سعد بن معاذ - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         شرح صحيح البخاري كاملا الشيخ مصطفى العدوي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 749 - عددالزوار : 74913 )           »          الحج والعمرة فضلهما ومنافعهما (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 3 - عددالزوار : 77 )           »          ٣٧ حديث صحيح في الصلاة علي النبي ﷺ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 62 )           »          قوق الآباء للأبناء (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 60 )           »          حقوق الأخوّة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 60 )           »          دفن البذور عند الشيخ ابن باديس -رحمه الله- (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 68 )           »          الاغتراب عن القرآن (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 65 )           »          آخر ساعة من يوم الجمعة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 60 )           »          هاجر… يقين في وادٍ غير ذي زرع (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 75 )           »          الغش ... آفة تهدم العلم والتعليم والمجتمعات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 92 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الصوتيات والمرئيات والبرامج > ملتقى الصوتيات والاناشيد الاسلامية > ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 09-02-2024, 03:00 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 151,842
الدولة : Egypt
افتراضي سعد بن معاذ

سعد بن معاذ
د. أمير بن محمد المدري

الحمد لله رب العالمين وأشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه.

وأشهد أن حبيبنا ونبينا وصفينا محمد المصطفى -صلى الله عليه وسلم- وعلى آله وصحبه الأطهار.

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ ولاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وأَنتُم مُّسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران:102].

﴿ يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ واحِدَةٍ وخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا ونِسَاء واتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ والأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء:1].

أما بعد عباد الله:
ما زلنا وإياكم نعيش مع صحابة رسول الله، --صلى الله عليه وسلم- -، الذين اختارهم الله ليكونوا صحابة لخير البشر هم قدواتنا، هم قاداتنا مدحهم الله في كتابه فقال سبحانه: ﴿ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ والَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ ﴾ [الفتح: 29].

مع صحابة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الذين كانوا للدِّين حُماة بررة وللنبي -صلى الله عليه وسلم- أنصارًا عظماء فكانوا خير القرون.

وسنعيش هذا الأسبوع مع قائدٍ مقدام، وأسدٌ ضرغام، اهتز لموته عرش الرحمن.

نعم لا تستغربوا اهتز لموته عرش الرحمن، وحملت الملائكة نعشه، بذل نفسه وماله للإسلام.

مع صحابي عاش في الإسلام سبع سنين لكنها سنوات مباركة ومواقف جليلة.

هل عرفتموه؟
إنه أبو عمرو سعد بن معاذ الأنصاري الأوسي، سيّد الأوس، الصادق الصدوق عدو اليهود--رضي الله عنه-- وأرضاه.

عباد الله: لقد كانت لسعد في الإسلام مواقف عظيمة وخالدة وسنعيش مع بعضها.
الموقف الأول من حياة هذا الصحابي الجليل: يوم إسلامه:
أرسل -صلى الله عليه وسلم- إلى المدينة مصعب بن عمير -رضي الله عنه- ؛ أرسله يدعو إلى لا إله إلا الله، ويتلو عليهم القرآن، فدخل على يديه الكثير في دين الله.

وحين علم سعد بن معاذ غضب، وقال: (من هذا الذي يجري بين ظهرانينا، يفتن الضعفاء منا ويخرجهم من دينهم ودين آبائهم؟ وأخذ حربته يريد شيئًا والله يريد شيئًا آخر؛ والله فعالٌ لما يريد، أخذ حربته يريد أن يقتل مصعب بن عمير سفير الإسلام، أقبل والموت في حربته.

وحينما وقف أمام مصعب، متشتمًا يتكلم بكلامٍ شديدٍ وعنيف: اتركوا ديارنا، وإلا -إنه يهدد- قال مصعب: أو غي رذلك؟ قال وما غير ذلك؟ قال: تجلس فتسمع منا فإن أعجبك ما قلناه وقبلته فالحمد لله، وإن كان غير ذلك عجلنا عنك ما تكره، قال سعد: أنصفت، انظروا عباد الله أثر الكلمة الطيبة تفعل الأعاجيب بالنفوس، فكن أخي صاحب كلمة طيبة، فالكلمة الطيبة المباركة قد ترفعك إلى أعلى عليين، والكلة الخبيثة قد تُنزلك إلى أسفل سافلين.

فجلس وتلا عليه القرآن، ودخل إلى شغاف قلبه، ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وهُدًى ورَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ ﴾[يونس:57]. وعرض عليه الإسلام، فانفرجت أساريره، وظهر التأثر، فقال: ما الذي يُطلب من الإنسان إذا أراد أن يدخل دينكم هذا، قال له: تذهب فتغتسل وتشهد شهادة الحق.. ففعل ذلك وشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله.

وكسب الإسلام رجلًا بطلًا، ومجاهدًا عظيمًا، بلغ به الحال إلى أن اهتز عرش ذي الجلال والجمال والكمال لموته، فجمعنا الله به في حسن المآل.

عاد سعد بن معاذ بعد ذلك إلى قومه الذين خرج من عندهم مغضبًا، فحينما رأوه من بعيد قالوا: لقد عاد سعد بغير الوجه الذي ذهب به، فجمع قومه في داره وقال لهم: يا بني عبد الأشهل ما أمري فيكم؟ قالوا: سيّدنا وأفضلنا رأيًا، وأيمننا نقيبا، قال: إن كلامكم عليّ حرام، رجالكم ونسائكم، حتى تؤمنوا بالله ورسوله، الله أكبر ما أعظمها من كلمة!. فقالوا جميعًا: آمنا بالله ورسوله، نشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، قالوها رجالًا ونساءً. فلم يبق في بني عبد الأشهل رجل أو امرأة إلا دخل في الإسلام، فصاروا في كفة حسناته وفي ميزان بركاته -رضي الله عنه- وأرضاه فلم يكن رجل أيمن ولا أبرك على قومه من سعد بن معاذ، ملك قلوبَ قومه بخلقه، فأحبوه ولما أحبوه أطاعوه.. أحبوه؛ لأنه كان قويًا من غير عنف، ورحيمًا من غير ضعف، استجابوا له؛ لأنهم عرفوا صدقه معهم، وحبّه للخير لهم، فلا إله إلا الله.

الموقف الثاني من حياة هذا الرجل العظيم سعد بن معاذ: يوم بدر:
يوم الفرقان، يوم التقى الجمعان.. من ينسى منكم بدرًا؟! وهل بدر تُنسى؟!

بدر رفعت رؤوسنا،، وسحقت أعداءنا، وكتبت لنا تاريخًا، قائدها محمد -صلى الله عليه وسلم-، والقيادة العليا عند جبريل، وبيض الله وجه حسان حيث يقول:
وبيوم بدرٍ إذ يصد وجوههم جبريل تحت لوائنا ومحمدُ فعندما أراد النبي -صلى الله عليه وسلم- رأي الأنصار في الخروج من المدينة لقتال المشركين في بدر، فقال: «أشيروا علي أيها الناس»، فقام أبو بكر وعمر والمقداد بن عمرو من المهاجرين فقالوا خيرا وأحسنوا، فدعا لهم النبي -صلى الله عليه وسلم- ثم قال: «أشيروا علي أيها الناس»، فقال سعد صاحب الثلاثين سنة: والله كأنك تريدنا يا رسول الله؟ قال: أجل، فقال سعد: -اسمع إلى هذا الثبات والإيمان الذي يهز الجبال- قال سعد: يا رسول الله قد آمنا بك وصدقناك وشهدنا أن ما جئت به هو الحق، وأعطيناك عهودنا ومواثيقنا على السمع والطاعة لك، فامض يا رسول الله لما أردت فنحن معك، فوالذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا البحر فخضته لخضناه معك ما تخلّف منا رجل واحد، وما نكره أن تلقى بنا عدونا غدًا،، وإنا لقوم صُبرٌ في الحرب، صُدقٌ عند اللقاء، ولعل اللَّه تعالى يريك منا ما تقرّ به عينُك، فسالم من شئت وحارب من شئت، وصل حبال من شئت واقطع حبال من شئت، فسُرَّ رسول اللَّه، -صلى الله عليه وسلم-، بكلام سعد واستنار وجهه، كأنه فلقة قمر، وقال: «سيروا على بركة اللَّه، واللَّه لكأني أرى مصارع القوم» [ تهذيب سيرة ابن هشام لعبد السلام هارون ص 126].


ووقف سعد ينافح عن الإسلام في الصف الأول في غزوة بدر، وقاتلت الملائكة مع المسلمين، واشتبكت السماء مع الأرض، واشتبك الحق مع الباطل، وانتصر الدين، وانتصر الحق على الباطل، وارتفعت لا إله إلا الله.

أخي الكريم:
إن كان عندك أحد أعز من الله ومن رسوله وأحب وأكرم؛ فأحسن الله عزاءك في إيمانك! فإنه لا زوجة ولا أهل ولا مال ولا أبناء ولا دار ولا وظيفة أفضل وأعز وأرفع من الله ورسوله، ودينه، قال تعالى: ﴿ قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وأَبْنَاؤُكُمْ وإِخْوَانُكُمْ وأَزْوَاجُكُمْ وعَشِيرَتُكُمْ وأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا ومَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنْ اللَّهِ ورَسُولِهِ وجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ واللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ ﴾ [التوبة:24] لا إله إلا الله.

الموقف الثالث من حياة سعد بن معاذ: في غزوة الأحزاب، والتي جاءت فيها قريش وأحابيشها، وغطفان وأتباعها، في عشرة آلاف مقاتل ليغزوا النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه في عقر دارهم،، لا يريدون أن يبقوا فيهم باقية، - وكان المفروض في هذه الغزوة أن يكون يهود بني قريظة الذين يعيشون في ضواحي المدينة وأطرافها، أن يكونوا مع رسول الله ضد أي هجوم على المدينة بالمال وبالسلاح وبالرجال إذا احتاج الرجال، لأن بينهم وبين رسول عهد وميثاق؛ لكن اليهود انتهزوا الفرصة، وقالوا: هذا الجيش العرمرم الذي يغزو المدينة، إنها فرصة لا تعوض أن ننضم إلى هذا الجيش ونطبق على محمد وأصحابه؛ فلا تقوم لهم قائمة، وأعلنوا غدرهم برسول الله، ونقضهم للمعاهدة، وأرسل لهم النبي -صلى الله عليه وسلم- سعد ومعه جماعة من قومه من الأوس عسى أن يثوبوا إلى رشدهم ويراجعوا أنفسهم ويعودوا إلى الصواب فحدثوهم عن عهدهم مع رسول الله، فرد اليهود قائلين: من رسول الله؟! لا نعرف أحدا، ليس بيننا وبين أحد عهد، وأساءوا القول وأساءوا الفعل وردوا أسوأ الرد، فعاد سعد -رضي الله عنه- وهو يدعو عليهم ويسأل الله أن ينتقم منهم، وأخبر رسول الله بغدرهم المعلن المجاهر، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم- أبشروا. إن هذا الغدر يبشر بخير؛ لأنه دائما من نكث فإنما ينكث على نفسه، ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله.

وفي غزوة الخندق، عاش المسلمون أياما عصيبة، القرآن يتحدث عنها قال تعالى: ﴿ إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ ومِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وإِذْ زَاغَتْ الأَبْصَارُ وبَلَغَتْ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَ ﴾ [الأحزاب:10]... واشتد الأمر على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه، حتى فكر النبي المصطفى أن يفرق المهاجمين، أن يشتت الأحزاب: يضرب بعضهم ببعض فأرسل إلى غطفان وإلى سادتهم يفاوضهم في أن يدفع لهم ثلث ثمار المدينة ويرجعوا ويتركوا قريشا وحدها، واستشار رسول الله السعدان -: سعد بن معاذ، وسعد بن عبادة: سيد الأوس وسيد الخزرج فقالا: يا رسول الله أهذا وحيٌ أوحاه الله إليك ليس لنا أن نتقدم عنه أو نتأخر عنه؟ أم هو أمر رأيته شفقة علينا ولمصلحتنا؟ قال: «بل هو رأي رأيته شفقة عليكم وأردت أن أعزل عدوكم وأفرق بينهم»، فقالوا: لا والله يا رسول الله لقد كنا مع هؤلاء القوم بالجاهلية نعبد الأصنام ويعبدونها وما يطمع أحد منهم أن يأكل ثمرة من ثمار المدينة إلا بيعا أو قرى، أو بعد أن أكرمنا الله بالإسلام وآمنا بك وصدقناك نعطي الدنية في ديننا؟ ونطعمهم من ثمار مدينتنا لا يحكم بيننا وبينهم إلا السيف. إلا المعركة.

الله أكبر فسُر رسول الله بهذه الرجولة وعلم أن معه رجال.

وأثناء الغزوة أرسل رجل من قريش سهمه في ذراع سعد فأصاب أكحله، فانفجر الدم من هذا العرق، كواه النبي -صلى الله عليه وسلم- فلم يفلح الكي، فأخذه النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى المسجد يمرض،، وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- يمر عليه في الصباح يقول: كيف أصبحت، ويمر عليه في المساء ويقول: كيف أمسيت.. ثم بعد أن رد الله المشركين وأرسل عليهم الريح وظل جرح سعد بن معاذ بعد أن سكن فترة يثغب دمًا، فنظر سعد إلى جرحه وقال: «اللهم إن كنت قد أبقيت من حرب قريش شيئا فأبقني حتى أشهدها فإنه ليس أحب إليّ من أن أغزو قوما كذّبوا رسولك وآذوك، وعذبوه وأخرجوه، وإن كنت لم تقدر بيننا وبين قريش حربا، فأفجر هذه الجراحة واجعلها شهادة لي، ولا تمتني يا رب حتى تقر عيني من بني قريظة»؛ فتوقف الدم.

وبعد انتهاء المعركة، استشار النبي -صلى الله عليه وسلم- سعد بن معاذ -رضي الله عنه- في أمر حلفائه في الجاهلية يهود بني قريظة، وفرح بنو قريظة أن استشار الرسول -صلى الله عليه وسلم- فيهم سعدًا وظنوا أنه سيجاملهم، وقالوا: رضينا بحكمه، كان صديقًا وحليفًا لهم في الجاهلية،، كان يبايعهم ويشاريهم، فقال الرسول -صلى الله عليه وسلم- احكم فيهم ياسعد فقال سعد: لقد آن لسعد أن لا تأخذه في الله لومة لائم، اسمع إلى حكم سعد فقال: «أما إني أحكم أن يُقتل مقاتليهم، وتُسبى ذراريهم ونساؤهم، وتُغنم أموالهم»، الله اكبر ليس للمسلم أن يوالي ويجامل أعداء الله بعد أن نقضوا العهود وخانوا الله ورسوله.

فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "للقد حكمت فيهم بحكم الله من فوق سبع سموات"، فما أن حكم سعد بن معاذ حُكْمه في بني قريظة حتى انفجر جُرحه وأخذت نفس سعد ترتفع إلى الواحد الأحد: ﴿ يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً [الفجر:27-28].


خرج رسول الله -صلى الله عليه وسلم-مع ـصحابه إلى سعد -رضي الله عنه- قال الراوي فأسرع المشي حتى تقطعت شسوع نعالنا يريد يدرك سعد قبل أن يموت، فقالوا يا رسول الله: تسرع بنا سرعة شديدة، فقال: إني أخاف أن تسبقنا الملائكة إليه فتغسله كما غسلت حنظلة فوصل وهو يغسل وقالت أمُّ سعد حين احتُمِل نعشه، وهي تبكيه:
وَيْل أمِّ سعدٍ سَعْدَا، صرامةً وحدَّا، وفارسًا معدَّا، وسؤددًا ومَجْدَا.

فقال لها رسول الله- -صلى الله عليه وسلم-: ألا يرقأ دمعك ويذهب حزنك، فإن ولدك أول مَن ضحِك الله (¸) له، واهتزَّ له العرش.

يا الله إن العرش اهتز لموت سعد بن معاذ، ما هذا العز والكرامة!!

ما هذا المجد والرفعة!! انظروا كرامة من يخدم دين الله، ويدافع وينافح عن كتاب الله وسنة رسوله.

الدنيا بكت، الصحابة تأثروا، الجرح لا ينطفئ في القلوب، لكن أعظم من ذلك أن عرش الواحد الأحد الرحمن الديان المنان القهار الغفار الجبار جل في عليائه، الذي ما السموات السبع بالنسبة لعرشه إلا كسبع دراهم أُلقيت في ترس، هذا العرش العظيم الضخم يهتز لموت سعد -رضي الله عنه- وأرضاه.

وهناك كرامة أُخرى لسعد، فقد شيّعه سبعون ألف ملك، نعم كان سعد عظيم الجسم، طويل القامة، حسن الوجه، حسن اللحية، فلما حملوه قالوا: لم نر ميتًا أخف منه، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: لقد شارككم غيركم في حمله، لقد شاركتكم الملائكة في حمله، ورى النسائي عن ابن عمر -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله- -صلى الله عليه وسلم-: هذا الذي تحرك له العرش، وفُتحت له أبواب السماء، وشهده سبعون الف ملك [أخرجه النسائي في المجتبى، وابن سعد في الطبقات].

أسلم سعد وعمره ثلاثون عاما ومات -رضي الله عنه-، وهو ابن سبع وثلاثين سنة، سنوات قصيرة حافلة بالخيرات والبطولات، سبع سنوات في الإسلام قضاها فقط، هي خير عند الله من سبعة قرون لكثير من اللاهين والغافلين.

ولهذا من دروس هذه القصة أن العمر ليس بكثرة السنين، ولكن بإنجازاته من الأعمال الصالحة المباركة ومشاريع الخير والإحسان ومنفعة الخلق.

ومن الكرامات لسعد أنه أتى وفد من بلاد فارس بجبة لكسرى من حرير مخلوطة بألوان -وتصور ملك فارس ماذا يلبس- فلما رآها الصحابة تبرق مع الشمس،، فأخذوا يمسحونها بأيديهم ويلمسونها بأصابعهم، متعجبين من هذا الجمال فيقول -صلى الله عليه وسلم-: أتعجبون من هذه؟ والذي نفسي بيده! لمناديل سعد بن معاذ خير من هذه في الجنة المناديل فقط - فكيف النعيم؟ كيف الدور؟ كيف القصور؟ كيف المنقلب؟ كيف النظر إلى وجه الباري (´)؟ كيف الخيام؟ كيف الحور العين والطعام والشراب واللباس والعز والمجد والملك الكبير؟ يا الله لا تحرمنا الجنة بذنوبنا.

وأملنا من الواحد الأحد الذي قيض للإسلام من أمثال سعد بن معاذ أن يقيض من هذا الجيل ومن أصلابه ومن أبنائه ومن أحفاده عشرات من أمثال سعد، فليس ذلك على الله بعزيز،

عُبّاد ليل إذا جن الظلام بهم
كم عابدٍ دمعه في الخد أجراه
وأُسد غابٍ إذا نادى الجهاد بهم
هبوا إلى الموت يستجدون لقياه
يا رب فابعث لنا من مثلهم نفرًا
يشيدون لنا مجدًا أضعناه


اللهم إنا نتقرب إليك بحبنا لهؤلاء الأماجد اللهم فاجمعنا بهم في الفردوس الأعلى مع الذين أنعمت عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا.

اللهم اشف مرضانا وارحم موتانا وانصرنا على من عادانا، واختم بالباقيات الصالحات أعمالنا، وبلغنا فيما يرضيك آمالنا. آمين آمين. ألا وصلوا على نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- كما أمركم ربكم تبارك وتعالى حيث قال: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾. اللهم صلّ وسلم وبارك على رسولك ونبيك محمد وعلى آله وصحبه.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 62.32 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 60.65 كيلو بايت... تم توفير 1.67 كيلو بايت...بمعدل (2.68%)]