|
رمضانيات ملف خاص بشهر رمضان المبارك / كيف نستعد / احكام / مسابقات |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
|
#1
|
||||
|
||||
![]() تعلمت في رمضان (1) عظمة الفرص د. مشعل عبدالعزيز الفلاحي الحمد لله ربِّ العالمين، والصَّلاة والسَّلام على أشْرفِ الأنبياء والمرسَلين. وبعد: فإنَّ شهر الله تعالى رمضان مدرسةٌ بكامل فصولها، يتعلَّم الإنسان في شهرٍ واحد ما يُمكن أن تقدِّمه المدرسةُ النظامية وتعمِّقه في نفوسِ طلاَّبها في سنوات، وها أنا واحدٌ مِن أولئك الطلاَّب ما زلتُ مِن سَنوات أكتُب بعضًا مِن فصول ومهارات وآثار تلك المدرسة إلى اليوم ولم أنتهِ بعدُ! بل أجِدني في كلِّ عام أتيتُ على ما أُريد أن أكتُبَ فيه، وما أن تَفتحَ لي هذه المدرسة فصولَها مِن أوَّل يوم إلا وتتداخَل في فِكري كثيرٌ مِن الأفْكار والمهارات والآثار الجديدة التي أحْتاج إلى تعلُّمِها ودراستها والاستفادة منها، وهأنذا تحتَ هذا العنوان أكتُب بعضًا مما علَّمتنيه هذه المدرسة مِن مفاهيمَ كبرى في حياة الإنسان ليس في ذات الشَّهْر فحسبُ، وإنَّما في عالَم الحياة ورِحلتها الكُبرى في الأرْض. مِن هذه المفاهيم التي تعلَّمتُها مِن خلال هذه المدرسة: عظَمة الفُرصة في حياة الإنسان، وأنَّ الفُرَص تقدِّم للإنسان أرْقَى ما ينتظره مِن خير وأوسَع ما يُريده من برَكة في لحظة أو لحظات مِن الزمن، وأنَّ الإنسان حين يستعدُّ لاستقبال هذه الفُرَص ويدرك آثارها، ويُرتِّب حياته لاستثمارها سيكون في عدادِ الكبار في لحظةٍ مِن لحظات الزمن. ومدرسة رمضان تُثير فرصًا كبرى في حياة الإنسان وليستْ فرصة، وتجعله في خلالِ شهرٍ واحدٍ صفحةً بيضاء مِن الخطيئة، وورقة مثمِرة من الحسَنات، وتكتب على كلِّ خُطواته السابِقة مهما كانتْ أوزارها رحلةً جديدة وحياة كبيرة، ترَى هذا في قول النبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((مَن صام رَمضان إيمانًا واحتسابًا غُفِر له ما تَقدَّم مِن ذنبه))، وفي قوله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((مَن قام رمضانَ إيمانًا واحتسابًا غُفِر له ما تَقدَّم مِن ذنبه))، وفي قوله - عليه الصلاة والسلام -: ((مَن قام ليلةَ القدْر إيمانًا واحتسابًا غُفِر له ما تَقدَّم من ذنْبه))، إنَّك حين تتأمَّل في مدرسةِ الحياة كلها قدْ لا تظْفَر فيها أحيانًا إلا ببِضع فُرَص مهما امتدتْ بك الحياة وطال بكَ الزَّمن، وترَى مفهوم الفُرصة في رَمضان يلبس أوسع صُورِه، ويخرج بهيجًا يتلقَّى الإنسان في كلِّ طريق ويهبه رُوحه ومعناه وأثَره، ولم أرَ مفهومًا يلبس ثوبًا فَضفاضًا كبيرًا في فترة وجيزة كما أَرَى هذا المفهوم في فترةٍ قصيرة مِن حياة الإنسان، لكن مشكلتنا الكُبْرى أنَّنا لا نُحسِن قِراءة هذا المفهوم في أحيانٍ كثيرة قراءة المتتبِّع للفُرَص، المستثمر لها، المشمِّر إليها، الناظِر لها برُوح الإعجاب والانتظار فتفوتنا لأجْلِ ذلك، وتذهب مِن حياتنا ونحن لم نحتفِ بها احتفاءَ المحبِّين، وتُغادِرنا دون أن نتلفَّت لها، أو حتى نستشعرَ رحيلَها مِن حياتنا. عَلَّمني رمضانُ أن أقرأ هذه الفُرص بعين عكَّاشة بن محصن، وبرُوحه ومبادرته حين دفَعه استثمارُ هذا المفهوم لعناق الجنَّة يومَ القيامة دون حِساب ولا عِقاب، وقام غيره يودُّ اللحاقَ ويلهث مِن أجل الوصول، فما وجد إلا عوارضَ الطريق! إنَّني أُدرك أنَّ مشكلة الفُرْصة أنها تأتي في لِحاف العمَل، وتحاول أن تقدم عليك وهي متدثِّرة به متعثِّرة في أعطافه، فتأتيك هنا في حديثِ نبيِّك - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((مَن صام رَمضان إيمانًا واحتسابًا))، وتطلب منك دقَّةَ الإخلاص لله تعالى، ورَوائع تلذُّذه، ورُؤيته أثناءَ الجوع والعطَش، وكثيرًا ما يَغيب هذا المعنى ويكون تَذكُّره مكلفًا على أصحابه وهم يَذوقون ذاتَ الجوع وذات العطَش، وهذا هو لحافُها هنا، وتراه لحافًا يحتاج إلى جهاد وتعَب وتذكُّر في كلِّ وقت، حتى ينسلخَ مِن على الجسَد فتكون الفرصةُ في لحظته عاريةً ويحين وقتُ اللِّقاء، وتأتيك في ذاتِ الثوب في قول نبيِّك - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((مَن قام رمضانَ إيمانًا واحتسابًا))، وثوب هذه الفُرْصة أن تقومَ مع الإمام كلَّ ليلة مِن حين ما يبدأ إلى أن ينصرِف، وفوات شيءٍ مِن صلاة الإمام محفوف بفواتِ الفُرصة كلها لعمومِ قوْل النبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((مَن قام مع الإمام حتى ينصرفَ كتب له قيام ليلة))، ومحصلة قيام هذه الليالي كلها هي الفُرصة التي أخبر بها نبيُّك - صلَّى الله عليه وسلَّم. لو لم أتعلَّم مِن رمضان سوى هذا المفهوم، لكان كبيرَ المعالِم في حياتي، عظيمَ الآثار فيها، فكيف إذا قلت لك: هو أوَّل ما تعلَّمْت، وفي حياتي غير ذلك ستأتيك تِباعًا - بإذن الله تعالى.
