
05-02-2022, 02:11 PM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 162,725
الدولة :
|
|
رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الاول
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(3)
الحلقة (19)
صــ 230إلى صــ 236
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : ( هُدًى )
259 - حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ حَازِمٍ الْغِفَارِيِّ ، قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ ، قَالَ : حَدَّثَنَا [ ص: 230 ] سُفْيَانُ ، عَنْ بَيَانٍ ، عَنِ الشَّعْبِيِّ ، "هُدًى " قَالَ : هُدًى مِنَ الضَّلَالَةِ .
260 - حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ هَارُونَ ، قَالَ : حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ حَمَّادٍ ، قَالَ : حَدَّثَنَا أَسْبَاطُ بْنُ نَصْرٍ ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ السُّدِّيِّ ، فِي خَبَرٍ ذَكَرَهُ عَنْ أَبِي مَالِكٍ ، وَعَنْ أَبِي صَالِحٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَعَنْ مُرَّةَ الْهَمْدَانِيُّ ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ ، وَعَنْ نَاسٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، "هُدًى لِلْمُتَّقِينَ " ، يَقُولُ : نُورٌ لِلْمُتَّقِينَ .
وَالْهُدَى فِي هَذَا الْمَوْضِعِ مَصْدَرٌ مِنْ قَوْلِكَ : هَدَيْتُ فُلَانًا الطَّرِيقَ - إِذَا أَرْشَدْتَهُ إِلَيْهِ ، وَدَلَلَتْهُ عَلَيْهِ ، وَبَيَّنْتَهُ لَهُ - أَهْدِيهِ هُدًى وَهِدَايَةً .
فَإِنْ قَالَ لَنَا قَائِلٌ : أَوَ مَا كِتَابُ اللَّهِ نُورًا إِلَّا لِلْمُتَّقِينَ ، وَلَا رَشَادًا إِلَّا لِلْمُؤْمِنِينَ ؟ قِيلَ : ذَلِكَ كَمَا وَصَفَهُ رَبُّنَا عَزَّ وَجَلَّ . وَلَوْ كَانَ نُورًا لِغَيْرِ الْمُتَّقِينَ ، وَرَشَادًا لِغَيْرِ الْمُؤْمِنِينَ ، لَمْ يَخْصُصِ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الْمُتَّقِينَ بِأَنَّهُ لَهُمْ هُدًى ، بَلْ كَانَ يَعُمُّ بِهِ جَمِيعَ الْمُنْذَرِينَ . وَلَكِنَّهُ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ ، وَشِفَاءٌ لِمَا فِي صُدُورِ الْمُؤْمِنِينَ ، وَوَقْرٌ فِي آذَانِ الْمُكَذِّبِينَ ، وَعَمًى لِأَبْصَارِ الْجَاحِدِينَ ، وَحُجَّةٌ لِلَّهِ بَالِغَةٌ عَلَى الْكَافِرِينَ . فَالْمُؤْمِنُ بِهِ مُهْتَدٍ ، وَالْكَافِرُ بِهِ مَحْجُوجٌ .
وَقَوْلُهُ "هُدًى " يَحْتَمِلُ أَوْجُهًا مِنَ الْمَعَانِي :
أَحَدُهَا : أَنْ يَكُونَ نَصْبًا ، لِمَعْنَى الْقَطْعِ مِنَ الْكِتَابِ ، لِأَنَّهُ نَكِرَةٌ وَالْكِتَابُ مَعْرِفَةٌ . فَيَكُونُ التَّأْوِيلُ حِينَئِذٍ : الم ذَلِكَ الْكِتَابُ هَادِيًا لِلْمُتَّقِينَ . وَ"ذَلِكَ " مَرْفُوعٌ بِ "الم " ، وَ " الم " بِهِ ، وَالْكِتَابُ نَعَتٌ لِ "ذَلِكَ " .
وَقَدْ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ نَصْبًا ، عَلَى الْقَطْعِ مِنْ رَاجِعِ ذِكْرِ الْكِتَابِ الَّذِي فِي [ ص: 231 ] "فِيهِ " ، فَيَكُونُ مَعْنَى ذَلِكَ حِينَئِذٍ : الم الَّذِي لَا رَيْبَ فِيهِ هَادِيًا .
وَقَدْ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ أَيْضًا نَصْبًا عَلَى هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ ، أَعْنِي عَلَى وَجْهَ الْقَطْعِ مِنَ الْهَاءِ الَّتِي فِي "فِيهِ " ، وَمِنْ "الْكِتَابِ " ، عَلَى أَنْ "الم " كَلَامٌ تَامٌّ ، كَمَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ إِنَّ مَعْنَاهُ : أَنَا اللَّهُ أَعْلَمُ . ثُمَّ يَكُونُ " ذَلِكَ الْكِتَابُ " خَبَرًا مُسْتَأْنَفًا ، فَيُرْفَعُ حِينَئِذٍ "الْكِتَابُ " بِ "ذَلِكَ " ، وَ "ذَلِكَ " بِ "الْكِتَابُ " ، وَيَكُونُ "هُدًى " قَطْعًا مِنْ "الْكِتَابِ " ، وَعَلَى أَنْ يُرْفَعَ "ذَلِكَ " بِالْهَاءِ الْعَائِدَةِ عَلَيْهِ الَّتِي فِي "فِيهِ " ، وَ "الْكِتَابُ " نَعْتٌ لَهُ; وَالْهُدَى قَطْعٌ مِنَ الْهَاءِ الَّتِي فِي " فِيهِ " . وَإِنْ جُعِلَ الْهُدَى فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ ، لَمْ يَجُزْ أَنْ يَكُونَ "ذَلِكَ الْكِتَابُ " إِلَّا خَبَرًا مُسْتَأْنَفًا ، وَ "الم " كَلَامًا تَامًّا مُكْتَفِيًا بِنَفْسِهِ ، إِلَّا مِنْ وَجْهٍ وَاحِدٍ ، وَهُوَ أَنْ يُرْفَعَ حِينَئِذٍ "هُدًى " بِمَعْنَى الْمَدْحِ ، كَمَا قَالَ اللَّهُ جَلَّ وَعَزَّ : ( الم تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ هُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُحْسِنِينَ ) سُورَةُ لُقْمَانَ : 1 - 3 فِي قِرَاءَةِ مَنْ قَرَأَ "رَحْمَةٌ " . بِالرَّفْعِ ، عَلَى الْمَدْحِ لِلْآيَاتِ .
وَالرَّفْعُ فِي "هُدًى " حِينَئِذٍ يَجُوزُ مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ : أَحَدُهَا مَا ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّهُ مَدْحٌ مُسْتَأْنَفٌ . وَالْآخَرُ : عَلَى أَنْ يُجْعَلَ مُرَافِعَ " ذَلِكَ " ، وَ "الْكِتَابُ " نَعْتٌ "لِذَلِكَ " . وَالثَّالِثُ : أَنْ يُجْعَلَ تَابِعًا لِمَوْضِعِ " لَا رَيْبَ فِيهِ " ، وَيَكُونُ " ذَلِكَ الْكِتَابُ " مَرْفُوعًا بِالْعَائِدِ فِي "فِيهِ " . فَيَكُونُ كَمَا قَالَ تَعَالَى ذِكْرُهُ : ( وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ ) سُورَةُ الْأَنْعَامِ : 92 .
وَقَدْ زَعَمَ بَعْضُ الْمُتَقَدِّمِي نَ فِي الْعِلْمِ بِالْعَرَبِيَّة ِ مِنَ الْكُوفِيِّينَ ، أَنَّ "الم " مُرَافِعُ " ذَلِكَ الْكِتَابُ " بِمَعْنَى : هَذِهِ الْحُرُوفُ مِنْ حُرُوفِ الْمُعْجَمِ ، ذَلِكَ الْكِتَابُ الَّذِي وَعَدْتُكَ أَنْ أُوحِيهِ إِلَيْكَ . ثُمَّ نَقَضَ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِ فَأَسْرَعَ نَقْضَهُ ، وَهَدَمَ مَا بَنَى فَأَسْرَعَ هَدْمَهُ ، فَزَعَمَ أَنَّ الرَّفْعَ فِي "هُدًى " مِنْ وَجْهَيْنِ ، وَالنَّصْبَ مِنْ وَجْهَيْنِ . وَأَنَّ أَحَدَ وَجْهَيِ الرَّفْعِ : أَنْ يَكُونَ "الْكِتَابُ " نَعْتًا لِ "ذَلِكَ " وَ "الْهُدَى " فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ خَبَرٌ لِ "ذَلِكَ " . [ ص: 232 ] كَأَنَّكَ قُلْتَ : ذَلِكَ هُدًى لَا شَكَّ فِيهِ . قَالَ : وَإِنْ جَعَلْتَ " لَا رَيْبَ فِيهِ " خَبَّرَهُ ، رَفَعْتَ أَيْضًا "هُدًى " ، بِجَعْلِهِ تَابِعًا لِمَوْضِعِ " لَا رَيْبَ فِيهِ " ، كَمَا قَالَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : ( وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ ) ، كَأَنَّهُ قَالَ : وَهَذَا كِتَابٌ هُدًى مِنْ صِفَتِهِ كَذَا وَكَذَا . قَالَ : وَأَمَّا أَحَدُ وَجْهَيِ النَّصْبِ فَأَنْ تَجْعَلَ الْكِتَابَ خَبَرًا لِ "ذَلِكَ " ، وَتَنْصِبَ "هُدًى " عَلَى الْقَطْعِ ، لِأَنَّ "هُدًى " نَكِرَةٌ اتَّصَلَتْ بِمَعْرِفَةٍ ، وَقَدْ تَمَّ خَبَرُهَا فَنَصَبْتَهَا لِأَنَّ النَّكِرَةَ لَا تَكُونُ دَلِيلًا عَلَى مَعْرِفَةٍ . وَإِنْ شِئْتَ نَصَبْتَ "هُدًى " عَلَى الْقَطْعِ مِنَ الْهَاءِ الَّتِي فِي "فِيهِ " كَأَنَّكَ قُلْتَ : لَا شَكَّ فِيهِ هَادِيًا .
قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ : فَتَرْكُ الْأَصْلِ الَّذِي أَصَّلَهُ فِي "الم " وَأَنَّهَا مَرْفُوعَةٌ بِ " ذَلِكَ الْكِتَابُ " ، وَنَبَذَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ . وَاللَّازِمُ كَانَ لَهُ عَلَى الْأَصْلِ الَّذِي أَصَّلَهُ ، أَنْ لَا يُجِيزَ الرَّفْعَ فِي "هُدًى " بِحَالٍ إِلَّا مِنْ وَجْهٍ وَاحِدٍ ، وَذَلِكَ مِنْ قِبْلِ الِاسْتِئْنَافِ ، إِذْ كَانَ مَدْحًا . فَأَمَّا عَلَى وَجْهِ الْخَبَرِ "لِذَلِكَ " ، أَوْ عَلَى وَجْهِ الْإِتْبَاعِ لِمَوْضِعِ "لَا رَيْبَ فِيهِ " ، فَكَانَ اللَّازِمُ لَهُ عَلَى قَوْلِهِ أَنْ يَكُونَ خَطَأً . وَذَلِكَ أَنْ "الم " إِذَا رَافَعَتْ " ذَلِكَ الْكِتَابُ " ، فَلَا شَكَّ أَنْ "هُدًى " غَيْرُ جَائِزٍ حِينَئِذٍ أَنْ يَكُونَ خَبَرًا "لِذَلِكَ " ، بِمَعْنَى الْمُرَافِعِ لَهُ ، أَوْ تَابِعًا لِمَوْضِعِ "لَا رَيْبَ فِيهِ " ، لِأَنَّ مَوْضِعَهُ حِينَئِذٍ نَصْبٌ ، لِتَمَامِ الْخَبَرِ قَبْلَهُ ، وَانْقِطَاعِهِ - بِمُخَالَفَتِهِ إِيَّاهُ - عَنْهُ .
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : ( لِلْمُتَّقِينَ ( 2 ) )
261 - حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ وَكِيعٍ ، قَالَ : حَدَّثَنَا أَبِي ، عَنْ سُفْيَانَ ، عَنْ رَجُلٍ ، عَنِ الْحَسَنِ ، قَوْلُهُ : "لِلْمتقين " قَالَ : اتَّقَوْا مَا حُرِّمَ عَلَيْهِمْ ، وَأَدَّوْا مَا افْتُرِضَ عَلَيْهِمْ . [ ص: 233 ]
262 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حُمَيْدٍ ، قَالَ : حَدَّثَنَا سَلَمَةُ بْنُ الْفَضْلِ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي مُحَمَّدٍ مَوْلَى زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ ، عَنْ عِكْرِمَةَ ، أَوْ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ : "لِلْمتقين " ، أَيِ الَّذِينَ يَحْذَرُونَ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عُقُوبَتَهُ فِي تَرْكِ مَا يَعْرِفُونَ مِنَ الْهُدَى ، وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ بِالتَّصْدِيقِ بِمَا جَاءَ بِهِ .
263 - حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ هَارُونَ ، قَالَ : حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ حَمَّادٍ ، قَالَ : حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ ، عَنِ السُّدِّيِّ فِي خَبَرٍ ذَكَرَهُ ، عَنْ أَبِي مَالِكٍ ، وَعَنْ أَبِي صَالِحٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - وَعَنْ مُرَّةَ الْهَمْدَانِيِّ ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ ، وَعَنْ نَاسٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : "هُدًى لِلْمُتَّقِينَ " ، قَالَ : هُمُ الْمُؤْمِنُونَ .
264 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ ، قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ ، قَالَ : سَأَلَنِي الْأَعْمَشُ عَنِ "الْمتقين " ، قَالَ : فَأَجَبْتُهُ ، فَقَالَ لِي : سُئِلَ عَنْهَا الْكَلْبَيُّ . فَسَأَلْتُهُ ، فَقَالَ : الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ . قَالَ : فَرَجَعْتُ إِلَى الْأَعْمَشِ ، فَقَالَ : نُرَى أَنَّهُ كَذَلِكَ . وَلَمْ يُنْكِرْهُ .
265 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى بْنُ إِبْرَاهِيمَ الطَّبَرِيُّ ، قَالَ : حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ الْحَجَّاجِ ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ، قَالَ حَدَّثَنَا عُمَرُ أَبُو حَفْصٍ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ ، عَنْ قَتَادَةَ : "هُدًى لِلْمُتَّقِينَ " ، هُمْ مَنْ نَعَتَهُمْ وَوَصَفَهُمْ فَأَثْبَتَ صِفَتَهُمْ ، فَقَالَ : ( الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ ) .
266 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ ، قَالَ : حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ ، قَالَ : حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ عُمَارَةَ ، عَنْ أَبِي رَوْقٍ ، عَنِ الضَّحَّاكِ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ : "لِلْمتقين " قَالَ : الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَتَّقُونَ الشِّرْكَ بِي ، وَيَعْمَلُونَ بِطَاعَتِي .
وَأَوْلَى التَّأْوِيلَاتِ بِقَوْلِ اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ ( هُدًى لِلْمُتَّقِينَ ) ، تَأْوِيلُ مَنْ وَصَفَ الْقَوْمَ بِأَنَّهُمُ الَّذِينَ اتَّقَوُا اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِي رُكُوبِ مَا نَهَاهُمْ عَنْ رُكُوبِهِ ، فَتَجَنَّبُوا [ ص: 234 ] مَعَاصِيَهُ ، وَاتَّقَوْهُ فِيمَا أَمَرَهُمْ بِهِ مِنْ فَرَائِضِهِ ، فَأَطَاعُوهُ بِأَدَائِهَا . وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَصَفَهُمْ بِالتَّقْوَى ، فَلَمْ يَحْصُرْ تَقْوَاهُمْ إِيَّاهُ عَلَى بَعْضِ مَا هُوَ أَهْلٌ لَهُ مِنْهُمْ دُونَ بَعْضٍ . فَلَيْسَ لِأَحَدٍ مِنَ النَّاسِ أَنْ يَحْصُرَ مَعْنَى ذَلِكَ ، عَلَى وَصْفِهِمْ بِشَيْءٍ مِنْ تَقْوَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ دُونَ شَيْءٍ ، إِلَّا بِحُجَّةٍ يَجِبُ التَّسْلِيمُ لَهَا . لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ صِفَةِ الْقَوْمِ - لَوْ كَانَ مَحْصُورًا عَلَى خَاصٍّ مِنْ مَعَانِي التَّقْوَى دُونَ الْعَامِّ مِنْهَا - لَمْ يَدَعِ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ بَيَانَ ذَلِكَ لِعِبَادِهِ : إِمَّا فِي كِتَابِهِ ، وَإِمَّا عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، إِذْ لَمْ يَكُنْ فِي الْعَقْلِ دَلِيلٌ عَلَى اسْتِحَالَةِ وَصْفِهِمْ بِعُمُومِ التَّقْوَى .
فَقَدْ تَبَيَّنَ إِذًا بِذَلِكَ فَسَادُ قَوْلِ مَنْ زَعَمَ أَنَّ تَأْوِيلَ ذَلِكَ إِنَّمَا هُوَ : الَّذِينَ اتَّقَوُا الشِّرْكَ وَبَرِئُوا مِنَ النِّفَاقِ . لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ كَذَلِكَ ، وَهُوَ فَاسِقٌ غَيْرُ مُسْتَحِقٍّ أَنَّ يَكُونَ مِنَ الْمُتَّقِينَ ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ - عِنْدِ قَائِلِ هَذَا الْقَوْلُ - مَعْنَى النِّفَاقِ : رُكُوبُ الْفَوَاحِشِ الَّتِي حَرَّمَهَا اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ ، وَتَضْيِيعُ فَرَائِضِهِ الَّتِي فَرَضَهَا عَلَيْهِ . فَإِنَّ جَمَاعَةً مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ قَدْ كَانَتْ تُسَمِّي مَنْ كَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ مُنَافِقًا . فَيَكُونُ - وَإِنْ كَانَ مُخَالِفًا فِي تَسْمِيَتِهِ مَنْ كَانَ كَذَلِكَ بِهَذَا الِاسْمِ - مُصِيبًا تَأْوِيلَ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ "لِلْمتقين " .
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : ( الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ )
267 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حُمَيْدٍ الرَّازِيُّ ، قَالَ : حَدَّثَنَا سَلَمَةُ بْنُ الْفَضْلِ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي مُحَمَّدٍ مَوْلَى زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ ، عَنْ عِكْرِمَةَ ، أَوْ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ : "الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ " ، قَالَ : يُصَدِّقُونَ .
268 - حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ عُثْمَانَ بْنِ صَالِحٍ السَّهْمِيُّ ، قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ ، [ ص: 235 ] قَالَ : حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ : "يُؤْمِنُونَ " : يُصَدِّقُونَ .
269 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، قَالَ : حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ الْحَجَّاجِ ، قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي جَعْفَرٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنِ الرَّبِيعِ : "يُؤْمِنُونَ " : يَخْشَوْنَ .
270 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبَدِ الْأَعْلَى الصَّنْعَانِيُّ ، قَالَ : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ ، عَنْ مَعْمَرٍ ، قَالَ : قَالَ الزُّهْرِيُّ : الْإِيمَانُ الْعَمَلُ .
271 - حُدِّثْتُ عَنْ عَمَّارِ بْنِ الْحَسَنِ قَالَ : حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنِ الْعَلَاءِ بْنِ الْمُسَيَّبِ بْنِ رَافِعٍ ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ ، عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ ، قَالَ : الْإِيمَانُ : التَّصْدِيقُ .
وَمَعْنَى الْإِيمَانِ عِنْدَ الْعَرَبِ : التَّصْدِيقُ ، فَيُدْعَى الْمُصَدِّقُ بِالشَّيْءِ قَوْلًا مُؤْمِنًا بِهِ ، وَيُدْعَى الْمُصَدِّقُ قَوْلَهُ بِفِعْلِهِ ، مُؤْمِنًا . وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : ( وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ ) سُورَةُ يُوسُفَ : 17 ، يَعْنِي : وَمَا أَنْتَ بِمُصَدِّقٍ لَنَا فِي قَوْلِنَا . وَقَدْ تَدْخُلُ الْخَشْيَةُ لِلَّهِ فِي مَعْنَى الْإِيمَانِ ، الَّذِي هُوَ تَصْدِيقُ الْقَوْلِ بِالْعَمَلِ . وَالْإِيمَانُ كَلِمَةٌ جَامِعَةٌ الْإِقْرَارَ بِاللَّهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ ، وَتَصْدِيقَ الْإِقْرَارِ بِالْفِعْلِ . وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ ، فَالَّذِي هُوَ أَوْلَى بِتَأْوِيلِ الْآيَةِ ، وَأَشْبَهُ بِصِفَةِ الْقَوْمِ : أَنْ يَكُونُوا مَوْصُوفِينَ بِالتَّصْدِيقِ بِالْغَيْبِ قَوْلًا وَاعْتِقَادًا وَعَمَلًا إِذْ كَانَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ لَمْ يَحْصُرْهُمْ مِنْ مَعْنَى الْإِيمَانِ عَلَى مَعْنًى دُونَ مَعْنًى ، بَلْ أَجْمَلَ وَصْفَهُمْ بِهِ ، مِنْ غَيْرِ خُصُوصِ شَيْءٍ مِنْ مَعَانِيهِ أَخْرَجَهُ مِنْ صِفَتْهِمْ بِخَبَرٍ وَلَا عَقْلٍ .

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|