بصائر نفسية إسلامية الغيظ والغضب - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4856 - عددالزوار : 1804741 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4423 - عددالزوار : 1161320 )           »          منهاج السنة النبوية ( لابن تيمية الحراني )**** متجدد إن شاء الله (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 359 - عددالزوار : 114948 )           »          الموسوعة التاريخية ___ متجدد إن شاء الله (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 149 - عددالزوار : 15468 )           »          الوصايا النبوية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 19 - عددالزوار : 4163 )           »          سِيَر أعلام المفسّرين من الصحابة والتابعين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 101 - عددالزوار : 63943 )           »          تغيير الشيب (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 53 )           »          السِّواك (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 51 )           »          تأخير الصلاة عن أول وقتها بسبب العمل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 50 )           »          آداب السفر للحج (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 44 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى حراس الفضيلة
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى حراس الفضيلة قسم يهتم ببناء القيم والفضيلة بمجتمعنا الاسلامي بين الشباب المسلم , معاً لإزالة الصدأ عن القلوب ولننعم بعيشة هنية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 03-05-2025, 10:13 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 151,070
الدولة : Egypt
افتراضي بصائر نفسية إسلامية الغيظ والغضب

بصائر نفسية إسلامية الغيظ والغضب




بقلم الدكتور محمد كمال الشريف


1 - الغيظ انفعال، والغضب فعل إرادي

عندما يتعرض الإنسان إلى إساءة أو عدوان يثور في نفسه شعور عدائي انتقامي تجاه من اعتدى عليه، واسم هذا الشعور "الغيظ"، وهو شعور يعبر عنه الإنسان بالغضب الذي يستنفر الجسم من أجل الهجوم على المعتدي والانتقام منه، فتزداد ضربات القلب، ويرتفع ضغط الدم، وتتوسع الحدقتان، وتكون العضلات مشدودة، يتدفق إليها الدم غزيراً، لتكون قادرة على الأداء بقوة.
ويضغط الغيظ عادة على النفس، يريد أن ينفذ ويخرج من عالم الشعور المخبوء بين جوانح النفس إلى عالم السلوك الظاهر من خلال الغضب.
وبحسبة سريعة جداً، يقدر الإنسان ما إذا كان الموقف يسمح لهذا الغيظ أن يتحول إلى سلوك قولي أو فعلي.

فإن كان الموقف يسمح، ظهر الغضب في الملامح ونبرة الصوت، واشتد استنفار الجسم استعداداً لهجوم وشيك.
وإذا كانت العواقب المتوقعة ضمن حدود المقبول، وكان الإنسان مستعداً لتحملها، فإنه يطلق لغضبه العنان، فيرتفع صوته بالصراخ، والتوبيخ، والشتائم، وقد يصل الأمر إلى العنف الجسدي، فيكون الضرب، والإيذاء، وغير ذلك من أساليب العدوان، والانتقام.
أما إن كان في تقدير الإنسان الذي شعر بالغيظ، أن الموقف لا يسمح له بإظهار الغضب، وأن العواقب ستكون وخيمة، وفوق احتماله، فإنه يكظم غيظه، ولا يظهره أبداً .

والغيظ انفعال يقوم في النفس، كرد فعل تلقائي لا إرادي على أذية، أو إهانة، يتصور الإنسان أنها وقعت عليه.
إذاً: فإدراك الإنسان للموقف، ونظرته إليه، هي التي تقرر قيام الغيظ في نفسه،أو عدم قيامه.
وطالما كان الغيظ انفعالاً نفسياَ، فإن رؤية الإنسان للأمور هي التي تحدد مدى تأثره به.

