|
|||||||
| فتاوى وأحكام منوعة قسم يعرض فتاوى وأحكام ومسائل فقهية منوعة لمجموعة من العلماء الكرام |
![]() |
|
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
|
|
|
#1
|
||||
|
||||
|
وكلام ولي الله الدهلوي وجّهه في حق المذهبين – الشافعي والحنفي- حين قال : (وإنما الحق أن أكثرهما –أى: الخلاف بين الشافعي وأبي حنيفة- أصول مخرّجة على قولهم ) غير أن الشيخ أبو زهرة وجّهه في حق مذهب الحنفية, وهذا غلطٌ في المنهج, فالشهادة إما أن تقبلها كلها في حقّ المذهبين أو أن تردها مطلقا. ثم إن شهادة الشيخ الدهلوي ليست في محلّ الدعوى, فدعوى ابن خلدون ومن شايعه من المعاصرين: أن أصول الحنفية بُنيت على فروع المذهب, وأنهم يقرّرون القواعد وفق مقتضى الفروع. أما كلام الدهلوي فهو ردٌّ على من لم يفرّق بين التخريج والرواية, فإنه قال عقيب ذلك : ( وقد وجدْتُ بعضهم يزعم أن جميع ما يوجد في هذه الشروح الطويلة هو قول أبي حنيفة وصاحبيه, ولا يفرّق بين القول المخرّج وبين ما هو قول حقيقة ) وهذا الذي قاله الدهلوي حقٌ في الجملة, فإن أحدا لم يدّع أن كل هذه الأصول هي روايات عن أبي حنيفة, بل طائفة منها مخرّجة ولا شكّ, لكن التخريج أعم من أن يكون تخريجا على فرعٍ كما قصره ابن خلدون والمعاصرون, فقد يكون تخريجا على أصل, ثم رُتَبُ التخريج تختلف باختلاف المخرّجين, وليس كما أطلقه الشيخ الدهلوي, وسيأتي مزيد بيان لهذا بعد قليل إن شاء الله. ودعوى ابن خلدون – والمعاصرين- تخالها تتحدث عن القاعدة الفقهية لا القاعدة الأصولية, فإن تتبّع الفروع ومن ثَمّ صياغة قاعدة تستوعبه هو من شأن القاعدة الفقهية لا الأصولية, والعلماء قاطبة يفرّقون بينهما. ثمّ وجدْتُ كلاما لأكمل الدين البابرتي فيه ردٌّ على هذه الدعوى, وكأنه يعنيهم بهذا الكلام, فقد نقل في "العناية شرح الهداية", في باب السّلم, عن المصنف ما يجوز وما لا يجوز في السّلم من آحاد المسائل, ثم نقل القاعدة الفقهية التي تجمعها : (كل ما أمكن ضبط صفته ومعرفة مقداره جاز السلم فيه ) أورد ما سماه بحثا في هذا المقام فقال : ( إنه- أى: المرغيناني- ذكر القاعدة بعد ذكر الفروع, والأمثل ذكر القاعدة ثم تفريع الفروع عليها) فأجاب عن هذا البحث بما نصّه : (تقديم القاعدة على الفروع يليق بوضع أصول الفقه, وأما في الفقه: فالمقصود معرفة المسائل الجزئية فتقدّم الفروع ثم يُذكر ما هو الأصل الجامع للفروع الفقهية- أى: القاعدة الفقهية-) ونصوص أكابر الحنفية كلها دالّة على هذا المعنى- تقديم الأصل على الفرع-, وإنما بدأت بالبابرتي لأني وجدت كلامه فُصّل على دعوى المعاصرين تفصيلا, فمن ذلك: قول فخر الإسلام البزدوي في "أصوله" : (وهذا الكتاب لبيان النصوص بمعانيها وتعريف الأصول بفروعها) قال شارحه الشيخ عبد العزيز البخاري : ( يعني بيّن فيه الأصول ثم بنى على كل أصل فروعه مما يليق ذكره فيه ) ومن المتأخرين الكمال بن الهمام في "التحرير", عند حديثه عن استمداد أصول الفقه, ثم عرّج على تصورات الأحكام الشرعية, فقال : (على أن الظاهر أن يكون استمداد الفقه إياها, أى : تصورات الأحكام المذكورة منه, أى : من علم أصول الفقه, لسبقه: أى : الأصول الفقه, لكونه فرعا عليه وإن لم يدون ) ولو لم تكن هناك نصوص عن أئمتهم تنفي هذه الدعوى- بناء الأصول على الفرع- فبأدنى تأمل في مصنفات الحنفية يتبيّن زيف هذا الإطلاق, فهم كغيره من أرباب المذاهب يبدأون بذكر القاعدة الأصولية, ثم الاستدلال لها, وذكر مذهب الخصوم وأدلتهم, ومناقشة هذه الأدلة, ثم اخيرا يذكرون ما يليق بها من فروع, ولا يختلفون عن غيرهم إلا في ترتيب القواعد, وتبويب المسائل, فلا يهولنك ما تسمعه عن : (منهج الحنفية) و (طريقة الحنفية), فهذا كله تهويل في تهويل. ثم إن هذا هو اللائق بهذا العلم, فالقاعدة الأصولية: دليل كلي أو إجمالي, والفروع الفقهية*مدلولها, ولا يصح أن يسبق المدلول دليله والذي حمل هؤلاء هذا المحمل عدم وجود مصنف أو روايات لأبي حنيفة في "أصول الفقه", فكانت النتيجة السهلة القريبة: أن الأصحاب بنَوْا الأصول على فروع الإمام الموجودة, والحمد لله رب العالمين. ونسى هؤلاء أن هذا ينطبق على بقية الأئمة, فليس لمالك أو أحمد مصنف في أصول الفقه, حتى "الرسالة" للشافعي لم تستوعب إلا قليلا من مئات المسائل الأصولية المنسوبة إليه, فهلاّ طردوا هذا الحكم على بقية المذاهب؟ ثم إن هذا القول يفترض أنه بعدم تدوين أصول أبي حنيفة, أو ضياع كتابه "الرأى" في أصول الفقه, و"أصول الفقه" لأبي يوسف, فقد فُقد هذا العلم. وهذا خطأ بيّن, لا سيما لأرباب المذاهب الأربعة, فالأسانيد بهم متصلة, والهمم والدواعي تتوافر على نقل مذاهبهم في الأصول والفروع, وإن لم يكن مسطورا في قرطاس. وقد قيّض الله لمذهب أبي حنيفة محمد بن الحسن, فترك تراثا ضخما من المصنفات ك"الجامع الصغير" و "الجامع الكبير"- فالصغير هو من روايته عن أبي يوسف عن الإمام, والكبير من روايته عن الإمام بلا واسطة- و "المبسوط" و "الزيادات" و "السير الصغير" و "السير الكبير", وتُسمى هذه الكتب ب "كتب ظاهر الرواية" أو "الأصل", لأنها رُويت عن محمد بن الحسن برواية الثقات, فهى ثابتة عنه أو متواترة, أو مشهورة. *وهذا "الأصل" وإن كان غالبه في الفروع, لكنه حوى كثيرا من أصول الفقه بشهادة من لا تُردّ شهادته : شمس الأئمة السرخسي فإنه قال في "شرح السير الكبير" : ( اعلم بأن أدق مسائل هذا الكتاب وألطفها في أبواب الأمان, فقد جمع بين دقائق علم النحو ودقائق أصول الفقه, وكان شاور فيها علي بن حمزة الكسائي- رحمه الله- فإنه كان ابن خالته, وكان مقدّما في علم النحو )* ويعني بالمقدّم في علم النحو: محمد بن الحسن, وثلثا الأصول هو في دلالات الألفاظ, ومن تأمل مصنفات الحنفية الأصولية, وجد المنصوص عن محمد بن الحسن كثيرة, فهى إما نقلا عن أبي حنيفة, أبي يوسف, أو اجتهادا منه, ثم يزعمون أن أصول أبي حنيفة كلها مبناها على الفروع. وحتى التخريج الذي غضّ هذا التقرير منه, يختلف باختلاف المخرّج, فأبو يوسف ومحمد بن الحسن هم من طبقة المجتهدين في المذهب, فأقوالهم وتخريجاتهم وفتاواهم- فيما لا نصّ للإمام فيه- كالمنصوص عليه, لذا كان كلام الدهلوي السابق في التفريق بين التخريج والرواية مطلقا غير صحيح, والصواب التقييد, فمجتهد المذهب: لسان المذهب. وحُق لمعترض أن يقول في هذا المقام: إن تخريج الأصول عن الفروع , أو بناء الأصول على الفروع معروف عند الأصوليين, فَلِم المجادلة في هذا التقرير؟ والجواب: هذا وإن كان معروفا, لكنه قليل, ويترددون في قبوله, ويسمونه ب" التخريج الدوري" كذا سمّاه الطوفي اعتراضا على من خرّج من الأصحاب قاعدة : "لزوم المكلّف حكم الناسخ قبل علمه" على مسألة "لزوم انعزال الوكيل قبل علمه بالعزل", فقال : ( تخريج أبي الخطاب لهذه المسألة على مسألة انعزال الوكيل, يلزم منه الدور, لأن هذه المسألة أصولية, ومسألة*عزل الوكيل فرعية, فهى فرع على مسألة النسخ, لأن العادة تخريج الفروع على الأصول, فلو خرجنا هذا الأصل المذكور في "النسخ", على هذا الفرع