__________________
|
#2
|
||||
|
||||
![]() غضبان في رمضان نانسي خلف إنه السيد غضبان، الذي أخَذ العهدَ على زيارة البيوت في رمضان؛ فإذا جلس السيد غضبان إلى مائدة رمضان، تعهَّد أن يُعكِّر على الجميع صفوَ الصيام، وطارت فرحةُ الصائمين في هذه الأيام. وعند الإفطار يترأس هو الطاولة، وأول ما يبدأ به هو هندسة الصحون: (ليه الصحن محطوط هيك.. مين حطو هيك.. كم مرة بدي قلكن ما هيك بحطو الصحون؟!). والطَّامَّة الكبرى إذا لم يعجبه الطعام بعد النهار الطويل في الصيام: (حاطه ملح كمان.. بدك تعليلي ضغطي)! فيشعر الحاضرون وكأنهم أبطال في مسلسل "مؤامرة في رمضان". وعوضًا عن أن يكون رمضان شهر الفرح، أصبح رمضان شهر الدِّراما، والقصف الكلامي، والهجوم العدواني؛ فلا يسلم أحد من السيد غضبان. ولكن يا ليته يتخلى عن اختصاص هندسة الصحون، ليُكلِّمنا عن هندسة القلوب في رمضان. قُرَّاءنا الكرام، رمضان هو هو ولو حاولنا تغييره، رمضان هو الراحة النفسية، والطمأنينة الداخلية، وبيدِنا القرار، وعلينا مسؤولية الاختيار: إما أن نستمتع برمضان منشط القلوب، وباعث الفرح في النفوس، أو نضيع الفرصة بكلمة من هنا وانتقاد من هناك. بينما رمضان هو الوقت المناسب لتحقيق المكاسب، ولو أنها معادلة صعبة عند السيد غضبان في رمضان؛ ولكنها ليست بالمستحيلة. وحتى لا تزيد ضربات القلب، ولا يغلي الدم في العروق؛ لا بد من إجراء عملية جراحية للجسم نستأصل فيها شرارة الغضب، ونُرمِّمُ الخلايا العصبية الزائدة في شهر الهدوء والطمأنينة والسكينة. والموعد المناسب لهذه العملية هو الآن، في شهر رمضان، وعلى يد كبار الأطباء، وهم: الصيام والقيام والتراويح وتلاوة القرآن. فهلموا إلى المهدئ الرباني "رمضان". وإلى أن ألقاكم، أترككم بعافيةٍ وسلامة من نوبات الغضب، إلا الغضب لله وفي الله.
__________________
|
#3
|
||||
|
||||
![]() احذر الفتور في رمضان والزم التذكر واليقظة وصال تقة احذر الفتور: فرحٌ بقدوم الشهر الكريم، همَّة ونشاط وكد ومجاهدة ووعود بأن نُريَ اللهَ منا ما يحب، ثم يمر اليوم واليومان، فإذا بتلك الرُّوح التي كانت بالأمس تتوقد همة وحيوية، أصبحت راكنة إلى الكسل والخمول والفتور والشعور بالضعف والثقل أثناء أداء الطاعات. وصار الانشغال بالسفاسف عن فعل الخيرات، والفوضى والهروب من العمل الجدي المنظم، وتلك النفس التي كانت معك بالأمس القريب شفافة وفيَّة، قد أصبح ديدنها مخادعتك وإيهامك بأنك تعملُ ولكنك في الحقيقة بطَّال فارغ.. وإذا بالعزيمة تصبح تسويفًا وتأجيلاً وأمانيَّ خدَّاعة. هي جبلَّة في النفس البشرية الخنوع، الراكنة إلى الراحة والبطالة، لكن ليكن الحذرُ مِن تفلت كل زمامها منك، ولتكن فترتك إلى سُنَّة جديدة، وعلى تسديد ومقاربة؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لكل عمل شرَّة، ولكل شرَّة فترة، فمن كانت فترته إلى سُنَّتي فقد أفلح، ومن كانت على غير ذلك فقد هلك))؛ صححه أحمد شاكر. قال ابن القيم رحمه الله: "تخلُّل الفترات للسالكين أمر لا بد منه، فمن كانت فترته إلى مقاربة وتسديد، ولم تُخرِجْه من فرض، ولم تدخله في محرَّم، رُجِي له أن يعود خيرًا مما كان". فلتكن الفزعة إلى التنويع في العبادات، فذلك يمنع الفتور ويجدِّد النشاط، ولنتذكر باستمرار عِظَم الهدف، وقلة الزاد وطول الرحلة، فتعلو الهمة من جديد، وتنبعث الرُّوح النشيطة والنفس التواقة للمعالي من جديد، ويتأجَّج الشوق إلى الجنة وإلى لقاء الجَوَاد الكريم العفوِّ الرحيم سبحانه. الزم التذكر واليقظة: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ ﴾ [الأعراف: 201]. نزغ الشيطان سنَّة ماضية لا يسلم منها وليٌّ ولا مقرب، والنجاة والسلامة من الانسياق معه إنما تكون بالتذكر - حين طوافه بنا محاولاً الاستقرار بقلوبنا وتحريض الجوارح - بأنه لا يألو جهدًا في الإطاحة بنا في شباكه، وبتذكُّر ما شرع الله لنا تحرزًا منه، وبالتيقظ لمكره وكيده، والفزع إلى الله، والهروب إليه، استعاذة به سبحانه من كيدِه وشَرَكه.. والتذكر يحتاج يقظة وبصيرة وعزمًا وقوة، وقبل ذلك صدقًا مع النفس، وقربًا منها، واطلاعًا مستمرًّا على خفاياها، وشفافية في التعامل مع تقلباتها.. عزموا في ثبات، وتذكروا أوامر الله ووصاياه والدواء لهذا الداء، فأنجاهم الله من خواطرهم الشيطانية فهاجَرَتهم، وظهر لهم الحق أبلج ناصعًا، فعملوا بما تذكروا، فكان جزاؤهم من جنس العمل، وولَّد الثباتُ على الحق ثباتًا آخر على الهدى والتقوى..
__________________
|
#4
|
||||
|
||||
![]() لحظات إذا فاتت فلا وجه لاستدراكها وصال تقة منذ أيام فقط كنا نتحدث عن كيفية استقبال الشهر الفضيل، وعن خطوات عملية لتثبيت العرش قبل النقش، ولتخلية القلوبِ من الشوائب قبل تحليتها بما يُحييها. وذاك الشوق والحنين قد عانَق فضاءات الرجاء وشساعة الأمل في موسم الخيرات، ونفحة من النفحات الإلهية التي جاد بها على عباده. ها قد مرت أيام وأيام على دخول الشهر الكريم، وها هي ذي قلوبٌ تتوجَّع لقرب رحيل بات وشيكًا، إنما ينتظر أن تلفه الأيام وتطويه الليالي ولا يبقى من الحدَثِ سوى الذِّكرى، ومن الورد سوى العبق، ومن الشجرة السامقة سوى أوراقها المتساقطة قهرًا بتعاقُب الليل والنهار. ترانا أحسنا الصيام والقيام وعبودية مولانا؟ أم أنها كانت أمانيَّ وأحلامًا وتسويفًا وإرجاءً؟ ترى ما حال قلوبنا مع القرآن؟ وما حال أخلاقنا التي وعدنا قبيل رمضان بإصلاحها وتزكيتها وأن نريَ اللهَ منها ما يحب؟ هل كنا ممن كان كل همهم أن يسددوا ويقاربوا وأن يشكروا الله على التوفيق وأن يعتذروا منه سبحانه عن التقصير؟ أم كنا ممن غرَّهم عملهم وانشغلوا بالتباهي بكثرة الختمات وبعدد الركعات عن مجاهدة سرائرهم وتجريد نيَّتاهم لله؟ هل كنا ممن علم بقصر المَوْسم وسرعة انقضاء الفرصة وعدم تعويضها، فشحَّ بوقته وكل لحظة من يومه فلم يضيِّعْها في المباحات فضلاً عن صرفها في المحرَّمات؟ إن كان كل حظنا مما مضى تقصيرًا وتسويفًا وانشغالاً بالسفاسف، فالبَدارَ البَدارَ للإحسان فيما بقي؛ "فالموفَّق من تلمَّح قِصَرَ الموسم المعمول فيه، وامتداد زمان الجزاء الذي لا آخر له، فانتهبَ حتى اللحظةَ، وزاحم كل فضيلة، فإنها إذا فاتت، فلا وجهَ لاستدراكها"؛ اهـ (صيد الخاطر، ابن الجوزي رحمه الله).
__________________
|
#5
|
||||
|
||||
![]() رمضان المبادرة .. الدعاء الدعاء وصال تقة انكسِرِ انكسار الضعيف الخاضعةِ رقبتُه لمولاه.. لا تعجِزْ عن طرق بابه، واستكثر من إعادة القرع، وأنِخْ مطاياك بباب الحَيِيِّ الذي يستحيي أن يرد صفرًا من يمد إليه يديه.. ولقوة الرجاء وانتظار الفرج وتأميل كشف الضر: حلاوة وخفة ونشاط وطمأنينة تعقب الدعاء المُلحَّ الصادق، المبلل بدموع الطمع في عطايا الكريم الجَوَاد.. وذاك الذي أضناك التعبير عنه، وأنهكك بيانه، وتمنَّعت عنك فصاحتك في إظهاره.. يكفيك أن العليم بالخبء والسر وأخفى، أعلم به وبحالك منك.. فماذا لوكان هذا الدعاء قد عطره طيب خُلوفك وأنت صائم، أو أضاءته قناديل قلبك الساجد بين يدي الكريم الجَوَاد الودود في الثلث الأخير من الليل وهو يتودَّدُ لعباده ليستغفروه؟! لم لا نستغل كرم الكريم، وننكسر بين يديه، ونقبل على عطائه وقد فتح لنا أبوابه وهيأ لنا خزائنَ جوده في كل آنٍ وحين، ولم يجعل للدعاء تاريخ صلاحية ولا وقتًا معينًا للوفود عليه؟! وتصوَّر لو أن الدعاء كان محددًا بساعة معينة من ليل أو نهار، وأكثر من ذلك لو كان محددًا بيوم معيَّن من الأسبوع أو من الشهر أو من مواسم الخيرات، كيف سيكون حالنا؟ نجمع الهموم والحاجات والأحزان في قلوبنا، أو لربما فرغنا شحنتها بالبوح لغيرنا، ونحن موقنون أنه لن يعدو أن يكون بوحًا وبوحًا فقط..، ثم ننتظر ساعة الدعاء المحددة..، فإذا ما غفَلْنا أو انشغلنا عنها، فاتتنا الفرصة، فاضطررنا إلى انتظار اليوم الموالي أو الشهر أو النفحة الموعودة، بنفس الحمل القديم، مع إضافة هموم جديدة: همُّ الأسى على إضاعة فرصة اللجوء إلى الله.. وهمُّ الخوف من إضاعة ما يستقبل من فرص.. لك الحمد يا قريب يا ودود، يا مجيب الدعوات، لك الحمد أن جعلت أبوابَ الدعاء مفتوحة آناء الليل وأطراف النهار، وهدَيْتَ إليها من تعلَّق قلبه بك وبالرجاء فيك.. لك الحمد من إلهٍ رحيم، علمتَ حاجة عبيدك لك، وفاقَتَهم لقُربك ومعيتك، واضطرارهم لكلئك وولايتك، فكنت أقربَ إليهم من حبل الوريد: قريبًا بإحاطتك، وبإجابتك وإثابتك.. فلك الحمد ولك المنَّة، ولك الثَّناء الحسَن..
__________________
|
#6
|
||||
|
||||
![]() الجهد المشتَّت لا يصنع تقدمًا وصال تقة في رمضان تعلو الهمة وتسمو إلى الاستكثار من المشاريع.. اجمَعْ شملَ مشروع واحد، وابذُلْ كل جهدك في تطويره، وأعطِه نفَسًا عميقًا من أنفاسك، ستجد ثماره أكثر مما لو فرقت جهدك على مشاريعَ أخرى صغيرة.. مشروع رمضان الأكبر هو "مصاحبة القرآن". • ((مَثَلُ الجليس الصَّالِح والجَليس السَّوْءِ كَمَثَلِ صَاحِبِ المِسْكِ، وَكِيرِ الحَدَّادِ، لاَ يَعْدَمُكَ مِنْ صَاحِبِ المِسْكِ إِمَّا تَشْتَرِيهِ، أَوْ تَجِدُ رِيحَهُ، وَكِيرُ الحَدَّادِ يُحْرِقُ بَدَنَكَ أَوْ ثَوْبَكَ أَوْ تَجِدُ مِنْهُ رِيحًا خَبِيثَةً))؛ متفق عليه. • "الصديق في وقت الضيق". • "قل لي من تصاحب أقُلْ لك من أنت". نِعْم الجليس، ونِعْم الصاحب، وكفى به مشروعًا.. ومن كان جليسه القرآن، فقد كُفِي الهم والضيق، وتبرأ من الوحل، وعطر الأنفاس بالمسك وعانق ستائر النور.. فهنيئًا لمن عرف بالقرآن أهلاً وصاحبًا.. التِماعة: وكم تألف هذه النفس ما حولها، وكم تضيع حقائق الأشياء وعمقها، وتغور المعاني في لجج التكرار والإلف والعادة..، فلا الصبح يبعث في الرُّوح بخيوط نوره مشاهد الجمال، ولا الليل يرسل فيها مشاهد الخوف والسكينة، ولا الجبال تحرك في النفوس مشهد العظمة، ولا ألوان الفراش ولا شذى الزهور ولا شدى الطيور ولا ترنيمة الرياح وعزف الرعود يحرِّك الوجدان طربًا لمعاني الجمال والكمال ودقة الصُّنع.. نعتادها من كثرة ما نراها، ونألفها لكثرة ما نحياها، ولا محرك لتأمُّلها وتحريك الوجدان لها إلا بتأمُّل عميقٍ في الملكوت وآيات الله الكونية، وتدبر دقيق وإعمال للفكر في كتابه الحكيم.. فهل جربتَ أن تسموَ بهمتك من قراءة الحرف واحتساب الحسنات العشر عليه إلى أجر التفهُّم والتأمُّل والتدبُّر؟ هل جرَّبتَ أن تشرع مراكبك وتهيِّئ حقائبك وأن تسافر في أنداح السكينة والرحمة ومنَّة المنان؟ أن تحلق بأجنحة من نور إلى عوالم النور وكواكب الغفران وقناديل الذكر وكلام الرحمن؟ أن تصنع من كتاب الله بوصلة تحدِّدُ لك معالم السبيل، ونبراسًا يضيء لك عتمة الحياة المجبولة على الكدر، يقوِّم ما حاد من الأفكار، وما حنف من السلوكيات عن الطريق الواحد الممتد الطويل، ويهذِّبُ شعثَ الأخلاق ومارقَها.. وتستنصر به على الأمَّارة والهوى، وتستغيث بالحياة الكامنة في آيِهِ من موت الأرواح على مقصلة الغفلة والتسويف والعادة.. أن تجعله الدستور الذي لا يحيد عنه إلا هالك، تستشعر خطابه لك وبأنك المعنيُّ في كل أمر وفي كل نهي.. تستجيب لنداء ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ﴾، وترعوي من الزجر والنهي والوعيد، وتشرق نفسك مع كل وعد جميل بالغد الجميل في رحاب الجِنان.. تمنِّي النفس وتأمل فيمن وعد وصدق عباده وعده.. يقشعرُّ منك الجلد لذِكره سبحانه، وتذرف المآقي لآلئها، ثم ما تلبث أن تلين وتتنفس السكينة والطمأنينة.. تتجوَّلُ في أفانين اليقين ومروج الثقة وبساتين الرجاء.. تمرض فتهرع إلى آيِهِ وإلى قصة أيوب تتلمَّسُ من بين الحروف الرجاءَ والطمأنينة والثقة في قدرة الطبيب الشافي، وتضيق بك وتظلم في عينك وقد قاربت من الإياس، فتُهرَع إلى قصة يونس تتربص بخيوط النور المتسللة من بين الظلمات الثلاث، وتتوالى عليك الملمَّات والمصائب، فتسارع إلى قصة يوسف تصعد مع خطاطتها، وتنزل بين فرَجٍ تتبعه شدة، وبين شدة ليس لها من عاقب إلا الفرج.. تنظر إلى الدنيا ومتاعها الذي لا يعدو أن يكون حطامًا تَذْروه الرياح فتتخيل الصورة فتسارع إلى الرضوان، وتختار الباقية على الآفلة الفانية.. وتنظر إلى مآلات صراع الخير والشر والكفر والإيمان والاستجابة والعصيان، فتدرب النفس على موازين الحق، وتمرِّسها على العمل وعلى حُسن الاختيار.. هل جربت أن يؤذَّن في رُوحك أن أقبلي، فهذا كتاب الله، فماذا أنت صانعة فيه ومعه؟ فقُمْ أيها الشارد السادر في الغفلة، وامسح عنك الوسن، واغتسل بدمعك وبعطر كلام الله، واستجب لداعي الشرف وباعث إقامة حكم الآي وأمره قبل إقامة حرفه.. استفتح من الله واسأله المدد.. رتِّبْ حقائبك، واحجز مكانًا لرحلة آمنة بفضل الكريم المنان إلى تدبُّر كلامه..
__________________
|
#7
|
||||
|
||||
![]() مبارك عليك الشهر (23) أ. محمود توفيق حسين عندما يقتربُ رمضان من نهايته وتبدأُ في الإعداد لموعد إجازة العيد للموظفينَ في شركتك وأنت ترغب في جعل الإجازةِ بدءاً من يوم الوقفة رغم عدم وجود ضغطٍ في العمل ويصلُك طلب من أحدهم للذهاب إلى عُمرةٍ وطلبٌ من آخر بيومٍ مبكر لأن أهله بعيدو الديار وهو يودُّ أن يسافر إليهم لقضاء العيد من أوَّلهِ بينهم لا تفكِّر بأن ما بينك وبين مَن يعملون عندك العقودُ بل فكِّر في أن تقديرك للمناسبةِ، وتفهُّمك لحاجاتِ الناس.. يوثِّق لك عند الآخرينَ ما لا توثقهُ العقود. عيدُكَ كماءِ السَّماء
__________________
|
#8
|
||||
|
||||
![]() قبل الرحيل شريفة الغامدي ها هي أيَّام الشهر الفضيل تُسارِع بالرحيل. حقًّا والله كانتْ أيامًا معدودات، مضَتْ سريعًا وكأنها سُوَيعات! فلله الحمدُ أنْ بلَّغَنا هذه الأيام الفاضلة، ونسأَلُه - تعالى - القبولَ. أَزِفَ الرحيلُ، فهل لنا من وقفةٍ مع أنفسنا، نُسائِلها: ما الذي انسلَخنا به من رمضان؟ ما الذي كسبناه؟ وما الذي أضَفناه لنا ولصحائِفنا فيه؟ ماذا غيَّرنا في داخلنا؟ وماذا أصلَحنا في أنفسنا؟ وما رقعنا من شقوقنا؟ مَن منَّا نالَ الرحمة؟ ومَن غُفِر له؟ ومَن عُتِقَ من النِّيران؟ مَن ابيَضَّتْ صحيفة أعماله؟ ومَن تلطَّخت بالسواد؟ مَن أفلَحَ؟ ومَن تزكَّى؟ ومَن خاب؟ ومَن تردَّى؟ مَن نهى النفس عن الهوى؟ ومَن انساقَ وراء أهوائها؟ مَن منَّا شمَّر وشدَّ المئزر وقام إيمانًا واحتسابًا؟ ومَن منَّا شغلَتْه زحمة الأسواق عن ليلةٍ خير من ألف شهر؟ وما أدراك ما ليلة القدر؟ ليلة العمر، ليلة الرحمة والعتق. مَن منَّا رُفِعَ له فيها عملٌ صالح؟ ومَن منَّا لم يصدَّه فضلُها عن عمله الطالح؟ مَن منَّا أطال السجود والتعبُّد والدعاء والرَّجاء، مَن منَّا أحسَنَ؟ ومَن منَّا أساء؟ ها هي الرحلة الرمضانيَّة قاربَتْ على الانتهاء، فأين حطَّتْ بك رحالك؟ وما هي وجهتك الأخيرة؟ وما كان زادُك في هذه الرحلة؟ اسأل نفسَك وأجِبْها بصدقِ الصدوق: هل كانتْ رحلة موفَّقة هذا العام أم أنها ككلِّ عام؟! يا شهر الصيام ترفَّق: "يا شهر رمضان ترفَّق، دموع المحبين تدفَّق، قلوبهم من ألم الفِراق تشقَّق، عسى وقفة للوداع تُطفِئ من نار الشَّوق ما أحرَق، عسى ساعة توبةٍ وإقلاعٍ ترقع من الصيام ما تخرَّق، عسى مُنقَطِع من ركْب المقبولين يلحَق، عسى أسير الأوزار يُطلَق، عسى مَن استَوجَب النار يُعتق، عسى رحمةُ المولى لها العاصي يُوفَّق"[1]. مَن منَّا أقبَلَ؟ ومَن منَّا أقصَرَ؟ مَن منَّا أتَمَّ؟ ومَن منَّا قصر؟ ومَن أقلَّ ومَن أكثَر، ومَن منَّا تعثَّر ومَن منَّا استغفر؟ مَن عاد كيوم ولدته أمُّه؟ ومَن عاد وعلى جسده جبالٌ من الذنوب تحملها؟ مَن منَّا المقبول فنُهنِّيه كما قال ابن مسعود - رضِي الله عنه؟ ومَن المردود فنعزِّيه؟ مَن منَّا أَذهَبتْ سيِّئاتُه حسناتِه؟ ومَن مِنَّا أذهبتْ حَسناتُه سيِّئاتِه؟ ومَن منَّا أذهَبَ طيِّباته في الحياة الدنيا وشغَلَه الاستكثارُ من الطعام والشراب والملذَّات والملهيات والمسليات؟ مَن لم يزدد في شهر الطاعة إلا غفلة؟ اسأل نفسك وحاسِبْها وعاتِبْها وتَلافِ ما ضيَّعتْ وفرَّطت فيه في هذا الشهر الكريم، فوالله ما بقي منه شيءٌ يُذكَر، اختمْ بالخير شهر الخير؛ فإنما الأعمال بالخواتيم. واحذر أنْ تكون ﴿ كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا ﴾ [النحل: 92] بالعودة إلى المعاصي والآثام بعد شهر الصيام، فالطاعة والعبادة والتوبة ليسَتْ في هذا الشهر فقط وتنتَهِي بانتهاء أيَّامه، إنما هو البداية لتَجدِيد العهد والنَّدَم على ما فات والإحسان فيما بقي، فمَن أحسن فيما بقي غُفِر له ما مضى، ومَن أساء فيما بقي أُخِذَ بما مضى وما بقي. سَلاَمٌ مِنَ الرَّحْمَنِ كُلَّ أَوَانِ ![]() عَلَى خَيْرِ شَهْرٍ قَدْ مَضَى وَزَمَانِ ![]() سَلاَمٌ عَلَى شَهْرِ الصِّيَامِ فَإِنَّهُ ![]() أَمَانٌ مِنَ الرَّحْمَنِ كُلَّ أَمَانِ ![]() لَئِنْ فَنِيَتْ أَيَّامُكَ الغُرُّ بَغْتَةً ![]() فَمَا الْحُزْنُ مِنْ قَلْبِي عَلَيْكَ بِفَانِ ![]() ما فاتَ فاتَ أحبَّتي، وهيْهات أنْ تعود الأيَّام والساعات، فتَدارَكوا الليالي الباقيات. اللهم اجعَلْنا من المقبولين، ولا تجعلنا من المحرومين. [1] "لطائف المعارف"؛ ابن رجب الحنبلي.
__________________
|
#9
|
||||
|
||||
![]() وسائل الإعلام الرائي (التلفزيون) د. فهمي قطب الدين النجار وبعد، ما العمل؟ ها نحن قد عرفْنا هذه الوسيلة الخَطيرة، واطَّلعنا على آراء علماء النفس والاجتِماع والإعلام فيها، وقد ازدادت هذه الوسيلة خطورةً وشرًّا عندما انتقل البثُّ عن طريق الأقمار الصناعيَّة، ودخل الحدود بدون رقابة ولا حِراسة. وإن تَسارُع ازدياد القنوات الفضائية ذو وتيرة مُقلِقة لكل الخيِّرين والمُصلِحين في العالم الإسلامي، فقبل سنتَين لم يكن هناك في أي بلد عربي سوى قناة أو قناتين محليتَين. أما الآن، ماذا نجد؟ عشرات القنوات الفضائية الموجَّهة نحو المنطقة العربية، ويُخطَّط لتأسيس قنوات فضائية جديدة، فضلاً عن تلفزيون العرب الذي بدأ بثَّه التجريبيَّ من إيطاليا، الذي سيُنافس القناة المصرية وتلفزيون الشرق الأوسط، وكذلك (التلفزيون البريطاني) (بي.بي.سي) الذي بدأ ببثِّ برامجه العربية، وهذا (سيَزيد الطين بِلَّة)؛ كما يقول المثل بأخباره (المُقَولبَة) المُغرِضة كما رأينا عند حديثِنا عن الإذاعة البريطانية. ونسأل بعد ذلك كلِّه: ما العمل؟ مع العلم أن هذه الوسيلة قد دخلَت بيوتَ جميع المسلمين إلا ما نَدَر، إن شئنا أم أبَينا. للإجابة عن هذا السؤال، نحتاج إلى وقفة طويلة نُقدِّم بها بعض الحلول التي يُمكن أن تكون حاضرةً في أذهانِنا جميعًا. • أول هذه الحلول: التقدُّم إلى جهاز الرائي وركله بأقدامنا وكسْره، والخلاص منه، أو عدم إدخاله إلى المنزل منذ البداية. • وثاني الحلول: ترْكه وشأنه، غير مُبالين بما يُقدِّم من خير أو شر كما هو حال كثير من مُسلمي اليوم! • وثالث الحلول: التعامل معه بأسلوب صارم وبحزْم للوقاية - ولو قليلاً - من شرِّه، والاستفادة مِن خيرِه. • ورابع الحلول: أسلمَة هذا الجِهاز وتحويله إلى وسيلة خير، بعد أن كان وسيلة شرٍّ. وإن الحلَّ الرابع، هو الحل الأمثل والواقعي؛ حيث يمكن الاستِفادة من الرائي، باعتباره وسيلة تقنية مهمَّة، لها أثرُها في جميع المجالات الإعلامية والعِلمية، وحتى الصناعية والتجارية، وضرره ليس بذاته ومادته؛ وإنما بما يُقدَّم فيه من شرٍّ، أما إذا قدَّم الخير، فوجوده أفضل من عدمه، وأقصد بأسلمة الجهاز - إن صحَّ التعبير - أن يكون القائمون عليه مِن المُسلمين المُخلِصين، فيُعبِّر عن تصوُّر دولة مُسلمة وأمة مُسلِمة، وتكون قضيته الأولى الدعوة إلى الله، وزيادة الوعي العِلمي والثقافي والتاريخي لدى جماهير المُسلِمين. والدعوة إلى الله، لا تَقتصِر على وسيلة واحدة، بل يَجب استِخدام كل وسيلة؛ مثل القصَّة والحوار، والمشاهِد الجميلة لآيات الله في الأرض والسماء والبِحار؛ قال تعالى: ﴿ سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ ﴾ [فصلت: 53]. وكثير مِن الدعوات الهدامة الآن يُلبِسونها الثوبَ الجَميل، والألوان البراقة؛ فيَنخدِع بها الناس، ويؤمنون بها، فمِن الأحرى أن يُقدَّم الإسلام بأسلوب جذاب وبكلمة طيبة لا مُنفِّرة؛ ﴿ وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ ﴾ [الحج: 24]. هذا هو الحل الذي تتطلَّع إليه جماهير الصحوة الإسلامية الفتيَّة في كل البلاد العربية والإسلامية - بلهفة وشوق - طالبة الإسراع فيه لإنقاذ أجيال المسلمين مِن الضياع والبُعد عن طريقِ الله. وحتى يتحقَّق هذا الأمل - بإذن الله - لا بدَّ مِن قَبُول الحل الثالث الذي يتضمَّن التعامل مع هذا الجهاز بصرامة وحزْم، حاثًّا الآباء والأمهات وجميع الرعاة في المجتمع على الاهتمام بالأبناء والبنات الصِّغار منهم والشباب، وأذكِّرهم بقول الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا ﴾ [التحريم: 6]، وبقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((كلكم راعٍ، وكلكم مسؤول عن رعيته))؛ متفق عليه. يتبع
__________________
|
#10
|
||||
|
||||