أما الغضب فهو سلوك تعبيري، وعدوان بالقول أو الفعل.. وبما أنه سلوك، فإنه يخضع لإرادة الإنسان.، لذا فإنه عندما أتى رجل إلى النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وقال له: "أوصني"، قال له النبي محمد صلى الله عليه وسلم: [لا تغضب]. فردد الرجل مراراً، وكان جواب النبي محمد صلى الله عليه وسلم يتكرر: [لا تغضب]. (رواه البخاري).
ولم يقل له "لا تغتظ"، لأنه صلى الله عليه وسلم عندما قال له: [لا تغضب]. كان يدرك بوضوح أن الغضب فعل إرادي، يستطيع الإنسان أن يقوم به، أو أن يمنع نفسه منه، أما الغيظ فانفعال لا إرادي، والرسول محمد صلى الله عليه وسلم دعانا إلى كظمه حين قال:
[من كظم غيظاً وهو قادر على أن ينفذه دعاه الله سبحانه وتعالى على رؤوس الخلائق يوم القيامة، حتى يخيره من الحور العين ما شاء]. (رواه أبو داود والترمذي وقال: حديث حسن).
الغيظ يكظم كظماً، أما ضبط النفس والتحكم فيها، فيكون عند الغضب، فالضبط والتحكم مطلوبان في السلوك، قال صلى الله عليه وسلم: [ليس الشديد بالصرعة، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب]. (متفق عليه).

وقد نسب الله إلى نفسه الغضب، ولم ينسب الغيظ إليه.، لأن الغيظ انفعال يثور في النفس شاء الإنسان أو أبى، لكن الغضب سلوك إرادي، والإرادي يليق بالله، بينما اللا إرادي لا يليق بجلاله وكماله سبحانه وتعالى.
عندما يكظم المؤمن غيظه، فإنه يحافظ على هدوء نفسه وسكينتها، ولا يظهر للآخرين، حتى لو كانوا مسيئين إليه، لا يظهر لهم أي نوع من العداء والرغبة في الانتقام، وبهذا يبقى السلام والمودة والرحمة، هي المشاعر السائدة في المجتمع المؤمن.
فالذي يغضب، قد يقول ما يجرح مشاعر الآخرين جرحاً يطول الزمن، ولا يندمل، والذي يغضب قد يرد الإساءة بإساءة أشد منها، فيظلم إخوانه، ويتحول من مظلوم إلى ظالم، وبعدها يندم حين لا ينفع الندم، أما الذي يكظم غيظه، فإنه ملك نفسه، ممسك بزمامها، متحكم بها، ولن يكون لديه ما يندم عليه، بل سيغمره الرضا والسرور.، لأنه نجح في أن يسمو بنفسه، وفي أن يكون حليماً ورحيماً، وهذا ما يليق بالمؤمن الذي يهتدي بأنوار الإيمان.







__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 03-05-2025, 10:24 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 151,070
الدولة : Egypt
افتراضي رد: بصائر نفسية إسلامية الغيظ والغضب

بصائر نفسية إسلامية الغيظ والغضب(2)




بقلم الدكتور محمد كمال الشريف



2 - الغضب ثورة تضر ولا تنفع

هنالك اعتقاد خاطئ، وبخاصة عند بعض الغربيين، أن على الإنسان أن يغضب إذا أحس بالغيظ، حتى لا يتراكم غيظه، ويتسبب في اضطراب نفسه.
وهذا الاعتقاد الخاطئ، ربما كان فهماً خاطئاً للنصيحة المتكررة، التي يقدمها المعالجون النفسيون لمرضاهم، بأن يعبروا عن مشاعر الغيظ التي تقوم في نفوسهم تجاه من يرتبطون معهم بعلاقة، ولكن شريطة أن يتم التعبير دون التورط في أي عنف أو عدوان.، إذ الهدف من هذا التعبير عن الغيظ، هو إيصال الأمر إلى الذي تسبب بالغيظ، من أجل ألا يتكرر منه الخطأ، أو من أجل أن يقوم بتصحيح خطئه.
وهذا التعبير عن الغيظ دون عدوان، أو عنف، لا يتنافى مع كظم الغيظ.، الذي دعانا إليه رب العالمين والرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم.
فكظم الغيظ يعني، ألا نتجاوب مع انفعالنا بسلوك غاضب نلجأ فيه إلى العنف في كلامنا أو أفعالنا، وتفوح العداوة من كلماتنا، وتعبيرات وجوهنا. فكظم الغيظ امتناع عن الغضب، وليس امتناعا عن أن يقول الإنسان لمن أغاظه أنه قد تضايق من فعله أو قوله وأنه اغتاظ منه، وتأثر من سلوكه نحوه.
إن مثل هذا التعبير عن الغيظ هام في التواصل الناجح بين اثنين من أجل المحافظة على العلاقة بينهما في أحسن حال.
لكن كظم الغيظ لا يضر بالنفس أبداً، وكيف يضر والرسول محمد صلى الله عليه وسلم يقول: [من كظم غيظاً وهو قادر على أن ينفذه ملأه الله أمناً وإيماناً]. (رواه أبو داود 4778).
إنما الحقيقة أن إنفاذ الغيظ، وتحويله إلى غضب ظاهر في تعبيرات الوجه، وفي الأقوال والأفعال، هو الضار بالنفس والبدن، فقد أظهرت الدراسات الطبية الحديثة أن كظم الغيظ أفضل لصحة القلب عند الإنسان، فقد تبين أن الأشخاص الغضوبين، العدائيين، العجولين، يصابون باحتشاء العضلة القلبية، أي: الجلطة القلبية أكثر من غيرهم بكثير.
وقد تم تقديم العلاج النفسي، والمشورة النفسية للكثيرين ممن أصيبوا بالجلطة القلبية، وفيهم هذه الطباع، وذلك من أجل تدريبهم على كظم غيظهم، والإقلال من غضبهم المتكرر، وعدائيتهم تجاه الآخرين، وكذلك الحد من استعجالهم في الحياة اليومية، وذلك لوقايتهم من نوبات قلبية أخرى.
ولعل الرجل الذي أكد عليه الرسول محمد صلى الله عليه وسلم وهو يوصيه بألا يغضب، لعل هذا الصحابي كان من النوع الغضوب الذي ينفجر غاضباً عند كل صغيرة أو كبيرة، ووصية الرسول محمد صلى الله عليه وسلم هذه هي من نوع العلاج النفسي السلوكي.
ذلك أن بعض الناس ينفجر غاضباً عندما لا يحصل على ما يريد، وعندما يريد التحكم بمن حوله كزملائه في العمل، أو أفراد أسرته، ليجعلهم يفعلون له ما يريد، أو ليجعلهم يسكتون عن أخطائه، وإذا ما أذعنوا له، وأعطوه ما يريد تجنباً لغضبه وسورته، كان له في ذلك مكافأة على سلوكه السيء، فيتكرر منه الغضب، لأن غضبه حقق له النتائج التي يرجوها.
أما إن رفض الناس من حوله أن يذعنوا لغضبه، وأن يستسلموا له دون حق، وعاقبوا سلوكه السيء هذا، ولو بمجرد الإهمال، وعدم الاهتمام، فإنه بتكرار المواقف، يتبين له أن غضبه دون حق لا يأتيه بنتيجة، فيقلل منه، أو حتى يقلع عنه.
فالغضب والعدوان عموماً ليس غريزة في الإنسان ترتاح نفسه، ويخف توترها إذا أشبعت، وأعطيت وفق هواها... إنما هو سلوك يزداد إن كوفئ، ويخف إن عوقب.
والغضب ثورة تهز استقرار النفس والبدن، فلا عجب إن تسبب الغضب المتكرر بالجلطة القلبية، أو ارتفاع ضغط الدم، أو بنزيف في الدماغ، فجسم الإنسان: قوته، وعافيته في توازنه واستقراره، وإن تحمل في شبابه نوبات الغضب، فلن يتحملها عندما يتقدم سنه، ويدب الضعف في بنيانه.
فما أجمل أن يتعود المؤمن على كظم الغيظ! فيكون من عباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هوناً، وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا: سلاماً.







__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 03-05-2025, 10:28 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 151,070
الدولة : Egypt
افتراضي رد: بصائر نفسية إسلامية الغيظ والغضب

بصائر نفسية إسلامية الغيظ والغضب(3)




بقلم الدكتور محمد كمال الشريف




3 - اغفر وادفع بالتي هي أحسن
ليس العدوان غريزة في الإنسان، ولكن الميل إلى الانتقام فطرة في البشر، فإذا ما أحس الإنسان برغبة في الانتقام ممن أساء إليه، فذلك لا يعني أنه إنسان سيء شرير.
إنما الرغبة في الانتقام أمر طبيعي ومتوقع، عندما يتعرض أحدنا لعدوان، أو إساءة، أو ظلم.
والمنتقم من أسماء الله الحسنى، لكن الله عادل، وقد حرم الظلم على نفسه، وجعله بيننا محرماً.،
لذا فإن الله تعالى عندما أذن للمؤمن بالانتقام ممن اعتدى عليه، أكد على ألا يسرف المؤمن في الانتقام، وأوجب عليه العدل في انتقامه، ومع إباحته للانتقام كان الحض المتكرر، والترغيب للمؤمن بالصبر على الأذى والعفو عن المسيئين إليه.
ومع أن الإسلام يعلي كثيراً من قيمة العفو والصفح، فإنه في الوقت نفسه دين الفطرة، يراعيها بواقعية رائعة، ويراعي رغبة المظلوم في الانتقام لنفسه ممن ظلمه، واعتدى عليه دون حق.
قال تعالى: {...فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ{194}}. (البقرة: 194).

تذكير بالتقوى، وترغيب بها، بأن جعل الله من نفسه نصيراً للمتقين يقف إلى جانبهم، وإذا ما أدرك المؤمن أن الله معه، خفت رغبته في الانتقام حتى لو أحس بالظلم، فما عليه إلا أن يلزم صف المتقين، وعندها يكون الله معه، ويكون منصوراً حتى لو عفا، وصفح، ولم ينتقم.
قال تعالى مؤكداً على العدل في الانتقام، ومرغباً بالصبر: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرينَ{126}}. (النحل: 126).



ولنتدبر سوية هذه الآيات الكريمة:
قال تعالى: {فَمَا أُوتِيتُم مِّن شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ {36} وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ {37} وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ {38} وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنتَصِرُونَ {39} وَجَزَاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ {40} وَلَمَنِ انتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُوْلَئِكَ مَا عَلَيْهِم مِّن سَبِيلٍ {41} إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُوْلَئِكَ لَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ {42} وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ {43}}. (الشورى: 36 - 43).
فبعد كل شيء يبقى الصبر والمغفرة من عزم الأمور، وليس للانتقام هذه المكانة.
إنها ثلاثة أساليب للتعامل مع الغيظ والرغبة في الانتقام المتولدة منه عندما يتعرض المؤمن للإساءة:
الأول: وهو الأقرب إلى الطبع البشري، هو الانتقام والعقوبة، لكن بعدل المؤمن التقي.
الثاني: وهو الأرقى، ويتمثل في الصبر والمغفرة.
الثالث: والذي تتجلى فيه قوة شخصية المؤمن، وقدرته على التحكم بغيره في أروع تجلياتها، وفيه يرتفع سلوك المؤمن عن أن يكون مجرد رد فعل لسلوك الآخرين.

وهذا الأسلوب الثالث للتعامل مع الإساءة، هو الدفع بالتي هي أحسن، أي: الرد على الإساءة بحسنة.... وإذا ما تم ذلك بإخلاص، وكان من القلب، ولم يقم به المؤمن ليقول لمن أساء إليه وذلك بطريقة غير مباشرة.، ليقول له: "أنا خير منك، فها أنا ذا أرد على إساءتك بحسنة"،

إنما يرد بالحسنة، ويدفع بالتي هي أحسن، بصدق، دون أن يهدف إلى الانتقام عن طريق التعالي الخلقي..... إنه بذلك الصدق والإخلاص في الدفع بالتي هي أحسن، ينجح في التأثير بمن أساء إليه، وفي تحويل عداوته إلى مودةٍ وولاءٍ.
قال تعالى: {وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ {34} وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ {35} }.(فصلت: 34- 35).

الانتقام يشفي النفس من الغيظ، ومما يمكن أن يسببه تراكم الغيظ من مشاعر مزعجة.
والعفو، والصفح، والمغفرة، تقوم بالشيء ذاته.
إنها تطهر القلب، وتشفيه من الغيظ، ولا تدعه يتراكم ليصبح غلاً وحقداً.
قال تعالى: {وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ {10}}. (الحشر: 10).

وإن الثواب العظيم الذي يتوقعه المؤمن من الله تعالى على مغفرته لمن أساء إليه مؤمناً كان المسيء أو كافراً..... هذا الثواب، فيه خير تعويض عن المعاناة التي تسببت بها إساءة المسيء، بل هو الربح الكبير، ولن يخسر من يتاجر مع رب العالمين أبداً.

وعلينا أن نذكر دوماً أننا إن غفرنا لمن أساء إلينا فلن نخسر حقنا في التعويض عن الإساءة إنما نغفر مرضاة لله وهو يعوضنا من فضله ورحمته أكثر بكثير مما يمكننا الحصول عليه ممن أساء إلينا سواء في الدنيا أو الآخرة. ونحن لا نغفر حباً بالذي أساء إلينا إذ كيف نحب من آذانا ونفوسنا مفطورة على حب من يحسن إليها لا من يسيء إليها، إنما نغفر حباً لله ورغبة في ثوابه وبذلك نستطيع أن نفهم دعوة الله لنا أن نغفر حتى للكفار المعاندين الرافضين لهدايته سبحانه وتعالى ولا يمكن أن يدعونا للمغفرة لهم من أحلهم بل من أجلنا، لما للمغفرة من أثر رائع في النفس، قال تعالى: {قُل لِّلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لا يَرْجُون أَيَّامَ اللَّهِ لِيَجْزِيَ قَوْماً بِما كَانُوا يَكْسِبُونَ } {الجاثية : 14} والآية واضحة أن مغفرتنا لهم لا تعني أن الله لن يجزيهم على ما اكتسبوا وقد لا تنفعهم مغفرتنا لهم طالما أصروا على كفرهم، لكنها تريحنا من مشاعر الحقد عليهم وتجعلنا أقدر على دعوتهم لدين الحق دعوة من القلب علها تصل إلى قلوبهم الغافلة.

وقد دخل مفهوم المغفرة عمن أساء إلينا في العلاج النفسي الحديث لما للمغفرة عن الآخرين من فائدة نفسية علاجية تساعد النفس على تجاوز الأذى الذي أصابها على أيدي الآخرين، ولأن الحقد والرغبة في الانتقام تجعلنا نتوقف عند الإساءة نجترها وتتجدد معاناتنا منها كلما ذكرناها فتطول معاناتنا وقد لا تصل إلى نهاية لها لأن الانتقام الدنيوي ليس ميسوراً للجميع، وهكذا تكون المغفرة للمسيء وإحالة الأمر إلى الله مخرجاً مشرفاً للمظلوم الذي يتجاوز عن الإساءة لا لأنه ضعيف ذليل بل لأنه استجاب للغفور الرحيم فتخلق بأخلاقه سبحانه وتعالى وغفر كما يغفر، والمؤمن المتوكل على الله ليس ضعيفاً وكيف يكون ضعيفاً من يستطيع أن يرفع كفيه ويدعو العزيز القدير أن ينتقم له وهو يعلم أن الله تكفل أن ينصر دعوة المظلوم ولو بعد حين.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 03-05-2025, 10:35 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 151,070
الدولة : Egypt
افتراضي رد: بصائر نفسية إسلامية الغيظ والغضب

بصائر نفسية إسلامية الغيظ والغضب(4)




بقلم الدكتور محمد كمال الشريف


4 - الذي يملك نفسه عند الغضب

الغيظ شعور يقوم بالنفس كرد فعل على ظلم وقع عليها، وكظم الغيظ وحده لا يكفي ليذهب الغيظ، وينمحي من النفس، إذ لا بد للتخلص من الغيظ من الانتقام والعقوبة، أو العفو والمغفرة، فبهما يكون شفاء الصدور من الغيظ المتراكم فيها. لذا فإن الله عندما حث المؤمنين على قتال الكفار الذين يحاربون الإسلام، قال: {قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُّؤْمِنِينَ {14} وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ اللّهُ عَلَى مَن يَشَاءُ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ {15}}. (التوبة: 14 - 15).
والإنسان يغتاظ عندما يعتدى عليه، ويثور غاضباً في وجه المعتدي، ليحمي نفسه من المزيد من الظلم والعدوان، أو لينتقم لنفسه، لكنه قد يثور، ويغضب لأمر ثالث، وهو الحفاظ على قدره وصورته في عيون الآخرين، وأولهم المعتدي نفسه، إذ يظن الإنسان أنه إن لم يرد على الإساءة بإساءة مثلها، فإنه سيبدو أمام الناس ضعيفاً، وجباناً، وذليلاً. لذا يشعر الإنسان أنه في موقف يضطره إلى أن يغضب، ويثور، ويرد على الشتيمة بمثلها، ويرد على الضرب بضرب أشد منه.

وقد عالج النبي محمد صلى الله عليه وسلم هذا الدافع للعنف والغضب، بأن غير المعيار الذي كان يقاس به الموقف، ونبه إلى المعيار الصحيح، وهو أن الذي يملك نفسه عند الغضب، فلا يلجأ إلى العنف، ولا يرد على الإساءة بمثلها، هو الإنسان القوي، الشديد، الصرعة.

فليس الشديد هو المصارع الذي يصرع الرجال، ولا يصرعه الرجال، إنما هو ذلك الجبل الشامخ، الذي يدرك أن قدره وكرامته لا يجرحها سفاهة سفيه، ولا إساءة مسيء.
سأل النبي محمد صلى الله عليه وسلم أصحابه يوماً فقال: [فما تعدون الصرعة فيكم؟]. قال راوي الحديث: قلنا: "الذي لا يصرعه الرجال". قال النبي محمد صلى الله عليه وسلم: [ليس بذلك، ولكنه الذي يملك نفسه عند الغضب]. (رواه مسلم).

وقال أيضاً: [ليس الشديد بالصرعة، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب]. (رواه مسلم والبخاري).
وقد أكد عن أن العفو عمن أساء إلينا لا يزيدنا إلا عزاً، فقال: [ما نقصت صدقة من مال، وما زاد الله عبداً بعفو إلا عزاً، وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله]. (رواه مسلم).
وأعطى صلى الله عليه وسلم من نفسه المثل، إذ لم يكن ينتقم لنفسه أبداً، قالت عائشة رضي الله عنها: "ما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً قط بيده، ولا امرأة ولا خادماً، إلا أن يجاهد في سبيل الله، وما نيل منه شيء قط فينتقم من صاحبه إلا أن ينتهك شيء من محارم الله تعالى، فينتقم لله تعالى". (رواه مسلم). ونيل منه، أي: أوذي.

وحتى لو بدا في صبر المؤمن على إيذاء أخيه له شيء من الذلة، فإن الله تعالى بين أن المؤمن عزيز على الكافرين، وشديد عليهم، لكنه رحيم بالمؤمنين، ذليل لهم: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لآئِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ {54}}. ( المائدة: 54).
فليست ذلتهم على المؤمنين من ضعف، إذ هم المجاهدون الذين لا يخافون لومة لائم، إنما هي الذلة النابعة من الرحمة.

قال تعالى وهو يوصينا بآبائنا وأمهاتنا إذا بلغوا عندنا الكبر والشيخوخة: {وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً {24}}. (الإسراء: 24).
والمؤمنون كما وصفهم المولى تعالى، أشداء على الكفار في مواقف الجهاد، رحماء بينهم، وهكذا فلنكن.





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 82.61 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 79.55 كيلو بايت... تم توفير 3.05 كيلو بايت...بمعدل (3.69%)]