الشرق والغرب منطلقات العلاقات ومحدداتها - الصفحة 5 - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         القاضي عبد البر ابن الشحنة الحلبي القاهري الحنفي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »          العطلة الصيفية الوقت بين العمار والإهدار (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 5 )           »          الكبر فى حياة بعض المتدينين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 5 )           »          صفحة من تاريخ اليمن السعيد مع الدولة العثمانية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 5 )           »          حِكَمٌ جَليلة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »          من سياسة المال في الإسلام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »          حدث في الثلاثين من رجب وفاة الإمام الشافعي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »          الإسلام في أفريقيا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 14 - عددالزوار : 1830 )           »          تأملات تربوية في سورة الحجرات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 8 )           »          جمالية ترجيحات الألوسي ومصطلحاته في تفسيره روح المعاني (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 5 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > القسم العلمي والثقافي واللغات > الملتقى العلمي والثقافي
التسجيل التعليمـــات التقويم

الملتقى العلمي والثقافي قسم يختص بكل النظريات والدراسات الاعجازية والثقافية والعلمية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 13-09-2024, 09:53 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 164,731
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الشرق والغرب منطلقات العلاقات ومحدداتها

الشرق والغرب
منطلقات العلاقات ومحدداتها
أ. د. علي بن إبراهيم النملة

(التغريب)


من محددات العلاقة بين الشرق والغرب مما يُعَدُّ امتدادًا لمحدد سابق حول الحقوق سَعيُ الغرب إلى تغريب المسلمين وغير المسلمين،وهناك وقفات مهمة حول توكيد الغرب على تبني الآخرين أفكاره ونظراته إلى الحياة والإنسان، فليس من المناسب أن ينصب اللوم كله على الغرب في دعوته هذه؛ لأنه يعبر عن موقف يقوم على أنه يرى مصلحته في أن يقود العالم ويهيمن عليه، ولن يقود هذا العالم إن لم يتمكن من صهر مفهومات العالم في بوتقة غربية؛ ذلك أن في المفهومات الأخرى من الرغبة في الاستقلالية والتميز والخصوصية الثقافية ما يحول دون تحقيق هذه الرغبة[1].

لا تزال كثير من الأمم الشرقية، كالصينية واليابانية والإسلامية، تتوجس من التبعية الثقافية للغرب، رغم أن أعدادًا من أبنائها نهلوا من المعرفة الغربية وعادوا إلى بلادهم يسهمون في بنائها، مع الحذر الشديد من التأثر بالأفكار التي قد يجلبونها معهم،وقد سبق القول: إن موريس بوكاي في كتابه المشهور "التوراة والإنجيل والقرآن والعلم" قد حذر من الوقوع في هذا التأثير، وركز على أولئك الطلبة الذين لا يدرسون العلوم فحسب، بل يدرسون الثقافة، ويعايشون مجتمعًا قام على النفرة بين العلم والدين[2].

تؤكد آمال قرامي في معرض حديثها عن أسباب ارتداد بعض الطلبة المسلمين الذين يتعرضون للتنصير وللأفكار التي فصلت بين العلم والدين بقولها: "ولا مناص من القول: إن البعثات الدراسية إلى الخارج يسرت عملية اندماج المسلم في المدنية الغربية، ومكنته من الاطلاع على ديانات مختلفة وحضارات متعددة، وأكسبته شيئًا من أساليب الحياة الغربية، ومن الاتجاه الغربي في التفكير والعلم والسلوك وما إلى ذلك،ومن ثمة صار "الارتداد" ممكنًا، خاصة إذا علمنا أن المبشرين كانوا حريصين على تتبع أحوال هؤلاء الطلبة، واستغلال حالة الوحدة والعَوَز التي يعاني منها أكثرهم، لفائدة تحقيق أغراض التبشير"[3].

أدى هذا الجو التغريبي إلى زعم الغرب أنه لم يتطور ويصل إلى ما وصل إليه إلا عندما تخلى عن الدين، بالتالي لم يتأخر المسلمون ويصلوا إلى ما وصلوا إليه من التخلف والتراجع الحضاري إلا بإصرارهم على التمسك بالإسلام[4].

هذا المنطق العلماني الغربي يتنافى مع المنطق التنصيري الذي يتفق معه في الجزء الثاني من هذا الادعاء، وهو أن المسلمين يتقهقرون بسبب تمسكهم بدينهم، بينما يتقدم الغرب عند المنصرين بسبب تمسكه بنصرانيته،إلا أن هذه الجدلية التنصيرية واهية لدى المسلمين؛ لِما يرونه من واقع عزل الدين عن الحياة.

تكمن الخطورة في جدلية العلمانية الغربية التي تصر على إبعاد الدين، وأنه سبب مباشر في الحد من التقدم والحضارة والنهضة والتنمية والتطور، وغيرها من المصطلحات التي تسعى إليها كل الأمم، بل وتدعيها بعض الأمم[5].

وهذا شكلٌ من أشكال التغريب الفكري الذي يُعَدُّ أخطرَ بكثير من التغريب الظاهري في الملبس والمأكل، وإن كان هذا في النهاية يجر إلى ذاك وأيِّ سلوك يأتي على حساب السلوك الأصيل، ويكون مستعارًا من ثقافة أخرى ينتج عنه في النهاية تجاهل الأصالة، واللجوء إلى الوقوع في السلوك والأفكار.

يقول مالك بن نبي في شروط النهضة: "لكل حضارة منتجاتها التي تتولد عنها، ولكن لا يمكن صنع حضارة بمجرد تبنِّي منتجات حضارة ما؛ فشراء ما تنتجه الحضارة الغربية من قِبل كافة دول العالم لم يجعلها تكسب حضارة أو قيمًا، فالحضارة ليست تكديس منتجات، بل هي فكرٌ ومُثُلٌ وقِيمٌ، لا بد من كسبها أو إنتاجها"[6]،ويعلق نعمان السامرائي على هذا بقوله: "وهذه قضية غائبة عن "المتغربة"؛ فمن يشتري منتجات حضارة أخرى، يتحضَّر شكلًا لا حقيقة، وهو لا يزيد عن كونه مستهلِكَ حضارةٍ، لا منتج حضارة"[7].

وإذا كنا في مسألة التغريب لا نحمِّل الغرب كل اللوم، فإننا نحن نتحمل كثيرًا من اللوم، عندما نرى بعض بني قومنا وبعض مؤسساتنا تتبنى أفكارًا غريبة في نظرتها للحياة،قد يعني هذا أن المسلمين أنفسهم لم يوفقوا في تقديم الإسلام تقديمًا حضاريًّا لا يتنافى مع معطيات الحضارة،ألا ترون أن لدينا بعضًا من "المجتهدين" الذي يتوقفون عند كل منجز حضاري، وربما رفضوه في البداية ثم عادوا فقبلوه وصاروا هم السباقين إلى الإقبال عليه؟ وذلك من منطلق أصولي خاطئ يقوم على فكرة أن الأصل في الأشياء المنع! وألا ترون أننا نشهد وقفات طويلة حول بعض الممارسات الحضارية التي لم نعهدها من قبل، فنختلف عندها من مبيحٍ ومن محرم لها؛ لما يترتب عليها من مفاسد، مع أن الأصل عندنا في الأشياء - لا سيما المعاملات - الإباحة؟

لعل هذا المنحى، وأمثلة كثيرة مثله، سببٌ من أسباب عزوف بعض أبنائنا ثم مؤسساتنا عن الأصالة والتأصيل، والجنوح إلى الغرب في النظر إلى معطيات الحضارة، وبالتالي الوقوع في شَرَك التغريب والحداثة بمفهومها الفكري الذي يمتد من المرء نفسه إلى المجتمع من خلال وقوف هذا الشخص أو ذاك في وجه التأصيل، والنظر إلى أصحابه على أنهم متخلفون، حتى أضحى مصطلح الرجعية من تلك المصطلحات التي يقصد بها الرجوع إلى الأصالة والتأصيل، ولكن من منظور سلبي يطلب الحذر منه وتجاوزه[8].

حملات التغريب ليست عفوية، بل هي مقصودة،وهناك شواهد من أقوال وممارسات تؤيد رغبة الغرب في تغريب العالم، هذا لأن الثقافة الغربية ليست بالضرورة مقبولة لدى أصحاب الثقافات الأخر[9] لأنها تتصادم مع الأعراق والأعراف والتقاليد والعادات والمكتسبات الثقافية الأخرى، بغض النظر عن مصدر هذه الثقافات.

مع هذا فقد وُجد في المجتمعات غير الغربية، ومنها المجتمعات الإسلامية، ممن اصطلحنا على تسميتهم بالتغريبيين، تلك الفئة التي أسهمت في التأثير على العلاقة بين الشرق والغرب بتبنِّيها الأفكار الغربية، ودعوتها إليها،هؤلاء الذين أضحوا مجال استغراب من الغربيين أنفسهم؛ إذ لم يتوقعوا منهم أن يكونوا بهذه الحدة والقوة والاندفاعية في الدعوة إلى تبني الأفكار الغربية، بحيث أضحوا غربيين أكثر من الغربيين أنفسهم.

يمكن أن تكون فكرة الدعوة إلى التغريب فكرة مقبولة، لو لم يقصد من ورائها أن تحل محل المبادئ والقيم والمُثل المستمدة من الثقافة القائمة على الشرع؛ فإنَّ رَفْضَ التغريب موقف مبرر، له ما يسوغه عندما تكرر الدعوة للرجوع إلى الأصل والدعوة إليه وإلى استفادة الآخرين منه.

هناك نماذج متعددة لأشكال التغريب تعود في جذورها إلى نهايات الخلافة العثماني[10]، وتعرج على عصر النهضة العربية التي انطلقت من كل من مصر والشام، لا سيما لبنان بشكل أوضح بالنسبة للشام، وربطها بالنهضة المصرية،وهناك أسماء معروفة لها جهودها في هذا المسار، وكانت لها إسهاماتها الفكرية في مجالات الفكر والسياسة والثقافة والأدب،ولا يسمح المجال في هذه الوقفة للتعرض لبعض الأسماء اللامعة في الدعوة إلى التغريب، ومن تبعهم مما يدخل في مفهوم التلمذة عليهم، وقد يبز التلميذ أستاذه،مع العلم أن المجال هنا هو طرح الأفكار من دون الغوص في التفصيلات، إلا إذا دعا المقام لذلك.

تقف الدعوة إلى التغريب حائلًا من عوائق قيام علاقة قوية بين الشرق والغرب،ويمكن أن يخف هذا الحائل إذا ما خفَّت الدعوة إلى التغريب من بعض الشرقيين أنفسهم،ويمكن أن يتم ذلك إذا ما تولد الاقتناع التام القوي بالمنبع الذي يملأ الفراغ الفكري عند بعض الشرقيين؛ولهذا الهدف خطوات طويلة المدى، ولكنها دائمًا تبدأ بالخطوة الأولى التي يظهر أنها قد بدأت.

[1] انظر: علي بن إبراهيم النملة،السعوديون والخصوصية الدافعة: وقفات مع مظاهر التميز في زمن العولمة - الرياض: مكتبة العبيكان، 1427هـ/ 2006م - ص 312.

[2]انظر: موريس بوكاي،التوراة والإنجيل والقرآن والعلم،بالإنجليزية - مرجع سابق - ص 253.

[3]انظر: آمال قرامي،قضية الردة في الفكر الإسلامي الحديث - تونس: دار الجنوب للنشر، 1996م - ص 49.

[4]انظر: رضوان السيد،مسألة الحضارة والعلاقة بين الحضارات لدى المثقفين في الأزمنة الحديثة - أبو ظبي: مركز الإمارات للدراسات والبحوث الإستراتيجية، 2003م - ص 9،(سلسلة: دراسات إستراتيجية: 89).

[5] انظر في مسألة الإسلام والعلمانية الفصل الحادي عشر من: عادل ظاهر،الأسس الفلسفية للعلمانية - ط 2 - بيروت: دار الساقي، 1998م - ص 327 - 359.

[6]انظر: مالك بن نبي،شروط النهضة - دمشق: دار الفكر، 1979م - ص 42.

[7]انظر: نعمان عبدالرزاق السامرائي،نحن والصديق اللدود: دراسة تحليلية للفكر الغربي وموقفه من الإسلام - مرجع سابق - ص 98 - 99.

[8]انظر: محمد سليم قلالة،التغريب في الفكر والسياسة والاقتصاد - دمشق: دار الفكر، 1408هـ/ 1988م - ص 240.

[9]انظر: أحمد عبدالوهاب،التغريب: طوفان من الغرب - القاهرة: مكتبة التراث الإسلامي، 1411هـ/ 1990م - ص 48.

[10]انظر: التغريب - ص 166 - 171 - في: نعمان عبدالرزاق السامرائي،نحن والصديق اللدود: دراسة تحليلية للفكر الغربي وموقفه من الإسلام - مرجع سابق - ص 185.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 13-09-2024, 09:55 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 164,731
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الشرق والغرب منطلقات العلاقات ومحدداتها

الشرق والغرب
منطلقات العلاقات ومحدداتها
أ. د. علي بن إبراهيم النملة

(الاغتراب)


من محددات العلاقة بين المسلمين والغرب وجود جاليات إسلامية مغتربة في المجتمعات الغربية، والمعلوم أن هجرات المسلمين للغرب قديمة جدًّا، إلى درجة أن الدكتورة إيفون حداد أستاذة التاريخ الإسلامي بجامعة مساشيوستس بالولايات المتحدة الأمريكية ترجع وجود المسلمين في أمريكا إلى ما قبل اكتشافها على يدي كريستوفر كولمبس[1].

تورد هذا الرأي في معرض حديثها عن الوجود الإسلامي في أمريكا، ومهما يكن من أمر فالوجود الإسلامي في أوروبا وأمريكا قديم، بدأ بالبعثات الدبلوماسية وبالهجرات التي أرادت اكتشاف الآخر، والدعوة إلى الإسلام، أو سعت إلى تحسين وضعها الاقتصادي، أو هربت من ظروف سياسية لم تكن تسمح لها بالاستمرار في مواطنها[2]، وكونت هناك مجتمعات صغيرة جدًّا، حاولت من خلالها الحفاظ على هويتها الإسلامية، لا سيما عندما كبر الأولاد بنين وبنات، فأقامت منتديات سمتها مساجد، وإن لم تكن بالضرورة مساجد، بل هي مصليات يذكر فيها اسم الله، وتقام فيها الصلاة والدروس الدينية واللغوية والمحاضرات واللقاءات والمناسبات الاجتماعية[3].

ثم توالى الوجود الإسلامي في القرن التاسع عشر الميلادي، الثالث عشر والرابع عشر الهجريين، بهجرات جديدة من شوام ومصريين وهنود، بالإضافة إلى وجود المسلمين الأفارقة الذين جلبوا إلى أوربا وأمريكا عبيدًا ليعملوا في المزارع والحقول، وغيرت أسماؤهم، ومن ثم هوياتهم، وجرى تنصيرهم، وبالتالي سُعِي إلى صهرهم بالثقافة الغربية القائمة على الخلفية النصرانية ولا شك، ثم سعوا إلى العودة إلى جذورهم، كما جسدتها رواية أليكس هيلي: الجذور[4].

ثم توالت الهجرات أيضًا في القرن العشرين الميلادي، الرابع عشر الهجري، وانصهر كثير من المسلمين في المجتمع الغربي، ولكنه الانصهار الذي لم يصل إلى إنكار الهوية الإسلامية، فزادت المساجد والمصليات والمراكز الإسلامية، وأقيمت الجمعيات المهنية الإسلامية، ووصلت إلى قيام تنظيمات ثقافية واجتماعية وسياسة واقتصادية وإعلامية، وأضحى للمسلمين بعض صوت في أوربا وأمريكا، وأضحى لهم شأن، ودخلوا في اللعبة السياسية.

تنبه أهل البلاد هناك لوجودهم وحسبوا لهم حسابًا، رغم أن الإعلام لم يوفق في إعطاء صورة صادقة للإسلام والمسلمين المحليين وغيرهم من مسلمي العالم، وأضحى الإعلام يشير بأصابع الاتهام للمسلمين عند أي عمل تخريبي إرهابي في العالم[5]، على ما سيأتي الحديث عنه في وقفة لاحقة.

لكن وجود المغتربين المسلمين في المجتمع الغربي لا يخلو من تأثير مهما ضعف، إلا أنه يُعَدُّ شكلًا مهمًّا من أشكال الحوار بين المسلمين والغرب، ومحددًا حيويًّا وفاعلًا من محددات العلاقة بين المسلمين والغرب؛ ذلك أن المسلمين الموجودين في الغرب رسموا صورة أوضح من الصورة التي قدمها الاستشراق والإعلام؛ لأنهم عملوا هناك، وكانت لهم علاقات اجتماعية، كما أنهم استخدموا في الوقت نفسه أسلوب الدعوة بالحكمة، ومنها القدوة في تطبيق الإسلام بالقدر الذي استطاعوا معه قانونيًّا التطبيق، بعد أن أدركوا أنهم ليسوا في مجتمع مسلم يطبق فيه الإسلام على جميع مناحي الحياة.

ليس المراد هنا إعطاء صورة غير واضحة للجالية المسلمة في الغرب تنحو منحى الإيجابية في العرض؛ إذ إن عليها ما عليها من ملحوظات تطرق لها الإعلام الإسلامي في وقفات مختلفة[6]، وناقشتها ندوات عن الأقليات والجاليات المسلمة، وكتب حولها ما كتب ويكتب[7]، ويمكن أن يعد الوجود الدائم لهذه الجاليات في مجتمعات غربية مؤشرًا من مؤشرات التلاقي بين المسلمين والغرب.

كلما تمسك المسلمون المغتربون هناك بإسلامهم قوي هذا المؤشر؛ لأنهم بهذا يُعَدُّون دعاة بالقدوة، والعكس صحيح؛ أي: كلما تخلى المسلمون في الغرب عن هويتهم الإسلامية وسعوا إلى الانغماس التام في الثقافة الغربية فقدوا قدرتهم على التأثير، وبالتالي فقدوا عنصرًا من عناصر وجودهم؛ لأن الغربيين لا يتوقعون منهم أن يتبنوا ثقافة مشكوكًا في صمودها، على حساب ثقافة صمدت مئات السنين، وما تزال كذلك، وستظل مهما تخلى بعض أبنائها عنها وهجروها إلى غيرها.

مع تنامي وجود الجاليات المسلمة في الغرب يتنامى الاعتراف بهم في هذه المجتمعات، على أنهم جزء فاعلٌ منها، لهم إسهاماتهم في مسيرة الحياة والتنمية هناك، ويمكن لهم أن يمثلوا الجانب المشرق في النظرة إلى الأشياء في مجتمعات أضحت تتعطش إلى الفضيلة، بعد أن ملت الغَواية، وأدركت أن الحرية مهما تشبثت بها الأمم إلا أنها هي ذاتها تحتاج إلى تقييد بالمثل والمبادئ التي تكفل الاستمتاع بها على مستوى الأفراد والجماعات[8].


[1] انظر: إيفون يزبك حداد/ محررة، المسلمون في أمريكا - القاهرة: مركز الأهرام للترجمة والنشر، 1415هـ/ 1994م، ص 303.

[2]انظر: المؤثر الثالث: الوجود الإسلامي - ص 75 - 95 - في: علي بن إبراهيم النملة، مجالات التأثير والتأثر بين الثقافات: المثاقفة بين شرق وغرب - مرجع سابق - ص 179.

[3] انظر: في الوجود الإسلامي في أمريكا: محمد عبده يماني، المسلمون السود في أمريكا: القصة كاملة - جدة: المؤلف، 1427هـ - ص414، وانظر أيضًا: عبدالرزاق بن حمود الزهراني، المسلمون في الولايات المتحدة الأمريكية: دراسة ميدانية - الدمام: دار الذخائر، 1421هـ / 2000م - ص 232، وانظر كذلك: أحمد يونس، المسلمون الأمريكيون: أقسم أن أقول الحق/ ترجمة نشأت جعفر - القاهرة: مكتبة الشروق الدولية، 1424هـ/ 2003م - ص 64، وانظر كذلك: التقرير الذي نشرته نشرة أصفار بعنوان: أوسع دراسة عن الوجود الإسلامي في الولايات المتحدة الأمريكية: صيرورة المستقبل من "أمة الإسلام إلى مرحلة الإخوان المسلمين" إلى عصر المؤسسات والجامعات" - أصفار - مرجع سابق - ص 1 - 8.

[4] انظر: أليكس هالي، الجذور: كونتا كينتي/ أعدها بتصرف عن القصة الكاملة خليل حنا تدرس - القاهرة: مطبعة مصر، 1991م - ص 176، والنسخة الأصلية باللغة الإنجليزية أكثر وضوحًا.

[5] انظر: فواز جرجس، أمريكا والإسلام السياسي - مرجع سابق - ص 362.

[6] انظر: أحمد موصللي، حقيقة الصراع: الغرب والولايات المتحدة والإسلام السياسي - (بيروت): عالم ألف ليلة وليلة، 2003م - ص 213.

[7] انظر: الندوة العالمية للشباب الإسلامي، الأقليات المسلمة في العالم: ظروفها المعاصرة - آلامها - آمالها، (أبحاث ووقائع المؤتمر العالمي السادس للندوة العالمية للشباب الإسلامي المنعقد في الرياض في الفترة من 12 - 17 جمادى الأولى 1406هـ الموافق 22 - 23 يناير 1986م) - 3 مج - الرياض: الندوة، 1408هـ/ 1987م - ص 1431.

[8] انظر: في جانب من جوانب الفضيلة، وهو ما يتعلق بشأن المرأة: بكر بن عبدالله أبو زيد، حراسة الفضيلة - ط 4 - الرياض: دار العاصمة، 1421هـ/ 2000م - ص 200.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 20-11-2024, 01:47 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 164,731
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الشرق والغرب منطلقات العلاقات ومحدداتها

الشرق والغرب
منطلقات العلاقات ومحدداتها
أ. د. علي بن إبراهيم النملة


(العلمنة - تغييب النصوص )


يمر على الأمة حينٌ من الدهر تُضحي فيه نهبًا للآخر، بأي شكل من أشكال النهب السياسي والاقتصادي والعسكري والديني والثقافي، وتكون في هذا مسلوبة الإرادة، مغلوبة على أمرها، لا تستطيع دفاعًا عن نفسها، فيتقلص نفوذها، ويضمحل تأثيرها، ويهرب منها أبناؤها باحثين عن فكر الآخر وثقافته، على اعتبار أن المغلوب - على رأي عبدالرحمن بن خلدون - يتبع الغالب، والأمة حينها مغلوبةٌ على أمرها[1].

من أخطر أنواع النهب: أن تنهب الأمة في دينها الذي هو منبع ثقافتها، فيفرض عليها من الغالب أن تحور في دينها، ليس مباشرةً، ولكن بإغفال ترديد النصوص التي تبين حقيقة الآخر (غير المسلمين)، الحقيقة التي نزل بها الوحي، ولا يمكن أن تكون مقصورة على زمان أو مكان، بل هي ملازمة لهذا الآخر، والإيمان بها جزء من الإيمان بهذا الدين، وهي تدخل في أصل الاعتقاد.

إغفال النصوص التي تبين هذه الحقيقة فيه تدخل في المعتقد، وتغييب لأصل من أصوله، مما يؤثر على الإيمان، فيؤدي إلى الموالاة، في الوقت الذي تدعو فيه النصوص إلى البراءة من الآخر، إذا انطبق عليه ما ينطبق على ما يجب البراء منه.

الذي يبدو أن مفهوم البراء نفسه غير واضح في أذهان بعض الذين يثيرونه بين الفينة والأخرى، مما أدى إلى الدعوة إلى تناسي النصوص التي تؤكد عليه والتغافل عنها؛ذلك أن البراء لا يشمل - فيما يبدو - المقاطعة بكل أشكالها، وإعلان الحرب على الآخر ورفضه باسم البراء أو بحجة البراء.

الذي يظهر - كذلك - أن مصطلح الولاء والبراء لم يتم التركيز عليه بهذه الصورة وبهذه القوة على الساحة الإسلامية إلا في الآونة الأخيرة، وبنبرة سياسية، وإن كان المسلمون يرددون آيات الولاء والبراء، لا سيما في مطلع سورة التوبة منذ زمن غير قصير[2]،وهذا أمر يحتاج إلى بحث؛ إذ إنه لا يطرح على أنه من المسلمات،وهناك محاولات لتغييب مثل هذه النصوص.

لم يقتصر العمل في تغييب النصوص على هذا الجانب، بل إن هناك أصلًا لدى الآخر بتغييب تلك النصوص التي تتعلق بزرع دولة يهودية في قلب الأمة، وأصبح كثير منا الآن يدعوها إسرائيل،وهناك رغبة - كذلك - في تغييب النصوص التي تتحدث عن اليهود عمومًا،والنصوص التي تتحدث عن اليهود لا تتحدث عنهم بإيجابية؛ ولذا تظهر الدعوة إلى تغييبها كلها.

السؤال المطروح هنا يتعلق بمدى جدوى تغييب النصوص ومدى نجاح هذا التغييب، ما دام له علاقة مباشرة وقوية بأصل الاعتقاد الوارد لدى المسلمين بالذكر، ويؤمن المسلمون جازمين أن الذكر محفوظ، وحفظه يعني فيما يعني تطبيقه على الواقع؛قال الله تعالى: ﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ﴾ [الحجر: 9].

اللوم كله لا يقع على الآخر الذي يحاول هذه المحاولات في تغييب النصوص؛ لأنه بذلك يدافع عن وجوده الذي لا يقوم إلا بتغييب كل النصوص، وإنما ينصبُّ اللوم جلُّه على أولئك الذين يستجيبون لهذه المحاولات، وينصبُّ على لوم أهل الزمان الذين وصلوا في حين من الزمان إلى أن يكونوا أداةً تغيَّب بها النصوص،وهو زمان لن يدوم طويلًا، ولكنها مرحلة من المراحل التي تمر بها الأمة، وقد مرت بها من قبل،وهي الآن تحاول الخروج منها، مع ما يتطلبه الخروج من تمحيص يقتضي هذا الوضع الذي نحن فيه على مختلف الصعد.

هذه دعوة إلى إدراك هذه النقطة المهمة المتعلقة بمحاولات تغييب النصوص، في الوقت الذي نسعى فيه إلى التنبيه إلى هذه المحاولات، ونؤكد على خطورتها، ونعمل على إيقافها في دور التربية والمراكز الفكرية والأدبية، وغيرها من بيوت الحكمة التي تتعامل مع العقل.
============================
[1] انظر في النهب الاقتصادي والسياسي: جان زيجلر،سادة العالم الجدد: العولمة، النهابون، المرتزقة، الفجر - مرجع سابق - ص 304.

[2] انظر: محمد بن سعيد بن سالم القحطاني،الولاء والبراء في الإسلام من مفاهيم عقيدة السلف - مرجع سابق - ص 476.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 20-11-2024, 01:49 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 164,731
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الشرق والغرب منطلقات العلاقات ومحدداتها

الشرق والغرب
منطلقات العلاقات ومحدداتها
أ. د. علي بن إبراهيم النملة


(العلمنة - الانبهار)




من جميل ما يتابع المتابع: هذا الحوار القائم الآن بين الشرق والغرب، الذي أخذ أشكالًا متعددة من أساليب الحوار، فهناك الحوار العلمي من خلال البعثات العلمية التي انتقلت من الشرق إلى الغرب، فتعلمت هناك العلم، فعادت إلى بلادها وهي تحمل معه بعض المثل التي لا تتفق كلها بالضرورة مع المثل التي يتمثلها الشرقيون.

هناك الحوار الثقافي الذي كان من نتائج الحوار العلمي، ولم يكن فقط نتيجة له؛ لأن هناك من تأثر بالشرق من الغربيين، فتوجه إليه بالرحلة والقراءة والكتابة والرأي.

كما أن هناك من انبهر بالغرب من الشرقيين ثقافيًّا؛ فحفظ أقوال الغربيين الكثر، من علماء النفس والاجتماع والفلسفة وغيرها، فأضحينا نسمع عن هؤلاء مقولات تنسب إلى ديكارت وكانت وماكس فيبر وجوته ونتشة وكارل ماركس وهيغل وجان بول سارتر وجان جاك روسو وفولتير ودوركايم ورينان وتوجي وبرنارد شو، والقائمة طويلة،ومعظم هذه الأسماء قد رسخت هذه الفجوة بين الشرق والغرب، وأنهما لا يلتقيان، لا سيما أفكار هيغل التي تصدى لها، أو لمعظمها، كارل بوبر في كتابه المجتمع المنتفخ وأعداؤه، حيث أصبحت فلسفة هيغل جديرةً بالاهتمام والتحليل، بسبب نتائجها المشؤومة - حسب قول بوبر - التي شخصت العالم بثنائية توحي بأنها متناقصة، بل متناحرة من منطلق "نظام البديهات" التي ركز عليها هيغل في كتاباته.

إذا كان الغرب غربًا واحدًا فإنه "لم يعد هناك وجود للغرب بالمعنى الجغرافي والأنثروبولوجي للكلمة؛ لأن الثقافة الغربية "فرنجت" العالم، ومن ضمنه المجتمعات الشرقية، حيث المعارضة للهيمنة الغربية هي الأكثر احتدامًا"، كما يقول جورج قرم في كتابه شرق وغرب: الشرخ الأسطوري[1].

كذا الشرق بالنسبة للغرب لم يعد شرقًا واحدًا؛ فهناك الشرق الأدنى والشرق الأوسط والشرق الأقصى،والشرق الأوسط هو الذي تعرض لألوان من الحوار، كان منها الحوار الحربي، حينما وصلت الفتوح الإسلامية مشارفَ فرنسا غربًا، ثم مشارف فينَّا عن طريق الشرق، بل وصلت إلى جبال الألب[2]، وتخللتها الحروب الصليبية التي كانت موجهة إلى منطقة الشرق الأوسط، ثم زُرِعَت دولة قومية أو وطن قومي لليهود في فلسطين المحتلة، ليستمر هذا النوع من الحوار العنيف بين الشرق والغرب.

ثم في الشرق الأقصى برزت فكرة "الخطر الأصفر"، حين أعلن الغرب هذا الشرق عالمًا غريبًا،ويتجلى هذا مثلًا في الصورة الساخرة والمهينة التي رسمها الأدب الغربي الشعبي لليابانيين والصينيين "قصيري القامة"، ذوي الوجوه الصفراء، والأسنان البارزة، والقامات المنحنية، والنفوس التي يكتنفها الخداع والغموض"،ولم يسكت "الشرق أقصويون" عن هذا، فبادلوا الغربيين باحتقار مماثل؛ إذ إن الصينيين واليابانيين "يرون في الإنسان الغربي الأبيض نموذجًا للبربري المبتذل والغضوب وغير القادر على التحكم بمشاعره، والذي يريد بأي ثمن فرض دينه وتجارته"،كما ينقل جورج قرم في الشرخ الأسطوري[3].

إلا أن الخطر الأصفر قد بدأ في الزوال منذ أكثر من خمسين سنة مضت بعد أن حقق الشرق الأقصى إنجازات باهرة في المجال الاقتصادي، لا سيما اليابان، والآن ماليزيا والصين وكوريا[4].

يمضي جورج قرم في تحليل هذا المفهوم الذي فرض حائطًا كبيرًا وطويلًا بين الشرق والغرب، بما في ذلك تقسيم العالم إلى آريين وساميين، على طريقة إرنست رينان وجورج دوميزيل وميرسيا إلياد، مع إعطاء كل جنس خصائصه،ومن المتوقع أن يصدر هذا التصنيف العرقي عن إرنست رينان المتقدم زمنيًّا، وكذلك يصدر من نظرة جون كافن في تصنيفهما للساميين، وكونه ليس إيجابيًّا، بينما يتمتع الآريون بسمات القدرة على العيش والتحضر والتفكير ونحوها من مقومات الحياة[5].

هذا الشرخ الأسطوري نما وترعرع في ضوء هذا الحوار العنيف، وتكرر طرحه حتى صدقه الناس إلى حد كبير، لكنه لم يكن صحيحًا، ولن يكون صحيحًا مهما قيل عنه ذلك؛ إذ إن الشواهد الحضارية ومشاركة الأجناس الشرقية والإفريقية في بناء هذه الحضارة الحديثة لدليلٌ "أنثروبولجي" قويٌّ على دحض هذا التوجه، على ما يقوم به علماء وفلاسفة غربيون، ناهيكم عن الشرقيين، أمثال إدوارد سعيد وجاك ج.شاهين وريجيس دوبريه ويورغن هابرماس وإربك هوسباوم ونعوم تشومسكي[6]، وغيرهم كثير.

ليس من المصلحة في هذه المنطقة، وهي تتبنى دينًا عظيمًا، أن يُعمَّق مثل هذا الحوار العنيف الذي يزيد من هذا الشرخ، ويضخم الفجوة؛ فإن الحوار مع الآخر ينبني على أن الناس مخلوقون من ذكر وأنثى، وأنهم جُعلِوا من الله تعالى شعوبًا وقبائل لتتعارف، وتبقى الأفضلية بينهم مرهونة بالتقوى؛ قال الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ﴾ [الحجرات: 13].
================================
[1] انظر: جورج قرم،شرق غرب: الشرخ الأسطوري - مرجع سابق - ص 43.

[2] انظر: محمد السماك،عندما احتل المسلمون جبال الألب - التسامح - ع 13 (شتاء 1426هـ/ 2006م) - ص 254 - 280.

[3] انظر: جورج قرم،شرق وغرب: الشرخ الأسطوري - مرجع سابق - ص 43.

[4] انظر: مهاتير محمد وشنتارو إيشيهارا،صوت آسيا: زعيمان آسيويان يناقشان أمور القرن المقبل - بيروت: دار الساقي، 1998م - ص 125،وانظر كذلك: مهاتير محمد،خطة جديدة لآسيا - ترجمة فاروق لقمان - دار الإحسان: بيلاندوك للنشر، د.ت - ص 230.

[5] انظر: حسن الباش،صدام الحضارات: حتمية قدرية أم لوثة بشرية؟ - دمشق: دار قتيبة، 1423هـ/ 2002م - ص 25 - 28.

[6] انظر: نعوم تشومسكي،الدول المارقة: حكم القوة في الشؤون الدولية/ ترجمة محمود علي عيسى - دمشق: نينوى للدراسات والنشر والتوزيع، 2003م - ص 274.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 22-01-2025, 11:06 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 164,731
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الشرق والغرب منطلقات العلاقات ومحدداتها

الشرق والغرب
منطلقات العلاقات ومحدداتها
أ. د. علي بن إبراهيم النملة



(العلمنة - الإفلاس)


في ضوء الحديث عن العلمنة محدِّدًا من محددات العلاقة بين الشرق والغرب وكون العلمنة نبتت في الغرب، وجرت محاولات تصديرها إلى الشرق والعالم على أنها من معطيات الحضارة الغربية، هناك من يتحدث عن قرب إفلاس الحضارة الغربية، ويرى أنها مسألة متحققة، من دون أن تكون هناك قدرةٌ على التوقيت، فوقت الإفلاس ليست مسألة قابلة للتخمين، رغم أن هناك من يعطي عقدًا من الزمان يتحقق فيه ذلك.

سبب التأكد من تحقق الإفلاس أن هذه الحضارة قامت على المادة على حساب المُثل، والإنسان مُثُل ومبادئُ قبل أن يكون مادة،وأن الإنسان يتحقق بالمثل والمبادئ أولًا ثم تتحقق الماديات، فليس هناك إغفال للماديات، ولكن المؤسف أن المادة هي التي طغت، مما يؤذِن بالإفلاس،وفي تضاؤل المثل والمبادئ في المجتمع الغربي وفي أي مجتمع تهون النفس، ويهون الشرف، ويهون العِرض، وتختلط الأنساب، وتفشو الأمراض، وتتصدع الأسر، وتخرب البيوت، ويضيع المجتمع؛ فيضيع الناس؛ فيفسد الكون.

هو ضياع غير معلن وغير معترف به مباشرة، وإنما هو مسوغٌ بالحرية الفردية، بما في ذلك الحرية في التحايل على الحصول على الذرية، واحتدامها مع القوانين الموضوعة، رغم أن هناك صرخاتٍ مدويةً من المربين والمفكرين، ولكنها صرخاتٌ غير مسموعة إلا من قلة قليلة من الناس ضئيلة التأثير؛ ذلك أن صرخاتهم تخاطب العقل، بينما الشهوة تخاطب القلب والعاطفة،وعلينا أن ندرك أن الفطرة مولودة مع الإنسان، وأنه ميالٌ إليها، باحث عنها، مستعد للتخلص مما ينافيها ويناقضها.

في سبيل ذلك تقع المسؤولية على الذين يدركون هذه الفطرة ويسيرون عليها ويوجهونها التوجيه الصحيح،فليس من المصلحة التفرج على هذا الإفلاس في الحضارة الغربية من دون تقديم البديل المناسب، الذي نعتقد أنه يمكن أن يحقق التناسب بين المثل والمبادئ والماديات، ويوازن بين طلبات العقول وطلبات القلوب، فلا يهمل بعضها على حساب بعض، ولا يسلط بعضها على بعض.

يتحقق ذلك في الإسلام الذي يحتاج من أهله إلى التطبيق الصحيح عقيدة وعملًا وممارسات أولًا، ومن ثم يقدم للآخر بالحكمة عن طريق القدوة أولًا، ثم عن طريق وسائل التقديم الأخرى،ومن دون إبراز مفهوم الحكمة والقدوة لا يمكن تقديمه للآخر؛ لأن فاقد الشيء لا يعطيه.

من وسائل القدوة أن تنتشر الدعوة ومراكز الفكر ومؤسسات العناية بمصادر التشريع الإسلامي المتمثلة بالقرآن الكريم والسنة النبوية والمصادر الأخرى المعروفة لدى ذوي الشأن ومدارسها في طول البلاد الإسلامية وغير الإسلامية وعرضها، وتقوم هيئات القطاع الثالث المعنية بهذا الشأن، ويشرف عليها هيئة علمية عالية عرفت بخدمتها للإسلام وعلومه واستمرارها في الرغبة في رعاية هذه المؤسسات والهيئات؛ إذ كان الجامع الأزهر وجامعته بمصر وجامعة الزيتونة بتونس وجامعة القرويين بالمغرب والجامعة الإسلامية وجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالمملكة العربية السعودية وغيرها من الجامعات في الهند وباكستان ومدارس ومراكز إسلامية في الشرق والغرب، تقوم بهذه المسؤولية على خير وجه، وترعاها الدولة ويتابعها مديروها والمسؤولون فيها.

من وسائل الحكمة والقدوة أن يقيض في الأمة من يتابع أبناءها ويشجعهم على الإسهام في ترسيخ مفهوم الذكر المحفوظ؛ فقد أراد الله تعالى له أن يحفظ نصًّا وروحًا خاليًا من التحريف والعبث الذي أراده الله تعالى للكتب السماوية السابقة عليه.

ليس أجمل من أن تتآزر المؤسسات العلمية الأكاديمية شرق المعمورة وغربها وشَمالها وجنوبها مع المؤسسة التي أنيطت بها العناية بالشؤون الإسلامية في هذه الدنيا؛ تتآزر على العناية بشؤون الإسلام بالطاقات العملية، وبالقرار الإداري، وبالدعم المستمر من القيادات السياسية، ومن الموسِرين،ويتطلَّب هذا قدرًا من الإرادة والاقتناع.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 22-01-2025, 11:07 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 164,731
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الشرق والغرب منطلقات العلاقات ومحدداتها

الشرق والغرب
منطلقات العلاقات ومحدداتها
أ. د. علي بن إبراهيم النملة

(العلمنة -النظام التربوي)



كانت الوقفة السابقة عن إفلاس الحضارة الغربية صدًى لما يجري الآن في الاحتيال على جلب الأطفال إلى الدنيا، باستخدام الاكتشافات العلمية في مجالات (هندسة الجينات)، أو في مجالات أخرى قد لا تخضع للعلمية، بقدر ما هي في ميزاننا نحن، ميزان الفطرة، منافيةٌ للخلق، مثل استئجار امرأة تحمل لعائلة surregate mother لا تستطيع الزوجة فيها الحمل، أو ربما لا تهوى هي الحمل؛ لرغبتها في مواصلة طموحاتها العملية خارج المنزل، وبعيدًا عن هموم الحمل والولادة والرضاعة.

ومثل إتيان الأب ابنته أو الولد أخته أو الابن أمه للشكوك في أن يكونوا كذلك في نسبتهم لبعضهم البعض، ومثل زواج المثليين،هي صورٌ وحالاتٌ كانت شاذةً، ولكنها - مع الأسف - شاعت بشكل يقشعر لها البدن، ولكنه واقع، ووقوعه ليس بحالات فردية؛ إذ الحالات الفردية قد تقع في أي مجتمع، حتى ذلك المجتمع الذي يَعُدُّ نفسه متحضرًا أخلاقيًّا، بفعل المنهج الرباني الذي يسير عليه، فإن مسببات زوال العقل مؤقتًا موجودة، مثل الخمور والمخدِّرات والانفصام، وبزوال العقل تمارس بعض الأفعال المنافية للفطرة والعقل السليم، وبالتالي فهي منافية للدين.

والإفلاس الحضاري يأتي من تسيب النظام التربوي أولًا، ثم النظم الاجتماعية، بما فيها العقوبات والحدود ونحوها، فقد بلغت الحضارة الغربية مبلغًا في هذا التسيب، أدى إلى بروز هذه الظاهرات بشكل مخيف يدعو إلى إعادة النظر في كل أساليب الحياة، ومنها المناهج التربوية التي ظهرت لها صيحة تحت عنوان: أمة معرضة للخطر[1]، كما ظهر كتاب الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر بعنوان: قيمنا المعرضة للخطر[2]، قيل فيها: إنه لو فرضت هذه المناهج على الولايات المتحدة الأمريكية من بلاد أخرى متسلطة عليها، لطلب من حكومة هذه البلاد التصرف عقابيًّا، وبسرعة، على هذه البلاد الفارضة، وبكل قسوة.

والحرية الفردية المفرطة والحرية الفكرية المفرطة قد تكون من مسببات هذا الإفلاس الحضاري،ولا يعجب المرء أن يأخذ بعض الحوادث ليدلل بها على نتيجة يريد أن يصل إليها.

ولا يريد المرء الإفلاس لأي أمة من البشر، ولكنه رد الفعل أحيانًا، لتنبيه بعض المتأثرين بحضارة الآخر، المنبهرين بما حققته وتحققه من إنجاز مادي نال الإعجاب من كل المنصفين،ورد الفعل هذا لا يسعى إلى أن ترفض الحضارة الغربية بحسناتها وسيئاتها، ولكنه يسعى لأن يؤخذ من هذه الحضارة الحسنات، وتترك السيئات،إلا أن الواقع أن هناك خلطًا بين الحسنات والسيئات، كما أن هناك ميلًا إلى تصدير السيئات، ومحاولة الإبقاء على الحسنات.

ومنا من يعيش في الغرب أيامًا أو شهورًا أو سنواتٍ، ولكنه لا يتعمق في الحياة، ولا يعايش المجتمع، ولا يظهر له إلا ما هو منجز ماديًّا، وتخفاه العلاقات الأسرية والاجتماعية والزوجية، ولا يتعرض لها إلا بالقدر الذي ينشره الإعلام عنها، والإعلام الترفيهي لا يعكس الصورة الحقيقية عن المجتمع الغربي، فيأتي العائد من الغرب متغربًا طالبًا تطبيق ذلك النموذج على الحياة في محيطه الذي عاد ليخدم فيه ظانًّا أن هذا النمط هو الذي أوصل تلك الأمة إلى ما وصلت إليه، وأن عدم تطبيق هذا النمط هو الذي أوصل أمته إلى ما وصلت إليه من سوء.

إنها بهذه السطحية وبهذه البساطة تتخلل حياتنا شيئًا فشيئًا؛ فالنموذج لا يطبق بين يوم وليلة، ولا توضع له خطة زمنية، ولكنها المؤثرات التي تدخل المجتمع خطوة خطوة، حتى يضيِّع المجتمع ما لديه من مُثُل ومبادئ، في الوقت الذي لن يوفق فيه في تبني مُثُل الآخر ومبادئه؛ لأنهم هم صدَّروها رغبة عنها لا رغبة في تحضير الآخرين بها،ومن هنا يأتي الموقف السلبي من الإفلاس الحضاري، بغض النظر عن الوجهة التي جاء منها.

لا بد من التوكيد هنا على الابتعاد عن الشماتة، وضرورة العيش في مستوى المسؤولية التي يحملها المجتمع المسلم لكل المجتمعات الأخرى، بعد أن يبدأ هذا المجتمع بنفسه، ليملك حينئذٍ ما يستطيع تقديمه للآخر، وقد قيل من قبل: إن فاقد الشيء لا يعطيه.

[1] انظر: مكتب التربية العربي لدول الخليج،أمة معرضة للخطر - الرياض: المكتب، 1404هـ/ 1984م - ص 70.

[2] انظر: جيمي كارتر،قيمنا المعرضة للخطر: أزمة أمريكا الأخلاقية/ نقله إلى العربية محمد محمود التوبة - الرياض: مكتبة العبيكان، 1422هـ/ 2007م - ص 224.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 05-03-2025, 01:17 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 164,731
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الشرق والغرب منطلقات العلاقات ومحدداتها

الشرق والغرب
منطلقات العلاقات ومحدداتها
أ. د. علي بن إبراهيم النملة



(العولمة - الالتفات)


بدا في الوقفة السابقة أن أوليفييه روا مشروع مستشرق، وأنه ينبغي العناية به؛ رغبةً في الإسهام في تصحيح الصورة عن الإسلام والمسلمين؛ ذلك أن هذا المستشرق المنتظر يتسم بالسعة في الاطلاع، وإن كانت معظم معلوماته في كتابه هذا "عولمة الإسلام" معلومات إعلامية طغى عليها البعد السياسي مع التركيز القوي على ضواحي باريس، ومن يسكنها من مسلمين ينتمون إلى الطبقة البرجوازية، وتكثر بينهم المشكلات، وكأنهم - على حد عرضه - يعيشون على هامش المجتمع الباريسي[1].

على أي حال، فلا بد من التعاطي مع جميع المستشرقين والإعلاميين الذين يتناولون قضايا المنطقة من بعد، بناءً على عدد من الانطباعات المستقاة من قراءات أترابهم، دون أن تطأ أقدامهم بالضرورة الأرض التي يتحدثون عنها والناس الذين هم مناط الحديث،وهذا ديدن أولئك الذين كثرت كتاباتهم أخيرًا عن المنطقة خاصة، وعن العالم الإسلامي عامة،وقليل منهم من يعايش موقعًا من المواقع التي يتحدث عنها، وإذا عايش موقعًا خرج منه بانطباعات بنى عليها أحكامًا تعميمية لا تصدُقُ بالضرورة على جميع المجتمعات، وخلط فيه بين السلوكيات الاجتماعية المتوارثة والممارسات الدينية التي تعود إلى أصل شرعي.

مهما يكن من أمرٍ، فإن الإسراع في تبني هذه الفئة والإقبال عليها بالدعوة لها لمعايشة الواقع والالتقاء بالعلماء والمفكرين قمِينٌ بأن يعطي صورة أكثر وضوحًا، كما أنه حري بأن يقطع الطريق على أولئك الذين يتسارعون في الإفادة من هذه الفئة في ترسيخ العداوة للإسلام والمسلمين، كما عملوا مع المستشرق البريطاني الأصل الأمريكي الجنسية والإقامة الدكتور/ برنارد لويس، الذي أعلن صراحة صهيونيته ويهوديته حالما حط الرحال في جامعه برنستون في ولاية نيوجرسي في الشرق الأمريكي.

مما يؤخذ على المنتديات والمؤسسات الفكرية العربية والإسلامية محدودية الالتفاف على هذه الفئة والتأخر في ذلك.

ومما يذكر هنا أن المهرجان الوطني للتراث والثقافة (الجنادرية) في المملكة العربية السعودية قد تنبه لهذه الفئة، فاستدعى عددًا ممن كانت لهم إسهامات فكرية سلبية ضد الإسلام والمسلمين من المستشرقين والإعلاميين الغربيين، فكان أن دعا فرد هاليداي والسموءل هنتجنتون وفوكوياما وغيرهم، كما فعل قبل ذلك الملتقى الفكري الإسلامي الذي كان يعقد في الجزائر سنويًّا؛ إذ كان يدعو رهطًا من المستشرقين يحاورهم علماء المسلمين ويحاورونهم، مما نتج عنه تفاعل علمي وفكري أسهم في تقديم صورة معتدلة عن هذا الدين القويم.

وعليه، فإن الحماس لأوليفييه روا لا يأتي من منطلق أنه مشروع مستشرق منصف فحسب، بل لأن مثل هؤلاء يستقطبون، وإلا فكتابُه فيه مغالطات صريحة وواضحة يمكن الوقوف عليها بسهولة، وكذلك نزوعه إلى المعلومة الإعلامية السريعة - كما مر ذكره.

وقد أسهمت المترجمة لارا معلوف في شيء من الغموض في ذكرها للمصطلحات والشخصيات الإسلامية، فبالرغم من أن جهدها في الترجمة جهدٌ رائعٌ في مدة محدودة؛ إذ صدر الكتاب سنة 2002م/ 1422هـ بالفرنسية وانتهت من ترجمته ونشره سنة 1423هـ/ 2003م، إلا أنها لم توفق في معرفة المصطلحات الشرعية، مثل فرض العين وفرض الكفاية؛ إذ تعبر عن ذلك بأنه فرض فردي أو واجب جماعي، وجامع مكة، والمراد الحرم المكي الشريف، ودار الأرقام؛ أي: دار الأرقم بن أبي الأرقم، وجزر المولوك؛ أي: جزر الملوك، والشنكيتي؛ أي: الشنقيطي، والبراق؛ أي: البراك، وكون نصر الدين الألباني سعوديًّا دون التعليق في الهامش، والعقلة؛ أي: العقلا، وهذه كلها أسماء معروفة.

كان يمكن أن يتأكد منها بالسؤال لأهل الذكر، ومع هذه الملحوظة المنهجية تظل الترجمة سلسة أسلوبًا، صحيحة لغة، أعانت على الاسترسال في القراءة،ولا يتسع المجال لمزيد من الوقوف على أفكار الكتاب بما فيه العنوان، "عولمة الإسلام"؛ إذ إن لتلك وقفاتٍ تطول، بما في ذلك الاسترسال في الحديث عن العولمة وارتباطاتها الثقافية والاقتصادية التي لم تركز عليها هذه الوقفات، على اعتبار أنها محدد قوي من محددات العلاقة بين الشرق والغرب، وإنما جاء ذلك عرضًا في ثنايا الحديث عن المحددات كلها، ومما حفلت به المكتبة العربية من إنتاج عربي أصيل أو مترجم.

[1] انظر: أوليفييه روا،عولمة الإسلام - مرجع سابق - ص 222.





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 29-04-2025, 04:03 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 164,731
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الشرق والغرب منطلقات العلاقات ومحدداتها

الشرق والغرب
منطلقات العلاقات ومحدداتها
أ. د. علي بن إبراهيم النملة



(أوريانا فلاتشي)

وهذه وقفة أخرى حول كتاب "الغضب والاعتزاز" للكاتبة الروائية الصحفية الإيطالية أوريانا فلاتشي، التي توفيت في فلوانسا مسقط رأسها يوم الخميس ليلة الجمعة 21/ 8/ 1427هـ الموافق 15/ 9/ 2006م عن سبعة وسبعين عامًا، وقد ذكرت الأخبار أن شخصًا ليس مسلمًا عندما قرأ الكتاب ازداد تعاطفًا مع الإسلام، وربما أنه على وشك أن يعلن إسلامه، أو قد تم له ذلك هو وعدد ممن قرؤوا الكتاب، رغبةً في الوصول إلى معلومة تؤيد نظرتهم السلبية عن الإسلام والمسلمين، إلا أن النتيجة صارت عكسية؛ نظرًا لما اتسم به الكتاب من لهجة تجرح المشاعر الإنسانية، ناهيك عن المشاعر المنتمية للإسلام[1].

مهما يكن من أمر فلاتشي، فليست هي الأولى، ولن تكون الأخيرة التي تتعرض للإسلام بهذا الأسلوب الهزلي "الكاريكاتوري"، الذي زاد من توهجه وذيوعه كتابها الغضب والكرامة، أو الغضب والاعتزاز[2]،بل ربما يستغرب المتابع أسلوب التهوين في الوقوف مع الكتاب والكاتبة؛ ذلك أن اللغة التي عالجت المؤلفة بها الموضوع هي لغة سطحية واضحة ومباشرة،والذين يقرؤون ما يكتب عن الإسلام والمسلمين من بعض علماء الغرب والمستشرقين يدركون تمامًا المراد من التهوين؛ ذلك أن هؤلاء العلماء والمستشرقين قد كالوا للإسلام وأهله بمكيالين، وفلاتشي تكيل بمكيال واحد، وهذا أهون.

يُعَد هذا الإرهاب الفكري نوعًا من أنواع الحوار بين الإسلام والأديان الأخرى،هذا الحوار ليس جديدًا، بل إنه بدأ بدايات واضحة إبان بعثة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، وعند الهجرة الأولى إلى الحبشة، فكان هناك منظر خلاب يجسد المناظرة بين المسلمين الجدد ورهبان النصارى المتمرسين بين يدي النجاشي، وكان هناك حوار آخر بين هرقل ومبعوث النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وكان هناك حوار ثالث بين النبي محمد صلى الله عليه وسلم نفسِه ونصارى جنوب جزيرة العرب، ثم امتدت الحوارات إلى يومنا هذا، وستبقى كذلك إلى أن تقوم الساعة.

وقد مر وزير مغربي - كما عند المقريزي في كتابه السلوك لمعرفة الدول الملوك - على مصر في طريقه إلى مكة المكرمة، فوجد فيها أهل الذمة ينعمون بالحرية، بحيث يتعذر تمييز المسلم من النصراني[3]، ورأى كذلك أن النصارى يعملون في الدولة على زمان السلطان الناصر محمد بن قلاوون، فأنكر الوزير ذلك في أن تظهر النعمة على أهل الذمة، وكونهم يلبَسون أفخر الثياب، ويركبون الخيل والبغال، ويُستخدَمون في أجلِّ المناصب، ويذلون المسلمين ويمشونهم في خدمتهم[4]، مما كان سببًا في إصدار مرسوم يحد من هذه الانطلاقة، ويعود بالذاكرة إلى ما عرف باسم الشروط العُمَرية، التي يدور حولها مزيد من الحوار كذلك، كما عند الحافظ ابن عساكر في تاريخ دمشق الكبير[5].


يزخر التاريخ الحضاري الإسلامي بالأخبار التي تحدد مدى التعامل مع أهل الكتاب فيما يطلق عليه أحكام أهل الذمة[6]،وليس المجال هنا مجال العرض لهذا الجانب، مع أهميته.

إن طرح فلاتشي سواء في كتابها هذا أم في كتابها الذي سبقه بعنوان "إن شاء الله" (1410هـ/ 1990م) أم في كتابها الذي لحقه بعنوان قوة العقل (1425هـ/ 2004م)[7] إنما هو نوع من الحوار؛ إذ إن الحوار يأخذ أشكالًا متعددة، بعضها بهجومه وغطرسته عنيفٌ جدًّا، وبعضها بعلميته وموضوعيته حضاري جدًّا، وبين هذين البعضين بُعوضٌ أخرى متفاوتة في قربها من أي من البعضين،ويحكم ذلك عوامل الزمان والمكان والحال التي عليها المسلمون حينما يكونون أكثرية غير فاعلة، ويكون أهل الذمة أقلية فاعلة، أو حينما يكون المسلمون أقلية فاعلة، ويكون أهل الذمة أكثرية غير فاعلة.

يذكر عمارة لخوص في جريدة الحياة عرضًا للكتاب الأخير "قوة العقل"، ويعرج على أسلوب الصحَفية أوريانا فلاتشي مراسلة الحرب خلال الحرب الأمريكية على فيتنام، وخلال الحرب الأهلية في لبنان، في طرحها للقضايا الإسلامية في كتبها الثلاثة وغيرها، بأنها "نفضت الغبار عن أطروحة عفا عليها الزمن سادت في القرون الوسطى، وغذت مشاعر الخوف والكراهية والحقد، والتي كانت أرضية خصبة لشن الحروب الصليبية"[8]،ويذكر أن هذا الطرح أسلوب من أساليب "اغتيال الشخصية الإسلامية"، الذي زاد التركيز عليه في الآونة الأخيرة بالتحذير من تعريب أوروبا؛ أي: أسلمتها، "أوروبا العربية Euraoatabia"[9].

لا داعي للمزيد من جلد الذات، فإنما هي دول، ﴿ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ ﴾ [آل عمران: 140]،وإنما يغضب الفرد بقدر ما يمس دينه بما ليس فيه، فيكون الغضب لله وفي الله.

مع أن هذا الموضوع شائق، إلا أنه في الوقت نفسه شائك،ومع هذا وذاك فهو مهم جدًّا وحيوي، ويحتاج إلى مزيد من التركيز في بناء العلاقات، بغضِّ النظر عن التوجه السائد اليوم نحو العولمة والعلمنة، فإنما هي حقبة من أحقاب مرت وستمرُّ، والحاجة قائمة إلى مزيد من الاطلاع وفهم الآخر "بالاستغراب" بعد فهم الذات.

[1] وصف جورج قرم هجوم كتاب فالاتشي بقوله: "أحرزت رسالة الهجاء المرعبة، التي تهاجم فيها الصحافية الإيطالية أوريانا فالاتشي بنبرة تنضح عنصرية، الإسلام والمسلمين، عقب اعتداء الحادي عشر من أيلول، نجاحًا متعاظمًا في أوروبا"،انظر: جورج قرم،شرق وغرب: الشرخ الأسطوري - مرجع سابق - ص 143.

[2] انظر: جورج قرم،شرق وغرب: الشرخ الأسطوري - المرجع السابق - ص 153.

[3] انظر: المقريزي، تقي الدين أحمد بن علي،السلوك لمعرفة الدول والملوك - ط 2 - القاهرة: لجنة التأليف والترجمة والنشر، 1970م (1/ ق3: 909 – 913).

[4] انظر: المقريزي، تقي الدين أحمد بن علي،السلوك لمعرفة الدول والملوك - المرجع السابق (1/ ق3: 990 – 913).

[5] انظر: صبحي الصالح،شرح الشروط العمرية مجردًا من كتاب أحكام أهل الذمة، تأليف ابن قيم الجوزية - ط 2 - بيروت: دار العلم للملايين، 1401هـ/ 1981م - ص 262 - وانظر أيضًا مختصرًا لدى: شوقي أبو خليل،العهدة العمرية: البعد الإنساني في الفتوحات العربية الإسلامية - دمشق: دار الفكر، 1430هـ/ 2009م - ص 32.

[6] انظر مثلًا: حسن الممي،أهل الذمة في الحضارة الإسلامية/ تقديم الشاذلي القليبي - بيروت: دار الغرب الإسلامي، 1998م - ص 207،وانظر كذلك: أ.س.ترتون،أهل الذمة في الإسلام/ ترجمة حسن حبشي - ط 3 - القاهرة: الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1994م - ص 280 - (سلسلة تاريخ المصريين؛ 70)،وسيدة إسماعيل كاشف،مصر الإسلامية وأهل الذمة - القاهرة: الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1993م - ص 180 - (سلسلة تاريخ المصريين؛ 57)، وسلام شافعي محمود،أهل الذمة في مصر في العصر الفاطمي الأول - القاهرة: الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1995م،ص 327 - (سلسلة تاريخ المصريين؛ 75)،وفاطمة مصطفى عامر،تاريخ أهل الذمة في مصر الإسلامية من الفتح العربي إلى نهاية العصر الفاطمي - 2 ج - القاهرة: الهيئة المصرية العامة للكتاب، 2000م - ص 416 - (سلسلة تاريخ المصريين؛ 172 - 173).

[7] انظر: عمارة لخوص،الاستشراق، بمعناه السيئ، على الطريقة الإيطالية - الحياة.

[8] انظر: عمارة لخوص،الاستشراق، بمعناه السيئ، على الطريقة الإيطالية - الحياة - المرجع السابق.

[9] انظر: عمارة لخوص،الاستشراق، بمعناه السيئ، على الطريقة الإيطالية - الحياة - المرجع السابق.






__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #9  
قديم 29-04-2025, 04:04 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 164,731
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الشرق والغرب منطلقات العلاقات ومحدداتها

الشرق والغرب
منطلقات العلاقات ومحدداتها
أ. د. علي بن إبراهيم النملة



(الحوار - طرَفا الحوار)



في السنوات الأخيرة ازداد الحوار المستمر بين الشرق والغرب، وأضحى يسمى اصطلاحًا "الحوار بين الإسلام والغرب"، وكأن الإسلام هو الطرف الأول والغرب هو الطرف الثاني في الحوار أو العكس.

المتمعن في هذا الاصطلاح يدرك الغرض من إطلاقه؛ إذ إن الإسلام ثقافيًّا منطلق واحد، يحمل أفكارًا محددة، مَنشؤها كتاب الله تعالى القرآن الكريم، وسنَّة رسوله محمد صلى الله عليه وسلم.

أما الغرب فهو تجميع لثقافات عدة، بعضها ينطلق من منطلق ديني؛ كالنصرانية واليهودية، وبعضها ينطلق من منطلق متناقض مع الدين ومحارب له في الحياة العامة؛ كالعلمانية الشاملة، والشيوعية والاشتراكية والإلحادية، ثم في صياغتها الأخيرة باسم العولمة الثقافية، وغيرها من الملل والنحل التي تقف طرَفًا آخر في هذا الحوار القائم الآن مع الإسلام.

الأصل أن يقوى الحوار ويستمر ويتخذ أشكالًا سلمية متعددة، بحسب المقام من حوارات فردية، أو جماعية علمية أكاديمية، أو فكرية، أو تجارية، أو اجتماعية؛ إذ لا يملك المرء اليوم إلا أن يكون طرفًا في هذا الحوار المستمر.

مع أن فكرة الحوار ليست جديدة على هذه الثقافة، إلا أنه يستغرب المرء تحفظ بعض المعنيين من الحوار مع الآخر بحجج، منها: ارتباط الحوار بالتنصير[1]، وارتباطه بالتهيئة للاحتلال، ونحو ذلك من حجج وقتية قد لا ترقى إلى العلمية الموضوعية،وليس لدينا نحن المسلمين ما نخفيه عن الآخر، ليتحفظوا على الحوار معه[2]، وليس لدينا كذلك ما نخشاه من أن نصل إلى نتيجة مَرْضيَّة في الحوار؛ إذ إن المقصود من الحوار ليس النجاح فيه هدفًا، بل إن النجاح وسيلةٌ لا غاية، وعدم النجاح يعزى إلى المحاور، وليس إلى الموضوع المتحاور فيه،وإنما الغاية هي نقل المعلومة الصحيحة عن الإسلام، وتلقي المعلومة الصحيحة عن الثقافات الأخرى، ليكون هناك إقناع واقتناع.

أهم من هذا كله: أن يقوم الحوار على المعلومة الصحيحة الواضحة، وأن يقوم على الندية بين المتحاورين، وأن تكون هناك نقاطُ تلاقٍ، كما تكون هناك نقاط اختلاف، ليكون للحوار مغزى وثمرة دونما خوف من الغرب على الشرق/ الإسلام، أو خوف من الشرق/ الإسلام على الغرب[3]،وقد أبدع فضيلة الشيخ الدكتور صالح بن عبدالله بن حميد في حديثه، بل أحاديثه عن الحوار، وطرقه وآدابه وأصوله، ونشر هذا في أكثر من مكان ومقام[4]، فيرجع إليه؛ لِما فيه من فائدة مهمة في مجال الحوار بين المسلمين وغيرهم[5].

[1] انظر: التبشير والحوار في: سعود المولى،الحوار الإسلامي المسيحي: ضرورة المغامرة/ قدم له الشيخ محمد مهدي شمس الدين - بيروت: دار المنهل اللبناني، 1996م/ 1416هـ - ص 127 - 136.

[2] جرى في المجمع الفاتيكاني الثاني (فاتيكان اثنين)، الذي عقد سنة 1965م، الوصول إلى إحدى عشرة نقطة، هي جملة قرارات المجمع، وهي على النحو الآتي:
1- تبرئة اليهود من دم المسيح عيسى ابن مريم - عليهما السلام.
2- اقتلاع اليسار في عقد الثمانينيات.
3- اقتلاع الإسلام في عقد التسعينيات.
4- توصيل الإنجيل إلى البشر كافة.
5- توحيد الكنائس كافة تحت لواء كاثوليكية روما.
6- فرض عملية التنصير على المسحيين كافة، الكنسيون منهم والعلمانيون.
7- استخدام الكنائس المحلية في عمليات التنصير.
8- فرض بدعة الحوار أسلوبًا للتنصير.
9- إنشاء لجنة خاصة للحوار.
10- إنشاء لجنة خاصة لمهمات تنصير الشعوب.
11- تغيير اسم لجنة محاكم التفتيش.
انظر: زينب عبدالعزيز، حرب صليبية بكل المقاييس - مرجع سابق - ص 27 - 53.

[3] انظر: عبدالله عبدالدائم،العرب والعالم وحوار الحضارات - دمشق: دار طلاس، 2002م - ص 136.

[4] انظر: صالح بن عبدالله بن حميد،أصول الحوار وآدابه - جدة: دار المنارة، 1415هـ/ 1994م - ص 40.

[5] انظر: في آداب الحوار: عمر بن عبدالله كامل،آداب الحوار وقواعد الاختلاف - في: المؤتمر العالمي عن موقف الإسلام من الإرهاب - الرياض: جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، 1425هـ/ 2004م - ص 34.






__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #10  
قديم 06-05-2025, 07:45 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 164,731
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الشرق والغرب منطلقات العلاقات ومحدداتها

الشرق والغرب
منطلقات العلاقات ومحدداتها
أ. د. علي بن إبراهيم النملة


(التحفظ)


هناك جملة من الكتَّاب العرب يتحفظون على فكرة الحوار مع الآخر ممن يختلفون عنا في الدين، بل إن أحد المؤلفين قد وصل به الرأي إلى تحريم التعامل مع فئة أولئك القوم، لا سيما المستشرقين منهم[1]،ويرى المؤلف أن التعاون معهم إنما هم من باب الموالاة لهم،ويورد نصوصًا شرعية تؤيد ما ذهب إليه في رأيه،ويظهر هذا على سبيل المثال في الطبعة الثانية من كتاب رؤية إسلامية للاستشراق للأستاذ الدكتور أحمد عبدالحميد غراب[2].

هل الحوار مع الآخر يعني بالضرورة التعاون معه؟ وهل التعاون على الأمور المشتركة مما يدخل في المحظور؟ وهل التعاون المطلوب معه يعني بالضرورة موالاته؟ يبدو أن مسألة الولاء والبراء في هذا الرأي غير واضحة ولا تنطلق من رؤية علمية بقدر ما تنطلق من موقف آنيٍّ أو نظرة عاطفية لا تكنُّ موقفًا إيجابيًّا مع الغرب، على غرار ما دعت إليه بعض الحركات الإسلامية، ويبدو كذلك أن على أهل العلم أن يركزوا على مسألة الولاء والبراء، من حيث حدودهما ومدلولاتهما، بله مفهومهما.

الحوار الذي يتحفظ عليه بعض المعنيين من المفكرين هو ذلك الحوار الذي يشعر فيه المحاور المسلم بالدونية أمام الآخر الذي يُشعِر مَن يحاورهم بأنه على قدر كبير من العلم والمعرفة والتفوق الحضاري،ومن ذلك أيضًا التحفظ على إطلاق هذا الحوار بأنه حوار الأديان، وإنما هو حوار أهل الأديان؛ لأن إطلاق حوار الأديان قد يقتضي الاعتراف الضمني بسلامتها،وهل حوار الأديان إلا حوار أهل الأديان من قبيل قوله تعالى: ﴿ وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ ﴾ [يوسف: 82]؟

هذا ما يثيره الأستاذ الدكتور حسن بن فهد الهويمل في حديثه عن الاستشراق في مجلة المنهل في عدد يعود إلى سنة 1409هـ/ 1989م حينما يركز على مشكلة عدم التكافؤ بين المتحاورين، بسبب شعور طرف منهما بالفوقية على الطرف الآخر من دون شعور الطرف الآخر بالضرورة بالدونية تجاه المحاور[3]، الخطأ هنا ليس في الحوار ذاته، بل هو في المحاورين بفتح الواو وكسرها،والمحاور المسلم مطالب بعدم الهوان: ﴿ وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾ [آل عمران: 139]، والعلو هنا مربوط بالإيمان، لا العلو الموجه بالغطرسة والعرقية والجنس البشري، بل العالي هنا هو المؤمن أين يكون وكيف يكون ومتى يكون،وإذا تحقق الإيمان لدى الشخص تحقق لديه العلو الذي يفرض نفسه على الآخرين.

إمام المحاورين بعلو الأديان هو سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم حينما وفدت عليه الوفود فحاورهم داخل المسجد، وكان بينهم أخذٌ وردٌّ وسؤال وجواب وحِجاج، انتهى في الأخير إلى أن يعلن بعض المحاورين إسلامهم مع بقاء بعض منهم على عنادهم - كما مر ذكره كثيرًا في هذه الوقفات - ويبقى أناس على عنادهم ومكابرتهم وتعاليهم على مر العصور،ثم إن وفود سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم قد حاورت الآخر من عظماء الأمم في ذلك الوقت في عقر دارهم من دون أن يشعر الموفَد بذرة من الدونية أمام جبابرة الأرض.

تتعرض الجاليات المسلمة المتغربة في مجتمعات غير مسلمة والجاليات غير المسلمة في المجتمعات المسلمة دائمًا لنوع من أنواع الحوار وشكل من أشكال الحصول على المعلومات المباشرة من الأخلاص المخلصين في علمهم ونباهتهم وحملهم الهم، فهل يتصور أن يمتنع مسلم مسؤول عن قضية ما عن تبيان حقيقتها التي يعرفها هو، وذلك بحجة أن هناك موقفًا غير إيجابي من الحوار؟!

ليس هنا ادعاء بإثارة شيء جديد، ولكنه موضوع يتجدد دائمًا، ويتطلع إلى حسم الرأي فيه شرعًا أولًا، بحيث لا يشعر المحاور المسلم بأي حرج من محاورة الآخر، والحسم قد يعني إسقاط بعض الآراء المانعة للحوار إذا لم تستند على دليل قوي، أو ربما أخطأت في استخدام النصوص دليلًا على توجهها.

لقد تعرض الإسلام لحملات من التشويه على أيدي بعض المستشرقين والمنصرين والإعلاميين،وهو يتعرض لهذا في زمننا الحاضر، ولكن هذه الحملات لا تعني أن نتوقف عن الاتصال بالآخر بالتحاور معه وتبيان ما عُمِّي له عن الإسلام وعن دياناته التي ينتمي إليها[4].

موضوع الحوار يحتاج إلى مزيد من الوقفات، فقد تبين من رصد هذا الموضوع أن هناك كتابات كثيرةً من كتب ومقالات عن الحوار مع الآخر[5]، تحتاج إلى المزيد من التحليل.

[1]انظر: أحمد عبدالحميد غراب،رؤية إسلامية للاستشراق - ط 2 - لندن: المنتدى الإسلامي، 1411هـ - ص 72 - 80.

[2]انظر: أحمد عبدالحميد غراب،رؤية إسلامية للاستشراق - المرجع السابق - ص 72 - 80.

[3]انظر: حسن بن فهد الهويمل،الفوقية الحضارية - المنهل - ع 471 (مج 50)، (رمضان وشوال 409هـ - إبريل ومايو 1989م)،ص 277 - 292.

[4]انظر: أحمد عبدالرحيم السايح،في الغزو الفكري - الدوحة: وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، 1414هـ - ص 157 - (سلسلة: كتاب الأمة: 38).

[5]انظر: ناصر الدين الأسد،نحن والآخر: صراع وحوار - بيروت: المؤسسة العربية للدراسات والنشر، 1997م - ص 131.






__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 3 ( الأعضاء 0 والزوار 3)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 174.59 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 168.71 كيلو بايت... تم توفير 5.88 كيلو بايت...بمعدل (3.37%)]