|
ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() الصوارف عن الذنوب حسن عبد الرحمن عبد الحافظ عثمان إنَّ الحمد لله تعالى نحمده, ونستعينه ونستغفره, ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا, من يهده الله فلا مضل له, ومن يضلل فلا هادي له, وأشهد أن لا إله إلا الله, وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم: [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ] {آل عمران:102}. [يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا] {النساء:1}. [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا] {الأحزاب:70- 71}. أما بعد: فإن أصدق الحديث كلام الله عز وجل وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وآله وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار. وبعد: فإن فِي الْقَلْبِ فَاقَةً لَا يَسُدُّهَا إِلَّا مَحَبَّةُ اللَّهِ وَالْإِقْبَالُ عَلَيْهِ وَالْإِنَابَةُ إِلَيْهِ، وَلَا يُلَمُّ شَعَثُهُ بِغَيْرِ ذَلِكَ أَلْبَتَّةَ، وَمَنْ لَمْ يَظْفَرْ بِذَلِكَ: فَحَيَاتُهُ كُلُّهَا هُمُومٌ وَغُمُومٌ، وَآلَامٌ وَحَسَرَاتٌ، فَإِنَّهُ إِنْ كَانَ ذَا هِمَّةٍ عَالِيَةٍ تَقَطَّعَتْ نَفْسُهُ عَلَى الدُّنْيَا حَسَرَاتٍ، فَإِنَّ هِمَّتَهُ لَا تَرْضَى فِيهَا بِالدُّونِ وَإِنْ كَانَ مَهِينًا خَسِيسًا، فَعَيْشُهُ كَعَيْشِ أَخَسِّ الْحَيَوَانَاتِ، فَلَا تَقَرُّ الْعُيُونُ إِلَّا بِمَحَبَّةِ الْحَبِيبِ الْأَوَّلِ, كما قيل: نَقِّلْ فُؤَادَكَ حَيْثُ شِئْتَ مِنَ الْهَوَى = مَا الْحُبُّ إِلَّا لِلْحَبِيبِ الْأَوَّلِ كَـمْ مَـنْزِلٍ فـِي الْأَرْضِ يَأْلَفُهُ الْفَتَى = وَحَـنِـينُـهُ أَبَــدًا لِأَوَّلِ مَــنْـزِلِ[1] وأَصْلُ الْعِبَادَةِ إِفْرَادُ الله تعالى بِالْمَحَبَّةِ، وَأَنْ يَكُونَ الْحُبُّ كُلُّهُ لِلَّهِ، فَلَا يُحِبُّ مَعَهُ سِوَاهُ، وَإِنَّمَا يُحِبُّ لِأَجْلِهِ وَفِيهِ، وَإِذَا كَانَتِ الْمَحَبَّةُ لَهُ هِيَ حَقِيقَةَ عُبُودِيَّتِهِ وَسِرَّهَا، فَهِيَ إِنَّمَا تَتَحَقَّقُ بِاتِّبَاعِ أَمْرِهِ، وَاجْتِنَابِ نَهْيِهِ، فَعِنْدَ اتِّبَاعِ الْأَمْرِ وَاجْتِنَابِ النَّهْيِ تَتَبَيَّنُ حَقِيقَةُ الْعُبُودِيَّةِ وَالْمَحَبَّةِ[2]. فليس محبًّا له من كان مغرقـًا في معصيته مجترءً على محارمه منتهكًا لحرماته مبتعدًا عن أمره, فهذا من أبعد الناس عن محبته سبحانه. إذ المحبة أقوى الصوارف عن الوقوع في معصيته, فكلُّ محبٍ إنما يسعى في رضى محبوبه, فإذا تمكنت المحبةُ من القلب خضع الجسدُ والقلبُ واللسانُ لمراد المحبوب كما قيل: أغرَّكِ مِنِّي أنَّ حُبَّكِ قَاتِلي = وأنَّكِ مهما تَأْمُرِي القلبَ يَفْعَلِ وبالتالي فمن أراد أن يُنْشِأَ في قلبه حِجَابًا حَاجِزًا بينه وبين المعصية فليفتش عن المحبة ولْيُمِدَّهَا بِمَدَدِ الذَّكْرِ والطاعةِ والتَّعَرُّفِ إلى الخالقِ وأسمائه وصفاته سبحانه إذ هي أوسعُ بابٍ لمحبةِ الله تعالى. والله عز وجل قد جعل في قلب كل مسلم واعظــًا ينبهه عند الغفلة, عَنِ النَّوَّاسِ بْنِ سَمْعَانَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا، وَعَلَى جَنَبَتَيِ الصِّرَاطِ سُورَانِ بَيْنَهُمَا, وَأَبْوبٌ مُفَتَّحَةٌ وَعَلَى الْأَبْوَابِ سُتُورٌ مُرْخَاةٌ، وَعَلَى بَابِ الصِّرَاطِ دَاعٍ يَقُولُ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ ادْخُلُوا الصِّرَاطَ جَمِيعًا وَلَا تَعْوَجُّوا، وَدَاعٍ يَدْعُو مِنْ فَوْقِ الصِّرَاطِ، فَإِذَا أَرَادَ إِنْسَانٌ فَتْحَ شَيْءٍ مِنْ تِلْكِ الْأَبْوَابِ قَالَ: وَيْحَكَ لَا تَفْتَحْهُ، فَإِنَّكَ إِنْ تَفْتَحْهُ تَلِجْهُ". فَالصِّرَاطُ الْإِسْلَامُ، وَالسُّتُورُ: حُدُودُ اللَّهِ، وَالْأَبْوَابُ الْمُفَتَّحَةُ مَحَارِمُ اللَّهِ، وَذَلِكَ الدَّاعِي عَلَى رَأْسِ الصِّرَاطِ كِتَابُ اللَّهِ، وَالدَّاعِي مِنْ فَوْقِ الصِّرَاطِ وَاعِظُ اللَّهِ فِي قَلْبِ كُلِّ مُسْلِمٍ "[3]. ففي قلبِ كلِّ مسلمٍ واعظٌ يُنَبهه إذا غَفَلَ وسيطرت عليه شَهَوَاتُه، وعلى قَدْرِ قوةِ هذا الواعظِ وحضوره في القلبِ على قدرِ ابتعاده عن المعاصي، وكلما ضَعُفَ هذا الواعظ كلما كان المسلمُ أكثرَ جُرْأَةً على مواقعةِ الذنوب. فلابد لكلِّ مسلمٍ أن يفتش عن الأمور التي تنبهه وتعصمه من الوقوع في معاصي الله عز وجل، وتصرفه عنها، وأن يقويها ويكثِّرُها إذ هي أسلحته ضدَّ نفسه والشيطان. والصوارف التي تصرف المسلم عن الذنوب ومعصية الله عز وجل وتبعده عنها وتزهده فيها كثيرةٌ، أولها وأهمها[4]: الصارف الأول: إجلال الله عز وجل وإعظامه. وهذا من أعظم ما يصرف العبد عن الوقوع في معصية الله عز وجل، فإذا قام في قلب العبد مشهدُ إجلالِ الربِّ عز وجل عن أنْ يُعْصَى وهو يرى ويسمع لم يطاوعه قلبه على ذلك البتة. وغالب ما يقع من العباد من الغفلة عن هذا المقام، فإن العبد لو دعته نفسه للمعصية واسحضر في قلبه أن الملك الجبار يراه ومطلع عليه لما طاوعه قلبه على الوقوع في المعصية، ولذلك كان سبب خزي أهل النار أنهم غفلوا عن هذا المقام كما قال رب العزة سبحانه وتعالى [وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ] {الزمر:67}. وقال المولى عز وجل: [مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا * وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا] {نوح: 13 - 14}, أي: لا تخافون لله عظمة، وليس لله عندكم قدر[5]. فالمسلم إذا قام في قلبه مشهدُ التعظيم للربِّ الجليل لما جَرُؤَ على مخالفته، إذ كيف يعصي الملك عز وجل, وهو لا يساوي وزن ذرة في ملكوت الربِّ جلَّ وعلا. قال بشر ابن الحارث: " لو تفكَّر الناس في عظمة الله تعالى لما عصوه ". وتعظيم الربِّ لا يكون إلا بتعظيم أمره ونهيه ومن خالف الأمر والنهي فليس معظِّمًا لله تعالى. الصارف الثاني: محبة الله تعالى ومن الصوارف عن المعاصي المحبةُ، فالمحبةُ تُوجِبُ الموافقةَ للمحبوبِ, فَيَتْرُكُ المُحبُّ المعصيةَ محبةً لله عز وجل, وهذا أفضلُ التركِ تركُ المحبين, كما أنَّ أفضلَ الطاعة طاعةُ المحبين, وبين تركِ المحبِّينَ وطاعتِهم وتركِ مَنْ يخافُ العذابَ ويرجو الرحمةَ بونٌ شاسعٌ. فإذا امتلأ القلب بمحبة الله وانشغل بها صرفه هذا عن الوقوع فيما يغضبه عز وجل, لأن المعاصي والذنوب تفوِّتُ على العبد حظَّه من محبة الله تعالى له بحسب ما وقع فيه من الذنوب. فالمحبة الصادقة تستلزم الامتثال للأمر والنهي, قال تعالى [قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ] {آل عمران:31}. قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ الرَّقِّيُّ: عَلَامَةُ مَحَبَّةِ اللَّهِ: إِيثَارُ طَاعَتِهِ، وَمُتَابَعَةُ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وفي ذلك قيل: تَعْصِي الإِلَهَ وَأَنْتَ تَزْعُمُ حُبَّهُ = هذا مُحَالٌ في القِيَاسِ بَدِيعُ لَوْ كان حُبُّكَ صَادِقًا لَأَطَعْتَهُ = إنَّ المحبَّ لمن يُحِبُّ مُطِيعُ فالمحبة تستلزم الانقياد للأمر والنهي, وكل من زعم المحبة وهو قائم على المعصية فهو كاذبٌ في دعواه, وعلى قدر الطاعة على قدر المحبة. الصارف الثالث: شهودُ نِعَمُ الله وإحسانَه مما يصرف العبد عن المعصية شهود نعمِ الله وإحسانه, فالكريمُ لا يعاملُ من أحسن إليه بالإساءة, وإنما يفعل ذلك لئامُ الناس, فمن كان كريم النفس تحرج أن يسيء إلى من أحسن إليه, ومن نعمُهُ تغمره من صحة وعافية ومال وولد وزوجة وغير ذلك من صنوف النعيم, كما قال تعالى [وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا إِنَّ الإنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ] {إبراهيم : 34}. فليس من كريم الطباع وليس من ردِّ المعروف أنْ تُسيء إلى من يحسنُ إليك ليل نهار. جاء رجلٌ إلى إبراهيمَ بنِ أدهمٍ فقال له: يا أبا إسحاق إني مسرفٌ على نفسي فاعرضْ عليَّ ما يكون لها زاجرًا ومستنقذًا لقلبي". قال إنْ قَبِلْتَ خمسَ خصالٍ وقَدِرْتَ عليها لم تضركَ معصيةٌ ولم تُوبِقُكَ لذةٌ قال هات. قال أما الأولى: "فإذا أردت أن تعصي الله عز وجل فلا تأكل رزقه " قال فمن أين آكل وكلُّ ما في الأرض من رزقه قال له يا هذا أفَيَحْسُنُ أنْ تأكلَ رزقه وتعصيه ؟! قال لا هات الثانية. قال: " إذا أردت أن تعصيه فلا تسكن شيئًا من بلاده " قال الرجل هذه أعظمُ من الأولى يا هذا إذا كان المشرقُ والمغربُ وما بينهما له فأين أسكن؟ قال: يا هذا أَفَيَحْسُنُ أن تأكلَ رزقه وتسكنَ بلاده وتعصيه؟ قال: لا هات الثالثة. قال: " إذا أردت أن تعصيه وأنت تحت رزقه وفي بلاده فانظر موضعًا لا يراك فيه مبارزًا له فاعصه فيه ", قال: كيف هذا وهو مُطَّلِعٌ على ما في السرائرِ قال يا هذا أفيحسن أن تأكلَ رزقه وتسكنَ بلاده وتعصيه وهو يراك ويرى ما تجاهره به؟ قال لا هات الرابعة. قال: إذا جاءك ملك الموت ليقبضَ رُوحَكَ فقل له أَخِّرْنِي حتى أتوبَ توبةً نصوحًا وأعملَ لله عملا صالحا. قال لا يقبل مني, قال : يا هذا فأنت إذا لم تقدر أن تدفع عنك الموت لتتوبَ وتعلمُ أنه إذا جاءَ لم يكن له تأخيرٌ؛ فكيف ترجو وجه الخلاص؟ قال هات الخامسة. قال إذا جاءتك الزبانيةُ يومَ القيامة ليأخذونَكَ إلى النار فلا تذهبْ معهم, قال: لا يَدَعُونَنِي ولا يقبلون مني, قال : فكيف ترجو النجاة إذًا؟ قال له يا إبراهيم حسبي حسبي أنا أستغفر الله وأتوب إليه ولزمه في العبادة حتى فرَّق الموتُ بينهما[6]. فكريم الطبع لا يسيء إلى من يحسنُ إليه ومن نِعَمَه عليه لا تُعَدُّ ولا تحصى, أما لئامُ الطباع هم الذين يقابلون الإحسانَ بالإساءةِ والمعروفَ بالجحودِ. فأعظم الصوارف عن مواقعة الذنوب: تعظيم الله عز وجل, ومحبته, وشهود نعمه سبحانه, وصل اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. الخطبة الثانية الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على خير المرسلين, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له يقول الحق وهو يهدي السبيل, وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله الطيبين وصحابته الغر الميامين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وبعد: فإن المسلم ينبغي عليه دومًا أن يبحث لنفسه عن قيدٍ يُقَيِّدُهَا به عن دواعي الهوى, فالله عز وجل قد ركب في الإنسان قوتين متضادتين قوة تدعوه إلى الطاعة وقوة تدعوه إلى المعصية, وعلى قدر كل قوة يكون حال المسلم, فلابد للمسلم أن يبحث عمَّا يقوي داعي الطاعة في قلبه ويصرفه عن المعاصي والذنوب, ومما يصرف العبد عن الذنوب: الصارف الرابع: التفكر في سرعة زوال الدنيا وانقضائها فهذا مما يصرف العبد عن مواقعة الذنوب التفكر في حقيقة الدنيا وسرعة زوالها ومدى مقدارها بالنسبة للآخرة. فإن الدنيا ممر ومعبر للآخرة وليست بدار استقرار, ولذلك جاءت الأدلة من الكتاب والسنة لتبين حقيقة الدنيا, قال تعالى [اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ] {الحديد:20}. وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «مَا لِي وَلِلدُّنْيَا؟ إِنَّمَا مَثَلِي وَمَثَلُ الدُّنْيَا كَمَثَلِ رَاكِبٍ قَالَ فِي ظِلِّ شَجَرَةٍ فِي يَوْمٍ حَارٍّ ثُمَّ رَاحَ وَتَرَكَهَا»[7]. وعن المُسْتَوْرِدِ رضي الله عنه قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "وَاللَّهِ مَا الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ ِلَّا مِثْلُ مَا يَجْعَلُ أَحَدُكُمْ إِصْبَعَهُ هَذِهِ فِي الْيَمِّ فَلْيَنْظُرْ بِمَ يرْجِعُ"[8]. عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه, أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من أحبّ دنياه أَضرَّ بآخرته، ومن أحبّ آخرته أضرَّ بدنياه، فآثروا ما يبقى على ما يفنى"[9]. فمن أدرك حقيقة الدنيا علم أن متاعَها زائفٌ زائلٌ, وأنَّ ما يكونُ فيها من الشهوات إنَّما هو خيالٌ يعقبه ندمٌ وحسرةٌ, كما قال تعالى [وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ] {الحديد:20}. الصارف الخامس: النعيم والعزُّ الحقيقي في دار البقاء وأخيرا فإن من أعظم ما يصرف العبد عن المعصية أن يعلم أن النعيم الحقيقي في دار البقاء, حيث لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر, فقد أعد الله عز وجل في الجنة لعبادة المتقين من صنوف النعيم ما يهون معه فواتُ أيِّ لذةٍ في الدنيا. قال تعالى في حق المؤمنين [وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا * مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ لَا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْسًا وَلَا زَمْهَرِيرًا * وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلَالُهَا وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلًا * وَيُطَافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ وَأَكْوَابٍ كَانَتْ قَوَارِيرَا * قَوَارِيرَ مِنْ فِضَّةٍ قَدَّرُوهَا تَقْدِيرًا * وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْسًا كَانَ مِزَاجُهَا زَنْجَبِيلًا * عَيْنًا فِيهَا تُسَمَّى سَلْسَبِيلًا * وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤًا مَنْثُورًا * وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيمًا وَمُلْكًا كَبِيرًا * عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُنْدُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِنْ فِضَّةٍ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا * إِنَّ هَذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاءً وَكَانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُورًا] [ الإنسان : 12-22]. وأعظم من هذا النعيم كله رؤية وجه ربِّ العزة تعالى, فهذا أعظم لذة ينالها المسلم في الجنة, فأعظم نعيم وألذُّ نعمة رؤية الله عز وجل, وأعظم حسرة للكافرين أن لا يروا من خلقهم. عَنْ صُهَيْبٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِذَا دَخَلَ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ، وَأَهْلُ النَّارِ النَّارَ، نَادَى مُنَادٍ أَنْ يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ إِنَّ لَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ مَوْعِدًا»، قَالَ: " فَيَقُولُونَ: مَا هُوَ؟ أَلَمْ يُثَقِّلْ مَوَازِينَنَا، وَيُبَيِّضْ وُجُوهَنَا، وَيُدْخِلْنَا الْجَنَّةَ، وَيُنْجِينَا مِنَ النَّارِ؟ فَيُكْشَفُ الْحِجَابَ، فَيَنْظُرُونَ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَوَاللَّهِ مَا أَعْطَاهُمُ اللَّهُ شَيْئًا أَحَبَّ إِلَيْهِمْ مِنَ النَّظَرِ إِلَيْهِ "[10]. فمن أدرك حقيقة النعيم هانت عليه لذة لحظة يعقبها عقابٌ لا يعلم مداه إلا اللهُ عز وجل, فيصرفه ذلك عن معصية الربِّ جل وعلا. نسأل الله عز وجل أن يطهر قلوبنا وأن يصرف عنا السوء والفحشاء. وصلِّ اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. [1] - مدارج السالكين 3/256 [2] - مدارج السالكين 1/119 [3] - أخرجه أحمد في المسند ( 17634 ), والحاكم في المستدرك (245), والآجري في الشريعة (14) [4] - مستفادة من رسالة للشيخ عبد الرزاق البدر حفظه الله بعنوان " بواعث الخلاص من الذنوب " [5] - تفسير السعدي 1/889 [6] - التوابين لعبد الغني المقدسي ص285 [7] - أخرجه أحمد في المسند (4208), وابن حبان بنحوه (6352) [8] - أخرجه أحمد في المسند (18038), وقال الشيخ شعيب الأرنؤوط : صحيح على شرط مسلم [9] - أخرجه الحاكم في المستدرك (7897), والبيقهي في الآداب (814), وضعفه الألباني في الضعيفة (5650) [10] - أخرجه مسلم (181), وابن حبان (7441), وأحمد (18935)
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |