الأعلام السارية في بيان الصدقات الجارية - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4862 - عددالزوار : 1821432 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4428 - عددالزوار : 1170565 )           »          شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع للشيخ محمد الشنقيطي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 531 - عددالزوار : 302007 )           »          محمود شاكر (شيخ العربية) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 83 )           »          داود وسليمان عليهما السلام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 2 - عددالزوار : 61 )           »          أحداث في غزوة خيبر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 48 )           »          شبهات حول موقف الأمويين من الإسلام والردود عليها (pdf) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 56 )           »          غزوة خيبر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 57 )           »          من أقدار الله في التاريخ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 55 )           »          دعوة الملوك إلى الإسلام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 53 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الصوتيات والمرئيات والبرامج > ملتقى الصوتيات والاناشيد الاسلامية > ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 16-11-2020, 09:57 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 151,340
الدولة : Egypt
افتراضي الأعلام السارية في بيان الصدقات الجارية

الأعلام السارية في بيان الصدقات الجارية
الشيخ فؤاد بن يوسف أبو سعيد








إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.




﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102].



﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً ﴾ [النساء: 1].



﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً ﴾ [الأحزاب: 70، 71].







أما بعد؛ فإن أصدق الحديث كتابُ الله، وخيرَ الهديِ هديُ محمد صلى الله عليه وسلم، وشرَّ الأمورِ محدثاتُها، وكلَّ محدثةٍ بدعة، وكلَّ بدعة ضلالة، وكلَّ ضلالةٍ في النار.



أعاذنا الله وإياكم من النار، ومن كل عمل يقرب إلى النار، اللهم آمين.







عباد الله؛ الله سبحانه وتعالى قد أمرنا بأوامرَ هي عباداتٌ لو سرنا عليها، وعملنا بها نجونا، وفزنا في الدنيا والآخرة، لكن إن تركناها فلا نلومنّ إلا أنفسنا، فقد قال سبحانه: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا [النساء: 40]، وقال سبحانه: ﴿ فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ﴾[الزلزلة: 7، 8]، وقال سبحانه: ﴿ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ﴾ [البقرة: 110]، وقال سبحانه: ﴿ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ وَمَا تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ [البقرة: 272]، وقال سبحانه: ﴿ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [المزمل: 20].







عباد الله؛ الأمر بالإنفاق فيه منفعة متعدية، فالصدقات كثيرة، ذكرك لله صدقة، قولك سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، كل واحدة من هذه الكلمات صدقة، صلاتك صدقات، حجك وعمرتك صدقات، صيامك لله صدقات، أيضا تبسمك في وجه أخيك صدقة، السلام على عباد الله صدقة، الكلمة الطيبة صدقة، إعانة الرجل على دابته، أو عندما يركب السيارة، تعينه على ذلك وترفع له متاعه في حقيبة السيارة صدقة، إماطة الأذى عن طريق الناس صدقة، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر صدقات، إفراغك من دلوك في دلو أخيك، يعني تصب لأخيك كوبا من الشاي أو من العصير أو من الماء صدقة، النخامة والنخاعة والبصاق في المسجد تزيله وترفعه بثوبك، أو بورق أو ما شابه ذلك صدقة، القشَّة والأذى في المسجد ترفعه وتخرجه صدقة، تسمع الأصمَّ والأبكم، وتعطيه الإشارة حتى يفقه صدقة، بصرك للرجل الرديء البصر، إنسانٌ أعمى لا يعرف أين يذهب فأخذت بيده فدللته صدقة، تهدي الضال الذي لا يعرف أين يذهب ويسأل عن مكان مّا أو عنوان ما، فتدله وتقول له على اليمين أو على الشمال، وما شابه ذلك صدقة، أنت تعيش في صدقات من حيث لا تشعر يا عبد الله، صدقاتٌ عامة، لكنَّ خطبةَ اليوم عن الصدقات الخاصة، الصدقات الجارية.







تبسمت في وجه أخيك، وقلت: سبحان الله، أخذت الصدقات انتهى الأمر، لكن هناك أعمال يجري أجرها وثوابها لك حتى بعد مماتك، صدقاتٌ جارية، الصدقاتُ الجارية قال فيها النبي صلى الله عليه وسلم، كما ورد عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثَةٍ: إِلَّا مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ"[1].



هذه الثلاث صدقات جارية، علم ينتفع به، ولد صالح يدعو له، تنضم تحتها أمورٌ كثيرة جدا، تكررت في الأحاديث في ذكر الصدقة الجارية، تكرر في الأحاديث العِلْم الذي ينتفع به، والولد الصالح، ولم تتكرر الصدقة الجارية، فجاءت الصدقة الجارية مفصلة في الأحاديث الأخرى.







وكل عمل صالح ينفع الناس والحيوان هو صدقة جارية: روى أبو نعيم في الحلية، والبيهقي في الشعب وغيرهما، عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "سَبْعَةٌ يَجْرِي لِلْعَبْدِ أَجْرُهُنَّ وَهُوَ فِي قَبْرِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ: مَنْ عَلَّمَ عِلْمًا، أَوْ أَجْرَى نَهَرًا، أَوْ حَفَرَ بِئْرًا، أَوْ غَرَسَ نَخْلًا، أَوْ بَنَى مَسْجِدًا، أَوْ وَرَّثَ مُصْحَفًا، أَوْ تَرَكَ وَلَدًا يَسْتَغْفِرُ لَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ". [2]، ذكر الولد وذكر العلم، ولم يذكر الصدقة الجارية لأنه فصلها في مواضع أخرى.







وفي رواية عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ مِمَّا يَلْحَقُ الْمُؤْمِنَ مِنْ عَمَلِهِ وَحَسَنَاتِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ عِلْمًا عَلَّمَهُ وَنَشَرَهُ، وَوَلَدًا صَالِحًا تَرَكَهُ، وَمُصْحَفًا وَرَّثَهُ، أَوْ مَسْجِدًا بَنَاهُ، أَوْ بَيْتًا لِابْنِ السَّبِيلِ بَنَاهُ، أَوْ نَهْرًا أَجْرَاهُ، أَوْ صَدَقَةً أَخْرَجَهَا مِنْ مَالِهِ فِي صِحَّتِهِ وَحَيَاتِهِ، يَلْحَقُهُ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهِ"[3].



العلم؛ تعليما وتعلُّما، ونشرا ودعوة، أجره عظيم عند الله سبحانه وتعالى، العالم المعلِّم الربانيُّ الذي لا يريد من نشره للعلم إلا وجه الله سبحانه وتعالى، هذا وريث النبي صلى الله عليه وسلم، فالعلماء ورثة الأنبياء، أجرهم يجري حتى بعد مماتهم.







وكذلك من رزقه الله ولدا صالحا؛ ذكرا كان أم أنثى، والشرط في الولد أن يكون صالحا، أما الولد الفاسق أو الولد الفاجر، فماذا يُنتَظر منه لوالديه إلا العقوق في حياتهما، أو شتمهما وسبهما بعد مماتهما، فأصلحوا يا عباد الله تربية أبناءكم، فقد ورد عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:... ("إِنَّ الرَّجُلَ لَتُرْفَعُ دَرَجَتُهُ فِي الْجَنَّةِ") -أي مات هذا وانقطع عمله، وإذا بملك يأتيه ويخبره بارتفاع درجاته-، ("فَيَقُولُ: أَنَّى هَذَا؟ فَيُقَالُ: بِاسْتِغْفَارِ وَلَدِكَ لَك")[4].



"إِنَّ الرَّجُلَ لَتُرْفَعُ دَرَجَتُهُ فِي الْجَنَّةِ فَيَقُولُ: أَنَّى هَذَا؟!" من أين لي هذا؟ "فَيُقَالُ: بِاسْتِغْفَارِ وَلَدِكَ لَك"، ربنا اغفر لنا ولولدينا وللمؤمنين يوم يقوم الحساب.







وكذلك أمر آخر هذا موسمه؛ الحج في سبيل الله عز وجل؛ وليس الجهاد في سبيل الله ولا القتال فقط في سبيل الله، بل سبيل الله أنواعه كثيرة جدا، والحج منه، وهناك نصوص على ذلك، فعَنْ أَنَسِ بْنِ سِيرِينَ قَالَ: قُلْتُ: لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ -رضي الله تعالى عنهما-...: (رَجُلٌ أَوْصَى بِمَالٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، أَيُنْفَقُ مِنْهُ فِي الْحَجِّ؟) قَالَ: (أَمَا إِنَّكُمْ لَوْ فَعَلْتُمْ كَانَ مِنْ سَبِيلِ اللَّهِ...)[5].



وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «النَّفَقَةُ فِي الْحَجِّ كَالنَّفَقَةِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، بِسَبْعِ مِائَةِ ضِعْفٍ»[6].







وَعَنْ أُمِّ مَعْقَلٍ رضي الله عنها قَالَتْ: (لَمَّا حَجَّ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم حَجَّةَ الْوَدَاعِ، كَانَ لَنَا جَمَلٌ، فَجَعَلَهُ أَبُو مَعْقِلٍ رضي الله عنه فِي سَبِيلِ اللهِ، وَأَصَابَنَا مَرَضٌ، وَهَلَكَ أَبُو مَعْقِلٍ)، -أي مات زوجها- (وَخَرَجَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ حَجِّهِ، جِئْتُهُ)، -جاءته كما نحن نزور الحجاج عندما يرجعون- فَقَالَ: ("يَا أُمَّ مَعْقِلٍ! مَا مَنَعَكِ أَنْ تَخْرُجِي مَعَنَا؟!") فَقُلْتُ: (لَقَدْ تَهَيَّأنَا، فَهَلَكَ أَبُو مَعْقِلٍ، وَكَانَ لَنَا جَمَلٌ هُوَ الَّذِي نَحُجُّ عَلَيْهِ، فَأَوْصَى بِهِ أَبُو مَعْقِلٍ فِي سَبِيلِ اللهِ)، قَالَ -عليه الصلاة والسلام-: ("فَهَلَّا خَرَجْتِ عَلَيْهِ؟! فَإِنَّ الْحَجَّ فِي سَبِيلِ اللهِ، فَأَمَّا إِذْ فَاتَتْكِ هَذِهِ الْحَجَّةُ مَعَنَا، فَاعْتَمِرِي فِي رَمَضَانَ، فَإِنَّهَا كَحَجَّةٍ")[7].







وَعَنِ الْحُسَيْنِ بن عَلِيًّ رضي الله عنهما قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: (إِنِّي جَبَانٌ، وَإِنِّي ضَعِيفٌ)، -يعني لا أنفع في القتال، ولا أنفع في أمور تحتاج إلى قوة البدن- قَالَ: ("أَلَا أَدُلُّكَ عَلَى جِهَادٍ لَا شَوْكَةَ فِيهِ؟!") قَالَ: (بَلَى!) قَالَ: ("الْحَجُّ")[8].



فالحج عن النفس أو عن الغير، أو المساهمة فيه أو المساعدة لإنسان ليس عنده ما يكفيه كله في سبيله، وكلٌّ على قدره.







إذاً مجملُ ما ورد نصًّا أنه صدقة جارية:



1) مَنْ عَلَّمَ عِلْمًا، وَنَشَرَهُ، 2) من أَجْرَى نَهَرًا، 3) من حَفَرَ بِئْرًا، 4) من غَرَسَ نَخْلًا، ليأكل منه الناس والطيور... 5) من بَنَى مَسْجِدًا، 6) وَرَّثَ مُصْحَفًا، 7) تَرَكَ وَلَدًا صَالِحًا يَسْتَغْفِرُ لَهُ أو يَدْعُو لَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ، 8) من بنى بَيْتًا لِابْنِ السَّبِيلِ؛ للفقراء أو المساكين، وما شابه ذلك. 9) صَدَقَةً أَخْرَجَهَا مِنْ مَالِهِ فِي صِحَّتِهِ وَحَيَاتِهِ، يَلْحَقُهُ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهِ.



أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.







الخطبة الآخرة



الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، ومن اهتدى بهداه إلى يوم الدين، أما بعد:



قال سبحانه: ﴿ يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ[البقرة: 276].



الحرام يمحقه الله سبحانه وتعالى، لن يبقَى، واسألوا من أخذ من البنوك مالا الحرام، كيف حالهم ومآلهم، يتحايلون بحيل شتى، أخذوا الربا صراحة، أخذوا العشرة على أن يدفعوها إحدى عشرة.







يمحق الله الربا، بل الربا إذا خالط المال الحلال أخذه معه، يفسده كما يفسد الخلُّ العسل.



يمحق الله الربا، والذي فيه الخير والنماء يتركه الناس، الصدقات!!



يمحق الربا ويربي الصدقات، يربي ينمي، يكثِر، والربوة هي المكان المرتفع، تدفع القليل حتى يأتيك الكثير، مع أن القليل عندك بقي قليلا، لكن في البركة كثير، ويُرْبِي الصدقات.







والعجيب في الصدقات الجارية أنها لا تختص فيما بينك وبين الله سبحانه وتعالى، بل أغلبها أو كلها بينك وبين الناس، أن تنفع الناس التي ذكرنها قبل قليل، علما علمه، نهرا أجراه، بئرا حفره، غرس نخلا يأكل منه الإنسان والحيوان، بنى مسجدا، لماذا؟ حتى يصلي فيه هو والناس، ورث مصحفا أي يقرأ فيه الناس، بيتا يبنيه لفقير أو ما شابه ذلك، صدقات يخرجها من ماله للناس، كلها تتعلق بالناس والمخلوقات التي خلقها الله. قال مُحَمَّدُ بْنُ طَاهِرٍ الرَّافِقِيُّ:







لَيْسَ فِي كُلِّ حَالَةٍ وَأَوَانِ

تَتَهَيَّا صَنَائِعُ الإِحْسَانِ



فَإِذَا أَمْكَنَتْ فَبَادِرْ إِلَيْهَا

حَذِرًا مِنْ تَعَذُّرِ الإِمْكَانِ[9]






أو (صَدَقَةً أَخْرَجَهَا مِنْ مَالِهِ فِي صِحَّتِهِ وَحَيَاتِهِ، يَلْحَقُهُ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهِ).







والصدقة المقصود بها كل مال أخرجته فـأوقفته لله سبحانه وتعالى، ينتفع بها مخلوقات الله سبحانه وتعالى، سواء كان هذا المخلوق مسلما أو كافرا، سواء كان إنسانا أو حيوانا ما دام ينتفع بها، فهذا أجره عظيم عند الله، وهي تشمل كل أنواع الخير المتعدي نفعها، إلى الآخرين فـ[من الصدقة الجارية؛ بناء مأوى لابن السبيل أو للأيتام أو للفقراء.







ومن الصدقة الجارية؛ مدُّ شبكاتِ المياه؛ ليشرب الناس والحيوان منها، ويؤيد ذلك ما ورد في الحديث عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ رضي الله عنه قَالَ: (قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنَّ أُمِّي مَاتَتْ، أَفَأَتَصَدَّقُ عَنْهَا؟!) قَالَ: ("نَعَمْ!") قُلْتُ: (فَأَيُّ الصَّدَقَةِ أَفْضَلُ؟!) أي عن الميت قَالَ: ("سَقْيُ الْمَاءِ")[10].



وفي رواية قال سعد رضي الله عنه: (فَحَفَرْتُ بِئْرًا، وَقُلْتُ: هَذِهِ لِأُمِّ سَعْدٍ)[11].







ويلحق بذلك أيضاً حفر آبار المياه الارتوازية وغيرها ليشرب منها الناس والحيوان، فقد جاء في الحديث عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ حَفَرَ مَاءً، لَمْ يَشْرَبْ مِنْهُ كَبِدٌ حَرَّى مِنْ جِنٍّ وَلَا إِنْسٍ، وَلَا طَائِرٍ وَلَا سَبُعٍ، إِلَّا آجَرَهُ اللهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ"[12].



أرادَ بالكَبد الحَرَّى حَياة صاحِبها، -يعني هذه الكبد الحرى تشمل الحشرات والحيوانات وكل ما فيه الروح-؛ لِأَنَّهُ إِنَّمَا تَكُونُ كبِدُه حَرَّى إِذَا كَانَ فِيهِ حَياةٌ، -فيها شيء من الحرارة، أما الميت فلا حرارة في- يَعْنِي فِي سَقْي كلِّ ذِي رُوح مِن الحَيَوان[13]..







ومن الصدقة الجارية؛ تركيب المظلات التي تقي الناس من الشمس في الأيام الحارة، وتقيهم أيضاً من المطر أيام الشتاء؛ وذلك في مواقف الباصات -والحافلات-، وفي المدارس وفي المساجد، والأماكن العامة وغيرها.



ومن الصدقة الجارية؛ التبرع بثلاجات المياه، ووضعها في المساجد أو المدارس أو الأسواق، -تبتغي أنت بذلك وجه الله سبحانه وتعالى.-







ومن الصدقة الجارية؛ بناء المستشفيات والعيادات الصحية، أو المساهمة فيها، وكذلك التبرع بسد احتياجات المستشفيات من الأجهزة الطبية؛ كأجهزة الأشعة والمختبرات، وتوفيرِ سيارات الإسعاف، والتبرعُ للمعاقين بالكراسي المتحركة ونحو ذلك.



ومن الصدقة الجارية؛ وقف قطعة أرض لتكون مقبرةً لموتى المسلمين.



ومن الصدقة الجارية؛ وقفُ سيارةٍ لنقل الموتى، ومن الصدقة الجارية؛ وقف أدوات لازمة لدفن الموتى.



ومن الصدقة الجارية؛ إنشاء معاهد العلم أو المساهمة فيها، وخاصة معاهد العلم الشرعي؛ كبناء دور القرآن الكريم أو المساهمة في بنائها وتأثيثها، وتزويدها بالمصاحف والكتب النافعة.



ومن الصدقة الجارية؛ وقف المحلات التجارية أو البيوت السكنية، وجعل أجرتها للفقراء والمساكين.







وخلاصة الأمر؛ أن باب الصدقة الجارية بابٌ واسع من أبواب الخير، ويدخل فيه بلا شك إتمام بناء مسجد -من المساجد-، وكذا تأثيثه بالسجاد أو ما يلزمه من أدوات كهربائية، وثلاجاتٍ مياه ونحو ذلك...][14].



هذا كله ما أرشد وأشار إليه النبي صلى الله عليه وسلم، صلى عليه الله في كتابه فقال: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [الأحزاب: 56].







اللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين.



اللهم وارض عن الأربعة الخلفاء، السادةِ الحنفاء، أهلِّ البِرِّ والوفاء، ذوي القدر العليّ، والفخرِ الواضحِ الجليّ، أبيّ بكر وعمر وعثمان وعليّ، وعن الستة الباقين، من العشرة المفضَّلين، وعن بقية الصحابة أجمعين، وعن التابعين لهم وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين، وعُمَّنا معهم يارب العالمين، بعفوك ومَنِّك، وكرمك وجودك وإحسانك يا رب العالمين، يا مجيب السائلين.



اللهمَّ أنجِ أسرانا ومعتقلينا والمظلومين؛ من سجون الغاصبين المعتدين.



اللهم عجِّل لهم بالفرج، وردَّهم إلى أُسرِهم وأهاليهم سالمين غانمين، ولا تُبْقِ في السجون والمعتقلات أحدًا من الأسرى والمعتقلين والمظلومين من المسلمين.



اللهم أيِّد من ساهم في فكاكهم، أو سعى في خلاصهم، اللهم وسائرَ الغائبين فردهم إلى أهليهم سالمين غانمين.



اللهم أعزّ الإسلام والمسلمين، وأذلَّ الشرك والمشركين، ودمِّر أعداء الدين، واجعل هذا البلد آمنًا وسائر بلاد المسلمين، اللهم آمِنَّا في أوطاننا، اللهم آمنا في مساجدنا عامة، وفي المسجد الأقصى خاصة، وأصلح ولاة أمورنا، وولِّ علينا خيارَنا، واكفنا شرَّ شِرارِنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك وعمل في رضاك يا رب العالمين.



اللهم انشر رحمتك على هؤلاء العباد، يا من له الدنيا والآخرة وإليه المعاد.



اللهم فُكَّ أسرَ المأسورين وسجن المسجونين، ونفِّس كرب المكروبين، وفرج هم المهمومين، واقض الدين عن المدينين، واشف بلطفك مرضانا ومرضى المسلمين، وعافِ مبتلانا والمسلمين، واكتب الصحة والعافية علينا وعلى الحجاج والمسافرين، في بَرِّكَ وبَحرك من أمة محمد المسلمين.



اللهم عُمَّ بالتوفيق والصلاح رعاة المسلمين ورعاياهم، وأكثر علماءهم، وسدد قضاتهم، وجلِّل برحمتك أحياءهم وأمواتهم، ومُنَّ عليهم بالاجتماع والائتلاف، وأعِذْهم من التفرُّق والاختلاف، وجازِهم بالإحسان إحسانًا، وبالسيئات صفحا وغفرانًا.



اللهم ادفعْ عنا البلاء والوباء، والربا والزنا، والزلازل والمحن، وسوء الفتن، ما ظهر منها وما بطن، عن بلدنا هذا خاصة، وعن سائر بلاد المسلمين عامة، يا أكرم المكرمين.



وأقم الصلاة؛ ﴿... إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ ﴾[العنكبوت: 45].









[1] (م) 14- (1631).




[2] (حل) (2757)، (هب) (3284)، انظر صَحِيح الْجَامِع (3602)، وصحيح الترغيب (73).




[3] (جة) (242).




[4] (جة) (3660)، (حم) (10610)، صَحِيح الْجَامِع (1617)، الصَّحِيحَة (1598).




[5] (حم) (5096)، ومالك في الموطأ.




[6] (حم) (23000).




[7] (د) (1989)، (1990).




[8] (طس) (4287)، انظر صَحِيح الْجَامِع (2611)، (7044)، صَحِيح التَّرْغِيبِ (1098).




[9] مكارم الأخلاق للخرائطي (ص: 55).




[10] (س) (3664)، (د) (1679)، (جة) (3684)، (حم) (22512).




[11] (د) (1681)، انظر صَحِيح التَّرْغِيبِ (962).




[12] (تخ) (1/ 331)، (خز) (1292)، صَحِيح التَّرْغِيبِ (963).




[13] انظر (النهاية في غريب الحديث) (1/ 364).




[14] بتصرف يسير من (فتاوى يسألونك) لعفانة (8/422، 423).


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 84.98 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 83.30 كيلو بايت... تم توفير 1.67 كيلو بايت...بمعدل (1.97%)]