![]() رمضان فرصة العمر: كيف نفوز فيه؟ لو يعلم الناس ما في رمضان مِن مِنَح وعَطايا ربَّانية، لتمنوا أن تكون السنةُ كلها رمضان. كثير من الناس وافاهم الأجل خلال هذه السنة، بل في شعبان، بل في الأسبوع الأخير منه، بل في اليوم الأخير منه، ماتوا ولم يُدركوا رمضان، ولكم تمنوا وهم أحياء أن يُدركوا رمضان ليفعلوا ويفعلوا من أنواع الطاعات والعبادات، ولكنهم أفضوا إلى ما قدموا {فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ} [النحل: 61]، وأنتَ منَّ الله عليك في عُمرك، وها أنت تُدرك رمضان فإيَّاك من التفريط، واغتنم فرصة إدراكك لرمضان، واستفد من أمنِيَات الأموات التي لن تتحقق أبدًا، وكُن نبيهًا فَطنًا فربَّما أتممت رمضان وربَّما لا يُكتب لك إتمامه، وربَّما أدركت رمضان الموالي، وربَّما تُصبح في عِداد الأموات. عباد الله، جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم،فقال له: "يا رَسُولَ اللهِ، مَتَى السَّاعَةُ؟ قالَ: «وَما أَعْدَدْتَ لَهَا» ؟ فَلَمْ يَذْكُرْ كَبِيرًا، قالَ: وَلَكِنِّي أُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، قالَ: «فأنْتَ مع مَن أَحْبَبْتَ»[1]. المشكلة ليست في الحرص على وقت قيام الساعة، فهذا أمر لا يطَّلِع عليه إلا الله، قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ} [لقمان: 34]، فالساعة كائنة لا محالة في ذلك، وإذا مات الإنسان قامت قيامته، لكن السؤال الكبير الذي نغفل عنه هو: ماذا أعددنا لقيام الساعة؟ ماذا أعددنا للآخرة؟ ماذا أعددنا لساعة رحيلنا وموتنا؟ هذا هو السؤال الأهم من الساعة نفسها، ولكن مشكلة الإنسان في ترك ما يهمه، والسؤال عمَّا لا يهمه. وقياس هذا الأمر برمضان فإنه يختلف معه في أمر، ويتفق في أمرِ آخر، يختلف في معرفة توقيت كل منهما، فالساعة توقيتها مجهول، ورمضان وقت دخوله وتكراره كل سنة معلوم، ويتفقان في ضرورة الإعداد لكلٍّ منهما، بل الإعداد لرمضان جزء من الإعداد للسَّاعة ولساعة رحيل الإنسان، لماذا؟ لأنَّ: • صيام رمضان طريق لمغفرة ذنوبك: قال صلى الله عليه وسلم: «مَن صَامَ رَمَضَانَ إيمَانًا واحْتِسَابًا، غُفِرَ له ما تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِهِ»[2] ، أليس يجدر به أن تعدَّ له إذا كان سببًا في مغفرة ذنوبك؟! • الصيام والقرآن يشفعان لي ولك: قال صلى الله عليه وسلم: «الصِّيامُ والقرآنُ يَشفعانِ لِلعبدِ يومَ القيامةِ، يقولُ الصِّيامُ: أَيْ ربِّ، منَعْتُه الطَّعامَ والشَّهواتِ بالنَّهارِ، فشفِّعْني فيه، ويقولُ القرآنُ: منَعْتُه النَّومَ باللَّيلِ، فشفِّعْني فيه، قال: فيَشفَعانِ»[3]، أليس يجدر بك أن تصومه وتكثر من قراءة القرآن فيه إذا كان سببًا في أن يشفعهما الله فيك ويدخلك الجنة؟! رمضان فيه خصوصيات لا توجد في غيره من الشهور، إنه شهر: •فيه تفتح أبواب الجنة، وتغلق أبواب النار، وتسلسل فيه الشياطين، كما أخبرصلى الله عليه وسلم. تفتح أبواب الجنة وتغلق أبواب النار؛ لكثرة إقبال الناس على الطاعات وإدبارهم عن المعاصي، وهذا معلوم مشاهد، وتسلسل مردة الشياطين؛ عونًا من الله لعباده لتحقيق مقاصد الصيام. • وفيه التراويح والقيام جماعة في المسجد: فتجد على الخير أعوانًا فاجتهد واستعد للقيام؛ قالصلى الله عليه وسلم: «إنَّهُ من قام مع الإمامِ حتى ينصرفَ هو، كُتِبَ لهُ قيامُ ليلةٍ»[4]. • وفيه ليلة القدر والاعتكاف: قال أبو سعيد الخُدْري رضي الله عنه: "اعْتَكَفَ رَسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَشْرَ الأُوَلِ مِن رَمَضَانَ واعْتَكَفْنَا معهُ، فأتَاهُ جِبْرِيلُ، فَقالَ: إنَّ الذي تَطْلُبُ أمَامَكَ، فَاعْتَكَفَ العَشْرَ الأوْسَطَ، فَاعْتَكَفْنَا معهُ فأتَاهُ جِبْرِيلُ فَقالَ: إنَّ الذي تَطْلُبُ أمَامَكَ، فَقَامَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم خَطِيبًا صَبِيحَةَ عِشْرِينَ مِن رَمَضَانَ فَقالَ: «مَن كانَ اعْتَكَفَ مع النبيِّ صلى الله عليه وسلم، فَلْيَرْجِعْ، فإنِّي أُرِيتُ لَيْلَةَ القَدْرِ، وإنِّي نُسِّيتُهَا، وإنَّهَا في العَشْرِ الأوَاخِرِ، في وِتْرٍ...»[5]. إلى غير ذلك من خصوصيات الشهر الفضيل، والمحروم حقيقة من ضيَّع فرصة عمره، روى ابن حبان في صحيحه: صعِد رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم المنبرَ فلمَّا رقِي عَتبةً قال: «آمينَ» ثمَّ رقي عتبةً أخرى فقال: «آمينَ» ثمَّ رقي عتبةً ثالثةً فقال: «آمينَ» ثمَّ قال: «أتاني جبريلُ فقال: يا محمَّدُ، مَن أدرَك رمضانَ فلم يُغفَرْ له فأبعَده اللهُ، قُلْتُ: آمينَ، قال: ومَن أدرَك والديه أو أحدَهما فدخَل النَّارَ فأبعَده اللهُ، قُلْتُ: آمينَ، فقال: ومَن ذُكِرْتَ عندَه فلم يُصَلِّ عليكَ فأبعَده اللهُ، قُلْ: آمينَ، فقُلْتُ: آمينَ»[6] . عبادَ الله، كيف نستغل فرصة إدراكنا لرمضان حتى يتحقق لنا الفوز الذي وُعدنا به في رمضان؟ هذا ما سأختصره- لي ولك- في النقط الآتية، فأعرني سَمعك وقلبك؛ لأن المَقام يقتضي الفهم ثم العمل بعد ذلك: أدرك أولًا المغزى والفائدة والمقصد من الصيام: وهي سبعة مقاصد نستفيدها كلها من الآيات 183 إلى 186 من سورة البقرة: الأولى: تحقيق التقوى؛ لقوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة: 183]. والثانية: اليسر؛ قال تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة: 185]، فإياك أن تبحث عن التعسير فيزداد إنفاقك على بطنك، وإياك من الشبع غير المعتاد فتضيع حكمة الصيام. والثالثة: إكمال العدَّة؛ قال تعالى: {وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ} [البقرة: 185]، فرمضان دورة متكاملة وإياك من الحماسة الأولى ثم بعدها تتراخى. والرابعة: تعظيم الله؛ قال تعالى: {وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ} [البقرة: 185]. والخامسة: الوصول إلى مرتبة الشكر؛ قال تعالى: {وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [البقرة: 185]، وقال في سورة آل عمران: {فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [آل عمران: 123]. والسادسة: أن تشعر بقرب الله منك؛ قال تعالى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ} [البقرة: 186]. والسابعة: تحقيق الرشد؛ قال تعالى: {فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} [البقرة: 186]. ثانيًا: ضع برنامجًا مناسبًا لتحقيق المقاصد السبعة السابقة في رمضان، وأقترح عليك مثلًا أن يتضمن البرنامج الآتي: • عدد مرات ختمك القرآن خلال الشهر. • برنامج للمحافظة على الصلوات الخمس في أوقاتها، وصلاة التراويح مع الجماعة وبرنامج لقيام خاص بك. • برنامج صدقات خاصة بك. • برنامج لتفطير الصائمين. • برنامج للأسرة يتضمن صوم الأطفال وجلسات للذكر وقراءة القرآن، وتفسير آية أو شرح حديث بصورة يومية منتظمة. • حدِّد أدعية بالأمور التي تريد من الله أن يحقِّقها لك لتكررها عند الإفطار وفي السحر يوميًّا، وتعرَّف على جوامع الأدعية مثل: «اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عنِّي...». • حدِّد خلقًا سيّئًا تريد التخلصَ منه؛ فرمضان خير مُعين لك؛ كالتدخين وظاهرة السب والشتم أو الغضب... • حدِّد خلقًا حسنًا تُريد تنميته كالمحافظة على الصلاة والالتزام بالحجاب الشرعي... وكل منَّا أدرى بما سيضيفه في برنامجه، واحرص أن يكون مكتوبًا؛ لأنك في مدرسة الصيام التي يُرجى منها تحقيق النتائج إن صدقت عزيمتك، وصحَّ توكُّلك على الله. فاللهم بارك لنا في رمضان، واهدنا فيه لأحسن الأخلاق فإنَّه لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عنَّا سيِّئها فإنه لا يصرف سيئها إلا أنت. (تتمة الدعاء). [1] رواه مسلم برقم: 2639. [2] رواه البخاري برقم:38. [3] صحيح الترغيب والترهيب برقم:984. [4] رواه الترمذي برقم:806، وقال: حديث حسن صحيح. [5] رواه البخاري برقم:813. [6] رواه ابن حبان برقم:409. وصححه شعيب الأرناؤوط في تخريجه لصحيح ابن حبان. __________________________________________________ __________ الكاتب:عبدالعزيز محمد مبارك أوتكوميت
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 4 ( الأعضاء 0 والزوار 4) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |