|
ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() غرس الإيمان في قلوب الأولاد (1) الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل الحمد لله العليم الحليم، العلي العظيم؛ امتن على أقوام بالإيمان فعزوا به في الدنيا وفازوا في الآخرة، وحُجب عنه آخرون فلم تسمع آذانهم أدلته، ولم تر أبصارهم آياته، ولم تعقل قلوبهم براهينه، فعاشوا في الدنيا أضل من الأنعام، وواجهوا في الآخرة شديد العذاب، نحمده على نعمه وآلائه، ونشكره على فضله وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ رب العالمين، وإله الأولين والآخرين، وخالق الخلق أجمعين ﴿ ذَلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ * لَا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الخَبِيرُ ﴾ [الأنعام:103]، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله؛ غرس الإيمان في قلوب أصحابه، وتربوا على عينه، فكمل إيمانهم، وعظم يقينهم، واشتدت رغبتهم، فكانوا أكثر الأمة إيماناً ويقيناً، وأشدها ثباتاً وانقياداً، وأعظمها توكلاً وتسليماً، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين. أما بعد: فاتقوا الله تعالى وأطيعوه، وتعاهدوا إيمانكم بالنماء والزيادة، واحذروا مما يبطله وما ينقصه؛ فإنه سعادتكم في الدنيا وفوزكم في الآخرة ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا آَمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَالكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَاليَوْمِ الآَخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا ﴾ [النساء:136]. أيها الناس: إذا اشتدت محنة أهل الإسلام، وعظم تسلط أهل الكفر والنفاق، وكثر التفلت من الدين والانتكاس؛ فإنه حق على كل مؤمن أن يخاف على نفسه وأهله وولده، وأن يكثر من أدعية الثبات على الحق كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك مع أنه معصوم من مفارقة الحق، قَالَ أَنَس رضي الله عنه: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ: "يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ، ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ ". قَالَ: فَقُلْنَا يَا رَسُولَ اللهِ، آمَنَّا بِكَ وَبِمَا جِئْتَ بِهِ، فَهَلْ تَخَافُ عَلَيْنَا؟ قَالَ: فَقَالَ:"نَعَمْ، إِنَّ الْقُلُوبَ بَيْنَ أُصْبُعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ يُقَلِّبُهَا"رواه أحمد. والشغل الذي يجب أن يشغل الرجل والمرأة على أولادهما ليس الشهادة ولا الوظيفة ولا المستقبل؛ لأن كل مولود مرزوق، والأرزاق مكتوبة، وكم من مبدع في دراسته فاشل في أمور دنياه، وكم من مخفق في دراسته يحسن إدارة دنياه. وكثير من الأثرياء بلا شهادات ولا وظائف. ولكن الخوف كل الخوف في هذا الزمن هو على إيمان الأولاد؛ لأنه مربط سعادتهم وشقائهم، فمن مات منهم محققا الإيمان سعد أبدا، ومن مات منهم تاركا الإيمان شقي أبدا. وفي هذا زمن قد أحاطت بهم الشبهات، وطوقتهم الأهواء والشهوات، وبلغ اليأس بهم مداه، وانحطاط الأمة منتهاه، فيقدح الشيطان في عقولهم أن لو كان الإيمان حقا ما أوذي المؤمنون هذا الأذى الشديد، ولا اضطهدوا هذا الاضطهاد المهين، ولا عذبوا هذا العذاب الأليم، ولا شردوا من ديارهم، ولا احتلت أوطانهم، ولا انتهكت أعراضهم، وهذه الإشكالات ترد على أذهانهم، ويجترئ بعضهم فيبوح بها، وأكثرهم لا يعرف سنن الله تعالى في الابتلاء والتمكين، ولا آياته في المؤمنين والمكذبين. ومن تأمل السنة النبوية وجدا كما كبيرا من النصوص تظهر فيها عناية النبي عليه الصلاة والسلام بإيمان الصغار والشباب، وترسيخه بكل الوسائل والأساليب؛ حتى لا تميد بهم الأهواء، ولا تقلبهم الشبهات. يجب في هذا الزمن أن يعلم الطفل الإيمان وهو رضيع، ثم وهو يحبو، ثم وهو لا ينطق إلا الكلمة والكلمتين. يجب أن يكرر الإيمان بالله تعالى على مسمعه كل حين حتى يسكن الإيمان قلبه، ويتمكن فيه، فيُعرف بالله تعالى وقدرته وعلمه المحيط بكل شيء، ويُعلم نسبة النعم إليه سبحانه، ويربى على تعلق القلب به عز وجل. فينمو إيمانه مع نمو جسده حتى إذا بلغ مرحلة التلقين التي هي دون التمييز لقن الأذكار والسور القصار من القرآن ليزيد الذكر والقرآن ما ثبت في قلبه من إيمان. وهكذا كان يُربى الأطفال في حضرة النبي عليه الصلاة والسلام وصحابته الكرام رضي الله عنهم. تأملوا معي قول جُنْدُبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه، قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ فِتْيَانٌ حَزَاوِرَةٌ "فَتَعَلَّمْنَا الْإِيمَانَ قَبْلَ أَنْ نَتَعَلَّمَ الْقُرْآنَ، ثُمَّ تَعَلَّمْنَا الْقُرْآنَ فَازْدَدْنَا بِهِ إِيمَانًا" رواه ابن ماجه. وقَالَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ رَضِيَ عَنْهُمَا: عَلَّمَنِي رَسُولُ صَلَّى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَلِمَاتٍ أَقُولُهُنَّ فِي الْوِتْرِ "اللَّهُمَّ اهْدِنِي فِيمَنْ هَدَيْتَ... إلى آخر الدعاء" رواه أبو داود. كم كان عمر الحسن رضي الله عنه حين علمه النبي صلى الله عليه وسلم هذا الدعاء؟! إنه على اليقين لم يتجاوز سبع سنوات، ويحتمل أنه ابن ست أو خمس أو أربع؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم توفي وعمر الحسن سبع سنوات فقط. يعلمه أن يدعو بهذا الدعاء في وتره، والوتر كل ليلة، فهو دعاء يتكرر كل ليلة، وتأملوا بماذا يدعو: يسأل الله تعالى أن يهديه وأن يعافيه وأن يتولاه وأن يبارك له فيما أعطاه، وأن يقيه شر ما قضاه، ثم يختمه بهذه المعاني الإيمانية العالية: "إِنَّكَ تَقْضِي وَلَا يُقْضَى عَلَيْكَ، وَإِنَّهُ لَا يَذِلُّ مَنْ وَالَيْتَ، وَلَا يَعِزُّ مَنْ عَادَيْتَ". بالله عليكم هل يزيغ الحسن رضي الله عنه وهو يلتزم هذا الدعاء الذي ينضح بمعاني الإيمان منذ طفولته؟! فلا غرو أن يقف الحسن موقفا عظيما حين افترقت الأمة، فيتنازل عن أعظم منصب فيها وهو الخلافة وقد انعقدت له؛ ليحقن دماء المسلمين، ويصلح ذات بينهم. فهل يفعل الحسن ذلك لولا الإيمان الذي عمر قلبه بالنشأة عليه منذ طفولته، فنمى إيمانه مع نموه، فلما ثارت الفتنة أسعفه إيمانه، فأصلح الله تعالى به الأمة، وأطفأ به نيران الفتنة. وفي حادثة أخرى عجيبة يحكيها صاحبها أَبِو سَعِيدِ بْنُ المُعَلَّى رضي الله عنه فيقول: كُنْتُ أُصَلِّي فِي المَسْجِدِ، فَدَعَانِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ... ثُمَّ قَالَ لِي: "لَأُعَلِّمَنَّكَ سُورَةً هِيَ أَعْظَمُ السُّوَرِ فِي القُرْآنِ، قَبْلَ أَنْ تَخْرُجَ مِنَ المَسْجِدِ". ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِي، فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ، قُلْتُ لَهُ: "أَلَمْ تَقُلْ لَأُعَلِّمَنَّكَ سُورَةً هِيَ أَعْظَمُ سُورَةٍ فِي القُرْآنِ"، قَالَ: ﴿ الحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِينَ ﴾ [الفاتحة: 2] "هِيَ السَّبْعُ المَثَانِي، وَالقُرْآنُ العَظِيمُ الَّذِي أُوتِيتُهُ" رواه البخاري. يعلمه سورة الفاتحة، ويعظمها في نفسه، فيخبره أنها أعظم سورة في القرآن ليعتني بها، ويفهم معانيها، ويتزود الإيمان منها؛ وذلك أنها سورة جمعت معاني الإيمان، وحوت خصاله، وتضمنت جميع أنواع التوحيد، فالعناية بها عناية بالإيمان، وفهمها يزيد الإيمان. وتوفي النبي صلى الله عليه وسلم وعمر أبي سعيد بن المعلى الأنصاري تسع سنوات فقط، فعلمه النبي صلى الله عليه وسلم عظمة الفاتحة وهو ابن تسع أو ثمان أو سبع أو أقل من ذلك. فلا يأنف أحد من الناس أن يرى طفلا فيعلمه شيئا من الإيمان، فقد تقذف أنت كلمة إيمانية في قلب طفل فارغ من أي شيء، فيتمكن الإيمان من قلبه بسبب كلمتك وأنت لا تدري، فينتفع بهذه الكلمة في دنياه وأخراه، وتؤجر أنت على ذلك. وكان أنس بن مالك رضي الله عنه خادما للنبي صلى الله عليه وسلم منذ كان عمره عشر سنوات، فتعلم الإيمان منه بطول ملازمته، ومما علمه النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال له:"يَا أَنَسُ، إِنَّ النَّاسَ يُمَصِّرُونَ أَمْصَارًا، وَإِنَّ مِصْرًا مِنْهَا يُقَالُ لَهُ: الْبَصْرَةُ - أَوِ الْبُصَيْرَةُ - فَإِنْ أَنْتَ مَرَرْتَ بِهَا، أَوْ دَخَلْتَهَا، فَإِيَّاكَ وَسِبَاخَهَا، وَكِلَاءَهَا، وَسُوقَهَا، وَبَابَ أُمَرَائِهَا، وَعَلَيْكَ بِضَوَاحِيهَا، فَإِنَّهُ يَكُونُ بِهَا خَسْفٌ وَقَذْفٌ وَرَجْفٌ، وَقَوْمٌ يَبِيتُونَ يُصْبِحُونَ قِرَدَةً وَخَنَازِيرَ" رواه أبو داود. فخصه بهذه الوصية، وعاش أنس رضي الله عنه طويلا فأدرك تمصير البصرة وإعمارها فعمل بالوصية. وهذا الحديث من علامات النبوة. وكان النبي صلى الله عليه وسلم يذكر للشباب ما قد يدركونه من شبهات تقذف عليهم؛ ليكون لهم علم بها، فلا تنصت لها أسماعهم، ولا تستسلم لها قلوبهم، ومن ذلك ما رواه أَنَسٌ رضي الله عنه عن رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: "لَنْ يَبْرَحَ النَّاسُ يَتَسَاءَلُونَ حَتَّى يَقُولُوا: هَذَا اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ، فَمَنْ خَلَقَ اللَّهَ" رواه الشيخان. ورغم سذاجة هذه الشبهة فإن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أن أناسا من أمته سيلقونها، ويتلقفها غيرهم؛ لئلا يستهين المؤمن بأي شبهة، ولا سيما الشباب؛ وذلك أن القلب إذا زاغ حرفته أصغر الشبهات وأحقرها، وإلا فإن الخالق لا يمكن أن يكون مخلوقا، فالمخلوق لا يخلق، وهذا مقتضى العقل الصحيح، وبرهانه مذكور في القرآن ﴿ أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الخَالِقُونَ * أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بَل لَا يُوقِنُونَ ﴾ [الطُّور:35-36]. لقد علم النبي صلى الله عليه وسلم أنسا رضي الله عنه أن يحافظ على إيمانه باجتناب الأماكن التي يُسرق فيها الإيمان ويبخس حين أوصاه ماذا يفعل إن سكن البصرة، وأين يسكن؟ وعلمه ما قد يورد عليه من شبهة في الله تعالى، وتوفي الرسول صلى الله عليه وسلم وأنس في العشرين من عمره، شابا يافعا، فعمر طويلا بعد النبي صلى الله عليه وسلم إذ عاش بعده ثمانين سنة، ومات وعمره مئة، وأدرك فتنا متلاطمة، وبلايا متتابعة، فثبته الله تعالى بإيمانه فيها كلها.. أدرك رضي الله عنه فتن الخوارج واستحلالهم للدماء فنجي بإيمانه من فتنتهم، وأدرك فتن القدرية ونجي بإيمانه من فتنتهم، وأدرك فتن الفرق الباطنية فنجي بإيمانه من فتنتهم، وأدرك زمن الذين يدوكون في الله تعالى، ويتساءلون من خلقه، فنجي من فتنتهم، وفتن غيرها كثيرة نجي أنس بإيمانه منها. وهذا يدل على أهمية تنشئة الأطفال والشباب على الإيمان، وتعاهد إيمانهم كل حين، وزيادته بالتلقين والتعليم كما تعلم الصحابة رضي الله عنهم الإيمان قبل القرآن فازدادوا بالقرآن إيمانا ﴿ إِنَّمَا المُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آَيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ﴾ [الأنفال:2]. بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم... الخطبة الثانية الحمد لله حمداً طيباً كثيراً مباركاً فيه كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداهم إلى يوم الدين. أما بعد: فاتقوا الله تعالى وأطيعوه ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب:70-71] أيها المسلمون: هذا زمن انفتح فيه العالم على بعضه، وكسرت عزلة الأفراد والأمم، وتخطت الأفكار والمعلومات حواجز الدول والرقابة.. وبهذا الانفتاح انتشر الإسلام وإن رغمت أنوف الكفار والمنافقين، ولا يزال ينتشر رغم حملات التشويه والتخويف. ولكن في مقابل ذلك انتقلت ثقافة الشك والإلحاد من الشرق والغرب فوصلت كثيرا من أبناء المسلمين وبناتهم، فضعاف الإيمان واليقين استسلموا لها، وغرقوا في لجتها، فنخرت قلوبهم، وأزالت إيمانهم، وعاشوا منبتين عن أسرهم ومجتمعاتهم. وهذا يحتم الحذر من ذلك، ولا شيء أقوى في التحصين من الحصانة الذاتية، بغرس الإيمان في قلوب الصغار، وتعاهده فيهم إلى أن يكبروا كما كان النبي عليه الصلاة والسلام يفعل مع أطفال الصحابة وشبابهم. ولا بد أن يكون الآباء والأمهات والمعلمون والمعلمات والمربون قريبين من الأطفال والشباب والفتيات، يتلمسون مشاكلهم، ويجيبون على تساؤلاتهم مهما كانت، فإن لم تجبه عليها أنت تلقى الإجابة من غيرك سواء كانت خطئا أم صوابا. وإذا أحس المربي بشبهة علقت فيمن يربي، فيجب أن يحاصر الشبهة بهدوء في الحوار، ولين في الجواب. وأقوى ما يدحض الشبهة إلقاء تساؤلات تبين تناقضها وتهافتها، ويترك لمن يربي مهمة تحليلها ودحضها بنفسه. وإذا كان لا يحسن ذلك استعان بمن يحسنه كما يستعين في علاج مرض ولده بالأطباء، ومرض القلوب بالشبهات أشد من مرض الأبدان بالعلل والأوصاب؛ فإن في فساد القلب ذهاب الدنيا والآخرة، وفساد البدن لا يفوت إلا الدنيا، وما عند الله تعالى خير للمؤمن وأبقى. وصلوا وسلموا على نبيكم...
__________________
|
#2
|
||||
|
||||
![]() غرس الإيمان في قلوب الأولاد (2) الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران:102] ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء:1] ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب:70-71]. أما بعد: فإن خير الكلام كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار. أيها الناس: أعظم النعم نعمة الإيمان، وهي أكبر أرباح الدنيا، بل لا يخرج الإنسان من الدنيا بشيء يفيده إلا بالإيمان ولوازمه من العمل الصالح. وأكبر الخسران أن يفارق الإنسان الدنيا بلا إيمان فيخلد في العذاب، نعوذ بالله تعالى من ذلك. ورغم أن هذه القضية هي أخطر القضايا وأعظمها، وهي معلومة لكل مؤمن، ويجب العناية بها؛ فإن كثيرا من الناس في غفلة عن تنمية إيمانهم وزيادته بالعمل الصالح، وفي جهل عن غرس الإيمان وأصوله وأجزائه في قلوب أولادهم، ومنهم من هو آمن من فقد الإيمان وهو يعيش زمنا يرى فيه الشبهات تتخبط كثيرا من الناس فتفسد قلوبهم، وتخرجهم من إيمانهم ﴿ أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللهِ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللهِ إِلَّا القَوْمُ الخَاسِرُون ﴾ [الأعراف:99] قَالَ التابعي الجليل ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ رحمه الله تعالى: " أَدْرَكْتُ ثَلاَثِينَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كُلُّهُمْ يَخَافُ النِّفَاقَ عَلَى نَفْسِهِ ". إن سلب الإيمان، والتردي في الكفر والنفاق أقرب إلى الواحد من شراك نعله، ولا سيما في هذا الزمن الذي أُرخص فيه الإيمان، وجُهر فيه بالتمرد والإلحاد، وقُصفت القلوب بالشبهات، وأُحيطت بالأهواء والشهوات، وصار رفض الشريعة وأحكامها يدعى الناس جهارا عبر وسائل الإعلام، فيتأثر بذلك كثير من الشباب والفتيات؛ فمن أحب أولاده غرس الإيمان ومعانيه وأصوله وأجزاءه في قلوبهم، ومن خاف عليهم حصنهم ضد الشبهات، وتعاهد إيمانهم بالزيادة والنماء. ومن تأمل سيرة النبي صلى الله عليه وسلم، وطريقته في غرس الإيمان في القلوب، وجد فيها عناية خاصة بالأطفال وبالشباب؛ لأن من شبَّ على شيء شاب عليه، والقناعات تغرس في الأطفال فيشبون عليها ويهرمون. وما تلقاه الإنسان في مرحلة الطفولة وبدايات الدراسة من معلومات أصبحت لديه كالمسلمات التي يبنى عليها غيرها، ويعسر انتزاعها من قلبه ولو كانت أخطاء كبيرة. فغرس الإيمان والمفاهيم الصحيحة في الأطفال والشباب يبقيها في قلوبهم، فلا تميد بهم الشبهات، ولا تغيرهم الشهوات، بل يبقى إيمانهم راسخا في قلوبهم. وإليكم طرفا من غرس النبي صلى الله عليه وسلم مفاهيم الإيمان في قلوب الأطفال؛ لنتأسى به في ذلك فنحافظ على جيل من الشباب والفتيات يريد الملاحدة أن يتخطفوه من أيدينا؛ ليصنعوه على أعينهم ثم يوجهوه حرابا تطعن في عقيدتنا وشريعتنا وتاريخنا، وفي كل ما يمت بصلة إلى ديننا وأمتنا. كان ابن عباس رضي الله عنهما صبيا نجيبا، ولما توفي النبي صلى الله عليه وسلم كان فتى يافعا، له من العمر ثلاث عشرة سنة، وكان قبل هذا السن يعلمه النبي صلى الله عليه وسلم الإيمان وأصوله وأجزاءه، ونقل من ذلك ما رواه مسلم في صحيحه عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، أَنَّهُ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعَلِّمُنَا التَّشَهُّدَ كَمَا يُعَلِّمُنَا السُّورَةَ مِنَ الْقُرْآنِ فَكَانَ يَقُولُ: "التَّحِيَّاتُ الْمُبَارَكَاتُ، الصَّلَوَاتُ الطَّيِّبَاتُ لِلَّهِ، السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ، السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللهِ الصَّالِحِينَ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ". وكم في هذا الذكر من أصول الإيمان ومفرداته، ويكفي أنه يتضمن الشهادتين اللتين هما أصل الإيمان ومبتداه ومنتهاه، وهما مبنى كل أجزاء الإيمان وتفصيلاته. كان عليه الصلاة والسلام يعلمهم إياه – وابن عباس صبي صغير - كما يعلمهم السورة من القرآن في حفظه وإتقانه، وفهم معناه، وضبط لازمه ومقتضاه، وهذا من غرس الإيمان في الصغار. وأعجب من ذلك، وأكثر غرسا للإيمان أن النبي صلى الله عليه وسلم استثمر ركوب ابن عباس معه يوما على الدابة، واختصاصه به؛ ليعلمه الإيمان، ويغرسه في قلبه، قال ابْنُ عَبَّاسٍ يحكي ذلك: كُنْتُ خَلْفَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا، فَقَالَ:"يَا غُلاَمُ إِنِّي أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ، احْفَظِ اللَّهَ يَحْفَظْكَ، احْفَظِ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ، إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلِ اللَّهَ، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ، وَاعْلَمْ أَنَّ الأُمَّةَ لَوْ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلاَّ بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ، وَلَوْ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلاَّ بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ، رُفِعَتِ الأَقْلاَمُ وَجَفَّتْ الصُّحُفُ". رواه الترمذي وقال: حَسَنٌ صَحِيحٌ. زاد أحمد في روايته "وَاعْلَمْ أنَّ فِي الصَّبْرِ عَلَى مَا تَكْرَهُ خَيْرًا كَثِيرًا، وَأَنَّ النَّصْرَ مَعَ الصَّبْرِ، وَأَنَّ الْفَرَجَ مَعَ الْكَرْبِ، وَأَنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا". فلنتأمل هذا الحديث جيدا، وما فيه من معاني الإيمان، والتعلق بالله تعالى وحده دون سواه، وصرف الدعاء له، والاستعانة به وحده لا شريك له، وغرس الإيمان بالقدر في قلبه؛ لئلا يرجو غير الله تعالى، ولا يخاف إلا منه سبحانه. ويسلحه بالصبر على العسر؛ لأن طريق الإيمان شاقة عسيرة، ولها تبعات يحملها صاحبها، لن يسعفه في الثبات على إيمانه إلا الصبر على ما يلقى فيه، ويفتح له أبواب الفأل؛ لئلا يصيبه اليأس عند اشتداد العسر، واستحكام البلاء. يغرس صلى الله عليه وسلم كل هذه المعاني الإيمانية الكبيرة العظيمة في قلب غلام حدث ربما كان في العاشرة من عمره أو دونها بدليل أنه في بعض الروايات قال "يَا غُلَيِّمُ" مما يدل على صغر سنه، وفي بعض الروايات أنه قدّم بمقدمة تدل على أهمية ما سيعلمه ليعتني به فقال:"يَا فَتَى أَلَا أَهَبُ لَكَ، أَلَا أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ يَنْفَعُكَ اللَّهُ بِهِنَّ" ولربما أن النبي صلى الله عليه وسلم ما أردفه خلفه إلا ليعلمه هذه الفصول من الإيمان، بدليل رواية الفريابي وفيها: "أَهْدَتْ فَارِسُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَغْلَةً شَهْبَاءَ مُلَمْلَمَةً، فَكَأَنَّهَا أَعْجَبَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.... ثُمَّ رَكِبَ فَقَالَ: "ارْكَبْ يَا غُلَامُ"، يَعْنِي: ابْنَ عَبَّاسٍ، فَرَكِبْتُ خَلْفَهُ، فَسِرْنَا حَتَّى حَاذَيْنَا بَقِيعَ الْغَرْقَدِ، فَضَرَبَ بِيَدِهِ الْيُمْنَى عَلَى مَنْكِبِي الْأَيْسَرِ، وَقَالَ..." ثم علمه ما أراد أن يعلمه. فأي قلب عامر بالإيمان يمتلكه ذلك الغلام الذي غرست فيه هذه المعاني الإيمانية العظيمة؟! ومن تابع سيرة ابن عباس بعد بلوغه ورشده، ثم في كهولته فشيخوخته بان أثر ما غرس في قلبه من معاني الإيمان في طفولته. فلنحرص - عباد الله – على تلقين الشباب والفتيات والأطفال معاني الإيمان وأصوله؛ تأسيا بالنبي صلى الله عليه وسلم، ونفعا لأولادنا وأولاد المسلمين، ووقاية لهم من العذاب، فلا نجاة في الآخرة ولا فوز إلا بالإيمان والعمل الصالح ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ﴾ [التَّحريم:6]. بارك الله لي ولكم في القرآن... الخطبة الثانية الحمد لله حمدًا طيِّبًا كثيرًا مباركًا فيه كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداهم إلى يوم الدين. أما بعد: فاتقوا الله تعالى وأطيعوه ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَآَمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾[الحديد:28] أيها المسلمون: كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يربي صغار الصحابة رضي الله عنهم على الإيمان، ويغرسه في قلوبهم، ويعلمهم شرائعه، ويخاف عليهم التفلت من الإيمان وتركه أو الإخلال به؛ فإنه صلى الله عليه وسلم كان يخشى عليهم من تجاوز الحد في الإيمان حتى يبلغ بهم الغلو في الدين، وكما علم صلى الله عليه وسلم ابن عباس رضي الله عنهما أساس الإيمان وأصوله وشرائعه، وغرس في قلبه معانيه العظيمة وهو دون البلوغ؛ فإنه عليه الصلاة والسلام علمه مجانبة الغلو في الدين؛ لأن الغلو قد يخرج الإنسان من الإيمان وهو لا يشعر. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: قَالَ لِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَدَاةَ جَمْعٍ – أي في مزدلفة -: "هَلُمَّ الْقُطْ لِي - أي: حصى الجمار- " فَلَقَطْتُ لَهُ حَصَيَاتٍ هُنَّ حَصَى الْخَذْفِ، فَلَمَّا وَضَعَهُنَّ فِي يَدِهِ، قَالَ: " نَعَمْ بِأَمْثَالِ هَؤُلاءِ، وَإِيَّاكُمْ وَالْغُلُوَّ فِي الدِّينِ، فَإِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِالْغُلُوِّ فِي الدِّينِ" رواه أحمد. وظهر أثر هذا الغرس في ذلك الغلام لما كبر ابن عباس فصار إماما يعلم الناس الإيمان، ويزرعه في قلوبهم، قال شقيق بن سلمة رحمه الله تعالى: خَطَبَنَا ابْنُ عَبَّاسٍ، وَهُوَ أَمِيْرٌ عَلَى المَوْسِمِ، فَافْتَتَحَ سُورَةَ النُّوْرَ، فَجَعَلَ يَقْرَأُ، وَيُفَسِّرُ، فَجَعَلْتُ أَقُوْلُ: مَا رَأَيْتُ وَلاَ سَمِعْتُ كَلاَمَ رَجُلٍ مِثْلَ هَذَا، لَوْ سَمِعَتْهُ فَارِسُ، وَالرُّوْمُ، وَالتُّرْكُ، لأَسْلَمَتْ. وظهر ضبطه لإيمانه بعيدا عن الغلو في مناظرته للخوارج وكانوا ستة آلاف فرجع منهم عن غلوه بعد المناظرة ألفان، وهذا يدل على رسوخه في الإيمان والعلم، وقدرته على التعامل مع أهل الغلو، ولولا أن ابن عباس رضي الله عنهما قد غُرس فيه الإيمان منذ طفولته، وتعاهد هو إيمانه في شبابه وكهولته لما كان له هذا الشأن، ولما عرف بهذا العلم والذكر. وكل هذه محفزات على العناية بالأطفال والشباب والفتيات، في دلالتهم على الإيمان، وغرسه في قلوبهم، وتعليمهم شرائعه، وتعاهدهم بما يقويه ويزكيه، وحفظهم مما ينقضه وينقصه ويشوشه. وصلوا وسلموا على نبيكم...
__________________
|
#3
|
||||
|
||||
![]()
__________________
|
#4
|
||||
|
||||
![]() غرس الإيمان في قلوب الأولاد (4) الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل الحمد لله العلي الأعلى ﴿ الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى * وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى * وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى * فَجَعَلَهُ غُثَاءً أَحْوَى ﴾ [الأعلى: 2 - 5] نحمده على ديانةٍ أكمَلَها، ونعمةٍ أتمَّها، وعافيةٍ أسبغَها، وشرورٍ دفعها ورفعها، ونشكره على الأمن والإيمان، والاستقرار في الأوطان، وصحة الأبدان، ونسأله أن يتم علينا نعمه الظاهرة والباطنة، وأن يلهمنا شكرها، ونعوذ به سبحانه من كفرها، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك؛ دلّ الخلق عليه، وهداهم إليه، وبسط لهم في الكون من الآيات ما يدل على ربوبيته وألوهيته، وأنه سبحانه المعبود بحق دون ما سواه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله؛ كان يذكر الله تعالى في كل أحيانه، ويعظمه بجوارحه وأركانه، وكانت لذته في مناجاته، وقرة عينه في صلاته؛ فكان يقوم الليل حتى تتفطر قدماه من طول القيام، لا يشعر بنفسه، فشغله بالله تعالى أنساه كل شيء، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: فاتقوا الله تعالى وأطيعوه، وحافظوا على إيمانكم من العاديات المغيرات، وزيدوه بالباقيات الصالحات، وبطاعات السر والخلوات؛ فإن من وافى الله تعالى على الإيمان والعمل الصالح كان من الناجين المفلحين برحمة الله تعالى وتوفيقه، ومن باع إيمانه وغيّر وبدل يذاد عن حوض النبي صلى الله عليه وسلم، ومآله إلى الخيبة والخسران ﴿ الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ * وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ ﴾ [الحج: 56- 57]. أيها الناس: أعظم شيء يملكه المؤمن إيمانه بالله تعالى، ولو فقد الدنيا وبقي له إيمانه فما فقد شيئا، ولو ملكها كلها وفقد إيمانه فما ملك شيئًا؛ فإن العبد يموت عما ملك من الدنيا، وأثر الإيمان والعمل الصالح يبقى إلى أبد الآبدين، ينتفع به العبد في جنات النعيم. وأعظم شيء يقدمه الأب لأولاده، والمربي لمن يربيهم: أن ينحلهم الإيمان، ويغرسه في قلوبهم، وينميه فيهم، ويعلمهم أحكامه وواجباته ولوازمه وفضائله وآثاره على العبد؛ فإن الإيمان أقوى سلاح تواجه به أعباء الحياة ومشاكلها وهمومها وغمومها، وهو الجنة التي يستروح فيها المؤمن حال المصائب والأزمات، وهو الحصن الذي يتحصن فيه العبد من الفتن والمضلات، وهو الرجاء الذي يرجوه بعد الممات. ولا شيء في حياة العبد يعدل الإيمان. والإنسان بلا إيمان ليس شيئًا يذكر، ولن يكون سعيداً مهما كان مقامه بين الناس، ومهما ملك من ثروات؛ ولذا انتحر جمع من كبار الأثرياء والمشاهير الغربيين، فلم ينفعهم ما هم فيه مما يحسدهم غيرهم عليه من زخرف الدنيا وزينتها. والنبي صلى الله عليه وسلم كان يحرص على الشباب، ويغرس فيهم حقائق الإيمان، ويبين لهم معانيه، ويعلق قلوبهم بالله تعالى في كل أمورهم، ومن ذلك تعليمه لهم الاستخارة في أمورهم. والاستخارة هي طلب الخيرة من الله تعالى فيما أهمّ الإنسان، والتبرؤ من الحول والطول والقوة، وذلك محض الإيمان، وفي حديث الاستخارة من المعاني الإيمانية ما يعلق قلب المستخير بالله تعالى، فلا يركن إلى الأسباب الدنيوية، فإذا تخلف مطلوبه أصيب باليأس والإحباط، وربما بالانهيار والهلاك، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعَلِّمُنَا الِاسْتِخَارَةَ فِي الأُمُورِ كُلِّهَا، كَمَا يُعَلِّمُنَا السُّورَةَ مِنَ القُرْآنِ، يَقُولُ: إِذَا هَمَّ أَحَدُكُمْ بِالأَمْرِ، فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ مِنْ غَيْرِ الفَرِيضَةِ، ثُمَّ لِيَقُلْ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْتَخِيرُكَ بِعِلْمِكَ وَأَسْتَقْدِرُكَ بِقُدْرَتِكَ، وَأَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ العَظِيمِ، فَإِنَّكَ تَقْدِرُ وَلاَ أَقْدِرُ، وَتَعْلَمُ وَلاَ أَعْلَمُ، وَأَنْتَ عَلَّامُ الغُيُوبِ...» رواه البخاري. ثم يشرع بعد ذلك في ذكر حاجته التي يستخير الله تعالى فيها. والملاحظ في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعلمهم هذا الدعاء فيما أهمهم من أمورهم كما يعلمهم السورة من القرآن، أي: يحفظونه كما يحفظون السورة من القرآن؛ لأهميته للواحد منهم، ومسيس حاجتهم إليه. ويحدث صلى الله عليه وسلم بذلك جابرا ومن معه، وجابر كان شابا يافعا، توفي النبي صلى الله عليه وسلم وعمره ست وعشرون سنة فقط، وربما أن النبي صلى الله عليه وسلم علّمه هذا الدعاء الذي ينضح بالإيمان وهو دون ست وعشرين، وربما دون العشرين؛ ليعلق قلبه بالله تعالى وهو شاب غض، فينتفع حياته كلها بتعلقه بالله تعالى في كل شؤونه، ولا سيما أن معاني هذا الدعاء عظيمة؛ ففيه الإقرار بعلم الله تعالى وقدرته وأنه سبحانه علام الغيوب، ومقدر الأقدار، مع الاعتراف بجهل النفس وضعفها وعدم قدرتها على ما تطلب، ولا رد ما ترهب، وهذا من أهم ما يجب أن يُربى عليه الشباب، وهم يخطون خطواتهم نحو مستقبلهم، ويواجهون أعباء الحياة ومتطلباتها؛ ليكون فيهم قوة يستمدونها من الله تعالى، فلا يغترون بما يحققونه من نجاحات، ولا يصيبهم الإحباط واليأس في الإخفاقات. فالواثق بالله تعالى يعاود الكرة بعد الكرة، وهو موقن بنجاحه؛ لأن الله تعالى معه باستعانته به سبحانه، وموقن أن ما يصيبه من فشل وإحباط فهو بقدر الله تعالى، مع يقينه بأن ذلك الإخفاق لمصلحته؛ لأنه مستخير ربه سبحانه، فيرده عن شر قادم، أو يبطئه لخير ينتظره يريده الله تعالى به. وقد روى ابن مسعود رضي الله عنه قال: «إِنَّ الْعَبْدَ لَيَهِمُّ بِالْأَمْرِ مِنَ التِّجَارَةِ أَوِ الْإِمَارَةِ، حَتَّى إِذَا تَيَسَّرَ لَهُ نَظَرَ اللَّهُ إِلَيْهِ مِنْ فَوْقِ سَبْعِ سَمَوَاتٍ، فَيَقُولُ لِلْمَلَكِ: اصْرِفْهُ عَنْهُ قَالَ: فَيَصْرِفُهُ، فَيَتَظَنَّى بِحَيْرَتِهِ: سَبَقَنِي فُلَانٌ، وَمَا هُوَ إِلَّا اللَّهُ» رواه الدارمي، وفي رواية: «إِنَّ الْعَبْدَ لَيَهُمُّ بِالْأَمْرِ مِنَ التِّجَارَةِ وَالْإِمَارَةِ حَتَّى يَتَيَسَّرَ لَهُ نَظَرَ اللَّهُ مِنْ فَوْقِ سَبْعِ سَمَوَاتٍ فَيَقُولُ لِلْمَلَائِكَةِ: اصْرِفُوا عَنْهُ فَإِنِّي إِنْ يَسَّرْتُهُ لَهُ أَدْخَلْتُهُ النَّارَ، قَالَ: فَيَصْرِفُهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ» صححه الذهبي وابن القيم. فحري بالشباب أن يحرصوا على تعلم الإيمان وتحصيله، والازدياد منه في هذا الزمن الذي كثرت فيه الفتن، وحري بالآباء والأمهات والمربين والمربيات أن يلقنوا أولادهم ومن هم تحت أيديهم الإيمان ومتعلقاته؛ حتى يشب الطفل عليه، ويهرم عليه الشاب؛ فلا تزحزحه فتن السراء والضراء عن إيمانه، ولا تجمح به الأهواء والشهوات إلى ما يوبقه ويهلكه؛ فإن الإيمان جُنة المؤمنين وجَنتهم، وهو أعلى نعيم لهم في الدنيا، ولا يعدله نعيم مهما كان ﴿ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ ﴾ [الأنعام: 82]. وأقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.... الخطبة الثانية الحمد لله حمداً طيباً كثيراً مباركاً فيه كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداهم إلى يوم الدين. أما بعد: فاتقوا الله تعالى وأطيعوه، واحفظوا إيمانكم من النقص والزوال، وزيدوه بالتفكر والذكر وصالح الأعمال؛ فلا تطيب الحياة إلا بالإيمان ﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [النحل: 97]. أيها المسلمون: ثمة لصوص من شياطين الإنس يجتهدون في سرقة إيمان الشباب والفتيات، ويسعون جهدهم في السطو على عقولهم، والقذف بهم في أودية الشك والجحود والإلحاد، ويستغلون وسائل التواصل الجماعي لتحقيق مآربهم، بحيل شيطانية، مستغلين حسن ظن الشباب والفتيات بهم، وجهلهم بحقيقتهم وحقيقة ما يريدون، ويسوقون إلحادهم وشكوكهم في سياق المناقشات والمجادلات ليقذفوا في قلوبهم الشبهات والتشكيك في أحكام الإسلام، كما يسوقونها في قصص وروايات يتسلل من خلالها داء الشك والجحود وقارئها لا يشعر بذلك، حتى يتزحزح الإيمان من القلب، فتتربع عليه الشكوك والجحود، فينتقل المصاب بهذا الداء من الطمأنينة إلى القلق والتوتر، ويصبح ناقما على كل شيء له تعلق بدينه وأمته وأسرته ومجتمعه. ولتحصين الشباب والفتيات من هذه الأدواء فإنه لا بد من تعاهد إيمانهم بين الحين والآخر بالموعظة الحسنة، والنقاش المثمر، وإظهار محاسن الإسلام لهم، وتقبل ما يلقونه من أسئلة أو شبهات، والإجابة عنها لوأدها في مهدها. كما أن للأعمال الصالحة أثراً كبيراً في تثبيت الإيمان، ورد الشبهات؛ وذلك بتعاهدهم في المحافظة على فرائض الصلاة، وحثهم على النوافل، وتشجيعهم عليها، والمحافظة على أذكار الصباح والمساء والنوم، ومتابعتهم في وردهم اليومي من القرآن؛ فإن القرآن كتاب إيمان، ويرسخ الإيمان، ويطرد الشبهات، وما جهد أعداء الإسلام في شيء جهدهم في الحيلولة بين الشباب والفتيات وبين القرآن ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ ﴾ [يونس: 57] فهو شفاء للقلوب من أمراض الشك والحيرة والقلق والجحود؛ لما فيه من المواعظ والتذكير، ولما فيه من الأدلة والبراهين على عظمة الله تعالى، ووجوب الإيمان به وتوحيده. وامتحانات الطلاب والطالبات على الأبواب، وهي مرتع لأهل الفساد والانحراف يصطادون فيها ما استطاعوا منهم ومنهن، فيجب تحذير الأبناء من قرناء السوء، وتحذير البنات من قرينات السوء، وعدم السماح لهم ولهن بمخالطة من لا يعرفون، ومن لا يوثق بدينهم وأخلاقهم. وبعد الامتحانات إجازة طويلة للطلاب والطالبات وهي فرصة للاستفادة منها فيما ينفع، ورمضان قريب موعده، وما أعظمها من فرصة للشباب والفتيات أن يتعلموا الإيمان في رمضان من القرآن، ويكثروا من قراءته وتدبره، وفهم معانيه، والتزود من علومه ومعارفه؛ فإنه كلام الله تعالى الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وهو أنفع ما يرسخ الإيمان في القلوب، ويطرد الوساوس والشكوك؛ فحري بالشباب والفتيات أن يلزموه ويحفظوه، وحري بالآباء والأمهات أن يوجهوا أولادهم إليه، ويشجعوهم عليه ﴿ قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ * يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾ [المائدة: 15- 16]. وصلوا وسلموا على نبيكم....
__________________
|
#5
|
||||
|
||||
![]() غرس الإيمان في قلوب الأولاد (5) الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل الْحَمْدُ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آلِ عِمْرَانَ: 102]، ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النِّسَاءِ: 1]، ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الْأَحْزَابِ: 70-71]. أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ تَعَالَى، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ. أَيُّهَا النَّاسُ: الْإِيمَانُ أَعْظَمُ مَا يَمْلِكُهُ الْمُؤْمِنُ، وَهُوَ أَحْسَنُ الْحَسَنَاتِ، وَخَيْرُ الْخَيْرَاتِ، وَأَرْبَحُ التِّجَارَاتِ؛ فَإِنَّ عَاقِبَتَهُ رِضَا الرَّحْمَنِ سُبْحَانَهُ، وَالْخُلْدَ فِي الْجَنَّاتِ. وَتَرْكُ الْإِيمَانِ أَشَدُّ الْخِذْلَانِ، وَأَعْظَمُ الْخُسْرَانِ؛ لِأَنَّ صَاحِبَهُ يُخَلَّدُ فِي النِّيرَانِ، وَبُرْهَانُ ذَلِكَ فِي آيَاتِ الْقُرْآنِ ﴿ وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ * كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ * أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ * خَالِدِينَ فِيهَا لَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ * إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ * إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الضَّالُّونَ * إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَبًا وَلَوِ افْتَدَى بِهِ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ ﴾ [آلِ عِمْرَانَ: 85 - 91] وَيَا لَخَسَارَةِ مَنْ دَخَلَ جَنَّةَ الْإِيمَانِ، وَذَاقَ حَلَاوَتَهَا، ثُمَّ خَرَجَ مِنْهَا، وَصَدَفَ عَنْهَا؛ لِشَهْوَةٍ مَلَكَتْهُ، أَوْ شُبْهَةٍ حَرَفَتْهُ، عَوْذًا بِاللَّهِ تَعَالَى عَوْذًا. وَقَدْ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَغْرِسُ الْإِيمَانَ فِي قُلُوبِ شَبَابِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، وَيُنَمِّيهِ فِيهِمْ، وَيَتَعَاهَدُهُمْ عَلَيْهِ، وَيَسْتَثْمِرُ كُلَّ فُرْصَةٍ يَخْلُو فِيهَا بِأَحَدِهِمْ لِيُعَلِّمَهُ الْإِيمَانَ، وَيُحَذِّرَهُ مِنْ ضِدِّهِ. وَلَيْسَ ذَلِكَ فَحَسْبُ؛ بَلْ يُحَذِّرُهُمْ مِمَّا يَسْلُبُ الْإِيمَانَ، وَيَذْكُرُ لَهُمْ مَا قَدْ يَرَوْنَهُ فِي مُسْتَقْبَلِهِمْ مِنْ لُصُوصِ الْإِيمَانِ، مِمَّنْ يَقْذِفُونَ الشُّبُهَاتِ فِي الْقُلُوبِ، وَقَدْ حَذَّرَهُمْ ذَلِكَ فِي مَجْلِسٍ حَضَرَهُ أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَكَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ آنَذَاكَ شَابًّا فِي عُنْفُوَانِ الشَّبَابِ؛ إِذْ قَدِمَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ لَا يَتَجَاوَزُ السَّابِعَةَ وَالْعِشْرِينَ مِنْ عُمْرِهِ وَتُوَفِّي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ فِي أَوَّلِ الثَّلَاثِينَ. وَالشَّبَابُ أَمْيَلُ إِلَى الدُّنْيَا وَزِينَتِهَا مِنَ الْكُهُولِ وَالشِّيبِ؛ حَيْثُ الْقُوَّةُ، وَشِدَّةُ الرَّغْبَةِ، وَتَوَافُرُ الصِّحَّةِ، وَاكْتِمَالُ اللَّذَّةِ. كَمَا أَنَّ قَذْفَ الشُّبُهَاتِ فِي قُلُوبِ الشَّبَابِ أَيْسَرُ؛ حَيْثُ حُبُّ الْمَعْرِفَةِ وَالِاسْتِطْلَاعِ وَالِاكْتِشَافِ، وَالرَّغْبَةُ فِي الْمُغَامَرَةِ وَخَوْضِ الْمَجْهُولِ، وَمِنْ ذَلِكَ مَجْهُولُ الْأَفْكَارِ. وَأَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يُخْبِرُنَا عَنْ أَحَادِيثَ سَمِعَهَا مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -وَهُوَ فِي أَوَاخِرِ الْعِشْرِينَ مِنْ عُمْرِهِ-، تُحَذِّرُهُ مِنْ زِينَةِ الشَّهَوَاتِ الَّتِي تَسْلُبُ الْإِيمَانَ، وَذَلِكَ بِالْإِخْبَارِ عَنْ فِتَنٍ يُعْرَضُ فِيهَا الْإِيمَانُ فِي مَزَادَاتِ الْبَيْعِ، وَرُبَّمَا بِيعَ الْإِيمَانُ بِأَبْخَسِ الْأَثْمَانِ -وَهُوَ أَعَزُّ مَا يَمْلِكُ الْإِنْسَانُ-، وَرُبَّمَا بِيعَ بِالْمَجَّانِ، عَلَى أَمَلِ أَنْ يَجِدَ صَاحِبُهُ بِبَيْعِهِ شَيْئًا مِنَ الدُّنْيَا ثُمَّ لَا يَجِدُهُ؛ فَرَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «بَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ فِتَنًا كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ، يُصْبِحُ الرَّجُلُ مُؤْمِنًا وَيُمْسِي كَافِرًا، أَوْ يُمْسِي مُؤْمِنًا وَيُصْبِحُ كَافِرًا، يَبِيعُ دِينَهُ بِعَرَضٍ مِنَ الدُّنْيَا» رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَصُوَرُ بَيْعِ الْإِيمَانِ لِأَجْلِ الدُّنْيَا كَثِيرَةٌ فِي وَلَاءٍ وَأَقْوَالٍ وَأَفْعَالٍ وَمَوَاقِفَ يَبْذُلُهَا بَائِعُ إِيمَانِهِ، وَلَا يَشْعُرُ أَنَّهُ يَبِيعُ بِهَا إِيمَانَهُ؛ إِذْ مَا يَرْجُوهُ مِنْ دُنْيَا يُصِيبُهَا يَحْجُبُ عَقْلَهُ، وَيُزَيِّنُ لَهُ سُوءَ عَمَلِهِ، فَيَرَاهُ حَسَنًا وَهُوَ قَبِيحٌ. وَلِذَا كَانَتْ وَصِيَّةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُبَادِرَةَ بِالْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْعَمَلَ الصَّالِحَ سَبَبٌ لِصَلَاحِ الْقَلْبِ، وَتَعَلُّقِ الْقَلْبِ بِاللَّهِ تَعَالَى، وَالنَّظَرِ إِلَى الدَّارِ الْآخِرَةِ، فَتَتَقَلَّصُ مِسَاحَةُ حُبِّ الدُّنْيَا فِي قَلْبِهِ، وَيَعْرِفُهَا عَلَى حَقِيقَتِهَا، وَيُوقِنُ بِأَنَّهُ زَائِلٌ عَنْهَا مَهْمَا مَلَكَ مِنْهَا، كَمَا أَنَّ الدُّنْيَا بِأَجْمَعِهَا إِلَى زَوَالٍ. فِي مُقَابِلِ أَنَّ نَفْعَ إِيمَانِهِ وَعَمَلِهِ الصَّالِحِ يَدُومُ وَلَا يَزُولُ، وَجَزَاؤُهُ خُلْدٌ فِي جِوَارِ الرَّحْمَنِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى. وَمَنْ شَغَلَ نَفْسَهُ بِالْإِيمَانِ وَأَجْزَائِهِ مِنَ الْعَمَلِ الصَّالِحِ لَمْ يَبْقَ عِنْدَهُ فَرَاغٌ لِلدُّنْيَا كَيْ يُنَافِسَ فِيهَا، وَيُسَاوِمَ عَلَيْهَا بِإِيمَانِهِ. هَذَا فِي جَانِبِ الشَّهْوَةِ الَّتِي تَتَسَبَّبُ فِي بَيْعِ الْإِنْسَانِ إِيمَانَهُ. وَأَمَّا جَانِبُ الشُّبْهَةِ الَّتِي قَدْ تَتَسَلَّلُ إِلَى قَلْبِ الْعَبْدِ فَتَفْتِكُ بِإِيمَانِهِ فَقَدْ سَمِعَ أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -وَهُوَ شَابٌّ دُونَ الثَّلَاثِينَ- إِرْشَادًا نَبَوِيًّا فِيهَا، وَكَيْفَ يَتَعَامَلُ مَعَهَا إِذَا أَوْرَدَهَا أَحَدٌ عَلَيْهِ، قَالَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَزَالُ النَّاسُ يَتَسَاءَلُونَ حَتَّى يُقَالَ: هَذَا خَلَقَ اللَّهُ الْخَلْقَ، فَمَنْ خَلَقَ اللَّهَ؟ فَمَنْ وَجَدَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا، فَلْيَقُلْ: آمَنْتُ بِاللَّهِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ. بَلْ جَاءَ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَصَّ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِذَلِكُمُ الْإِرْشَادِ النَّبَوِيِّ؛ لِيَتَعَامَلَ مَعَ الشُّبْهَةِ الَّتِي تُلْقَى عَلَيْهِ بِمَا يَقْطَعُ دَابِرَهَا، وَكَأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَعْلَمُ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ سَيُبْتَلَى بِأُنَاسٍ يَقْذِفُونَ هَذِهِ الشُّبُهَاتِ عَلَيْهِ؛ فَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَزَالُونَ يَسْأَلُونَكَ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ حَتَّى يَقُولُوا: هَذَا اللَّهُ، فَمَنْ خَلَقَ اللَّهَ؟ قَالَ: فَبَيْنَا أَنَا فِي الْمَسْجِدِ إِذْ جَاءَنِي نَاسٌ مِنَ الْأَعْرَابِ، فَقَالُوا: يَا أَبَا هُرَيْرَةَ، هَذَا اللَّهُ، فَمَنْ خَلَقَ اللَّهَ؟ فَأَخَذَ حَصًى بِكَفِّهِ فَرَمَاهُمْ، ثُمَّ قَالَ: قُومُوا قُومُوا، صَدَقَ خَلِيلِي». لَيْسَ ذَلِكَ فَحَسْبُ؛ بَلْ أَرْشَدَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصْحَابَهُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ إِلَى مَا يَدْفَعُونَ بِهِ وَسَاوِسَ الشَّيْطَانِ وَخَطَرَاتِهِ؛ لِئَلَّا تَتَحَوَّلَ هَذِهِ الْوَسَاوِسُ وَالْخَطَرَاتُ إِلَى أَفْكَارٍ، ثُمَّ إِلَى قَنَاعَاتٍ، فَيَضِلَّ بِهَا الْعَبْدُ، وَيَظْفَرَ الشَّيْطَانُ مِنْهُ بِمَا أَرَادَ، وَيُحَدِّثُ عَنْ ذَلِكُمُ التَّوْجِيهِ النَّبَوِيِّ أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَيَقُولُ: «جَاءَ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَسَأَلُوهُ: إِنَّا نَجِدُ فِي أَنْفُسِنَا مَا يَتَعَاظَمُ أَحَدُنَا أَنْ يَتَكَلَّمَ بِهِ، قَالَ: وَقَدْ وَجَدْتُمُوهُ؟ قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ: ذَاكَ صَرِيحُ الْإِيمَانِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ. قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ ابْنُ تَيْمِيَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: «أَيْ: حُصُولُ هَذَا الْوَسْوَاسِ مَعَ هَذِهِ الْكَرَاهَةِ الْعَظِيمَةِ لَهُ وَدَفْعِهِ عَنِ الْقَلْبِ هُوَ مِنْ صَرِيحِ الْإِيمَانِ؛ كَالْمُجَاهِدِ الَّذِي جَاءَهُ الْعَدُوُّ فَدَافَعَهُ حَتَّى غَلَبَهُ؛ فَهَذَا أَعْظَمُ الْجِهَادِ. وَالصَّرِيحُ الْخَالِصُ كَاللَّبَنِ الصَّرِيحِ. وَإِنَّمَا صَارَ صَرِيحًا لَمَّا كَرِهُوا تِلْكَ الْوَسَاوِسَ الشَّيْطَانِيَّةَ وَدَفَعُوهَا فَخَلَصَ الْإِيمَانُ فَصَارَ صَرِيحًا. وَلَا بُدَّ لِعَامَّةِ الْخَلْقِ مِنْ هَذِهِ الْوَسَاوِسِ؛ فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجِيبُهَا فَيَصِيرُ كَافِرًا أَوْ مُنَافِقًا؛ وَمِنْهُمْ مَنْ قَدْ غَمَرَ قَلْبَهُ الشَّهَوَاتُ وَالذُّنُوبُ فَلَا يُحِسُّ بِهَا إِلَّا إِذَا طَلَبَ الدِّينَ، فَإِمَّا أَنْ يَصِيرَ مُؤْمِنًا وَإِمَّا أَنْ يَصِيرَ مُنَافِقًا». نَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى صَلَاحَ قُلُوبِنَا وَأَعْمَالِنَا وَنِيَّاتِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا، وَأَنْ يَهْدِيَ ضَالَّ الْمُسْلِمِينَ، وَأَنْ يُثَبِّتَنَا عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ، إِنَّهُ سَمِيعٌ مُجِيبٌ. وَأَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ... الخطبة الثانية الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا طَيِّبًا كَثِيرًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنِ اهْتَدَى بِهُدَاهُمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ. أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوهُ، وَحُثُّوا أَوْلَادَكُمْ عَلَى الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ؛ فَإِنَّهَا مِنْ أَسْبَابِ الثَّبَاتِ ﴿ يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ ﴾ [إِبْرَاهِيمَ: 27]. أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: مِمَّا حَفِظَ أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مِنْ حَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَمِلَ بِهِ وَبَلَّغَهُ: كَيْفِيَّةُ التَّعَامُلِ مَعَ الْفِتَنِ الَّتِي قَدْ يَذْهَبُ فِيهَا الدِّينُ بِشُبْهَةٍ تَتَمَكَّنُ مِنَ الْقَلْبِ فَيَزِيغُ بِهَا، أَوْ بِشَهْوَةٍ تُسَهِّلُ بَيْعَ الْإِيمَانِ عَلَى صَاحِبِهِ، وَالتَّخَلِّي عَنْهُ لِأَجْلِ الدُّنْيَا، فَرَوَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «سَتَكُونُ فِتَنٌ الْقَاعِدُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ الْقَائِمِ، وَالْقَائِمُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ الْمَاشِي، وَالْمَاشِي فِيهَا خَيْرٌ مِنَ السَّاعِي، وَمَنْ يُشْرِفْ لَهَا تَسْتَشْرِفْهُ، وَمَنْ وَجَدَ مَلْجَأً أَوْ مَعَاذًا فَلْيَعُذْ بِهِ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ. فَأَرْشَدَ إِلَى التَّبَاطُؤِ فِي الْفِتْنَةِ، وَعَدَمِ السَّعْيِ فِيهَا، وَأَخْبَرَ أَنَّ فِي اسْتِشْرَافِهَا خَطَرَ الْوُقُوعِ فِيهَا، وَفِي الْبُعْدِ عَنْهَا نَجَاةً مِنْهَا. وَإِنَّمَا يَذْهَبُ الْإِيمَانُ أَوْ يَنْقُصُ بِالْوُقُوعِ فِي فِتَنِ السَّرَّاءِ الَّتِي تُزَيِّنُ الشَّهَوَاتِ، أَوْ فِي فِتَنِ الضَّرَّاءِ الَّتِي لَا يَقْوَى الْعَبْدُ عَلَى احْتِمَالِهَا فَيُسِيءُ الظَّنَّ بِاللَّهِ تَعَالَى، أَوْ فِي شُبُهَاتٍ يُصْغِي بِأُذُنِهِ إِلَيْهَا -وَمَا أَكْثَرَ مَا يُقْذَفُ مِنْ شُبُهَاتٍ فِي الْبَرَامِجِ الْمُصَوَّرَةِ- أَوْ يَقْرَؤُهَا فِي كُتُبٍ أَوْ رِوَايَاتٍ أَوْ مَقَالَاتٍ، فَيَبْتَلِي نَفْسَهُ بِهَا، وَيُعَرِّضُ قَلْبَهُ لِلزَّيْغِ، وَإِيمَانَهُ لِلزَّوَالِ، وَقَدْ كَانَ فِي عَافِيَةٍ مِنْ ذَلِكَ. إِنَّ غَرْسَ الْإِيمَانِ فِي قُلُوبِ الْأَوْلَادِ، وَتَعَاهُدَهُ بِالنَّمَاءِ وَالزِّيَادَةِ، وَتُحْصِينَهُ مِمَّا يَضُرُّهُ مِنَ الشَّهَوَاتِ وَالشُّبُهَاتِ مِنْ أَهَمِّ مُهِمَّاتِ التَّرْبِيَةِ الَّتِي يَجِبُ أَنْ يَقُومَ بِهَا الْآبَاءُ وَالْأُمَّهَاتُ، وَالْمُرَبُّونَ وَالْمُرَبِّيَاتُ؛ فَإِنَّ أَبَالِسَةَ الْبَشَرِ لَنْ يَتَوَانَوْا عَنْ خَطْفِ الْإِيمَانِ مِنْ قُلُوبِ مَنِ اسْتَسْلَمُوا لِأَهْوَائِهِمْ، وَأَرْخَوْا أَسْمَاعَهُمْ لِشُبُهَاتِهِمْ، وَإِنَّ فِي حِفْظِ الْأَوْلَادِ مِنْ شَرِّهِمْ وِقَايَةً لَهُمْ مِنْ أَسْبَابِ الْعَذَابِ ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ﴾ [التَّحْرِيمِ: 6]. وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُمْ...
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |