَّبين.

فأما مرتبة أصحاب اليمين، فأداء الواجبات، وترك المحرَّمات، مع ارتكاب المباحات وبعض المكروهات، وترك بعض المستحبات.

وأما مرتبة المقرَّبين: فالقيام بالواجبات والمندوبات، وترك المحرَّمات والمكروهات، زاهدين فيما لا ينفعهم في معادهم، متورِّعين عما يخافون ضرره، وخاصَّتُهم قد انقلبت المباحات في حقِّهم طاعاتٍ وقُرُبات بالنيَّة، فليس في حقِّهم مباحٌ مساوي الطرفين، بل كل أعمالهم راجحة، ومَن دونهم يترك المباحات مشتغلًا عنها بالعبادات، وهؤلاء يأتونها طاعات وقربات، ولأهل هاتين المرتبتين درجاتٌ لا يحصيها إلا الله".

كما ذكر ابن القيم[6] أن لأهل مقام ï´؟ إِيَّاكَ نَعْبُدُ ï´¾ - وهم أهل هذه العبودية الخاصة - في أفضل العبادة وأنفعها طرقًا أربعة، فهم في ذلك أربعة أصناف: صنف عندهم أنفع العبادات وأفضلها أعظمُها مشقةً على النفوس، قالوا: والأجر على قدر المشقة.

والصنف الثاني قالوا: أفضل العبادات التجرُّدُ والزهد في الدنيا، وعدم الاكتراث بكل ما هو منها.

والصنف الثالث: رأَوا أن أنفع العبادات وأفضلها ما فيه نفعٌ متعدٍّ؛ كخدمة الفقراء، والاشتغال بمصالح الناس.

والصنف الرابع: قالوا: أفضل العبادة العملُ على مرضاة الربِّ في كل وقت بما هو مقتضى ذلك الوقت ووظيفته، فأفضل العبادات في وقت الجهاد: الجهاد وإنْ آلَ إلى ترك الأوراد من صلاة الليل وصيام النهار، بل ومن ترك إتمام الصلاة الفرض كما في حالة الأمن، والأفضل في وقت حضور الضيف القيامُ بحقِّه والاشتغال به عن الورد المستحب، والأفضل في وقت الوقوف بعرفة الاجتهادُ في التضرع والدعاء والذِّكر دون الصوم المُضعِف عن ذلك.

ثم ذكر رحمه الله[7] اختلاف الناس في حكمة العبادة وفائدتها، وأنهم في ذلك أربعة أصناف أيضًا: الصنف الأول: نفاة الحِكَم والتعليل، الذين يرُدُّون الأمر إلى محض المشيئة وصرف الإرادة.

والصنف الثاني: القدَريَّةُ النُّفاة، الذين يُثبِتون نوعًا من الحكمة والتعليل، لكنه لا يقوم بالربِّ ولا يرجع إليه، بل يرجع إلى مجرد مصلحة المخلوق ومنفعته، فعندهم أن العبادات شُرِعت أثمانًا لما يناله العبدُ من الثواب العظيم كأجرة الأجير.

والصنف الثالث: زعموا أن حكمة العبادة ومصلحتها رياضةُ النفوس؛ كبعض الصوفية والفلاسفة.

والصنف الرابع: الطائفة الإبراهيمية المحمدية، العارفون بالله وحكمته في أمره وشرعه وخلقه، وأهل البصائر في عبادته ومراده بها.

28 - وجوب إخلاص العبادة لله تعالى بجميع أنواعها اعتقادًا وقولًا وعملًا، والبراءة من الشرك ووسائله، ومن الحول والقوة؛ لقوله تعالى: ï´؟ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ï´¾ [الفاتحة: 5]، ففي تقديم المفعول في الموضعين وفي تكراره، مع ï´؟ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ï´¾: ما يؤكد تخصيصه جل وعلا بالعبادة والاستعانة، والدعوة إلى عبادة الله وتخصيصه بجميع أنواع العبادة من الاستعانة وغيرها، وهي أساس دعوة الرسل من أولهم إلى آخرهم:
قال نوح عليه السلام: ï´؟ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ ï´¾ [الأعراف: 59، المؤمنون: 23]. وكذلك قال هود[8] وصالح[9] وشعيب[10] وإبراهيم[11] عليهم السلام.

وقال تعالى: ï´؟ وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ ï´¾ [النحل: 36]، وقال تعالى: ï´؟ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ ï´¾ [الأنبياء: 25]، وقال تعالى: ï´؟ يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ * وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ ï´¾ [المؤمنون: 51، 52].

وقد قرن الله بين ï´؟ إِيَّاكَ نَعْبُدُ ï´¾ وï´؟ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ï´¾؛ لأن في قوله: ï´؟ إِيَّاكَ نَعْبُدُ ï´¾ تحقيقَ الألوهية وإبطالًا للشرك فيها، وفي قوله: ï´؟ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ï´¾ تحقيق الربوبية، وإبطالًا للشرك فيها.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية[12]: "وكل واحد من العبادة والاستعانة دعاءٌ، وإذا كان الله قد فرض علينا أن نُناجيَه، وندعوَه بهاتين الكلمتين في كل صلاة، فمعلوم أن ذلك يقتضي أنه فرض علينا أن نعبده وأن نستعينه؛ إذ إيجاب القول الذي هو إقرار واعتراف ودعاء وسؤال هو إيجاب لمعناه..".

ثم ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية[13] أن الإنسان بين هذين الواجبين لا يخلو من أحوال أربعة هي القسمة: إما أن يأتي بهما جميعًا، وإما أن يأتي بالعبادة فقط، وإما أن يأتي بالاستعانة فقط، وإما أن يتركهما جميعًا.

29 - دلَّ قوله تعالى: ï´؟ إِيَّاكَ نَعْبُدُ ï´¾ على أن العبد لا ينفكُّ عن العبودية حتى الموت، كما قال تعالى: ï´؟ وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ ï´¾ [الحجر: 99]؛ أي حتى يأتيك الموت؛ ولهذا قال الله عن أهل النار أنهم يقولون: ï´؟ وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ * حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ ï´¾ [المدثر: 46، 47]؛ أي الموت، وهذا بإجماع المفسِّرين المعتبرين.

وفي الحديث الصحيح في قصة موت عثمان بن مظعون رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((أما عثمان، فقد جاءه اليقين من ربِّه))[14] ؛ أي: الموت وما فيه.

وفي هذا ردٌّ على الخرافيين من الصوفية الذين يزعمون أن الواحد منهم قد يصل إلى مقام يسقُط عنه التعبُّدُ والتكليف، ويفسِّرون اليقين في قوله تعالى: ï´؟ وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ ï´¾ [الحجر: 99] بأنه وصول المرء إلى أعلى المقامات، وهو سقوط التكليف، وكونه لا يُسأل عما يفعل.

قال ابن القيم[15]: "فلا ينفك العبد من العبودية ما دام في دار التكليف، بل عليه في البرزخ عبودية أخرى لَمَّا يسأله الملَكانِ: "من كان يعبد؟ وما يقوله في رسول الله صلى الله عليه وسلم"، ويلتمسان منه الجواب، وعليه عبودية أخرى يوم القيامة يوم يدعو الله الخلق كلَّهم إلى السجود، فيسجد المؤمنون، ويبقى الكفار والمنافقون لا يستطيعون السجود، فإذا دخلوا دار الثواب والعقاب انقطَعَ التكليف هناك، وصارت عبودية أهل الثواب تسبيحًا مقرونًا بأنفاسهم، لا يجدون له تعبًا ولا نصبًا.

ومن زعم أنه يصل إلى مقام يسقُط عنه فيه التعبُّدُ، فهو زنديق كافر بالله وبرسوله، وإنما وصل إلى مقام الكفر بالله، والانسلاخ من دينه.

بل وكلما تمكَّن العبد في منازل العبودية، كانت عبوديته أعظم، والواجب عليه منها أكبر، وأكبر من الواجب على من دونه؛ ولهذا كان الواجب على رسول الله صلى الله عليه وسلم - بل على جميع الرسل - أعظَمَ من الواجب على أممهم، والواجب على أولي العزم أعظم من الواجب على من دونهم، والواجب على أولي العلم أعظم من الواجب على من دونهم، وكل أحد بحسب مرتبته".

30 - حاجة جميع الخلق إلى عون الله تعالى وإمداده، وافتقار جميع الخلق إليه في جميع أمورهم الدينية والدنيوية؛ لقوله تعالى: ï´؟ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ï´¾، وكما جاء في الدعاء: ((اللهم لا تَكِلْني إلى نفسي طرفةَ عين))[16].

فالعبد دائمًا وأبدًا في حاجة إلى عون الله تعالى وإمداده، وكما قيل:
إذا لم يكنْ عونٌ من الله للفتى *** فأولُ ما يَجني عليه اجتهادُهُ

31 - تقديم حقِّه تعالى على حق العبد، وتقديم العام على الخاص، والغاية على الوسيلة، والأهمِّ على المهم؛ لقوله تعالى: ï´؟ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ï´¾.

32 - لما كانت عبادة الله تعالى هي أشرف مقام يصل إليه العبد؛ أَتْبَعَ قوله: ï´؟ إِيَّاكَ نَعْبُدُ ï´¾ بقوله: ï´؟ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ï´¾؛ لئلا يتعاظَمَ المرء في نفسه ويُداخِله العُجبُ بعبادته، وليعلم أن ما حصل له من التذلُّل لربِّه والخضوع له إنما هو بعون الله وتوفيقه.

33 - دلَّ قوله تعالى: ï´؟ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ï´¾ على إثبات القدر، وأن الله فاعلٌ حقيقة، وإبطال قول القدَريَّة الذين يقولون: إن العبد يخلق فعل نفسه؛ فإن استعانتهم به إنما تكون على شيء هو بيده، وتحت قدرته ومشيئته، فلو كان بيدهم الفعلُ فكيف يستعينون على إيجاده بمن ليس ذلك الفعلُ بيده؟[17].
يتبع



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 13-06-2021, 07:33 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 152,714
الدولة : Egypt
افتراضي رد: كتاب «عون الرحمن في تفسير القرآن» ------متجدد إن شاء الله

كتاب «عون الرحمن في تفسير القرآن»

الشيخ أ. د. سليمان بن إبراهيم اللاحم

ما يؤخذ من سورة الفاتحة من فوائد وأحكام (3)




48 - أن طريق الحق واحد؛ ولهذا ذُكر بالإفراد، وعُرِّف في الموضعين: الأول بأل، والثاني بالإضافة؛ قال تعالى: ï´؟ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ ï´¾ [الفاتحة: 6، 7]؛ أي الطريق المعهود المعروف.



بخلاف طرق الباطل، فهي كثيرة متشعبة؛ ولهذا ذكرها بالجمع، بينما أفرد طريق الحق في قوله تعالى: ï´؟ وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ï´¾ [الأنعام: 153].



قال ابن القيم[1]: "وذكر الصراط المستقيم مفردًا معرَّفًا تعريفين: تعريفًا باللام، وتعريفًا بالإضافة، وذلك يفيد تَعَيُّنَه واختصاصه، وأنه صراط واحد، وأما طرق أهل الغضب والضلال، فإنه سبحانه يجمعها ويفردها؛ كقوله: ï´؟ وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ï´¾ [الأنعام: 153] ".



وعن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال: خَطَّ لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم خطًّا، وقال: ((هذه سبيل الله))، ثم خطَّ خطوطًا عن يمينه وعن يساره، وقال: ((هذه سبل، على كل سبيل شيطانٌ يدعو إليه، ثم قرأ قوله تعالى: ï´؟ وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ï´¾ [الأنعام: 153]))[2].



49 - أن الصراط تارة يضاف إلى سالكيه، كما في قوله تعالى: ï´؟ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ ï´¾ [الفاتحة: 7]، وتارة يضاف إلى الله تعالى الذي نصَبَه وشرعه ووضعه لعباده، كما في قوله تعالى: ï´؟ صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ï´¾ [الشورى: 53]، وقوله تعالى: ï´؟ وَهَذَا صِرَاطُ رَبِّكَ مُسْتَقِيمًا ï´¾ [الأنعام: 126]، وقوله تعالى: ï´؟ وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ ï´¾ [الأنعام: 153].



50 - وجوب الاعتراف بالنعمة لمُولِيها ومُسْديها؛ لقوله تعالى: ï´؟ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ ï´¾، فالمنعِم الحقُّ بجميع النعم هو الله جل وعلا، كما قال تعالى: ï´؟ وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ï´¾ [النحل: 53]، وقال تعالى: ï´؟ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا ï´¾ [إبراهيم: 34، والنحل: 18].



51 - في إثبات حمده بصفات الكمال، وإثبات ربوبيته وملكه، وكونه مستعانًا به، مسؤولًا أن يهديَ عباده الصراط المستقيم، وكونه منعمًا - في ذلك كلِّه دلالةٌ على أنه تعالى فاعل مختار بقدرته ومشيئته، وردٌّ على القائلين بالموجب بالذات دون الاختيار والمشيئة، تعالى الله عما يقول الجاهلون علوًّا كبيرًا[3].



52 - استدل الشنقيطي[4] بقوله تعالى: ï´؟ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ ï´¾ [الفاتحة: 6، 7] على صحة إمامة أبي بكر الصِّدِّيق رضي الله عنه قال: "لأنه داخل في الذين أمَرَنا الله في هذه السورة بأن نسأل أن يهديَنا صراطَهم. قال: فدلَّ على أن صراطهم هو الصراط المستقيم، وقد بيَّن الرسول صلى الله عليه وسلم أن أبا بكر رضي الله عنه من الصِّدِّيقين، فاتضح أنه داخل في الذين أنعم الله عليهم؛ لقوله تعالى: ï´؟ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا ï´¾ [النساء: 69]. قال: فهو رضي الله عنه على الصراط المستقيم، وإمامتُه حق".



53 - إثبات كمال الصراط المستقيم، صراط الذين أنعم الله عليهم؛ لقوله تعالى بعد أن ذكر هذا الصراط: ï´؟ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ ï´¾ [الفاتحة: 7]؛ أي غير صراط المغضوب عليهم، ولا صراط الضالين.



لأن الصفات السلبية يؤتى بها لإثبات كمال ضدِّها؛ كقوله تعالى: ï´؟ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ ï´¾ [البقرة: 255] لإثبات كمال قيوميته، وكقوله: ï´؟ وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ وَكَفَى بِهِ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا ï´¾ [الفرقان: 58]، ونحو ذلك.



54 - ينبغي للعبد بعد أن يسأل الله تعالى أن يهديَه الصراط المستقيم، صراط الذين أنعم الله عليهم فحققوا التوحيد: أن يسأله أيضًا أن يَجْنُبَه صراطَ المغضوب عليهم ممن عرَفوا الحق ولم يعملوا به، من اليهود وغيرهم، وصراط الضالين، الذين عبدوا الله على جهل وضلال، من النصارى وغيرهم؛ لقوله تعالى: ï´؟ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ ï´¾ [الفاتحة: 7]، وهذا هو أفضل دعاء دعا به العبدُ ربَّه وأَوجَبُه وأنفَعُه[5].



55 - إثبات صفة الغضب لله - كما يليق بجلاله وعظمته، وهي من الصفات الفعلية المتعلِّقة بالمشيئة، لكن لا يُشتَقُّ منها اسمٌ على الإطلاق؛ فلا يقال: الغضبان، أو الغاضب، قال تعالى: ï´؟ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ ï´¾، وقال تعالى: ï´؟ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ ï´¾ [الفتح: 6]، وقال تعالى: ï´؟ وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ ï´¾ [النساء: 93].



56 - ينبغي للعبد أن يسلك من الطرق أحسنها وأصلحها وأقومها، وأن يختار لنفسه القدوة الحسنة، والأسوة الصالحة، بسلوك طريق النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وأن يحذر من طرق الكفر والبغي والضلال، التي هي مسالك اليهود والنصارى وغيرهم.



57 - أن من أخص صفات اليهود الغضب؛ لأنهم عرَفوا الحق وتركوه، كما قال تعالى: ï´؟ قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ ï´¾ [المائدة: 60].



وأن من أخص أوصاف النصارى الضلال؛ لأنهم عبدوا الله على جهل وضلال، كما قال تعالى: ï´؟ قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ ï´¾ [المائدة: 77].



ولهذا وصف الله في سورة الفاتحة كلًّا من اليهود والنصارى بأخص أوصافهم، فقال: ï´؟ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ ï´¾ يعني اليهود، ï´؟ وَلَا الضَّالِّينَ ï´¾ يعني النصارى، وإلا فكلٌّ من الطائفتين مغضوب عليه وضالٌّ.



58 - أن كل من سلك مسلك أحد الطائفتين شَمِلَه وصفُ تلك الطائفة، كما قال سفيان بن عيينة: "من فسد من علمائنا ففيه شَبَهٌ من اليهود، ومن فسد من عُبَّادِنا ففيه شبه من النصارى"، وفي الحديث: ((مَن تَشبَّهَ بقوم فهو منهم))[6].



فيجب الحذر من التشبُّهِ بهم؛ إذ ليس بين الله وبين أحد من الخلق نَسَبٌ، بل إن الآية توجب سؤال الله السلامة من جميع مسالك الكفر والضلال، والحذر من ذلك.



59 - دل قوله تعالى: ï´؟ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ï´¾ [الفاتحة: 6] وما بعده على أن الناس ينقسمون بحسب معرفة الحق والعمل به إلى ثلاثة أقسام: قسمٌ أنعَمَ الله عليهم بمعرفة الحق والعمل به، وقسمان مخذولان، أحدهما: من عرَفوا الحق وتركوه كفرًا وعنادًا، وهم اليهود ومن سلك مسلكهم؛ ولهذا استحقوا غضب الله تعالى. والقسم الثاني: من ضلُّوا عن الحق وجهلوه، مِن النصارى ومن سلك مسلكهم؛ ولهذا وصفهم الله بالضلال.



60 - في إسناد النعمة إلى الله تعالى، وإضافتها إليه في قوله: ï´؟ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ ï´¾ إشارة إلى تفرُّدِه بالإنعام، وتكريم المُنْعَم عليه. وفي حذف فاعل الغضب في قوله: ï´؟ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ ï´¾ إشارة إلى أن الغضب عليهم لا يختص به تعالى، بل ملائكته وأنبياؤه ورسله يغضبون لغضبه، كما أن في ذلك إشعارًا بإهانة المغضوب عليهم وتحقيرهم.



كما أن في إسناد النعمة إلى الله تعالى، وحذف فاعل الغضب وإسناد الضلال إلى من قام به في قوله: ï´؟ وَلَا الضَّالِّينَ ï´¾: تعليمًا لحسن الأدب مع الله بإسناد الخير والنعم إليه، وحذف الفاعل فيما يقابل ذلك أو إسناده إلى من قام به، كما قال صلى الله عليه وسلم: ((والخير كله بيديك، والشر ليس إليك))[7].



أي إن الشر في مفعولات الله، لا في فعله، فإن فعله كلَّه خير وحكمة، وكما قال إبراهيم الخليل عليه السلام، فيما حكى الله عنه: ï´؟ وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ * وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ ï´¾ [الشعراء: 79، 80][8].



61 - بلوغ القرآن غاية الإيجاز مع الفصاحة والبيان؛ فإن الله وصف كلًّا من الطوائف الثلاث بوصف يستلزم الجزاء وسببه بأوجز لفظ في قوله تعالى: ï´؟ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ ï´¾ [الفاتحة: 7].



قال ابن القيم[9]: "وتأمل سرًّا بديعًا في ذكر السبب والجزاء للطوائف الثلاث بأوجز لفظ وأخصره؛ فإن الإنعام عليهم يتضمن إنعامه بالهداية التي هي العلم النافع والعمل الصالح، وهي الهدى ودين الحق، ويتضمن كمال الإنعام بحسن الثواب والجزاء، فهذا تمام النعمة، ولفظ ï´؟ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ ï´¾ يتضمن الأمرين.



وذكر غضبه على المغضوب عليهم يتضمن أيضًا أمرين: الجزاء بالغضب الذي موجبه غاية العذاب والهوان، والسبب الذي استحقوا به غضبه سبحانه، فإنه أرحم وأرأف من أن يغضب بلا جناية منهم ولا ضلال، فكأن الغضب عليهم مستلزم لضلالهم، وذكر الضالين مستلزم لغضبه عليهم، وعقابه لهم، فإن من ضلَّ استحق العقوبة التي هي موجب ضلاله وغضب الله عليه".



62 - الترغيب في سلوك سبيل المنعم عليهم والمؤمنين، والترهيب من سلوك طريق المغضوب عليهم والضالين؛ يؤخذ هذا من المقابلة بين الهداية والنعمة والغضب والضلال.



63 - دلَّت السورة على إثبات النبوات، ووجوب الإيمان بالكتب والرسل، والرد على منكِري النبوات، وذلك في مواضع كثيرة، منها ما يلي:

أولًا: من قوله تعالى: ï´؟ الْحَمْدُ لِلَّهِ ï´¾ [الفاتحة: 2]؛ إذ لا سبيل إلى معرفة حمده، ووصفه بصفاته إلا عن طريق كتبه ورسله، كما أن في إثبات حمده التام ووصفه بصفات الكمال ما يقتضي كمال حكمته، وأن لا يخلق الخلق عبثًا، ولا يتركهم سدىً، لا يُؤمَرون ولا يُنهَوْن؛ ولهذا نزَّه تعالى نفسه عن هذا في مواضع من كتابه، وبيَّن أن من أنكر الرسالة والنبوة فإنه ما قَدَرَهُ حقَّ قدره، قال تعالى: ï´؟ وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ ï´¾ [الأنعام: 91]، وقال تعالى: ï´؟ أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى ï´¾ [الرعد: 19][10].



قال ابن القيم[11]: "فمن أعطى الحمد حقه علمًا ومعرفة وبصيرة، استنبط منه: أشهد أن محمدًا رسول الله، كما يستنبط منه أشهد أن لا إله إلا الله، وعلم قطعًا أن تعطيل النبوات في منافاته للحمد كتعطيل الصفات، وكإثبات الشركاء والأنداد".
يتبع




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 10-06-2021, 08:56 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 152,714
الدولة : Egypt
افتراضي رد: كتاب «عون الرحمن في تفسير القرآن» ------متجدد إن شاء الله

كتاب «عون الرحمن في تفسير القرآن»

الشيخ أ. د. سليمان بن إبراهيم اللاحم


ما يؤخذ من سورة الفاتحة من فوائد وأحكام (2)




34 - في نسبة العبادة والاستعانة إلى العباد في قوله: ï´؟ نَعْبُدُ ï´¾ وï´؟ نَسْتَعِينُ ï´¾ دليلٌ على أن ذلك من فعلهم، وأن لهم على ذلك قدرة واختيارًا ومشيئة، وأن العبد حقيقة هو العابد والمستعين، والله هو المعبود والمستعان به، وفي ذلك إبطال لقول الجبريَّة الذين يقولون: إن العبد مجبور على أفعاله[18]؛ قال بعض السلف: من أقَرَّ بـï´؟ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ï´¾ فقد برئ من الجبر والقدر[19].

35 - في تقديم قوله تعالى: ï´؟ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ * إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ï´¾ [الفاتحة: 2 - 5]، على قوله: ï´؟ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ï´¾ [الفاتحة: 6] دلالةٌ على أن من آداب الدعاء والسؤال أن يقدِّم السائل بين يدي سؤاله ما يكون سببًا للإجابة من حمد الله والثناء عليه وتمجيده، وإعلان إخلاص العبادة له، والاستعانة به، والبراءة من الشرك ومن الحول والقوة، ثم يسأل حاجته الدينية أو الدنيوية[20].

ومثل ذلك أن يقدِّم بين يدي سؤاله الاعترافَ بالخطأ والذنب، كما قال الأبوانِ: ï´؟ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ ï´¾ [الأعراف: 23]، وقال موسى عليه السلام: ï´؟ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي ï´¾ [القصص: 16]، وقال ذو النون عليه السلام: ï´؟ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ ï´¾ [الأنبياء: 87].

ومثل ذلك إعلان السائل شدة حاجته، كما قال موسى عليه السلام: ï´؟ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ ï´¾ [القصص: 24].

ويتفرع عن هذه الفائدة أنه ينبغي عندما يتقدَّم الإنسان إلى شخص يسأله حاجة مما هو عليه قادر: أن يقدِّم بين يدي سؤاله ما يكون سببًا للإجابة؛ كالثناء عليه، والدعاء له، وذكر السائل شدة حاجته؛ قال الشاعر:
أأذكُرُ حاجتي أم قد كفاني
حياؤك إنَّ شيمتك الحياءُ

إذا أَثنى عليك المرءُ يومًا
كفاهُ مِن تعرُّضِه الثناءُ[21]

قال ابن القيم[22]: "ولما كان سؤال الله الهدايةَ إلى الصراط المستقيم أجَلَّ المطالب، ونيله أشرف المواهب: علَّم الله عباده كيفية سؤاله، وأمرهم أن يقدِّموا بين يديه حمده والثناء عليه وتمجيده، ثم ذِكْر عبوديتهم وتوحيدهم، فهاتان وسيلتان إلى مطلوبهم: تَوسُّلٌ إليه بأسمائه وصفاته، وتوسُّلٌ إليه بعبوديته.

وهاتان الوسيلتان لا يكاد يُرَدُّ معهما الدعاء، ويؤيِّدُهما الوسيلتان المذكورتان في حديثَيِ الاسم الأعظم...

أحدها: حديث بريدة رضي الله عنه قال: سمع النبي صلى الله عليه وسلم رجلًا يدعو، ويقول: اللهم أسألك بأني أشهد أنك الله الذي لا إله إلا أنت الأحد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفوًا أحد، فقال: ((والذي نفسي بيده، لقد سأل اللهَ باسمه الأعظم، الذي إذا دُعي به أجاب، وإذا سُئل به أعطى))[23].

والثاني: حديث أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سمع رجلًا يدعو: اللهم إني أسألك بأن لك الحمد، لا إله إلا أنت المنان، بديع السموات والأرض، ذا الجلال والإكرام، يا حي يا قيوم، فقال: ((لقد سأل الله باسمه الأعظم))[24].

ففي هذين الحديثين توسُّلٌ إلى الله بتوحيده وأسمائه وصفاته.

قال ابن القيم: "وقد جمعت الفاتحة الوسيلتين، وهما التوسل بالحمد والثناء عليه وتمجيده، والتوسل إليه بعبوديته وتوحيده، ثم جاء سؤال أهمِّ المطالب، وأنجح الرغائب - وهو الهداية - بعد الوسيلتين، فالداعي به حقيقٌ بالإجابة".

36 - وجوب دعاء الله والتضرع إليه، وسؤاله الهداية، التي هي أجلُّ المطالب؛ لقوله تعالى: ï´؟ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ï´¾ [الفاتحة: 6]؛ أي: اهدنا إليه وفيه، وذلك بالتوفيق إلى سلوك طريق الإيمان دون سواه، وإلى فعل التفاصيل الدينية بامتثال الأوامر واجتناب النواهي، فالعبد في كل لحظة وعند أي عمل في حاجة أن يوفِّقَه الله ويهديه إلى الصراط المستقيم ويهديه فيه، ولولا هداية الله وعونه وتوفيقه للعبد لانقَطعتْ به الأسباب، وضلَّ عن جادَّةِ الصواب، فحاجة العبد إلى سؤال الله هذه الهدايةَ ضروريةٌ لسعادته وفلاحه في الدنيا والآخرة أشدَّ من حاجته إلى الرزق والطعام والشراب وغير ذلك[25].

37 - في قوله تعالى: ï´؟ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ï´¾ ردٌّ على القدَريَّة المجوسية القائلين بأن العبد يخلُقُ فعل نفسه، ولو كان يخلق فعل نفسه، ما كان في حاجة إلى أن يسأله الهداية.

38 - أن الهدى الحقيقي الصحيح هو ما جاء عن الله تعالى؛ لقوله تعالى: ï´؟ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ï´¾، فمن التمس الهدى من غير الله، فهو على ضلال؛ كمن يحتكم إلى القوانين الوضعية التي وضَعَها البشر، وصدق الله العظيم: ï´؟ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ ï´¾ [المائدة: 50].

39 - مشروعية دعاء المسلم لإخوانه المسلمين حين يدعو لنفسه؛ يؤخذ هذا من التعبير بضمير الجمع في قوله: ï´؟ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ï´¾، وفي هذا، وفي قوله قبله: ï´؟ نَعْبُدُ ï´¾ وï´؟ نَسْتَعِينُ ï´¾ إشارةٌ إلى فضل الجماعة، كما أن في الآيتين بضمير الجمع فيهما تعظيمًا لله تعالى وثناء عليه بسَعةِ مجده، وكثرة عبيده، وكثرة سائليه[26].

40 - ربط الأعمال ونجاحها بأسبابها، وربط الأسباب بمسبباتها؛ يؤخذ هذا من قوله: ï´؟ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ï´¾؛ فبهداية الله للعبد وتوفيقه له يسلُك الطريق المستقيم، فيعرف الحق ويعمل به.

41 - أن صراط الله والطريق الموصِّل إليه عدلٌ مستقيم لا اعوجاج فيه، وهو الإيمان بالله تعالى، ومعرفة الحق والعمل به، والعلم النافع والعمل الصالح، وهو المؤدي إلى السعادة في الدنيا والآخرة، بخلاف طرق الباطل، فهي ملتوية معوجَّة، وتؤول بصاحبها إلى الشقاء والهلاك في الدنيا والآخرة؛ لقوله تعالى: ï´؟ الْمُسْتَقِيمَ ï´¾.

42 - يؤخذ من قوله تعالى: ï´؟ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ * اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ï´¾ [الفاتحة: 5، 6]، بعد قوله في أول السورة: ï´؟ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ï´¾ [الفاتحة: 2، 3]: أن من كانت هذه صفته، لم يكن أحد أحَقَّ منه بالعبادة والاستعانة وطلب الهداية.

43 - أن الصراط المستقيم الذي يَسأل العبدُ ربَّه الهدايةَ إليه هو صراط الذين أنعم الله عليهم بطاعته تعالى، وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم، فأَنْعِمْ به من طريق، وأَكرِمْ بها من نعمة! قال تعالى في سورة النساء: ï´؟ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا * ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ عَلِيمًا ï´¾ [النساء: 69، 70]، وقد أضاف سبحانه وتعالى الصراط إلى الاسم الموصول في قوله: ï´؟ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ ï´¾ [الفاتحة: 7]؛ ليعُمَّ السؤال الهداية إلى صراط جميع المنعَم عليهم بجميع تفاصيله.

44 - أن الهداية للطريق المستقيم بالإيمان بالله والعمل الصالح هي أعظم نعمة على العبد، ولا تُنال إلا بإنعام الله وتوفيقه للعبد، قال تعالى: ï´؟ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ ï´¾ [الفاتحة: 6، 7]، وقال تعالى: ï´؟ يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ ï´¾ [الحجرات: 17].

فمن وفِّق ورُزق هذه النعمة، وهي نعمة الإيمان بالله، فهو المُوفَّق، وإن فاته ما دونها من النِّعم، ومن حُرِمها ولم يُوفَّق لها، فهذا هو الخاسر المغبون، وإنْ حصل له شيء مما دونها من النِّعم، بل إن التوفيق لهذه النعمة سبب للتوفيق لما دونها من النعم، وإن حرمانها سبب لحرمان ما دونها من النعم.

وهذه هي النعمة المطلقة التي بها سعادة المرء في الدنيا والآخرة، وهي التي خص الله بها أولياءه، أما مطلق النعمة فهو عام لهم ولغيرهم.

قال ابن القيم[27]: "وفي تخصيصه لأهل الصراط المستقيم بالنعمة ما دل على أن النعمة المطلقة هي الموجبة للفلاح الدائم، وأما مطلق النعمة فعلى المؤمن والكافر، فكل الخلق في نعمه، فهذا فصل النزاع في مسألة هل لله على الكافر نعمة أم لا؟ فالنعمة المطلقة لأهل الإيمان، ومطلق النعمة تكون للمؤمن والكافر، كما قال تعالى: ï´؟ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ ï´¾ [إبراهيم: 34]، والنعمة من جنس الإحسان، بل هي الإحسان، والرب تعالى إحسانُه على البَرِّ والفاجر، والمؤمن والكافر، وأما الإحسان المطلق فللذين اتقوا والذين هم محسنون".

45 - في قوله تعالى: ï´؟ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ ï´¾ [الفاتحة: 7] مبنيًا للفاعل الاستعطاف بنسبة النعم إلى الله، والاعتراف بنعمه السابقة على العباد، فكأنه يقول: أسألك يا رب الهداية، يا سابق الإنعام والفضل والإحسان، كما في الدعاء: ((اللهم اهدني فيمن هديتَ))[28].

46 - التنويه بعلو شأن المنعَم عليهم وفضلهم، ورفعة قدرهم، وعلو درجاتهم؛ يؤخذ هذا من قوله تعالى: ï´؟ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ ï´¾ [الفاتحة: 6، 7].

47 - الترغيب بسلوك الطريق المستقيم ببيان الرفقة فيه وسالكيه، وأَنْعِم بهم من رفقة.

قال ابن القيم[29]: "ولما كان طالب الصراط المستقيم طالبَ أمرٍ أكثرُ الناس ناكبون عنه، مريدًا لسلوكِ طريقٍ مُرافِقُه فيها في غاية القلة والعِزة، والنفوس مجبولة على وحشة التفرد، وعلى الأنس بالرفيق؛ نبَّهَ الله سبحانه على الرفيق في هذه الطريق، وأنهم هم ï´؟ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا ï´¾ [النساء: 69]، فأضاف الصراط إلى الرفيق السالكين له، وهم الذين أنعم الله عليهم؛ ليزول عن الطالب للهداية وسلوك الصراط وحشةُ تفرُّدِه عن أهل زمانه وبني جنسه، وليعلم أن رفيقه في هذا الصراط هم الذين أنعم الله عليهم، فلا يكترث بمخالفة الناكبين عنه له، فإنهم هم الأقلُّون قدْرًا، وإن كانوا الأكثرين عددًا، كما قال بعض السلف: "عليك بطريق الحق، ولا تستوحش لقلة السالكين، وإياك وطريق الباطل، ولا تغترَّ بكثرة الهالكين"، وكلما استوحشت في تفرُّدِك، فانظُرْ إلى الرفيق السابق، واحرص على اللحاق بهم، وغُضَّ الطرْفَ عمن سواهم، فإنهم لن يُغنُوا عنك من الله شيئًا، وإذا صاحوا بك في طريق سيرك فلا تلتفت إليهم؛ فإنك متى التفَتَّ إليهم أخَذوك وعاقوك، وقد ضرَبتُ لذلك مثَلينِ، فليكونا منك على بالٍ:
المثل الأول: رجل خرج من بيته إلى الصلاة، لا يريد غيرها، فعرض له في طريقه شيطان من شياطين الإنس، فألقى عليه كلامًا يؤذيه، فوقف وردَّ عليه، وتَماسَكا، فربما كان شيطان الإنس أقوى منه، فقهره، ومنعه عن الوصول إلى المسجد، حتى فاتته الصلاة، وربما كان الرجل أقوى من شيطان الإنس، ولكن اشتغل بمهاوشته عن الصف الأول، وكمال إدراك الجماعة، فإن التفَتَ إليه أَطْمَعَه في نفسه، وربما فترت عزيمته، فإن كان له معرفة وعلم زاد في السعي والجمز[30]، بقدر التفاته أو أكثر، فإن أعرض عنه، واشتغل بما هو بصدده، وخاف فَوْتَ الصلاة أو الوقت: لم يبلغ عدوُّه منه ما شاء.

المثل الثاني: الظبي أشد سعيًا من الكلب، ولكنه إذا أحَسَّ به التفت إليه، فيضعف سعيُه، فيُدرِكُه الكلب، فيأخذه.

والقصد أن في ذكر هذا الرفيق ما يزيل وحشةَ التفرد، ويحثُّ على السير والتشمير للحاق بهم، وهذه إحدى الفوائد في دعاء القنوت: ((اللهم اهدني فيمن هديت))[31] ؛ أي: أَدخِلْني في هذه الزمرة، واجعلني رفيقًا لهم ومعهم..".


[1] أخرجه البخاري في بدء الخلق (3194) من حديث أبي هريرة، وكذا مسلم في التوبة - باب في سعة رحمة الله وأنها سبقت غضبه (2751).

[2] أخرجه مسلم في التوبة - باب سعة رحمة الله تعالى وأنها سبقت غضبه (2755).

[3] انظر: "البحر المحيط" (1/ 25).

[4] انظر: "مدارج السالكين" (1/ 131 -133).

[5] في "مدارج السالكين" (1/ 134 -135).

[6] انظر: "مدارج السالكين" (1/ 110 -115).

[7] انظر: "المصدر السابق" (1/ 115 -122).

[8] الأعراف:65، هود:50.

[9] الأعراف:73، هود:61.

[10] الأعراف:85، هود:84.

[11] كما قال تعالى في سورة العنكبوت: ï´؟ وَإِبْرَاهِيمَ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ï´¾ [العنكبوت: 16].
وانظر: "مدارج السالكين" (1/ 127)، "طريق الهجرتين" ص(67)

[12] انظر: "مجموع الفتاوى" (14/ 8).

[13] انظر: "مجموع الفتاوى" (14/ 8، 10، 36)، وانظر: (1/ 36).

[14] أخرجه البخاري في الجنائز (1243)، وفي "مناقب الأنصار" (3929) من حديث أم العلاء رضي الله عنها.

[15] في "مدارج السالكين" (1/ 130 -131).

[16] سبق تخريجه.

[17] انظر: "مدارج السالكين" (1/ 90).

[18] انظر: "جامع البيان" (1/ 162 -163، 168)، "مدارج السالكين" (1/ 92).

[19] انظر: "الجامع لأحكام القرآن" (1/ 145).

[20] انظر: "أحكام القرآن" للجصاص (1/ 23).

[21] انظر: "تفسير ابن كثير" (1/ 54).

[22] في "مدارج السالكين" (1/ 46 -47).

[23] أخرجه أبو داود في الصلاة - باب الدعاء (1493)، والنسائي في الصلاة، باب الدعاء (1324)، والترمذي في الدعوات باب جامع الدعوات (3475)، وابن ماجه في الدعاء، باب اسم الله الأعظم (3857)، وأحمد (5/ 349)، وابن حبان (888، 889)، والحاكم (1/ 504) وصححه ووافقه الذهبي، وكذا صححه الألباني.

[24] أخرجه أبو داود في الباب السابق (1495)، والنسائي في الباب السابق (1326)، وابن ماجه في الباب السابق (3858)، وأحمد (3/ 158، 245، 265)، وابن حبان (890)، والحاكم (1/ 503 -504)، وصححه ووافقه الذهبي، وكذا صححه الألباني.

[25] انظر: "مجموع الفتاوى" (14/ 39، 17/ 131 -132، 8/ 215 -216)، "بدائع الفوائد" (2/ 18).

[26] انظر: "بدائع الفوائد" (2/ 39).


[27] في "مدارج السالكين" (1/ 35).

[28] أخرجه أبو داود في الصلاة، القنوت في الوتر (1425)، والنسائي في قيام الليل (1647)، وابن ماجه - ما جاء في الوتر (1178)، وأحمد (1/ 199) من حديث الحسن بن علي رضي الله عنه، وهو حديث صحيح.

[29] في "مدارج السالكين" (1/ 44 -45).

[30] الجمز: سرعة السير والعَدْو - انظر: "اللسان" مادة: "جمز".

[31] سبق تخريجه.









__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 13-06-2021, 07:35 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 152,714
الدولة : Egypt
افتراضي رد: كتاب «عون الرحمن في تفسير القرآن» ------متجدد إن شاء الله

كتاب «عون الرحمن في تفسير القرآن»

الشيخ أ. د. سليمان بن إبراهيم اللاحم

ما يؤخذ من سورة الفاتحة من فوائد وأحكام (3)



ثانيًا: من قوله تعالى: ï´؟ لِلَّهِ ï´¾ ومعناه: المألوه المعبود، ولا سبيل إلى معرفة كيفية عبادته، وما يعبد به إلا من طريق الرسل والنبوات.



ثالثًا: من قوله تعالى: ï´؟ رَبِّ الْعَالَمِينَ ï´¾ [الفاتحة: 2]؛ إذ الرب يتعهد مربوبه بالتربية والإصلاح، ومقتضى ذلك إرسالُ الرسل، وإنزال الكتب؛ لدعوة الناس إلى الخير، وتحذيرهم من الشر في دينهم ودنياهم.



قال ابن القيم[12]: "فلا يليق به أن يترك عباده سدىً هملًا، لا يعرِّفهم ما ينفعهم في معاشهم ومعادهم، وما يضرهم فيهما، فهذا هضم للربوبية، ونسبة الرب تعالى إلى ما لا يليق به، وما قدَرَه حق قدره من نسبه إليه".



رابعًا: من قوله تعالى: ï´؟ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ï´¾ [الفاتحة: 3]؛ فإن مقتضى رحمته ألا يترك العباد بلا رسل تبلغهم وحي الله، كما قال تعالى: ï´؟ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ï´¾ [الأنبياء: 107].



قال ابن القيم[13]: "فإن رحمته تمنع إهمال عباده، وعدم تعريفهم ما ينالون به غاية كمالهم، فمن أعطى اسم (الرحمن) حقَّه عرف أنه متضمن لإرسال الرسل، وإنزال الكتب أعظم من تضمُّنِه علمَ إنزال الغيث، وإنبات الكلأ، وإخراج الحَبِّ، فاقتضاء الرحمة لما تحصل به حياة القلوب والأرواح أعظم من اقتضائها لما تحصل به حياة الأبدان والأشباح، لكن المحجوبون إنما أدرَكوا من هذا الاسم حظَّ البهائم والدواب، وأدرك منه أولو الألباب أمرًا وراء ذلك".



خامسًا: من قوله: ï´؟ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ï´¾ [الفاتحة: 4] فإن من تمام ملكه أن يكون له رسل وكتب يبُثُّها في أقطار مملكته لتبليغ أوامره ونواهيه.



سادسًا: من قوله تعالى: ï´؟ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ï´¾ إذ كيف يحاسب ويجازي الخلق إلا بعد إقامة الحجة عليهم بإرسال الرسل، كما قال تعالى: ï´؟ رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ ï´¾ [النساء: 165].



قال ابن القيم[14]: "فإنه اليوم الذي يدين الله العباد فيه بأعمالهم، فيثيبهم على الخيرات، ويعاقبهم على المعاصي والسيئات، وما كان الله لِيُعذِّبَ أحدًا قبل إقامة الحجة عليه، والحجة إنما قامت برسله وكتبه، وبهم استحق الثواب والعقاب، وبهم قام سوق يوم الدين، وسِيقَ الأبرار إلى النعيم، والفجارُ إلى الجحيم".



سابعًا: من قوله تعالى: ï´؟ إِيَّاكَ نَعْبُدُ ï´¾؛ لأن الله لم يتعبد خلقه بالجهل، ولا طريق لمعرفة كيفية عبادته وبماذا يُعبَد إلا بواسطة الرسل والكتب.



ثامنًا: من قوله تعالى: ï´؟ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ï´¾؛ فإن من أقسام الهداية هداية البيان والدلالة والإرشاد، ولا يكون ذلك إلا من طريق الرسل والكتب المنزلة عليهم من عند الله تعالى، ولا يمكن معرفة الطريق المستقيم الموصِّل إلى الله، والمؤدي إلى السعادة في الدارين إلا من طريق الرسل والكتب.



تاسعًا: من قوله تعالى: ï´؟ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ ï´¾ وهم النبيون ومن ذكر الله معهم في قوله تعالى في سورة النساء: ï´؟ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا ï´¾ [النساء: 69]، فإن معرفة المنعم عليهم ومعرفة طريقهم، ومعرفة النعمة التي من أجلها استحَقُّوا أن يُذكَروا بها على سبيل التشريف والتعظيم، كلُّ ذلك لا يمكن معرفته إلا من طريق الرسل والكتب.



عاشرًا: من قوله تعالى: ï´؟ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ ï´¾ [الفاتحة: 7]؛ إذ لا يمكن معرفة طريق المغضوب عليهم، وطريق الضالين ليجتنبهما العبد إلا من طريق الرسل والكتب.



الحادي عشر: من قوله تعالى: ï´؟ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ ï´¾ [الفاتحة: 7]؛ لأن انقسام الناس إلى هذه الأقسام الثلاثة إنما حصل بسبب إرسال الرسل، فمن عرف الحق الذي جاؤوا به واتبعه، فهو من أهل النعمة، ومن عرفه وعانده، فهو من أهل الغضب، ومن جهل الحق، فهو من أهل الضلال.



ويتفرع عن هذا أنه إذا كانت السورة متضمنة إثبات الرسالات والنبوات، اقتضى ذلك إثبات صفة التكلم والتكليم له جل وعلا؛ قال ابن القيم[15]: "فإن حقيقة الرسالة تبليغ كلام المرسِل، فإن لم يكن ثَمَّ كلامٌ فماذا يبلِّغ الرسلُ؟ بل كيف يعقل كونه رسولًا؟ ولهذا قال غير واحد من السلف: من أنكَرَ أن يكون الله متكلمًا، أو أن يكون القرآن كلامه، فقد أنكَرَ رسالة محمد صلى الله عليه وسلم، بل ورسالة جميع الرسل التي حقيقتُها تبليغ كلام الله تبارك وتعالى".



64 - تضمَّنت السورة الدلالة على سَعة علم الله عز وجل وخبرته، وتعلق علمه بالجزئيات، والرد على من أنكر ذلك من وجوه؛ لأن كونه محمودًا موصوفًا بصفات الكمال يقتضي أن يعلم أحوال العالم وتفاصيل جزئياته، وكونه إلهًا معبودًا يقتضي أن يعلم من يعبده ممن يعبد سواه، وكونه ربًّا للعالمين يقتضي أن يكون عالمًا بتفاصيل مخلوقاته مدبِّرًا لها، وكونه رحمانًا رحيمًا يقتضي أن يعلم أحوال المرحومين، وكونه مالكًا ليوم الدين يقتضي أن يعرف أحوال مملكته ورعيته ليجازي كلًّا بعمله، كما أن كونه مستعانًا به، ومسؤولًا الهداية، وهاديًا ومنعمًا على من أطاعه، ويغضب على من عصاه، كلُّ ذلك يدل على تعلق علمه بالجزئيات وشموله لها[16].



65 - اشتمل قوله تعالى: ï´؟ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ï´¾ [الفاتحة: 6] وما بعده إلى آخر السورة على الرد على جميع طوائف الكفر والضلال، وذلك على سبيل الإجمال؛ لأن الحق في معرفة ما جاء به المصطفى صلى الله عليه وسلم والسير على نهجه، وما عداه من المسالك والسبل الملتوية والمعوجة مردودةٌ باطلة.



وقد عقد ابن القيم[17]، فصلًا في اشتمال الفاتحة على الرد على جميع المُبْطِلين من أهل المِلَلِ والنِّحَل، والرد على أهل البدع والضلال من هذه الأمَّة. قال: وهذا يُعلَم بطريقين مجمل ومفصلٌ.



وبعد أن ذكر رحمه الله ما فيها من ردٍّ على جميع المبطلين بطريق الإجمال، بيَّن اشتمالها على الردِّ على جميع المبطلين بطريق التفصيل، فذكر الردَّ منها على الملاحدة، وإبطال قولهم وبيان ضلالهم، والرد على المجوس والقدَريَّة، وعلى الجهمية، وأهل الإشراك في ربوبيته وإلهيته، وعلى الجهمية معطِّلة الصفات، وعلى الجبرية، وعلى القائلين بالموجب بالذات دون الاختيار والمشيئة، وإثبات أن الله فاعل مختار، والرد على منكري تعلُّق علمه بالجزئيات، ومنكري النبوات، وإثبات صفة التكلم لله عز وجل، والرد على من قال بقدم العالم، وكل هذا سبقت الإشارة إليه.



وختم ابن القيم هذا الفصل في بيان تضمُّنها للرد على الرافضة، فقال: "وذلك من قوله: ï´؟ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ï´¾ [الفاتحة: 6] إلى آخرها. قال: ووجه تضمنه إبطال قولهم: أنه سبحانه قسم الناس إلى ثلاثة أقسام: "منعم عليهم"، وهم أهل الصراط المستقيم، الذين عرَفوا الحق واتبَعوه، و"مغضوب عليهم" وهم الذين عرفوا الحق ورفضوه، و"ضالون" وهم الذين جهلوه فأخطؤوه، فكل من كان أعرَفَ للحق وأتْبَعَ له، كان أولى بالصراط المستقيم، ولا ريب أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنهم هم أولى بهذه الصفة من الروافض؛ فإنه من المحال أن يكون أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنهم - جهلوا الحق وعرَفَه الروافض، أو رفضوه وتمسَّكَ به الروافض.



ثم إنَّا رأينا آثار الفريقين تدل على أهل الحق منهما؛ فرأينا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فتحوا بلاد الكفر وقلَبوها بلاد إسلام، وفتحوا القلوب بالقرآن والعلم والهدى، فآثارهم تدل على أنهم أهل الصراط المستقيم، ورأينا الرافضة بالعكس في كل زمان ومكان، فإنه قط ما قام للمسلمين عدوٌّ من غيرهم إلا كانوا أعوانهم على الإسلام، وكم جرُّوا على الإسلام وأهله من بليَّة... ولهذا فسَّر السلف الصراط المستقيم وأهله بأبي بكر وعمر وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورضي الله عنهم، وهو كما فسَّروه، فإنه صراطهم الذي كانوا عليه، وهو عين صراط نبيِّهم... وأشد الأمة مخالفة له الرافضة... فقد تبيَّن أن الصراط المستقيم صراط أصحابه وأتباعه، وطريق أهل الغضب والضلال طريق الرافضة، وبهذه الطريقة - بعينها - يُرَدُّ على الخوارج؛ فإن معاداتهم الصحابة معروفة".



66 - تضمنت السورة شفاء القلوب، كما تضمنت شفاء الأبدان، قال ابن القيم[18]: "فأما اشتمالها على شفاء القلوب، فإنها اشتملت عليه أتمَّ اشتمال فإن مدار اعتلال القلوب وأسقامها على أصلين: فساد العلم، وفساد القصد، ويترتب عليهما داءان قاتلان، وهما الضلال والغضب، فالضلال نتيجة فساد العلم، والغضب نتيجة فساد القصد، وهذان المرَضانِ هما ملاك أمراض القلوب جميعها.



فهداية الصراط المستقيم تتضمَّن الشفاء من مرض الضلال؛ ولذلك كان سؤال هذه الهداية أفرض دعاء على كل عبد وأَوْجَبَه عليه كل يوم وليلة في كل صلاة؛ لشدة ضرورته وفاقته إلى الهداية المطلوبة، ولا يقوم غيرُ هذا السؤال مقامَه. والتحقق بـï´؟ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ï´¾ علمًا ومعرفة وعملًا وحالًا يتضمن الشفاء من مرض فساد القلب والقصد... إلى أن قال: ثم إن القلب يعرض له مرَضانِ عظيمان، إن لم يتداركهما العبد تراميا به إلى التلف ولا بد، وهما الرِّياء والكِبر، فدواء الرياء بـï´؟ إِيَّاكَ نَعْبُدُ ï´¾، ودواء الكبر بـï´؟ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ï´¾، وكثيرًا ما كنت أسمع شيخ الإسلام ابن تيمية - قدَّس الله روحه - يقول: ï´؟ إِيَّاكَ نَعْبُدُ ï´¾ تدفع الرياء، ï´؟ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ï´¾ تدفع الكبرياء"، فإذا عوفي من مرض الرياء بـï´؟ إِيَّاكَ نَعْبُدُ ï´¾، ومرضِ الكبر والعُجب بـï´؟ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ï´¾، ومن مرض الضلال والجهل بـï´؟ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ï´¾؛ عوفي من أمراضه وأسقامه، ورفل في أثواب العافية، وتمَّت عليه النعمة، وكان من المنعم عليهم، غير المغضوب عليهم، وهم أهل فساد القصد الذين عرَفوا الحق وعدلوا عنه، والضالين وهم أهل فساد العلم، الذين جهلوا الحق ولم يعرفوه.



وحُقَّ لسورة تشتمل على هذين الشفاءين أن يُستشفى بها مِن كل مرض؛ ولهذا لما اشتملت على هذا الشفاء، الذي هو أعظم الشفاءين، كان حصول الشفاء الأدنى بها أولى".



ثم ذكر الدليل من السُّنة على شفائها للأبدان، وهو حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه في قصة اللديغ، وقد سبق ذكره في أسماء الفاتحة، كما استشهد بقواعد الطب وما دلت عليه التجرِبة[19].







[1] في "مدارج السالكين" (1/37 -38).



[2] رواه أحمد (1/435، 465)، وابن حبان (6، 7)، والحاكم (2/239، 318)، وصححه ووافقه الذهبي. وفيه عاصم بن بهدلة متكلَّم في حفظه. وللحديث شاهد من حديث جابر عند أحمد (3/397)، وابن ماجه - في المقدمة (11) وصححه الألباني.



[3] انظر: "مدارج السالكين" (1/92).



[4] في "أضواء البيان" (1/42 -43).



[5] انظر: "مجموع الفتاوى" (17/132).



[6] أخرجه أبو داود في اللباس - باب في لبس الشهرة (4031) من حديث ابن عمر، وكذا أحمد (2/5)، وصححه الألباني.



[7] أخرجه مسلم في الصلاة (771)، وأبو داود في الصلاة (760، 761)، والنسائي في الافتتاح (862)، والترمذي في الصلاة (266) - من حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه.



[8] انظر: "جامع البيان" (1/195، 197)، "مدارج السالكين" (1/34 -36).



[9] في "مدارج السالكين" (1/36 -37).



[10] انظر: "مدارج السالكين" (1/30 -34، 94 -96).



[11] في "مدارج السالكين" (1/94).



[12] في "مدارج السالكين" (1/30).



[13] في "مدارج السالكين" (1/31).



[14] في "مدارج السالكين" (1/31).



[15] في "مدارج السالكين" (1/96).



[16] انظر: "مدارج السالكين" (1/93 -94).




[17] انظر: "مدارج السالكين" (1/85 -98)، وانظر: "الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة" (4/1222 -1225).



[18] في "مدارج السالكين" (1/79 -82).



[19] أكثرت من النقل عن كتاب "مدارج السالكين" لابن القيم، وأطلت في ذلك؛ لأني لم أجد من تكلَّم عن هذه السورة بمثل كلامه رحمه الله، وأشفقت أن أختصر كلامه، فتجيء عبارتي قاصرة عن الوفاء بمضمون كلامه، الذي هو في غاية الدقة والتحقيق، وحسبي أني أحلت إليه.






__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 13-06-2021, 07:37 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 152,714
الدولة : Egypt
افتراضي رد: كتاب «عون الرحمن في تفسير القرآن» ------متجدد إن شاء الله

كتاب «عون الرحمن في تفسير القرآن»

الشيخ أ. د. سليمان بن إبراهيم اللاحم

حكم قراءة الفاتحة في حق الإمام والمنفرد





جمهور أهل العلم على وجوب قراءة الفاتحة في حقِّ الإمام والمنفرد، وأنه لا تصح صلاتُهما بدونها[1].







منهم مالك[2]، والشافعي[3]، وأحمد في المشهور، بل الصحيح عنه[4]، وإسحاق[5]، وعبدالله بن المبارك[6]، والأوزاعي[7]، وأبو ثور[8]، وداود[9]، وغيرهم، مستدلِّين بقوله تعالى: ï´؟ فَاقْرَؤُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ ï´¾ [المزمل: 20]، وبحديث أبي هريرة رضي الله عنه في الصحيحين في قصة المسيء في صلاته، وفيه: ((ثم اقرأ ما تَيسَّرَ معك من القرآن))، وقوله بعد ذلك: ((ثم افعَلْ ذلك في صلاتِك كلِّها))[10]، وهذا صريح في القراءة في كل ركعة، والفاتحة أيسَرُ القرآن.







كما استدَلوا بحديث عبادة رضي الله عنه في الصحيحين: ((لا صلاة لمن لم يَقرَأْ بفاتحة الكتاب))، وحديث أبي هريرة رضي الله عنه عند مسلم: ((كل صلاة لا يُقرَأُ فيها بأم القرآن فهي خِداجٌ))، وغيرها من الأحاديث[11].







كما استدَلوا - أيضًا - بمداومة الرسول صلى الله عليه وسلم وخلفائه على قراءتها، كما في حديث أنس وعائشة رضي الله عنهما[12]، وبما ثبت من النقل عن عامة السلف من الصحابة والتابعين ومَن بعدهم مِن المداومة على قراءتها، بل ومن القول بوجوبها، وأنه لا تصح الصلاة بدونها[13].







واختلَفوا هل تجب قراءتها في كل ركعة؟ وهذا قول أكثرهم، وقيل: يكفي قراءتُها في أكثر الركعات، وبهذا قال مالك، وقيل: يكفي قراءتها في ركعتين، وقيل: تكفي قراءتها في ركعة واحدة من الصلاة، والصحيح الأول.







وذهب بعض أهل العلم إلى أنه لا تتعيَّن قراءة الفاتحة، وأن الغرض أو الواجب: هو قراءة أقل ما تَيسَّرَ من القرآن، ورُوي هذا عن الحسن[14]، والأوزاعي والثوري[15]، وقال به أبو حنيفة وأصحابه.







قال أبو حنيفة: أقل ما تيسَّر مقدارُ آية. وقال صاحباه أبو يوسف ومحمد: أقلُّه ثلاث آيات، أو آية طويلة[16]، ورُوي عن الإمام أحمد مثل قول أبي حنيفة[17].








واستدل من ذهب إلى هذا القول بقوله تعالى: ï´؟ فَاقْرَؤُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ ï´¾ [المزمل: 20]. وقوله صلى الله عليه وسلم للمسيء في صلاته: ((ثم اقرأ ما تيسَّر معك من القرآن))؛ متفق عليه[18].







وحملوا حديث عبادة رضي الله عنه: ((لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب)) وما في معناه، على أن المعنى: لا صلاة كاملة؛ أي: على نفي الكمال، لا على نفي الجواز[19].







والصحيح ما ذهب إليه جمهور أهل العلم، من الصحابة والتابعين ومَن بعدهم، بأنه تتعيَّن قراءة الفاتحة في الصلاة، وأن الصلاة لا تصح بدونها؛ للأدلة الصريحة الصحيحة الدالة على ذلك، والتي فيها تفسير لقوله تعالى: ï´؟ فَاقْرَؤُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ ï´¾ [المزمل: 20]، ولقوله صلى الله عليه وسلم: ((ثم اقرأ ما تيسَّر معك من القرآن))؛ إذ لا أيسَرَ من قراءة الفاتحة[20]؛ ولهذا حمَلَه مسلم وغيره على وجوب قراءة الفاتحة في كل ركعة وبوَّب له بها، كما تقدم في تخريجه.







وأيضًا قد يحمل ï´؟ مَا تَيَسَّرَ ï´¾ في الآية والحديث على ما زاد على الفاتحة[21]، كما قال أبو سعيد الخدري رضي الله عنه: "أُمرِنا أن نَقرَأَ بفاتحة الكتاب وما تيسَّر"[22].







ولم أرَ ما يدعو لذِكر الأدلة كلِّها على وجوب قراءة الفاتحة، وأنها ركن لا تصح الصلاة بدونها، وتفصيل القول فيها، خاصة في حق الإمام والمنفرد؛ نظرًا لضعف الخلاف في هذه المسألة، فليس مع المخالف من الأدلة ما يستلزم بسط القول في ذكر أدلة الوجوب التي لا تُحصى كثرة من السُّنة الصريحة الصحيحة، والآثار الثابتة الصحيحة عن سلف هذه الأمة من الصحابة والتابعين.







ونظرًا لأن هذه الأدلة سيأتي ذكرها ضمن أدلة القول الأول والثاني في المسألة التالية، وهي حكم قراءة الفاتحة في حق المأموم؛ لأن دلالة هذه الأدلة على وجوب قراءة الفاتحة في حق الإمام والمنفرد أَولى من دلالتها على وجوب قراءة الفاتحة في حق المأموم.







[1] انظر: "تفسير ابن كثير" (1/ 27 -28)، "نيل الأوطار" (2/ 234 -238).



[2] انظر: "المدونة" (1/ 65 -67)، "الكافي في فقه أهل المدينة" (1/ 107)، "الاستذكار" (2/ 168)، "التمهيد" (11/ 31)، "الجامع لأحكام القرآن" (1/ 119).



[3] انظر: "الأم" (1/ 107)، "أحكام القرآن" للشافعي ص(77)، "المهذب" (1/ 79)، "تفسير ابن كثير" (1/ 27 -28).



[4] انظر: "مسائل الإمام أحمد" رواية ابنه عبدالله ص(71)، "الفقرات" (255، 276، 277، 278، 279)، "مسائل الإمام أحمد" رواية النيسابوري (1/ 51)، "مسائل الإمام أحمد" لأبي داود ص(32)، "المسائل الفقهية" (1/ 117)، "المغني" (2/ 156)، "تنقيح التحقيق" (2/ 859)، "آداب المشي إلى الصلاة" ص(88).



[5] انظر: "الأوسط" (3/ 101)، "الاستذكار" (2/ 168).



[6] انظر: "سنن الترمذي" (2/ 26).



[7] انظر: "المغني" (2/ 156)، "الجامع لأحكام القرآن" (1/ 119).



[8] انظر: "الاستذكار" (2/ 168).



[9] انظر: "المحلى" (3/ 236).



[10] سيأتي تخريج هذا الحديث.



[11] سيأتي ذكر هذه الأحاديث وتخريجها.



[12] سبق تخريجهما.



[13] انظر: "المصنف" لعبدالرزاق (1/ 93 -95، 120)، "المصنف" لابن أبي شيبة (1/ 360 -361، 373 -375)، "خير الكلام في القراءة خلف الإمام" للبخاري، "الأوسط" (3/ 98) وما بعدها، "المحلى" (3/ 236) وما بعدها، "القراءة خلف الإمام" للبيهقي، "الاستذكار" (2/ 166) وما بعدها، "نيل الأوطار" (2/ 234) وما بعدها.



[14] أخرجه عبدالرزاق، الأثر (2630).



[15] ذكره عنهما ابن الجوزي في "زاد المسير" (1/ 18)، والقرطبي في "الجامع لأحكام القرآن" (1/ 118)، وابن كثير في "تفسيره" (1/ 28).



[16] انظر: "أحكام القرآن" للجصاص (1/ 18 -23)، "المبسوط" (1/ 18 -19)، "فتح القدير" لابن همام (1/ 331 -332).



[17] انظر: "المسائل الفقهية" (1/ 117)، "التحقيق" ص(316)، "زاد المسير" (1/ 18).



[18] أخرجه من حديث أبي هريرة البخاري في الصلاة - باب أمر النبي صلى الله عليه وسلم الذي لا يُتم الركوع بالإعادة (793)، ومسلم في الصلاة - باب وجوب قراءة الفاتحة في كل ركعة (397)، وأبو داود (856)، والنسائي (851).



[19] انظر: "أحكام القرآن" للجصاص (1/ 21 -23).



[20] انظر: "المحلى" (3/ 239).



[21] انظر: "القراءة خلف الإمام" للبيهقي ص(16)، "التحقيق" (1/ 319)، "الجامع لأحكام القرآن" (1/ 123).



[22] سبق تخريجه.









__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 13-06-2021, 07:38 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 152,714
الدولة : Egypt
افتراضي رد: كتاب «عون الرحمن في تفسير القرآن» ------متجدد إن شاء الله

كتاب «عون الرحمن في تفسير القرآن»

الشيخ أ. د. سليمان بن إبراهيم اللاحم

الاعتراضات الواردة على أدلة القول الأول بأن المأموم يقرأ الفاتحة

في الصلاة السرية والجهرية، والإجابة عنها















أولًا: اعتُرض على استدلالهم بقوله تعالى: ï´؟ فَاقْرَؤُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ ï´¾ [المزمل: 20]، وبقوله صلى الله عليه وسلم للمسيء في صلاته: ((ثم اقرأ ما تَيسَّرَ معك من القرآن)): بأن "ما" في الآية والحديث تفيد العموم، فما الدليل على تخصيص الفاتحة في القراءة دون غيرها؟







وهذا الاعتراض له وجه، لكن أصحاب هذا القول أجابوا عنه بأن الأحاديث الموجبة لقراءة الفاتحة، ومداومة الرسول صلى الله عليه وسلم وخلفائه على قراءتها، كلُّ ذلك مبيِّن ومفِّسر لقوله: "ما تَيسَّر" في الآية والحديث.







ثانيًا: اعتُرض على استدلالهم بحديث عُبادة بن الصامت رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب)) وما في معناه من الأحاديث.







قالوا[1]: هذا الحديث مطلق عام، قيِّد وخُصَّ منه حال جهر الإمام بالقراءة، فيجب الإنصات في هذه الحال؛ لأمره تعالى بالإنصات بالآية، ولأمر رسوله صلى الله عليه وسلم بذلك، كما في حديث أبي موسى وأبي هريرة رضي الله عنهما.







فهذا الأمر بالإنصات هو المخصِّص للأحاديث التي فيها وجوب قراءة الفاتحة؛ كحديث عُبادة هذا، وحديث أبي هريرة: ((من صلى صلاة لا يقرأ فيها بأم القرآن، فهي خِداج)) عند مسلم وغيره، وغيرها من الأحاديث، ورَدُّوا القول بأن هذه الأدلة التي فيها الأمر بالإنصات مخصوصة في غير حالة قراءة الفاتحة؛ لما ذكره الإمام أحمد من الإجماع على أن الآية: ï´؟ وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ï´¾ [الأعراف: 204] نزَلت في الصلاة.







وقد أجاب عن هذا الاعتراضِ أصحابُ القول الأول بأننا نسلِّم بأن الآية المذكورة نزلت في الصلاة، لكنها هي وحديث أبي موسى وأبي هريرة مخصَّصة، والمخصِّص لها أحاديثُ الأمر بقراءة الفاتحة، كما سبق ذكرها، والدليل لنا على هذا التخصيص حديثُ عبادة رضي الله عنه: ((لا تفعلوا إلا بأم القرآن)).







ثالثًا: اعترض على استدلالهم بحديث أبي هريرة عند مسلم وغيره، والذي فيه: "اقرأ بها في نفسك"، بأن هذا لفظ مجمَل، قد يُحمَل على ما ذهبوا إليه من الاستدلال به على القراءة مطلقًا، حتى في حال الجهر بالقراءة، وقد يحمل على القراءة حال المخافتة، أو سكوت الإمام، كما روى ابن المنذر[2] عن أبي هريرة رضي الله عنه: "اقرأ خلف الإمام فيما يُخافِتُ به".







قال ابن تيمية[3]: "ويؤيِّد هذا أن أبا هريرة ممن روى قوله: ((وإذا قرأ فأَنصِتوا))، وروى قوله: ((لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب فما زاد))، وقال: "تجزئ فاتحة الكتاب، وإذا زاد فهو خير"، ومعلوم أن هذا لم يتناول المأمومَ المستمع لقراءة الإمام، فإن هذا لا تكون الزيادة على الفاتحة خيرًا له، فلا يجزم حينئذٍ بأنه أمره أن يقرأ حال استماعه لقراءة الإمام بلفظ مجمل".







وقد أجاب أصحاب القول الأول عن هذا الاعتراض بقولهم: يتبادر من قول السائل لأبي هريرة: "إنَّا نكون وراء الإمام" أنه يسأل عن قراءة الفاتحة حال جهر الإمام؛ لأن قراءة المأموم في هذه الحال قد تستشكل، وقد أجابه أبو هريرة بقوله: "اقرأ بها في نفسك"، وهذا مشتهر عن أبي هريرة؛ أنه يرى القراءة خلف الإمام في الحالين، وأيضًا على احتمال أن أبا هريرة أراد قراءة الفاتحة في صلاة السرِّ فقط، فالحديث دليل لنا على القراءة في هذه الحال، خلافًا لمن زعم أنه لا قراءة خلف الإمام مطلقًا.







رابعًا: اعترض على استدلالهم بحديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه، الذي فيه: ((أتقرؤون خلف إمامكم؟))، قالوا: نعم، قال: لا تفعلوا إلا بأم الكتاب؛ فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بها))، وما في معناه من الأحاديث، من وجهين[4]:



الوجه الأول: أن بعض أهل العلم قد طعن في إسناد هذا الحديث، منهم الإمام أحمد وغيره.







الوجه الثاني: على القول بصحة هذا الحديث، قالوا: إنه محمول على الإمام الذي له سكتات، كما كان صلى الله عليه وسلم له سكتتان.







قالوا: فليس في الحديث دليل على أنه يقرأ الفاتحة خلف إمامه حال الجهر، وإنما فيه أن له أن يقرأها حال سكتات إمامه؛ لأنه نهاهم عن القراءة خلفه إذا جهر، واستثنى من النهي قراءة فاتحة الكتاب؛ إذ يمكن أن يقرأها في سكتات الإمام.







قالوا: وقوله: ((أتقرؤون خلف إمامكم؟)) بصيغة الاستفهام، يدل على أنه صلى الله عليه وسلم لم يكن يعلم أنهم يقرؤون، ولو كانت القراءة واجبة حال الجهر، لكان أمَرَهم بذلك، وتأخيرُ البيان عن وقت الحاجة لا يجوز، ولو بيَّن ذلك لهم وأمَرَهم به لَعَلِمَه عامَّتُهم وفعلوه.







وقد أجاب أصحاب القول الأول عن الوجه الأول، وهو طعن بعض أهل العلم في إسناد حديث عبادة المذكور، بأن الحديث صحيح، وقد صححه أكثرُ أهل العلم، كما سبق بيانه.







وأجابوا عن الوجه الثاني بأنه لا دليل على أن الحديث محمول على الإمام الذي له سكتات، فيقرأ المأموم في سكتاته، بل الحديث عام، وقوله لهم: ((أتقرؤون خلف إمامكم؟ أو لعلكم تقرؤون خلف إمامكم)) يمكن حملُه على أنه صلى الله عليه وسلم أراد به تنبيههم، أو أن المراد به السؤال عن قراءة ما زاد على الفاتحة.







خامسًا: اعترض على استدلالهم بما نُقل من الآثار عن الصحابة من القراءة خلف الإمام، بأن ذلك في الصلاة السرية، أو حال سكتات الإمام، أو إذا لم يسمع المأموم قراءةَ إمامه لبُعدِه أو صممه، ونحو ذلك[5].







وقد أجاب أصحاب القول الأول عن هذا الاعتراض بأن ما نُقل عن الصحابة، منه ما يمكن حمله على الصلاة السرية؛ لأنه محتمل، لكن منه آثار صريحة في القراءة في الصلاة الجهرية، وهذه الآثار لم تقيَّد قراءة الفاتحة فيها في سكتات الإمام أو إذا لم يسمع المأموم. ونحن نقول: الأَولى أن يقرأ في سكتات الإمام إذا كان له سكتات، وإن لم يكن له سكتات قرأ حال قراءته.











[1] انظر: "مجموع الفتاوى" (23/ 312 -313)، وانظر: "المغني" (2/ 263).



[2] في "الأوسط" - الأثر (1313).



[3] انظر: "مجموع الفتاوى" (23/ 300 -301).



[4] انظر: "مجموع الفتاوى" (23/ 313 -316).



[5] انظر: "مجموع الفتاوى" (23/ 306 -307).


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 13-06-2021, 07:40 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 152,714
الدولة : Egypt
افتراضي رد: كتاب «عون الرحمن في تفسير القرآن» ------متجدد إن شاء الله

كتاب «عون الرحمن في تفسير القرآن»

الشيخ أ. د. سليمان بن إبراهيم اللاحم

الاعتراضات الواردة على أدلة القائلين بأن المأموم

يقرأ في الصلاة السرية دون الجهرية



أولًا: اعتُرض على استدلالهم بقوله تعالى: ï´؟ وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ï´¾ [الأعراف: 204]، وبحديث أبي موسى وأبي هريرة رضي الله عنهما اللذين فيهما: "وإذا قرَأ فأَنصِتوا" - بأن هذه الأدلة الثلاثة ليست مخصِّصة لعموم الأحاديث في وجوب قراءة الفاتحة؛ كحديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه: ((لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب)) وغيره، كما تقولون؛ وإنما الحق أن نصوص الأمر بالإنصات هذه عامة، خُصَّ منها قراءة الفاتحة بالنسبة للمأموم، فيقرؤها ولو كان إمامه يقرأ، إذا لم يكن له سكتات، والمخصِّص لذلك هو حديث عبادة المذكور، وحديث أبي هريرة رضي الله عنه: ((كل صلاة لا يقرأ فيها بأم القرآن، فهي خِداجٌ))، ونحوهما من الأحاديث.







والدليل على هذا التخصيص حديث عبادة رضي الله عنه الآخر، الذي فيه قوله صلى الله عليه وسلم: ((لعلكم تقرؤون خلف إمامكم؟))، قالوا: نعم، قال: ((لا تفعلوا إلا بأم القرآن)).







وأجاب أصحاب القول الثاني بقولهم: إن الآية وحديث أبي موسى وأبي هريرة رضي الله عنهما هي المخصِّصة لعموم أحاديث الأمر بقراءة الفاتحة، وليس العكس كما تقولون، وحديث: ((لا تفعلوا إلا بأم القرآن)) طعَنَ فيه بعض أهل العلم، وعلى القول بصحته يمكن حملُه على الإمام الذي له سكتات.







ثانيًا:اعترض على استدلالهم بحديث أبي هريرة رضي الله عنه، الذي فيه قوله صلى الله عليه وسلم: ((ما لي أُنازَع القرآن؟)) من ثلاثة وجوه:



الوجه الأول:أن هذا الحديث خارج من محل النزاع؛ لأن الكلام في قراءة المؤتم خلف إمامه سرًّا، والمنازعة إنما تكون مع جهر المؤتم، لا مع إسراره.







الوجه الثاني:لو سلِّم أن المراد بالمنازعة القراءة خلف الإمام سرًّا، لكان الإنكار الذي في الحديث عامًّا في جميع القرآن، أو مطلقًا في جميعه، خُصِّص في حديث عبادة ونحوه، أو قيِّد به[1].







الوجه الثالث:ما ذكر الترمذي[2] بعد أن أخرج حديث أبي هريرة رضي الله عنه: ((ما لي أُنازَع القرآن؟))، قال: "وليس في هذا الحديث ما يدخل على من رأى القراءة خلف الإمام؛ لأن أبا هريرة رضي الله عنه هو الذي روى عن النبي صلى الله عليه وسلم هذا الحديث، ورَوى أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((مَن صلى صلاة لم يقرأ فيها بأم القرآن، فهي خِداجٌ، فهي خِداج، غير تمام))، فقال له حامل الحديث: إني أكون وراء الإمام؟ قال: "اقرأ بها في نفسك"، وروى أبو عثمان النهدي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أنادي: أنْ لا صلاة إلا بقراءة فاتحة الكتاب".







وقد أجاب أصحاب القول الثاني عن الوجه الأول بأنه لا يلزم أن تكون المنازعة مع جهر المؤتم حال قراءة الإمام، بل حتى مع إسرار المؤتم بالقراءة، لكن جهره أشدُّ منازعةً حتى في حال إسرار الإمام.







وأجابوا عن الوجه الثاني بأننا لا نسلِّم بدعوى التخصيص بحديث عبادة؛ فقد طعن فيه بعض أهل العلم، وذكرنا توجيهه فيما سبق على القول بصحته[3].







وأجابوا عن الوجه الثالث بأن قول أبي هريرة رضي الله عنه: "اقرأ بها في نفسك" محمولٌ على القراءة خلف الإمام في الصلاة السرية، وقد سبق ذكر جواب أصحاب القول الأول عن هذين الوجهين[4].







ثالثًا:اعتُرض على استدلالهم بحديث: ((من كان له إمام، فقراءة الإمام له قراءة)) من وجوه عدة:



الوجه الأول:أن هذا الحديث ضعيف لا يُحتَجُّ به، فالأصح أنه مرسل من حديث عبدالله بن شداد، والعمل بالمرسل مختلف فيه بين أهل العلم، وكثير منهم لا يرى العمل به.







وقد أجاب أصحاب القول الثاني بأن الحديث مسند ضعيف، لكنه ثبت وصح مرسلًا من حديث عبدالله بن شداد، وهو من أكبر التابعين، ومثل هذا المرسل يحتج به الأئمة الأربعة وغيرهم[5].







الوجه الثاني:أن أبا هريرة وابن عمر رضي الله عنهما ممن رُويَ عنهما حديث: ((من كان له إمام، فقراءة الإمام له قراءة))، وقد ثبت عن أبي هريرة رضي الله عنه جواز القراءة خلف الإمام مطلقًا، أو في السرية فقط، كما ثبت عن ابن عمر رضي الله عنهما القراءةُ خلف الإمام في الصلاة السرية.







وهذا يدل على ضعف هذا الحديث: ((من كان له إمام، فقراءة الإمام له قراءة))؛ لأن ظاهره لو صح يدل على أن قراءة الإمام له قراءة في حال السرِّ والجهر.







وقد أجاب أصحاب القول الثاني بأن الحديث معناه: "فقراءة الإمام له قراءة": أي في الجهرية، وهذا يوافق ما ثبت عن أبي هريرة وابن عمر رضي الله عنهما من القراءة في الصلاة السرية، ولا يخالفه.







الوجه الثالث:على القول بالعمل بمثل هذا المرسل، أو أن هذا الحديث قد يرتفع برواياته وطرقه وشواهده إلى درجة الحسن، فإنه مخالف للأدلة الصريحة الصحيحة الموجبة لقراءة الفاتحة مطلقًا؛ كقوله تعالى: ï´؟ فَاقْرَؤُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ ï´¾ [المزمل: 20]، وحديث عبادة رضي الله عنه في الصحيحين: ((لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب))، ونحوه؛ كحديث أبي هريرة رضي الله عنه عند مسلم: ((كلُّ صلاة لا يُقرأ فيها بأم القرآن، فهي خِداجٌ))، وكذا حديث عبادة رضي الله عنه، الذي فيه: ((هل تقرؤون خلف إمامكم؟))، قالوا: نعم، قال: ((لا تفعلوا إلا بأم القرآن)).







وقد أجاب أصحاب القول الثاني عن هذا الوجه بأن الأدلة التي ذكرتموها خاصةٌ بالمنفرد والإمام، وكذلك تشمل المأموم أيضًا في حال عدم جهر الإمام. أما حديث عبادة رضي الله عنه: ((لا تفعلوا إلا بأم القرآن))، فقد ذكرنا أنه طُعِن فيه، وذكرنا توجيهه - على القول بصحته - فيما سبق[6].







الوجه الرابع:على القول بصحة الاحتجاج بهذا الحديث، فإنه دليل لمن منع من القراءة خلف الإمام مطلقًا في السرية والجهرية، فما المخصص له في أنه في المنع من القراءة في الجهرية فقط؟!







أجاب أصحاب القول الثاني عن هذا الوجه بأن معنى الحديث: ((فقراءة الإمام له قراءة)): أي القراءة التي يسمعها تكفيه عن القراءة، يؤيِّد هذا أنه مأمور بالإنصات حال قراءة الإمام. أما القراءة التي لا يسمعها، فكيف تكون له قراءة وهو لا يسمعها؟!







الوجه الخامس:على القول بصحة الاحتجاج بهذا الحديث - أيضًا - فإنه عام خُصَّ بحديث عبادة رضي الله عنه: ((لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب)) وما في معناه، كما خص بهذا قوله تعالى: ï´؟ وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ï´¾ [الأعراف: 204]، وحديث أبي موسى وأبي هريرة رضي الله عنهما: ((وإذا قرأ فأَنصِتوا)).







يدل على هذا التخصيص حديثُ عبادة رضي الله عنه: ((لا تفعلوا إلا بأم القرآن)).



فيكون معنى الحديث: ((من كان له إمام، فقراءة الإمام له قراءة))فيما عدا الفاتحة.







وأجاب أصحاب القول الثاني بأن حديث: ((من كان له إمام، فقراءة الإمام له قراءة)) ليس مخصَّصًا بحديث عبادة رضي الله عنه وما في معناه كما ذكرتم، بل هو من ضمن المخصصات لحديث عبادة رضي الله عنه، وعليه يكون المعنى: لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب إلا إن كان مأمومًا، فتكفيه قراءة الإمام، وخاصة في الصلاة الجهرية.







وأما حديث: ((لا تفعلوا إلا بأم القرآن))، فقد ذكرنا الطعن فيه، وتوجيهه على القول بصحته.







[1] انظر: "نيل الأوطار" (2/ 243).



[2] في "سننه" (2/ 121 -122).



[3] راجع الاعتراض الرابع على أدلة أصحاب القول الأول.



[4] راجع الإجابة على الاعتراضين الثالث والرابع على أدلة أصحاب القول الأول.




[5] انظر: "مجموع الفتاوى" (23/ 271 -272).



[6] راجع الاعتراض الرابع على أدلة أصحاب القول الأول.









__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 13-06-2021, 07:42 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 152,714
الدولة : Egypt
افتراضي رد: كتاب «عون الرحمن في تفسير القرآن» ------متجدد إن شاء الله

كتاب «عون الرحمن في تفسير القرآن»

الشيخ أ. د. سليمان بن إبراهيم اللاحم

الاعتراضات الواردة على أدلة أصحاب القول الثالث:

أن المأموم لا يقرأ لا في السرية، ولا في الجهرية


أولًا: اعتُرض على استدلالهم بالأدلة التي فيها الأمر بالإنصات لقراءة الإما؛م كآية الأعراف، وحديث أبي موسى وأبي هريرة، من وجهين:



الوجه الأول: أن هذه الأدلة إن دلَّتْ على عدم القراءة حال جهر الإمام، فليس فيها دلالة على عدم القراءة في حال إسرار الإمام، أو سكوته؛ لأن السكوت حال عدم جهر الإمام لا يُسمَّى إنصاتًا، ولم يؤمر بترك قراءة الفاتحة ولا غيرها في هذه الحال[1].







الوجه الثاني: أن هذه الأدلة التي فيها الأمر بالإنصات مخصَّصة بالأحاديث التي فيها الأمر بقراءة الفاتحة في الصلاة، كما سبق.







وقد أجاب أصحاب القول الثالث عن الوجه الثاني بأن أدلة الأمر بالإنصات ليست مخصَّصة بأحاديث الأمر بقراءة الفاتحة في الصلاة؛ لأن هذه الأحاديث خاصة بالمنفرد والإمام دون المأموم.







ثانيًا: اعتُرض على استدلالهم بحديث أبي هريرة رضي الله عنه الذي فيه قوله صلى الله عليه وسلم: ((ما لي أُنازَع القرآن؟))، بأن هذا محمول على الجهر خلف الإمام، وهذا لا يجوز بالاتفاق، أو على القراءة سرًّا حال جهر الإمام، وهذا لا يجوز عند كثير من أهل العلم، ولا يدلُّ الحديث على النهي عن القراءة خلف الإمام مطلقًا، حتى ولو كانت سرًّا في حال إسرار الإمام، كما تقولون.







ثالثًا: اعترض على استدلالهم بالحديث: ((من كان له إمام فقراءة، الإمام له قراءة)) من وجوه عدة:



منها: الوجه الأول والثالث والخامس من الوجوه المذكورة في الاعتراض على استدلال أصحاب القول الثاني بهذا الحديث.







ومنها: أن المراد بقوله: "فقراءة الإمام له قراءة" أي: في الصلاة الجهرية، إذا لم يسكت الإمام، كما يقول أصحاب القول الثاني، فيما تقدم[2]، وله وجه.







ومنها: أنهم يستدلُّون بالحديث على عدم جواز القراءة خلف الإمام مطلقًا، والحديث ظاهره أن قراءة الإمام تجزئ عن المأموم، لا أن القراءة لا تجوز من المأموم أو لا تُستحب منه؛ قال ابن تيمية[3]: "ليس في حديث ((فقراءة الإمام له قراءة)) دليلٌ للكوفيين على أنه لا تُستحب للمأموم القراءة؛ وإنما فيه الدلالة على أن له أن يجتزئ بذلك، وأن الواجب يسقُط عنه بذلك، لا أنه ليس له أن يقرأ".







ومنها: أن جميع الأذكار التي يُشرَع للإمام أن يقولها - مستحبةً كانت أو واجبة - يُشرَع للمأموم أن يقولها، فكيف يتحمل الإمام عن المأموم القراءة، ولا يتحمل ما دونها من المستحبات؟!







رابعًا: اعترض على استدلالهم بحديث عمران بن حصين رضي الله عنه، الذي فيه: ((ظننتُ أن بعضكم خالجنيها))، وحديث ابن مسعود رضي الله عنه، الذي فيه: ((خلطتم عليَّ القرآن)) - بأن هذين الحديثين محمولان على الجهر بالقراءة خلف الإمام، والجهر بالقراءة خلف الإمام - سواء أسَرَّ الإمام أو جهر - أمر لا يجوز بالاتفاق، وليس فيهما الإنكار على من قرأ سرًّا خلف الإمام.







ويمكن حمل ما جاء في حديث عمران رضي الله عنه: ((ظننت أن بعضكم خالجنيها)) على أنه ليس فيه نهي لهم أو إنكار عليهم؛ لأن القارئ خلفه قرأ سرًّا في صلاة سرية، ويؤيِّد هذا قولُ شعبة لقتادة - وهما من رواة الحديث -: "كأنه كرهه، فقال: لو كرهه لنهى عنه"[4].







خامسًا: اعترض على استدلالهم ببعض الآثار عن الصحابة في ترك القراءة خلف الإمام أو النهي عنها - بأن أكثر المنقول عنهم في هذا مطلقًا يحتمل ترك القراءة خلف الإمام أو النهي عنها في الصلاة الجهرية فقط، ويحتمل تركها والنهي عنها في الحالين، ومع وجود الاحتمال لا يصح الجزم، وأيضًا جمهور الصحابة وعامتهم يرَوْن القراءة خلف الإمام، لكن منهم من يرى القراءة في الصلاة السرية والجهرية معًا، ومنهم من يرى القراءة في حال الإسرار فقط، وقليل منهم من يرى ترك القراءة مطلقًا، وأيضًا الذين رُوي عنهم هذا القول من الصحابة رُوي عن أكثرهم خلافه، حتى قال ابن عبدالبر في "الاستذكار"[5]: "ولا أعلم في هذا الباب صاحبًا صحَّ عنه بلا اختلاف أنه قال مثل قول الكوفيين، إلا جابر بن عبدالله"







[1] انظر: "جزء القراءة" للبخاري، فقرة (32).



[2] راجع الدليل الخامس من أدلتهم ووجه استدلالهم به.



[3] في "مجموع الفتاوى" (23/325).



[4] انظر: "التمهيد" (11/52)، "الاستذكار" (2/192)، "القراءة خلف الإمام" للبيهقي ص (164 -168)، "شرح النووي على مسلم" (4/109).




[5] (2/193).









__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #9  
قديم 13-06-2021, 07:43 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 152,714
الدولة : Egypt
افتراضي رد: كتاب «عون الرحمن في تفسير القرآن» ------متجدد إن شاء الله






كتاب «عون الرحمن في تفسير القرآن»

الشيخ أ. د. سليمان بن إبراهيم اللاحم

الترجيح بين الأقوال في حكم قراءة الفاتحة





بعد النظر في أدلة كلِّ فريق من أصحاب الأقوال الثلاثة، وبعد النظر في الاعتراضات الواردة على تلك الأدلة، وفي إجابات كلِّ فريق على ما ورد على أدلتهم من اعتراضات - يظهر جليًّا أن أصحاب القول الثالث القائلين بعدم القراءة خلف الإمام مطلقًا، لا في السِّريَّة ولا في الجهريَّة، لم يَسلَمْ لهم دليلٌ واحد كما رأيت، لا من أدلة الكتاب، ولا من السُّنة، ولا من الأثر.







قال اللكنوي - وهو من محقِّقي الأحناف - في كتابه "إمام الكلام، فيما يتعلق بالقراءة خلف الإمام"[1]: "والذي يظهر بالنظر الدقيق، ويَقبَلُه أصحاب التحقيق، هو أن الأحاديث التي استدَلَّ بها أصحابنا ليس فيها حديثٌ يدل على النهي عن قراءة الفاتحة خلف الإمام، فيدفع ذلك بالجمع، أو الترجيح، أو التساقط، أو النَّسخ، بل هي متنوعة إلى أنواع ثلاثة:



فمنها: ما يدل على وجوب الإنصات عند القراءة؛ كالحديث الأول - يعني حديث أبي موسى وأبي هريرة رضي الله عنهما: ((وإذا قرأ فأَنصِتوا)) - قال: وهو وإن كان ظاهر لفظه وعمومه يدل على الإنصات مطلقًا، لكن النظر الدقيق يحكُم بأنه يُمنع من القراءة مع قراءة الإمام في الجهريَّة بحيث يخلُّ بالاستماع والتدبُّر، ولا يدل على وجوبه في الجهر أثناء السكتات، ولا على وجوبه في السر، وكذا الآية القرآنية؛ يعني: ï´؟ وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ï´¾ [الأعراف: 204].








قال: وكذا الحديث الثالث والرابع - يعني حديث عمران رضي الله عنه، الذي فيه: ((قد عرَفتُ أن بعضكم خالَجَنيها))، وحديث ابن مسعود رضي الله عنه، الذي فيه قوله صلى الله عليه وسلم: ((خلطتم عليَّ القرآن)) - قال: وإثبات وجوب السكوت مطلقًا من هذه الأحاديث، وكذا من الآية، وإن قال به جمعٌ من أصحابنا عند التنازع، لكنه لا يخلو عن تكلُّف وتعسف.







ومنها: ما يدل بظاهره على النهي عن مطلق القراءة... لكنها مما خُدش في ثبوتها، بل ببطلان بعضها، فلا يصح الاحتجاج بها، مع إمكان حملها على ما عدا الفاتحة...







ومنها: ما يدل على كفاية قراءة الإمام للمقتدي، وأنه لو لم يَقرأ المقتدي صحَّتْ صلاتُه بقراءة إمامه... فيمكن أن يعارض ما صح منه بإطلاقه الأحاديث الواردة في إيجاب قراءة الفاتحة خلف الإمام بعمومها أو خصوصها، ويختار طريق الجمع بينهما، ولا دلالة لها على وجوب السكوت مطلقًا، بل ولا مقيَّدًا، ولا على كراهة القراءة، أو الحرمة، وإن قال به جمع من الحنفية".







وحيث تَبيَّن ضعف هذا القول، وهو أن المأموم لا يقرأ خلف الإمام مطلقًا، وأن قراءة الإمام له قراءةٌ في الصلاة السرية والجهرية، فأيُّ القولين الباقيين أولى بالترجيح؟



أهو قول من قال بوجوب قراءة الفاتحة مطلقًا في السرية والجهرية، أم قول من قال بقراءتها في السرية دون الجهرية إذا كان يَسمع الإمامَ، ولم يكن للإمام سكتاتٌ؟







فأصحاب القول الأول - كما تَقدَّم - استدَلوا بالأحاديث الموجبة لقراءة الفاتحة في الصلاة، وجعلوها مخصِّصة لعموم أدلة الأمر بالإنصات في الآية والأحاديث.







وأصحاب القول الثاني استدَلوا بالأدلة معًا، لكنهم جعلوا أدلة الأمر بالإنصات هي المخصِّصة لأدلة الأمر بقراءة الفاتحة، فتُقرأ الفاتحة حيث لا يجب الإنصات؛ أي: حيث لا جهر في القراءة مِن قِبَل الإمام.







وأصحاب القول الأول احترَزوا من الوقوع في ترك قراءة الفاتحة، وهي في حقِّ المأموم واجب؛ تركُه يُخِلُّ بالصلاة، أو ركنٌ تركُه يُبطِل الصلاةَ، ولم يروا وجوب الإنصات على المأموم حال قراءته للفاتحة، وإن كان يسمع قراءة الإمام، إذا لم يكن للإمام سكتات.







وأصحاب القول الثاني احترَزوا من الوقوع في المنهيِّ، وهو القراءة حالَ قراءة الإمام، وتركُ الإنصات والاستماعِ المأمورِ بهما، ولم يروا أن قراءة الفاتحة واجبة، بل ولا مستحبة، بل ولا جائزة حال قراءة الإمام.







وبالمقارنة بين المحترَزينِ، فإن ترك قراءة الفاتحة حال الجهر يُعَدُّ إخلالًا بالصلاة عند بعض أهل العلم، بل يعد مبطلًا لصحتها عند بعضهم.







أما القراءة حال جهر الإمام، فهو - عند بعض أهل العلم - ارتكاب لمحذور، وهو ترك الإنصات المأمور به عند القراءة، لكن ذلك بكل حال لا يُبطِلُ الصلاة باتفاق أهل العلم.







وعلى هذا؛ فإن من ترك قراءة الفاتحة حال جهر الإمام متعرِّض للقول بعدم صحة الصلاة، أما القارئ حال قراءة الإمام، فهو متعرِّض فقط للقول بأنه قد ارتَكَب محظورًا.







وبناءً على هذا؛ فإن أظهر الأقوال، وأقربها لصحة الصلاة وسلامتها من الخلل والنقص، ولبراءة الذمة، والذي تطمئنُّ إليه النفس، بعد المقارنة بين هذه الأقوال وأدلتها - هو القول بوجوب قراءة الفاتحة على المأموم مطلقًا في الصلاة السرية والجهرية؛ للأدلة الصحيحة الصريحة في وجوب قراءة الفاتحة على كل مُصَلٍّ، إمامًا كان أو مأمومًا أو منفردًا، وعدم المخصِّص لها على الصحيح، ولحديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لعلكم تقرؤون خلف إمامكم))، قالوا: نعم، قال: ((لا تفعلوا إلا بأم الكتاب؛ فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بها))، فهذا نصٌّ صريح صحيح في وجوب قراءة الفاتحة على المأموم في الصلاة الجهرية، التي هي موضع الخلاف.







والأَولى أن يقرأ المأموم الفاتحة في سكَتات الإمام إنْ أمكَن ذلك، فإن لم يتمكن من قراءتها في السكتات قرأها حال قراءة الإمام، لكن حال قراءة الإمام ما بعد الفاتحة، فيُنصِت لقراءة الفاتحة، ثم يقرؤها أثناء قراءة الإمام السورةَ.







وقد اختار هذا القولَ أكثرُ محققي علمائنا في العصر الحاضر؛ منهم: سماحة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز، وفضيلة الشيخ عبدالله بن محمد بن حميد، وفضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين، غفر الله لهم ورحمهم، وفضيلة الشيخ صالح بن محمد اللحيدان، حفظه الله ووفقه.







وقد صدرت بترجيح هذا القول - وهو وجوب قراءة الفاتحة مطلقًا - الفتوى رقم (1752) بتاريخ 28/ 12/ 1397ه من اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، التي يرأسها سماحة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز، وهذا نصها:



"تجب قراءة الفاتحة على المصلِّي، سواء كان إمامًا أو منفردًا أو مأمومًا، وسواء كانت الصلاة سرية أم جهرية، سمع المأموم فيها قراءةَ إمامه أم لم يسمعها، في أرجح الأقوال للعلماء؛ لعموم حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لا صلاة لمن لم يقرأ بأمِّ القرآن))، فنفى الصلاة الشرعية لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب عمومًا، ولم يخصَّ منها حالًا من أحوال المصلِّي دون حال، والنفيُ إذا ورد في نصوص التشريع اتَّجَهَ إلى الحقيقة الشرعية، لا إلى كمالها، إلا بدليل، ولا دليل يصرف عنها على الصحيح من أقوال العلماء.







وما استدَل به الحنفيَّة على أن المأموم لا يقرأ بفاتحة الكتاب من حديث جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من صلى خلف الإمام، فقراءةُ الإمام له قراءة)) فضعيفٌ.







قال ابن حجر في التلخيص: إنه مشهور في حديث جابر رضي الله عنه، وله طرق عن جماعة من الصحابة كلُّها معلولة، ولو صح لكان مخصَّصًا لما رواه أبو داود عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه أنه صلَّى خلف أبي نعيم، وأبو نعيم يجهر بالقراءة، فجعل عبادةُ يقرأ بأمِّ القرآن، فلما انصرَفوا من الصلاة قال لعبادة بعضُ من سمعه يقرأ: سمعتُك تقرأ بأم القرآن، وأبو نعيم يجهر؟ قال: أجل؛ صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعضَ الصلوات التي يجهر فيها بالقراءة، قال: فالتبستْ عليه القراءةُ، فلما فرغ، أقبَلَ علينا بوجهه فقال: ((هل تقرؤون إذا جهرتُ بالقراءة؟))، فقال بعضنا: نعم، إنَّا نصنع ذلك، قال: ((فلا، وأنا أقول ما لي أُنازَع القرآن؟ فلا تقرؤوا بشيء إذا جهرتُ إلا بأمِّ القرآن)).







فهذا عبادة راوي الحديث قرأ بها جهرًا خلف الإمام؛ لأنه فهم من كلامه صلى الله عليه وسلم أنه يقرأ بها خلف الإمام جهرًا والإمامُ يجهر بالقراءة.







وكذلك العموم في قوله تعالى: ï´؟ وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ï´¾ [الأعراف: 204]، وما ثبَتَ من قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: ((وإذا قرأ فأَنصِتوا)) يخصَّص بما رواه أبو داود عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه المتقدِّم، فإنه نص في قراءة المأموم للفاتحة في الصلاة الجهرية، والقاعدةُ أن الخاص إذا عارضه العام حُمل العامُّ على الخاص وخُصِّص به؛ جمعًا بين الدليلين، وإعمالًا لهما، بدلًا من إلغاء أحدهما.







وروى مسلم وأبو داود عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من صلى صلاة لا يقرأ فيها بأم القرآن، فهي خِداج، فهي خِداج، غير تمام)).







قال له السائب مولى هشام بن زهرة: يا أبا هريرة، إني أكون أحيانًا وراء الإمام؟ فغمز ذراعه وقال: اقرأ بها يا فارسيُّ في نفسك.







فدلَّ جوابُ أبي هريرة للسائب راوي الحديث عنه، على أنه فهم من الحديث قراءةَ المأموم لها في الصلاة، لكنه رأى أن يكون ذلك سرًّا"[2].







[1] ص (225 -226).




[2] نهاية فتوى اللجنة الدائمة للإفتاء.







__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #10  
قديم 13-06-2021, 07:49 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 152,714
الدولة : Egypt
افتراضي رد: كتاب «عون الرحمن في تفسير القرآن» ------متجدد إن شاء الله

كتاب «عون الرحمن في تفسير القرآن»

الشيخ أ. د. سليمان بن إبراهيم اللاحم

بيان المشروع من السكتات في الصلاة، وما يشرع قوله فيها





وحيث شُرِع للمأموم قراءةُ الفاتحة في سكتات الإمام، فإن من المناسب ذِكرَ المشروع من السكتات، وما يُشرَع قولُه في هذه السكتات.







أولًا: بيان المشروع من السكتات في الصلاة:



اختلَف أهل العلم في المشروع من السكتات في الصلاة على أقوال عدة:



أ - جمهور أهل العلم على أن المشروع من السكتات في الصلاة سكتتان، منهم الشافعي[1]، وأحمد[2]، وإسحاق[3]، والحسن وقتادة[4]، والأوزاعي[5]، وأبو ثور[6].







واستدلوا على هاتين السكتتين بما يلي:



1 - ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كبَّر في الصلاة سكت هنيَّة قبل أن يقرأ، فقلت: يا رسول الله، بأبي أنت وأمي، أرأيت سكوتك بين التكبير والقراءة، ما تقول؟ قال: أقول: ((اللهم باعِدْ بيني وبين خطاياي كما باعدتَ بين المشرق والمغرب، اللهم نقِّني من خطاياي كما يُنقَّى الثوب الأبيض من الدنس، اللهم اغسلني من خطاياي بالثلج والماء والبرد))[7].







2 - ما رواه سعيد، عن قتادة، عن الحسن، عن سمُرة بن جندب رضي الله عنه قال: "سكتتان حَفِظتُهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنكَرَ ذلك عمران بن حصين، وقال: حَفِظْنا سكتةً، فكتَبْنا إلى أُبَيِّ بن كعب بالمدينة، فكتب أُبَيٌّ: أنْ حَفِظَ سمُرةُ".







قال سعيد: فقلنا لقتادة: "ما هاتان السكتتان؟ قال: إذا دخل في صلاته، وإذا فرغ من القراءة، ثم قال بعد ذلك: وإذا قرأ: ï´؟ وَلَا الضَّالِّينَ ï´¾ [الفاتحة: 7]، قال: وكان يعجبه إذا فرغ من القراءة أن يسكت حتى يَترادَّ إليه نفَسُه"[8].







وفي رواية[9] عن الحسن عن سمرة بن جندب "أنه تذاكر وعمران بن حصين، فحدث سمرة بن جندب أنه حفظ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم سكتتين، سكتة إذا كبر، وسكتة إذا فرغ من قراءة ï´؟ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ ï´¾ [الفاتحة: 7] فحفظ ذلك سمرة، وأنكر عليه عمران بن حصين، فكتبنا في ذلك إلى أبي بن كعب، فكان في كتابه إليهما أو في رده عليهما أنَّ سمرة قد حفظ".







وفي رواية[10] عن الحسن، عن سمرة بن جندب رضي الله عنه: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت له سكتتان: سكتةٌ حين يفتتح الصلاة، وسكتةٌ إذا فرغ من السورة الثانية قبل أن يركع...".







واتفَقوا على أن السكتة الأولى بعد تكبيرة الإحرام وقبل القراءة؛ للتنصيص على مكانها في الحديثين.







واختلَفوا في محل السكتة الثانية؛ بناءً على اختلاف روايات حديث سمرة، فقال بعضهم: هي بعد انتهاء القراءة وقبل التكبير للركوع، ورجَّح هذا الإمامُ أحمد[11] وشيخ الإسلام ابن تيمية[12].







وقيل: إنها بعد قراءة الفاتحة.







وإلى هذا القول يميل ابن القيم فيما يظهر من كلامه في "زاد المعاد"[13]، حيث قال بعد أن ذكر تصحيح أبي حاتم لحديث السكتتين من رواية سمرة، وأُبي بن كعب، وعمران بن حصين، قال: "وقد تبيَّن بذلك أن أحد من روى حديث السكتتين سمرةُ بن جندب، وقال: "حفظتُ من رسول الله صلى الله عليه وسلم سكتتين: سكتة إذا كبَّر، وسكتة إذا فرغ من قراءة ï´؟ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ ï´¾ [الفاتحة: 7]"، وفي بعض طرق الحديث: "فإذا فرغ من القراءة سكت"، وهذا كالمجمل، واللفظ الأول مفسر مبين؛ ولهذا قال أبو سلمة بن عبدالرحمن: "للإمام سكتتان، فاغتنموا فيهما القراءة بفاتحة الكتاب: إذا افتتح الصلاة، وإذا قال: ï´؟ وَلَا الضَّالِّينَ ï´¾"، على أن تعيين محل السكتتين إنما هو من تفسير قتادة".







وهل هذه السكتات واجبة على الإمام، أو مستحبة؟ ذهب بعض أهل العلم إلى أنها واجبة على الإمام، منهم الأوزاعي وأبو ثور، وذهب أكثر أهل العلم إلى أن ذلك مستحبٌّ فقط.







ب - وذهب بعض العلماء إلى أن المشروع للإمام سكتة واحدة للاستفتاح، منهم: عمران بن حصين[14]، وبه قال الإمام أبو حنيفة[15]، مستدلِّين بحديث أبي هريرة المتقدم: "كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا كبَّر سكت هنيَّة"، أما حديث السكتتين، فلم يصحَّ عندهم.







ج - وذهب بعض أهل العلم إلى أن المشروع للإمام ثلاث سكتات، منهم طائفة من أصحاب الشافعي وأحمد، قالوا: يستحب للإمام ثلاث سكتات، والثانية منها: بعد قراءة الإمام الفاتحةَ ليقرأ المأموم الفاتحة، والثالثة: بعد الانتهاء من القراءة وقبل الركوع[16].







مستدلِّين بحديث أبي هريرة وحديث سمرة برواياته.







د - وذهب الإمام مالك إلى أنه لا سكوت في الصلاة بحال من الأحوال[17].







والذي عليه جمهور أهل العلم، وصحَّحه بعض المحققين من أهل العلم: أن السكتات الثابتة اثنتان فقط.







قال شيخ الإسلام ابن تيمية[18]: "والصحيح أنه لا يستحب إلا سكتتان، فليس في الحديث إلا ذلك، وإحدى الروايتين غلط، وإلا كانت ثلاثًا، وهذا هو المنصوص عن أحمد، وأنه لا يستحب إلا سكتتان، والثانية عند الفراغ من القراءة؛ للاستراحة والفصل بينها وبين الركوع، وأما السكوت عقيب الفاتحة، فلا يستحبه أحمد"[19].







وقال أيضًا[20]: "ولم يقُلْ أحد: إنه كان له ثلاث سكتات، ولا أربع سكتات، فمن نقل عن النبي صلى الله عليه وسلم ثلاث سكتات أو أربع سكتات، فقد قال قولًا لم ينقُلْه عن أحد من المسلمين".







وقال ابن القيم[21]: "وكان له سكتتان: سكتة بين التكبير والقراءة، وعنها سأله أبو هريرة. واختُلف في الثانية، فرُويَ أنها بعد الفاتحة، وقيل: إنها بعد القراءة وقبل الركوع، وقيل: هي سكتتان غير الأولى، فتكون ثلاثًا، والظاهر أنما هي اثنتان فقط".







لكن ابن القيم يقول توفيقًا بين روايتي حديث سمرة:



"وأما الثالثة، فللراحة والنفَس فقط، وهي سكتة لطيفة، فمن لم يذكرها فلقِصَرِها، ومن اعتبرها جعلها سكتة ثالثة، فلا اختلاف بين الروايتين، وهذا أظهر ما يُقال في هذا الحديث..".







قلت: وهذا مسلك جيد في التوفيق بين الروايتين إن صحَّتْ كلٌّ منهما.







[1] انظر: "المجموع" (3/ 395)، "التبيان" ص(104).



[2] انظر: "مسائل الإمام أحمد" رواية ابنه عبدالله ص(75) فقرة (270، 271)، "المغني" (2/ 163 -164)، "مجموع الفتاوى" (23/ 278).



[3] انظر: "سنن الترمذي" (2/ 31).



[4] انظر: "الاستذكار" (2/ 191).



[5] أخرجه عن الأوزاعي البيهقي في "القراءة خلف الإمام" - الأثر (247) قال: "يحق على الإمام أن يسكت سكتة بعد التكبيرة الأولى واستفتاح الصلاة، وسكتة بعد قراءة فاتحة الكتاب ليقرأ مَن خلفه بفاتحة الكتاب"، وانظر: "الاستذكار" (2/ 191)، "التمهيد" (11/ 42).



[6] انظر: "الاستذكار" (2/ 191)، "التمهيد" (11/ 42).



[7] أخرجه البخاري في الأذان - ما يقول بعد التكبير (744)، ومسلم في المساجد - ما يقال بين تكبيرة الإحرام والقراءة (598)، وأبو داود في الصلاة (781)، والنسائي في الافتتاح (860).



[8] أخرجه أبو داود في الصلاة - باب السكتة عند الافتتاح (779)، والترمذي في الصلاة - ما جاء في السكتتين في الصلاة (251)، وقال: "حديث حسن"، وابن ماجه في الصلاة - باب في سكتتي الإمام (844). وليس عند أبي داود قوله: "وكان يعجبه إذا فرغ من القراءة أن يسكت حتى يَترادَّ إليه نفَسُه".



[9] أخرجها أبو داود (779)، والدارقطني (1/ 336).



[10] أخرجها الإمام أحمد (5/ 15)، والبخاري في "جزء القراءة" (278، 279)، وابن المنذر في "الأوسط" (1340)، والدارقطني (1/ 309).
قال ابن المنذر: "في إسناده مقال، يقال: إن الحسن لم يسمعه من سمرة"، وقال ابن القيم في "زاد المعاد" (1/ 208): "وقد صحح حديثَ السكتتين من رواية سمرة وأُبيِّ بن كعب وعمرانَ بن حصينٍ: أبو حاتم في صحيحه".



[11] انظر: "مجموع الفتاوى" (23/ 278، 22/ 339).



[12] انظر: "مجموع الفتاوى" (22/ 338).



[13] (1/ 208 -209).



[14] كما في حديث سمرة السابق.



[15] انظر: "فتح القدير" (1/ 288 -289)، "إعلاء السنن" للتهانوي (2/ 214)، وانظر: "مجموع الفتاوى" (23/ 278).



[16] انظر: "المجموع" (3/ 395)، "الكافي" لابن قدامة (1/ 134).



[17] انظر: "المدونة" (1/ 62)، "الاستذكار" (2/ 1912)، "التمهيد" (11/ 43).



[18] انظر: "مجموع الفتاوى" (22/ 338 -339).



[19] انظر: "مسائل الإمام أحمد" رواية ابنه عبدالله ص(76).




[20] انظر: "مجموع الفتاوى" (23/ 277).



[21] في "زاد المعاد" (1/ 207)، وانظر: (216).









__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 299.50 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 293.61 كيلو بايت... تم توفير 5.88 كيلو بايت...بمعدل (1.96%)]