المذكور في "الوكالة", لزم الدور, لتوقف الأصل على الفرع المتوقَّفِ عليه, فيصير من باب توقف الشىء على نفسه بواسطة) ونقل الزركشي عن ابن برهان تغليطه من خرّج قاعدة "الأمر لا يفيد الفور" عند الشافعي وأبي حنيفة, على " الحج" فقد نصّا على التراخي, فقال : ( وهذا خطأ في نقل المذاهب, إذْ الفروع تُبنى على الأصول, لا العكس) فبناء الأصول على الفروع خلاف الأصل, أما هذا التقرير فقد جعل هذا هو الأصل عند الحنفية, ففرق بين المذكور في كتب الأصول, وهذا التقرير, كالفرق بين السماء والأرض. أما تزييف هذا التقرير من حيث النقل: فدونك ما شئت من كتب المتقدمين والمتأخرين, فلن تجد أحدا اعتمد هذا الاصطلاح "الفقهاء" في حق الحنفية, ويتداوله أهل العلم على معنى غير المعنى الذي اخترعه ابن خلدون والمعاصرون: فلفظ الفقهاء يتبين من خلال السياق, فإن ذُكر بإزاء " المتكلمين" فيقصد به المشتغلون بالفقه أصلا وفرعا. وإن ذُكر بإزاء الأصوليين فيقصد به المشتغلون بالفروع دون الأصول, لكنه قطعا لا يراد به طائفة أو مذهبا معينا. هل بقى شىء يُلحق بهذا المبحث؟ نعم, وهى تلك الميزة التي صبغ بها ابن خلدون ومن شايعه من المعاصرين مذهب الحنفية, من الاعتناء بالنكت الفقهية, وكثرة الشواهد والأمثلة, و(كانت لهم اليد الطولى من الغوص على النكت الفقهية).ولولا ما تضمنه هذا التوجيه من تنقّص لمذهب أهل الحديث "المتكلمين!",لما حفلت بالرد, فإن الأمر ليس بذي شأن. ووقع ابن خلدون في نفس الخطأ المنهجي الذي وقع فيه سابقا, وهو الحكم على المذهب من خلال كتاب واحد أو كتابين, والصواب أن هذا لا يختص به مذهب دون مذهب, بل يعود إلى الأفراد والأعلام, فمن كان بارعا في العلمين, فنزعته الأصولية أو الفقهية تغلبه إذا صنّف في أحد العلمين, واسمع إلى كلام خبير ناقد –الغزالي-وهو يقرّر هذا قائلا : (وإنما أكثر المتكلمون من الأصوليين لغلبة الكلام على طبائعهم, فحملهم حب صناعتهم على خلطه بهذه الصنعة, كما حمل حب اللغة والنحو بعض الأصوليين على مزج جملة من النحو بالأصول, فذكروا فيه معاني الحروف ومعاني الإعراب جملا هى من علم النحو خاصة, وكما حمل حب*الفقه جماعة من فقهاء ما وراء النهر كأبي زيد وأتباعه على مزج مسائل كثيرة من تفاريع الفقه بالأصول, فإنهم أوردوها في معرض المثال وكيفية اجراء الأصل في الفرع) وهذا حقّ, فلا شأن للمذهب أو الطريقة بكثرة الأمثلة والتفاريع الفقهية, بل (حب الصنعة) وأسميها ومن علماء أهل الحديث من حفلت كتبهم الأصولية بالتفاريع الفقهية, وهذه قراءة ونماذج لبعض الكتب: -*"قواطع الأدلة" لابن السمعاني, وكتابه من أعظم كتب الشافعية نقلا وحجاجا, وقد وعد في مقدمة كتابه بالتمثيل للمسائل الشهيرة فقال : ( وأشير عند وصولي إلى المسائل المشتهرة بين الفريقين إلى بعض المسائل التي تتفرع عنها لتكون عونا للناظر ومتعلقا للمناظر )*ووفّى الشيخ بوعده. -*"رفع الحاجب لابن الحاجب" لتاج الدين السبكي, فقد (حشا) كتابه بالأمثلة الفقهية فقال : ( ومع ما حشوناه فيه من فروع الفقه, وفنون الفوائد, ومع تخريج الفروع على الأصول) -*"نهاية السول عن منهاج الأصول" لجمال الدين*الإسنوي, فقال في المقدمة : ( الرابع : ذكر فائدة القاعدة من فروع مذهبنا في المسائل المحتاجة إلى ذلك) -*المطولات من كتب الأصول, فإنها حافلة بالشواهد الفقهية, ك"البحر المحيط" للزركشي, و "التحبير" للمرداوي, حتى أن كتاب " البحر المحيط" للزركشي قُدمت فيه رسالتا دكتوراه في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة, بعنوان : "تخريج الفروع على الأصول" لوفرة وكثرة الأمثلة والشواهد فيه. -*"الإحكام شرح عمدة الأحكام" و "شرح الإلمام" لابن دقيق العيد, ولا تعجب من كونهما كتابين من شروح الحديث, فقد حوى هاذان الكتابان من التحقيقات الأصولية ما حمل الزركشي على جعلهما من مراجع الأصول, بل قال : (وبهما خُتم التحقيق في هذا الفن)ولعل ما سماه الغزالي ب (حب الصنعة) أو (النزعة الأصولية) يظهر في هذا التأليف. ولا أبالغ إن قُلْتُ : إن مذهب أهل الحديث في الجملة كانوا أمس بالفقه والفروع من غيرهم, فقد انفردوا بصنف من التأليف لم يُعهد من قبل, وهى كتب" تخريج الفروع على الأصول", للزنجاني والإسنوي, و"القواعد والفوائد الأصولية" لابن اللحام, و "مفتاح الوصول إلى بناء الفروع على الأصول" للشريف التلمساني. ولا تلتفت لما قيل : إن "المتكلمين!" عمدوا إلى هذا النوع من التصنيف استدراكا لخصومهم " الفقهاء", ولشح الأمثلة في كتبهم. فإن هذا مردود بشهادة الحنفية أنفسهم, فالتمرتاشي الحنفي أقرّ بأن هذا النوع من التأليف لم يعرفه أصحابه الحنفية, فقال : ( لما كان كتاب "تمهيد الأصول" للشيخ الإمام , مفتي الأنام, جمال الدين عبد الرحيم الإسنوي الشافعي, كتابا في بابه عديم النظير, حاويا من القواعد الأصولية, والفروع الفقهية, للجم الغفير, لم أقف على كتاب من مؤلفات مشائخنا يشبهه في الترتيب, ويضاهيه في حسن التهذيب, سنح لي أن أصنف كتابا على منواله الغريب, واسلوبه العجيب) فإن شغّب عليك مشغّب بكتاب "تأسيس النظر" للدبوسي, على أنه من هذا النوع من التصنيف, فاقرأ عليه القاعدة الأولى : ( الأصل عند أبي حنيفة على ما ذكره أبو الحسن الكرخي أن ما غيّر الفرض في أوله غيّره في آخره) ثم اقرأ عليه آخر قاعدة : ( الأصل أن البيان يعتبر بالابتداء إن صح الابتداء وإلا فلا ),فسيعلم –إن كان له ذوق في هذا الفن- أن هذا كتاب في القواعد الفقهية وليس من الأصول في شىء. والله تعالى أعلم. * المبحث الثالث تزييف ما يسمى بالطريقة الثالثة الجامعة بين الطريقتين كان حقّ هذا المبحث أن يكون لاغيا, لأنه نتاج الطريقتين السابقتين, فإن بَطُلتا فهذه الطريقة أبْطَلُ, لكني آثرتُ إبقاءها لتعلم مقدار الزيف والتهويل الذي صاحب تقريره وتمثيله, لكن قبل الخوض في البيان فهذه مقدّمة بين يدى هذا المبحث, نحتاج إليها في الردّ والتزييف: -*أصول الفقه هو الأدلة الإجمالية أو الكلية, فالقاعدة الأصولية بابها : باب البيّنات والدعاوى, فمثلا: قاعدة " وجوب العمل بخبر الواحد", دعوى تحتاج إلى بيّنة ودليل, فإذا توافرت البيّنات والأدلة من الأحاديث والآثار وعمل الصحابة, ورُدّ ما يُقدح فيها من الطعون والشُبه استحالت إلى "دليل كلي", لهذا أصول الفقه علم لا يُبحثُ ولا يُدرس إلا مقارنا, لأنك إذا نقلت دعوى وبيّنة أبي حنيفة مثلا, لا يمكنك الحكم عليها إلا بعرض دعاوى وبيّنات بقية الأئمة : مالك والشافعي وأحمد. وأصول الفقه منذ أن أوجده الله على يد الشافعي, وهو يُبحث مقارنا وموازنا, وإذا نُسبت للمذهب ك "أصول السرخسي" للحنفية أو "أصول ابن مفلح" للحنابلة, فهى نسبة نصرة وتحرير, أما مباحثه وأدلته ومناقشاته, فتكون مقارنة مع بقية المذاهب. ومن هنا جاء التغرير بما يُسمى ب " الطريقة الجامعة بين المتكلمين والفقهاء", ومثّل لها ابن خلدون بكتاب " بديع النظام الجامع بين أصول البزدوي والإحكام" لابن الساعاتي الحنفي , ووجه التغرير: أن هذه طريقة دارجة متبعة منذ أن خلق الله أصول الفقه, وكلُّ الذي صنعه ابن الساعاتي أنه اقتصر على مذهبين- البزدوي الآمدي- لم يتجاوزهما, فيذكر مذهب أبي حنيفة والشافعي في القاعدة الأصولية من هذين الكتابين, ثم يقارن, ثم يُرجّح, وقد صرّح المؤلف بذلك في مقدّمته فقال : (قد منحتك أيها الطالب لنهاية الوصول إلى علم الأصول, بهذا الكتاب " البديع" في معناه, المطابق اسمه مسماه, لخصته لك من كتاب "الإحكام" ورصعته بالجواهر النفيسة من " أصول فخر الإسلام"). لذلك لم نسمع تهليلاً أو تكبيراً على هذا الفتح في التأليف, بل عدّوا هذا الكتاب مرجعا من مراجع الحنفية, سار فيه مؤلفه على سَنَن أهل الأصول في التأليف. فإن كان ثمّة جديد, فهو اقتصار مؤلفه على مذهبين ولا يتوسع. وقد أخذ الكتاب صيته لأن مؤلفه : (أعلم أهل زمانه في أصول الفقه) كما صرّح بذلك الزركشي. وكذلك صنع الكمال بن الهمام في "التحرير", ولا تتوهم أن كلمة (الطريقة) التي سطّرها الكمال في مقدمته عنى بها هذه الطريقة المخترعة, فقد قال : (وبعد فإني لما صرفْتُ طائفة من العمر للنظر في طريقتي الحنفية والشافعية, في الأصول..) , والطريقة يقصد بها : أصول الشافعية والحنفية, وعلّل ذلك شارحه أمير بادشاه بقوله : (لما كان علم الأصول يُتوصل به إلى كيفية استنباط الأحكام سُمّى طريقا ), وتغرير آخر- وقعنا فيه ردْحا من الزمن-, وما زال*كثير من طلاب العلم المبتدئين يعتقدونه وهو : أن القسمة الثلاثية تقتضي أن يكون هذا المذهب الثالث الجامع بين طريقتين, قد مُزج بينهما, حتى استحالت إلى طريقة ثالثة, كمن أتى بلونين : أبيض وأسود, ثم قال هذا لون ثالث يجمع بينهما, فلا تصحّ هذه القسمة حتى يمزج بينهما ليستحيل إلى اللون ( الرمادي), أما لو وضع اللون الأبيض بجوار اللون الأسود, ثم ادعى أن هذا لون ثالث, فهذا مدعاة للسخرية والضحك. لكن واقع الحال أن ما يسمى ب "الطريقة الثالثة" إنما هو مقارنة بين مذهبين ليس إلا. ثم جاء المعاصرون فتوسعوا في التمثيل, فأدخلوا كتاب "جمع الجوامع" لابن السبكي, و "إرشاد الفحول" للشوكاني, وعلّل هذا الصنيعَ الشيخُ الخضري بأن ابن السبكي قال في مقدّمة كتابه " جمع الجوامع" بأنه جمعه من زهاء مئة مصنّف, ولمّا كان "إرشاد الفحول" قد عاد إلى مراجع كثيرة, استحق أنْ يدخل تحت مسمى " الطريقة الثالثة"! وهذا كلام لا يصح إقراره ولا تدريسه, حتى ابن خلدون لا أظنه قصد هذا المقصد من ذكر " المذهب الثالث", وإلا فيلزم أن تكون كل كتب الأصول مؤلفة على هذه الطريقة: -*"نفائس الأصول في شرح المحصول" للقرافي, جمعه من نحو ثلاثين تصنيفا من المتقدمين والمتأخرين, من أهل السنة والمعتزلة, وأرباب المذاهب الأربعة, كما نقلنا نصّه في المبحث السابق. -*"رفع الحاجب عن ابن الحاجب" لابن السبكي, عدّد زهاء مئة مصنّف بالاسم, ثم قال : (وغير ذلك مما لو عددناه لضيعنا الأنفاس وضيعنا القرطاس), فليُلحق هذا الكتاب بالطريقة الثالثة! -*"البحر المحيط" للزركشي عدّد أكثر من مئة مصنّف, وقال ( وقد اجتمع عندي بحمد الله من مصنفات الأقدمين في هذا الفن ما يربو على المئين ),فلْيُضرب به المثل في مناهجنا على هذه الطريقة الثالثة! -*بل كل كتب الأصول لا بد لها من مراجع, فينقل بعضهم عن بعض, ويعتمد بعضهم على بعض, وإن لم يعدّدوها في المقدمة. وكم آسف أن هذه الطريقة المزعومة تُدرّس لطلاب العلم, وبهذه الأمثلة الموهومة, فلا يزداد طالب العلم إلا حيرة وترددا, ولا حول ولا قوة إلا بالله. المبحث الخامس أثر هذه المصطلحات على الدعوات المعاصرة ل"تصفية أصول الفقه" وتحرير القول فيه هذا ما أظنه, فهذه التقسيمات والمصطلحات, والتعليل الذي قامت عليه, ومن ثَمَّ تدريسه وتلقينه لطلاب العلم المبتدئين, ومبالغة الدارسين والباحثين في نشره وإذاعته كان له أثر بالغ السؤ على هذا العلم وطلابه, حتى آل الأمر إلى توجس كثير من طلاب العلم المبتدئين من أصول الفقه, كونه نتاج أهل الكلام ,إلى دعوات محمومة لتصفية أصول الفقه مما علق به من مسائل الكلام, بل والمطالبة بإعادة كتابته على وِفق منهج أهل السنة والجماعة. وإنْ كُنْتَ في شكٍّ من ظني, فأعلمني : ما بالنا لا نسمع مثل هذه الدعوات, ولا نرى هذا التوجس لبقية العلوم والفنون؟ فكتب التفسير, وشروح الحديث, والفقه, طافحة بمسائل الكلام, بل كتب الفقه – لا سيما المتأخرة- فيها من المستشنعات العقدية, والبدع ما يعرفه كل شادٍ لهذا العلم. هل سمعتم بدعوات لتصفية علم الفقه مما علق به من باطل الكلام, وسىء العقيدة؟ هل بلغتكم دعوة مثلها في حقّ التفسير وشروح الحيث؟ وإن سمعتم فهى دعوات مهموسة, لا تكاد تُسمع, على خلاف علم أصول الفقه, فهى دعوات أخالها أحيانا كالعويل. فإن قال قائل: كتب التفسير وشروح الحديث, ناسب إيراد علم الكلام فيها, لأنها احتوت على آيات وأحاديث وآثار في الأسماء والصفات, فأما علم أصول الفقه, فلا معنى لإيراد علم الكلام فيه؟ والجواب : أن المآخذ- في الأغلب- على علم الكلام الموجود في كتب الأصول, هو كونه باطلا ومخالفا للكتاب والسنة, لا مطلق علم الكلام, وقد علمتَ أن كثيرا من كتب التفسير وشروح الحديث قد تصدى لتفسيرها وشرحها كثير من المتكلمة, فسطّروا فيها من الأقوال المبتدعة, والتأويلات الباطلة, ما هو معروف ومشهور, فَلِمَ لا يطالبون بإعادة كتابتها وتصفيتها؟ والعجب, أن تأثير هذه الدعوات بلغت أهل التخصصات الأخرى من أهل العلم فصاروا يغمزون هذا العلم لوجود الكلام فيه, وربما حقّروا شأنه في نفوس الطلاب, فصحّ فيهم المثل : رمتني بدائها وانسلّت. ولستُ أبالغ, وهو داء قديم اشتكى منه القرافي – الفقيه الأصولي- فقال : ( وقد أجمع قوم من الفقهاء الجهال على ذمه- أى : أصول الفقه- واهتضامه, وتحقيره في نفوس الطلبة, بسبب جهلهم به, ويقولون : إنما يُتعلم للرياء والسمعة, والتغالب والجدال, لا لقصد صحيح, وما علموا أنه لولا أصول الفقه لم يثبت من الشريعة قليل ولا كثير) ويؤسفني أن المتخصصين في هذا العلم- أصول الفقه- قد أمدوا هؤلاء المحقّرين لهذا العلم بأعظم مادة يأخذونها عليه, وذلك بإلصاق هذا المصطلح والتعليل المخترع, لأصول الجمهور. وطالب العلم الناشئ- كذلك كنّا من قبل- قد وقر في نفسه ذمّ الكلام وأهله, وربما لقلة خبرته واطلاعه, لا يفرّق بين الكلام المذموم وغيره, ولا يعرف توجيه كلام السلف في ذم هؤلاء, فيتوجس من علم الكلام مطلقا من غير تفصيل. وتحقيق القول في هذا المقام: -*أن علم الكلام الذي ذمه السلف هو العلم المخالف للمنقول, والذي اتخذه أهل الكلام ذريعة لنفي صفات الله, ونفى القدر, ونحو ذلك من المسائل: يقول ابن حمدان في "صفة المفتي والمستفتي" : ( وعلم الكلام المذموم هو أصول الدين إذا تكلّم فيه بالمعقول المحض, أو المخالف للمنقول الصريح الصحيح, فإنْ تكلم فيه بالنقل فقط , أو بالنقل *والعقل الموافق له فهو من أصول الدين وطريقة المسلمين ) بل وكان آخر الأمرين من شأن الإمام أحمد, المناظرة فيه, ومحاجة أهل البدع, ووضع الكتب في الردّ عليهم, بعد نهي سابق عن جدالهم ومناظرتهم والاكتفاء ببيان السنة, وقد استدلوا على تراجعه برواية ابنه حنبل : ( قد كنا نأمر بالسكوت, فلما دُعينا إلى أمر ما كان لنا بدّ أن ندفع ذلك , ونبيّن من أمره ما ينفي عنه ما قالوه) ثم استدل بقوله تعالى ﴿*وجادلهم بالتي هى أحسن﴾*{النحل:125} يقول ابن مفلح : (وقد صنّف الإمام أحمد-رحمه الله ورضى عنه- كتابا في الرد على الزنادقة والقدرية في متشابه القرآن وغيره, واحتج فيه بدلائل العقول, وهذا الكتاب رواه ابنه عبد الله, وذكره الخلال في كتابه, وما تمسك به الأولون- من منعه الجدل- فهو منسوخ) وقول ابن مفلح : ( واحتج فيه بدلائل العقول ) حتى لا يُظن أن الرد عليهم إنما كان بالمنقول فقط, لأن القدرية والمعتزلة كانوا أعظم المتكلمين المعظمين للطرق العقلية, بل جعلوا العقل أصل الشرع, فاحتاج إلى مخاطبتهم باصطلاحهم. بل حتى الاصطلاحات المولدة ك" الجوهر" و" العرض" و"الجسم", وغير ذلك, يجوز التنزل ومخاطبتهم بأمثال هذه العبارات, يقول ابن تيمية: ( فإذا عُرفت المعاني التي يقصدونها بأمثال هذه العبارات, ووُزنت بالكتاب والسنة, بحيث يثبت الحقّ الذي أثبته الكتاب والسنة, وينفي الباطل الذي نفاه الكتاب والسنة, كان هو الحق) وقاسه على مخاطبة العجم والروم والفرس والتُرك بلغتهم, فهذا جائز حسن للحاجة فعلم الكلام كمصطلحٍ لا يستلزم مدحا ولا ذمّا, بل المعلوم منه هو الممدوح أو المذموم, أسوق هذا الكلام لأن بعض طلاب العلم, يجعل مجرد وجود علم الكلام في الأصول مدعاة للذم والقدح, من غير تمييز بين السنة والبدعة, وهذا لا شكّ جوْرٌ في الحكم. فإن قيل : بين علم الكلام وعلم أصول الفقه فرق, فوجود مسائل الكلام الموافقة للمنقول والمعقول في كتب الأصول خطأ ولا ريب. فالجواب: إن سلّمنا بأنه خطأ, فهو ليس بخطأ عقدي أو علمي يستدعي إنكارا, غاية ما يقال : إنه خطأ منهجي لا أكثر. ومع هذا فوجود علم الكلام في أصول الفقه أضحى ضرورة, وهو ما سأبينه بعد قليل إن شاء الله. -*أمر آخر يقع فيه بعض طلاب العلم, وهو عدم التفريق بين الخطأ في المسألة الكلامية العقدية, وأصول الفقه, فإنه لا تلازم بينهما: فمسائل الاعتقاد توصف بالسنة والبدعة, والحقّ والضلال, أما مسائل أصول الفقه, فهى من محض الفقه , وتتعلّق بأفعال المكلفين, فمن أخطأ في مسائل الاعتقاد من أهل الكلام, لا يعني بالضرورة خطؤه في مسائل أصول الفقه. وصحيح ما نُقل عن طوائف من الأصوليين المناقضين لأهل الكلام من تنقّص لسبيلهم وطريقتهم في تقرير قواعد الأصول, ومن هؤلاء ابن السمعاني, فقد قال : (ورأيت بعضهم قد أزغل وحلّل وداخل, غير أنه حاد عن محجة الفقهاء في كثير من المسائل, وسلك طريق المتكلمين الذين هم أجانب عن الفقه ومعانيه, بل لا قبيل لهم فيه ولا دبير, ولا نقير ولا قطمير," ومن تشبع بما لم يعط فقد لبس ثوبي زور", وعادته: السؤ, وخبث النشؤ, قطاّع طريق الحق, معم عن سبيل الرشد وإصابة الصواب)*نسأل الله تعالى السلامة. وهذا وأمثاله محمول لمن لم يكن له حظٌّ في الفقه, فأوغل في علمٍ لا يُحسنه, فصح فيه أنه لبس ثوبى زور, وآية ذلك أن ابن السمعاني قد أورد هذا القيد في باب الإجماع : فيمن ينعقد به الإجماع من الأمة, فقال : ( وأما الذين يتكلمون في الجواهر, والأعراض, وعُرفوا بمحض الكلام, ولا يعرفون دلائل الفقه, فلا عبرة بقولهم في الإجماع, وهم بمنزلة العوام, وأما المتفردون بأصول الفقه, فإن وافقوا الفقهاء في ترتيب الأصول, وطرق الأدلة, كان خلافهم مؤثرا يمنع انعقاد الإجماع) وقد عرَفْتَ شدّة الشيخ على أهل الكلام, فلا شهادة بعد شهادته, بل من تأمل كتابه " القواطع", وجده كثير النقل والإفادة- كما صرّح بذلك محقق الكتاب- عن " البرهان" للجويني, و"المعتمد" لأبي الحسين البصري, وهما من هما عند أهل الكلام! لذلك تجد كثيرا من الأصوليين يقيّدون- في مسائل الأصول- القبول أو الرد من أهل الكلام, بمن له نظر في الفقه, وهذه أمثلة على ذلك: -*يقول السرخسي في الاحتجاج على صحة القياس : (وقد كان الصدر الأول اتفاق على استعمال القياس, وكونه حجة, وإنما أظهر الخلاف بعض أهل الكلام ممن لا نظر له في الفقه..) -*ويقول الجصاص : (وإنما أنكر إثبات القياس قوم من المتأخرين من المتكلمين, لا حظ لهم في الفقه وأصول الأحكام) وما زال هذا العلم يتحدر إلينا قرنا بعد قرن, والعلماء ينقلون ويقرّرون مسائل الكلام من غير تحفظ ولا تردد, غاية ما هنالك أنْ يشيروا إلى كونها مسألة كلامية لا تعلّق لها بالفقه, حتى الذين وعدوا في مقدّمة كتبهم بأنهم سَيُخلوا مصنفهم من الكلام,-كابن السمعاني- فإنه غالبا ما يغلبه المقام, فيضطر إلى الرد والبيان. وما حمل أهل العلم على مزج أصول الفقه بعلم الكلام هو الضرورة, كما حملت الضرورة الإمام أحمد على نسخ رأيه في عدم مجادلة أهل الكلام إلى وجوب ذلك. والضرورة هنا هى : أن المعتزلة هم من أوائل من صنّف في هذا العلم, فدسّوا أصول الاعتزال في هذه الكتب, فكان لزاما على أهل العلم التصدي لهم, فجاء الأشاعرة فردوا فأصابوا وأخطأوا, وبقية الاعتزال التي بقيت فيهم, حملت أهل السنة أيضا على التصدي لهم, كأبي إسحاق الشيرازي, وأبي المظفر ابن السمعاني من الشافعية, وفخر الإسلام البزدوي, وشمس الأئمة السرخسي من الحنفية, وابن قدامة المقدسي من الحنابلة. لكن الذي حمل لواء إحياء السنة- بلا مدافعة- هو شيخ الإسلام بن تيمية, فقد قرّر هذه المسائل الكلامية الموجودة في أصول الفقه وغيرها كأحسن ما يكون التقرير, أحيا فيها مذهب السلف بعد أنْ كاد أنْ يضمحل, فسرعان ما انتشر مذهب السلف في كتب الأصول من تلاميذ الشيخ ك"إعلام الموقعين" لابن القيم, و"شرح مختصر الروضة" للطوفي, و"أصول الفقه" لابن مفلح, ومن المتأخرين كتاب "التحبير" للمرداوي, فإني أعدّه أجمع كتاب في أصول الفقه, عنى ببيان عقيدة السلف نقلا وحجاجا, ولبعض المعاصرين أيضا جهود مشكورة في هذا البيان كصاحب " المسائل المشتركة". لذا فلْتَقَرّ أعينُ المتوجسين والمترددين من هذا الخلط بين علم الكلام وعلم أصول الفقه, فما من بدعة مسطورة في كتاب, إلا والردّ عليها وبيان السنة فيها تجده في كتاب*آخر, علمه من علمه, وجهله من جهله. وهذه الدعوات لتصفية أصول الفقه, أو إعادة كتابته على وفق منهج أهل السنة والجماعة, أخشى أن تتضمن ازدراء وتنقصا للسلف, فكما أن الله تعالى عصم هذه الأمة عن الخطأ, فقد عصمها كذلك عن عدم التنبه للحق, أو السكوت على الباطل, وهذه دعوة لم يُسمع بها من قبل. ثم إن الحكمة تقتضي أن البدعة يُردّ عليها في موضعها وزمانها, فمن سمع بدعة في مجلس أو جماعة, وجب عليه-إن كان قادرا- أن يرد عليها في وقتها ومكانها, ولو أخرها ليوم آخر أو جماعة آخرين كان ذلك عيّا وغباء, فكذلك البدع الكلامية في أصول الفقه, وجب الردّ عليها في موضعها, ولا يُضرب عنها صفحا بحجة أن هذه ليست من مسائل الأصول, وإلا كان ذلك عيّا وغباء. هذا ما جاد به الخاطر في هذا المبحث, وهو آخره, واللهَ تعالى أسال, أن ينفعني بما كتبتُ, وأن ينفع من يقرأها, وصلى الله وسلّم وبارك على سيّدنا محمد, وعلى آله وصحبه أجمعين.
__________________
|
![]() |
| الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |