|
|||||||
| الملتقى الاسلامي العام مواضيع تهتم بالقضايا الاسلامية على مذهب اهل السنة والجماعة |
![]() |
|
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
|
|
|
#1
|
||||
|
||||
|
ويقول ابن حزم: "ذهبت طائفة من المعتزلة والخوارج إلى أن الجنة والنار لم يخلقها بعدُ، وذهب جمهور المسلمين إلى أنهما قد خُلقتا، وما نعلم لمن قال أنهما لم يخلقا" [12]. ولقد تضافرت نصوص القرآن والسنة على إثبات ما ذهب جمهور المسلمين من كون الجنة والنار مخلوقتين الآن؛ فالله تعالى يقول في شأن الجنة: ﴿ وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ ﴾ [آل عمران: 133]، ويقول تعالى: ﴿ سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ﴾ [الحديد: 21]، وغير ذلك من الآيات التي تدل على أن الجنة مخلوقة موجودة الآن، وقد عبر القرآن بصيغة الماضي في قوله (أُعِدَّتْ)، وهذا التعبير يفيد أنها مخلوقة موجودة؛ وفي قصة المعراج يقول تعالى: ﴿ وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى * عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى * عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى * إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى ﴾ [النجم: 13 - 16]. مما يفيد أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى سدرة المنتهى، ورأى عندها جنة المأوى؛ كما في حديث أبي رضي الله عنه في قصة الإسراء؛ حيث يقول في آخره: ((ثم انطلق بي جبريل حتى انتهى بي إلى سدرة المنتهى، وغشيَها ألوانٌ لا أدري ما هي، ثم دخلت الجنة، فإذا فيها جنابذ اللؤلؤ، وإذا ترابها المسك)) [13]. عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((قال الله تعالى: أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر؛ فاقرؤوا إن شئتم: ﴿ فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ ﴾ [السجدة: 17])) [14]. ورأى شجرة الزَّقوم التي وصفها الله تعالى بقوله: ﴿ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ ﴾ [الإسراء: 60]، وقوله: ﴿ إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ * طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ ﴾ [الصافات: 64، 65]، ورأى مالكًا خازن النار؛ يقول الإمام البربهاري: "والإيمان بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أُسريَ به إلى السماء، وصار إلى العرش وسمع كلام الله، ودخل الجنة واطلع في النار، ورأى الملائكة، وسمع كلام الله عز وجل" [15]. خامسًا: إثبات الحياة البرزخية: ومن الدروس والعِبر المستفادة من قصة الإسراء والمعراج إثبات عذاب القبر، والإيمان به واجب، ومنكره كافر؛ لأن الأدلة عليه كثيرة من القرآن ومن سنة النبي العدنان صلى الله عليه وسلم، وقد شاهد النبي صلى الله عليه وسلم مشاهد من الحياة البرزخية، وقبل أن نذكرها أذكركم ببعض الأدلة على إثبات تلك الحياة: الدليل الأول قوله تعالى: ﴿ النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ ﴾ [غافر: 46]؛ والمعنى المقصود أنهم يعرضون على النار فيصلهم من سمومها وعذابها كل يوم مرتين، وقد دلَّ العطف في قوله: ﴿ وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ ﴾ أن عرضهم على النار حاصلٌ قبل يوم القيامة، الأمر الذي يُثبت وجود الحياة البرزخيَّة ومباينتها لعالم الآخرة. الدليل الثاني قوله تعالى: ﴿ وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لَا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ ﴾ [التوبة: 101]؛ والمعنى أن الله سبحانه وتعالى كتب على أولئك المنافقين أن يُعذَّبوا مرَّتين؛ إحداهما في الدنيا، والأخرى في القبر، وهذا الذي اختاره الإمام ابن جرير الطبري في تفسيره؛ حيث قال: "قوله جل ثناؤه: ﴿ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ ﴾، دلالة على أن العذاب في المرتين كلتيهما قبل دخولهم النار، والأغلب من إحدى المرتين أنها في القبر"، وقد أورد كلامًا لقتادة ومجاهد والحسن رحمهم الله يدلُّ على هذا المعنى. الدليل الثالث: قوله تعالى: ﴿ يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ ﴾ [إبراهيم: 27]، ودلالته على الحياة البرزخيَّة مأخوذ من حديث النبي صلى الله عليه وسلم: ((المسلم إذا سُئل في القبر، يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، فذلك قوله: ﴿ يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ ﴾))؛ [متفق عليه] [16]، ومعلومٌ أن سؤال الملكين هو أحد مشاهد عالم البرزخ. الدليل الرابع: قوله تعالى: ﴿ وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى ﴾ [طه: 124]، والآية تبيِّن أن جزاء المعرضين عن الدين والغافلين عن الذكر العقوبةُ بضنك العيش، والعطف في قوله تعالى: ﴿ وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى ﴾ يؤكد أن هذا الضنك حاصلٌ قبل يوم القيامة، والحياة البرزخية داخلةٌ في هذا الإطلاق، ويدل على هذا الدخول أن النبي صلى الله عليه وسلم فسَّر هذه الآية بعذاب القبر، وذلك في قوله: ((ثم يضيق عليه قبره حتى تختلف فيه أضلاعه، فتلك المعيشة الضنكة التي قال الله: ﴿ فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا ﴾)) [17]. وليس في ذلك حصرٌ لمعنى الآية وقصره على عذاب القبر، فالآية أعم من ذلك. الدليل الخامس: عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ((مرَّ النبي صلى الله عليه وسلم بحائط من حيطان المدينة أو مكة، فسمع صوت إنسانين يعذَّبان في قبورهما، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: يعذبان، وما يعذبان في كبير ثم قال: بلى، كان أحدهما لا يستتر من بوله، وكان الآخر يمشي بالنميمة)) ثم دعا بجريدة، فكسرها كسرتين، فوضع على كل قبر منهما كسرة، فقيل له: يا رسول الله، لِمَ فعلت هذا؟ قال: لعله أن يخفف عنهما ما لم تيبسا أو: إلى أن ييبسا)) [18]. والشاهد أن الحديث يُثبت عذاب القبر الحاصل في الحياة البرزخيَّة. الدليل السادس: عن عائشة رضي الله عنها قالت: ((دخلت عليَّ عجوزان من عُجُز يهود المدينة، فقالتا: إن أهل القبور يُعذَّبون في قبورهم، فكذبتهما ولم أنعم أن أصدقهما، فخرجتا، ودخل عليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت له: يا رسول الله، إن عجوزين من عُجُز يهود المدينة دخلتا عليَّ، فزعمتا أن أهل القبور يعذبون في قبورهم، فقال: صدقتا، إنهم يعذبون عذابًا تسمعه البهائم، تقول عائشة رضي الله عنها: فما رأيته بعد في صلاة إلا يتعوَّذ من عذاب القبر)) [19]. الدليل السابع: عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا تشهَّد أحدكم فليستعذ بالله من أربع، يقول: اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن شر فتنة المسيح الدجال)) [20]. أما أقوال الأئمة في إثبات عذاب القبر فكثيرة جدًّا، وقد اتفقت كلمة فقهاء المذاهب الأربعة على إثبات عذاب القبر أو نعيمه، كما أن لشيخ الإسلام ابن تيمية أقوالًا كثيرة تؤكد هذا الأمر؛ ومن ذلك قوله: "ومن الإيمان باليوم الآخر الإيمان بكل ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم مما يكون بعد الموت، فيؤمنون بفتنة القبر وبعذاب القبر ونعيمه" [21]. رؤية النبي صلى الله عليه وسلم للمنعمين والمعذبين ليلة الإسراء والمعراج: عَن أبي هُرَيرة، قَالَ: قَالَ رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيه وَسَلَّم: ((رأيت موسى يصلي في قبره ليلة أسري بي)) [22]. وعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لما عُرج بي، مررتُ بقوم لهم أظفار من نحاس يخمشون وجوههم وصدورهم، فقلت: من هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس، ويقعون في أعراضهم)) [23]. عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ، قَالَ: قَالَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((رَأَيْتُ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي رَجُلًا يَسْبَحُ فِي نَهَرٍ وَيُلْقَمُ الْحِجَارَةَ، فَسَأَلْتُ: مَا هَذَا؟ فَقِيلَ لِي: آكِلُ الرِّبَا)) [24]. عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((مررت ليلة أُسريَ بي برائحة طيبة، فقلت: ما هذا يا جبريل؟ فقال: هذه ماشطة ابنة فرعون كانت تمشطها، فوقع المُشط من يدها، فقالت: بسم الله، فقالت ابنة فرعون: أبي؟ فقالت: ربي وربك ورب أبيك، قالت: أقول له؟ قالت: قولي، فقالت، فقال لها: ألكِ من رب غيري؟ قالت: ربي وربك الذي في السماء، قال: فأحمى لها بقرة من نحاس، وقالت له: لي إليك حاجة، قال: وما حاجتكِ؟ قالت: حاجتي أن تجمع بين عظامي وبين عظام ولدي، قال: ذلك لكِ، لِما لكِ علينا من الحق، فألقاها وولدها في البقرة واحدًا واحدًا، وكان لها صبي، فقال: يا أمَّتاه فاصبري، فإنكِ على الحق؛ قال ابن عباس: "أربعة تكلموا وهم صغار: ابن ماشطة فرعون، وصبي جريج، وعيسى ابن مريم، والرابع لا أحفظه)) [25]. وآخر دعونا أن الحمد لله رب العالمين، وصلاة وسلامًا على أشرف المرسلين، وعلى آله وأصحابه الرضا والرضوان من الرحيم الرحمن. [1] الإجماع العقدي (ص: 51). [2] العقيدة الطحاوية (ص: 29). [3] أخرجه أحمد (2/ 381)، والبخاري في الأدب المفرد (1212)، ومسلم (8/ 78، 79). [4] أخرجه البخاري في صحيحه: كتاب التوحيد 13/ 415، باب: وكان عرشه على الماء وهو رب العرش العظيم، فتح الباري رقم 7420، وأخرجه أحمد 3/ 226، والنسائي 6/ 65، والترمذي 3213، وابن سعد 8/ 106، وأبو نعيم في الحلية 2/ 52، وابن قدامة ص: 108، رقم: 81 في إثبات صفة العلو. [5] أخرجه مسلم (537)، وأبو داود (930)، والنسائي: (1218)، وأحمد في مسنده: (5/ 447). [6] رواه البخاري (3674) ومسلم (162). [7] "فتح الباري" (7/ 216). [8] "تفسير ابن كثير" (1/ 670). [9] "تيسير لمعة الاعتقاد" (ص: 152). [10] رواه ابن حبان في "صحيحه" (14/ 69)، وصححه شعيب الأرنؤوط محقق الكتاب. [11] حادي الأفراح إلى بلاد الأفراح، لابن القيم، بتحقيق: الدكتور السيد الجميلي، الباب الأول: في بيان وجود الجنة، ص: 37. [12] الفصل والملل والأهواء والنحل، لابن حزم، الكلام في خلق الجنة والنار، 4/ 81، دار الفكر، 1400هـ. [13] أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الأنبياء، باب ذكر إدريس عليه السلام، ص: 556، رقم الحديث: 3342. [14]البخاري، كتاب بدء الخلق، باب ما جاء في صفة الجنة وأنها مخلوقة، ص: 541، رقم الحديث: 3244. [15] شرح السنة، البربهاري (ص: 36). [16] أخرجه أحمد (4/ 282، رقم 18505)، والبخاري (4/ 1735، رقم 4422)، ومسلم (4/ 2201، رقم 2871). [17] صحيح ابن حبان محققًا (7/ 382)، وأخرجه عبدالرزاق "6703"، وابن أبي شيبة "3/ 383، 384". [18] أخرجه ابن أبي شيبة (1/ 115، رقم 1304)، وأحمد (1/ 225، رقم 1980)، والبخاري (1/ 88، رقم 215)، ومسلم (1/ 240، رقم 292). [19] أخرجه البخاري في: 80، كتاب الدعوات: 37، باب التعوذ من عذاب القبر. [20] أخرجه ابن أبي شيبة (7/ 489، رقم 37462)، وأحمد (2/ 477، رقم 10183)، ومسلم (1/ 412، رقم 588). [21] مجموع الفتاوى (3/ 145). [22] مسند البزار (14/ 119). [23] أخرجه أحمد (3/ 224)، وأخرجه: أبو داود (4878) و(4879). [24] أخرجه البيهقي في شعب الإيمان (4/ 391، رقم 5509)، وأخرجه أيضًا: أحمد (5/ 10، رقم 20113). [25] أخرجه أحمد (1/ 310)، والبيهقي في "دلائل النبوة" (2/ 389).
__________________
|
![]() |
| الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |